منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   كتبي... (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=362)
-   -   الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة ) (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=11604)

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 07 : 03 AM

الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
1 مرفق
[align=justify]

الشعر الفلسطيني المقاوم

في جيله الثاني

من قَصيدَة الثَباتِ إلى قَصيدَةِ الانتفَاضَة

في الوَطَنِ المُحتَل

دراسة


--------------


طلعت سقيرق


--------

منشورات اتحاد الكتاب العرب

1993

حقوق الطبع والترجمة والاقتباس

محفوظة لاتحاد الكتاب العرب

تصميم الغلاف الفنان: عوض عمايري




كلمة

لا أدري كم عدد المقالات والدراسات التي كتبتها حول "الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني" ونشرت خلال السنوات الماضية في الصحف والمجلات العربية. فقد بدأت رحلتي مع هذا الشعر منذ العام 1979 وفيه تعرفتُ إلى أصوات شعرية لم أكن على معرفة بها من قبل، وهذا ما جعلني شديد الميل إلى متابعة الموضوع والتعرف إلى المزيد. لأكتشف فيما بعد أن هناك أسماء كثيرة تساهم في مسيرة الشعر الفلسطيني المقاوم، وأننا لا نعرف عنها شيئاً..

منذ ذلك الوقت، عام 1979، بدأت ـ ومن خلال زيارات متواصلة لمؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق ـ أعمل على نقل كل قصيدة كنت أقرأها في صحيفة "الاتحاد"أو مجلة "الجديد" الصادرتين في مدينة حيفا المحتلة، وكنت أتعامل مع كل قصيدةٍ بفرح وشوق لأنها تحمل الجدّة والإضافة بهذا الشكل أو ذاك. كنت أنقل بخط يدي دون كلل أو ملل، وكانت الأوراق تزداد شيئاً فشيئاً.. بعدها أخذت، ومن خلال معايشة كل قصيدة، في التعرف إلى هذا الشاعر أو ذاك، وشعرت أنني أقيم صداقة خاصة مع كل واحد منهم، كانت القصيدة يداً تستطيع أن تمتد لتصافح وتقول بعمق التواصل، وكانت المفردات قلباً يستطيع أن ينبض ليعبِّر بصدق عن مشاعر صاحبه. ولشدة إحساسي بالقرب من هؤلاء الشعراء، آلمني كثيراً موت الشاعر هايل عساقلة إثر مرض عضال، وكأنني كنت أعرفه معرفة شخصية حميمة.. لم تكن العلاقة علاقة دارس بشعراء يتعرف شعرهم من خلال قراءة الصحف والمجلات، كانت علاقة تحمل الكثير من المعاني النابضة بحب الوطن..

من خلال هذه العلاقة، أخذت أكتب وأنشر كتاباتي.. كثيراً ما قيل أنني أحمِّلُ القصيدة أكثر مما تحتمل.. أو أنني أسلط الضوء بشكل يعطي رؤية غير صحيحة من خلال استعمال أسلوبي الشاعري في التعامل مع هذا الشاعر أو ذاك.. ورأى بعضهم أنني اقدم صورة عن الشعر المقاوم لم تكن معروفة من قبل.. وأن عملي يحتاج لجهد مؤسسة كاملة.. وأنني كنت أكتشف منطقة شعرية كانت مجهولة.. وهكذا.. لم تتفق الآراء، وما كان لها أن تتفق.. لكن في كل الحالات بقي اهتمامي منصباً على تقديم الجديد ثم الجديد، وهو ما فعلته.

ما اجتمع لدي من قصائد كثير، وما كتبته عنها كثير.. انتقيت، ورتبت.. وضعت بعض القصائد جانباً.. واهتممت بقصائد رأيت أنها تستحق الاهتمام.. وعندما أردت وضع كتاب عن "الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني" رجعت إلى المقالات والدراسات المنشورة خلال السنوات الماضية، وحاولت ضمها بعضها إلى بعض، فكانت كثيرة ومتنوعة ومختلفة.. وكأنها تأبى أن تجتمع في كتاب واحد.. فرأيت أن أبدأ في بناء كتابي هذا من جديد، بعيداً عن أي كتابات سابقة..

فكرت في البدايةة، وهدفي مازال التعريف بهؤلاء الشعراء، أن أكتب عن كل شاعر، أو أن أتحدث عن هذا الجيل من خلال التركيز على حياة كل واحد منهم.. ورأيت أن مثل هذه الدراسات تبقى أقرب إلى المعجمية، وهو ما لا أريده في التعامل مع هؤلاء الشعراء.. فكان لابدّ من تناول شعرهم بطريقة لا تسقط أهمية التركيز على محاور وامتدادات هذا الشعر، ولا تنسى التعريف بكل شاعر، وهو ما جعلني أقسِّم الكتاب إلى ثلاثة أبواب وملحقين، تؤدي كلها في النتيجة إلى التوازن الذي أتوخاه، فالموضوعة واضحة، والشاعر قريب.

في الباب الأول، وهو تحت عنوان "أقانيم الثبات" تحدثتُ في ثلاثة فصول، عن موضوعة الأرض ومستويات التداخل، ثم الشخصية الفلسطينية وملامحها في القصيدة، والدخول في مسافة الحلم. وهو ما شكل معالم الشعر المقاوم في موضوعة التحدي والمجابهة، والإصرار على الثبات.

في الباب الثاني، وهو تحت عنوان "الانتفاضة وانعكاساتها" رأيت أن أتحدث عن تعامل هؤلاء الشعراء مع موضوعة الفعل المتوهج عطاء في الوطن المحتل، فكان الباب في فصلين، أولهما الانتفاضة وصورة التوهج، ثم الانتفاضة والشخصية القصصية في الشعر.. وهو ما شكل ملمحاً هاماً من ملامح القصيدة عند شعراء الجيل الثاني..

في الباب الثالث، وهو تحت عنوان "ملامح فنية" تحدثت في فصلين عن المعجم الشعري ومستويات المفردة، والرسم بألوان الطبيعة ودفء المشاعر.. وهو ما شكل دراسة حاولت أن تنظر إلى الملامح الفنية بعيداً عن أي صورة تقليدية سابقة.

وفي الملحق، قدمت تعريفاً لكل الأسماء الواردة في فصول الأبواب الثلاثة، وبقدر ما توافر لي من معلومات عن حياة كل واحد منهم.. فكان هذا الملحق معجماً مستقلاً عن أكثر من أربعين شاعراً من شعراء الجيل الثاني من جهة، وكان داخلاً ومكملاً لكل فصل من فصول الكتاب من جهة ثانية.

أحبّ أن أشير هنا إلى أن تسمية "الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني" لم تكن جراء نظر في تقارب أعمار الشعراء، أو في تقارب مستوياتهم الشعرية، بل جاءت جراء انتشار وظهور شعر ونتاج الأكثرية منهم بعد العام 1967.. فكان الخط الفاصل بين جيلين ـ وهو أمر نظري قائم على الاجتهاد ـ راجعاً إلى الزمن.. فالشعراء الذين عرفوا قبل العام 1967 هم شعراء الجيل الأول.. والشعراء الذين عرفوا بعد العام 1967 هم شعراء الجيل الثاني.

أحب أن أشير أيضاً إلى وجود اختلاف كبير في المستويات أحياناً. فأحد الشعراء قد يكون صاحب نتاجات كثيرة متميزة، بينما يكون الآخر صاحب نتاجات قليلة، أو صاحب إبداعات لا تصل في مستواها إلى المستوى الذي نجده عند الآخر.. وهكذا.. وأشير إلى أن هناك اختلافاً في الأعمار أيضاً قد يلفت الانتباه.. هذا وسواه موجود.. لأنني نظرت إلى نتاج الأسماء التي عرفت بعد العام 1967، دون الرجوع إلى مقاييس أخرى..

حاولت قدر المستطاع، أن تكون المسافات قريبة.. من بين مائة وعشرين شاعراً، اخترت أربعين أو أكثر بقليل.. استبعدت ـ حسب اجتهادي ومتابعتي ـ كل الأسماء التي عرفت قبل العام 1967 وحاولت الخروج بنتيجة قد تكون مقبولة إلى هذا الحد أو ذاك.. فكان هذا الكتاب.

طلعت سقيرق

دمشق في 29/11/1992
[/align]

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 25 : 03 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
مدخل وصورة أوليّة
[align=justify]
في واحدة من قصائده، يقول الشاعر الفلسطيني سليمان دغش:"لماذا حاولوا قتلي / لماذا حاولوا فصلي / عن الأرض التي انتشرت على جفنيّ منديلاً / من الأزهار والعشب / لماذا حاولوا فصلي عن الأرض التي التحمت على قلبي / جناحاً ناعم الزغب / لماذا حاولوا التفريق بين العين والهدب / سلوا الزيتون / فالزيتون يعرفني / ويشهد أن ذا وطني".. ليضعنا أمام هذا التداخل الأخّاذ مع الأرض وكل مفردات الطبيعة. وكثيرة هي الامتدادات التي يمكن أن تقرأ أو تستوحى من هذه الصور النابضة المتحركة. ولا يغيب عن البال هذا التلاحم بين طبيعة فلسطين وإنسانها. ويمكن أن تكون الوقفة طويلة أمام شهادة الزيتون بما لها من معانٍ رائعة نابضة.. ولكن قبل الدخول في مستويات قراءة مثل هذا الشعر، ألا نسأل: من هو سليمان دغش، وماذا قرأنا من شعره؟؟..

الإجابة عن سؤال كهذا تضعنا أمام حقيقة تقول: سليمان دغش واحد من شعراء كثيرين في الوطن المحتل لا نعرف عنه أي شيء، واحد من كثيرين كان لهم أثرهم وتأثيرهم في الشعر الفلسطيني المقاوم، ولكنهم غيبوا عن حضور احتفائنا الطويل بهذا الشعر، وبقيت أسماؤهم وإبداعاتهم غير معروفة في الوطن العربي.. فلماذا؟؟

الاهتمام بالشعر الفلسطيني المقاوم في الوطن المحتل أخذ حيزاً كبيراً منذ البدايةةات. ويستطيع عدد كبير من النقاد في الوطن العربي أن يقدموا عدة قوائم بعناوين لكتب ودراسات ومقالات ومحاضرات تناولت كل جوانب هذا الشعر. وقد يصح القول إن النقد العربي لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وأشبعها دراسة عن الشعر المقاوم. ولكن مشكلة هذا النقد أنه لم يخرج عن دائرة الإبداعات والأسماء المعروفة خلال السنوات الماضية. مشكلة هذا النقد أنه تعلّق بالأسماء التي ظهرت، وحصر الشعر الفلسطيني المقاوم في نتاجها لا غير. ومشكلة هذا النقد أنه لم يحاول البحث عن جديد يضيف إلى ما هو موجود. وهكذا أغلقت الدائرة على أسماء محددة قليلة، والجديد لا يخرج عن كونه جديد هذه الأسماء.

عندما نطرح سؤالاً يقول: من هم شعراء المقاومة في الوطن المحتل؟؟ سيكون الجواب مباشرة: محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم، سالم جبران، فدوى طوقان، راشد حسين، حنا أبو حنا، وفوزي الأسمر.. ثم.. قد يضيف بعضهم خمسة أو ستة أسماء.. وإذا أردنا وضع صورة أكثر واقعية، فإننا سنتوقف عند الأسماء الخمسة الأولى، لتكون صاحبة الإبداعات التي انتشرت ودارت حولها أغلب الدراسات. وفي مجال الانتشار الجماهيري، يكاد يتوقف الأمر عند ثلاثة منهم لا غير. والسؤال: هل كان من الإنصاف في شيء أن يحصر الشعر الفلسطيني المقاوم في إبداعات خمسة لا غير؟؟ ويمكن أن تؤخذ هنا المدة الزمنية الطويلة التي مرت والتي كانت تفترض إضافات متلاحقة تعطي هذا الشعر معنى الاستمرارية والتواصل. وهذا يقتضي البحث عن أسماء جديدة تابعت خطوات من سبقها. إذ أن التوقف عند أسماء برزت وظهرت في البدايةة، دون التوقف عند أسماء يفترض أنها تواصل عملية الرفد، يعني انحسار وتوقف حركة الشعر الفلسطيني المقاوم. فهل نسلّم بذلك؟؟

طبيعي أن استمرارية وتطور حركة الأدب، إنما تنبع من استمرارية وتطور حياة أي شعب. إذ لا يمكن للأدب أن يتوقف عن النمو والتتابع والإبداع، إلا مع توقف الشعب عن الحياة. وفي التطلع إلى الشعر الفلسطيني المقاوم نرى إلى ضرورة استمراريته وتطوره وديمومته، من خلال واقع الشعب العربي الفلسطيني المصر على المقاومة والتحدي. الصورة إذن أكثر من واضحة في هذا المجال، إن عدم وصول الجديد إلينا لا يعني عدم وجود هذا الجديد. وفي دراسة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، اقتراب وتداخل مع هذه الحقيقة. ومن أولويات هذه الحقيقة التي علينا التوقف عندها ما يتعلق منها بأسماء كثيرة من الجيل الأول لم يصلنا أي شيء من إبداعها. إذ إن الانتقال مباشرة إلى دراسة نتاجات الجيل الثاني، يضعنا أمام ثغرة لا يمكن إهمالها.. علينا أن نرتب الخطوات من جديد.

منذ البدايةةات كانت الصورة عن الشعر الفلسطيني المقاوم صورة مفروضة ومرسومة وثابتة. وانسحبت الصورة بألوانها وخطوطها على كل السنوات الطويلة اللاحقة. وصار لزاماً علينا أن نرى الشعر الفلسطيني المقاوم من خلال الأسماء المعروفة لا غير.. ومثل هذه الصورة ما كانت تتيح لنا التعرف إلى أسماء ظهرت قبل أو مع هؤلاء الذين عرفناهم. فكيف نستطيع بعدها الانتقال إلى التعرف إلى شعراء الجيل الثاني؟؟

قد تكثر الأسئلة وتتفرع. وقد تتعدد الإجابات. وأرى أن الحديث عن الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، لا يمكن أن يكتمل وتتضح أطره الأولية، إلا من خلال الحديث عن المحاور التالية:

أولاً ـ سيطرة الأسماء المعروفة على مساحة الشهرة والانتشار.. وسؤال..

ثانياً ـ وجود عدد كبير من الشعراء الذين ظهروا قبل هؤلاء أو معهم..

ثالثاً ـ شعراء الجيل الثاني والاستمرارية في الشعر المقاوم..

رابعاً ـ التواصل والالتقاء بين الجيلين والتركيز على الثوابت..


* * *

في الحديث عن المحور الأول أتوقف عند سؤال كان قد طرحه أحد النقاد في واحدة من صحف الوطن المحتل يقول فيه: هل جنى هؤلاء الأربعة وأعني توفيق وسميح ومحمود وسالم جبران، على شعرنا المحلي؟؟..

أفترض أن السؤال متعدد الجوانب والأبعاد. وفي واحد منها قد تبرز مسألة سيطرة هؤلاء على مساحة الشعر الفلسطيني المقاوم في الوطن العربي. وهنا أسأل بدوري: إذا كانت صورة هذا الشعر مرتبطة بإبداعات هؤلاء الأربعة ـ إضافة إلى فدوى طوقان ـ فماذا يتبقى من ملامح هذه الصورة وتدفق ألوانها حين نرى إلى:

- توقف توفيق زياد عن الكتابة وتفرغه للعمل السياسي منذ مدة طويلة، وقد كتب آخر قصيدة له "لعبور" قبل سنوات طويلة.
- خروج محمود درويش من الوطن المحتل منذ العام 1970.
- قلة ما وصلنا ويصلنا من شعر سالم جبران الذي طبع ديوان "قصائد ليست محددة الإقامة" في بيروت عام 1970، وهو الديوان الوحيد الذي صدر له في الوطن العربي..
- قلة أو ندرة إبداعات فدوى طوقان في السنوات الأخيرة.
- إعادة طبع ونشر الدواوين القديمة لسميح القاسم، رغم غزارة ما صدر من جديد في الوطن المحتل. وإذا كنا في الوطن العربي نطبع شيئاً من جديده، فهو لا يشكل شيئا بالنسبة لهذا الشاعر الذي تجاوز عدد أعماله المطبوعة ثلاثين كتاباً.
.. فماذا يتبقى؟؟..

إن قراءة القديم ألف مرة لا يمكن أن تغنينا عن قراءة الجديد. ما كتبه توفيق زياد رائع دون شك، ولكن تفصل بيننا وبين آخر قصيدة له سنوات وسنوات.. وما كتبه محمود درويش في الوطن المحتل له كل الجماليات والأثر، ولكنه يبقى في قائمة الشعر الذي كتب قبل العام 1970. ونعرف تطور محمود درويش المذهل بعد ذلك، ولكن شعره الجديد لا يدخل في تصنيف الشعر المقاوم في الوطن المحتل. وحين نقرأ نتاجات بقية الأسماء التي ذكرناها، نلحظ أنها تعود إلى فترات سابقة. فلماذا هذا الإصرار الغريب على التعلق بشعر هؤلاء دون سواهم.. وهل يحق لنا أن نتهمهم بالسيطرة على مساحة الشهرة في الوطن العربي، دون إتاحة الفرصة أمام الآخرين؟؟ من الظلم أن نتهم هؤلاء. فلم يكن لهم أي ذنب في وصول وانتشار إبداعاتهم دون غيرها. ولم يكن لهم أي ذنب في تهافت دور النشر على إعادة طباعة أعمالهم عشرات المرات. دون التفكير بالتوجه إلى طباعة أعمال أسماء أخرى، كذلك لم يكن ذنبهم في إصرار النقد على تناول أعمالهم عند الحديث عن الشعر الفلسطيني المقاوم، دون التفكير بالبحث عن جديد.. ومن ثم ما كان لهم أن يقولوا للقارئ في الوطن العربي: توقف عن قراءة أشعارنا، واقرأ لغيرنا.. وما كان لهم أن ينسحبوا إلى الظل وأن يسحبوا معهم كل إبداعاتهم.. فليس بأيديهم أن يفعلوا، وما كنا لنطلب منهم ذلك.

هؤلاء الشعراء أصبحوا أصحاب أسماء مغرية لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها بأي حال. إذ كيف لدور النشر أن تطبع ديواناً يقف مصيره على كف عفريت، ولديها دواوين هؤلاء بما تحمل من ربح سريع مضمون.. فمن المسؤول إذن؟؟..

لنعترف بأنها مسؤولية عامة. وإذا دققنا في جزء منها، سنرى إلى حجم التأثير العاطفي كسبب لا يستهان به. منذ البدايةة وقعنا أسرى حب شعراء فتحوا أعيننا وقلوبنا على عالم جديد مليء بالنبض الرائع في التواصل الحار مع أرض فلسطين. كانت مفاجأة بهرتنا وأذهلتنا. لم نتوقع شعراً على هذا المستوى والنوعية، وربما يم نكن نتوقع أي شعر. فجأة هبطوا على مساحة الانتباه كلها، وكأنهم من عالم آخر. كانوا استثنائيين، فسيطروا على مشاعرنا. وكان علينا أن نحتفل بهم وبشعرهم احتفالاً استثنائياً طويلاً. وامتد الاحتفال إلى سنوات وسنوات. وكانت المشكلة في أننا أغمضنا العين عن كل إبداع لا يكون لهم. وقعنا في شرك نصبناه لأنفسنا، وما عدنا نستطيع الخلاص منه. وبعد..؟؟

نتذكر صرخة محمود درويش: "أنقذونا من هذا الحب القاسي" قال يومها: "لسنا أهلاً للتقديس في زمان لا يجوز فيه التقديس" و"إن وتيرة الحب قد أوصلت بعض المراقبين في العالم العربي إلى محاولة وضع شعرائنا ليس في مكان أوسع منهم فقط، وإنما إلى محاولة وضعهم على امتداد مساحة الشعر العربي المعاصر بحيث يغطونها كلها"..

هكذا كانت الصورة واستمرت. انتقل الحب من الشعر إلى الشعراء. أصبحت الأسماء في قلوبنا وأذهاننا أكبر من أن تفسح المجال لتواجد أسماء أخرى. كان المنطق يقول إن علينا أن نبحث عن جديد نضيفه لما هو موجود. أن نبحث عن أسماء جديدة تضاف إلى الأسماء التي عرفناها. ولكننا آثرنا البقاء في دائرة من أحببناهم وعشقناهم. وحين توقف عطاء هذا أو ذاك منهم، عدنا إلى قراءة قديمة مصرِّين على أنه جديد.

لا يظن أننا نطالب بإلغاء أو تجاوز إبداعات هؤلاء الشعراء، ولا يظن أننا نسعى إلى التقليل من قيمة هذا الشاعر أو ذاك. ولكننا ضد المبالغة في جعل شعر من ذكرنا من شعراء، هو الشعر الفلسطيني المقاوم كله، فمساحة هذا الشعر أكبر من أن تكون وقفاً على عدد معين. ومثل هذه المساحة تطلب بشكل طبيعي الاستمرارية والتواصل.

إننا ندعو إلى ضرورة البحث عن إبداعات شعراء آخرين يشكلون مع من نعرفهم وبما لهم من إبداعات، الصورة المتكاملة للشعر الفلسطيني المقاوم. إننا نطالب بإضافة الإبداع إلى الإبداع.


***

في الحديث عن المحور الثاني لابد من الإشارة إلى أن توقفنا عند محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم، فدوى طوقان، وسالم جبران، لا يعني أننا لم نعرف سواهم من شعراء المقاومة في الوطن المحتل. فقد ذكرنا من قبل عدداً من الأسماء القليلة الأخرى التي تعرفنا إلى شيء من إبداعاتها. ولكن من يدقق في صورة الشعر الفلسطيني المقاوم المعروفة في الوطن العربي، سيلحظ أنها ترتكز بكل ألوانها وخطوطها على إبداعات درويش والقاسم وزياد في الأغلب الأعم، ومن ثم على بعض إبداعات فدوى طوقان، والقليل من إبداعات سالم جبران. ويبقى للأسماء الأخرى الشيء القليل في هذا المجال. وطبيعي أن نتاجات شعراء الجيل الثاني من شعراء المقاومة "مغيبة" تماماً عن هذه الصورة.. ونسأل الآن من هم الشعراء الذين عرفوا قبل أو مع شعرائنا المذكورين. ولم نعرف عنهم شيئاً في الوطن العربي؟؟

لابد من القول إن العام 1967 يشكل حدا نظرياً بين جيلي شعر المقاومة، حيث يشكل الشعراء الذين عرفوا قبل العام 1967 وهم من شعراء الأراضي المحتلة منذ العام 1948، شعراء الجيل الأول. ويشكل الشعراء الذين عرفوا بعد العام 1967، وهم من شعراء الأراضي المحتلة منذ العام 1967 في الأغلب الأعم، إضافة إلى بعض الشعراء الذين عرفوا فيما بعد في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، شعراء الجيل الثاني.. فمن هم شعراء الجيل الأول؟؟..

في الإجابة يمكن أن نورد الأسماء التالية:

أولاً ـ مع الشاعر توفيق زياد، تضاف أسماء الشعراء: حنا إبراهيم، عصام عباسي، عيسى لوباني، وحنا أبو حنا.

ثانياً ـ مع الشاعر راشد حسين تضاف أسماء الشعراء: محمود دسوقي، شكيب جهشان، جورج نجيب خليل، طه محمود علي، جمال قعوار، عمر حمود الزعبي، حبيب شويري، فوزي الأسمر، سليم مخولي، وليد خليف، جميل لبيب خوري، حبيب قهوجي، محمد نجم الناشف، وميشيل حداد.

ثالثاً ـ مع الشعراء سميح القاسم، محمود درويش وسالم جبران، تضاف أسماء الشعراء: فوزي عبد الله، شفيق حبيب، فهد أبو خضرة، منيب مخول، نايف سليم، مسعود الأسدي، وأدمون شحادة.

بعد قراءة هذه الأسماء لابد من ملاحظة:

- أن هذا التقسيم إلى ثلاث مجموعات يعتمد الرجوع إلى تقارب أعمار الشعراء في كل مجموعة. ويمكن أن يكون مثل هذا التقسيم صحيحاً في ترتيب ظهور وانتشار هذه المجموعات زمنياً، وإن كان من الجائز أن تختلط الفواصل الزمنية أحياناً.
- أن هناك أسماء من الضفة الغربية وقطاع غزة عرفت قبل العام 1967، ولم تدخل في المجموعات السابقة مثل فدوى طوقان وعلي الخليلي، لأن شعرهما لم يكن من الشعر الفلسطيني المقاوم قبل عام 1967.
- أن توقفنا عند ثلاثين اسماً لم يكن في وارد المسح الشامل والوافي لاستقصاء كل الأسماء التي عرفت قبل العام 1967. ولكن يمكن القول إن هذه الأسماء عرفت أكثر من سواها في الوطن المحتل.
ويبقى مثل هذا الحكم خاضعاً لما نملكه من معلومات نعترف بأنها ما تزال قليلة عن خارطة الشعر الفلسطيني المقاوم.

نصل في التوقف عند هذه النقطة إلى القول: إن قراءة خارطة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الأول، وبالاعتماد على نتاجات عدد قليل من شعراء المقاومة، لم تكن قراءة كاملة لأنها تناست أو غابت عنها نتاجات عدد كبير من الشعراء.

[/align]
* * *


طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 30 : 03 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
في المحور الثالث يمكن القول كان طبيعياً أن تستمر حركة الشعر الفلسطيني المقاوم في التفاعل والاتساع ومتابعة الخطوات، من خلال عطاءات جديدة لشعراء جدد. فكان العام 1967 بداية بروز أسماء شعراء الجيل الثاني في الشعر الفلسطيني المقاوم، حيث أضاف شعراء من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين مع عدد من شعراء آخرين عرفوا في الأراضي المحتلة منذ العام 1948، الكثير إلى القصيدة المقاومة، وبذلك شكلت هذه القصيدة استمراريتها وقدرتها على الرفد والإغناء والمتابعة.
شعراء كثيرون عرفوا في الضفة وقطاع غزة وتحولوا في العام 1967 ليصبوا في الشعر الفلسطيني المقاوم، وآخرون عرفت أسماؤهم وبرزت نتاجاتهم في مجال القصيدة المقاومة بعد العام 1967. وكان طبيعياً في هذا المجال أن نتعرف إلى أسماء جديدة عرفت بعد العام 1967 في الأراضي المحتلة منذ العام 1948. وبذلك تشكل جيل من الشعراء الفلسطينيين الذين يمكن أن ندعوهم: شعراء الجيل الثاني.

هذا لا يعني أن هناك حدوداً صارمة بين جيلين، ولا يعني أن هناك فوارق في العمر بين هؤلاء وهؤلاء. فقد يكون أحد شعراء الجيل الثاني أكبر عمراً من أحد شعراء الجيل الأول، ولكنه ظهر وعرف في مجال القصيدة المقاومة بعدة سنوات. وهذا يجعلنا أميل إلى القول إن الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني إنما يعبر عن الشعر الذي عرف بعد العام 1967 لشعراء عرفوا وظهروا في مجال القصيدة المقاومة بعد هذا العام. ونعترف بأن أكثر هؤلاء الشعراء من الجيل الشاب.

من هؤلاء يمكن أن نذكر: نزيه خير، نعيم عرايدي، حسين مهنا، سميح صباغ، فتحي قاسم، سيمون عيلوطي، سهام دواد، وهيب وهبة، عبد الناصر صالح، زياد شاهين، هايل عساقلة، نزيه حسون، حسين فاعور، عدوان ماجد، عدوان علي الصالح، أحمد حسين، عطا الله جبر، فاضل علي، سليمان مصالحة، يوسف حمدان، مفلح طبعوني، ناجي ظاهر، وليد أيوب، محمد حمزة غنايم، رشدي الماضي، فاروق مواسي، علي الصح، سليمان دغش، شوقية عروق، مصطفى مراد، مالك صلالحة، ضرغام جوعية، إبراهيم عمار، وسناء سعيد.

ألا نجد أننا أمام عدد كبير من الشعراء الذين يشكلون الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني؟؟..

* * *

في الحديث عن المحور الرابع نقول، طبيعي أن تكون قصيدة الشعر الفلسطيني المقاوم، قصيدة واحدة في نشوئها ومسارها وغايةتها، مادامت تسجل بصمتها الفاعلة والمؤثرة في مقاومة الاحتلال والتصدي له. وإذا كانت قصيدة الجيل الأول مصرة على ثوابت المقاومة التي تبرز في التمحور حول الأرض وحمايتها والثبات فيها، والتركيز على الجذور والامتدادات التاريخية، والإصرار على الشخصية الوطنية الفلسطينية وإبراز كل ملامحها المجابهة والقادرة على صياغة الفعل المقاوم، إضافة إلى محاور كثيرة، فإن قصيدة الجيل الثاني لا يمكن أن تبتعد عن هذا المسار لأنها تصب بطبيعة الحال في الاتجاه ذاته القائم على المقاومة والتحدي والوقوف بثبات في وجه الاحتلال.

إن قصيدة المقاومة، عند شعراء الجيلين، تسجل حضورها الفاعل في التركيز على ثوابت المقاومة التي ترسخت خلال سنوات طويلة، لتكون ذات ملامح بارزة وقوية قادرة على الوقوف والوصول بما تملك من ألوان وخطوط وبصمات متميزة. وهذا ما جعل الشعر الفلسطيني المقاوم شعراً كبيراً في كل محاوره، متماسكاً في كل صوره..

* * *
[/align]

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 49 : 03 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
الباب الأول

أقانيم الثبَات

الفصل الأول

موضوعة الأرض ومستويات التداخل

[align=justify]
ربما كان على الشاعر أن يكتب القصيدة بدم وعرقٍ ونبض، لتكون على قدر الحب الذي يشعر به تجاه أرضه. وقد يكون من المناسب في كثير من الأحيان، أن تأخذ الكلمة شكل القلب لتعبِّرَ بفاعلية عن مثل هذا الحب.. ولكن هل كانت القصيدة بعيدة عن مثل هذا الخط؟؟..
حين نقترب من مسافة العشق في حديث الشعر الفلسطيني المقاوم عن فلسطين، نتعرف مباشرة على صورة نابضة من صور الحب التي لا تبتعد عن الكتابة بالدم والعرق والقلب. وطبيعي أن تكون الأرض في شعر فلسطين المقاوم، أكثر غلياناً من أي موضوعة يمكن أن تخطر على البال، ذلك أن تكوين الشخصية الفلسطينية المقاومة، لا يمكن أن يبتعد عن معنى وملامح وامتداد الأرض في كل جزء من التكوين الإنساني.. فالأرض هي الفلسطيني، والفلسطيني هو الأرض، والملمح ظاهر بوضوح أمام كل عين..

كان طبيعياً أن يكتب شعراء الجيل الثاني في الشعر الفلسطيني المقاوم عن الأرض بكل الحب والعشق والتلاحم إلى حد التداخل مع كل حبة تراب، وبهذا ما كانت القصيدة بعيدة أو غريبة عن خطي سير القصيدة المقاومة خلال السنوات الماضية. وتجدر الإشارة إلى أن موضوعة الأرض ذات ملامح مشتركة ومتفاوتة إلى حد بعيد في القصيدة المقاومة عند الجيل الأول والجيل الثاني، لأنها لم تخرج عن معناها المقاوم والمتحدي والمصرِّ على الثبات عند الجيلين، فكانت الأرض على الدوام قوية الملامح، شديدة الحضور، رائعة النبض والتوهج.

أقف قبل الدخول في مستويات الصورة عند شعراء الجيل الثاني، لأرى من خلال قصيدة "هويتي الأرض" للشاعر سليمان دغش، والتي يقول فيها:

"مخدتي زهر / وفرشتي حشائش برية" / والبدر قنديل السمرْ / وأنت لي أغنية / إن جعت آكلُ التراب / وأمضغُ الحجرْ / وإن عطشتُ أوقفُ السحابْ / وأنزل المطرْ " ثم "أصابعي شجرْ / ومهجتي صخرية" / وأنتِ لي القدرْ / يا أرضُ والهويهْ" إلى جمالية رائعة في التداخل والتلاحم مع الأرض. وإذا كنا لا نرى أي فاصل أو خط يقنعنا بوجود مسافة بين الإنسان وأرضه، فمرد ذلك أن الشاعر مصر على مسح ونسف كل فاصلة، ليكون في نهأي المطاف مع الأرض وفيها، حضوراً ونبضاً ووجوداً. وهذا ما يجعل الأرض خصبة في التدخل مع فلسطينيها، وما يجعل الفلسطيني متماسكاً ثابتاً في التداخل مع فلسطين.. ونسأل بعد ذلك: ما هي مستويات الصورة وأبعاد ملامحها من خلال قراءة موضوعة الأرض عند شعراء الجيل الثاني في الشعر الفلسطيني المقاوم؟؟..

المستوى الأول / الأرض وعلاقة العشق:

الأرض في دفتر العشق بلسم الروح، والأرض في دفتر القلب من أروع الأمنيات. ودائماً يفتح الشاعر كل صنابير القلب لتعبِّرَ عن علاقته بحبيبة أولى رائعة هي الأرض. وحين تحاول الحبيبة أن تهمس في أذنه كلمات العشق، تراه في آلية وجده حبيباً يضم كل موجودات الطبيعة إليه، ليكون كلّ شيء فيها جزءاً من قلبه.

هنا تبرز الأرض الفلسطينية لتقول كلمتها حين يسجل العاشق الفلسطيني روعة حبه لأرضه، ودفقة عشقه التي لا تعرف الحدود. يبدأ ذلك من خلال قراءة فصول الحب بين الفلسطيني وكل حبة تراب، ويبدأ ذلك في قراءة معاني العشق بين الفلسطيني وكل شجرة واقفة على بوابة الشمس، ويبدأ ذلك في قراءة كل جماليات القلب عند الفلسطيني الذي رأى في أرضه كل معطيات الأمل والشموخ ، والروعة..

الشاعر مصطفى مراد يضع في قصيدته "الأرض" صورة الحبيبة التي تمسح كل صورة أخرى، لتكون في المنظور العام كل شيء، حيث: "تكونين ملء الفضاء.. وملء السماء وأكبر.. / من كبريات الأماني / تكونين حين ترابك يفلتُ منكِ / فتدخلُ ذرّاتهُ في عيوني / وأغلى وأغلى.. / تكونين أيتها الأم يا جرحنا النازفا / ضماد الجروح / تكونين كيف تكونين صاخبة ثائرهْ / وهادئة صابرهْ / تكونين بلسم روحي / فما شئتِ كوني.."..

فأين حدود الصورة، وإلى أي حد ذهبت في رسم معالم الحب؟؟.. تقول الإجابة إن الشاعر مصطفى مراد عاشق من نوع خاص، فالأرض تقترب، ثم تقترب وتقترب. وبعدها تأخذ الشكل الذي تريد، والملمح الذي تريد، والصورة التي تريد. ولكنها في كل ملمح، وفي كل صورة، تعطي المسافات والمساحات، لتكون ظاهرة بشكل قد يبدو طاغياً مسيطراً للوهلة الأولى، ولكنه في دفتر الحب لا يبتعد عن معنى حب الشاعر وعشقه لأرضه..

مثل هذه الصورة تتكرر بمستويات عديدة ومتعددة عند الشاعرين هايل عساقلة وسليمان دغش، لتكون الأرض في زمنها المتواصل شديدة الحضور والبروز والجمال. وعلينا أن نقرأ في كل فاصلة أن الأرض تسجل نبضها الأخّاذ في قلب العاشق الفلسطيني.

هايل عساقلة في "شباكها كبدي" يقول:
في موطني عشق الصبايا قاتل...... والعشق مثل مياهه لا ينضب
إن يسقط الشهداء فوق تلالنا......ويقدموا ما تشتهي أو تطلب
فالعشق علمهم بأن ترابننا...... أغلى من الرمق الأخير وأعذب
[/align]


طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 56 : 03 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"لماذا" هنا تفتح كل ملامح التوجه نحو الأرض.. في الملمح الأول يأتي القول إن ابتعاد الإنسان الفلسطيني عن أرضه يعني موته.. وفي الملمح الثاني يأتي القول إن الإنسان الفلسطيني في حالة التحام مع أرضه.. وفي الملمح الثالث يأتي القول إن الإنسان الفلسطيني مسكون بطبيعة بلاده، لذلك كان طبيعياً أن يشهد الزيتون والأحجار بالعلاقة القائمة بينهما. هنا علينا أن ندقق في أبعاد هذه الصورة التي تنبض بالروعة الأخاذة، إذ لا يمكن أن نقرأ مثل هذه الصورة دون الشعور بهذا الدفء الغريب في كل مفردة، كأنها جاءت لتصب مباشرة في هذا المكان وعلى هذا النسق دون سواه.
ويأتي الشاعر هايل عساقلة ليرى في قصيدة "وأبي أوصى بتفاح الجليل" أنه الأرض في كل نبضة وعرق، حيث: "أنا من بلاد العشق من هذا الثرى / جبلت ضلوع الصدر والجفن اكتحل" ثم في قصيدة "أرض البطولات:


وتنمو الدوالي على راحتي ......وظل الدوالي على منكبي

وتشدو العصافير صبحاً وعصراً ......ويعصف سهل الثرى المعشب

ثمَّ في قصيدة "عرس":
ذي فلسطين التي نعبدها ......وسواها جنة لا نعبد
كل نجم في سماها قبلة ......كل شبر في ثراها عسجد
بنيت من أضلع ساحاتها ......وعلى الصدر تعالى الـمسـجـد


[/align]

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 25 : 04 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
فهل وصل الحب عن الفلسطيني إلى حد العبادة؟؟

يصر هايل عساقلة على أن فلسطين بلاد العشق، وأنه مجبول من تراب هذه البلاد، ثم يفتح بوابة القصيدة على جمالية الطبيعة الفلسطينية بما تحمل من ألوان. وبعدها يلغي المسافة القائلة بحب وحبيب، ليقول بعلاقة عبادة تأخذه في مسارها الزاخر بحالات الوجد. وهذا ما يجعله قريباً من لحظة الذوبان في الطبيعة، والذوبان في معاني الصور المتولدة في عينيه حيث: كل نجم قبلة، وكل شبر عسجد.. وهكذا..

هذا هو النبض الفلسطيني.. أو هذا هو الحب الفلسطيني، وعلى رأي سليمان دغش في قصيدته "سوف آتي بقمر" فالتداخل صورة لابد منها حيث "نابض قلبي بحيفا / نابض قلبي بيافا / نابض بالأرض بالزيتونِ بالعشبِ النضر / نابض كالنهر غنَّى" والقلب مفتوح على كل احتمال في الحب مادامت فلسطين هي الحبيبة.. ولنا أن نرى كم كانت رائعة علاقة الفلسطيني بأرضه حين اشتعل وجداً وحباً بها..

المستوى الثاني / الأرض وعلاقة البقاء والثبات:

الحب هو الحب، ومثل هذه العلاقة القوية المتميزة بالأرض، استدعت أن يصر الإنسان العربي الفلسطيني على البقاء والثبات بكل شكل ممكن. فالأرض الفلسطينية تنادي إنسانها بلغةِ الشجرِ والتراب والماء لكي يصمد أكثر، ولكي يتشبث بكل حبة تراب حتى آخر رمق. من هنا هذه الإصرارية على هوية البقاء والثبات، من خلال الإصرارية على هوية التحدي والصمود.

في وتيرة هذه الإصرارية، يرى الشاعر منيب فهد الحاج في قصيدته "معاذ الله أن نرحل" إن البقاء والثبات يشكلان معنى الإنسان الفلسطيني حيث: "هنا باقون لن نرحل / سنبقى فوق هذي الأرض نحيا لا نفارقها / ففوق ترابها أجدادنا درجوا / وغذّوها بدمهم / فصارت كنزنا الأكبر / فهل نرحل؟؟.. / سنبقى فوق هذي الأرض نزرعها / ونحميها بأضلعنا / ونعشقها / لتبقى حبنا الأمثل / هنا باقون لن نرحل.." ..

فالمسافة تسجل حضور عدة صور في نسق واحد متلاحق، لتقول في مجموعها ببقاء الفلسطيني وصموده فوق أرضه في مواجهته الاحتلال. حيث:

- / البقاء الذي ينفي أي رحيل، أو إمكانية مجرد التفكير بالابتعاد عن الأرض.. فالفلسطينيون هنا باقون / وسيبقون فوق الأرض الفلسطينية طوال حياتهم لا يفارقونها.. وطبيعي أن تكون المقولة مقولة واقع يعيشه الفلسطيني ويآذاره حيث تبرز كل يوم الوقائع القائلة بأن الثبات شريان الشعب العربي الفلسطيني.
- / الامتداد الذي يمثل الحق التاريخي الواضح.. ويمكن لأي قارئ أن يرى إلى الأجداد الفلسطينيين وهم يكتبون على صفحة التاريخ كيف درجوا على أرض فلسطين العربية، وكيف سجلوا حضورهم وتواجدهم المتواصل منذ القديم، وكان لهم بطبيعة الحال أن دافعوا عن هذه الأرض وسيجوها بضلوعهم ودمائهم ضد أي عدوان.
- / الإصرار الذي يأتي نتيجة طبيعية لعلاقة الفلسطيني بأرضه، وهو إصرار على البقاء والفداء والعشق.. لتكون الأرض في كل حركة محور الصورة عند الفلسطيني.
- مثل هذه الصورة نلتقي شيئاً من ألوانها في قصيدة "قراءات في عيون حبيبتي" للشاعر عبد الناصر صالح الذي يقول: "لماذا سأرحلْ / وأتركُ وجهك عنّي بعيدا / فكَوني بقربك أجملْ / لماذا أغوصُ ببحرِ الجراح / وعيناك بحري الكبيرُ المفضَّلْ فالشاعر يطرح سؤالاً سريعاً يثير الكثير من الشجن " لماذا سأرحل؟؟" وهو لا يجد الإجابة في نفي الرحيل كما هو متوقع بل يأخذ في مد خيط الشجن حتى آخره، حيث يرى أنه "إن رحل" سيترك وجه فلسطين بعيداً عنه.. وهو ما يجعله يرتد بسرعة إلى صوته الداخلي المصر على أن وجوده بقرب فلسطين / الحبيبة أجمل.. ولا داعي للغوص في بحر الجراح.. ويصل إلى صورته القريبة إلى نفسه "وعيناك بحري الكبير المفضل" ليسلِّم كل الصور إلى هذه الصورة الزاهية..
- طبيعي أن هناك الكثير من الإشارات النفسية القائلة بإصرار الشاعر عبد الناصر صالح على حبه الأكبر لفلسطين. وإذا كان طرح السؤال جارحاً، فإنه من جهة ثانية يأتي ليؤكد على انفتاح كل الشرايين على الفرح بعناق الأرض حين يأخذ الشاعر في الدخول إلى عالم العطاء المتجدد عندما تكون عينا الحبيبة البحر الكبير المفضل.
- يعود صوت الشاعر منيب فهد الحاج ليؤكد مرة أخرى على الصمود والثبات في قصيدته "شعبي الصامد" حيث: "صامد كالطود شعبي / صامد يأبى المذلة والهوان / راسخ كالسنديان / مثل زيتون الجليل.." لتكون مفردة الرسوخ دليلاً على هوية متجددة للفلسطيني الذي يصر على كتابة قصيدته بأحرف البقاء. وهنا ابرزالشاعرمفردات الطبيعة لتشكل معاني هذا الرسوخ والثبات معطية كل دفع وشحن، فالشعب صامد كالطود.. راسخ كالسنديان.. ومثل زيتون الجليل.. لذلك فهو يأبى المذلة والهوان.
المستوى الثالث / الأرض وعلاقة الفداء:
هل استدعى الحب القائم بين الفلسطيني وأرضه، أن يكون الطريق مزروعاً بالشهادة والفداء والتضحية؟؟.. وهل استدعت حالة الثبات والبقاء فوق أرض فلسطين أن يشعل الفلسطيني دقائق العمر عطاء وبذلاً وخطوط دم؟؟..

كان لا بد من توكيد الحب.. وكان لا بد من تجديد حالة العشق.. وكان لا بد من النداء بحروف من دم لتسمع شمس الحرية وتسرع خطاها إشراقاً.. فالأرضُ الفلسطينية الواقعة تحت نير الاحتلال، والمتوقدة شوقاً للحرية، طلبت وتطلب أن يكون الطريق فداء وتضحية وكانت استجابة إنسانها الفلسطيني فعلاً يسجله على الأرض، ويكتبه بدم الشهادة..

حين تفجر السؤال، سؤال البحث عن ضوء الحرية، كانت الإجابة في قصيدة عبد الناصر صالح "كتابة على جدران أم الفحم" بالقول: "إن التراب يريد دماءً / تغذي جذور الربيع / وتفرش درب النضال المثابر" وطبيعي أن تصل مثل هذه الدعوة الطالعة من عمق الأرض إلى الإنسان الفلسطيني، ليسجل حضوره المباشر الفاعل.. وكانت صرخة الإنسان الفلسطيني مليئة بالصدق حين انطلقت على لسان الشاعر هايل عساقلة في قصيدته "لو ضمني هذا الثرى كفناً" حيث:
إن تسألوا نبع من الكوثر......وطني وبستان" من الصعتر
وحجارة" من مرمر صقلتْ......فتمايلَ الياقوتُ والمرمرْ
فثراك حفنةُ أنجمٍ ولذا. .....لو ضمَّني كفناً فلن أخسر

هي الشهادة إذن.. والصوت لا يقول إن الحضور انفتاح على دفء الجذور فحسب، ولكته انفتاح على كل الأغنيات والخصب والربيع. وتبدأ جملة الوصل من التداخل مع كل حبة تراب، أو مع حفنة أنجم تلاقت مشكِّلةً ثرى فلسطين. وطبيعي أن الموت انبعاث، والشهادة مغنم، والذوبان ارتشاف لعسل اللقاء..

[/align]

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 32 : 04 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
تقول القصيدة حكايتها في سطور قد تكون بحجم العالم، وقد تكون بحجم القلوب. ويقترب الشاعر من دفء التوقد والاشتعال، حين يرى إلى حكاية الانبعاث في الشهادة، والانبعاث في العطاء. عندها يدفع الكلمة لتكون المرفأ والشاطئ وصدر الموج.. نسمع هنا ما يقوله الشاعر عبد الناصر صالح في قصيدته: "الصهيل" حيث: "دمي سال على وجه الترابْ / ولم يزل هناك ترتوي الأشجار منه / تحتمي به الطيور من مخاوف الدمار والحريقْ" لنقف على أعمق صورة في سيرورة الدم.. فالشهادة ألق وارتفاع، والشهادة خصب ورئة لا تعرف غير حب الأرض. وطبيعي أن تنهض الأشجار كي ترتدي دم الشهيد.. وأن تأتي الطيور لتحتمي به من كل خطر داهم..
قصيدة الدم لا تفتح الذاكرة على نهوض السنديان فحسب، ولا تأخذ في رسم حروف الألق فحسب، ولكنها تجمع العالم كله في قبضة التوهج، ليكون أقرب إلى الصباح الطالع من جبهة شهيد، أو مفكرة ذاهب في ضوء الشمس. وطبيعي أن تكون القصيدة قصيدة الأرض ولغتها وتفاصيلها، لأن الشهادة ذهاب في الأرض، ولأن الشهادة دخول في تفاصيل التراب، ولأن الشهادة حياة للشجر.. ولكن أيعني كل ذلك أن الشهداء ملح الأرض؟؟

يقولها الشاعر سميح صباغ في قصيدته "ملح الأرض أنتم" حيث:

يا أيها الشهداء ملح الأرض أنتم والبذارْ

مذ كنتمُ عادت إلى الدنيا طبيعتها

وكانَ البدءُ والإخصابْ

والإزهار والإثمارْ

عادت نحو مجراها الجبالْ

وتساقطَ الثمرُ الرديءْ

وتبقى فاصلة العرس ذهاباً في النشيد.. عندها لا يجد المعنى عمقاً إلا في التطابق مع حركة الخصب النابعة من جذور الأرض وهي تشرب دفء الدم الذاهب إلى هناك.. ولكن أيمكن للدم أن يشتعل مهرجاناً..؟؟ يقول هايل عساقلة في "عرس" حيث:

نتلظى ودما تشهدُ .......مطلع الفجر وقد لاح الغدُ
نحن لبينا فيا أرض اشهدي ......لحمنا في كل درب يشهد
كم عقدنا مهرجاناً للضحى ......من ضحايانا وقمنا ننشد


وتقول الكلمة أو لا تقول فاصلة انعتاقها، ولكنها في كل الحالات تبقى رئة التواصل مع مشاعر الإنسان الفلسطيني وهو يذهب عشقاً في عرس الأرض.. والعرس أكبر من أفراح الدنيا، لأنه يسجل علاقة الإنسان بأرضه، وبصمته التي تأكدت بالدم لتعبر عن عشق لا مثيل له..
[/align]

طلعت سقيرق 27 / 07 / 2009 36 : 04 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
المستوى الرابع / الأرض وعلاقة الأمل:
كانت الأرض طليقة تنعم بالحرية ودفء الشمس، وفجأة كسرتها الريح وذبحت كل شيء فيها.. ويأتي الشعر ليقول على لسان الشاعر عمر محاميد في قصيدته "الأرض حلمي "أنه "كان في الأرض سنابل / كان حقل يمتد حتى ابتعاد الشفق / كان في الحقل طيور.. أشجار.. وشمس / كانت حول الشمس نجوم وأحلام / عروس.. ودوالي / عرفت الامتداد نحو الشمس والوطن المغني / حالت بين الحلم والأرض الخصيبة / قبضة الريح وأسباب الرحيل"..

ولكن أيعني ذلك توقف التطلع إلى المستقبل؟؟ أيعني ذلك انكسار كل خطوط الأمل والتفاؤل؟؟ أيعني ذلك أن تبقى الأرض في قبضة اليأس؟؟..

ما كان للحس الثوري أن يقبل بانغلاق الدروب.. وما كان للحظة التفجر والفداء أن تتوهج من خلال اليأس.. فالثورة علامة إشراق، والثورة تأكيد على الأمل.. وإلا ما معنى أن يقدم الشهيد دمه وروحه، إن لم يكن مليئاً بالأمل والتفاؤل؟؟ وهل نصدق أن تكون الشهادة خارج حد التطلع إلى المستقبل؟؟..

لا يشعل الشهيد عرس الشهادة إلا وفي ذهنه أن الأرض ذاهبة إلى حريتها، وأن دمه سيكون خيطاً من خيوط الشمس القادمة. وقد كانت القصيدة المقاومة منذ بدايةاتها قصيدة تفاؤل وأمل، وتابع شعراء الجيل الثاني السير على الدرب حين أصروا على الأمل والتفاؤل والإيمان بالمستقبل المشرق.. وكانت أجمل كلمة تفاؤل نابعة من تلك الضحكة التي أشعلها الشاعر حسين مهنا في قصيدته "افرح يا شعبي" حين قال:

افرحْ يا شعبي

واضحكْ من أعماق الأعماقْ

اضحكْ رغم سواد المأساة

انتزع الضحكة من فك الأفعى

وعيون السعلاة.

افرح يا شعبي

ما عاد مكان للحزن الآسن في عينيكْ

هذي الساحات الرحبة ساحاتك "بوزيد "

فاركب مهرتك الكنعانية

وارقص ما شئت على صدر الوطن الدافئ

ارقص.. أطرب.. غنِّ..

فجبال فلسطين العطشى

كرهت موسيقى الجاز المجنونة والغيتارْ

وتحن إلى دبكة " محمودٍ " شيخ الدبيكة والمزمارْ

هنا لا يتوقف نشيد الفرح عند حد. وتنطلق الضحكة لتملأ كل زمان ومكان، معلنة أن التفاؤل ميزان كل خطوة. وحين يصير الفرح رقصاً وطرباً وغناءً، تأخذ الجبال والسهول والبيوت بالتواصل مع ذاتها وصوتها ودفء أيامها. وطبيعي أن تكون الجذور أقرب من أي شيء، ما دامت تمثل الأصالة والحق، وما دامت تشكل الشخصية وامتدادها في سنوات التاريخ الطويل.. وهنا لا تبرز زغرودة أم علي لتقول المعنى الضيق المتعلق بهذه الزغرودة طالت أم قصرت، ولكنها تأتي لتشكل مفاصل الماضي بكل جمالياته وروعته ودفئه، وهذا ما يجعل الجبال مسكونة بالحنين لمثل هذه الزغرودة.

من الطبيعي أن يكون الضوء في النفس والروح، ما دام معبِّراً عن حقيقة الإنسان العربي الفلسطيني. ومهما ضاقت الدنيا وقست الظروف، تبقى فسحة الأمل أكبر من أي شيء آخر، مما يجعل العمر مسكوناً بالإصرار والتحدي والتصميم.. يقول الشاعر نزيه حسون في قصيدته "تواقيع على قيثارة الأرض" : "في زنارين اعتقالي / رغم سجاني وسجني / يزهر الزيتون في زندي المقيدْ / وعلى جدران قلبي / كل سجون بلادي / كل زهر في رباها يتجددْ / مهما يا سجان تقسو / سيذوب القلب عشقاً وستبقى الأرض معبدْ.."..

إن الانفتاح على لحظة الولادة دليل قوة، وإن الانفتاح على وعد التجدد دليل تماسك وإصرار. ولا يمكن للشاعر أن يغلق الأبواب في وجه الشمس، ما دام مؤمناً بقدرة شعبه على الثبات والمقاومة والتحدي. وهذا ما جعل شعر المقاومة شعر أمل لا يعرف الانطفاء والانكفاء مهما كانت الظروف. وقد كانت صيحة هذا الشعر بعد العام 1967، وبما حملت من انفتاحٍ عريضٍ على التفاؤل ودعوةٍ لإغلاق أبواب اليأس والتمزق، دليلاً بارزاً على ترسخ وتجذّر كل معاني التفاؤل والأمل..

وطبيعي أن يكون شعراء الجيل الثاني شعراء أمل، لأنهم شربوا من نبع المقاومة والشعر المقاوم في جيله الأول، ولأنهم عايشوا وعاشوا الفعل الثوري في كل جزئياته وتفاصيله كما عاشه الجيل الأول. وطبيعي أن تكون الصورة في غاية الوضوح مع كل قصيدة جديدة، يقول جبرا حنونة في قصيدته "سأبقى شامخاً": "راحتي تحترق الآن بوهج الشمس / والأخرى تعانقْ / سنبلات القمح / وغداً لا بد أن يزرع طفل / من عظامي غصن زيتون / ومن ثوبي بيارقْ " .. ويقول خالد عوض في قصيدته "انثريني": "انثريني قمحاً واحصديني سنابل / واطعمي شعبي المشرّد / فالأرض ما زالت حبلى / تثور تصرخ تتمرد"..

فهل كان كل هذا الانفتاح على الوعد إلا الدليل الأكبر على الإيمان بالمستقبل المشرق..؟؟.. وهل كان كل هذا الانفتاح على الأمل، إلا الدليل الأكبر على أن الصباحات المشرقة قادمة لا ريب. طبيعي أن تترسخ في الذهن والذاكرة والنفس صورة الغد بكل تفاصيله المضيئة، مهما طال الانتظار، ومهما مرت السنوات.

هل يعني ذلك أننا دخلنا في لغة الأرض حتى آخر الحروف؟؟.. وهل علينا أن نتوقف لنضع النقطة الأخيرة في مثل هذا البحث؟؟..

تقفز الإجابة لتقول إن الأرض كتاب تاريخ ولغة جذور.. وحين نريد أن نسجل شيئاً من بصمات الحب حولها أو لها، فإنما نضع القليل من الكثير، إن ما كتب عنها لا يحصى، وما قيل فيها لا يحصر.. وما أصعب أن يضع الإنسان نقطة أخيرة في مثل هذا البحث، مع شعوره بأن القلب ينبض حباً، وأن الروح تشتعل اشتياقاً، وتبقى الأرض أروع الكلمات، وأجمل القصائد، وأحلى الأغنيات..
[/align]

طلعت سقيرق 20 / 06 / 2010 10 : 06 PM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
الفصل الثاني

الشخصيّة الفلسطينية وملامحها

في القصيدة

كيف تبدو ملامح الشخصية الفلسطينية في الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني؟؟ وهل نستطيع أن نقرأ خطوطَ وصفاتِ الشخصية بوضوح ينقلنا إلى أرض الواقع مباشرة من خلال قراءة القصيدة؟؟ وفي هذا المسار هل نقول إن الشعر، والشعر الفلسطيني خاصة، يمكن أن يعكس خصائص الشخصية بكل أبعادها الداخلية والخارجية، لنكون أمام صورة حية نابضة بالامتداد والخصب؟؟..

إن الشخصية الواقعية، وعند انتقالها إلى حالة الشخصية الشعرية، قد تترك كل ملامحها وصفاتها وأبعادها، لتكون شخصية مغايرة تماماً، والشعر العربي القديم حافل بالأمثلة. لكن الشعر الفلسطيني المقاوم استطاع أن يقول الشخصية بواقعية شديدة جعلتها تتطابق إلى هذا الحد أو ذاك مع الشخصية الواقعية. فالصورة التي نراها في الشعر، يمكن أن نراها على أرض الواقع. وأن نتعرف على كل أبعادها.

في مساحة الشعر الفلسطيني المقاوم، لا نبتعد عن قراءة مساحة الواقع المعاش في أكثر الأحيان. ذلك أن القصيدة قريبة أشد القرب من نبض الحياة اليومية المرسومة فعلاً وممارسة وفاعلية. وطبيعي أن الشاعر لا يقول الصورة الواقعة في ساحة الخيال، أو ساحة المرجوّ والمتصور، بقدر ما ينقل عن واقع يلمس ويعيش كل جزئياته. وعلى هذا كانت الشخصية المنقولة من أرض الواقع، إلى أرض القصيدة إن صح التعبير مليئة بالصدق والنبض، وهذا ما جعلها بكل حجمها وصفاتها وأبعادها، مطابقة أو متداخلة مع شخصية الذات الشعرية فما هي الملامح العامة للشخصية العربية الفلسطينية المرسومة في الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني؟؟..

أولاً الشخصية الفلسطينية والثبات:

عند الحديث عن الشخصية الفلسطينية الواقفة بصمود وثبات في وجه الاحتلال الصهيوني، لا بد من التعرف إلى العوامل التي شكلت مثل هذه الشخصية لتكون قادرة على صوغ فعلها وفاعليتها في المواجهة. وأول ما يمكن أن يطالعنا في هذا المجال، يتعلق بقدرة هذه الشخصية على التداخل مع الأرض الفلسطينية بأروع صورة، حيث الفلسطيني هو الأرض، وحيث الأرض هي الفلسطيني. وهنا تغيب المسافة لنكون أمام الصورة واحدة تضم في ألوانها وخطوطها صورة الفلسطيني / الوطن، والوطن / الفلسطيني.

في قصيدته "هويتي ارض" يقول الشاعر سليمان دغش: "مخدّتي زهرْ / وفرشتي حشائش برية /والبدر قنديل السمر" ثم "أصابعي شجرْ / ومهجتي صخرية / وأنت لي القدر / يا أرض والهوية" لنرى إلى ملامح شخصية تصر على التماسك والثبات إلى أبعد حد.

وطبيعي أن تكون صورة الشاعر قوية بقدر اتصالها بالأرض، وهنا يقفز هذا الاتصال ليكون توحّداً نهائياً يرسخ بصمة شديدة الفاعلية..

سليمان دغش يؤكد على هذه الصورة في قصيدة أخرى حملت عنوان "من آذار مع خالص الحب والتقدير" حيث: "لماذا حاولوا فصلي / عن الأرض التي التحمت على قلبي / جناحاً ناعم الزغب / لماذا حاولوا التفريق بين العين والهدب"..

وهو ما يأتي على هذا الشكل من التدفق عند الشاعر هايل عساقلة في قصيدة "أرض البطولات" حيث:

وتنمو الدوالي على راحتيّ وظلّ الدوالي على منكبي
وتشدو العصافير صبحاً وعصرا ويعبق سهل الثرى المعشب
الشخصية في مثل هذا التوحّد، أو الاتصال النابض بالحياة، تشكل أعلى وتيرة من شحن الذات بعوامل الحمأي والدفاع والتماسك، وهي في ذلك تسجل قدرتها على المواجهة والتحرك باستمرارية لتكون صاحبة بصمة فاعلة. وطبيعي أن التداخل مع الأرض، وعلى هذا النحو، إنما يستدعي التوكيد على أن مثل هذه الشخصية تستطيع أن تكون شديدة الغليان والثورة والفاعلية في دفاعها عن الأرض، لأنه دفاع عن الذات. وأي اعتداء في هذه الحال إنما يوجّه إلى الأرض والشخصية ما دام التداخل والتوحد قائمين..


على هذا المستوى، وفي الاتجاه ذاته تبرز صورة التوكيد على التاريخ، لتكون داعمة في بناء الذات ورفدها. والتاريخ في هذه المساحة لا ينفصل عن حالة التوحّد والتداخل مع الأرض. فهو من جهة يؤكد على حق الإنسان العربي الفلسطيني بأرضه، وهو من جهة ثانية يدعم جوانب شخصيته لتكون أقوى وأشد وأصلب. فالذات في بنائها العام: تاريخ وحاضر ومستقبل. وهي بذلك ذات فعل لا يعرف الخمود والانحسار. في هذا يقول الشاعر هايل عساقلة في قصيدة "لو كنت مثلي أيها الحجر".. "لم والكرمل مهدي وأبي / غارس الكرمة في سفح التلالْ " ويقول في قصيدة "أرض البطولات":

أما قلتِ إنك مجد الزمان وعمر الزمان ولم تتعبي
كما تبرز في هذا الاتجاه صورة الإصرار على العروبة، كونها الفعل المكوّن للشخصية في أكثر معاني وقوفها وثباتها بروزاً.. فالأرض لا تكتمل صورتها بمعزل عن العروبة، والشخصية لا تأخذ معناها بمعزل عن العروبة، والتحدي لا يأخذ معناه بمعزل عن العروبة. لذلك كانت الشخصية الفلسطينية، شخصية عربية قبل أي شيء آخر. وهنا تصرّ الذات في بناء فعلها وحركتها وامتدادها على أنها ذات عربية، وعلى أنها ذات لا تعرف النبض إلا من خلال القلب العربي. يقول الشاعر سليمان دغش في قصيدته "من آذار مع خالص الحب والتقدير" بمثل هذه العلاقة المتدفقة، حيث: " فكل الأرض تعشقني / ويهتف كل ما فيها / أنا عربي / أنا عربي / أنا عربي.." بينما يقول الشاعر وهيب نديم وهبة في قصيدته "الوصية في كف عفريت" بالتوهج الثوري من خلال امتداده العربي حيث: "وأنا الرمح العربي / وأنا الكرمل / والقلب النقي.."..


كل هذا استدعى أن تكتب الشخصية الفلسطينية حضورها المؤثر على مدار الزمن وفي امتداد المكان. لذلك كانت قصيدة "معذرة" للشاعر مصطفى مراد أميل إلى إعطاء القسم هوية الصمود، حيث: "أقسمت بحلمي يا وطني / ببقايانا / أن لا أحني الهامه" و"أقسمت بحلمي يا وطني / ببقايانا / أن لا أعشق إلا امرأة حره.." لتكون إصرارية الصمود هوية مواجهة لا تعرف التراجع أو الانكفاء. وطبيعي أن تبقى الشخصية في تلاحم مع فعلها ما دام مثل هذا الفعل معبراً عن هوية الثبات، وهو ما استدعى المطالبة بالفعل المواجه ثم تصعيده إلى حالة الحضور ليكون ثورة عارمة، يقول هايل عساقلة في قصيدته "أرض البطولات":

ألا فاشهديني أردّ الغزاة وأهمز مهري على الغيهب
فثوري سألتك باسم الشهيد وباسم الثرى المعشب المخصب
حجارة سخنين ملء الأكف ونعل خديجة لم يثقب


[/align]
</H1>

عادل سلطاني 21 / 06 / 2010 18 : 12 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي طلعت سقيرق إن مثل هذه الدراسات الجادة أيها الفاضل تزيح عن ذواتنا بعض الغبن الثقافي الذي نعيشه تجاه قضيتنا الكبرى " فلسطين" تلك القضية المفصل الأساس لذاتنا الجامعة ففلسطين تبقى دينا مطلقا في عنق كل مسلم لا بد من تسديده فهي دين عقدي ، إجتماعي سياسي هوياتي نضالي مطلبي مشروع وأيضا دين ثقافي وأخالك أيها الكريم قد حاولت أن تسدده من خلال عملك الموسوم :" الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني" وإن لم تتسن الفرصة أو تسنح للحصول على هذه الدراسة كاملة ليتم تفحصها والإستمتاع بها كحدث إبداعي ثقافي حاولت من خلاله أن تسدد هذا الدين وتبرأ به أمام الله والتاريخ وتصدع أن قد بلغت فما أحوج القارئ المسلم لمثل هذه الدراسات التي تكشف سر المقاوم والمقاومة وتذكر هذا القارئ أن لا ينسى قضيته الأساس إذ يجب أن لا يطرح هذا الهم الوجودي جانبا ويهمشه ويدخل دوائر الغفلة وبالتالي يصبح هذا القارئ حدثا خارج التاريخ وخارج الوعي بواقعه وخارج الوعي بالممكن فكلما كان هذا الأخير مرتبطا بقضيته كلما كان وثيق الصلة بالتاريخ ووثيق الصلة بالوعي ووثيق الصلة بالنصر الموعود
جزاك الله خيرا أيها الفاضل على هذه الدراسة وأجرك على المصابرة والمرابطة والمشقة والعنت حتى تخرجها للقارئ فبشراك أخي أن صرت حدثا مشرفا فاعلا في الوعي والتاريخ
تقبل أخي تحيات أخيك عادل سلطاني

محمود صادق 24 / 06 / 2010 48 : 03 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
قضيتنا الأساسية هى فلسطين ، فتحية لمن يجعل القضية نابضة
تحية للاستاذ طلعت سقيرق

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 04 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
ثانياً – الشخصية الفلسطينية والحب:
إذا كان الصمود هوية الشخصية الفلسطينية في حالة تحدّيها ومواجهتها للاحتلال، فإن الحب بشكله الفلسطيني لا يبتعد عن دعم ورفد وإغناء مثل هذه الهوية. وهنا يمكن أن نرى الكثير من جوانب الشخصية الفلسطينية القادرة على صوغ نداء الحياة في مواجهة كل عوامل الإفناء. فالذات الفلسطينية تولد وتكبر وتنمو عطاء من خلال قدرتها على الحب بصورته المتوقدة.. فكيف كانت ملامح هذه الصورة؟؟..
عبد الناصر صالح في "نبضات لا تموت" يعيش حالة الحب في كل صورها الغنية المليئة بمعاني العطاء، حيث: "فأنت الحب يا وطني / وأنت ربيع أيامي التي تمشي مع الزمن" و" أيا وطني / فؤادك ملتقى الأحباب والعشاق / ووجهك جنة الأشواق / أنت حبيبنا الأول / وأنت إلهنا المعبود في الأعماق.." و"رحت أعانق الأشجار / والأزهار ألثمها / وأزرع في ثناياها / حنين الأرض والأضواء / رميت الدمع في الصحراء / وآويت الهوى المحبوب / صنت التين والعناب / في واحاتك الخضراء.."..
إن تصاعد معاني الحب في مثل هذه النبضات، لا يتوقف عند حد.. وطبيعي أن نرى الصورة في مسارها الجميل المليء بالألوان، حيث الوطن في القلب والروح والشريان. في حالته الأولى يكون الحب ومعناه، وفي حالته الثانية يكون الملتقى والقبلة والإله المعبود، وفي الحالة الثالثة يكون الطبيعة النابضة بمعاني الحب. وفي كل ذلك يبقى الوطن حبيبة رائعة الملامح والصور والأبعاد، وهو بذلك يدخل في دعم جوانب الشخصية الفلسطينية ويعطيها الكثير من معالم الثبات والصمود والقوة. هنا تأتي الشخصية لتكون شخصية عاشقة تتكامل وتنضج وتكبر بالحب،يأتي المعشوق بصورته الواضحة الكبيرة، ليقول بحب رائع صارخ. وبكل الحالات يكون الحب نبضات خالدة، تسجل حضورها القوي في الشخصية الفلسطينية المصرة على مثل هذا الحب.
هايل عساقلة يسجل على هذا الصعيد بصمته في "لو ضمني هذا الثرى كفناً" حيث:
يا موطني والعشق لوعني
وأذابني شعراً على دفتر
وفي “شباكها كبدي” حيث:
كل الملاحم تنتهي إلا الهوى في القلب يبقى جمرة تتقلّب
يا عاذلي والعشق في أوطاننا عذب كما الماء الزلال وأعذب
لا لا تلمني والحجارة في ربى حطين مثلي في الهوى تتخضّب
لا لا تلمني غمَّست منقارها دورية بدمي وجاءت تشرب
علينا أن نرى إلى شخصية تطلب الخصب في مثل هذا الحب، والحالة ليست استثنائية تخصّ شخصاً دون سواه، لأن الحب يدخل في تركيب شخصية فلسطينية تعيش النبض الفلسطيني، الوطن يأتي في كل الحالات ليكون الحبيب والمعشوق والصورة الدافئة النابضة في القلب. ويأتي الوطن في كل الحالات ليكون النداء والشوق والأمل والتطلع إلى كل خطوة قادمة.
هنا تقفز صورة سليمان دغش في قصيدة "سوف آتي بقمر" لتقول: "نابض قلبي بحيفا / نابض قلبي بيافا / نابض بالأرضِ بالزيتون.. بالعشب النضرْ " وصورته في "آه يافا" لتقول: "لم أكن أعرف أن العشق ينمو / آه ينمو / فوق أخشاب الصليب"بينما تأتي صورة عبد الناصر صالح في قصيدة "قراءات في عيون حبيبتي" لتقول: "فإني بدونك لست عشيقاً" و"فلسطين إني أحبك رغم عذابي بسجني اللعين" لنكون أمام حالتي حب تتعانقان في رسم حالة جديدة.
الحالة الأولى: حالة دخول في صورة الحب حتى نهايتها، والحالة الثانية: حالة دخول في الإصرار على الحب رغم كل عذاب.. أما الحالة الجديدة فترسم التوهج الذي لا مثيل له، حيث لا يمكن للفلسطيني إلا أن يحب وطنه، ولا يمكن للفلسطيني إلا أن يصر على كل دفقة من دفقات عشقه في علاقته مع فلسطين. وعلينا في كل ذلك أن نرى إلى أروع صورة من صور الحب حيث الشخصية الفلسطينية تنبض بحب حبيبة اسمها فلسطين.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 05 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
ثالثاً – الشخصية الفلسطينية والتجدد:
عند دراسة الشخصية الفلسطينية، لا بد من القول إنها شخصية تطلب الحياة والفرح في كل وقت. وطبيعي أن تكون مثل هذه الشخصية مسكونة بطلب الهدوء والسكينة والسلام من خلال سيادة العدل والحق. ولعل الشخصية الفلسطينية من أكثر الشخصيات الإنسانية وأشدها طلباً للسلام بعد أن ذاقت المرارة والعذاب والآلام والموت طوال السنوات الماضية. وطبيعي أن تكون هذه الشخصية ساعية بشكل دائم إلى ضوء الفرح، ضوء الأمل، ضوء الصباحات المشرقة.. فأين نجد كل ذلك؟؟..
عدوان علي الصالح يرى في قصيدة "أحلم" أن هناك تشوّقاً دائماً إلى صورة الوطن العائد إلى أفراحه، حيث "أحلم بليال تفرح فيها القدس / أحلم ببلاد خضراء / يحيا فيها الحب وتنتحر البغضاء" ويرى في قصيدة "سيرة شاعر" أن هناك تشوّقاً دائماً إلى صورة الوطن الخالي من الطغيان، حيث: "وأوزع ذاتي / بين الحاضر والآتي / علّي أحظى في عيشي بثوان / يخلو فيها الكون من الطغيان.." ليكون البحث عن السلام العادل غاية يسعى إليها الإنسان الفلسطيني في كل وقت.. ولكن أيأتي السلام دون تضحية وفداء؟؟..
تعرف الشخصية الفلسطينية وتعي أن الحق مرهون بالبذل والتضحية.لذلك كانت مساحة العطاء مفتوحة عريضة متتابعة. فالإنسان الفلسطيني رأى بأم عينه كيف سرقت الأرض منه، وكيف استولى الصهاينة على البيت والماء والهواء. فكان لا بد من الإصرار على السير في طريق التضحية والفداء، لتعود الحرية كما كانت من قبل. وطبيعي أن تكون الصورة في ألوانها وخطوطها ومساراتها الجديدة، لأن الفداء هنا ينتقل ليكون انبعاثاً وتجدداً ودخولاً في مفاصل الحياة..
الشخصية الفلسطينية في هذه الصورة لا تدخل قاموس الموت إلا لتسجل كل معاني التجدد والانطلاق. وطبيعي أن تنبض الحروف بألق جديد في امتداده ومعانيه. وهنا نعي ونعرف أن الموت ينحرف عن طريقه المعروف ويصب مباشرة في طريق جديد مليء بالحياة والنبض والخصب.. كيف؟؟..
الشاعر سليمان دغش يقول في قصيدته "احتراق": لا بأس إن احترقنا / حسبنا أنّا وهبنا الفجر ومض الاشتعال" ويقول الشاعر هايل عساقلة في قصيدته "خطوة أخرى وتنهار السلاسل": " يا رفاقي الشهداء / من يمت في حب عينين وطفل وجديله / سوف يرثيه الندى الحاني على أوراق دفلى / وأغاني الشعراء" و"يا حبيبي أنا والموت التقينا / بين أطلال الديار / ها هو الزيتون يشهد / جذره لف وريدي / وبلادي تتجدد / خلف شباك النهار.." و"من رماد المذبحة / رف عصفور وطار / حاملاً قصفة زيتون / ودفلى / وحبق / وعلى شرفة دار / أيها الناس احترق".. ويقول الشاعر عدوان علي الصالح في قصيدته "حديث مع بلادي": " إن قتلوني لا تبكي فدمي للثوار دليل"…
فالصورة تبقى على مسافة كبيرة من التعدد في الخصب والامتداد، ولنا أن نقرأ:
- أن الموت لا يمكن أن يكون موتاً سلبياً محايداً، ما دام يزرع الحركة الدافعة. فحين يحترق الإنسان، يكون احتراقه فاعلاً، حيث يشكل البدايةة في طلوع الفجر.وطبيعي أن تحدد الشخصية في مثل هذه الحالة قدرتها على إغناء كل الصور. هنا تستطيع الشخصية أن تكون في كل الشخصيات، لأنها شخصية تذوب في الآخرين ومن أجل الآخرين، وتعطي الدافع الدائم لتجدد الحياة.
- أن الموت من أجل الجيل القادم، ومن أجل حرية الأطفال، إنما يعبر عن قمة الإيمان بالحياة وخصبها وجمالها، فالشخصية تضع خطوتها في درب العطاء ليكون الغد أفضل باستمرار. وطبيعي أن الطفولة بحاجة دائمة إلى من يعطيها الأمل والفرح. لذلك كان الإصرار على الغناء الإيجابي المؤدي إلى زرع الشمس في عند هؤلاء الأطفال.
- أنَّ الموت حياة، ومع لحظة الموت تكون لحظة الميلاد. هنا تأتي الصورة لتزرع كل معاني الأمل والتجدد. لقاء الموت لا يعني انكسار الذات أو ذهابها في رحلة النهاية ، بل يعني بداية الحياة وتوهجها.
- أنّ الموت دليل وزيت ثورة. هنا تبدأ روأي الدخول في مفاصل الحياة، وفي معاني الانبعاث. وطبيعي أن يكون الدم محركاً وفعلاً وإشارات على الطريق. الخطوة في هذا المجال تستدعي خطوة أخرى، والنداء يستدعي نداء، حين تضع الشخصية نقطة على سطر النداء، فإنما تطلب من الآخرين أن يتابعوا المشوار. وبذلك تكون الشخصية في الشخصيات السابقة والشخصيات اللاحقة، وكأنها شخصية متعددة راسخة الملامح..
- أنّ الموت إغراق في معاني الطبيعة الفلسطينية، ودخول في تفاصيلها بما يعني الإصرار على إعطائها خصب الحياة، وفي مثل هذه الحالة، تكون الشخصية مليئة بنبض الشجر والتراب والهواء، تكون مليئة بكل الألوان الخضراء. وفي هذه الحالة تكتب الطبيعة روعتها في نبض الشخصية، وتكتب الشخصية انبعاثها في نبض الطبيعة. ولنا أن نرى إلى أهمية التداخل بين الشخصية والطبيعة في مثل هذه الحالة، حيث لا يكون التداخل هنا تداخل عناق وتوهج وأمل من خلال مساحة الفداء والتضحية. فالشخصية تقترب من الطبيعة لتقول الفداء والتضحية بشكل يفجر كل معاني الحياة، وتقول الفداء والتضحية بشكل يفجر كل معاني الخصب. وهنا تبدأ الطبيعة بمعانقة إنسانها، ويبدأ الإنسان بمعانقة طبيعته، وفي كل الأحوال يكون الدم سماد الحرية والأرض.
نسجل في هذا المسار قول جبرا حنونة في قصيدة "سأبقى شامخاً" حيث: "سأفارق هذه الأرض.. وينمو من دمائي ألف طفل / أسمر الجبهة للموت الخرافيِّ يسابق / وستغدو قامتي أطول من كل المشانقْ / راحتي تحترق الآن بوهج الشمس / والأخرى تعانقْ / سنبلات القمح / وغداً لا بد أن يزرع طفل / من عظامي غصن زيتون / ومن ثوبي بيارق…"…

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 06 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
رابعاً – الشخصية الفلسطينية والعذاب:
أين تقف الشخصية الفلسطينية عندما تتعرض لأشد حالات الضغط؟؟ وهل تفقد شيئاً من تماسكها وثباتها في هذه الحالة..وبمعنى آخر، هل تقع مثل هذه الشخصية في حالة إحباط ويأس عند تعرضها لحصار الجراح؟؟ أم أنها تستطيع في كل الحالات أن تتجاوز حالة الحصار لتسجل حضورها الإيجابي الفاعل القادر على المقاومة والتفاؤل والوقوف بثبات؟؟..
يمكن أن نرى إلى صورة هذه الشخصية في حالتين تتباعدان من جهة، وتتقاربان من جهة ثانية. الأولى هي حالة السجن، والثانية هي حالة الجراح والمأساة، وإذا كان التباعد نابعاً من طبيعة كل حالة، فإن التقارب نابع من كون كل حالة مسكونة بالضغط والألم والمعاناة.. فماذا تقول الشخصية في هذه الحالة وتلك؟؟.
عند تعرض الشخصية الفلسطينية للسجن نقرأ: "في زنازين اعتقالي / عندما يشتدّ عشقي / تصبح الأغلال زهراً / ويصير الجرح كوثرْ / وعلى القيد يغني / بلبل التاريخ لحناً"ويتابع نزيه حسون في قصيدة"تواقيع على قيثارة الأرض" قوله: "في زنازين اعتقالي / رغم سجاني وسجني / يزهر الزيتون في زندي المقيَّدْ / وعلى جدران قلبي / كل زهر في رباها يتجددْ / مهما يا سجان تقسو / سيذوب القلب عشقاً / وستبقى الأرض معبدْ".. لنكون أمام إنسان يكتب أروع لحظات الحرية والانطلاق. وما أجمل أن تصرّ مثل هذه اللوحة على تناول الشمس بيد ثابتة لا تعرف الارتعاش، ولا تعرف التراجع. هنا تكبر الشخصية متجاوزة الظرف المرحلي، والحالة الآنية، لتضع خطوتها على طريق المستقبل المشرق.
مثل هذه الحالة يؤكد عليها الشاعر عدوان علي الصالح في قصيدة "السجن وأنا والطغيان" حيث يصر على ارتفاع الهامة قائلاً: "أعرف كل سجونك / وأراها دوماً جوف عيونك / حين تحملق في عينيّ / حين تلامس سيجارتك المشتعلة بشرة كفي" و"ضعني في سجنك يا سجان" وعندها "تلقاني مرفوع الهامة / ودمي للشعب المظلوم فداء.." فالصورة في غاية التألق والتوهج، وهي تطرح صوتها الصارخ القائل: إن الشخصية الفلسطينية قادرة على الثبات والاحتمال والتفاؤل رغم كل العذابات. وطبيعي أن تكون مثل هذه الشخصية قوية متماسكة كبيرة في تحديها ومقاومتها وتصميمها على استحضار النهار، وهو ما عبر عنه عبد الناصر صالح في قصيدته "ثلاث رسائل إلى أمي"حيث جعل الزمن غير قادر على قهره، وكان قد أمضى عاماً كاملاً في المعتقل، فقال:"عام مضى هل تعرفين؟ / جحدت به الأيام وجهي لم تقل كيف السجين؟؟.." و"لكنني أماه مهما طال هجري لن أهون / أماه إني لن أهون / فأنا وأنت على انتظار..". ولنا أن نشهد كيف ترسم هذه الشخصية حضوراً رائعاً في كل لحظة، وهنا لا تقول مثل هذه الشخصية فرحها أو أملها جزافاً، بل تصر على ربط كل ذلك بالنهارات القادمة.. فماذا عن حالة الجراح والمأساة..؟؟..
في قصيدة "لا تبكي يا أمي" للشاعر حسين مهنا، نقرأ كيف يذهب الجرح في صياغة الإنسان ويعطيه القوة والتماسك، حيث "آت من جبّ النار قويّاً / آت من جبّ النار نبيّاً"وهو ما يشكل نسفاً لكل زمن ماض "فلقد ولّى زمن كنا نبكي فبه الأطلال ونستبكي" لذلك كانت الشخصية معجونة بألق وضياء الشمس "ها أنذا أخرج من مأساتي / مرفوع الرأس قويّ الزندين" و"ها أنذا والنار شآبيب من حولي / أعلنها صرخة ثائر / أعلنها غضبة ثائر.." و"ها أنذا فوق جوادي / أتقدّم فوق جراحي.. أتقدّم وأقاتل.." فأنا "وأريج الليمون وأعراس فلسطين / آتون مع الفجر الورديّ.."..
الشخصية هنا في أروع حالات تجلّيها وامتدادها. ولنا أن نقرأ كيف يكون النزول في الجرح طلوعاً خصباً داعياً للتشديد على التماسك. فالمأساة لا تعني انغلاقاً أو وقوعاً في حالة يأس، بل تفتح الأبواب مشرعة أمام حالة قصوى من الإصرار والتصميم على متابعة المشوار. وإذا كان المقصود من الجرح والمأساة كسر الشخصية وتذويبها، فإنّ ما تصل إليه هذه الشخصية يبشر بأن إشراقة الشمس لا بد منها. إذ كيف لشخصية تحمل كل هذا الألق وكل هذا الإصرار، وكل هذا التماسك والثبات، أن تنكسر..؟؟..
في هذا المسار تكون صرخة الشاعر عدوان علي الصالح في قصيدة "الصبر يا صبرا" أعلى من كل صرخة في تحديها وشموخها، فالمجزرة لا تغلق الأبواب، والمذبحة لا تسقط الملامح ولا تقدر على تشويهها، صحيح أن هناك ضحايا، وصحيح أن هناك الكثير من الدم، وصحيح أن هناك الكثير والكثير من الحزن، ولكن أين يصل بنا كل ذلك؟؟.. وماذا يعني في المحصلة.. نسمع: "ودّعي كل الضحايا يا فلسطين / بقلب في ثناياه الأمل / ودعيهم واحضني الشعب البطلْ / وازرعي الآمال في السهل وفي رأس الجبل / فالذي صارتْ خطاه من فداء / يا فلسطين إلى الفجر وصلْ".
يمكن القول هنا إن الشخصية الفلسطينية تسجل حضورها المتميز رغم حالة العذاب والضغط والجراح. وهذا يعني أن مثل هذه الشخصية استطاعت الوصول إلى قمة التماسك، كأن العذاب والمأساة والجراح محكّ نستطيع من خلاله التعرف على جوهر الإنسان ومعدنه.. وكما هو واضح فإن الشخصية الفلسطينية لا تعرف الانحناء مهما ازدادت الصعوبات والضغوط..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 08 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
خامساً – الشخصية الفلسطينية والامتداد:
كان طبيعياً أن تصرّ الشخصية الفلسطينية منذ البداية على الامتداد تعبيراً عن القوة والتماسك والنهوض الدائم. وكانت أولى علامات الامتداد هذا التطلع إلى الأرض العربية، والشعب العربي، في إصرار مستمر على أن الشخصية الفلسطينية لا يمكن أن تأخذ معناها بمعزل عن العروبة، فهي شخصية عربية فلسطينية، تسعى إلى تأكيد مثل هذه الهوية في كل حين.
من جهة ثانية أصرت الشخصية الفلسطينية على الامتداد ، للتواصل الدائم مع الأهل اللاجئين ..وكان هذا الامتداد مرتبطاً بالإصرار على أن شعب فلسطين شعب واحد يتطلع إلى تخليص أرضه من الاحتلال ليعيش من جديد في ظلال الحرية، بعيداً عن اللجوء والتشرد.. فكيف تبدّت ملامح هذه الصورة؟؟.
الشاعر حسين مهنا يرى في قصيدته "أبصر من خلل الفرح الجامح" أن الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل لا يستطيع أن يعيش فرحاً كاملاً، أو حياة سعيدة، ما دام يشعر بأن هناك جزءاً منه يعيش خارج أرضه ووطنه، لذلك كانت الصورة كما يقول حسين مهنا: "حين يعانقني طفلي / أرجع طفلاً / أصرخ في فرح الأطفال / أصفّق / أضحك من أعماق الأعماق / أقفز.. أركض.. ألعب / لكن / من خلل الفرح الجامح / أبصر في عينيّ طفلي / طفلاً آخر من شعبي / يتعذّب" بما يعني أن الفرح ناقص، الأمان ناقص، جمالية الأشياء ناقصة، والتطلع مستمر إلى الأهل اللاجئين.
مثل هذه الصورة تتكرر عند حسين مهنا في هذه القصيدة، لتقول بالأشياء المشطورة الناقصة التائهة باستمرار، حيث: "حين يعانقني النوم / ويسري خدر في جسدي المتعب / أتراخى فوق سريري الدافئ في كسل / أتمطّى.. أتثاءب / لكنّي / من خلل الدفء الناعم في جسدي / أبصر شيخاً مقروراً من شعبي / في ليل الغربة / يتقلّب..".. وهكذا تبقى الصورة بحاجة إلى ألوانها لتكتمل وإلى خطوطها تكون أكثر دفءاً.
إن امتداد الشخصية الفلسطينية بهذا الاتجاه، وبما يعني التطلع إلى عودة الأهل، كان معبراً عن الارتباط بالأمل والتفاؤل، وهو ما يتأكد عند الشاعر عدوان علي الصالح في قصيدة "بابا نويل فلسطيني" حيث:"لمعلوماتكم جدّي تشرد عن / ثرى أجداده والخال والعمّهْ / لمعلوماتكم جدي / يعيش الآن في خيمهْ / لمعلوماتكم / لم يفقد الهمه" وفي قصيدة "أحلم"حيث: "أحلم يا شعباً يسكن في خيم وبيوت من طين / أحلم بالعودة يا أهل فلسطين "وفي قصيدة "أغنية فلسطينية" حيث: "متى يا أيها العصفور تأتيني / ببشرى عودة الشعب الفلسطيني / فهذا البعد قد طالا / وليل الظلم ما زالا" و"أنا والشعب أغنية / ولكن / صدرها في اليتم قد شبّا / وأما العجز يا عصفور / فهو يعيش في الغربه.."..
وطبيعي أن كل ذلك لا يتحقق إلا بزوال الاحتلال، فالشعب الفلسطيني الذي يعيش جزء منه في الوطن المحتل ويعاني ما يعانيه من فقدان الحرية، يتطلع إلى الزمن الذي يزول فيه الاحتلال لتشرق شمس الحرية من جديد. والشعب الفلسطيني الذي يعيش الجزء الآخر منه، بعيداً عن أرضه ووطنه، يتطلع إلى الزمن الذي يزول فيه الاحتلال ليعود إلى أرضه. وكل ذلك يطرح الصورة القائلة بأن هذا الشعب يبحث عن الحرية والحياة وإشراقة الشمس، وأن هذا لا يتحقق إلا بالخلاص من الاحتلال.
إلى أين نصل بعد كل ذلك.. وماذا تقول الشخصية الفلسطينية من خلال قراءة ملامحها في الصورة الشعرية؟؟.
إن الشخصية التي تبرز ملامحها على هذا الشكل من الإصرار على الثبات والصمود في أرض فلسطين، من خلال التداخل والتوحد مع كل مفردات الطبيعة، إنما تقول بشخصية قادرة على المقاومة والتحدي والمواجهة، ورسم معالم النهارات المقبلة بثقة متزايدة. إذ أن استناد الشخصية إلى كل هذه المساحة من التماسك، إنما يحدد القدرة على الوقوف الشامخ باستمرار.
وإن الشخصية التي تبرز ملامحها على هذا الشكل من الإصرار على الحب الدافئ العميق المتصف بعشق كل حبة رمل من تراب الوطن، وبالإصرار على تسييج كل زهرة بالروح والدم والشريان فداء وتضحية، إنما تقول بشخصية قادرة على التواصل مع نبض الأرض حتى آخر نفس، إذ من غير الممكن لهذا الحب العميق الراسخ، أن يتراجع أو ينهزم، فهو حب يقدم كل شيء من أجل الحبيبة فلسطين.
وإن الشخصية التي تبرز ملامحها على هذا الشكل من الإصرار على الانبعاث والتحدي، إنما تقول بشخصية مؤمنة غاية الإيمان بحبها لأرضها، وبقدرتها على زرع الحياة من خلال الفداء والتضحية. وحين يكون الدم عنوان طلوع إلى الشمس، فهذا يعني التصاقاً بمفردات الفجر ودخولاً في معانيه. إذ من غير الممكن لشخصية ترى في بذل حياتها من أجل حياة الآخرين عنوان فرح، أن تتأخر أو تتقاعس عن الدخول في قاموس المقاومة والتحدي. ومن هنا أهمية بروز ملامح القوة في حالة الذوبان من أجل حياة الآخرين.
وإن الشخصية التي تبرز ملامحها على هذا الشكل من الإصرار على تجاوز العذابات والمعاناة والقهر، للقبض على معاني الفجر الطالع، إنما تقول بشخصية ذات ملامح قادرة على صوغ المستقبل بالشكل الذي تريد. فالعذاب هنا محرك لإشعال فتيل المقاومة، وليس محركاً لآلية الانطواء والارتداد والانسحاب. وعلى هذا كانت الشخصية الفلسطينية شخصية ثابتة الخطوات في السير على طريق المقاومة والمجابهة.
وإن الشخصية التي تصر على الامتداد نحو الجذور والمحيط والأهل، إنما تقول بشخصية منفتحة دائماً على معانيها. ومثل هذه الشخصية لا يمكن أن تنغلق على الذات الضيقة، ما دامت مؤمنة كل هذا الإيمان بذاتها الكبيرة الواسعة، فهي شخصية عربية فلسطينية، ترى صورتها في كل صوت عربي، وفي كل نبض فلسطيني، لتكون شخصية الأمل والتفاؤل والإيمان بالمستقبل.
أخيراً، لا بد من القول، إن ملامح الشخصية الفلسطينية في الصورة الشعرية عند شعراء الجيل الثاني في الوطن المحتل، إنما تدل على شخصية تسعى باستمرار إلى نيل حريتها، من خلال الإصرار على متابعة السير على طريق العطاء. وإذا كانت مثل هذه الشخصية قادرة على ذلك، فلأنها شخصية متماسكة قوية عميقة الجذور.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 09 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الفصل الثالث
الدخول في مسافة الحلم
ما معنى مثل هذا الدخول في مسافة الحلم، وإلى أي شيء نريد الوصول؟؟ في هذا المجال لا أسعى إلى طرح إجابات تؤدي إلى هذا المعنى أو ذاك في فهم آلية المسافة وأبعادها، بل أريد التواصل مع مفردة تحاول أن تعطي الحلم معناه الغني القادر على رفد الشخصية بشحنة غير متناهية من القدرة على الثبات والتماسك. إذ الحلم في مثل هذه الحالة لا يعني انفصالاً أو ابتعاداً عن الواقع، كما لا يعني هروباً أو سقوطاً في السلبية بأيِّ شكل من أشكالها. الحلم هنا قراءة واعية للحاضر، وتطلع مليء بالتفاؤل للمستقبل. بذلك يكسر الشاعر المعنى ذا الوجه الواحد للمفردة ليقول بالانفتاح على كل المدارات الممكنة والمرئية. إذ العين التي ترى الواقع بأبعاده ومضامينه، تستطيع في الوقت ذاته أن ترى المستقبل بأبعاده ومضامينه، كما تكون القدرة في أعلى وتيرة لها على تجاوز أي انغلاق أو ضغط من خلال التواؤم مباشرة مع حالة الحلم بما تعطيه من إصرار على التفاؤل.يمكن هنا أن نسمع شيئاً من قصيدة "أغنية إلى موسم المطر" للشاعر سيمون عيلوطي حيث: "لا بد أن تجيء في الصباحْ / قوافل المحرم المباحْ / وعندها سيورق الشجرْ / يضيء في سمائنا القمرْ / وفي فيافي عيشنا / سينشد المطرْ.." فالانتقال إلى مسافة الحلم في مثل هذه الحالة، يعطي الشاعر شحنة من التوافق مع القادم من جهة، وقدرة كبيرة لتحمّل الصعوبات الآنية والضغوطات المستمرة. في مثل هذا الخط من التعلق بكل مساحة الضوء المقبلة، يفتح الشاعر العين والقلب والاحساسات لتكون في وقع جديد يستطيع أن يثبت ويصمد ويقاوم. هنا كان الحلم قوة وقدرة واستطاعة توصل إلى قراءة المستقبل بوعي، وإلى إعطاء ألوان زاهية للحاضر من خلال الإصرار على استمرار الثبات.
الشاعر نعيم عرايدي في قصيدة "اشهديني رافعاً جبلاً" يحول صورة الحلم إلى لوحة تتأرجح بين حالتي الإمكان واللاإمكان، إذ يرى "إن التحمت جفوني في عيوني / اعذروني / أو التصقت شفاهي في نهود الأرض / في الأرض اتركوني / لأني كنت في المنفى بلا أم.." فإنه يريد أن يرضع من نهود الأرض، وكأن الحلم يرده إلى الطفولة فتكون الأم أرضاً ترضعه حليبها الدافئ.. وطبيعي في مثل هذه الحال أن يكون الشاعر مشتعلاً بمساحة الحلم إلى آخر حد، لأنه يغيب تماماً في الصورة. ونعود مرة أخرى إلى القول، إن مثل هذه الحال تؤكد من جهة أخرى على الارتباط بالواقع المقاوم حيث تصر على هذا التداخل مع الأرض.
في "مطر أيلول فوق بيروت" يرى الشاعر نزيه خير كيف وقفت فيروز على نافذة البحر ونادت، و"كم تشبه عينيك الباكيتين ليالي أيلول / ذكرني فيك المطر الساقط فيه / ذكرني وبكيت كثيراً" فالورق "الأصفر أغنية أو ذهب مشغول / تحمله الريح لأطفال / ركضوا في ليل الثلج وضاعوا / ركضوا / من جبل الكرمل حتى شباك البحر على مدخل بيروت" لتكون المواءمة بين صوت الأغنية الدافئة، وصوت المطر الدافئ، وصوت أجراس الحلم الدافئة أيضاً. وطبيعي أن يؤدي كل ذلك إلى شفافية حزينة تريد أن تنفتح على الجرح وأن تقوله بلغة ما. الحلم هنا يصعد بشكل سريع إلى الذات الباكية الداخلة في مساحة الجرح ليقول صورة التواصل مع الأرض والوطن والإنسان والخصب وما شئت من صور. ولنا أن نرى إلى مد المفردة وغمسها بكل هذه الشفافية لتدخل في تناغم تام مع الأغنية الفيروزية.. وتبقى المسافة مفتوحة على الكثير والكثير من الاحتمالات.. في "أغنية للأرض"للشاعر عطا الله جبر نقرأ "مهما فعلوا / سنعود صباحاً للأرض / ونضيء الدنيا بعودتنا / لتراب الأوطان الحرة" لنجد صورة الحلم في توافق مع صورة التوقع والتمني والتفاؤل. هنا لا يقول الشاعر بحالة من حالات الحلم الذي يرسم صورة تخطر على البال لتكون ملجأ ومتكأ، ولكنه يترك الحلم ليكون في مسافة المستقبل. وطبيعي أن يكون عطا الله في مثل هذا التصور مسكوناً بالكثير من التوقع والجوع ليوم آخر لا يرى فيه صورة الاحتلال بما تحمل من ضاغط وألم وعذاب "مهما فعلوا" الشاعر هنا يدخل في لحم الواقع لينطلق من خلاله بسرعة إلى المستقبل الذي يحمل الدفء والصورة المشرقة..
نتساءل هنا أيمكن للحلم أن يموت، وما هي الحالة التي يحدث فيها ذلك؟؟ نقرأ عند الشاعر سليمان دغش في قصيدته "احتراق" ومن خلال خطابه لأرضه:"جاؤوا إليك وكنت حالمة / كنجم عند شباك الخيال / تستلهمين الصبح أن يأتي / بمنديل ربيعي وشال / داسوا على أحلامك الخضراء / واغتالوا الهلالْ.." لنلامس الكثير من الألوان القاتمة أو الذاهبة إلى حد بعيد في حالة الحزن. الشاعر يتحول في لحظة من لحظات البكاء على صدر الأرض إلى شاعر مسكون بالهم والأسى والفاجع، وهنا تسقط المرآة لتتناثر جارحة في كل اتجاه. ولكن هل مات الحلم حقاً.. أو ما هي الأحلام التي سقطت صريعة هنا..؟؟..
تقول الإجابة إنها الأحلام التي ذبحت مع الاحتلال.. الأحلام التي قتلت وهي في أوج الجمال والرونق.. ولكن هل انتهى كل شيء عند هذا الحد..؟؟ هذا غير معقول طبعاً.. فبعد انكفاء لحلم، كان النهوض المعبر عن الوقوف من جديد.. هنا استعادت الأحلام جميع خيوطها ووضعت معالم الدرب من جديد "وكبرت أنت على صليبك / صرت آلهة النضال" كبر الهوى "لا بأس إن نحن احترقنا / حسبنا أنّا وهبنا الفجر ومض الاشتعال".. ليكون الحلم حلم ارتباط بالثورة والنضال والعطاء، وهو ما يجعله حلماً إيجابياً مليئاً بكل معاني الحياة.. هنا يمكن أن أستحضر من قصيدة "سوف آتي بقمر" لسليمان دغش قوله "فلأوراق الشجرْ / ألف وعد بربيع منتظرْ" لنرى كيف تكون مساحة الحلم مؤكدة على نموها في تفاصيل الوعد، في ثنايا الغد..
كما نرى لا يعني الموت، أو لحظة الاختناق في ظرف ما، نهأي الحلم المعبر عن الحياة.. دائماً هناك ألف ضوء ينبثق ليعبر عن الأمل والتفاؤل، لذلك كان التوكيد على صورة الانبثاق والتفجر توكيداً على عودة الحلم إلى مساحة الزمن والواقع والتطلع..في هذا يقول الشاعر عمر محاميد في قصيدته "اعترافات لوطني الجميل": " يا أجمل حلم يتجدد تحت النار وتحت القيد وتحت السوط" في تعبير جميل عن ضرورة الحلم، وضرورة الالتقاء به. وإذا كان الواقع ضاغطاً حتى الاختناق، فهذا لا يعني انكفاء الحلم أو موته. لا يعني تغييب هذه المسافة الجميلة من الإصرار على التفاؤل والأمل والتشبث بالنور.
وحين نقرأ "نبضات لا تموت" للشاعر عبد الناصر صالح نتوقف عند قوله:"أيا وطني / طوال الليل أحلم فيكْ.. أستجديكْ / أبحث عنك في الأحداقْ.." ونتساءل ما معنى مثل هذا البحث في ثنايا الحلم؟؟ ..ولماذا يلتفت الشاعر إلى صورة بعيدة مع أنه يعيش في وطنه؟؟.. وهل يعني ذلك هروبه من الأحلام التي ماتت في لحظة الجرح؟؟..
الأقرب إلى المنطق أن الشاعر يوظف الحلم ليعايش وطنه القادم في مساحة الخلاص من الاحتلال.. هذه المساحة يراها الشاعر ملء العين والقلب والتطلع. لذلك كان التمني والطموح أن يأتي هذا اليوم الذي يصبح فيه الوطن خالياً من كل غربة أو غريب.. في مثل هذه المساحة لا يعود من الممكن قبول أي صورة أخرى. الشيء الوحيد القريب من العين والأذن والقلب يتمثل في هذا الانفتاح على يوم يعود فيه الوطن إلى حريته.
يمكن أن نلاحظ الكثير من الخطوات على هذا الطريق. هناك دائماً إلحاح على التطابق مع الوطن القادم، الوطن المقبل، الوطن الذي تعود فيه الشمس إلى إشراقتها. يقول الشاعر مصطفى مراد في قصيدته "وطني": "وحلمت بطوفان مقبل / وحلمت بحقل أخضر" و"سمعت سنابلك الخضراء تنادي / ورأيت الفجر الآتي / والحقل الأخضر / فحملت المنجلْ".. وكأن الانتقال إلى المستقبل يصبح حالة وجدانية قابلة للتحقق المادي على أرض الواقع.. الشاعر لا يكتفي بأن يسمع، أن يرى، في حالة الحلم، ولكنه يحمل المنجل بصورة فعلية تعبر عن تطابقه مع حالة القادم، ليكون في حالة وجود مادي.
في هذا المجال، يمكن أن نختتم بقصيدة الشاعر حسين مهنا "افرح يا شعبي" حيث يتحول الحلم هنا إلى سلاح يمكنه أن يكون فعالاً إلى أبعد حد، لأنه السلاح المعبر عن نفسية متماسكة قوية. يقول حسين مهنا: "افرح يا شعبي / واضحك من أعماق الأعماق / اضحك رغم سواد المأساة / انتزع الضحكة من فك الأفعى "و"هذي أفراحك يا شعبي / هذي أعراسك يا شعبي صيف شتاء / فلتفرح ما دامت في الدنيا أصياف / ما دامت في الدنيا أشتية / ولتتلوَّ الغيلان الموتورة قهراً / ولتنفلق السعلاة.."..
حسين مهنا لا يقول بحلم يلجأ إلى زاوية المستقبل، ولا يقول بحلم يتطلع إلى البعيد، إنه ببساطة يقرب الحلم ليكون حياة واقعية تستطيع أن تحول الحياة إلى ضحكة كبيرة تتفجر في وجه الغيلان الموتورة قهراً. إن مثل هذا السلاح يعني تركيز بؤرة الضوء في وجه الظلمة دون أي تراجع أو انزواء. يقول الشاعر ماذا علينا إذا جعلنا أعراسنا سلاحاً، أفراحنا سلاحاً، دبكاتنا سلاحاً؟؟ يريدون قتلنا وخنقنا وكبت أنفاسنا.. فلماذا لا نطلع أملاً يكسر كل ظلمة، وتشبثاً يقهر كل عتمة..
الدخول في مسافة الحلم دخول في صورة الأمل والتطلع إلى المستقبل.. الحلم حين يكون مرتبطاً بوطن، لا يموت. والحلم حين يكون طالعاً من أرض سيجها العشق، لا ينطفئ.. وفي كل المساحات والمسافات، يبقى الشاعر مسكوناً بالحلم، ما دام الحلم تطلعاً مشروعاً وجميلاً إلى المستقبل.. ما دام الحلم حزمة ضوء تعطي النفس البشرية كثيراً من التفاؤل والإصرار والتوهج.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 10 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الباب الثاني
الانتفاضة وانعكاساتها
الفصل الأول
الانتفاضة وصورة التوهج

الانتفاضة فعل وفاعلية من جهة، وبصمة قوية الأثر والتأثير على الزمن ومساره من جهة ثانية.. وعلينا أن نسجل منذ البدايةة صعوبة تحديد "الانتفاضة" في تعريف أو توصيف، كما صعوبة شرحها بكلمات تقلّ أو تكثر.. إذ قامت الانتفاضة منذ البدايةة لتكون "صرخة" شعب قرر أن يمضي في طريق الحرية والخلاص و"نداء" جذور انتفضت لتقول كل تاريخها "تحدياً" لا يعرف الانحناء.. وعلى هذا سجلت الانتفاضة الدلائل الواقعية على أنها عصية منيعة، من خلال ثباتها واستمرارها وقدرتها على التحدي، وصوغ الحاضر بما يعطي للمستقبل وجهه وملامحه. فهل استطاع الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني أن يقول كل ذلك؟؟..
علينا قبل الدخول في قراءة مثل هذا الشعر، أن نتجاوز منذ البدايةة الكثير من الأسئلة التي تتعلق بانطلاقة الانتفاضة، إذ من غير الممكن، وبأي شكل من الأشكال، أن نضع أو نصوغ أسباباً كانت وراء بداية الانتفاضة، لأننا في كل حال سنكون أمام جزء لا يؤدي إلى الكل. فالانتفاضة انطلقت لأنها كانت قد وصلت إلى نقطة كان عليها عندها أن تنطلق، والانتفاضة بدأت وتحركت فعلاً على الأرض لأن الشعب العربي الفلسطيني كان قد وصل إلى درجة رأى فيها أن عليه أن يتحرك وينطلق. وفي كل الأحوال كانت الانتفاضة "مرآة" صادقة عبرت عن مشاعر الشعب العربي الفلسطيني وتطلعه إلى الخلاص. وهو ما جعل الانتفاضة نتاج سنوات طويلة من الانتظار والاحتمال والتطلع، كما نتاج سنوات طويلة من التوثب والمواجهة والتحدي، فكانت في شكلها الأولي كلمة "لا" كبيرة قادرة على صوغ حركة رفضها، وكانت في شكلها الاستمراري فعلاً استطاع أن يزرع الأرض كلها بالتحدي والغضب والمواجهة.
في الشعر، لا تأتي الانتفاضة خارج مسارها الواقعي الحي، فقد انطلقت بعد أن حملت كل السنوات الماضية، ورأت في مسار غدها هذا الارتباط بالخلاص من الاحتلال، ولعل أبسط وأقرب توصيف ينطلق من قصيدة الشاعر منيب فهد الحاج في قصيدته "هذي انتفاضتنا شعاع من نهار" حيث الانتفاضة صورة فجر، وإشراقة صباح، وهي حسب الشاعر "صيحة دوّت فأيقظت الضمير / في القدس دوّت في القطاع / في طولكرم، وبيت لحم، وفي الخليل / في كل ناحية وفي الأقصى الأسير / لتقول: لا للمعتدين / جرجر ذيولك وانقشع عن أرضنا" ثم الانتفاضة "ستحطم القيد الثقيل / تروي لمظلوم غليل / هذي انتفاضتنا تكحّل فجرها الزاهي الجميل" وفي كل الصور تأتي الانتفاضة لتنقل تطلع الشعب وتصوره من حالة إلى حالة، حيث تبدأ الصور في الوصول إلى حالة التحقق.. فما هي المحاور التي وقف هذا الشعر عندها؟؟..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 11 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
أولاً – الانتفاضة وصورة الغد:
أستبق التوقف عند أي محور يأتي ترتيبه أولاً، لأرى مباشرة ضرورة التوقف عند صورة الغد في قصيدة الانتفاضة، ما دامت هذه الصورة نتاج كل الصور والمحاور. فالتطابق والتوافق مع الحالة المستقبلية التي يصل إليها الإنسان المنتفض هي الغاية. وطبيعي أن تكون مثل هذه الحال غاية في الإشراق والجمال، لأن الصورة التي ترسمها ريشة الشاعر تنطلق في خطوطها الأولى من خلال الحاضر المعاش، وهو في هذه الحال حاضر / انتفاضة مستمرة تعطي الكثير، وتنطلق في خطوطها اللاحقة من خلال المستقبل المنظور، وهو في هذه الحال مستقبل / انتفاضة يعد بالكثير.لذلك أخذ الشاعر في معانقة حاضر مليء بالوعد، ومستقبل مليء بالنبض والحيوية والصور الزاهية الألوان.
إن ما طرحه الشاعر حنا عواد في قصيدة "وأفنى ليبقى الغناء" عند العزف على وتر التوافق مع الطبيعة، ثم التداخل مع كل حركة ونسمة ودفء، إنما يحرك بشكل مباشر دافع الالتقاء مع المستقبل. وهنا تبرز أهمية صورة "الانتظار" أو"التطلع" إذ تبدو صورة مليئة بنبض الامتداد والاتساع، فالشاعر الذي يضع ذاته الشاعرة في لحظة الحاضر، إنما يضع ذاته في لحظة المستقبل، لذلك فهو يغني "لهمس السهول ونبض الحقول" ولكن إلى أين تمضي الأغنية، وإلى أي حد يمتد غناء الشاعر؟؟
تبقى لحظة التوافق مع الطبيعة شديدة البروز والاشتعال. وعلينا أن نشد كل وتر لنلتقي الكثير من الدفء والجمالية في صورة الحاضر / المستقبل، والمستقبل / الحاضر، ما دام الشاعر مصراً على مزج الطرفين في لحظة تفجر واحدة تضيء المحيط بأكمله. يقول حنا عواد: "لحلمٍ يسافر في بحر عينيك / عبر مدى الحزن والليل / لصبح نديّ يخضِّله الطلّ / يوشحه النور والورد والفل / لفجر بهيّ يُحاصَرُ في أفق جفنيك / أسكبُ لحني أغني" لتكون اللوحة رائعة في إعطاء الغناء كل هذا الاتصال مع صورة القادم المزروع في صورة الحاضر، وصوت الحاضر المزروع في صورة القادم. وطبيعي أن يكون الغد في هذا المسار غداً مليئاً بالزهر والأناشيد والجمالية.
كان طبيعياً في كل مسار، أن يكون التطلع إلى المستقبل مليئاً بالنبض والقصيدة هنا تطرح المستقبل لتكون في كل ثوانيه. وإذا كان الاستحضار انتقالاً إلى المستقبل، فإنه في الوقت ذاته توافق معه. والشعر لا يريد أن يرسم المستقبل بمعزل عن الحاضر، كما لا يريد أن يرسم المستقبل دون النظر بتدقيق شديد إلى سيرورة الفعل المقاوم. وهذا ما جعل الارتباط شديداً بفاعلية الفعل وبامتداده. فالفعل هو الذي يقول المستقبل ويرسمه، والفعل هو الذي يصمم شكل البناء الذي سيرتفع في الغد.. ولكن تبقى هناك مساحة عريضة من الارتباط بالتفاؤل والأمل بطبيعة الحال.
عندما تسقط سحر شهيدة، وهي واحدة من مجموع، يفتح الشاعر حسين فاعور عينه على المستقبل في قصيدة "في عزّ موتك تولدين" حيث الشهادة ولادة، والموت نبع حياة، والدم ينبوع عطاء، يقول: "إني أرى علماً يرفرف في سماء القدس / تحضنه الأمم / إني أرى عرس الحياة على القممْ / وأرى سحر / فستانها الزهريّ يجتاح الحجارة / والإطارات اللهب / إني أرى سرباً من الأعلام / يجتاح الأفق / وأرى الحياة تجيء جذلى في خطاه / إني أرى علماً يرفرف في القلوب / هو العلم / إني أراه / وأرى مدارس لا يحاصرها الجنود / أرى عصافيراً تدوس على القبور".
المستقبل في هذه الصورة يقترب إلى حد الملاصقة، ليكون صورة تلامسها الأصابع، وتعيشها المشاعر. فالرواية لا تأخذ فسحة الحلم، بقدر ما تأخذ فسحة التحقق. هنا تشتد الألوان لتعيش حالتها كاملة متكاملة، ولتكون ذات وقع نابض بالحياة والوجود. العلم يرفرف.. العرس يشتعل.. الحياة تجيء.. المدارس التي لا يحاصرها الجنود ،تكون واقعاً.. وهكذا..
الانتقال كان سريعاً فجائياً، ولكنه في كل حال وصول إلى حال يتمناها الشاعر/ الشعب، ويسعى إليها. وطبيعي أن مثل هذا الانتقال إنما يمثل توكيد الشاعر على حبه لما هو كائن من نضالات متأججة، ومقاومة مستمرة، وعلى حبه لما هو قادم من أيام يراها قريبة واقعية إلى أبعد حد. فالعلم الذي يرفرف في سماء القدس، لا يكون علماً ينتظر المستقبل أويتمناه، ولكنه علم يقرّب المستقبل ليكون في الحاضر. كذلك العرس والحياة وما إلى ذلك. فالنقلة كبيرة كونها تحقق التصاق الحاضر بالمستقبل دون أي فواصل، وتحقق التصاق الحلم بالحقيقة، وتحقق التصاق الوعد بالوصول دون أي مسافات.. وفي كل الحالات تكون صورة المستقبل صورة رائعة نابضة بالحياة والحيوية والأمل ، يقول الشاعر عبد الناصر صالح في قصيدته "الصهيل": "وبيارات أهلي / تغص بالثمار / تغص بالثمار.."..
إذن في الحالة العامة تنبض صورة المستقبل بالاقتراب أولاً، حيث تستطيع أن تفيض في كل ملامحها على الحاضر المعاش لتكون صورة الحاضر. وبالجمال ثانياً، حيث تبدو مثل هذه الصورة صورة مستقبل نابض بالألوان الزاهية والخطوط المؤدية إلى لوحة رائعة. وبالحيوية ثالثاً، حيث تأتي مثل هذه الصورة لتكون صورة خصبة بالحياة، فهي لا تقبل الركون إلى حالة جامدة أو محايدة، بل تأخذ في التواصل مع كل ما هو مليء بحركة ودفء التوهج. وبانفتاح الدم على الوعد رابعاً، حيث الصور تقول تحققها وتواصلها بالغد المنفتح على الشهادة.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 13 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
ثانياً – الانتفاضة وصورة النهوض:
خرجت الانتفاضة في نهوضها ووقوفها كي ترسم الفعل ألقاً رائعاً يستطيع أن يطوي ظلمة الليل بشمس لا تعرف الغروب، وكان طبيعياً أن تعتمد في ذلك على شعب عريض آمن بحقه ومضى على طريق الحرية ليعطي عطاءه الكبير الشامخ. وبذلك انبثقت الصورة لتسجل عدة صور على مدار الساعات والأيام والشهور، وكل صورة منها تنفتح على مجال واسع من المواجهة والمقاومة والثبات. حيث الفعل في هذه الحالة، فعل شعب ناهض، وحيث الحركة في هذه الحالة حركة شعب لا يعرف إلا التقدم، وحيث الإيمان بهذه الحالة، إيمان شعب ارتبط بالغد فأصرّ على جماليته.
إن الصورة الأولى في دفتر النهوض، إنما تأتي لتقول إن الشعب الذي قد صبر طويلاً، وانتظر طويلاً، قرر أن يكتب انتفاضته الرائعة ألقاً لا يعرف الانطفاء. جاء ذلك في "مقطوعات" منيب فهد الحاج، حيث في "هب بالحجر" صورة تقول: "غير لله ما ركع / في الملمات ما جزع / من براثن الطامعين / حقه سوف ينتزع".. لنكون أمام انفتاح واضح على التوهج الشعبي الذي جاء جواباً بعد طول صبر وانتظار. وطبيعي أن الشعب صاحب قرار وإصرار، وصاحب إرادة وتصميم، مما يعني أن الماضي مفتوح على الحاضر، وأن الحاضر مفتوح على المستقبل.
في الالتفات إلى حركة الفعل الذي يسجله الشعب، نقفُ على مساحة واسعة من الامتلاء والإشباع في ملامح الصورة. فالراصد لا يرى جزءاً صغيراً يسحب شيئاً بسيطاً من الانتباه، بل يقع على صورة كلية متشعبة متداخلة، وإن كانت في وصف حالة جزئية صغيرة. فالضوء الذي يسقط على صورة ما، يرينا الكثير من الأبعاد والحركة والامتداد، بما لا يترك مجالاً لسحب الاهتمام أو طيه. فما هو المثال الأقرب..؟؟..
في قصيدة "هل غادر الشعراء" للشاعر عبد الناصر صالح نقرأ: "كان النشيد يصارع الطلقات في شمس الظهيرة / يستثير الرمل / يمنح للحجارة شكلها السحريّ / يعطي للهتاف مجاله الكونيّ / يجمع ما تناثر من شظايا الفكر / أغنية تفيض على الرمال / تواجه الطلقات والغاز المسيّل للدموع / تجدد العهد الذي أعطى الدم المسفوح خضرته".. فالنشيد الذي يصارع الطلقات في انفتاح على المعنوي والمادي، والنشيد الذي يمنح الحجارة شكلها السحري في انفتاح على المعنوي والمادي، والنشيد الذي يعطي للهتاف مجاله الكوني في انفتاح على المعنوي والمادي.. وهكذا وصولاً إلى الأغنية التي تواجه الطلقات والغاز المسيّل للدموع، ثم إلى تجدد العهد الذي يعطي الدم المسفوح خضرته.. كل ذلك يثير آلية الحركة من جهة، ويفتح معاني الإصرار على الإشراق من جهة ثانية، ويشدد على أهمية التداخل مع مفردات الطبيعة من جهة ثالثة وهذا ما يجعل الفعل مرتدياً لكل الانفتاحات الخصبة في سيرورته.
في"المجد ينحني أمامكم" لعبد الناصر صالح أيضاً نقع على تقسيم وتلوين وتحديد، فالملثمون يتوزعون على عدة مهام حيث "ملثم يوزع البيان / وآخر يكتب بالحبر على الجدران / وثالث يراقب المكان / ورابع يلقي على الرفاق شارة الأمان / وخامس يزين الأسطح بالرايات / ويعلن العصيان / وسادس ينهض في بسالة / ليشعل النيران / وسابع يصيح قد أتوا / فليخرج الفرسان للميدان / وثامن يشد من عزيمة الرفاق / يطلق العنان / وتاسع يهتف أن تقدموا / لا خائف منا ولا جبان / وعاشر يسقط في دمائه مضرجاً / يستنطق الزمان.."..
لنكون أمام واقع الانتفاضة في صورة حيوية دافئة من صوره وألوانه. لذلك كان قول الشاعر "المجد ينحني أمامكم / وتهزم العبارة" حيث الصورة النابضة بكل هذا الوجد، تستدعي النظر إلى الفعل بخفق القلوب..
مثل هذه الحركة نجدها عند الشاعر حسين مهنا في "قصيدة بأحرف حجرية" حيث: "وتصيح أم لم تزل في حزنها الثوريّ / يا ولدي تقدم / هذي الحياة بخيلة / والموت أكرم / مت كالرجال فلست أفضل من أخيك / ومن أخيك.. ومن أخيك.. ومن أبيك / الأرض مادت ثم نادت أهلها / فاهرع إليها راضياً / كي ترتضيك…" في مواكبة الدعوة التي تستنهض فعلاً وذهاباً في العطاء حتى آخر نبض. وطبيعة الدعوة أكثر من رائعة، كونها تصدر عن أم.. والأم في معترك الانتفاضة الفلسطينية الباسلة قدمت الكثير كما هو معروف وعلينا أن نرى إلى تدفق متكامل الألوان في هذه الصورة التي تفتح اللحظة على الكثير من اللحظات أو الاشتعالات السابقة، لنكون أمام أخوةِ المدعوِّ إلى النهوض وأبيه.. ولا مجال في قاموس الأم لمفردة واحدة من مفردات التراجع، ما دامت الأرض قد مادت ثم نادت أهلها.. وعلى الابن أن يلبي نداء الأرض ويرضيها كي ترتضيه.. وهذا معنى آخر من معاني الوئام بين الأم / الأم، والأم / الأرض، حيث تبدو أكبر من الأولى بكثير، مما يعني احتواءها لها وإدخالها في حركية فعلها وندائها وصوتها، لتكون فيما بعد فمها الذي تصدر عنه الدعوة إلى العطاء..
وطبيعي أن تمتد حركة الشعب لتكون شمولية متكاملة متوافقة. فالانتفاضة هي الشعب والشعب هو الانتفاضة. وعلى هذا لا نرى أروع من صورة الشعب في رسم معالم العطاء، يظهر هذا في قصيدة"رعد الدهور والحجر" لمفلح طبعوني حيث:"أحبتي / الليل من عيونكم / والأسمرُ / الفل من عبيركم / والأبيض / اللوز من شبابكم / والأخضرُ / برقوقنا عروقكم / والأحمر / أهدافكم / سيوفكم / أحزانكم / دروعكم / ناموسكم / دنيا الفضاء والزمنْ.."وفي قصيدة عبد الناصر صالح "المجد ينحني أمامكم" حيث: "المجد للسواعد التي تقاتل / المجد للمخيمات والقرى المحررة / وللمدائن التي غدت بيوتها معاقلْ / المجد للملثم الذي سيوقف المجنزرهْ / وللعيون رغم عنف القصف والرصاصِ / تبقى ساهرهْ / المجد للمقلاع / للمتراس / للكوفيةِ السمراء / للشوارع المستعرة / المجد للأطفال / والشباب / والنساء…"وكذا المجد للذين "يحرثون في الصباح أرضهم / ويزرعونها / فتزدهي سنابل / المجد للأسرى الذين قاوموا سجانهم / وأعلنوا عصيانهم / وحطموا السلاسل "وفي قصيدة عبد الرحمن عواودة "العزم في أطفالنا المرد"حيث: "عجب وإن صراخهم ما زال يحتدّ / وبكاء طفل لا يروق لهم / أو بائس في بؤسه جلد / عجب وإن عواءهم يعلو ويشتدّ / ودماؤنا في الأرض شلال / وبيوتنا تهوي وتنهدّ / عجب وإنّ سلاحهم رعد / وسلاحنا إيماننا الصلدُ / وصدورنا السمراء والودّ / قاماتنا وجباهنا.. ونساؤنا وبناتنا / ومن الصغار الصبية الولد / والذكريات.. شيوخنا تاريخنا / وتراثنا الزيتون والورد.." فإلى أين نصل في قراءة معالم مثل هذه الصورة التي تتوزع على كل الامتدادات..؟؟..
/ في طرح صورة المقاتل الفلسطيني، والذي يشمل هنا الشعب كله، نرى أننا أمام شعب مسكون بالعطاء والحركة والتحول السريع نحو الفعل. وهذا الشعب مرتبط بطبيعة فلسطين، وبكل جزء من فلسطين، لذلك كانت معه الشوارع والبيوت والأبنية المختلفة.. كما كانت معه الذكريات والتاريخ والتراث.. وكانت معه قامات الزيتون والورد.. وما إلى ذلك.. ليكون المقاتل الفلسطيني في كل ذلك معجوناً بالعطاء الذي لا ينتهي..
/ في طرح صورة الآخر، وهي صورة العدو الصهيوني، نرى أننا أمام صورة مسكونة بالكثير من الخوف والاهتزاز والتراجع، فالشخصية الصهيونية تخاف بكاء الطفل أو جلد البائس.. وهكذا.. فهم ينطوون رعباً من كل شيء ما داموا لا يستطيعون التعمق في فهم آلية الطبيعة التي يعيشون معها..
/ في طرح صورة سلاح المقاتل الفلسطيني نرى أننا أمام الإيمان القوي بالحق، والصدور السمراء العامرة بالودّ، الدم، والقامات والجباه.. النساء والبنات.. الذكريات والتاريخ.. وهكذا.. ليكون السلاح نهوضاً شامخاً لا يعرف الانحناء أو التراجع..
/ في طرح صورة سلاح العدو، نرى أننا أمام صراخ يحتدّ.. عواء يعلو ويشتدّ.. أمام تهديم البيوت.. الرعد.. وهكذا.. للوقوف على سلاح يعتمد البطش والقتل والتخريب.. فهو سلاح من يريد إنهاء صوت الحياة، ومعنى الحياة..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 14 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
ثالثاً – الانتفاضة وصورة الطفولة:
الانتفاضة قالت الكثير، وقدمت الكثير. ولكنها في مجال تقديم الطفولة / البطولة، أو الطفل / البطل، استطاعت أن تقدم حالة استثنائية لا مثيل لها أو شبيه. فهنا خرج الطفل عن مساره المحدد له في العادة، وهو مسار الطفولة البريئة الغنية باللعب والضحك والفرح، ليأخذ مساراً آخر يختلف كل الاختلاف. فالطفل الفلسطيني تحول إلى مقاتل يستطيع أن يحارب ويخطط ويهاجم بصورة تبدو مذهلة وغريبة وغير متوقعة. وتبقى الأسئلة المطروحة كثيرة متعددة في مثل هذا المسار: إذ كيف يستطيع هذا الطفل أن يقلب الدنيا كلها. وكيف يمكنه أن يضرب ويهاجم ويخطط..ثم كيف يستطيع أن يخرج من ثوب الطفولة على هذا الشكل ليدخل في ثوب الرجولة والبطولة والشجاعة الفائقة.. وهكذا.. لتكون كل الأجوبة صورة هذه الطفولة الرائعة النابضة بالحيوية والتفوق. فماذا نقرأ في هذا المسار؟؟..
يرى الشاعر هايل عساقلة في قصيدة "أبدعت أكثر" أن الطفل الفلسطيني استطاع أن يسجل إبداعه في كل صورة من صور الحياة المليئة بنبض الانتفاضة لذلك كانت الصورة المغايرة والمختلفة عن حقيقتها الواقعية، حيث "أبدعت أكثر / لما رفعت الشمس أكثر / والسرو أكثر"و"أيها الولد الذي / قطع المسافات الطويلة / ما تعثر / وبكفه / أعلى جبين الأفق أكثر"لتكون العين أمام صورة تبدو من خلال الحب والإعجاب والإحساس والمشاعر. فالإنسان لا يرى ارتفاع جبين الأفق مغايرا ولكنه يمزج الصورة بمشاعره وأحاسيسه فتبدو مغايرة ومختلفة ومليئة بألوان جديدة.. إضافة إلى ذلك فهناك كم هائل من القدرة على التغيير والتبديل، حيث استطاع هذا الطفل المبدع أن يقلب الدنيا بإدخاله مفاهيم جديدة في القتال والمقاومة.. ولكن هل خرج الطفل في كل ذلك من حيز إثارة الأسئلة، أم زاد في تأجيجها..؟؟..
الشاعر ياسين حسن يرى في قصيدة "إلى أطفال غزة" أن الأسئلة تكبر وتشتد مع كل خطوة جديدة، ليكون الخطاب الموجه إلى هؤلاء الأطفال "أكبر من أعماركم تاريخ الاحتلال / أطول من هاماتكم هراوة الإذلال / أضخم من قبضاتكم سلاسل القيود والأغلال / أشد من حجارتكم فتكاً مدافع القتل والاغتيالْ / فكيف كيف أيها الأبالسهْ / مرغتم المحتل في مستنقع الأوحالْ / بأي سحر جئتم / حتى على منخاره الشامخ دستم بالنعالْ".. ولا تفتأ القصيدة تسأل وتسأل، ولا تفتأ إشارات الاستفهام تظهر وتطفو على السطح جراء دهشة طبيعية يولدها هذا الطفل الخارق للمألوف، وعلينا أن ننظر بكل الوعي إلى طفولة تتحول بسرعة مذهلة، وتحول ما حولها.
إن صورة ترتسم بهذا الشكل على مدار الواقع الحي، إنما تسجل كسراً لكل ما هو عادي ورتيب ومتوقع. والطفولة الفلسطينية لا تقول ذاتها الخارقة بحروف أو عبارات تكتب على الورق، بل تسجل كل ذلك بأفعال تشتعل بوقع نابض حيوي سريع، ومثل هذا التسجيل يبقى قوياً فاعلاً ضاغطاً بكل المعاني والامتدادات، كونه يأتي عن طفولة ما تعوَّد الآخرون أنها كذلك، وكونه يأتي متلاحقاً جماعياً ضارباً.
في قصيدة "الصهيل" للشاعر عبد الناصر صالح يأتينا الطفل المغاير، من خلال صورة جديدة، حيث: "هنا الأطفال يحملون حبهم على الأكتافْ / يحملون القدس والجليلْ / يطاردون الجند / والرصاص فوقهم كندف الثلج / لا يخشون بندقية الدخيلْ" فهو الطفل الذي يحمل البلاد وهمَّها،ليكون الرجلَ، وجملَ المحامل، ثم ليكون المقاتل الذي يقلب المعادلة، فهو يلاحق الجند، رغم غزارة الرصاص في مواجهته، وهو في كل ذلك يكسر رتابة كل صورة، ويمزج الألوان كلها بلون شديد السخونة مما يجعلها شديدة الغليان.. فاللون في حالة الطفل الفلسطيني، يأخذ حالة جديدة.. والجو في حالة الطفل الفلسطيني، يأخذ حالة جديدة.. وهكذا..
في الانتقال إلى صورة أخرى من صور الطفل الفلسطيني، نرى في قصيدة "قصيدة بأحرف حجرية" للشاعر حسين مهنا أنه يبدأ في رسم حالة التماهي في كل شيء والانتقال إلى كل شيء، حيث:"وبقيت وحدك للرياح تصدّها / بالقلب والعينين / والصدر الطري / وقبضتين على قمر / وبقيت وحدك ترتدي فرح النهار / وترتدي مرح الفراشات الملونة / الطفولة والبطولة / ترتدي التاريخ قفازاً / وقبعة / وتأتينا مسيحاً منتظرْ.."ثم "رفعت مناكبها الجبال وعانقتك / تقمصتك / خلعت صمتك وانتعلت حذاءك الحجري / ثم مشيت".. وفي قصيدة "الطالب في الصف الشارع" لسميح فرج حيث: "يا طعم القهوة / يدخل في كل رغيف / من خبز الدنيا / في خاتم كل عريس وعروس.." و"ندفنه ليلاً / أقسم / وقبل الفجر يعود يقاتل.."..
الصورة هنا تخرج عن كل حالة من حالات الإمكان، لنكون أمام حالة الطفل الذي يرتدي المعجزة ويأخذ في السير بخطوات لا يعرفها سواه. من هنا صورته القادرة على صدّ الرياح / والاحتلال، وصورته القادرة على ارتداء فرح النهار / والنصر، وصورته القادرة على ارتداء التاريخ، والأصالة، وقدومه كمسيح مخلص يستطيع أن يمنح البلاد وعدها وأفقها وانفتاحها الأكيد على النصر..
هذه الطفولة تأخذ مسارها النابض والواعد في كل الحالات والفصول.. وهذه الطفولة تأخذ هوية تأبى أن تكون مشابهة لأي هوية أخرى ما دامت نابعة من حالة استثنائية في زمن المقاومة والتصدي والمجابهة.. وهذه الطفولة تصر على إثارة الأسئلة في كل حين،كونها تكتب عملية المقاومة بوقع غير مألوف، إذ كيف لهذه الطفولة أن تقفز كل هذه القفزات، وكيف لها من جهة ثانية أن تقاتل الجيش والأسلحة الفتاكة وآلات التدمير.. هذه الطفولة تصرّ على إعطاء الطفولة مفهوماً جديداً ما دامت تشكل كل هذا الإبداع..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 16 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
رابعاً – الانتفاضة وصورة الشهيد:
في الاقتراب من الفعل، ومن فاعلية العطاء المشتعل على مدار أيام الانتفاضة، كانت الشهادة وما زالت بصمة لا تماثلها بصمة في الوجد والارتفاع ومعانقة الأرض حتى آخر نفس، إضافة إلى كونها الدليل والهادي إلى الحرية والخلاص من الاحتلال. وطبيعي أن الدم المنبثق من جرح كل شهيد، إنما يعبّر عن شدة الإيمان بالحق العربي الفلسطيني، وعن شدة الحب والتعلق بكل حبة تراب. فكيف تعامل الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني مع كل ذلك؟؟..
نقرأ في "دم الانتفاضة "للشاعر محمد آل رضوان: "المجد المجد / لهذا الدمْ / يتفجَّرُ من شريانك فمْ / يصرخ والصرخة مفزعة / في وجه المحتل المجرم" ثم "هذا دمنا / يتفجر قنبلة حارقة / تعلن أنَّا لن نستسلم / هذا دمنا / يروي عنا / ما لا يدرك أو لا يفهمْ / هذا دمنا / وعد عهد / رضعته الأرض المهد الأمْ.." حيث التحول إلى صورة نابضة بكل الانفتاح والتوجه نحو غد يمكن أن يرسم بالشكل الذي يقرره الشعب الفلسطيني. والدم في هذه الحالة صوت الحق وصرخة الإيمان بكل التاريخ والجذور والعمق والامتداد. كما كان هذا الدم سياجاً ومتراساً يشكل حالة قصوى من حالات الصمود والتماسك والثبات..وكان وعداً وعهداً، وانطلاقاً نحو الأرض التي تنتقل من كونها الأم، إلى حالة الرضيع الذي يأخذ في معانقة الدم القادم من جراح الشهداء.. وعلى هذا تكون الصورة نبضاً لا يتوقف، وانفتاحاً لا يعرف غير تقديم العطاء..
في "الصهيل" عند الشاعر عبد الناصر صالح نقرأ: "دمي سال على وجه التراب / ولم يزل هناك ترتوي الأشجار منه / تحتمي به الطيور من مخاوف الدمار والحريق"بينما في "قصيدة بأحرف حجرية"لحسين مهنا:"فافتح صنابير الدماء / قرنفل الشرفات أضجره انتظار العيد / والجّوريّ يقتله الضجر / لك ما تشاء / فشدّ هذا الكون من قرنيه / أطلع فجرك الورديّ / من دمك الزكيّ.. وبالحجرْ.."حيث الدم في متابعة ارتسام الصورة المليئة بنبض العطاء والإبداع، وحيث الدم في متابعة ارتسام الفجر الواعد القادم، وحيث الدم في متابعة ارتسام درب لا يعرف التراجع أو الانكسار..
طبيعي أن الدم في كل الحالات شهادة وشهيد، وأرض تفتح ذراعيها لمعانقة كل عاشق يأتيها محملاً بصلاة الوجد والترحال فيها. هنا نقرأ في "صورة" للشاعر يوسف المحمود كيف اندفع الشاهد / الشهيد في حكاية ة حبه حتى النهاية ة حيث: "صادته أنياب الرصاصة فابتسمْ / ما قال آهْ / لمّا تفجر في دمهْ / شوك الألمْ / حضن الترابَ / وقبّل الأرض الحبيبةَ / ثم غنى / للبيادر / والسهول / وللروابي والقممْ.." فانفجار اللحظة لا يسجل أي انحناء في وتيرة واشتداد الخط الذي يرتسم بمد واحد، حيث اصطدام الرصاصة بالجسد، وبابتسامة تستطيع أن تسقط أي هجوم، لذلك كان امتناع الآه ووقوفها في حالة التلاشي، مع تفجّر شوك الألم داخل الدم. وكل ذلك في تواليه، لم يكن صورة، بقدر ما كان حقيقة ملموسة يعيشها الإنسان الذي انفتح على هذا الجرح فجأة، ولحظة وقوعه بين أنياب الرصاصة. وكان متوقعاً في مسار الصورة أن نرى إلى سقوط الجسد بعد أن نزف ما نزف من دم، وبعد أن عانى ما عانى من عذاب، ولكننا – هنا – نقع على تسارع في مسار الحدث يمسح مرحلة، وينقلنا مباشرة إلى مرحلة نهائية تحمل الكثير من الامتداد.
في التسارع لا نرى مرحلة الترنّح، التشنج، ثم الوقوع على الأرض، بل ننتقل مباشرة إلى مرحلة "حضن التراب" لنعايش قفزة زمنية تصل بنا إلى غايةتين: آنية، وبعيدة، فالشهيد / أو القادم نحو الشهادة / يذهب في عناق الأرض ويذوب حباً في مثل هذا العناق، ثم يفتح كل جوانب الغناء ليكون مع شمس البيادر والسهول والروابي والقمم. في الصورة الآنية: يكون العناق ملاذاً ودفءاً. وفي الصورة البعيدة: نكون أمام الشمس التي ستملأ الأرض حرية.
مثل هذه الوتيرة تنفتح على وتيرة أخرى عند عبد الناصر صالح في قصيدة "هل غادر الشعراء"حيث: "يتسابق الشهداء / يلتحمون بالرمل القديم يسافرون لعرسهمْ / يتعانقون بمهرجان المسك والحنّاء / كم حلموا بعيد الأرض / واحتفلوا بأسماء الجبالْ.." و"للشهداء لون الزعتر البريّ / والحنّاء / أقمار تحلّق في السماء / وراية للمجد / تخفق في فضاء القلب / تعطي الانتفاضة بعدها الشعبي / تحفر فوق سطح الأرض تاريخ الغضب" وعند الشاعر فتحي القاسم في "مشاهد أزلية" حيث: "دمه سراج في الليالي المظلمهْ / نهر جرى / يمحو الأسى / ويفك أسر العاشقين بفيضه / ويروّي أقداس الثرى.."..
إن الشهيد الذي يلتحم بالرمل القديم، ويسافر لعرسه، ويعيش حالة عناق مع غيره من الشهداء في مهرجان المسك والحناء، هو الشهيد ذاته الذي ينبعث دمه سراجاً في الليالي المظلمة. وطبيعي أن تأخذ الصورة كثيراً من حيز التداخل والتشابك،لنكون أمام شهيد يمتد في كل صباحات الوطن القادمة، وهو ما جعله بلون الزعتر البريّ والحناء، وعلى شكل قمر يحلق في السماء، وراية للمجد.. وهكذا.. وصولاً إلى صورة يمكن أن تتطابق مع صورة الفرح والشمس، ويمكن أن تلتقي مع كل صورة نابضة بالوعد..
خامساً – الانتفاضة وصورة الحجر:
في قاموس الانتفاضة، وخارج حيّز المعاني العادية المتعارف عليها، أخذ الحجر طلقته الجديدة، وطاقته الاستثنائية من خلال شحنه بلغة العطاء اليومي في فصل الانتفاضة الطويل. وكان طبيعياً في هذه الحالة، أن تمتد صورة الحجر في تعدد الألوان، وتوزع الخطوط. فالحجر لا يمكن أن يكون حجراً عرفته الأيام الماضية، أو استوعبته مساحته العادية في التاريخ الطويل. ولكنه في زاوية المعرفة الجديدة، ينتقل ليكون فعلاً يصعد من خلال الفعل، وحركة تتألق من خلال المد الثوري. وهنا يصبح الحجر"حجراً "آخر في معنى جديد تماماً..
في "رباعيات الحجر" للشاعر عدوان علي الصالح، نقف على امتدادات وصور حيث: "حجر أخضرْ / يقذفه طفل / في وجه العسكرْ / حجر أخضر" ثم "حجر أسود / في يد طفل دوماً يتجدد / حجر أسود / يرفع هامة شعب / والشعب على الظلم تمرد" و"حجر أحمر / هو دم الشهداء تخثر / حجر أحمر / يسعى للفجر ولكنّ / الفجر تأخرْ" ثم "حجر أبيض / هو قلب صغير / بالحرية ينبض / حجر أبيض / لو يوماً يستشهد حامله / لا بدّ غداً ينهض" فماذا نقرأ؟؟
/ في الحالة الأولى، هناك حجر أخضر، لونه يشبه لون الزعتر، وهو حجر يحاول أن يزرع مساحات الضوء والخير في قادم الأيام، هو حجر مقاوم، حجر يضرب الاحتلال، يهاجم الظلمة، ولكنه بطبيعته مفتوح على الوعد بالأيام الخيّرة الجميلة المشرقة.. لذلك كان مثل هذا الحجر، حجر الأمل والتفاؤل، إلى جانب كونه حجر المقاومة والتحدي.
/ في الحالة الثانية، هناك حجر أسود، يعمل على مهاجمة العدو باستمرار، وطبيعي أنه حجر العذابات والليالي القاسية والهموم، وتهديم البيوت، وما إلى ذلك. مثل هذا الحجر مشحون بالكثير من الضغط والألم. وهو لا يتوقف عم محاولة كسر القيود.
/ في الحالة الثالثة، هناك حجر أحمر، يطل من دم الشهداء، يتلون بدم الشهداء، وينطلق مباشرة نحو الفجر والشمس القادمة.. مثل هذا الحجر مشحون بكل صور الشهادة والشهداء، بكل الدموع، بكل التطلعات والأماني.. وهو حجر يمضي إلى النصر الأكيد.
/ في الحالة الرابعة، هناك حجر أبيض، هو قلب طفل فلسطيني ينبض بنداء الحرية، بنداء الخلاص، بالبحث الدائم عن ضوء الشمس. لذلك كان مثل هذا الحجر سعياً دائماً نحو الخلاص، وسعياً دائماً نحو الحرية. وطبيعي أن الشهادة طريق الحرية، وأن دم الشهيد شمس الخلاص.
/ في الحالة الخامسة، وهي الحالة الجامعة الشاملة، يأتي الأخضر والأسود والأحمر والأبيض، لتشكيل علم فلسطين، وهو العلم الذي يعني الحرية والخلاص والوصول إلى شاطئ الأمان. وطبيعي أن تجتمع الحالات الأربعة السابقة في رسم هذه الحالة التي تصل بنا إلى ارتفاع علم فلسطين ليرفرف عالياً..
في مثل هذه الصورة نقرأ لحسين مهنا "قصيدة بأحرف حجرية" حيث: " حجر يواجه قنبلهْ / عنق تقاوم مقصلهْ" ولسميح فرج قصيدة "الطالب في الصف الشارع" حيث: "هو قرص الشمس عنيد / نحن بلغنا منزلة يوماً / وبلغنا / بالحجر السحري منازلْ" وهذا يؤدي في كل الحالات إلى صورة متكاملة من الوصول إلى صعود الحجر في الطريق إلى الحرية. والحجر هنا يخرج من معناه الآني، معناه الجامد، ليأخذ كل معاني النبض والعطاء.
بعد قراءة المحاور السابقة، تصل قصيدة الانتفاضة إلى رسم صورة كلية تشمل الغد والنهوض، والطفولة، والشهيد، والحجر وهو ما يعطي مسحاً شاملاً، وتناولاً وافياً، لموضوعات يومية عاشتها الانتفاضة وعايشتها، ورسمت كل صورها وخطوطها وألوانها. وفي مثل هذه الحالة من المسح، يتضح أن الشعر لم يكن بعيداً عن أرض الحياة اليومية، ونبض الشارع المنتفض، بل كان، كما ظهر، أقرب ما يكون إلى حركة وموضوع. وبذلك استطاعت قصيدة الانتفاضة أن تغطي موضوعة عريضة مليئة بالحركة والحيوية والفعل والتفاعل، وأن تتطلع بكل الوعي إلى الأيام القادمة.فالشعر في هذه الحالة، كان مرآة تصور وتحفظ ملامح وتفاصيل المقاومة والتحدي، كما كان نظرة دائمة ومستمرة إلى المستقبل المشرق.


[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 17 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الفصل الثالث
الانتفاضة والشخصية القصصية
في واقع الانتفاضة الممتد اشتعالاً على مدار الأيام والأشهر والسنوات الماضية / الحاضرة، كان لا بد من تغيّر وتبدل حركة المحيط وطبيعته من خلال التداخل أو الرجوع إلى حركة إنسانية أخذت تشكل صورة جديدة لم تكن معروفة من قبل، رغم إيماننا بأن الزمن السابق، أو ما قبل الانتفاضة في الوطن المحتل، لم يكن بعيداً بأي حال عن كل معاني وأبعاد وفاعلية المقاومة. ولكن هذا لا يعني ضرورة التماثل أو التشابه في الصورة والأسلوب والطريقة، إذ كانت الانتفاضة حدثاً استطاع أن يأتي "بانتفاضته" التي قلبت كل شيء، وجعلته مليئاً بالجديد المغايةر، فظهرت الحياة اليومية المعاشة كحياة جديدة في التوافق مع حدث الانتفاضة.. وهكذا.. ليكون الإنسان العربي الفلسطيني "صانع" و"مهندس" واقع جديد هو "واقع الانتفاضة" الذي يأخذ من تجربة الماضي الكثير، ومن الحاضر الكثير، ليكون في صياغة جديدة متميزة.
هذا الإنسان الذي يمكن أن يدخل في معنى ما من معاني الانتقال إلى "المسار الجديد" وهذه الشخصية التي أوجدت إطاراً جديداً لقصة مكتوبة بحبر الحياة اليومية "المنتفضة". ثم هذا البطل – وهي البطولة التي تعني الفعل النضالي بمعناه العريض – الذي أخذ يطوي الأيام إصراراً وشموخاً، ويبدع ما يبدع من صور التحدي، هو ما سنحاول دراسته من خلال انعكاس صورته في قصيدة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، خاصة تلك القصيدة التي اقتربت من شكل "القصة" أو"الحكاية ة" وهي تقدم واحدةً أو أكثر من الشخصيات المقاومة..
الانتفاضة وملامح أولية للشخصية:
الملمح العام للشخصية العربية الفلسطينية يؤكد على وجود شخصية إنسانية مليئة بالأمل والتفاؤل رغم كل الضغوط وقساوة الظروف. مثل هذه الشخصية تستطيع أن تصهر كل شيء ليكون خاضعاً لهذه النظرة التفاؤلية أو متوافقاً معها. وهذا يعني في المسار العام، أن الشخصية العربية الفلسطينية قادرة على الاستمرارية والوقوف بكل صلابة مهما ضاقت السبل، لأنه من الصعب كسر امتداد مثل هذه الشخصية والحد من قدرتها على الامتلاء بالحياة..
الضاغط قد يشكل الانفجار، أو أعلى درجة من درجات التماسك، وهذا عام بالنسبة لكل إنسان، في هذا استطاعت الشخصية العربية الفلسطينية أن توظف حالة الضغط في مجرى حالة بناء الذات. وحين نستمع إلى الشاعر المتوكل طه في "ونحن سواء" يقول:"فنحن نواجه رمل المعسكر بالأوفِ / نكسر وحش الصحارى / بعرس انتفاضتنا / لا نكف عن الدبكات / ونغمر هذا المدى بالغناء" نستطيع ن نفهم آلية مثل هذا البناء لجوانب الشخصية. فالمتوكل طه لا يضع مساحة الأمل والتفاؤل بكل هذا الامتداد ليقول: إننا نواجه عذابات السجن والاعتقال بالإصرار على التشبث بالحياة والتفاؤل فحسب، ولكنه يريد أن يوصل رسالة تقول: إن الشخصية الفلسطينية قادرة على التحمل إلى أبعد حد، وقادرة على الاستمرارية والوقوف بثبات لأنها بنيت بشكل جيد ومدروس من جهة، ولأنها صاحبة حق وتاريخ وجذور من جهة ثانية.
من هذا الملمح العام، يمكن أن نقرأ مسار القدرة على صوغ الفعل النضالي الجديد المغايةر إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل:"كيف يحدث ما يحدث"والسؤال لا يبحث عن إجابة بقدر ما يسجل حالة الانبهار والإعجاب. وطبيعي أن الارتداد إلى الزمن السابق، يضعنا أمام الكثير من بذور هذه الشخصية، ومعالم التشكيل لملامحها، وإذا كنا نقف أمام الطفل الفلسطيني، وهو الشخصية التي تحركت بسرعة مذهلة لتأخذ الكثير من مساحة الاهتمام، فعلينا أن نرى مباشرة إلى التصاق هذه الشخصية بإطارها العام. إذ لا يمكن أن تكون مثل هذه الشخصية نابعة من فراغ، لأنها تسجل حضور الفعل الفلسطيني في زمن الانتفاضة.. ولكن كان طبيعياً أن تبرز صورة "الطفل"وأن تلتصق أو تقترب من صورة "الحجر" ليكون "طفل الحجارة".. وهي صورة مثيرة للدهشة والانبهار، لأننا ما تعودنا أن يكون الطفل على هذا الشكل من العطاء..
يقول ياسين حسن في قصيدته طإلى أطفال غزة": "فكيف كيف أيها الأبالسهْ/ مرغتم المحتل في مستنقع الأوحالْ / بأي سحر جئتم / حتى على منخاره دستم بالنعالْ.." لنضع اليد على مفصل الاندفاع إلى هذه الشخصية التي حملت الكثير. فالطفولة جاءت إلى غير المتوقع وقلبته دفعة واحدة ليكون متوقعاً، وخرجت من خلاله بشخصية الطفل الذي يستطيع أن يقاوم الرصاص وقنابل الغاز والدخان المسيل للدموع، وكل وسائل القتل بيدين طريتين، وصدر عار، وحجر.. وهذا ما أذهل الاحتلال / كما الدنيا.. فكانت شخصية الطفل الفلسطيني ضاربة للاحتلال بكل المعاني، لأنه لم يتحمل أن يخرج الشعب العربي الفلسطيني كله ضده باشتراك الأطفال أيضاً، مما جعله ينسى أنه يقاتل شعباً مسلحاً بالحجارة، فأخذ يضرب ويطلق الرصاص ويقتل بكلِّ قساوة وهمجية الاحتلال، وكان الطفل بطبيعة الحال ضحية – كما بقية الشعب – تركزت عليها الأضواء الإعلامية مستهجنة أن يتحول "الجيش"، وهو جيش احتلال، إلى قاتل للأطفال.. من جهة أخرى كان الطفل مبدعاً في نضاله، مما لفت الأنظار إلى شخصية "الطفل" الذي يرفض الاحتلال، ويخرج من بيته ومدرسته ليقول "لا" وليقاتل، وهذا ما سجل حضوراً كبيراً "له" ولقضية الشعب العربي الفلسطيني، وأصبح الطفل أسطورة في المقاومة والحضور.
من هذا الملمح العام أيضاً، نقرأ صوغ فعل التداخل مع الطبيعة الفلسطينية بما يشكل أعلى وتيرة من التماسك. هنا تأتي قصيدة "الصهيل"للشاعر عبد الناصر صالح لتقول:"دمي سال على وجه التراب / ولم يزل هناك ترتوي الأشجار منه / تحتمي به الطيور من مخاوف الدمار والحريق" و"هنا الأطفال يحملون حبهم على الأكتاف / يحملون القدس والجليل"لنرى إلى مساحة شديدة التألق في رسم ملامح الشخصية. حيث التداخل يؤدي دوره، فالدم يشكل السياج الذي يحمي، والحياة التي تسقي، كما الحب في التعامل مع الطبيعة والمدن يشكل في الذات التماسك الذي يساعد على الاستمرار. وفي هذا وذاك قدرة على قراءة الطبيعة الفلسطينية بتميز. الشاعر لا يقول بطبيعة محايدة أو صامتة، ولا يرضى للطبيعة الفلسطينية أن تكون كذلك. من هنا حضورها القائل بحالة استثنائية خصبة. وهو يعرف أن حضورها يشكل الكثير بالنسبة لبناء شخصيته، ما دامت جزءاً أساسياً من هذه الشخصية. الفلسطيني هنا مليء بالطبيعة، والطبيعة مليئة به.
ومن هذا الملمح العام يمكن أن نقرأ أيضاً فعل التواصل مع "المعنى"والغايةة" بصورة واضحة جلية. صحيح أن ذاك لا يختلف حوله اثنان حيث الغايةة هي الوصول إلى الحرية، ولكن ما أعنيه هو هذا التفصيل والشرح، وبما يوضح قدرة الشخصية على فهم حركة نضالها بأروع صورة. يقول الشاعر حنا عواد في قصيدته "كي يبقى شجر الزيتون"والعنوان يحمل ما يحمل من إشارات، يقول:"كي يبقى شجر الزيتون ونبقى / كي يمتد ونمتد جذوراً في الأرض / وننمو مع هذا الزيتون فروعاً تكبر تورق / تزهر تثمر" و"كي لا نفنى أو لا يفنى وطني / نفنى قربان فداء" فالانفتاح على المعنى أو الغايةة لا يقول بمباشرة التطابق مع الحرية، ولكنه يمضي خطوة إثر خطوة في تفصيل يضع الذات في مسار التداخل مع كل شيء في الوطن، ليقول من أجل كل شيء نعطي، ومن أجل كل شيء نموت، ومن أجل كل شيء نواصل النضال، الوعي هنا يتطابق مع حالة العشق الكبير لكل ما يضمه الوطن، لذلك يكون استحضار المعنى والتوكيد عليه.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 18 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الانتقال إلى الشخصية القصصية:
في "قريباً من ساحة المدرسة.. قريباً من مدخل البيت" يضعنا الشاعر هايل عساقلة أمام قصة تقول:"عمره عشرة أعوام / تعدّاها قليلاً / عندما طارده الجيش / وأرداه قتيلاً" فالمطلع يختصر أشد اختصار، ليقول حكاية ة هذا الصبي الذي قتله جيش الاحتلال.. ولكن أين القصة، أين الملامح العامة لهذه الشخصية، أين الحدث.. من أين أتى هذا الصبي.. وإلى أين يريد أن يذهب.. لماذا قتل..؟؟ هل يكفي أن نعرف أنه في العاشرة، وأن جيش الاحتلال قد قتله؟؟..
بعد هذا التقديم الذي يضعنا أمام الطفل / القتيل، يعود بنا الشاعر إلى التفصيل، فنعرف أنه كان عائداً للبيت "عندما مرّ على آخر جندي جبان / عائداً للبيت لم يدرك / بأن العسكر الفاتح لا يتقن إلا / في زمان الاحتلال / كيف يقتاد التلاميذ طوابيراً / إلى ساحة موت / وزنازين اعتقال" الشاعر يقرّبنا من ملامح الشخصية إلى حد، ومن الجو العام. هنا نستطيع أن نشكل صورة أولية تقول: إن هذا الطفل كان عائداً إلى بيته بكل هدوء وخلوّ بال لم يكن يعرف أن الاحتلال لا يتقن إلا القتل، وأنه يسوق التلاميذ إلى الموت أو الاعتقال.. شخصية الطفل في هذا المسار تبدو بملمح غير متوقع، لتسقط فيما بعد ضحية بريئة. ولنا أن نقرأ مساحة الجرح..
يقول: "صدرهُ كانَ كما ساحة حربٍ / وسجالْ / كلُّ من شاهدهُ قال بأنَّ الغدرَ فادحْ / كل من شاهده شاهدَ آثارَ المذابحْ / كل من شاهدهُ / أكدَ بالقولِ وقال: / ربما حزَّت بهِ حربة فاتحْ / قادم" من آخرِ الدنيا ليغتالَ الكتابْ / قادم من آخر الدنيا ليغتال القلمْ / قادم" من آخرِ الدنيا ليغتالَ فتى / همهُ في الغدِ أن يصبحَ أحلى / همّه في الغدِ أن يصبح أقوى / همّه في الغدِ أن يحمي أرضاً وكتاباً / وعلمْ / همه كان وأردوهُ قتيلا / إذ دنا من مدخلِ البيتِ قليلا.."..
الانتقال إلى هذا الحيز من القصة يضعنا كما نرى أمام حالة الجرح بكل ضغطه. والصورة لا تبتعد عن ساحة صغيرة المساحة، كبيرة الامتداد، هي صدر هذا الصبي.. الصدر يكون هنا انفتاحاً على الجرح، وانفتاحاً على صورة الاحتلال، وانفتاحاً على صورة الغد. في حالة الجرح، نرى كيف تبدو الهمجية التي حولت صدر الصبي إلى ساحة حرب وسجال، فزرعت فيه كل مساحات الدم.. وفي حالة الانفتاح على صورة الاحتلال، نرى هذه الصورة على حقيقتها، وهي صورة الآتي من آخر الدنيا، ليغتال وطناً، ليسرق وطناً، ليقتل شعباً. هذا الاحتلال، لا يرضى لشعب فلسطين أن يحيا، لأن حياته تعني استمرار وجود صاحب الحق.. وهذا الاحتلال، لا يريد لشعب فلسطين أن يتعلم، لأن العلم سلاح خطير في يد كل واحد من هذا الشعب.. وهذا الاحتلال لا يريد الانفتاح على صورة مشرقة تتمثل في غد شعب فلسطين، وهي الصورة التي سيصبح فيها هذا الفتى أحلى وأقوى، وبالتأكيد سيكون المدافع عن أرضه حتى آخر رمق.. لذلك كان الأفضل، برأي الاحتلال طبعاً، أن يقتلوا الطفولة الفلسطينية وأن يذبحوها… هل انتهى الشاعر من قول كل شيء؟؟..
ينقلنا هايل عساقلة إلى نهاية قصته حيث "ولوَلَتْ أمهُ في صمتٍ عليهْ / طبعت في خده الأيمن قبله / طبعت في خدّه الأيسر قبله / طبعت في شفتيهْ / وهي تدري / أنَّ من يُذبَحْ حباً في الوطنْ / سوف تغدو هذه الأرض له / أغلى كفنْ / ولولت أمه في صمت / وسال الدمع سال / فوق خدّيها / وخدَّيْ ولدٍ / عاد للبيت ذبيحا / وعريساً كالرجال / إنها تبكي زماناً همجيا / طال فيه كمد الأم / وصبر الوالد الكهل / وطال الصبر طال / إنه عصر فتوح واحتلال..".. فإلى أين نصل؟؟..
إن هذه القصة، وبما تحمل من تنويع في الرويّ، تضعنا أمام شخصية ذات ملامح عامة حيث لا نعرف عن هذا الفتى غير عمره الذي تجاوز عشرة أعوام، فهو هذا الفتى الذي استشهد، وهو كل الأطفال في فلسطين. من هنا انتفاء الخصوصية الشخصية، والانتقال إلى العام، لذلك كانت الصورة ذات بعدين، أو مسارين.
/ المسار الأول، يضعنا أمام شخصية الطفل الفلسطيني "يمثل أطفال فلسطين "العائد من المدرسة إلى البيت، وكيف يتعرض للقتل والتشويه لمجرد خشية الاحتلال من وجود هذا الطفل الذي سيكبر وسيكون مدافعاً عن وطنه.. هذا الطفل مسكون بالوطن، ولكنه لم يقم حتى الآن بأي فعل مقاوم يستدعي مجرد منعه من قبل الاحتلال. ولكن الاحتلال هو الاحتلال "يقتاد التلاميذ طوابيراً إلى ساحة موت وزنازين اعتقال".. وهذا ما جعل الأم تبكيه بصمت وحرقة، لأنها لا تعرف لماذا قتل، وما هو الداعي إلى أن يذبح.. ولكن من بعد تصل إلى النتيجة القائلة "إنه عصر فتوح واحتلال"..
/ المسار الثاني، يضعنا أمام شخصية الاحتلال، وهي الشخصية التي يريد الشاعر أن يبرزها وأن يسلط الضوء عليها، لتكون عارية أمام العيون، وهذا ما استطاع الوصول إليه من خلال طرح صورته بكل ما تحمل من عنف وبطش وحب للدماء والقتل.لقد وصل الشاعر إلى تعرية الشخصية الصهيونية، واستطاع أن يضع الإصبع على حقيقتها المتصفة بالزيف والكذب والتزوير.. إنها الشخصية التي تسعى إلى إنهاء الشخصية العربية الفلسطينية بكل الوسائل والطرق، لذلك كان كل هذا القتل، وكل هذا الدم، وكل هذا التدمير.. ولكن بقيت الشخصية الفلسطينية متماسكة قوية، قادرة على الثبات والتحدي والامتلاء بالحياة والأمل..
في الانتقال إلى شخصية أخرى، نقرأ في قصيدة"وحين يطلع الصباح" للشاعر سميح فرج قصة هذا الطفل الذي يدخل مساحة الموت والشهادة أيضاً. في المطلع: "الفجر دافق / من كل بيت شاهق بالجوع / من كل مدرسة / والصوت من المذياع / في شجة الحجر" وهو ما يضعنا أمام كل شيء ، فمن توصيف الجو العام وتحديد الزمن بالنسبة لهذا اليوم، نعرف أن الفجر دافق وكأنه يقول إن اليوم ما زال في أوله.. ثم ندخل مع الأم التي "توضأت للصبح ثم دثرته بالحنان" مساحة هذا التحديد الذي يقول إن الأم ما زالت تستعد لصلاة الصبح.. كل هذا والصبي ما زال في "دثرته بالحنان"فهو نائم تداعب الأحلام عينيه.. وهنا علينا أن نعرف أنه عندما يصبح الصباح، فإنه "يرف كالحمامة البيضاء"وهذا ينقلنا إلى معايشة شخصية هذا الطفل في دفئه وحركته وبدايةة يومه..
الولد الذي يرف كالحمامة البيضاء، و”تحت جنحه يضم غزة الرمال" يعطينا تحديداً للمكان الذي يدور فيه الحدث وهو غزة، لنكون أمام صورة تقول: ما زال اليوم في أوله، ونحن في واحد من بيوت غزة نعايش عائلة ابنها في المدرسة، وهو يستعد للذهاب إلى المدرسة.. قال لوالده "صباح الخير يا أبي"وكان قد رتب الدفاتر، وقلم الأظافر، ومشط شعره"والواجب اليومي حله بأكمل الصور / ويضحك الصبي عالياً / ويضحك البطل".. وماذا بعد؟؟..
ننتقل بعد ذلك إلى صورة نفسية تدخلنا إلى العالم الداخلي عند الطفل، والذي يلتقي مع العالم الداخلي عند الأم.. يقول الطفل، وبحالة من الصمت:"لا تقلقي / يقول لا يجرك الشفاه / إذا تأخرتْ حقيبتي عن الرجوع / أو حدثوك عن شوارع القطاع / والصبية المجتاح صوتهم مشارف السماء / أو جاء موعد الغداء / دون أن أراهم الصغار أخوتي.." فهذا الخطاب الموجه في كل مسافته إلى الأم، يعبر عن وعي الطفل ومعرفته بما يدور حوله من أمور. وطبيعي أنه يعرف تماماً أن جنود الاحتلال منتشرون في كل مكان، وأنهم يمارسون القتل والتعذيب والاعتقال..هنا يتوحد الطفل مع مشاعر أمه، لنرى إلى وتيرة واحدة من القلق والحذر والخوف.. إن محاولة بث رسالة إلى الأم تقول "لا تقلقي" إنما هي تعبير عن حالة من التوتر الشديد يعيشها الطفل أيضاً..
كل هذا يجري والطفل ما يزال في بيته بين أمه وأبيه وأخوته بعيداً عن حيز الخطر المنظور. هنا نعيش حالة الترقب والحذر والخوف، في شحنة التهيؤ لحدوث شيء ما.. الشاعر يوظف الكلمة لتمهد لحدث خطير آت.. الجو النفسي المشحون، يقول شيئاً سيأتي.. وهكذا.. لكن ما هو الذي سيأتي وماذا تقول الحكاية ة بعد ذلك؟؟
يركض الحدث ويتتابع حاملاً الكثير من التوتر، لنصل إلى صورة / المأساة النهاية ة "قد أصبح الصباح" هنا اقتربت لحظة الذهاب، وبعدها نعيش أو نرى حالة التشتت المرتبطة بالكثير من الترقب والحذر، وهو ما يجعل الصورة تتوزع دون ترتيب "جلّدتُ دفترَ الحسابِ جيداً / سيفرح المعلم الذي أحبَّني / يرفُ كالحمامةِ البيضاء" فالحاضر الذي ينطلق للتطابق مع فرح المعلم وهو ما سيحدث في الآتي، وهذه الحركة المتتابعة للطفل.. كل هذا يمهد نفسياً لما سيأتي طتأبط الحقيبةَ السمراء / وراح ينطلق / في الشارع المنشور بالزجاج والرجال / سيفرح المعلم الذي احبني / سيحزن المعلم الذي أحبني / مشاغب / مخرب / في ساحة الكاوتشوك غادر الحقيبة / ودفتر الحساب / وعانق الحقيقة / وغاب في المطر.." إنها اللحظة / المأساة التي كانت منظورة أو مشاهدة في الحالة النفسية، وكأن الطفل كان يعيشها قبل وقوعها وهذا ما جعله يغير الكلمة أو المفردة المعبرة خير تعبير وهو ينطلق إلى المدرسة من"سيفرح” إلى"سيحزن"وفي تقارب شديد، فالمعلم، وهو ما يشعر به الطفل، سيفرح عندما يرى دفتر الحساب المجلد، ولكنه الآن وعندما وصل الطفل إلى لحظة التطابق مع حالة الشهادة، سيحزن.. الطفل رأى معلمه وهو ينظر إلى موته، لذلك كانت صورة الحزن، وصورة الألم..
هذه القصة"وحين يطلع الصباح"تلتقي مع القصة السابقة"قريباً من ساحة المدرسة.. قريباً من مدخل البيت"في التركيز على الطفل / الشهيد، والطفل / المحايد، لأن صورة البطولة في القصة لا تأتي من خلال تشكيل أي فعل مقاوم.. الطفل في الحالتين بين البيت والمدرسة، في واحدة يذهب إلى المدرسة فيقتل قبل وصوله، وفي الثانية يأتي من المدرسة إلى البيت، فيقتل أيضاً قبل وصوله.. وحين نسأل لماذا وما هو الداعي لقتل هذا وذاك، تكون الإجابة – وفي القصيدتين – لأن شخصية الآخر لا تريد للفلسطيني أن يعيش، لا تريد له أن يستمر في الحياة، لا تريد له أن يتعلم.. الشخصيتان تموتان كما لاحظنا بين البيت والمدرسة. الشخصيتان تسقطان قبل الوصول إلى حافة الفرح، وكأن شخصية الاحتلال تطارد الفرح قبل أي شيء آخر.. الصبي الذي يموت، أو يقتل، يخلف حزناً ومأساة لأهله ومحيطه، وهو ما يريده الاحتلال.. والصبي الذي يقتل، لا يستطيع أن يكبر ليكون مدافعاً عن وطنه، وهو ما يريده الاحتلال.. والصبي الذي يقتل لا يفعل شيئاً، لا يقاوم، لا يجابه، والمعنى الذي نصل إليه يقول: في كل الحالات الفلسطيني مطارد من قبل الاحتلال، لا فرق بين إنسان يقاوم وآخر لا يقاوم، بين فلسطيني يجابه ويتحدى وآخر لا يفعل. فالفلسطيني معرّض للقتل من قبل الاحتلال، والفلسطيني معرض للملاحقة، وهكذا.. لا فرق إن فعل أو لم يفعل. فالاحتلال لا يريد – لو استطاع – أن يبقى أي فلسطيني على قيد الحياة..
في قصيدة أخرى حملت عنوان "صوت1" للشاعر يوسف المحمود نقرأ: "صادته أنيابُ الرصاصة فابتسمْ / ما قال آهْ / لما تفجَّرَ في دمه / شوكُ الألمْ / حضنَ الترابَ / وقبَّل الأرضَ الحبيبةَ / ثم غنّى / للبيادرِ / والسهولِ / وللروابي والقممْ"حيث تتوزع هذه القصة القصيرة على مساحات التطابق مع الشعور العميق بأهمية التداخل مع الوطن. من هنا هذا الإحساس بالتماسك والثبات والاشتداد، عند الإحساس بقمة اللألم وانفتاح كوة النار في الجسد. الشخصية / البطلة في هذا المسار تلجأ إلى التراب ليكون الملاذ والسياج ضد أي تمزق أو انهيار نفسي في مثل هذه اللحظة التي لا يمكن أن تشبه أي لحظة أخرى، لأنها لحظة النهاية بطبيعة الحال.. الأرض تندفع إلى الذات، والذات تندفع إلى الأرض في تشكيل أروع صوغ للتماسك والثبات والإصرار على التفاؤل..
علينا أن نلحظ، وبالكثير من التدقيق، إلى هذه الصورة القائلة"صادته أنياب الرصاصة فابتسم"لأنها تحمل الكثير من المفاجأة، إذ كيف يبتسم، ولماذا؟؟ فتأتي الإجابة في كونه، وهو الشخصية التي تقترب من لحظة النهاية ة، احتمى بشكل سريع بأرضه ليرتفع مع الأغنية المتداخلة مع البيادر والسهول والروابي والقمم.. وبذلك حققت هذه الشخصية قدرتها على الثبات والتماسك في وقت تتلاشى فيه القدرة على أي شيء، فكيف على التماسك والثبات..؟؟..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 20 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الشخصية القصصية وأبعاد الحدث:
في القصائد السابقة، لامسنا إلى هذا الحد أو ذاك، تطوراً في الحدث خلال القصة التي صورها أو نقلها هذا الشاعر أو ذاك. وكان طبيعياً أن نقف على البدايةة، والنهاية ، لنقرأ ما بينهما من أحداث، وما فيهما من دلالات. وهذا ما جعل شخصية الشاعر / الراوي بعيدة عن الحضور بشكل يضعه أمامنا مباشرة. وهو في مثل هذه المسافة من الروي غائب بعيد يشارك القارئ في مسافة المشاهد. ولا ننكر طبعاً انعكاس إحساسات الشاعر في التصوير، أو الوصف، أو الإشارة، ولكنها تبقى هذه الإحساسات التي لا تغير مجرى الحدث.. إذ أن الشخصية في كل المسارات السابقة، تصل إلى الشهادة، بعد أن تخطو كل خطواتها، وتتابع كل خط سيرها القصصي، وهذا ما أبعد الشاعر عن أي تدخل، فهل نجد مثل هذه الوتيرة في الحدث عند قراءة قصائد أخرى؟؟..
عند قراءة قصيدة "في عزّ موتك تولدين" للشاعر حسين فاعور نلحظ حضور الشخصية المحددة حيث"قمر يسافر يا سحر"وهي الشخصية التي تدخل عالم الشهادة أيضاً كسابقاتها "بنادق السفاح تغتال الفراشة"ولكن الاختلاف يأتي من خلال فقدان تطور الحدث، إلى جانب دخول شخصية الشاعر لتشارك بهذا الشكل أو ذاك، إلى جانب التوقف عند نقطة واحدة يبدأ الوصف منها ويعود إليها في كل حين..
سحر، وكما ندرك من القصيدة في السابعة عشرة من عمرها "عشر وسبع سنابل لن تحترق"وقد دخلت الشهادة دون أي وجل أو تردد، فكانت الانتشار والتواصل"اليوم لم تخفي الحنين / ولم تبالي بالردى / اليوم وجهك كان ملء المشرقين / وكنت في حجم المدى"وكانت التمرد على كل معاني الموت والنهاية “هم أطلقوا ناراً عليك ليقتلوك / ويقتلوه / فشب خيط الدم في وتر الحنين / عزفت موسيقى الحياة / فكان موتك مستحيلاً كنت أقوى من بنادقهم / وكنت صبية في عز موتك تولدين / وتعلنين بداية"..
عند هذه النقطة يتدخل الشاعر ليكون المبشر بالمستقبل"إني أرى عرس الحياة على القمم / وأرى سحر / فستانها الزهري يجتاح الحجارة"وصولاً إلى"وأرى مدارس لا يحاصرها الجنود / أرى عصافيراً تدوس على الطيور.." ومثل هذا التدخل كما نرى يأتي مباشرة من خلال هذه"الأنا"التي تنظر إلى المستقبل، من خلال النظر إلى الشخصية الشهيدة سحر. وفي كل الأحوال تبقى هذه الأنا ظاهرة، ويبقى الحدث في حالة واحدة هي حالة الشهادة.. فهل يعني ذلك ابتعاداً عن القصة وحالة القص؟؟..
لا نريد تحميل القصيدة اكثر مما تحتمل، فالشاعر لم يقل بأنه سيقدم لنا قصة، ولم يقل بأنه في صدد بناء حكاية مستمدة من الواقع. كل ما فعله الشاعر أنه قدّم لنا شخصية عاشت قصتها وانتهت إلى الشهادة، فكانت شخصية قصصية في مسار حياتها، وحين انتقلت إلى حيز القصيدة، انتقلت حاملة حدث الشهادة، وهو النقطة التي تركَّزَ الضوء عليها ودار حولها في القصيدة.. وبذلك كانت شخصية سحر شخصية قصصية واقعية في سير حياتها العادية، ثم وصولها إلى الشهادة، وكانت شخصية واقعية شاعرية في دخول عالم القصيدة بعد أن شدّت الشاعر إلى لحظة التفجر والانتشار في شهادة وزعت الدم على حقول الحرية كلها..
في"أبدعت أكثر"للشاعر هايل عساقلة تبرز الشخصية التي تتواصل مع حد الأسطورة حين تدخل في حيز القدرة على الامتداد والتواجد في كل زمان ومكان، والإيحاء بتغيير شكل موجودات الطبيعة، وهي الشخصية القادرة على الإبداع دون حدود"أبدعت اكثر / لما رفعت الشمس أكثر / والقمح أكثر / والسرو أكثر / ونسجت من فمك المدور / قمراً على باب الخليل.."فهل كان مثل هذا الولد مسكوناً بكل هذه القدرة على التغيير والإبداع؟؟..
لا نستطيع القول بعكس ذلك، فالطفولة الفلسطينية التي شكلت كل هذا الدفق الرائع من المقاومة، كانت بحق طفولة قادرة على التغيير والإبداع والرسم بريشة تستطيع استحضار كل الألوان دفعة واحدة. وهايل عساقلة لا يريد أن يقول غير ذلك، لأنه يعرف أن هذه الطفولة استطاعت أن تشد انتباه العالم كله لما تشكل من خرق وكسر لكل ما هو عادي. الشخصية / البطل هنا تتفوق على حدود الشخصية المعروفة للطفل، لتكون شخصية استثنائية في زمن استثنائي وفعل استثنائي..
هذا الولد"قطع المسافات الطويلة ما تعثرْ / وبكفه أعلى جبين الأفق أكثرْ"وهو المحاصر في الأزقة والمقاهي والشوارع، أبدع أكثر عندما تقحم الردى"والخطب / والجيش المقهقرْ"وهو الولد الذي يأخذ كل أسماء المدن حين يسأل عن اسمه"اسمي أنا لا فرق / دورا / اسمي أنا لا فرق / غزة / والخليل / وبيت أُمَّرْ.."وهو يصر في كل الحالات على أنه من الأرض وإليها "فالتراب هويّتي / إنْ نمتُ كانَ وسادتي / ومتى صحوتُ حملتهُ / لغماً لأدخله عباءةَ سادنٍ / وثياب قيصرْ.." لذلك كان الولد الذي يستطيع أن يبدع أكثر وأكثر..
كما نرى تبتعد القصيدة عن أي تطور في الحدث، ولكنها لا تستطيع الابتعاد عن حركة الحدث التي تملأ جوّ القصيدة. فالحدث هنا حدث متحرك في كل الاتجاهات، وفي كل المسافات، لأنه حدث الانتفاضة من خلال الفعل الذي يقوم به الطفل الممثل للطفولة في الوطن المحتل. لا نستطيع أن نحصر السير أو الحركة في خط واحد، لأن الطفولة تأبى ذلك. فالحدث شديد الغليان والإبداع والانتقال والتوزع "يا أيها الولد الموزعُ / بينَ مدرسةٍ، وبيتٍ / بينَ بوليسٍ / ومعتقلٍ / وعسكرْ"و"قطعتَ كلَّ مساربِ الدنيا / وخطوكَ ما تأخرْ" وهكذا تنبع الحركة وتكبر دائرتها، دون التوقف عند ضابط أو عدد لها، وتبقى مثل هذه الشخصية شديدة الامتداد والخصوبة..
أخيراً يمكن القول إن الشخصية العربية الفلسطينية استطاعت أن تشكل حضوراً متميزاً وكبيراً في قصيدة الانتفاضة التي تواصلت مع الحدث المقاوم في الوطن المحتل، فصوَّرَتهُ ورسمت كل امتداداته من خلال فعل وحركة هذه الشخصية. وطبيعي أن مثل هذه الشخصية لم تكن شخصية قصصية بالمعنى الكامل للمصطلح، إذ كانت كل قصيدة تتناول شخصية قريبة إليها لتقول حكايتها الواقعية بأبسط صورة ممكنة ودون اللجوء إلى الإضافات أو التزيين. فالشخصية هي الشخصية، والحدث هو الحدث، ولا حاجة للإضافات ما دام الحدث"الانتفاضي"كبيراً خلاقاً رائعاً، وما دامت الشخصية "المنتفضة" قادرة على رسم الواقع بكل هذا الإبداع..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 21 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الباب الثالث
ملامح فنية
الفصل الأول
المعجم الشعري ومستويات المفردة
منذ البداية، ومع اختزان الذاكرة لصورة الشعر الأولى، كان للمفردة موقعها الخاص في كل بيت، كما كان لها بطبيعة الحال هذا اللون الذي يميزها عن سواها، وتلك البصمة التي تجعل منها مفردةً ترتبط بنسقها ومحيطها الخاصين. ولم يكن ذلك من قبيل تحميل المفردة اللغوية بعداً استثنائياً، بقدر ما كان من قبيل إعطاء المفردة هويتها التركيبية اللغوية. فالشاعر يريد أن ينقل صورة ما من خلال هذه المفردات اللغوية التي تشكل خطوط وألوان وضربات ريشته. والشاعر يريد أن يعبر عن الذات الشاعرة في تفاعلها مع محيطها من خلال المفردات اللغوية التي تستطيع أن تحمل كل الدفء والمشاعر والمعاني وتنقلها بأمانة لتكون صورة نابضة على الورق..
لا نريد أن نعود إلى الوراء كثيراً في مسيرة الشعر، لنقف عند ما ذهبنا إليه، ولا نريد أن نسبر عمق ودلالة كل مفردة لغوية في مسيرة تطورها، إذ هدفنا النظر إلى"هوية"المفردة في نسق الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني من خلال الاطلاع على نماذج محددة مختارة، للوقوف على شيء في معاني هذه "الهوية" وهو ما يدفعنا بداية لقراءة القليل من الشعر السابق على شعر هؤلاء، ومنه قول الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود:
أخوفاً وعندي تهون الحياةُ وذلاً وإنّي لَرَبُّ الإبا
بقلبي سأرمي وجوهَ العداةِ فقلبي حديد وناري لظى
لنرى إلى مستوى المفردة المتحرك عند شاعرنا الفارس، فكلمة "الخوف" مثلاً، ترتدُّ إلى الخلف، لتأخذ في التلاشي. بينما تبرز مفردة "الإباء" لتشكل لوحة في غاية الروعة والامتداد، وهذا ما جعلها مفردة استثنائية في موقعها الخاص هذا. فهي لا تقف عند حدودها المعجمية، بل تصل مباشرة لصوغ حدودها الحياتية النضالية. حيث أراد الشاعر أن يعبّر عن كل عواطفه الوطنية والتي تأبى الرضوخ والخنوع والذل، فجاءت مفردة "الإباء"مرتبطة بمفردة "رب"بعلاقة إضافية، لتكون هذه الصورة بكل ألوانها الزاخرة المتحركة. ويمكن أن نرى إلى مثل ذلك في كل المفردات التي حملها البيت الثاني عند عبد الرحيم محمود، فالشاعر يوظف المفردة خير توظيف، لتخرج على هذه الشاكلة المتوقدة المتوهجة. ونتساءل: إن كانت المفردة عند عبد الرحيم محمود، وهو من شعراء ما قبل النكبة، على هذه الشاكلة، فكيف أتت صورتها فيما بعد؟؟..
في قراءة الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الأول، يمكن أن نرى إلى معجم شعري يتحرك ويتشكل وفق ظرف طارئ خاص من جهة، ووفق دفق تاريخي جذوري من جهة ثانية. فالوطن واقع تحت الاحتلال، والمفردات تخرج من أتون معركة يومية مستمرة تتصف بالمقاومة والتحدي والوقوف في وجه كل الممارسات والضغوطات الصهيونية الدائمة. من هنا كان لشعر فلسطين في الداخل معجمه الشعري الاستثنائي القائم على تحريك المفردة وإعطائها حالة من حالات التوهج والقدرة على المجابهة، لتكون"مفردةً" ذات ملمح خاص متصف بالظرف الآني المغاير، وجامع لكل جزئياته وامتداداته. كيف..؟؟..
في واحدة من قصائده يقول الشاعر إدمون شحادة:"كان للحب جراح في الفؤاد / مثل جرحي / مثل جرح الأرض يمتد عميقاً وعميقاً / كلما الأرض استجابت للنداء / يعبق الجرح ويمتدُّ العطاء"لنرى إلى هذه الألوان المتعددة في مفردة"الجرح"حيث تقفز قفزاً في عدة مستويات سريعة متلاحقة متداخلة، من خلال صورتها الذاهبة في القلب حيناً، وفي الأرض حيناً آخر، وبما يرسم طبيعة العلاقة بين الشاعر وأرضه.
مفردة"الجرح"تأخذ سمة التوحيد والتقريب والشد، لتكون مفردة جامعة قادرة على صوغ فعلها المقاوم للاحتلال، و"الجرح"هنا لم يعد جرحاً وهمياً متخيلاً، بل كان جرحاً حقيقياً معاشاً، حيث يعيش الإنسان الفلسطيني كما تعيش أرضه حالة احتلال واغتصاب للحق. ولكن هل وقفت حركة "الجرح"عند معناها الوصفي المجرد هذا؟؟..
يقول الشاعر بالنفي، كما تقول سطور الواقع.فكلما ازداد الجرح، كان المقابل زيادة في المقاومة والتحدي والصمود. ولا نريد هنا أن نذهب مع لفظة "الجرح"ذهاباً بعيداً يخرجها من معناها، إذ الواضح أنها مفردة التوهج والانطلاق الموحِّد بين الذات الشاعرة والأرض، وبما يرينا إلى خط واصل بين هذه وتلك. ولنا أن نشير إلى أن مفردة"الجرح"هنا كانت كما هو ظاهر محور بقية المفردات.. بينما يمكن أن نلاحظ عند شاعر آخر ظاهرة "المفردات المحورية".. كيف؟؟..
يقول الشاعر شكيب جهشان:
أنا قمح وزعترٌ وخوابٍ وعتابا وموقد مشبوبْ
وحنين الحداة شوق المراعي وانهمار الغناء والشؤبوبْ
وظباء" وبئرُ ماءٍ وراعٍ يملأُ الأفقَ لحنهُ والوجيبْ
لتكون كل مفردة محوراً بذاتها. فالقمح والزعتر والخوابي، والغناء وحنين الحداة وشوق المراعي، إضافة إلى كل ما جاء من مفردات الأبيات السابقة، تقول بهذا النسق المتتابع من الأماكن والأشياء والمشاعر.. ولكن هل اكتفت هذه المفردات بذلك؟؟..
لا يمكن لأي شاعر أن يأتي بهذا النسق من المفردات دون فائدة فكيف إذا كان هذا الشاعر واحداً من شعراء المقاومة.. وكيف إذا كنا نفهم خصوصية النبض المقاوم في تصديه لآلة العدوان.. ألا نقرأ في كل مفردة حاجتها الماسة إلى مصب تريد أن تصل إليه؟؟
لنأخذ أول مفردة في هذه الأبيات، وهي هذا الضمير البارز"أنا"فماذا نجد؟؟.. نتواصل بشكل مباشر مع إجابة تنتقل من محورها الخاص، إلى المحور العام، حيث "أنا قمح"أنا زعتر”"أنا خواب”"أنا موقد مشبوب”"أنا "حنين الحداة".."أنا شوق المراعي"وهكذا.. لنصل إلى صوغ"أنا الفلسطيني أمثل كل شيء في هذه الأرض وعليها"في مواجهة"الآخر الصهيوني الذي ليس له أي شيء على هذه الأرض وفيها"ولتكون ألوان وخطوط المفردات في غاية الوضوح. كل مفردة أتت لتؤدي دورها النضالي في الدفاع عن الحق وفي التصدي للاحتلال، فهي تتآلف في مجرى واحد، لتقول بالحق الفلسطيني الساطع. وهذا ما يجعلها مفردات محورية في بناء الكل التركيبي الذي يهدف إلى إعطاء صورة جذورية تاريخية للإنسان الفلسطيني مقابل أكاذيب وأباطيل العدو الصهيوني المزيف..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 22 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"المفردة"من الجيل الأول إلى الجيل الثاني:
في قراءة شعراء الجيل الثاني، لا نقف على نقلة تبعدنا عن الطريق الذي تلمسنا ورأينا الكثير من معالمه في التعامل مع المفردة، إذ لم يتغير أي شيء ولم يتبدل. وعلى العكس من ذلك، فقد ازدادت رقعة الاحتلال وامتدت سطوة الممارسات الهمجية الصهيونية. لذلك كان طبيعياً أن تلتقي"المفردة اللغوية"عند شعراء الجيل الثاني مع مثيلتها عند شعراء الجيل الأول وهم الذين خبروا الاحتلال وعرفوه طوال سنوات وسنوات، وكان لهم صوتهم المقاوم المتصدي القادر على الوقوف بكل ثبات وتماسك وقدرة.. فماذا نقرأ في ذلك؟؟..
في قصيدة"لو كنت مثلي أيها الحجر"يقول الشاعر هايل عساقلة:"لم أذق جيلين طعم البرتقالْ / أيها العابر خذني للشمالْ / وخذ المقلةَ مصباحاً وخذْ / أضلعي جسراً وناديني تعالْ / فوق شرياني أنا أمشي إلى / كرم أمي وبساتين الدوالْ / عذَّبتنا في المنافي غربةٌ / عضَّنا الشوكُ وأدمتْنا الرمالْ / لمَ والكرمل مهدي وأبي / غارس الكرمةِ في سفحِ التلالْ." لنعايشَ المفردة بشكلها المسكون بنبض الحنين والشوق والحاجة إلى الدفء المفقود. كل ذلك ينبع من الحرمان الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني ليقول بظلال الصورة الباحثة عن ملامح الوجه والصوت والخطوة. الشاعر يطلب طعم البرتقال، لتأتي لفظته مطوية على الكثير من الرجع الحزين.. ولكن هل اكتفت المفردة بطرح الصورة على هذا الشكل؟؟..
إن العودة إلى تفصيلات"المفردة"إن صح التعبير، وحين نأخذ:"أمي / مهدي / أبي / غارس"فإننا نقع على صورة المطالبة بالفعل من أجل الحق، وبما يصرّ على بروز الشخصية المتعلقة بالذات الفلسطينية وامتدادها. بينما تأتي مفردات مثل"الكرمة / طعم / بساتين"لتقول بصورة الالتفات إلى الطبيعة وجغرافية المكان بكل المعاني. وهنا نجد الكثير من التأكيد على امتداد شخصية الفلسطيني في جغرافيته، والجغرافية الفلسطينية في شخصيتها، ليكون التاريخ شاهداً على التواصل في كل الحالات.
يمكن أن نقرأ هنا، وبكثير من التوقف عند دلالة المفردة، ما كتبه الشاعر إبراهيم عمار في قصيدة"مقاطع من أنشودة الحزن"حيث:"مفعمة هذي النسماتُ / بصوتكِ / والمأساةُ امتدتْ في نفسي / وعلى إيقاعاتِ الدبكةِ أنهضُ / أسحبُ سيفي / أنتصبُ على أنشودتيَ المبتورة / وأغنّي نبض الموّال أموت / يصير رفاتي نبضات قصيدهْ"حيث نرى إلى حالة من حالات الدفع في إعطاء المفردة شحنة متتابعة، وكأننا أمام سلسلة من التطور بين مفردة وأخرى. تبدأ هذه السلسلة بالنسمات، وهي مفعمة بالصوت، ثم تنتقل إلى شحنة مغايرة عند الالتقاء بوقع المأساة الممتدة في نفس الشاعر، ومن كل هذا الهدوء تأتي الحركة الدافعة المسكونة بإيقاع الدبكة بما تشكِّل من تراث وتاريخ وجذور، وهو ما يرافق أو يلتصق التصاقاً مباشراً بعملية النهوض.. وبعد..؟؟..
المفردة كما نلحظ تأتي بشحنتها من خلال موقعها في التركيب الدال على حالة من حالات الدخول في عشق الوطن، أو الارتحال فداء في عينيه. وإذا كانت النسمات في غاية الهدوء وهي تسجل امتصاصها للصوت، فإن المأساة الممتدة في نفس الشاعر لا تبتعد عن الهدوء أو السكون، ولكنها تختلف في شحنتها وبعدها ووقعها عن"النسمات"لنكون أمام صورتين مختلفتين من صور السكون والهدوء. الصورة الأولى ذات بعد جمالي متكئ على معان لا تدخل في باب الحزن الدفين، بقدر ما تفجر حالة الذكرى والتذكر والتوحد مع موسيقى نابعة من عمق أعماق الشاعر، بينما تأتي الصورة الثانية لتكون ذات بعد مسكون بكل معاني الحزن والدمع والألم، في التقاء لا ينكر مع حالة شديدة من حالات الذكرى والتذكر. وفي كل الصور يأتي النهوض وكأنه حالة انفجار تتبع كل هذا السكون الذي رأينا. فالشاعر يبدأ في دخول"خطوة"الدبكة،ثم خطوة"التراث"ثم خطوة "التاريخ"ليعطي النهوض شكله الجديد القائل بضرورة المقاومة، وهنا احتماء بالماضي، بالذاكرة، بالتاريخ، بالذات المسكونة بكل الامتدادات والعمق.. من هنا تبدأ الصورة في الانتقال إلى مرحلة جديدة من شحن المفردة.. كيف؟؟
مع لحظة"سحب السيف"تبدأ حركة الاندفاع في معاني الفداء، وصولاً إلى الشهادة ثم انبعاث الرفات في نبضات قصيدة. طبيعي أن هناك مسافة بين لحظتي"سحب السيف"والانبعاث في"نبضات قصيدة"ولكن مثل هذه المسافة لا تعني حيزاً زمنياً طويلاً. إذ الإيحاء هنا يقول بالتصاق المفردة بالمفردة وكأننا أمام تلاحق لا يترك مجالاً لأخذ النفس، فالسيف يسحب،وانتصاب القامة يتم، ثم تكون الأغنية، والموت، فالانبعاث. لنرى هنا إلى مسافة توهمنا بوجود فواصل زمنية، ثم تضعنا في الوقت ذاته أمام حالة من حالات التداخل السريع، لنصل إلى القول: هناك مسافة موجودة بين المفردات في كينونتها الملفوظة والمكتوبة، ولكنها مسافة ملغاة وغائبة في الحالة الزمنية..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 23 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"المفردة"من الخاص إلى العام:
يحق لنا أن نسأل هنا: هل نستطيع الوصول أو القول بمفردة"صافية"في الدلالة على ذات الشاعر دون الانتقال والتواصل مع العام المسكون دائماً بكل معطيات المقاومة والتحدي والمجابهة.. وهل نستطيع الوصول أيضاً إلى مفردة "صافية"في الدلالة على المحيط العام دون الانتقال والتواصل معه الخاص الدال على الذات الشاعرة المفردة بما تحمله من بصمات وملامح "الأنا"بكل أبعادها؟؟..
في الأغلب الأعم تدخل المفردة حالة الالتقاء بين حالتي الأنا والعام، وبما يشكل دائماً صورة شديدة التماسك والترابط والتفاعل. ويمكن الركون إلى قاعدة ثابتة تقول إن الفلسطيني"الشاعر"لا ينفصل عن الفلسطيني "المقاوم"والفلسطيني "الأرض بكل معانيها"وهذا ما يدفعنا إلى التركيز على التداخل الحاصل في الألوان وبشكل قد لا يتيح لنا التمييز بينها، فحين نريد الحديث عن الشخصية بمعزل عن"الظرف المحيط"أو عن الظرف المحيط بمعزل عن "الشخصية" قد لا نصل إلى نتيجة واضحة، فالمفردة التي تقول صفات الشخصية الفلسطينية تتكئ مباشرة على ينابيع الطبيعة وجغرافية وحالة الواقع المعاش، كما أن المفردة التي تقول صفات العام بما يحمل من مقاومة وتحد ومجابهة وصمود تتكئ مباشرة على ينابيع الشخصية بما تحمل من صفات وملامح وأبعاد.
في "أشواق"حنان عواد نقرأ: "أنا بنت السلاح / أقاتل الإعصار من أجلك / أنا بنت الجراح الخضر / جئت الكون في ظلك / أعود إليك / من أعماق فرحتنا / أعود إليك في رايات ثورتنا"حيث من المفترض ظاهرياً أننا أمام حالة من حالات الحب العادي التي تقول بعلاقة إنسانية جميلة بين اثنين، الحبيب والحبيبة، وهو أمر طبيعي متعارف عليه.. ولكن هل كانت الصورة كذلك؟؟..
لا نستطيع إسقاط أثر وتأثير المحيط العام لحظة واحدة في مثل هذا الحب، لأننا نلغي – إن فعلنا – ألوان وخطوط وأبعاد الحالة، وبما يعني قتلها. فالحب هنا حب فلسطيني، والحبيبان فلسطينيان، والأرض التي تضم هذا الحب فلسطينية.. والمعنى ينفتح شئنا أم أبينا على إعطاء الشخصية ملمح العام، لتكون المفردة المشحونة بالحب، مشحونة في الوقت نفسه بالمقاومة. وهذا يعني أن الحب حب مقاوم، وأن المقاومة مسكونة بحالتها الإنسانية المليئة بالنبض، والشاعرة تركز على مدّ الخط القائل إن مثل هذا الحب إنما يعني الحب الفلسطيني في الحالة الفلسطينية.
"أنا"الشاعرة تلتصق بالسلاح لتكون بنت هذا السلاح.. و"أنا" الشاعرة تقاتل الأعداء وهي مليئة بالأمل والتفاؤل، لتكون قادرة على صوغ القادم.. وطأنا"الشاعرة تطلع من خلال الجراح الطويلة، لتكون الفلسطينية المسكونة بالهم العام المتصل بشعبها.. و"أنا"الشاعرة تعود أو تذهب وهي مرتبطة كل الارتباط بفعل وفاعلية الثورة، لتكون بحق شديدة التواصل مع كل نفس من أنفاس المحيط.. وهكذا..
إن شخصية كهذه لا تستطيع أن تكون شخصية منطوية على ذاتها دون الامتداد نحو المحيط بكل ما يحمل وبكل ما يدور فيه. هنا قد ننسى"حالة" الحب المنقولة إلينا، لنعيش حالة المقاومة والمجابهة والتحدي. فالفلسطينية الحبيبة، هي الفلسطينية المقاومة المليئة بكل معاني المجابهة والإصرار على الثبات.. والفلسطيني الحبيب، هو الفلسطيني المقاوم المليء بكل معاني المجابهة والإصرار على الثبات. وطبيعي أن التقريب بين ملامح الشخصيتين، إنما يأتي من خلال قراءة التوافق في الملمح العام المسكون بنبض المقاومة إلى جانب الملمح الخاص.
نقرأ مثل ذلك في قصيدة "ونحن سواء"للمتوكل طه حيث تذهب المفردة من معتقل إلى معتقل، لتقول بصمة حب أوسع من القيد وأكبر من قضبان الحديد:"أكتب من نرجس القلب / آية حبي الكبير إليكِ / وأهدي إليكِ السلام / وأسأل عن مهرةٍ قيّدوها / وعن غيم عينيكِ أسأل / عن دمعة في المساء"فالشاعر الذي يعاني عذاب المعتقل، يرسل آية حبه الكبير إلى فلسطينية معتقلة في سجن النساء، والمفردة في مثل هذا المشوار القصير بين سجن وآخر، والطويل بين دمعة ودمعة، لا تخلع شيئاً من مخزونها الهائل الجميل. فالكتابة وهي تعبير عن شخصية و"أنا"الشاعر، تأخذ من"نرجس" القلب، لتبدأ في طي المسافات، والتواصل مع روعة العشق. و"الأنا"في هذه المساحة تمتد لتنقل قصة المقاومة والتحدي من وراء القضبان، مصرّة على زرع الثبات في قلب"الأنا"الأخرى التي تعيش أيضاً حالة السجن مع رفيقات لها.
يلحظ في هذا التوجه نحو توليد المعنى من خلال شحن المفردة بحنين غريب وحميمية رائعة. المهرة التي يفترض أن تحب الامتداد في المساحات الشاسعة، تعيش هنا حبيسة في سجن يضيق ويصغر.. والشاعر يضع اليد على القلب، ويمد النبض للتواصل مع النبض، وهذا ما يدفعه إلى ملامسة غيم العينين، وهذا المطر أو الدمع المسافر في سكون الليل.. ومهما كانت شدة أو حدة الظروف، فالمقاومة تبقى هي المقاومة، والحب لا يكون إلا في مسارها وزمانها، لأنه الحب الفلسطيني.
كما نرى لا تخرج"الذات"في كل الحالات عن خط سيرها المتداخل مع خط سير الوقع العام، وهذا يجعلنا دائماً أمام مفردة لا تستطيع أن تكون "صافية"من معنى الميل الدائم إلى الارتباط مع طرف المعادلة الآخر، وهي صفة تعطي لهذه المفردة قيمة استثنائية مشحونة بالكثير من المعطيات والصور والامتداد.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 25 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"المفردة"وامتدادات الدم:
في قراءة المفردة المفتوحة على موضوعة واحدة مع الإصرار على الانتقال إلى عدة مستويات، يمكن أن نقرأ موضوعة "الدم"لما لها من امتداد وأثر في الحياة الفلسطينية عموماً. حيث تأخذ مثل هذه الموضوعة مساحة لا يستهان بها من حياة ومعيشة وحركة الشعب.
فالدم ، وهي المفردة ذات الحرفين، تشكل معنى ومحور الكثير من المفردات.. والدم، كمفردة تؤدي كامل معناها بذاتها، تشكل الكثير من الانفتاح والألوان عند إضافتها إلى مفردات أخرى.. كيف؟؟..
في"خطوة أخرى وتنهار السلاسل"للشاعر هايل عساقلة نقرأ:"نزفَ الجرحُ طويلاً / فنما الجرح سنابلْ / آهِ يا جرحي الذي أعيى جميع القتلهْ / خطوة أخرى وتنهار السلاسل / خطوة أخرى وتخضرّ الكروم / فوق صدر الطفلة المشتعلهْ" فالمفردة تسجل حضوراً متلاحقاً في الإصرارية على استحضار النهار. ولنا أن نتابع ذلك ابتداء من طرفي هذه المعادلة التي تقول: "نزف الجرح طويلاً / فنما الجرح سنابل"حيث الجرح مفردة مشتركة تفرد كل خصبها وحضورها وتألقها. في الطرف الأول يكون"الجرح"نزيفاً طويلاً بما يعني من تضحيات طويلة قدمها شعب فلسطين، وفي الطرف الثاني يكون"الجرح"وعداً وتألقاً وخصباً حين يسجل النتيجة والوصول إلى شاطئ الحرية. الدم في مثل هذه الحالة حاضر ومستقبل، وهو في الوقت ذاته سلاح يستطيع أن يقاتل ويدافع عن بصمته. وهو في امتداد الحالة عند الشاعر هايل عساقلة عصيّ لا يقبل التراجع أو الانكسار، وهو ما دفعه لأن يرفع شارةَ نصرٍ تعد بالكثير..
الشاعر عبد الناصر صالح وفي هذا المسار يدخل عمق المجزرة في صبرا وشاتيلا ليقول تحت عنوان"الصبر يا صبرا"إن الدم أوسع من أن يطوى أو يضبط أو ينسى حيث:"دم شعبي الآن قد غطى ثرى هذا الوجود / دم شعبي لن ينسى ولن يغفر يا أرض الجدود / دم شعبي يمنح الدليلا / أن شعبي لفلسطين يعود.." فالدم مفردة تقول واقع وجودها بغزارة جراء المذبحة في صبرا وشاتيلا، والدم مفردة تقول امتدادها في كل مكان وزمان بعد أن انتشرت المذبحة طارقة كل رقبة ويد وجسد في صبرا وشاتيلا.. ولكن هل كانت مثل هذه المفردة مكتفية بذلك؟؟..
تقول كل تفاصيل"الدم"إن التوقف عند لحظة الانفتاح على الجرح والمجزرة دون تجاوز ذلك، غير ممكن أو مقبول بالنسبة لحياة شعب، ومسيرة شعب. من هنا انتقال"الدم"وهو دم شعب فلسطين، إلى حالة من حالات الامتداد على كل المساحات المرئية وبما يشكل ثرى هذا الوجود.. وعلى العين أن ترى، عليها أن تقترب من لزوجة المساحة واللون المصر على تغطية كل شيء بلون الدم. ثم تكون مفردة"الدم"وهي المفردة التي غطت ثرى هذا الوجود، ذاكرة لا تعرف النسيان، إذ كيف لدم الشعب الفلسطيني أن ينسى ويغفر.. ولماذا ينسى ويغفر؟؟ وبعدها تكون هذه المفردة"الدم"دليلاً للشعب، ومثل هذا الدليل لا يماثله دليل آخر.. فهو أي"الدم"فعل لا يأتي من خلال التهيؤ للقيام بالمقاومة، بل يأتي من خلال كونه قد دخل حيز التواجد، وكان الصورة الأبرز القائلة باندفاع الفعل حتى آخره.. من هنا انفتاح "الدليل"على"العودة"كي يكون الدم في ذلك مفردة تصل إلى حيث تريد..
في حالة أخرى، ومع آلية فعل الانتفاضة، نسمع في قصيدة “دم الانتفاضة” للشاعر محمد آل رضوان:"المجد المجد / لهذا الدم / يتفجر من شريانك فمْ/ يصرخ والصرخة مفزعة / في وجه المحتل المجرمْ"ليكون الصوت ملاصقاً لمفردة "الدم"بكل الأبعاد.. وإذا كانت المفردة معانقة للمجد في البداية، فإن انفتاحها على الصور اللاحقة يعطيها علاقة أقوى بالمجد.. ولنا هنا أن نرى إلى"الدم"وهو ينتقل ليكون"فماً" ثم "صرخةً".. وبالتشكيل الكلي، فالدم مقاومة، والدم مجابهة، والدم وقوف شامخ في وجه الاحتلال..
إن امتداد المفردة وانتقالها من معنى إلى آخر لا يعبر عن تغيير في الشكل والطبيعة والكينونة لمفردة "الدم"ولكنه يقول بأن هذه المفردة تستطيع أن تطرح أكثر من حالة، وأكثر من صورة، وأكثر من مضمون. فالدم حركة انبثاق من الجرح في التصور الأولي، ولكنه في آلية المقاومة فعل يستطيع أن يختزن العالم كله، وأن يفجر كل الصياغات دفعة واحدة. وهنا يكون "الدم"كمفردة قادراً على صوغ ورسم كل فعل يعني وصولاً إلى قمة الثبات والتماسك والشجاعة. فالمقاتل الذي يرتبط بقدرته على رسم هذه المفردة دون خوف أو خشية، يكون مقاتلاً قادراً على كسر شوكة الاحتلال..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 26 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"المفردة"وامتدادات صورة الآتي:
في قراءة قصيدة"ملح الأرض أنتم"للشاعر سميح صباغ حيث:"أنا لست أدري يا عروسة يا خديجة / نحن جئنا كي نزفّك أم نبارك / بالهتاف والغناء / هذا الزواج / فليبتهج شجر البراري والحقول / بعروسة البطوف"و"يا أيها الشهداء ملح الأرض أنتم والبذار / مذ كنتم عادت إلى الدنيا طبيعتها" نقف على الكثير من ملامح الحاضر المنفتح على ملامح الآتي. وطبيعي أن المفردة التي ترسم صورة خديجة"الشهيدة"بما تزرع وتعطي إنما تشد مع كل حرف على فواصل المستقبل.
خديجة في مسافة الشهادة، تدخل عالم الزواج، وعلى الجبال والسهول أن تبتهج.. ولكن لماذا؟؟ طبيعي أن كل مفردة معبأة بالإجابة من خلال النظر إلى العروس / الشهيدة باستمرار، حيث سينفتح الغد على عطاءات لا حد لها. وهذا ما جعل الشهداء ملح الأرض والبذار، والتوازن الذي يعيد إلى الدنيا طبيعتها. ولو لم يكونوا وجوداً حقيقياً، وفعلاً وفاعلية، لاختلت كل الموازين من خلال استبداد الظلم دون رادع يردعه. فالشهادة بشارة دائمة بأن الفجر قادم، كما أنها الانفتاح الذي لا يتوقف على الأمل والتفاؤل.
يمكن هنا أن نقرأ"زنبقة الحرية"لمنيب فهد الحاج، وهي الزنبقة التي تزهر "تتفتح في كل رياض الأوطان / تتحدى أشواك الطغيان / ما دام / يرويها دم الإنسان"وهي الزنبقة التي تعطي الغد شكله الجميل. وطبيعي أن مفردة الحرية هنا ترتبط قبل أي شيء آخر بالغد، وهي بطبيعة الحال تأخذ شكل الزنبقة الذي لا يفسح المجال لأي حالة من حالات التراخي، فالحرية زنبقة تشق طريق نموها واستمرارها وتفتحها على مدار رياض الأوطان، لتقف في وجه الطغيان من خلال اتكائها على شريان الدم المفتوح. والحرية المفتوحة على الغد والمستقبل، لا تنفصل في معناها عن الشهادة والشهيد، لأن طلب الحرية مرتبط بالشهادة والشهيد، إذ من الصعب الوصول إلى ما تريد الوصول إليه دون السير في الطريق المؤدي إلى ذلك…
في"تواقيع على قيثارة الأرض"للشاعر نزيه حسون لا نبتعد عن هذا المسار القائل بانفتاح المفردة على صورة التفاؤل والأمل حيث:"في زنازين اعتقالي / رغم سجّاني وسجني / يزهر الزيتون في زندي المقيدْ / وعلى جدران قلبي / كل ليمون بلادي / كل زهر في رباها يتجددْ.."فمفردة "زنازين"توحي أول ما توحي بالانغلاق والخوف والخشية والتراجع، ولكن مفردة "يزهر"التي تأتي لاحقاً تجعلنا نفتح العين مباشرة على حالة مغايرة تماماً. ونسأل هنا كيف تحولت المفردة من مسار إلى مسار؟؟..
يقول معجم هذا المقطع إن هناك نوعين من المفردات، الأول يتصف بالكثير من الكآبة مثل:"زنازين – اعتقال – سجّان – سجن – قيد"والثاني يتصف بالكثير من التفاؤل والأمل مثل:"يزهر – الزيتون – ليمون – بلادي – يتجدد – رباها"وطبيعي أن تأثير التفاؤل والأمل سيكون أكبر، مما يعني انحسار وتراجع تأثير المفردات الأخرى، أو رضوخها لطغيان وارتفاع وتيرة نشيد الأمل. هنا لا تتبدى حالة صراع بين مفردة ومفردة، كما لا تظهر أمام العين صورة من صور التصادم، لأن الشاعر لم يرد ذلك منذ بداية تفجر شحنة المفردة الأولى"زنازين"وتحويلها إلى مفردة قابلة لحمل كل معاني الأمل، وهو ما نراه في كل المفردات اللاحقة..
هل نقول هنا إن المفردة قابلة للتلون حسب سياقها في القصيدة، وبما يدفعها أحياناً لأخذ معنى آخر يختلف عن معناها الحقيقي؟؟..
بطبيعة الحال لا يمكن للمفردة أن تخرج من معجميتها دفعة واحدة لتقول معنى مغايرا.. كما لا يمكن لهذه المفردة أن تبدل صوتها ووقعها وبعدها فجأة. ولكن في كل حال تستطيع هذه المفردة أن تأخذ اللون الذي تريد والإيحاء الذي ترغب به، والشكل الذي تطمح إليه، من خلال السياق الذي تدخل فيه، وهو ما لاحظناه في الأمثلة السابقة. فالمفردة في"المعجم" مفردة ذات بعد ثابت لا يحمل الكثير من شحنات التبدل والتغير، ولكنها في حالة التوالد والتوجه والدخول في ملامح صورة إبداعية ما، تضيف إلى معناها الكثير من الشحنات القادرة على الإيحاء. وهو أمر يلحظ في كل نص إبداعي.. فماذا عن هذه المفردات في مسار الشعر الذي ندرسه، وما هي المفردات التي اقتربت أكثر من نبض الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني..؟؟..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 27 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
"المفردة"والخصوصية:
المفردات التي تناولها الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني كثيرة ومتنوعة بطبيعة الحال، ويصعب أن نوردها مجتمعة متكاملة هنا، لذلك سنتناول مجموعة منها يمكن أن تشير إلى خصوصية نتلمسها في قراءة كل قصيدة من قصائد هذا الشعر، وتتحدد هذه المفردات بالآتي: "الشمس / الرعد / البرق / الطوفان / الصباح / الربيع / القديم / الجديد / الجد / الأب / الأم / الفداء / الرفض / الفلسطيني / اللاجئ / الشعب / المقاومة / الانتصار / الغضب / الأرض / التراب / الحجر / الماء / الحقل / البيت / الباب / الشباك / الجدار / الطريق / الشجر / القمح / الزهر / الزيتون / البرتقال / التفاح / البيارة / السكين / البندقية / النار / الراية / الشظية / القنبلة / الشعر / القلب / العين / الدم / اللسان / الرئة / الوجه / الجسد.." لنجد أنها تدور مباشرة حول ما هو معاش فلسطينياً. فمن الأرض إلى المقاومة إلى الأمل والتطلع إلى النهار، نرى في المفردات السابقة، أن الشعر الفلسطيني ملتزم بواقعه، حيث يصدر عن معاناة وصراع يومي. ولا نستغرب أن تتواجد مثل هذه المفردات، وما يتفرع عنها، ما دام الواقع معبأ بحالة استنفار فلسطيني يومي في مواجهة الاحتلال، إلى جانب تطلع دائم لا يفتر إلى الشمس والحرية والخلاص من هذا الاحتلال… ولكن ماذا عن هذه المفردات في نسقها الترتيبي؟؟
نعود هنا إلى تصنيف هذه المفردات وفق رؤية الشعر الفلسطيني لها وتعامله معها، لنجد:
أولاً – الالتفات إلى التاريخ – فنقف على مفردات مثل: القديم / الجد / الأرض / التراب / الحقل / البيت / الشجر / الماء / البيارة / الفلسطيني / الشعب…
ثانياً – التعامل مع الطبيعة وما هو قريب مألوف مثل: القمح / الزهر / الزيتون / البرتقال / التفاح / الباب / الشباك / الجدار / الطريق.
ثالثاً – التعامل مع مفردات تأتي في نسقين، أولهما استعدادي وتحريضي مثل: الرعد / البرق / الغضب / وثانيهما ثوري مقاوم فاعل مثل: طوفان / رفض / مقاومة / سكين / بندقية / نار / قنبلة / شظية / دم / فداء..
رابعاً – التعامل مع مفردات مستقبلية تفاؤلية مشرقة – مثل: الصباح / الربيع / الانتصار / الشمس..
وفي مثل هذا الترتيب، يمكن أن نقرأ الكثير من تدرج المعجم الشعري الفلسطيني في جيله الثاني، وتعامله مع المفردة في كل الحالات.. ولكن يجب أن نشير في نهاية البحث إلى نقطة هامة يجب التوقف عندها في قراءة كل مفردة من المفردات السابقة، وهي ضرورة النظر إلى المفردة في سياقها الشعري داخل كل قصيدة على حدة، لأنها بذلك تقرأ من خلال جوها وظرفها الطبيعيين. وإن كان مثل هذا الأمر مطلوباً في كل شعر عبر الزمن، فإنه أكثر إلحاحاً واستدعاء في الشعر الفلسطيني المقاوم، وهو الذي أعطى المفردة لوناً متميزاً ما كان لها من قبل..


[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 28 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الفصل الثاني
الرسم بألوان الطبيعة
عندما تقترب هذه الصورة أو تلك من العين والمشاعر، لتشكل لوحة في غاية الحضور، أين يقف الشاعر منها، وكيف يتعامل معها؟؟.. وهل يستطيع الشاعر – بعيداً عن الالتصاق الحاد بمعنى الصورة القائم على عقد مقارنة بين طرفين – أن يكون رساماً يجيد استعمال الألوان بمهارة حين يريد أن يرسم صورة ما؟؟ وفي الجمع بين الحالتين، الصورة التي يوجدها الواقع والصورة التي يوجدها الشاعر، كيف يكون حضور الصورة / اللوحة في القصيدة؟؟..
ننتقل إلى خصوصية موضوعنا من خلال معايشة الواقع المقاوم في الوطن المحتل، حيث يعيش الشاعر حالة يمكن أن تسمى"حالة غليان كل شيء".. وهنا تنتفي الصورة التي يمكن أن تكون صورة عادية بسيطة تتكرر في كل زمان، كما تبتعد الألوان التي يمكن أن توجد على حالها المعروفة في كل حيز أو مكان. فالخصوصية التي تأتي نتاج فقدان الحرية، فقدان الشعور بالأمان. الخصوصية التي تأتي جراء تحول كبير في الحياة اليومية من خلال انتقالها إلى حياة يومية تتصف بالحركة وتنبض بالمقاومة. كل هذا يعني أول ما يعني، حضور صورة فلسطينية خاصة بألوانها وخطوطها، بامتدادها وطابعها..
إن قراءة مقطعطيا شمس"من قصيدة الشاعر عمر محاميد "أغنيات الأرض الخصبة بالأبطال"والقائل:"هناك من بعيد تأتي رياح العيد / أراها قادمة ثم أبكي من فرح / أعطني يا شمس فجراً باسماً / أودعيني أمسح الدموع عن عيون طفلنا الجميل / أودعيني أراقص الأشجارَ والمطرْ / وأنحني لنوركِ الذي انتشرْ / لكِ حفلةُ العرسِ وأسبابُ الفرحْ / لكِ النور الذي نوّرتهِ / وحفنة المطر.." إن هذه القراءة تضعنا أمام لوحة تزخر بالألوان والخطوط. وطبيعي أن مثل هذه الصورة، لا تلجأ إلى أي حالة من حالات الابتعاد عن الواقع والأرض والخصوصية..
إن اللون المحرك أو"الأساس"في هذه اللوحة، يأتي من خلال هذه الرؤيا التي تضعنا مباشرة أمام"رياح العيد"وهو اللون الذي ينفتح على كل الألوان الزاهية الجميلة في بقية اللوحة. وعلينا أن ننتبه إلى حركة الريشة في استعمال هذا اللون. هناك إصرار"جميل"على التدرج والسير خطوة خطوة في التناول منه ليكون فيما بعد لوناً متكاملاً، أو قابلاً للتكامل.
رياح العيد تأتي، ولكنها في البداية ما تزال بعيدة. هنا نلحظ أن الريشة تشكل ملمح هذا اللون الزاهي الجميل، وتبدأ تتلمس حرارته. ثم تنتقل لتقربه بصورة ساخنة تكون فيها الخطوات واضحة"أراها قادمة"وهذا ما يجعل الشاعر يبكي، وكأنه يتطابق تماماً مع هذا اللون ويرى إلى جماليته ودفئه وروعته، وكأنه يعيش حالة النصر دون هذه الفسحة التي ترتسم في الخيال، كأنه يلتصق تماماً بفعل التحرير، العودة، معانقة الأهل..
هذا اللون"الشمس"والذي يحرك كل آلية الأمل والتفاؤل، كل آلية الفرح والتنفس بعمق، يقرب كل الألوان الأخرى، ويجعلها شديدة الخصب والجمال، فتكون الريشة سريعة في رسم ملامح"مسح الدموع".. "مراقصة الأشجار".. و"الانحناء للنور" ثم التطابق مع "حفلة العرس وأسباب الفرح" لتكون الحركة في توافق تام مع خصب الألوان، ومع أفق مفتوح على الفجر القادم.
في هذا المثال نقترب – كما نلحظ – من شكل الصورة / اللوحة كما تتبدى في الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني. وهو ما يضعنا أمام مدخل مناسب يمكننا من خلاله فهم التوجه نحو هذه الصورة والآلية التي ستتوافق مع حركتها.. إذ علينا الابتعاد قدر المستطاع عن دراسة "الصورة"بالمعنى أو الشكل المعروفين، لأن الصورة هنا صورة واقع مقاوم قبل أي شيء آخر، وهي على هذا ذات حركة خاصة وبناء خاص. وحين نلامس الحركة في الخط أو درجة الظهور والكثافة في اللون، فإنما نلامس في الوقت ذاته حركة الواقع وامتداداته.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 29 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة التداخل:
كيف يدخل الوطن في الصورة، حين يتحول إلى دفقة شعورية تعبر عن أعلى وتيرة في الحب؟؟.. للإجابة يمكن أن نقرأ في قصيدة الشاعر الراحل هايل عساقلة"لو ضمني هذا الثرى كفناً":
إن تسألوا نبع من الكوثر وطني وبستان من الصعترْ
وحجارة من مرمر صقلتْ فتخايل الياقوتُ والمرمرْ
صلّى الغمام على شواطئهِ صبحاً ونجم مسائهِ كبّرْ
بالسنديانِ أنا أغازلهُ وأحيطهُ بالموسمِ الأخضرْ
ويحيطني بجداولٍ دفقتْ خمراً وواحاتٍ من السكّرْ
من أجل أن تبقى على لهبٍ أمشي وفوقَ السيفِ والخنجرْ
فثراكَ حفنةُ أنجمٍ ولذا لو ضمني كفناً فلن أخسرْ..
كما نرى، فإن الألوان تدخل مباشرة، ودفعة واحدة، لتملأ مساحة اللوحة التي يشكلها الوطن. علينا في كل حين، أن نلمس هذا الجمال اللوني والحركي من "النبع" "بستان الصعتر".."حجارة من مرمر" و"الياقوت" وهكذا، حيث الوصول إلى دفء اللون الشكلي الظاهري.. هنا تكون الريشة بيد الشاعر، لكنها لا تتصل مع ذاته أو مشاعره. لا تبدأ لحظة التداخل مع اللون وحركة الخطوط. ما نزال أمام حالة وصفية تقوم على بناء صورة تعتمد التشبيه المباشر. ولا يرقى مثل هذا التشبيه إلى عكس أو نقل الحالة الشعورية، فهو أقرب ما يكون لمداخلة الجماد بالجماد.. ولكن هل يعني هذا ضعفاً في اللوحة؟؟
كما قلت سابقاً، فإن اللوحة جميلة بما تحمل من ألوان وحركة، لكن في حالة التواصل مع المعنى، نفقد الكثير من الجمال، حين نرى إلى انسحاب الألوان لتكون بعيدة عن مشاعر الإنسان. صحيح أن عين الشاعر هي التي رأت وصورت وعكست، بما يعني في حالة من الأحوال، ضرورة وجود المشاعر والأحاسيس. وصحيح أيضاً القول إنّ الشاعر لا يمكن أن يكون خارج الصورة بأي شكل من الأشكال، ما دام الرسام الذي يرسم. ولكن أجد هنا ابتعاد الشاعر عن المعنى الذي يصل إلى حالة التداخل والتوافق مع اللون والخطوط كما أسلفت..
إن الانتقال إلى"بالسنديان أنا أغازله"ثم "أمشي"و""لو ضمني كفناً" يصل بنا إلى الفكرة التي نريد تماماً، حيث قمة التداخل والتوافق. يبدأ اللون في طرح صورة من صور العشق التي تأخذ الغزل من خلال التوكيد على السنديان، ليكون دليل حب وبقاء وثبات. فالشاعر لا يكتب، رسالة حب لحبيبة، ولا يأخذ في رسم عبارات العشق على هذا الشكل أو ذاك. بل يلجأ مباشرة إلى الحب الفاعل المؤثر من خلال التركيز على"السنديان" و"الموسم الأخضر" بما يعني وصولاً إلى حالة المغازلة بزرع الجمال والخضرة والخصب. ولنا أن نرى إلى هذا المد الرائع في اللون، والمد المتميز في التعامل مع ضربات الريشة والخطوط..
لا نستطيع في مثل هذه الحالة من التوقف عند اللون، إلا أن ننظر بعين مفتوحة إلى امتداد الخط إلى لحظة التلاقي مع الفعل"أمشي"القائل بوصول الإنسان العربي الفلسطيني إلى أعلى وتيرة من التوحد مع أرضه، ليمشي على اللهب، وفوق السيف والخنجر.. الخطوات في مثل هذه الحالة خطوات نازفة تتحمل الكثير من الألم والخطر. ولكنها تصر على المتابعة ما دامت كل خطوة مرتبطة ببقاء الوطن. وكأن اللون النابع من الفعل"نبقى" يختزن القدرة على شد كل الألوان الأخرى، لأنه اللون الذي يقول بصدوره، عن الوطن، أو بدخوله في الوطن..
لا بد من تحول كل الألوان لتصب في لون يستطيع أن يعطيها إضاءة تملأ اللوحة بالتميز. ومثل هذا اللون قد يكون في "تبقى"كما رأينا، وقد يكون في "أمشي".. ولكن عند الانتقال إلى اللون المختزن في فعل "ضمني" نصل إلى حالة غاية في التداخل والتوافق حيث"ضمني كفناً"وهو الضم الذي يطرح حفنة من الألوان التي حولت التراب إلى أنجم، فكان الوطن سماء، وكانت الشهادة تداخلاً في الرفعة. هذا ما يجعل اللون في"ضمني"متعدد الأبعاد والإشارات، فهو صورة الغزل التي رأينا للوطن، وهو صورة إحاطة الشاعر بجداول الخمر وواحات السكر، وهو صورة الخطوات على الجمر.. وهذا في كل حالة تواصل مع الوطن، ومحاولة للدخول في كل مفصل من مفاصله.
يمكن أن نذكر في هذا السياق قصيدة الشاعر فاضل علي "الريح شمالية" حيث ننظر إلى لوحة تقول:"فالعشق فصول / والعاشق يا وطني يحيا ويموت / في كل فصول الشوق / وأنا من فرط العشق / أهمي أتساقط.. أتغلغل فيك.."وهو ما يضعنا أمام ألوان تقترب كثيراً من الألوان التي استعملها الشاعر هايل عساقلة في لوحته السابقة..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 30 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة المقاومة:
في طأشجار البر"للشاعر ناجي ظاهر نقرأ:"وهناك حيث وقفنا ننتظر القادم / كانت أشجار البر / تعانق أشجار البر / وكان اللهب / يصير اللهب الخارج من صخر البرّ / دمنا"حيث الانفتاح على ألوان تستدعي الفعل المقاوم، وترسم الكثير من خطوطه وخطواته.. ولنا أن نرى إلى "القادم"بما يشكل من استدعاء للفعل والألوان، وهذا ما يجعل أشجار البر معبأة بصورتها التي توحي بالانتظار أيضاً، إلى جانب التفافها وعناقها بما يشكل مساراً يستطيع أن يحمي"القادم"الذي يحمل الفداء والتضحية والتصميم على مقاومة الاحتلال.
والصورة هنا لا تبتعد عن صورة الشاعرة وفاء بدوي في قصيدتها "العشق والعراء"حيث: "يا حقلي الرازح تحت العسف الغاشم / أبشر فالنور لسوف يبدد هذا الأثر القاتم / ولسوف تعج الأرض بألحان وأغان تتفجر / بزغاريد العيد الحسناوات سنسكر / بالأوف وبالموال ونفح العنبر" فاللون الأول الذي تتناوله الريشة لتضعه على مسافة ما في اللوحة يبدو قاتماً مليئاً بالسواد، لأنه لون "العسف الغاشم" و"الأثر القاتم"وطبيعي أن يكون مثل هذا اللون شديداً في ضغطه على النفس والمشاعر والأحاسيس، لأنه لا يترك فسحة من بياض أو نور.. نقترب في هذه الحال من ريشة تنقّط حزناً وألماً، ولكن هل كانت الشاعرة في صدد بناء مثل هذه الخطوط والألوان دون غيرها؟؟
طبيعي أن تكون قتامة اللون على هذا الشكل لنعايش فيما بعد كل هذا الانفتاح على الفعل"أبشر"بما يحمل من فيض يستطيع أن يبدد كل أثر قاتم. تنتقل اللوحة في هذا المسار للتفاعل مباشرة مع ألوان جديدة مغايرة تحمل ما تحمل من سرعة في الحركة وغليان في الجمال. ومثل هذا الانتقال يستطيع أن يمسح كل ما تركته الألوان السابقة من كآبة وحزن. وعلينا أن نعي هنا انفتاح اللوحة على انتظار القادم.
مع هذا القادم "تعج الأرض" بألحان وأغان تتفجر بزغاريد الحسناوات بالأوف وبالموال ونفح العنبر.. والصورة في غاية التوهج مع هذا الفعل "تعج"فهنا لا مكان لأي لون آخر، لأن الانتقال دفعة واحدة إلى كل هذا الغليان بالألحان والأغاني، وما شئت من صور الفرح، يقف مباشرة ليقول بسقوط كل ملمح آخر.. الشاعرة تضرب ريشتها ضرباً وتشبعها بألوان تفور بالضوء والنور والفرح، ثم تأخذ في إغراق لوحتها بكل هذا الإشراق، وكل هذا التفاؤل، وكل هذا التصاعد في جمالية اللون.مما يجعلنا أمام مساحة واحدة، هي مساحة هذا اللون المشبع بضوء الفجر.
إن المقاومة لا تخرج عن حالة بناء الذات في مواجهة الاحتلال، وحالة استحضار كل هذه الألوان الزاهية لرفد وتأكيد الإصرارية على المواجهة. وطبيعي أن يكون اللون الذي يرتسم في هذه اللوحة لوناً مقاوماً مليئاً بكل معاني التحدي، ولا نستغرب أن تكون الألوان قادرة على إعطاء شكل ومفهوم الفعل في المواجهة، إذ تكون بعض الألوان سلبية محايدة جافة لا تعبر عن حالة التحدي، بينما تكون الألوان الأخرى إيجابية متحركة مليئة بالقدرة على المقاومة، وهو ما رأيناه في هذه اللوحة التي رسمتها وفاء بدوي.
ننتقل إلى لوحة أخرى للشاعر حاتم جوعية تحت عنوان"من رحم المأساة ولدنا"فنقرأ:"من رحم المأساة ولدنا ورضعنا من ينابيع الفداء / ودرجنا صبية بين البراكين واللظى / والرماد / ونزعنا من عيون الأرض الشوك والقتاد / إني من الشعب الذي تعمد بالفداء" لنرى إلى ألوان تمتد بصورة دائرية لتصر على الالتقاء في النهاية كما في البداية. هنا يجدر الانتباه إلى لون يعمل على صوغ الإنسان العربي الفلسطيني وإعطائه هذه الهوية التي تجعله قوياً في التحدي والمواجهة والمجابهة..
فالشاعر يصر على الرضاعة من ينابيع الفداء، ليكون الحليب مشكلاً ومؤسساً للذات التي ترى الفداء طريقاً وحيداً، وهو ما يلتقي مباشرة مع الشعب الذي تعمد بالفداء، لنكون أمام فعلين رائعين في رسم ألوان الصوغ هما"رضعنا"و"تعمّد"وكأن الشعب الفلسطيني مسكون معجون بحب أرضه والإصرار على فدائها.
بين الفعلين"رضعنا"و"تعمّد"مسافة مليئة بالألوان الداعمة والمثبتة، فهناك "درجنا"بين البراكين واللظى، و"نزعنا"عن عيون الأرض الشوك والقتاد.. وهذا ما يجعل الشخصية المقاومة ذات حضور كبير وفاعل، تبدأ في الولادة من رحم المأساة، وترضع من ينابيع الفداء، وتدرج بين البراكين واللظى.. وهكذا..
إن الريشة التي تأخذ في تناول هذه الألوان، إنما تفتح العين بصورة رائعة على خصب في جوانب الشخصية المقاومة، إذ الألوان نتاج واقع معاش، كما الخطوط نتاج مقاومة يومية. ألا يذكرنا ذلك بقول الشاعر مالك صلالحة:
بين أوطاني وبيني منذ ميلادي اتفاق
إنَّ روحي لفداها سوف تبقى في سباق

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 32 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة الاشتعال:
في قصيدته "أحمد عز الدين اليعبداوي الذي قبَّلَ الأرض واستراح" ينقلنا الشاعر سامي كيلاني إلى حالة من حالات اشتعال الألوان وتوهجها بأعلى وتيرة ممكنة. فأحمد الذي يجيء إلينا شهيداً يحمل الأرض بكل حرارتها وجمالها وسحرها، يستطيع أن يكون كل ما يخطر على البال، وهذا ما يجعله وطناً في الوطن، واسماً في كل الأسماء، ومعنى في كل المعاني. كيف؟؟..
الشاعر سامي كيلاني يسأل "فبأيها أناديك؟؟.."حين يريد أن يختار اسماً من الأسماء يمكن أن يتوافق مع حالة الشهادة، ومع خصب الشهيد ..فتكون الإجابة كل الأسماء: "يا أحمد الحجر / يا أحمد الفداء / يا أحمد العز / يا أحمد القسام / يا أحمد البعيد" وهكذا تستمر الأسماء المرافقة والمتداخلة مع أحمد، فهو الثورة، الأزهار، النور، الورد، البسمة، الحزن، الفرح، الوطن، الأطفال، الكد والعرق، الدرب، الرأي، الدمع، البشرى، الحقل والبيدر، الزنود السمر، الثمر، الشهيد، المطر، العريس، الشجر، و"يا أحمدي… يا أحمدنا / يا أحمد المحبين / يا أحمد الذي ترتسم الأسماء من بعده / يا أحمد الذي تفرح الحارات باسمه / تعيره الاسم.. تستعير من حروفه اسمها / آه سأناديك بالأسماء جمعاً / سأناديك أحمد" فإلى أين نصل في تلمس مثل هذه الخطوط والألوان؟؟..
إن حالة الاشتعال هنا لا تترك مجالاً لبروز لون على حساب الآخر، حيث تأخذ اللوحة في استحضار كل الألوان التي يمكن تخيلها. كل هذا جراء تركيز الشاعر على صورة الشهيد القريب من ذاته إلى حد الملاصقة، مما يجعله مصراً على رؤيته في كل شيء. والانتقال هنا إلى"الأسماء" لتكون "ألوان"امتداد ٍ لانهائي في الخطوط، يضعنا أمام "شهيد" يترك مساحة موته ليكون في كل شيء، وبما يعني رفض أي حالة من حالات التراجع أو الانحسار. فأنت حين تنظر إلى لون الحجر تراه، وإلى لون الأزهار تراه.. وهكذا.. ليكون في الشكل من جهة، وفي المعنى من جهة ثانية.
الألوان في مثل هذه اللوحة تستدعي أن نرتب الأشياء بهدوء، لنرى إلى أين تصل.. ولكن مثل هذا الترتيب يضعنا أمام إشكالية البحث عن "إطار" يمكن أن يؤطر لنا هذه الصورة، وهذا غير موجود على الإطلاق، لأن الريشة التي توقعنا أن تقف عند لون محدد لتأخذ منه ثم تنتقل إلى لون آخر وهكذا، كسرت القاعدة وأخذت تشرب من مساحة الألوان جميعها وبما يجعلك أمام لوحة تنطلق من نقطة محددة هي"الشهيد"ولا تقف عند حد في رسم الوجوه والملامح والخطوط والامتدادات، وهو ما يعيدنا إلى صورة الشهيد / الوطن، الشهيد / الألوان كلها، الشهيد / المعاني كلها..
في حالة الاشتعال هذه نقرأ قصيدة "مشاهد أزلية" للشاعر فتحي قاسم حيث: "أم الشهيد تهزّني / وتصيح بي / ما زال يمرح بيننا / دمه سراج في الليالي المظلمة / نهر جرى / يمحو الأسى / ويفك أسر العاشقين بفيضه / ويروِّي أقداس الثرى / نجم علا / نجم سرى".. فالشهيد يرفض حالة الغياب أو التلاشي والانزواء في مساحة اللون القاتم.. إن الخطوط التي ترتفع على هذا الشكل من التوهج، ترفض أن تكون ذات نهايات محددة، وإن الألوان التي تزرع كل هذا الخصب، ترفض أن تكون ذات ملامح قاتمة.. الشهيد يأتي ليطرح معادلة الفرح قبل أي شيء آخر.. على الزهر أن ينهض لتقبيل هذه الخطوات المعمدة بكل مساحات العطر، وعلى العشاق أن يشعلوا كل الدروب لاستقبال هذا الألق الذي أراد أن يرسم لهم غداً مشرقاً مليئاً بالفرح..
الأم تأخذ الريشة وتنفض عنها كل الألوان القاتمة وترفضها، بعد ذلك تنظفها من أي أثر قاتم.. ثم تتحول تماماً إلى الألوان الزاهية وتأخذ في جمعها.. من هنا يأتي الشهيد ليكون حاضراً "يمرح بيننا"وليكون من خلال دمه "سراج"الليالي المظلمة، ومن خلال فعله النهر الذي جرى ليمحو الأسى، وليفك أسر العاشقين بفيضه، وليروي أقداس الثرى.. وهكذا..
الألوان كما نرى تأخذ شكلها الخصب في مثل هذه الحالة من الاشتعال، وتأخذ شكلها الخصب في مثل هذه الحالة من الحضور، ولا تبتعد بأي شكل من الأشكال عن معنى الاستمرارية في رفد الخطوط الواصلة إلى استحضار الشمس..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 33 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة الامتداد:
في قصيدة "لو يصدق الخبر" للشاعر سعيد عقبة نقرأ:"وجاءت الأخبار من شمال / بأنها مضت ولن تعود / مواسم الديدان والآفات والحسكْ / وأننا سنضرب السككْ / لموسم جديد / لو يصدق الخبر / آه لأفردت على الدروب باقي العمر / مواطئاً ليخطو الربيع والزهر"لنعايش ونلامس هذا الأمل بمعانقة لون يمكن أن يعطي الأيام شكلها الجديد الخالي من الاحتلال والحزن.. لذلك كانت هذه الإصرارية على أن الألوان القاتمة قد زالت وأنها لن تعود. ويمكن أن نلحظ في هذه المساحة، أن الشاعر يرسم لوحته بشيء من التردد والخشية، وهذا ما يدفعه إلى ربط الألوان والخطوط بقوله"لو يصدق الخبر"وكأنه مليء بالشك.. ولكن انفتاح الريشة على هذه الأمنية "لو يصدق الخبر"يجعله يتطابق مع خطوة الربيع والزهر، وكل فصول النماء..
في اتجاه آخر، نقرأ في سفر التعامل مع الألوان، قصيدة"من أغاني الخروج من الوطن"للشاعر علي الصح حيث يقول:"على سلم الموت أدركني الجليل / وكانت أريحا / دمعة في العين / تهجرني / وكان النخيل / ينزّ من زيتونة القلب / يفر من يدي أصابعاً / وكانت دوالي الخليل / تمتد من حقائبي سياجاً / على درب الرحيل"حيث هذا الانفتاح على خطوط تربط الجسد وتقربه إلى الأرض بكل شكل ممكن. وهنا لا نجد لوناً زاهياً، أو صورة مشرقة، فالشاعر في حالة ابتعاد عن أرضه – وهي حالة تصور غير حقيقية – وفيها يطرح كل الضاغط النفسي والمعنوي، لنكون أمام حالة انكفاء حاد في الألوان، فأريحا تبكي، والجليل يدرك الشاعر على سلم الموت، بينما ينز النخيل من زيتونة القلب.. وهكذا.. لنجد كل قتامة الألوان وامتدادها الضاغط..
إن توظيف اللون على هذه الشاكلة يمكن أن يعطي شكلاً آخر من أشكال الإصرار على البقاء.. فالشاعر الذي يرسم لوحة الابتعاد عن الوطن، يبين إلى أي حد يمكن أن تكون الألوان ضاغطة وقاتمة ومليئة بالسواد في مثل هذه الحال. وهذا ما يجعل الرسم ذا وظيفة إيجابية، إذ لا يراد من اللون أن يقول بسلبية وقعه، بل يراد منه أن يكون محرضاً على البقاء والثبات والتشبث بالأرض..
ننتقل إلى اتجاه آخر نقرأه في قصيدة"المسافات عيون آدمية" للشاعر سلمان مصالحة حيث يقول:"مرة كنت وكان الفجر خلف الباب / طفلاً وهدايا / مثقل الخطوات في الثوب الجديد / يسترد البسمةَ الضاعت / وأحلام الطفولة / فتعيث النسمة السكرى / وفي الخصلة يمتد النهار.." فالامتداد هنا يتجه باللون إلى مسافة الطفولة لاستحضار جمالية مفقودة وغائبة في الوقت الحاضر، ولا يرسم الشاعر مثل هذه اللوحة لمجرد التذكر أو الاستذكار، إذ لا يمكن أن تمتد الخطوط في مثل هذه الوتيرة لمجرد التذكر، هنا نعي تماماً أن الريشة تنغمس في اللون لتنقل الماضي بما يعني فقدان المعادل في الحاضر، وهذا أمر طبيعي.. فالحاضر الذي ينظر إليه الشاعر، حاضر احتلال، لذلك فهو حاضر ألوان قاتمة كئيبة مظلمة. بينما كان الارتداد إلى الماضي، وبما يفتح الباب على الطفولة ذا ألوان رائعة في جمالها ولمعانها وإشراقها.. كانت الألوان في ذلك الوقت ذات حضور خاص، ولمعان خاص، وروعة خاصة..
وإذا كان الارتداد إلى الماضي يركز على جمالية الألوان المفقودة، فإن الانتقال إلى المستقبل يقول باستحضار أو عودة مثل هذه الألوان، في ذلك نقرأ قصيدة"حين قالوا لن نساوم" للشاعر باسم الهيجاوي حيث "حين قالوا / دقّت الأجراس وانبعثت شظيهْ / أشرقت في الفجر أنوار القضيهْ / صاحت الكلمات في ثغر المناضل / سوف ترسو الريح / ترتفع السنابل / في التفاصيل النديهْ" و"إنَّ ضوءَ الفجرِ قادمْ / لا يساومْ / في احتضانِ البندقيهْ"فكما يلحظ هناك إصرار على جمال الألوان القادمة والتي ستملأ العين والقلب، والشاعر في كل ذلك مصرّ على أن ضوء الفجر لا يمكن أن يساوم، لذلك فهو قادم من خلال المقاومة والتشبث بالتحدي والصمود..
لعل الالتقاء بين خطي الارتداد إلى الماضي والانتقال إلى المستقبل، يأتي من خلال صورة الحاضر الذي يصر على المقاومة. إذ لا يمكن للماضي أن يعود، وللمستقبل أن يأتي بعيداً عن فعل الحاضر وفاعليته.هنا تكون الألوان نابعة من كل حركة في الزمن الحاضر، ومهما كان الاتجاه إلى المستقبل أو إلى الماضي بمعنى الهروب من ضغط الحاضر وظلمة وظلام الاحتلال، فإن استحضار اللون المضيء لا يمكن أن ينفصل عن فعل وفاعلية المقاومة في الزمن الراهن، لأن أي انفصال يعني وقوع كل ألوان الماضي والمستقبل في حالة بعيدة عن إمكانية التناول والرجوع.
يمكن هنا أن نختم بلوحتين من الامتداد في اللون، الأولى للشاعر فاروق مواسي بعنوان"خوف"يقول فيها"أخاف إن بكيت / أن أحرقَ التي تخبأتْ / على مدارج العيون / أخاف إن صحوت / أن أمطر التي تجمَّلَتْ / على معارج الشفاه / أخاف إن عشقت / أن يرتدي محبوبتي الوطن / وعندها / ستبتدي الصلاة" والثانية للشاعر محمد حمزة غنايم بعنوان "إلى ولدي"يقول فيها:"تأتيك الفرس بتفاصيل صوتك / الفرس البيضاء فرسك / المرتفعة في فضاء اللون / تعبر بك عتبة الرجولة / من يسمعني / أتراجع عند مسارها / أسرّ لها بثقة العاشق / إنني هالك في المدار البعيد"..

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 34 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
[align=justify]
ملحق 1
تعريف بالأسماء الواردة في فصول الكتاب
- إبراهيم عمار:
من باقة الغربية، صدر له في العام 1980 ديوان شعر حمل عنوان "صاعداً من الموت أو هابطاً منه".
- المتوكل طه:
ولد في قلقيلية عام 1958، حاصل على ماجستير في الأدب والنقد. عمل صحفياً وما زال منذ سنوات. يرأس اتحاد الكتاب الفلسطينيين منذ العام 1978… له في الشعر "مواسم الموت والحياة" 1987 "زمن الصعود" 1988 و"فضاء الأغنيات"1990.. وله كتب في النثر منها "الثقافة والانتفاضة" "دراسات في الأدب والنقد" و"بعد عقدين وجيل".
- باسم الهيجاوي:
ينشر في مجلات وصحف الوطن المحتل. تعرض عدة مرات للسجن والاعتقال.
- جبرا حنونة:
ينشر في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- حاتم جوعية:
ولد في قرية المغار عام 1962، وتلقى دروسه الابتدائية والثانوية في قريته. يكتب الشعر والنثر ونشر إبداعاته في الاتحاد والغد الجديد. صدر له ديوان"ترانيم الحب والفداء" الناصرة 1986.
- حسين فاعور:
ينشر إبداعاته في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- حسين مهنا:
ولد في قرية البقيعة عام 1945، أنهى دراسته الابتدائية في قريته، والثانوية في قرية الرامة. يعمل في حقل التعليم ويقيم في قريته. من مؤلفاته "وطني ينزف دماً"شعر / عكا 1978.."وطني ردني إلى رباك شهيداً" قصص 1981.. "أموت قابضاً حجراً"شعر / عكا.."تمتمات آخر الليل" شعر / عكا 1988.
- حنا عواد:
من القدس. ينشر في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- حنان عواد:
ولدت في مدينة القدس عام 1951 وتقيم هناك. حصلت على دبلوم التربية من دار المعلمات في رام الله عام 1971، نالت بكالوريوس في الأدب العربي من جامعة بيروت عام 1974، ثم بكالوريوس في الأدب العربي، وماجستير في العلوم الإنسانية من معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في القدس 1975 – 1977.. ودبلوم الدراسات الإنسانية من جامعة ماكجيل بكندا.. وبرنامج الدكتوراه في جامعة ماكجيل في مراحله الأخيرة حول موضوع "صورة المرأة في أعمال غسان كنفاني" وهي محاضرة في جامعة بير زيت، وعضو مجلس أمناء المجلس العربي في القدس وعضو استشاري في مجلة "المواكب"ورئيس فرع فلسطين في منظمة المرأة العالمية للسلام والحرية.
لها: "من دمي أكتب" مواقف سياسية – القدس 1983.. "الفارس يزف إلى الوطن" مواقف سياسية – عكا 1988.. "اخترت الخطر" شعر / القدس 1989.. "قضايا عربية في أدب غادة السمان"رسالة ماجستير بالإنكليزية – ترجمة عربية – بيروت 1989.
- خالد عوض:
من الناصرة، ينشر إبداعاته في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- سامي كيلاني:
ينشر في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- سعيد عقبة:
من بئر السبع، ينشر في مجلات وصحف الوطن المحتل.
- سلمان مصالحة:
من القدس. ينشر إبداعاته في صحف ومجلات الوطن المحتل. له "كالعنكبوت بلا خيوط" شعر.. و"مغناة طائر الخضر"شعر / القدس 1979.
- سليمان دغش:
من المغار في الجليل. له ديوانان"هويتي الأرض"صدر في عكا عام 1979.. و"لا خروج من الدائرة"صدر عام 1982.
- سميح صباغ:
من البقيعة، صدر له في الشعر "داخل الحصار" عكا 1971 ثم "وطني حملني جراحه" بيروت 1974 و"دمي يطاردكم"القدس 1977.
- سميح فرج:
ولد في مخيم الدهيشة عام 1955. بعد إنهاء دراسته المتوسطة حصل على دبلوم لغة إنكليزية من دار المعلمين برام الله، ثم بكالوريوس أدب إنكليزي من جامعة بيت لحم، كما حصل على دبلوم في التربية وتخصص في فرع الترجمة بالجامعة نفسها.. يعمل مدرساً للغة الإنكليزية.
- سيمون عيلوطي:
من الناصرة، يكتب وينشر إبداعاته في صحف ومجلات الوطن.
- عبد الرحمن عواودة:
من كفر كنا. صدر له ديوان "كلمات فلسطينية" في الناصرة عام 1978.
- عبد الناصر صالح:
ولد في طولكرم عام 1957 ودرس فيها الابتدائية والثانوية. حصل على بكالوريوس في التربية وعلم النفس من جامعة النجاح الوطنية بنابلس عام 1984. يعمل مسؤول العلاقات الداخلية في اتحاد كتاب فلسطين في الضفة والقطاع. اعتقل عام 1977 لأول مرة وكان هذا الاعتقال بداية تشكل جديد لصياغته الشعرية.. كما اعتقل في معتقل أنصار بعد ذلك.
له في الشعر:"الفارس الذي قتل قبل المبارزة"قصائد كتبت في المعتقل عام 1977 ونشرت في ديوان عام 1980.. "داخل اللحظة الحاسمة" 1981.. "خارطة الفرح" 1986.. ثم "المجد ينحني أمامكم" 1989.
- عدوان علي الصالح:
من يافة الناصرة. ينشر في صحف ومجلات الوطن المحتل. وهو غزير الإنتاج.
- عطا الله جبر:
ولد في الناصرة عام 1954. أنهى تعليمه المتوسط في بلدته، ثم التحق بجامعة حيفا وحصل على بكالوريوس في اللغة العربية، يعمل في التدريس منذ العام 1977.. كما يعمل في مجلة "مواكب"التي تصدر في الناصرة.. له "الجنس في أدب يوسف إدريس والثورة في أدب نجيب محفوظ"دراسة / الناصرة 1980.
- علي الصح:
ولد في قرية عرابة في الجليل عام 1954. درس الابتدائية والثانوية في كفر ياسيف وأحرز شهادة البكالوريا من الجامعة العبرية بالقدس.. له "نقوش على جدار الوطن" شعر / القدس 1975.. "كل آذار وأنتم بخير" شعر / عكا 1987.. "الكتابة بالنار" شعر / القدس 1978.. وأخيراً طمن أغاني الكنعانيين" شعر.
- عمر محاميد:
ولد في أم الفحم عام 1956، وتلقى فيها دراسته الابتدائية، والثانوية في الكلية الأرثوذكسية في حيفا.. سافر عام 1977 إلى الاتحاد السوفياتي لمواصلة تعليمه، والتحق بكلية الصحافة التابعة لجامعة ليننغراد حيث حصل منها على شهادة ماجستير في الصحافة.. عاد إلى البلاد عام 1983..
يعمل في مركز الأبحاث التابع لجامعة بير زيت ويقيم في أم الفحم. له شعراً "أزهار فلسطينية في أنشودة الغضب" 1977 و"طريق المدينة حجارة وصقور" عكا 1981.
- فاروق مواسي:
ولد في قرية باقة الغربية عام 1941، وأنهى تعليمه الابتدائي في قريته والثانوي في قرية الطيبة، حصل على شهادته الجامعية في اللغة العربية والتربية من جامعة بارايلان، كما حصل على الماجستير من الجامعة نفسها، ثم حصل على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة تل أبيب عن أطروحته "شعر مدرسة الديوان" يعمل مدرساً في باقة الغربية.. أصدر مجلة "الباقة" سنة 1971 التي استمرت فترة ثم احتجبت..
له شعراً "في انتظار القمر" 1971 "غداة العناق" 1974. "إلى وطني" 1977.. "إلى الآفاق"..و "اعتناق الحياة والممات"..
- فاضل جمال علي:
من مواليد البقيعة عام 1953. أنهى دراسته الثانوية في الناصرة ثم انتسب لمعهد العلوم التطبيقية في حيفا ودرس الرياضيات والفيزياء والكيمياء.. له شعراً "عاشق الأرض والمطر" و"زنودكم رايات" عكا 1977.
- فتحي قاسم:
ولد في الناصرة عام 1943.. أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في الناصرة وعمل في التعليم.. له شعراً "شامة على خد الوطن" عكا 1979.. "نشيج الليل والنهار".
- مالك صلالحة:
ولد في قرية بيت جن عام 1953، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية، والثانوي في الرامة، وتخرج في دار المعلمين عام 1974. يعمل معلماً في المدرسة الإعدادية في قريته.. عمل أيضاً في الصحافة.. له "مليكتي" شعر 1984.
- محمد آل رضوان:
من غزة.. ينشر إبداعاته في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- محمد حمزة غنايم:
ولد في باقة الغربية عام 1953، وأنهى الثانوية في بلدته، ثم انتسب لجامعة تل أبيب وحصل على شهادته من قسم اللغة العربية. عمل في الصحافة وانضم إلى هيئة تحرير الاتحاد والجديد منذ العام 1976.. وعمل سكرتيراً لتحرير مجلة "الشرق".
- مصطفى مراد:
ولد في الناصرة عام 1958. أنهى الابتدائية في قريته، والثانوية في الناصرة. التحق بجامعة تل أبيب وتخرج فيها عام 1985. يعمل سكرتيراً لتحرير مجلة "الصنارةط الأسبوعية التي تصدر في الناصرة.
له شعراً"من الوطن مع خالص الحب"الناصرة 1980.. "أنت الحقيقة.. أنت الفرح" الناصرة 1985.. "قصائد مكسرة" عكا 1987.
- مفلح طبعوني:
ينشر في صحف ومجلات الوطن المحتل.
- منيب فهد الحاج:
ولد في قرية الجديدة عام 1948، أنهى الابتدائية في قريته والثانوية في كفر ياسيف. التحق بجامعة حيفا ودرس اللغة العربية وآدابها وتاريخ الشرق الأوسط.. له "بيادر العشق والغضب" شعر / عكا 1978.. "في انتظار النهار"شعر / عكا 1989.
- ناجي ظاهر:
له "البحث عن زمن آخر" شعر / عكا 1978.. "قصائد إلى أبي حيان التوحيدي"شعر 1979.. "الزهرة اليابسة"شعر / شفا عمرو 1980.. "أسفل الجبل وأعلاه" قصص / الناصرة 1981.."الشمس فوق المدينة الكبيرة"رواية 1981.."بحجم سماء المدينة" قصص / القدس 1980.. "فراش أبيض كالثلج" قصص 1983.."جبل سيخ وقصص أخرى"قصص / الناصرة 1989.
- نزيه حسون:
ولد في شفا عمرو سنة 1957، وأنهى فيها دراسته الابتدائية والثانوية.. له "ميلاد في رحم المأساة" شعر / عكا 1980.. "أبحث عن جسد يلد النصر" شعر / شفا عمرو 1983.
- نزيه خير:
ولد في دالية الكرمل / قضاء حيفا 1946.. التحق بجامعة حيفا ونال البكالوريا في الأدب العربي والعلوم السياسية.. من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين في الداخل، ويعمل سكرتيراً للاتحاد ومسؤولاً عن الدائرة الثقافية فيه. له شعراً "أغنيات صغيرة" 1969.. "قراءة جديدة لسورة الياسمين" 1974.. "كتاب دموي لأبي تمام" 1984.. "مقعد دائم للحلم" 1989.."رائحة المطر" 1990.. "مسافة من القلب وأخرى من الذاكرة" 1991.
- نعيم عرايدي:
ولد في قرية المغار في الجليل عام 1948.. أتم دراسته الثانوية في المدرسة البلدية في حيفا، وأحرز البكالوريا في اللغة والآداب العبرية والعلوم السياسية من جامعة حيفا، ثم نال الماجستير. يحاضر في جامعة حيفا.. ترأس تحرير مجلة الأسوار التي كانت تصدر في عكا عام 1978.
له شعراً: "أثداء وقبور" الناصرة 1974.. "كاحمرار الأرض عند المغربين" 1976.. "كاحتراق الشمس في كل الفصول" 1977.. "كاحتكاك الماء في وجه الصخور" 1978.
- هايل عساقلة:
من المغار في الجليل، لم تتعد دراسته المرحلة الابتدائية ولكنه ثابر على تثقيف نفسه بشكل مستمر. نشر الكثير من إبداعاته في صحف الوطن المحتل.. وافته المنية صباح 12/9/1989 عن عمر يناهز ستة وأربعين عاماً إثر مرض عضال لم يمهله طويلاً..
- وفاء بدوي:
من عكا.. لها شعراً طحين تنبت الآمال من زوايا الوفاء" 1977 وطالعائدون" 1979.
- وهيب نديم وهبة:
ولد في دالية الكرمل بتاريخ 20/4/1952.. درس الابتدائية في بلده، والثانوية في ثانوية ناتانيا، ثم انتسب إلى جامعة التخنيون في حيفا وأنهى سنة واحدة قسم الهندسة.. يعمل في حقل التعليم.
له شعراً: "الملاك الأبيض" 1974.. "هدايا وقبل" 1975.. "نهد وقصيدة" دالية الكرمل 1977.. "أنت أحلى " عكا 1978.
- ياسين حسين:
ولد في قرية طمرة في الجليل العربي عام 1960، أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في قريته، ثم أنهى دراسته في الهندسة في معهد المهندسين في الناصرة عام 1983. يقيم في طمرة حيث يدير مكتباً للدعأي والإعلان.
له شعراً "من أغاني الشهداء" طمرة / 1980.. "المرأة التي تسبح حتى الرماد" عكا 1984.
- يوسف المحمود:
من عنزا / جنين / في الضفة الغربية.. له"زغاريد على بوابة الصباح" شعر 1989.

[/align]

طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 36 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
ملحق 2
نماذج شعرية
للشمس ترتفع القصيدة
للشاعر: باسم الهيجاوي
سرقوا حبيبته الصغيرة
كان يستلقي يداعب صوته
العربي عينيها
يرفرف بين كفيها
ومرَّغَ وجهه بالأرضِ
أرَّقهُ احتراق الزهر
فارتفعت قصيده
سرقوا حبيبته
وغطوا وجهها بالنزف
ألق بريقها سلبوه
شدوا شعرها الجبلي
فارتفعت قصيدة
وعلى الندى ارتفع البكاء
وسافر العطر الجميل
إلى منافيه البعيدة
وعلى الندى حرقوا المواسم والفصول..
على الندى شدوا المراكب للرحيل..
وغيرت شمس الحقول ملابس الجرحى
وقتلى العشق فارتفعت قصيدة
طعنوه غطوا جسمه بالنزف
شدته المراحل للندى
غطى المواسم والفصول
تأوهات الطالعين من الجراح
من التفاصيل الجديدة
للشمس أغنية وصوتك يستريح
وأنت طعم الذبح فاطلع
من تفاصيل القصيدة
واحرق جراح النزف
صوت القادمين على ارتفاع الموج
تقترب المسافة



طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 37 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
ثلاثية العذاب والفرح والخلاص
للشاعر: جبرا حنونة
(الوجه الأول)
قادمة مثل هدير الرعد..
مجلجلة حمراء.. تحدق في الأشياء بنظرات غاضبة
تنتفض من الأعماق..
وتزحف كالإعصار الجارف.. كالطوفان..
تقطع أيدي الشر..
تقاتل عفن الأيام المتراكم
تفتح أبواب التاريخ المظلم للأجيال..
وتصهر بالشرر المتطاير من عينيها حلقات الأصفاد
يدب الرعب بأسراب الغربان
فتملأ رحم الأرض صراخاً.. ونعيقاً
لن تنكرها حين تجيئك صارخة غضبى..
فتهيأ ملك الشجعان..
(الوجه الآخر)
تلمع كالبرق..
كحدّ السيف القاطع كالسكين
تتجلى عارية في وجه الشمس – وفي إشعاع الصبح
النافذة من كوّة كوخٍ
في ضحكة فلاح مسكين..
تزهو في الأفق مهللة
تتمايل بين حقول القمح.. تعانق أسراب السمّان المذعورة
تحضنها.. ترقص بين النرجس والنسرين..
طيبة مثل رحيق الزهرة..
صافية كمياه الجدول.. زاهية كالورد الأحمر في نيسان
وساذجة كالطفلة في عمر الأزهار..
كصوت فيروزي النغمة… يصدح..
تستقطر حزن الأيام.. وتعب المصلوبين
يتألق في عينيها فرح الأم الثكلى
تزهو أحلام الأطفال المسحوقين..
(اللقيا)
ظامئة يا ولدي للقائك منذ سنين
لم يعرف جفني طعم النوم
ولم أهنأ بطعام أو بشراب
لم يعرف قلبي الفرحة مذ غادرت البيت…
ولم تتكحل عيني
والأغراب على الساحات
وحول جدار الغرفة منتشرين….
يا ولدي.. نار الشوق القاتل أنقت كل عظامي
نور العينين خبا..
وسراج الزيت انطفأ فأشجار الزيتون احترقت
لكن يا ولدي جذر الزيتون المتعمق في جوف الأرض
سيبقى
والأشجار ستبقى واقفة "حتى لو ماتت"
آه يا ولدي.. كل مساء أغمض عينيّ
فأحلم أنك جئت تدق الباب
فأنهض كي أحضنك برمش العين.. أقبّل خديك
وأرمي هذا الوجه المثقل بالأحزان على صدرك
فتزول جميع سنيّ العمر المكدودة..
يا ولدي، حين يطوّقني زنداك وأغفو
لكن يا ولدي مهما ذقت من الحرمان
ورغم عذابي.. رغم شقائي.. رغم جميع الأحزان
ما زالت أحلامي ترقب يوم اللقيا
ما زالت مني النفس بصبح مشرق
حين الآهات تصير مواويلا
حين أراك بصدر البيت مشعاً.. كالفجر الريان
فيزهو وجه الصحراء المتعطش في صدري منذ الأزمان
(ملاحظة بسيطة جداً)
نستنتج من مجرى الأحداث
بأنا في عصر السرعة نحيا
في عصر الخطوات المتلاحقة.. وتغيير الألوان…
وتقول الجدّة أن دوام الحال محال
وتلمّح بعض تقارير الأخبار بأن حريقاً شبّ
ولن تقوى الإطفائيات على حصر النيران
* * *


طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 38 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
أبصر من خلل الفرح الجامح
للشاعر: حسين مهنا
-1-
حين يعانقني طفلي
أرجع طفلاً
أصرخ في فرح الأطفال
أصفق
أضحك من أعماق الأعماق
أقفز.. أركض.. ألعب
لكن
من خلل الفرح الجامح
أبصر في عيني طفلي
طفلاً آخر من شعبي
يتعذّب
-2-
حين يعانقني النوم
ويسري خدر في جسدي المتعب
أتراخى فوق سريري الدافئ في كسل
أتمطّى.. أتثاءب..
لكني
من خلل الدفءِ الناعم في جسدي
أبصر شيخاً مقروراً من شعبي
في ليل الغربة..
يتقلّب
-3-
حين أعود إلى البيت مساء
تلقاني زوجي باسمة
فتذيب البسمة أوجاع القلب المجهد
أتبسم في دعة
أنسى يومي الأسود
آخذها بين ذراعيّ
أعانقها
أتنفس ملء الرئتين
أبحر في عينيها الخضراوين
لكنّي
وأنا من بين الموج الهادئ في عيني غاليتي
أبصر عيني لاجئة من شعبي "الجوابْ"
تنتظر بقلق الأم المحموم
رجوع الغيّاب
-4-
لست إلهاً كي أجعل من حقل الأشواك
المسمومة أجمل بستان
لست مسيحاً كي أمسح آلام البؤساء
بكفِّ النسيان
لكنّي أصرخ من قحف الرأس بأني
إنسان.. إنسان.. إنسان..
ستظل الغصّة في حلقي
وستبقى في قلبي زاوية مظلمة
ما دامت في هذا الكون جبال شامخة
من مرّ الأحزان..
* * *



طلعت سقيرق 03 / 07 / 2010 39 : 01 AM

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
 
وأفنى ليبقى الغناء
للشاعر: حنا عواد
لحلم يسافر في بحر عينيك
عبر مدى الحزن والليل
لصبح ندي يخضله الطل
يوشحه النور والورد والفل
لفجر بهي يحاصر في أفق جفنيك
أسكب لحني أغني
* * *
أغني لهمس السهول ونبض الحقول
زهور الجبال تشق المحال
وتلك التلال تنادي: تعال
قبيل الرحيل وشمس الأصيل
تلاقي الغروب وراء التلال
* * *
لزغرودة حلوة اللحن والجرس
في العرس غاره
لترتيلة تتهادى بشوقٍ لطفل المغاره
ونبع الطهاره
لتكبيرة فوق مئذنة في ربى القدس
مهد الحضاره
وبدء البشارة أبقى أغني
فيأتي الربيع ويلقى اخضراره
* * *
لقدس الحجارة في جيد سور ودور
شبابيك نور تطل على طرقات معمدة بالبطوله
وأسطحة كالمرايا على وهج الشمس
بل لقباب يتوجها العنفوان أغني
لعل غنائي يعيد إليها نقاء الطفوله
* * *
لموعد حبّ يهلّ
وبيدر حب يغل على أوف شبابة في الحواكير
وموسم خصب يطلّ على “ميجنا وعتابا” النواطير
لسحجة عز ودبكة مجد أمام المناطير
لمن يعزفون وهم يقطفون وهم يحصدون
بزفة قمح وتين وزيتون
لمن ينشدون وهم يرقصون على نفحاتِ العصافير
أكتب شعري وأنثر فني أغني
وأمنح عمري
فأفنى ليبقى الغناء
* * *



الساعة الآن 06 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية