منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   فيض الخاطر على أنغام البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=529)
-   -   أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي . (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=25954)

ميساء البشيتي 21 / 09 / 2013 24 : 03 PM

أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
أوراق أيلولية

الورقة الأولى

يدغدغني الخريف .. يدقُ بأنامله الخريفية أبواب قلبي كي تفتح له .. يتوسلها بزخة مطر حانية .. بهبة ريح ناعمة تلاطف منه الوجنات .. فهو يعلم جيداً أنَّ من يأتِ بعد الصيف وأبوابه المشرعة لاستقبال الغياب .. يبقَ منتظراً كثيراً في الباب .. فالعصافير تركن إلى الهدوء .. إلى السكينة .. وأيلول يقتحم بفوضى الحضور كل هذا الهدوء ليطلب إذناً بالعبور إلى صحن الدار ..
أنا متواطئة مع الخريف .. أنا متواطئة مع كل خريف يدق الباب .. أو يتسلل من الشباك .. لذلك بعد أن قطعت أشواطاً طويلة مع الخريف في كرٍّ وفرٍّ قررت أنَّ ما كان يجري في كل خريف بيني وبين أيلول من صولاتٍ وجولاتٍ .. لن يعود ليسري على خريف هذه الأيام ..
كنتُ في كل خريف مضى أغلق الباب .. لكني أترك نافذة لأيلول .. يعبرُ منها خلسة عن أعين الأحباب .. فيضيء لي شمعة جديدة في كل عام .. ولا أنكر أن شموع أيلول لا تذوب .. بل تبقى متقدة دون انطفاء ..
في كل خريف أكون على موعد مع شمعة جديدة من شموع أيلول .. لا أسأله متى .. وكيف .. ومن أين أتى بشمعته هذه .. فأنا لا أكثر مع أيلول السؤال ..
أنا أعدُّ له مائدة كبيرة من الاشتياق .. وأذيب له قطعاً من الحديث في فنجان قهوة الصباح .. وعند العصر أقطف له ما تبقى من عناقيد تدلت بغنج من دالية الجوار .. أما في المساء فأيلول يحبُّ أن أكتبه لوحة من الشعر أو النثر .. سيان .. يحبُّ أن أرسمه بين السطور .. وألونه في كل عنوان .. أيلول كان وسيبقى حديث الشعراء ..
يستوقفني أيلول في كثير من الأحيان .. يسألني .. بل يباغتني بالسؤال .. وحين يلحُّ بالسؤال كثيراً أدرك أنه قد لاكته أنياب الغيرة .. وانتابته أعاصير الشك .. وأنَّ زوبعة في صحن داري ستهبُّ عما قريب .. وبذكاء عصفورة أيلولية اعتادت على غيرة أيلولها .. أعدُّ له حلوى العيد التي يشتهي ويطلبها في كل عام .. فينسى معها زوابع الغيرة والشك .. ويعود إلى مرابع الطفولة وملاعب الصغار .. ويكتبني كما أكتبه في دفتر الأشعار ..
أيلول خفيف الظل .. لكنه دائم العتب والعتاب .. قليل .. كثير الشك أحياناً .. ويلح عليَّ دائماً أن أبقيه بالجوار .. لكن ما أن أرفع يدي ملوحة له بالرحيل .. يحمل أوراقه بكل ما نثرته عليها من أشعار .. ويلملم بصمات قلبي بين كفيه .. ويصعد إلى السماء .. ليأخذ دور نجمة تضيء لي كل مساء .

هدير الجميلي 22 / 09 / 2013 34 : 01 AM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
أوراق سقطت على قلبي كحبات مطرت تناثرت لتروي ظمئي
هنا لهفة انثرها هل من مزيد ؟
تحياتي لكِ صديقتي

ناهد شما 22 / 09 / 2013 24 : 03 AM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

أنا متواطئة مع الخريف .. أنا متواطئة مع كل خريف يدق الباب .. أو يتسلل من الشباك ..
لذلك بعد أن قطعت أشواطاً طويلة مع الخريف في كرٍّ وفرٍّ
قررت أنَّ ما كان يجري في كل خريف بيني وبين أيلول من صولاتٍ وجولاتٍ ..
لن يعود ليسري على خريف هذه الأيام ..



لا يأتي خريف كخريف أتى قبله ولا يأتي ربيع كما أتى قبله وبكل ورقة من أوراقهما حياة وحب وحنين وغياب وحزن وبكاء
كلماتك يا ميساء يجب عليها أن تعبر الدنيا و تصل الى فيروز كي تغنى كما غنيتها انت هنا
هل تعلمين أن الخريف في سورية له طعم آخر و من لم يحضره لا يعرف ما معنى كلمة خريف إلا إذا قرأ كلماتك
هكذا أنت مبدعة في كل شيء
دمت بخير ودام القلم الذي تحمله يدك




ميساء البشيتي 22 / 09 / 2013 55 : 07 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
أهلا بك الغالية هدير في هذه المساحة الخريفية من البوح
شكرا لك على طيب الحضور والردود والتواصل
ابقي بالجوار يا غالية
ودمت .

ميساء البشيتي 22 / 09 / 2013 59 : 07 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
غاليتي الحاجة ناهد
أول مرة يشرق الخريف لوجودك البهي في صحن داره
نعم لا يوم يشبه الذي قبله ولا الذي بعده
ولكن الصعب حينما تتوالى الأيام على وتيرة واحدة من الحزن والقلق والخوف
الربيع والخريف والشتاء في سوريا مختلف
ربيع من الحزن وخريف من الوجع وشتاء من الدم
ولكن كيف يأتي صيف يحمل ألوان الفرح
ربنا المستعان غاليتي ناهد
شكرا لك على هذه الحضور البهي ودومي لنا

ميساء البشيتي 22 / 09 / 2013 00 : 08 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثانية
كعادتي حين أنوي الفرار من قومي والبدء برحلة جديدة نحو المجهول .. لقد فُطرت على الترحال .. وأيلول هو موعد الترحال في كل عام .. أنطلق من كوة صغيرة فتحتها في إحدى الجدران الخلفية للحياة .. أفرُّ منها كل عام مع أيلول .. نبتعد قليلاً عن القوم والديار .. أغيب في رحلة قد تطول وقد تقصر ولكنها رحلة قصيرة بكل الحالات .. دائماً أعود بخفيِّ حنين فالرحلات القصيرة ليست للمكوث .. إنما هيَّ عملية تفتيش سريعة في رئتي الهواء .. وتنقيب في ذرات الأكسجين .. هل ترَكتُ خلفي أحداً مقصياً .. منسياً .. منفياً .. مهجوراً على أبواب النسيان ؟
لا بد أن يكون هناك خلف تلك السحب البعيدة القريبة تلة مهجورة نسيها الزمان .. أو ثلة من الحجارة تكاد تصدأ من الهجران .. أيلول يصرُّ في كل عام أن نذهب إلى هناك .. إلى حيث التلة والثلة وكل معالم الهجر والنسيان .. يصرُّ على أن نمطر قليلاً من الحب في تلك الأرجاء .. أيلول الخريفي المزاج أحياناً يتقمص دور الربيع فيهدي في الخريف أزهاراً .. لا تعيش طويلاً .. لكنها تمنح الدفء والحنان لبعض الوقت .. وتترك بصمة جلية للعيان أننا كنا هنا قبل عام .. أو أعوام .. ونعود إلى الديار .. فيتركني أيلول على أبواب الخريف .. ويرحل هو إلى مكانه بين النجوم في سابع سماء ..
هذه المرة أنا مترددة .. خائفة بعض الشيء .. حائرة قليلاً .. لا أريد ترك قومي .. لا أريد ترك الديار .. شيء ما يمسك بتلابيب ثوبي .. يدعوني للبقاء .. هيَّ تلة مهجورة تشكو برودة الصدأ والنسيان .. وأيلول مثلي متأرجح بين إقدام وإحجام .. وأنا على أبواب الخريف لا أستطيع أن أعدهم أنَّ في جعبتي غيمة صغيرة لا تزال تمطر قليلاً من الحب على جبال من الجليد .. فهل يذوب الجليد بقطرات من الدفء والحنان ؟
تعبت .. وتعب أيلول معي .. وتعب الفرار مني .. والخريف مكشراً عن أنيابه كي لا أتأخر بالعودة فيحين فصل الشتاء .. وغيمة صغيرة جداً تغمزني بطرف عينها .. وتلقي إليَّ بمظلة الهروب .. وقلبي حائر .. متردد .. خائف ..
هل يذيب الجليد بضع قطرات دافئة من الماء ؟

ميساء البشيتي 24 / 09 / 2013 00 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثالثة
ربما أصبحت عنيدة كأيلول .. وربما فُقته في العناد .. لم يكن من داعٍ لطرق أبواب الصعاب كما اعتدت كلَّ خريف .. ولم يكن من داعٍ كي أستسلم لرغبات أيلول في الجري والقفز بين المدِّ والجزرِ .. فماذا يضيرني لو استقبلت شهر مولدي وأنا متكئة على مقعد الياسمين .. أحتسِ قهوته .. برفقة الوقت ..
أعددت العدة للرحلة .. لم تثنني طول المسافات .. ووعورة الطريق .. وكثرة الحفر .. رحلتي كانت جلدية الملمس .. بارزة الحروف .. ذهبية اللون .. رحلتي كانت بين دفتّي كتاب .. كتاب من العسجد .. وقع بين يديَّ بالصدفة البحتة .. شدني إليه العنوان
" المذبوح " ..
لا أعلم لماذا وجدت نفسي تركض إليه .. حاولت أن ألقي في طريق خطواتي الهاربة مني إليه بعض الحجارة .. علها تتعثر منذ البداية .. فتعود لرشدها .. وتعود أدراجها إلى معاقل الخريف .. وتكفُّ عن مشوارها المستحيل في دروب الوحدة .. لكن عبثاً حاولت .. وعبثاً أحاول .. فأيلول يشدني من يدي ويلحُّ عليَّ في مشوار من العمر .. يهمس في أذني رجاءً يتلوه رجاء .. لم يبقَ من أيلول الكثير فتعالي معي ..
كتابٌ قدَّ من الحجارة .. أو أشدُّ قسوة .. أصلب من الصخر .. لكنه أحياناً كزبد البحر يرغي كثيراً وبسهولة .. فيغريني بمزيد من القفز .. وأنا التي كنت أحبُّ قراءة القصص الحالمة .. أعشق قصص أميرة الأحلام .. وفراشة الصباح .. وندى الفصول .. ماذا في كتابٍ يحمل عنوان " المذبوح " .. يغريني ؟

ميساء البشيتي 24 / 09 / 2013 00 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثالثة
ربما أصبحت عنيدة كأيلول .. وربما فُقته في العناد .. لم يكن من داعٍ لطرق أبواب الصعاب كما اعتدت كلَّ خريف .. ولم يكن من داعٍ كي أستسلم لرغبات أيلول في الجري والقفز بين المدِّ والجزرِ .. فماذا يضيرني لو استقبلت شهر مولدي وأنا متكئة على مقعد الياسمين .. أحتسِ قهوته .. برفقة الوقت ..
أعددت العدة للرحلة .. لم تثنني طول المسافات .. ووعورة الطريق .. وكثرة الحفر .. رحلتي كانت جلدية الملمس .. بارزة الحروف .. ذهبية اللون .. رحلتي كانت بين دفتّي كتاب .. كتاب من العسجد .. وقع بين يديَّ بالصدفة البحتة .. شدني إليه العنوان
" المذبوح " ..
لا أعلم لماذا وجدت نفسي تركض إليه .. حاولت أن ألقي في طريق خطواتي الهاربة مني إليه بعض الحجارة .. علها تتعثر منذ البداية .. فتعود لرشدها .. وتعود أدراجها إلى معاقل الخريف .. وتكفُّ عن مشوارها المستحيل في دروب الوحدة .. لكن عبثاً حاولت .. وعبثاً أحاول .. فأيلول يشدني من يدي ويلحُّ عليَّ في مشوار من العمر .. يهمس في أذني رجاءً يتلوه رجاء .. لم يبقَ من أيلول الكثير فتعالي معي ..
كتابٌ قدَّ من الحجارة .. أو أشدُّ قسوة .. أصلب من الصخر .. لكنه أحياناً كزبد البحر يرغي كثيراً وبسهولة .. فيغريني بمزيد من القفز .. وأنا التي كنت أحبُّ قراءة القصص الحالمة .. أعشق قصص أميرة الأحلام .. وفراشة الصباح .. وندى الفصول .. ماذا في كتابٍ يحمل عنوان " المذبوح " .. يغريني ؟

ميساء البشيتي 25 / 09 / 2013 04 : 05 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الرابعة
لم أعتد على قراءة صعبة إلى هذا الحد .. ولا أريد أن أمتحن أبجديتي فأرهقها صعوداً ونزولاً في مفردات كنتوءات الصخر .. أوكالنقش في الحجر..
" لم أستطع ابتلاع الغربة " .. قالها بصريح العبارة .. " لم أستطع هضم الغربة ".. ومن قال يا هذا "المذبوح " أنني أتقنت في يوم .. أو أنني سأتقن يوماً ما " ابتلاع الغربة " .. أو " هضم الغربة " ولكني لا أرتدي على وجهي ملامحَ من تراجيديا العصور الوسطى .. لا أصبغ شعرات رأسي بأقلام الفحم .. لا أتوضأ بالغيم .. ولا أصعد إلى السماء بسلالم من العتب .. فلمَ كل هذا النحيب وأنتَ برفقة حسناء آتية إليك من زمن الأحلام الوردية .. تحمل بين يديها زهرة برية من تلك العصور الغابرة .. وكوباً من القهوة المحلاة بالحليب وقطع السكر .. التي أصبحت أنتَ أحد ندّامها ومدمنيها ..
ومع ذلك .. مع كل هذه الصلابة في الحروف .. والوحدة التي تنبعث رائحتها العتيقة من الهوامش .. من الزوايا .. من بين السطور .. ومع أنني كلما فتحت هذا الكتاب شعرت بريح كآبة تهب في وجهي كأنها قادمة من بوابات الجحيم .. وتقول لي أغلقيه على مصراعيه .. أقفليه عن بكرة أبيه ..
لكني كأيلولية صعبة المراس .. يصعب التحكم في مزاجها المتقلب .. وفي مرادها الصعب .. وفي هواياتها منذ ألف عام وهي تسلق الصعاب كلعبة السيرك تماماً .. ولو كانت تلك اللعبة على حافة الهاوية ..
لم أصغِ لحديث أذني .. ولم أُعرِّ اهتماماً لأوامر العقل بأن أغلق هذا الكتاب وأعيده إلى مكانه بالرف .. بل أصرّيتُ على البدء في القراءة .. وعلى مهل .. لكن بعد قراءة بسيطة وسريعة ومتقلبة لعدد من الصفحات .. أخشى أن أقولها .. أنني بدأت أترك بين السطور شيئاً مني .. شيئاً من نفسي .. فأين أنت يا أيلول لتدركني ؟

ميساء البشيتي 25 / 09 / 2013 04 : 05 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الرابعة
لم أعتد على قراءة صعبة إلى هذا الحد .. ولا أريد أن أمتحن أبجديتي فأرهقها صعوداً ونزولاً في مفردات كنتوءات الصخر .. أوكالنقش في الحجر..
" لم أستطع ابتلاع الغربة " .. قالها بصريح العبارة .. " لم أستطع هضم الغربة ".. ومن قال يا هذا "المذبوح " أنني أتقنت في يوم .. أو أنني سأتقن يوماً ما " ابتلاع الغربة " .. أو " هضم الغربة " ولكني لا أرتدي على وجهي ملامحَ من تراجيديا العصور الوسطى .. لا أصبغ شعرات رأسي بأقلام الفحم .. لا أتوضأ بالغيم .. ولا أصعد إلى السماء بسلالم من العتب .. فلمَ كل هذا النحيب وأنتَ برفقة حسناء آتية إليك من زمن الأحلام الوردية .. تحمل بين يديها زهرة برية من تلك العصور الغابرة .. وكوباً من القهوة المحلاة بالحليب وقطع السكر .. التي أصبحت أنتَ أحد ندّامها ومدمنيها ..
ومع ذلك .. مع كل هذه الصلابة في الحروف .. والوحدة التي تنبعث رائحتها العتيقة من الهوامش .. من الزوايا .. من بين السطور .. ومع أنني كلما فتحت هذا الكتاب شعرت بريح كآبة تهب في وجهي كأنها قادمة من بوابات الجحيم .. وتقول لي أغلقيه على مصراعيه .. أقفليه عن بكرة أبيه ..
لكني كأيلولية صعبة المراس .. يصعب التحكم في مزاجها المتقلب .. وفي مرادها الصعب .. وفي هواياتها منذ ألف عام وهي تسلق الصعاب كلعبة السيرك تماماً .. ولو كانت تلك اللعبة على حافة الهاوية ..
لم أصغِ لحديث أذني .. ولم أُعرِّ اهتماماً لأوامر العقل بأن أغلق هذا الكتاب وأعيده إلى مكانه بالرف .. بل أصرّيتُ على البدء في القراءة .. وعلى مهل .. لكن بعد قراءة بسيطة وسريعة ومتقلبة لعدد من الصفحات .. أخشى أن أقولها .. أنني بدأت أترك بين السطور شيئاً مني .. شيئاً من نفسي .. فأين أنت يا أيلول لتدركني ؟

ميساء البشيتي 26 / 09 / 2013 35 : 07 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الخامسة

صحوت بعد قراءة بسيطة لعدد من الصفحات على نفسي تحدثني .. نعم إنه على حق .. ولكن كيف .. وهذا العالم الجميل يمدُّ إليه ذراعيه ليحتضنه وهو كالحجر أو أشد قسوة .. يسدل ستائر الظلام .. ويبكي كلَّ ليلة .. على فراش الوحدة .. ثم يقبّلُ في الصباح الباكر كوباً من قهوته المحلاة بالسكر ليمحو ما علق في جوفه من ظلام الأمس ..
لمَ كل هذا العذاب أيها " المذبوح " .. ولم تجرَّني خلفك معصوبة الإدراك .. مكتملة الولاء والانتماء .. وأنا التي لم أكن أنتمي إلاَّ إلى أيلول .. ولم أواعد إنسياً في يوم أو أحد من قبائل الجان .. فكيف يستميلني كتاب مهجور على أبعد رف .. ويجعلني أغرس له بين جدائلي ياسمينة قطفتها من ممرات الطفولة .. وأخبئ له بين كفيِّ أعواد المريمية والزعتر ؟
أنا ماذا أريد من كتاب أشبه بالصخر ..ولماذا أصبَحت الورود تفرش طريقي إليه بساطاً من السحر .. ولماذا أصبحتُ أرقص على قدم واحدة كإحدى أميرات البجع فيراني نوراً وضياءً وقمراً ينبلج بين الليل والليل .. ولماذا أصبحت أتسلل إليه كل ليلة خلسة عن عينيِّ أيلول التي تغطس في إغفاءة صغيرة على إحدى بوابات الكتب .. لأضيء إليه ليلاً كان يبكي طويلاً .. خلف المحيطات .. خلف القارات البعيدة .. خلف السحب .. وأقول له بملء الفم .. قهوتك في الصباح الباكر عندي ؟

ميساء البشيتي 27 / 09 / 2013 45 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الورقة السادسة

انتكاسة سريعة .. ككل الانتكاسات التي تصفعنا على حين غيرة حينما نحاول أن نقبّلَ عنوة وجه هذه الحياة .. أُغلق الكتاب في وجهي .. ربما عن سهوٍ منه أو مني .. وربما عن قصد منه .. لكنه أُغلق في وجهي .. ولن أقول أُغلق إغلاقاً محكماً حتى لا أكون واحدة من الذين شاركوا في ذبحه على مرِّ العصور ومختلف الأزمنة .. لكني أقول ربما كانت ردة فعل عابرة .. عنيفة بعض الشيء على سؤال بريء .. ليس بريئاً خالصاً من الخبث .. الخبث الذي يقفز فجأة في منقار عصفورة أيلولية تحاول طرق باب من الأبواب لأنها تظن أن الحلم الوردي مختبئ عنها داخله .. لم يكن سؤالاً شريراً بمعنى الشرِّ المستطير .. ولم يكن يحمل أي علامة أو دلالة من دلالات الشرِّ .. لكنه استنبط ذلك بفراسته النادرة التي لم أعهدها يوماً بين بني البشر ..
وطبعاً كان عليَّ أن أعيد المحاولة مرة أخرى فأنا عصفورة جبلت على الكرِّ والفرِّ .. ولا تركن إلى الهدوء والسكينة إلاَّ داخل ذلك الحلم الوردي .. داخل ذلك الباب .. فهل تواصل عصفورة أيلول الدق بمنقار من الخبث .. أم أنها ستجد لها حيلة أخرى تفتح من خلالها صفحة أخرى جديدة للقراءة .. دون أن تتسلل منها قُبّلة في غير وقتها .. فتمطر السماء حِمماً بركانية .. وتأكل نيران الغضب جميع لحظات الانتظار والصبر ؟


ميساء البشيتي 27 / 09 / 2013 46 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة السابعة
لم يطل انتظاري له .. فُتحت صفحة جديدة .. ينبعث منها بعض النور .. النور الذي يمكنني من قراءة السطور بشكل واضح .. قال لي بالحرف الواحد إقرأيني أيتها الفارسة فأنا منذ عصور أنتظر فارسة تأتيني على جناحيِّ الخريف لتقلبَ بين أناملها سنينَ من عمري كانت قد بدأت تسري على وجهها ملامح الصدأ ..
كان هادئاً .. بارداً .. وديعاً .. كحَمل وليد ينتظر والدته على باب السوق لتبتاع له " غزل البنات " .. أو قطعاً ملونة من حبات السكر ..
إقرأيني أيتها الفارسة .. قالها بصوت واضح ومسموع .. ولم أدخرُّ جهداً أنا .. فأخذت الورقة والقلم .. وبدأت برسم تقاطيع وجهه .. كنتُ أتأملها جيداً أثناء الرسم .. لم تكن تقاطيعَ تحمل البراءة كما راهنتُ عليها في داخلي عند البدء .. لكنها بالتأكيد لم تكن تحمل كلَّ تلك القسوة .. إذا فمن أين جاء بكل هذه الصلابة إن كانت تقاطيع وجهه بريئة تماماً من تلك اللعنة ..
لكنه يشبه أيلول أحياناً يزمجر دونما سبب .. أو ربما لسبب لا أدريه .. ثم يقلب الصفحة .. لماذا أيها " المذبوح ".. دعني أبقى قليلاً .. دع قلبي يستريح هنيهة فلقد أتعبني طول المشوار .. والنهاية .. لا أعلم أين هيَّ .. امنحني بعض الهدوء في ساحات عينيك المتسعة .. دعني أقيم بعض الوقت .. أقلب صفحات قلبك .. هل مرت أنثى قبلي من هنا أم أنني " السندريلا" الأولى التي تفكر جدياً بخلع حذاءها كتذكار .. وكبصمة جلية أنني يا نساء العالم أنا الوحيدة التي مررت بقلبه وكنت هنا .. ومن السابق لأوانه أن أقول أني عصفت به .. فلا يزال المشوار طويلاً .. طويلاً .. لكن ابتسامة منه دنت .. فأحالت السماء إلى أنجماً وشهباً ..

ميساء البشيتي 27 / 09 / 2013 48 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الورقة الثامنة
حتى في الكتب لا بد من صفعات توجهها أكفُّ الحياة لوجهي .. لماذا لا أدري .. ربما لأنها رأتني أقفز ككنغر بريِّ في حقول الزعتر .. ربما خشيت من دمار في حقول الزعتر .. دمار تقوده قدم كنغر بريِّ يتعلم القفز في حقول الزعتر ..
جلستُ وحدي .. عدت للجلوس وحدي .. الكتاب مغلق حتى إشعار آخر .. لكن ليس لذنب اقترفته .. بل هي الحياة تغار من كل امرأة تُثبت أنها قد تكون حياة أخرى .. لو في ظل كتاب ..
فكرت كثيراً كيف أعيد فتح الكتاب .. أيلول بعيد عني .. وحتى أيلول لا يمكن الاستعانة به في مثل هذه الأوقات .. في الأزمات أتصدر أنا وحدي لها .. فهو كتابي .. وهي قصتي .. وهي حياتي .. وأنا اعتدت على تلقي الصفعات كلما غارت مني هذه الحياة ورأت فيِّ أنثى تهدد فيها أسطح الوجود .. وتهدد فيها ومنها أزمنة البقاء ..
غارت مني الحياة .. باختصار شديد هذا ما حصل بالضبط .. وجدت الحياة فيه فارساً يرتدي خوذة العصور الغابرة .. وجدت فيه فارساً وهبها إياه التاريخ فكيف يفرُّ من بين يديها .. وإن كانت تنكلُّ به .. وتُذيقه العذاب أصنافاً وألواناً .. ألا إنه عزَّ عليها أن تفقده .. ولمن .. لأنثى ظهرت فجأة وأخذت تسحب من تحت أقدامها البساط ؟
هي الحياة .. وغيَرة الحياة .. وحِقد الحياة .. ولكن هل تنتصر عليَّ الحياة ؟



ميساء البشيتي 03 / 10 / 2013 03 : 08 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الورقة التاسعة
لا قدرة لي على مجابهة الحياة .. كنت أريدها رحلة شيقة في ظل خريفٍ كنتُ أظنّه لي .. ما كنتُ أريدها حرباً شعواء مع هذه الحياة .. ليس استسلاماً مني .. أو تقهقراً إلى جاهلية سلفت .. لكنه خوف وخشية على هذا الكتاب .. هو لم يستأمني على حياته .. لم يودعها بين يديَّ أمانة .. لكني أنا دائماً من أنَصّبُ نفسي المسؤولة عن كل نفسٍ في هذه الحياة ..
الحياة تغارُ مني .. الحياة تكيلُ لي .. الحياة أقوى مني .. الحياة شرسة وأنيابها غليظة جداً .. ولكن بصدق كل هذا لم يهمني لو حركَّ هو ساكناً .. هو لم يحركّ أيُّ ساكنٍ .. ولم ينبسَّ ببنت شفة .. فكيف أخوض حرباً ضروساً كهذه وأنا لم أتلقَ منه وعداً بلقاء .. كيف أقف نداً لند لهذه الحياة وهو لم ينظر في عينيِّ مرة واحدة .. ولم يقرأ إصراري على البقاء .. هو لم يفهم تعنتي ورغبتي بقراءته .. ولم يدرك أنني قادمة في رحلة سريعة .. عبر طيات كتاب ..
ولكني لم أتخيل أنها سريعة إلى هذا الحد .. وأن سلالي ستعود فارغة من العنب .. وكل ما أضفته إلى حياتي خصماً جديداً .. هو هذه الحياة .
خصيمتي هذه الحياة .. لم يتسع الوقت لأخبره بهذا .. لأحذره من أنَّ الحياة قد تنقض علينا فجأة فتمزق بأنياب الغيرة كل ما غزلناه .. لكنه أُغلق فجأة .. طُويت صفحاته في وجهي .. ولم يبقَ ظاهراً إلا العنوان " المذبوح " ..
فهل أصبحنا برمشة عين اثنين ؟
إنها مشيئة القدر أن ننتهي قبل أن أبدأ .. قبل أن أقول كلمتي في حضورك .. وقبل أن أسمعها منك تسري في أوصالي فتدب في مسامات روحي الحياة ..
كم تخيلتها بألوان الفرح .. بألوان الطيف .. بألوان السعادة .. كم تخيلت نظراتي إليك ساعتها .. وكيف سترقص طرباً حين تداعبها كلمة خرجت من صدرك لأول مرة .. كم رسمتها في دفتري نجوماً وأقماراً .. وكم نبت منها غصون وفروع .. فكيف سأجتث كل أحلامي .. وأعود من حيث أتيت فارغة الأحلام واليدين والقلب ..
ولكن مع خصم جديد هو هذه الحياة .

ميساء البشيتي 03 / 10 / 2013 05 : 08 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة العاشرة
فقدت الأمل في البقاء و كان عليَّ أن أُعدَّ نفسي للرحيل .. وكيف أرحل وقد بقيَّ جزء مني هنا .. بين طيات هذا الكتاب ..
لا أعلم لماذا أتيت .. ولكني أتيت وانتهى هنا الأمر .. وأردت المكوث بين أضلع هذا " المذبوح " ولكن الحياة لم ترد .. فكيف أمضي وقلبي لا يزال قلبه هنا .. ورمشه معلق على نسمة قد تمرُّ على غفلة من القدر فتفتح لي صفحة جديدة .. وأعيد تثبيت عيوني مرة أخرى على أول السطر ..
لا يزال قلبي يخفق .. ونبضاته تتسارع .. ولا يزال الحلم في روحي يحدثني بأن هناك شيئاً ما بالأفق .. ولكني لا أراه .. أحسه ربما .. صوت من خلف المحيطات .. يقول ابقي هذا المساء .. وكل مساء .. لا تدعي الليل ينال مني .. لا تدعي الوحدة تلتهمني كلقمة سائغة على مائدة العشاء ..
ولكن اللغة لا تسعفني .. لغتك أيها " المذبوح" قدَّت من الصخر .. وأنا لغتي مياسة .. حنونة .. صارخة البهجة .. تلائم جميع طقوس الفرح .. فكيف ستُعانق لغة من الصخر .. لغة تتراقص تيهاً وفرحاً على أبواب الحلم ؟
هل كان يتوجبُّ عليَّ الحذر .. هل كان عليَّ أن أقف في بابه طويلاً وأمعن النظر .. وألاَّ أرتب حروفه وهي تسير تجاهي كما أشاء وأهوى .. بل أتركها تمشي في دلالها .. كما هي تشاء .. دون شارات مني .. دون دلالات أو إمارات .. فالتكهن هنا لم يُجدِ .. وذكائي المفرط ُ لم يفدِّ .. فكيف أطوي صفحة .. وأنهي رحلة .. كانت ستكون شهراً من العسل ؟

ميساء البشيتي 03 / 10 / 2013 06 : 08 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الحادية عشرة
كيف تضعنا الحياة فجأة على حافة الاختيار .. كنتُ دائماً أرى أن أيلول هو الوحيد القادر على أن يكون ظلِّي .. أختلف معه .. ويختلف معي .. لكننا لا نف
ترق .. ويبقى ظلِّي الذي يلازمني طِوال الوقت ..
" المذبوح " كان سرّاً استعصى على الفهم .. استعصى عليَّ فك رموزه .. كان أقوى من عاصفة هوجاء .. أكثر حماسة من نشيد بلادي .. وكان أرق من معزوفة صيفية حالمة غادرت أبواب الصبا تبحث عن العشق في ديار الجوار .. " المذبوح " كان قصة كاملة متكاملة تبدأ من قطف أوراق الوردة .. وتنتهي بتكليلي بتاج من الندى .. فكيف أغلق قصة عشق جادت بها السماء وبخلت فيها الأرض ..
كيف أدع الحياة تضع براثنها على كل ما أحبُّ .. وأنسحب أجرُّ أذيال الخيبة والفشل ..
وقلبي هذا المسكين الذي بدأ يبني قصوراً في الهواء .. وقلاعاً على الرمل .. كيف أقنعه .. وأنا لكتاب .. لعدد من الصفحات .. لم أستطع أن أقنع ..
ومع ذلك أيها " المذبوح " تأكد أنك كنت أيلول آخر .. قد أحتاج فصولاً من العمر .. حتى أستسلم لفكرة أن أعيدك إلى مكانك بين الكتب في آخر رف ..
قد نلت مني أيها " المذبوح " وأصبحتُ على رمشك أنام .. وعلى رمشك أصحو ..
فهل هذا يكفي ؟

ميساء البشيتي 30 / 10 / 2013 51 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثانية عشرة
أشغل نفسي بصغار الأشياء .. أخرج إلى الحديقة في ساعات الاحتراق .. أرش الماء على نباتات ليست ظمأى ظنّاً مني أني أحييها .. أحادث طيوراً غريبة تحط على سور الحديقة .. ألقي إليها ببعض الحَب فتنثره في طريقها وتمضي .. ولا أحزن على مُضِيّها .. ولا آسف على ذلك .. أحاول قبض الهواء بين كفيَّ بحركات بهلوانية .. يفرُّ الهواء وتبقى كفايَّ فارغة إلا من أثار غريبة .. أثار تصفح كتاب غريب .. تلاحقني آثاره إلى الحديقة .. إلى السور المجاور .. إلى كمشة الهواء .. إلى رئتيِّ .. إلى حجرة نومي .. تختبئ تحت وسادتي وتبعثر أحلامي كما بعثرت الطيور الغريبة ما ألقيته إليها من حَبٍّ .. فهل أنت يا كتابي طير من هذه الطيور الغريبة التي تنقرُّ بمنقارها كل شيء ثم تمضي دون أن تترك خلفها أثراً ..
أذرع الطرقات جيئة وذهاباً مع أنك لست هنا .. ولن ألتقيك في هكذا طرقات .. ومع ذلك أذرعها بلا وعيٍّ مني كأنني على موعدك معي .. قد تأخرت قليلاً .. قد لا تأتي .. وأنتَ لا تدري بيِّ .. أو بموعدي .. وربما كنتَ تدري بكل هذا كما حدثني إحساسي بك وحدثني قلبي .. وأنك تنظرُّ إليَّ من خلف نظارتك العتيقة التي تقف كالسدِّ بيني وبينك .. ومع ذلك لم أطلب منك أن تتخلى عنها في وجودي .. ولم أتعمد أن أخفيها عنك حين أتيح لي ذلك ..
لم تكن مشكلتي مع الرؤية .. أو في الرؤية .. لأنني كنت أظن أن الأرواح هي التي تتلاقى .. وأن الأرواح هي جنود مجندة .. وأن القلوب هي التي تتحدث .. والمشاعر هي التي تشاهد وتتابع وترى .. وكما ترى كل شيء ذهب سُدى .. بعثرته الريح .. ريح أيلول التي لم تهبَّ من أرضها أصلاً .. وأصبحت أهرب إلى صغار الأمور خوفاً من أن أعلق صورتك على أحدى جدران قلبي .. وأعلنك للملأ .. بأنك أصبحت منذ اللحظة .. قصة حبي ..

ميساء البشيتي 30 / 10 / 2013 51 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثانية عشرة
أشغل نفسي بصغار الأشياء .. أخرج إلى الحديقة في ساعات الاحتراق .. أرش الماء على نباتات ليست ظمأى ظنّاً مني أني أحييها .. أحادث طيوراً غريبة تحط على سور الحديقة .. ألقي إليها ببعض الحَب فتنثره في طريقها وتمضي .. ولا أحزن على مُضِيّها .. ولا آسف على ذلك .. أحاول قبض الهواء بين كفيَّ بحركات بهلوانية .. يفرُّ الهواء وتبقى كفايَّ فارغة إلا من أثار غريبة .. أثار تصفح كتاب غريب .. تلاحقني آثاره إلى الحديقة .. إلى السور المجاور .. إلى كمشة الهواء .. إلى رئتيِّ .. إلى حجرة نومي .. تختبئ تحت وسادتي وتبعثر أحلامي كما بعثرت الطيور الغريبة ما ألقيته إليها من حَبٍّ .. فهل أنت يا كتابي طير من هذه الطيور الغريبة التي تنقرُّ بمنقارها كل شيء ثم تمضي دون أن تترك خلفها أثراً ..
أذرع الطرقات جيئة وذهاباً مع أنك لست هنا .. ولن ألتقيك في هكذا طرقات .. ومع ذلك أذرعها بلا وعيٍّ مني كأنني على موعدك معي .. قد تأخرت قليلاً .. قد لا تأتي .. وأنتَ لا تدري بيِّ .. أو بموعدي .. وربما كنتَ تدري بكل هذا كما حدثني إحساسي بك وحدثني قلبي .. وأنك تنظرُّ إليَّ من خلف نظارتك العتيقة التي تقف كالسدِّ بيني وبينك .. ومع ذلك لم أطلب منك أن تتخلى عنها في وجودي .. ولم أتعمد أن أخفيها عنك حين أتيح لي ذلك ..
لم تكن مشكلتي مع الرؤية .. أو في الرؤية .. لأنني كنت أظن أن الأرواح هي التي تتلاقى .. وأن الأرواح هي جنود مجندة .. وأن القلوب هي التي تتحدث .. والمشاعر هي التي تشاهد وتتابع وترى .. وكما ترى كل شيء ذهب سُدى .. بعثرته الريح .. ريح أيلول التي لم تهبَّ من أرضها أصلاً .. وأصبحت أهرب إلى صغار الأمور خوفاً من أن أعلق صورتك على أحدى جدران قلبي .. وأعلنك للملأ .. بأنك أصبحت منذ اللحظة .. قصة حبي ..

ميساء البشيتي 30 / 10 / 2013 52 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثالثة عشر
" اليوم عاد .. كأن شيئاً لم يكن " هبّت ريح صغيرة .. فُتح الكتاب .. صفحة جديدة .. عليها دمعة وزفرة وبعض من عصبية جارفة .. ركضتُ إليه .. مسحتُ الدمعة .. وبددت الزفرة .. وحاولت أن أهدئ من روع تلك العصبية ..
لا ذنب له .. نعم أدركت ذلك من عصبيته .. ربما كان الحق على أيلول فهو دائم الغيرة والشك وافتعال المشاكل .. ربما كان أيلول هو من أغلق الكتاب ..لا أستبعد على أيلول أفعال كهذه فرياحه دائماً تنثر كل أوراقي .. وتبعثر كل أحلامي إن كانت تؤرقه أو تقض له مضجعاً ..
من أين ستبدأ .. سألته بدلال وخبث خريفي بامتياز ..
من العنوان .. من " المذبوح " .. ممن ذبحني من الوريد إلى الوريد .. ممن دس سكينه في بطانة روحي فأرداها ممزقة الفؤاد .. ممن عبث في تلابيب عمري فأصبحت فصلاً واحداً .. خريف دائم .. لا ربيع له ولا صيف .. لا شتاء يدغدغ برموشه أبواب الحياة .. إنما خريف إثرَ خريف ..
ولكن .. وغمزني بطرف عينه كأنه يوصلُ إليَّ رسالة ما .. كان هذا أجمل خريف .. وضحك باقتضاب .. وتابع .. كانت علامات الحزن تتبع كل جملة ..
كاد أن يتوقف قلبي عن النبض لشدة الحزن المتراكم على الصفحات ..لأول مرة أحتار .. هل أعود أدراجي .. وأقفل الكتاب .. وأنسى كل ما حصل .. وأعتبر أن كل ما كان .. كان مجرد حلم .. وذهب لحال سبيله ..
أم أبقى بجوار قبرٍ من الأحزان .. لا يكفُّ عن النحيب .. ولا يرى شيئاً في الوجود جميلاً ..
أتيت لأزرع زهرة من الفل على إحدى التلال المنسية هناك خلف المحيطات .. فإذ بيِّ أزرعها على قبر متحرك من الأحزان ..

ميساء البشيتي 30 / 10 / 2013 53 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثالثة عشرة
" اليوم عاد .. كأن شيئاً لم يكن " هبّت ريح صغيرة .. فُتح الكتاب .. صفحة جديدة .. عليها دمعة وزفرة وبعض من عصبية جارفة .. ركضتُ إليه .. مسحتُ الدمعة .. وبددت الزفرة .. وحاولت أن أهدئ من روع تلك العصبية ..
لا ذنب له .. نعم أدركت ذلك من عصبيته .. ربما كان الحق على أيلول فهو دائم الغيرة والشك وافتعال المشاكل .. ربما كان أيلول هو من أغلق الكتاب ..لا أستبعد على أيلول أفعال كهذه فرياحه دائماً تنثر كل أوراقي .. وتبعثر كل أحلامي إن كانت تؤرقه أو تقض له مضجعاً ..
من أين ستبدأ .. سألته بدلال وخبث خريفي بامتياز ..
من العنوان .. من " المذبوح " .. ممن ذبحني من الوريد إلى الوريد .. ممن دس سكينه في بطانة روحي فأرداها ممزقة الفؤاد .. ممن عبث في تلابيب عمري فأصبحت فصلاً واحداً .. خريف دائم .. لا ربيع له ولا صيف .. لا شتاء يدغدغ برموشه أبواب الحياة .. إنما خريف إثرَ خريف ..
ولكن .. وغمزني بطرف عينه كأنه يوصلُ إليَّ رسالة ما .. كان هذا أجمل خريف .. وضحك باقتضاب .. وتابع .. كانت علامات الحزن تتبع كل جملة ..
كاد أن يتوقف قلبي عن النبض لشدة الحزن المتراكم على الصفحات ..لأول مرة أحتار .. هل أعود أدراجي .. وأقفل الكتاب .. وأنسى كل ما حصل .. وأعتبر أن كل ما كان .. كان مجرد حلم .. وذهب لحال سبيله ..
أم أبقى بجوار قبرٍ من الأحزان .. لا يكفُّ عن النحيب .. ولا يرى شيئاً في الوجود جميلاً ..
أتيت لأزرع زهرة من الفل على إحدى التلال المنسية هناك خلف المحيطات .. فإذ بيِّ أزرعها على قبر متحرك من الأحزان ..

بوران شما 30 / 10 / 2013 14 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الأخت الغالية الأستاذة ميساء البشيتي

أتابع بكل شغف ومحبة هذه الأوراق الأيلولية الرائعة , وهذا البوح الخريفي
الشفاف والصادق ,
محبتي وفائق التقدير .

ألبير ذبيان 04 / 11 / 2013 02 : 11 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
يستبيح الصمت أروقة المحال على شفاه الحرف...عنوة وضراوة وإمعانا..!
هو الإرهاق حدَّ فرط الاحتمال! كما أن المساءات تحتمل الرهبة حد الجنون..
هو أريحيةُ الخيال مجوناً وتفرساً في محيا الأمل القابع تحت سلطة الحياة..
لماذا كلما عاود التفاءل رمقاً يكتنفه الظن أبعد من سدرة الارتياب، طأطأ الشعور مثاقلاً كأن الموت بات قاب قوس وتين المعاني والأحاسيس؟!
وبماذا برر الانكفاء لخفوق القلب عن ضخ المآمل واليقين في مسارب التطلع للأمام؟! فما عادَ من أمامٍ أو؛ على الدنيا السلام!
محيرةٌ هي ملالة الفصول! تدور حول بؤرة المشاعر كل حين، وتأبى على الروح رفادة القريرة ودعة السكينة والارتياح!
أيبقى الخريفُ ماجنَ الأطيافِ مبتدَع الوطء رصين المضامين؟ رغم كلالة الأيام وزهدها قزحية التلونِ بمشاعر الأنام..
وعجيبٌ أنت أيها الضمير..! تلوِّح للمنى المبتعدة عنك حدود المجرةِ آملاً ولو على مضض من المستحيلِ بمنحة اللقاء!



سلمت الأنامل أديبتنا الراقية أ.ميساء
بوح قصصي شعوري عميق ووارف الظلال
امتد بي أفقا بعيدا قريباً في فضاءات الذاكرة الملقاة بين الواقع واللاشعور...

ميساء البشيتي 11 / 11 / 2013 11 : 01 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
غاليتي بوران
أهلا بك وكم أحببت حضورك هنا
فأنا أحتاج أحبتي يقرؤون معي هذا الخريف اللغز
شكرا لك ودمت بألف خير

ميساء البشيتي 11 / 11 / 2013 11 : 01 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
غاليتي بوران
أهلا بك وكم أحببت حضورك هنا
فأنا أحتاج أحبتي يقرؤون معي هذا الخريف اللغز
شكرا لك ودمت بألف خير

ميساء البشيتي 11 / 11 / 2013 17 : 01 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الأديب العزيز ألبير ذيبان
أهلا وسهلا بك وسط ركام هذا الخريف الهائل
الخريف ليس فصلاً من الفصول يمشي ويتبختر من حولنا
بل الخريف كائن يسكننا ويسري في دمنا ويخرج مع كل نفس من أنفاسنا
ما أصعب أن تلتقي بمن يودع الحياة .. يشعرك بالعجز التام ..
حيث لا تستطيع أن تولي وجهك وتمضي .. ولا تحتمل أيضاً البقاء ..
الموت ليس نعشاً يزف فيه الميت إلى مكان آخر وراء هذه الحياة
بل الموت سلوك وطبع يعيشه البعض لأنه لم يعد يرى الحياة ..
الخريف هنا كان أصعب من كل خريف لأنه أصلاً قدم على خريف أكبر منه ..

الأديب العزيز أ. ألبير
شرفتني بهذه الزيارة الغالية
وسعدت أنك ممن شاركوني صدمة هذا الخريف
شكرا لك من جوانية القلب .. القلب الذي يتمنى لك كل الربيع ..
بعيداً عن ربيعنا ..بعيد عن كل صفات الربيع التي لا تمت إليه بصله ..
كن بألف خير دائماً .

ميساء البشيتي 11 / 11 / 2013 18 : 01 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
الأديب العزيز ألبير ذيبان
أهلا وسهلا بك وسط ركام هذا الخريف الهائل
الخريف ليس فصلاً من الفصول يمشي ويتبختر من حولنا
بل الخريف كائن يسكننا ويسري في دمنا ويخرج مع كل نفس من أنفاسنا
ما أصعب أن تلتقي بمن يودع الحياة .. يشعرك بالعجز التام ..
حيث لا تستطيع أن تولي وجهك وتمضي .. ولا تحتمل أيضاً البقاء ..
الموت ليس نعشاً يزف فيه الميت إلى مكان آخر وراء هذه الحياة
بل الموت سلوك وطبع يعيشه البعض لأنه لم يعد يرى الحياة ..
الخريف هنا كان أصعب من كل خريف لأنه أصلاً قدم على خريف أكبر منه ..

الأديب العزيز أ. ألبير
شرفتني بهذه الزيارة الغالية
وسعدت أنك ممن شاركوني صدمة هذا الخريف
شكرا لك من جوانية القلب .. القلب الذي يتمنى لك كل الربيع ..
بعيداً عن ربيعنا ..بعيد عن كل صفات الربيع التي لا تمت إليه بصله ..
كن بألف خير دائماً .

ميساء البشيتي 14 / 11 / 2013 08 : 01 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الرابعة عشر
وبكى .. بكى بكاءً مرّاً مريراً .. بكى الأهل والأحباب .. بكى الرفاق والخلاّن .. بكى الأماكن التي عشقها في طفولته وصباه .. بكى كل من تخلى عنه .. وتنكر له بعد أن غادرت قدميه قسراً أرض الديار .. بكى نفسه كيف عاش غريباً .. وكيف سيموت وحيداً في رقعة منفية .. حيث تتجمد عند حدودها الشمالية شرايين القلب ..
عاش غريباً .. يتنقل بين المنافي .. يشرب حسرة الغربة كل صباح على مقهى غريب .. في منفى لا يعرف عنه شيئاً .. سوى أنه بديلاً للوطن .. ومن منفى إلى منفى .. مضى العمر غريباً .. وحيداً .. منفياً .. مذبوحاً ..
لم يفلت منفى واحد من قبضة يده .. ولم يكن في حقيبته سوى حلم واحد هو الوطن .. جبال الوطن .. سهول الوطن .. أشجار البرتقال هناك .. وحقول الميرمية والزعتر ..
من خُلقَ تتنفس رئتاه أريج البرتقال وعبق الياسمين .. ويفتح عينية كل صباح على حقول الميرمية والزعتر .. لا يستطيع أن يقتنع بأن أزهار التوليب قد تحمل بين كفيّها رائحة الوطن كزهر الياسمين الذي بقيَّ منتظراً عودته في صحن الدار .
على حافة الموت كل شيء يبدو مختلفاً .. تقفز إلى الذاكرة صور قديمة .. عزيزة على القلب .. يتمنى المرء لو يمدُّ إليها أنامله من جديد فيداعب عمره الذي سكن فيها .. ليوقظه .. ليؤنسه في لحظاته الأخيرة ..
أيهما أشد مرارة .. الموت كصفعة نتلقاها في صباح بارد .. أم لحظات ما قبل الموت حين تغدو كل الأشياء باردة وبعيدة وصوتها مبحوح ؟
سؤال سألته كثيراً .. وأسأله الآن وأنا أرى وأشاهد وأتابع كيف يتجرع هذا المذبوح لحظاته الأخيرة .. كيف يستقبل الموت بصدره العاري إلا من أحلامه .. بشجاعة الشجعان .. وبسالة الفرسان .. وبحقيبة ممتلئة بكلمات الوداع .. لكنه كان يريد فقط .. كان يحلم فقط بسؤال يأتيه من بعيد .. سؤال ليس من الحقيبة أو من الحلم أو من الذاكرة .. سؤال يأتيه من أهل الأرض يقول فيه .. كيف الحال ؟

ميساء البشيتي 27 / 11 / 2013 57 : 07 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الخامسة عشرة

انقطعت الأخبار .. أخشى أنه لم يعد هنالك أخبار .. أخشى أنه لن يَردُني بعد الآن أي خبر .. حالة غريبة أمرُّ فيها .. أنا خارج الزمان وخارج المكان وخارج الفصول وخارج الخريف وخارج أيلول .. أنا فقط شاهدة على الموت .. من أعلنني شاهدة على الموت .. وأنا ما قدمت إلا لأزرع الحب على تلك التلال ؟!
أهو السراب .. لم أعرف السراب يوماً .. أجد خيوطاً تلمع على أرض قاحلة حين تتوسط الشمس كبد السماء .. ولكن هذا لا يعنيني أبداً .. فلم أكن يوماً ممن يلحقون السراب .. أو يجرون خلفه .. أو ممن يحاولون القبض عليه بين كفيهم .. وعضِّه بالأنياب ..
أنا لا أسير إلاَّ بخطى ثابتة .. واضحة .. مفهومة .. تنحدر من أبجدية راسخة جذورها تحت سابع أرض .. تعانق سنابلها السماء في سمو رسالتها فتكاد تلامس الشُهبَ .. أنا أتبع قلبي .. مرسالي هو قلبي .. قلبي حدثني بل أمرني أن أتجه نحو تلك التلال .. لم أعصِ لقلبي أمراً في يوم .. ولا أذكر أنني كنت من جحافل المتمردين .. أنا دائماً رهن شارته وطوع بنانه .. يعذبني أحياناً بل كثيراً كثيراً .. لكنني لم أحطم قلباً وجَّه لي في يوم ما نداء استغاثة .. لم أكسر خاطر وردة .. لم أجرح مشاعر ياسمينة .. فكيف لا ألبي نداء قلبي وهو الذي فُطر على المحبة والدفء والحنان ..
حملت بين يديَّ مجموعة أزهار منها الأبيض ومنها الوردي ومنها الأزرق وعادة لا أحمل أزهاراً بلون الدم فأنا أذهب لأنشر السلام والأمن والحب والحنان .. ألوان الطيف أرسمها على محيا من يقابلني وأبقى في جواره إلى أن تتدخل الحياة وتأمرني بالخروج فأخرج .. وعادة أترك قطعة من قلبي هناك ..
اليوم أنا أقف متسمرة في مكاني .. والأزهار بين يديَّ ترتجف .. لم يقطف منها زهرة .. والكلمات تتحشرج في الحلق .. يريد أن يقول كثيراً ولكن اللغة لا تسعفه فهي تستلقي على سرير الإنعاش .. وأنا بين وجوم وذهول .. جلست القرفصاء .. أنتظر أمر السماء .

بوران شما 27 / 11 / 2013 20 : 10 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
ما زلتُ أتابع أوراقكِ الأيلولية وبوحكِ الخريفي الحزين
بكل شغف ومحبة ,
بانتظار المزيد من هذه الأوراق , متمنية لكِ كل التوفيق
والازدهار والإبداع .
ودمتِ بألف خير .

ميساء البشيتي 29 / 11 / 2013 56 : 05 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
حبيبتي بوران
دائماً حاضرة
هذه السلسلة تعني لي الكثير
وأحب جداً أن يكون كل أحبتي هنا
شكرا لك غاليتي
ودومي

رشيد الميموني 11 / 12 / 2013 56 : 05 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
[align=justify]اليوم عاد .. كأن شيئا لم يكن .."
هذه العبارة هي أجمل ما يلخص أوراقك المتألقة ميساء لأنها تحوي على بصيص الأمل الذي يأبى إلا أن يعشش في الصدور وكأني بأوراقك تصيح ."اليوم عاد .. وإن لم يعد فسوف يعود غدا كأن شيئا لم يكن .."
هل تدرين يا ميساء أنك بحديثك عن أيلول وما يطبعه في الأذهان من صورة حزينة للخريف ، قد جعلت منه خريفا مختلفا .. بل ربما صار هذا الخريف كل فصول السنة .. فاخضر وتوهج واصفر وذبل ثم اكفهر قبل أن يينع من جديد ..
أوراقك أضفت سحرا على متصفحك ، وخريفك طبع بصمته فينا فكان لابد أن ننتشي بعبقه وأريج بوحه ..
دمت بكل الألق المتأصل فيك ..
مع باقة ورد تليق بك .[/align]

ميساء البشيتي 18 / 12 / 2013 36 : 03 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
أهلا بك رشيد
نعم الأمل موجود وبدونه القلم لن يكتب شيئاً ..
حتى لو كان الأمل ضعيفاً لكنه يبقى موجوداً
سعدت أنك كنت هنا فالخريف وأيلول هما متنفسي طوال العام
وهما يلهماني بمعظم ما أكتب حتى أنني أنتظرهما دائماً ..
في كل أيلول يهديني هدية الميلاد وهديته هذا العام كانت هذه السلسلة
لم يبقَ لها الكثير لتنتهي فأرجو أن تستمتع بها حتى النهاية
وشكرا

ميساء البشيتي 18 / 12 / 2013 39 : 03 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة السادسة عشرة
دبَّت الروح فيه فجأة .. انتفض في مكانه .. ونفض عنه كل ما كان يكسوه من غبرة الموت .. وقال اسقني من ماء الحياة .. فقدَّمت إليه كوباً صغيراً كان هو كل ما بين يديَّ ساعتها .. شربه دفعة واحدة .. ربما لم يروِ ظمأه .. ربما كان يحتاج المزيد .. لكنه لم يطلب .. بل اعتدل في جلسته .. ثم قام إلى علبة سجائره الملقاة بإهمال على طاولة تراكمت عليها الكتب والأوراق التي سال عليها بعض الحبر ..
سحب نفساً عميقاً من سيجارته وكأنه يسحب معه هذه الحياة من جذورها .. أنا لا زلت مشدوهة البصر .. تعتريني كل علامات الدهشة .. كيف استيقظ من نومته التي كنت أظنها النهائية وقفز كأسد يتوعد فريسة .. وها هو يبدأ الحديث عن نفسه .. ولا يتوقف .. وأنا أنظر إليه بدهشة واستغراب ..
كل ما يقوله مهماً جداً .. وأكاد أسمعه لأول مرة .. ربما أكون سمعته من قبل .. لكنه يخرج منه بحلّة مختلفة .. حلّة جديدة .. أنيقة .. غاية في الترتيب والثقة .. لم يتكلم عن الموت .. عن الحزن .. عن الكآبة .. بل أخذ يتكلم في الميتافيزيقيا ..
نعم أحببت أن أسمع .. كم مضى عليَّ وأنا أعاني من تلوث سمعي .. فأنا آتية من بلاد .. ومن أقوام يعانون مثلي من التلوث السمعي .. وكنَّا نظن أننا لن نشفى منه .. ولكنّي الآن بدأت أتحسن .. وبدأت أذناي بالتقاط الحروف الجيدة للسمع .. الحروف المحسِنة للسمع .. ربما بدأت كقطرات صغيرة ترش بعناية فائقة قرب طبلة الأذن .. لكنها أثبتت أنها ذات كفاءة عالية لمعالجتي من التلوث السمعي ..
ولامني .. وأكثر من لومي .. ولكن في بضعة حروف .. لماذا تأخرتِ .. لماذا لم تسألي عني من قبل ؟
صدمني السؤال كما صدمني كل شيءٍ قبله .. ولم أجد إجابة واحدة أرسمها على شفتيِّ حين نظر إليَّ يريد إجابة ممن قطعت كل تلك المسافات لتزرع وردة .. فهل هذا يكفي .. وهل هذه إجابة تقنع هذا " المذبوح " بعد أن عاد إلى الحياة .. وعادت إليه الحياة .. أنني ما أتيت إلا لأزرع وردة .. فكان هو النبع الذي أسقيت منه الوردة .. وأسقيت روحي التي كانت على حافة الظمأ .. ولكنها لم تكن تدري .

ميساء البشيتي 29 / 12 / 2013 23 : 08 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة السابعة عشرة
ربما لم تكن قد دبَّت الروح فيه من جديد .. وربما كانت الحياة تعطيه فرصة صغيرة ليُخرج ما في جوفه من لآلىء ودرر .. وينثرها على السطح .. قبل أن يغفو من جديد .. ويذهب في نوم قد يطول أو يقصر حسب مشيئة القدر .
وأنا أصبحت لقمة سائغة في فم القلق .. يلوكني القلق على مهله .. يعصرني بين أسنانه .. ثم يبقيني في فمه كالوتد.. لا يبتلعني فأستريح منه وأريحه .. ولا يخرجني فأفرُّ إلى حيث أجدُ شارة أو علامة أو دلالة ترشدني إلى أنه قد عادت به الحياة حقاً أو أوشكت .
أنا التي وُلدتُ ثورة في قومي , كيف استحلت بين يديه إلى زهرة ؟
في الصباح أكون له بيضاء بلون الإشراق .. وحين تستوي الشمس في كبد السماء أصبح بلون الشفق .. وعند المساء أغدو بلون الشعاع فأضيء إليه كل مساحات العتمة ليكتب على أوراقي سِفر حياته قبل ألف نكسة ونكبة وشتات .
كيف تضطرب السماء فجأة .. وكيف يكسوها الحزن .. وكيف تسكن إلى حزن نبيل .. بينما تقفز الأرض دون أن يعتري قفزها ما يعيق ؟
ما أشدُّ نبلك أيتها السماء .. وما أفظع جرأتك أيتها الأرض ؟
قد كان هنا .. كان على الأرض وبين يديك .. لكن السماء تألمت عليه أكثر منك .. ولبست عليه ثياب الحزن وبرقع الحداد ..
وأنتِ أيتها الأرض الفاضلة أصبح بالنسبة إليك كأن شيئاً لم يكن .. كأنه لم يكن .. أليس هذا "المذبوح " أحد أبناؤك البررة .. فلمَ تقسين عليه ؟
أليس هو من أضاع عمره وهو يرسمك حرفاً بحرف على نوافذ الغرباء .. ثم يضع إصبعه على تنوين الجرح .. ويصرخ في وجوههم .. هذه هيَّ بلادي بكل خيامها وروابيها .. فكيف تتنكرين له بعد كل هذا .. وتستمرين في جريك الدؤوب خلف ظلك المشبوه " الحياة " .. ولا تقفين برهة صمت تتفقدين فيها من غاب من أبناؤك .. ومن حضر ؟
يمرُّ الوقت .. ويلوكني القلق .. وتستمر الأرض بالقفز .. والحياة بالغدر .. والسماء في حزنها النبيل .. ويستمر "المذبوح " بين الحياة والألم .. إلى أن يشاء القدر ..

رشيد الميموني 29 / 12 / 2013 02 : 09 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
من يقرأ هذه السلسلة المتداعية الواحدة تلو الأخرى كأمواج البحر يتمنى ألا تتوقف .. لأن في هدير الأمواج راحة نفسية وتفاعل مع البحر في سكونه ثورته ..
أحييك ميساء على نفسك الطويل وملكتك الأدبية المتمكنة ةلا عجب فأنت سيدة الخواطر بلا منازع ..
ودي وورودي .

ميساء البشيتي 13 / 01 / 2014 06 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 
وأنا أيضا أحييك رشيد
وأشكرك على طيب تفاعلك وتواصلك الكريم
السلسلة هذه أحببتها جدا وتركت فيها جزءاً من روحي
وكم أسعد حين يشاركني الأحبة قراءتها معي ..
دمت بألف خير يا رشيد

ميساء البشيتي 13 / 01 / 2014 43 : 04 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة الثامنة عشرة

وحيدة ..عدتُ وحيدة .. كما بدأتُ أول مرة دقَّ أبواب المجهول فيها لأتعلم منه كيف تكون الحياة .. هذه المرة المجهول علمني كيف يكون الموت !
وبقيتُ على حافة الانتظار .. مترددة .. متأرجحة بين أن أمضي إلى الأمام .. حيث هو ساكنٌ .. صامتٌ .. لا ينبس ببنت شفة .. أم أمضي إلى هناك حيث قومي ودياري وأصدقاء الطفولة وملاعباً كنتُ هجرتها لأجلك أيها " المذبوح " وما عاد الآن من شيء يجدي ؟
كنتُ في رحلة طويلة وشاقة .. لا أدري إن كنتُ عدتُ منها .. أم للآن لم أعدِ !
كلُّ ما أشعر فيه هو أنني عدتُ غريبة .. غريبة .. غريبة .. عن الأهل .. عن القوم .. عن الديار .. وعن الحبِّ ..
وإنني عدتُ طفلة تتعلم من جديد كيف نحو هذه الحياة تخطو .. خطوة إلى الأمام .. خطوة إلى الوراء .. خطوة إلى الأمام .. عشر إلى الوراء ..
إلى حيث كنتُ .. ولم يبقَ أحد .
لا أدري إن كانت دموعي الآن تسعفني .. إن كانت في شدتي تنفعني .. ربما دموعي للآن لم تفهم ما حلَّ بها .. وبيَّ من الوجع !
هيَّ أيام من عمري مرّت عليَّ كالدهر .. أيام ركضت بيَّ بلا أي وعيٍّ مني .. وتركتني غريبة على حافة الوجع .. أُجلد كل ثانية بسياط الانتظار دونما أمل .. ومع ذلك لا أستطيع ألا أنتظر ..
ماذا أخبر الأهل والأصحاب وبقية القوم وكل ما حدث لي حدث في ساعة من الزمن .. في غفلة من الزمن ؟ كنتُ في رحلة خارج هذا الزمان .. وخارج هذا المكان .. وعدتُ بخفي حنين كعادتي .. وبجرار من الألم ..
الموت .. الموت .. الموت .. لفرط ما تحدثت أيها
" المذبوح " عن الموت ظننتك أصبحت هو .. مَلَكُ الموت !
ومع ذلك .. مع كلِّ كآبتك التي كانت تفترش لها مساحات واسعة من أرض السماء .. أنتظرك الآن .. بكل جبروت الانتظار .. بكل عناده وإصراره ..
عُد من موتك .. عُد من كآبتك .. فمكانك فارغ .. فارغ .. فارغ .. وبانتظارك ..
مكانك فارغ ولن يملؤه أحد .. والحياة على غدرها وخيانتها أفضل بكثير من الموت .. والبطولة الحقة هيَّ أن تَهزم الموت .. وليس أن تنمق إليه كلمات الوداع ..
دع الموت في عقر داره .. لا تستنهضه من نومه .. أبقه في فراشه .. أبقه في غفلته .. وتعال أنتَ .. تعال أنتَ فقط .. واترك الموت ..
دع عنك الموت .. دع عنك الموت ..
عُد أنا بانتظارك ..
عُد إلى ديارك أيها المذبوح .. عُد إلى ديارك وإليَّ .

ميساء البشيتي 24 / 02 / 2014 25 : 12 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة التاسعة عشرة
أيلول انتهت رحلته على الأرض .. انتهت زيارته إليَّ .. وإقامته في دياري .. عليه أن يعود إلى مكانه بين النجوم .. أيلول سيرحل .. ولا بد أن يأخذني معه ويعيدني إلى قومي .. إلى دياري .. ليتني ما غادرتهم .. ولا كنت رهن شارتك يا أيلول للبدء في رحلة مجنونة كهذه .
ماذا جنيت أنا .. لا أدري .. الآن صعب عليَّ أن أحصي الخسائر .. لكني أصبحت مقتنعة بأنني ما كان عليَّ طرق أبواب المجهول .. فأنا لست بحاجة إلى مزيد من الكآبة يبثها الآخر في أيامي فيعكرُّ صفوها .. وتتلبد سماؤها بالغيوم الحزينة التي لا تمطر فينقشع الضباب .. بل تبقى رمادية .. وكل الوقت .
قلبي المسكين حزين لهذا الرحيل .. يريد أن يبقى بانتظار " المذبوح " .. لا يريد أن يبقيه وحيداً .. لا يريد أن يبقيه فريسة للحزن والوحدة والكآبة .. لكن " المذبوح " وصل إلى مرحلة متقدمة من الحزن .. كلماتي وورودي لن تستطيع أن تكون لها البلسم الشافي ..
مدَّ يده إليَّ .. لا تغادري .. قالها بالحرف الواحد .. تحملي كل تناقضاتي .. تحملي شرودي المستمر .. تحملي كآبتي التي لا تنتهي .. تحملي حزني .. ولم يقل تحملي غموضي وأسراري وعالمي الخاص الذي أخفيه عنك .. لم يقل أنني وجدت عالماً كبيراً مليئاً بالغموض والتناقضات .. كثير من التساؤلات طُرحت أرضاً لأنها لم تجد لها أي تفسير.. وكثير من الأسئلة تدور في فلك مكوكي .. ثم تعود إليَّ فارغة من كل شيء .. وفي النهاية يرسل إليَّ أكبر علامة استفهام بالكون .. ويرجوني البقاء !
أيها " المذبوح " أنا غادرت دياري وقومي لأزرع وردة في صباحك .. وهذه سلَّة من الورد .. سأنثرها بين يديك .. اختر ما تشاء منها للصباح وللمساء ولعتمة الليل وتذكرني أيها " المذبوح " حين تشتم كل وردة .. ولكن لا تحاول أبداً امتلاك الورود .. لأنها ستذبل بين يديك .. وستموت .
الوداع أيها " المذبوح " .. الوداع يا كتابٍ استعصى عليه فهمه .. واستعصى عليَّ أن أبقى بقربه .. وكان عليَّ العودة من حيث أتيت .. قلبي قد يحتاج القليل من حبات المطر لتغسله من وعثاء رحلة شاقة كهذه .. ثم سيعود لينبض من جديد .. كأن شيئاً لم يكن .

ميساء البشيتي 24 / 02 / 2014 25 : 12 PM

رد: أوراق أيلولية .. سلسلة من البوح الخريفي .
 

الورقة التاسعة عشرة
أيلول انتهت رحلته على الأرض .. انتهت زيارته إليَّ .. وإقامته في دياري .. عليه أن يعود إلى مكانه بين النجوم .. أيلول سيرحل .. ولا بد أن يأخذني معه ويعيدني إلى قومي .. إلى دياري .. ليتني ما غادرتهم .. ولا كنت رهن شارتك يا أيلول للبدء في رحلة مجنونة كهذه .
ماذا جنيت أنا .. لا أدري .. الآن صعب عليَّ أن أحصي الخسائر .. لكني أصبحت مقتنعة بأنني ما كان عليَّ طرق أبواب المجهول .. فأنا لست بحاجة إلى مزيد من الكآبة يبثها الآخر في أيامي فيعكرُّ صفوها .. وتتلبد سماؤها بالغيوم الحزينة التي لا تمطر فينقشع الضباب .. بل تبقى رمادية .. وكل الوقت .
قلبي المسكين حزين لهذا الرحيل .. يريد أن يبقى بانتظار " المذبوح " .. لا يريد أن يبقيه وحيداً .. لا يريد أن يبقيه فريسة للحزن والوحدة والكآبة .. لكن " المذبوح " وصل إلى مرحلة متقدمة من الحزن .. كلماتي وورودي لن تستطيع أن تكون لها البلسم الشافي ..
مدَّ يده إليَّ .. لا تغادري .. قالها بالحرف الواحد .. تحملي كل تناقضاتي .. تحملي شرودي المستمر .. تحملي كآبتي التي لا تنتهي .. تحملي حزني .. ولم يقل تحملي غموضي وأسراري وعالمي الخاص الذي أخفيه عنك .. لم يقل أنني وجدت عالماً كبيراً مليئاً بالغموض والتناقضات .. كثير من التساؤلات طُرحت أرضاً لأنها لم تجد لها أي تفسير.. وكثير من الأسئلة تدور في فلك مكوكي .. ثم تعود إليَّ فارغة من كل شيء .. وفي النهاية يرسل إليَّ أكبر علامة استفهام بالكون .. ويرجوني البقاء !
أيها " المذبوح " أنا غادرت دياري وقومي لأزرع وردة في صباحك .. وهذه سلَّة من الورد .. سأنثرها بين يديك .. اختر ما تشاء منها للصباح وللمساء ولعتمة الليل وتذكرني أيها " المذبوح " حين تشتم كل وردة .. ولكن لا تحاول أبداً امتلاك الورود .. لأنها ستذبل بين يديك .. وستموت .
الوداع أيها " المذبوح " .. الوداع يا كتابٍ استعصى عليه فهمه .. واستعصى عليَّ أن أبقى بقربه .. وكان عليَّ العودة من حيث أتيت .. قلبي قد يحتاج القليل من حبات المطر لتغسله من وعثاء رحلة شاقة كهذه .. ثم سيعود لينبض من جديد .. كأن شيئاً لم يكن .


الساعة الآن 09 : 07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية