منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   فيض الخاطر على أنغام البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=529)
-   -   على شرفات الذبول (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=27081)

ميساء البشيتي 06 / 05 / 2014 06 : 09 PM

على شرفات الذبول
 
على شرفات الذبول
تمرُّ الأعوام إثر الأعوام , خالية من علامات الربيع , يقفز فيها القحط , والجدب , فيحتل كل العناوين !
وأنا وردة ذابلة في أصيص , تراود عينيِّها المثقلتين بالنعاس , أن ترفع رأسها قليلاً , نحو السماء الحبلى بالأشعار , وأناشيد الفرج , والأمل البعيد .
أفتح الحروف , أحاول أن أستنشق منها هواءً نقياً , أحاول أن أعبرَّ دهاليزها , أن أصل قلب الذكريات , أعود إلى حيث تركت مرابع الطفولة قبل ألف عام , أبحث عن ورقة قديمة تركت فيها عنواني للريح , أبحث عن قلمي المكسور , هل هو مع صديقتي في الدرج المقابل ؟
أفتح خزنتي وما تحتويه من أسرار , أجد لعبة قديمة جداً كنتُ أتسلى بها في أوقات الصبا , كان اسمها يتردد دائماً على طرف لساني , أما الآن فلم أعد أذكره , فالنسيان قد يزحف مبكراً على أوراق الورد , فيكسوها برذاذ الندى , ليصبح الماضي ليس بعيداً , لكنه ليس صافياً كالمرآة !
أمدُّ رأسي قدر المستطاع في بئر الماء , هل ما يزال يحتفظ لنا ببعض الماء , أم أنه قد جف ماؤه بعد أن هاجمه صيف قائظ , وحط رحاله عند الباب , فهربت العصافير التي كانت تتعلم فنَّ مغازلة عيون النهار ؟
وأشجار الورد , كم قالوا أنها لا تنفك تسألهم عني , لا يزال يتفتح وردها كل يوم بألوان الزهو , يبحث عني في حديقة البيت , يسأل ورد الجوار , وأنا أسافر في غربة طويلة , أقضي فيها نهاري مع الملل , ألمع أصيصاً فارغاً , وأصيصاً آخر يحوي نبتة ذابلة , وزهرة برية تراود نفسها على الانتحار !
هل يكفي أن أمنحهم بعض أنفاسي كي يبقوا على قيد الحياة , ولمن يعيش الورد , ولمن يبقى يرفرف على الغصون ؟
اقتلعته بأنانية مفرطة من الجذور , أخذته من أحضان تربته , أنزلته عن أكتاف أمه , وحملته معي , كي يؤنسني في غربتي , فذبلَّ معي , ولم نعد أنا وهو قادرين على الغناء من جديد .
قدمت له قهوة الصباح , فرفضها بأدبٍ خجول , قال الورد , لا أشرب القهوة , أعيش فقط على قطرات الحب , فهل لديك منها المزيد ؟
حتى العصافير في الخارج أصبحت شرسة , ربما لأنها تستمع إلى نشرات الأخبار المتسربة من مذياعي العتيق , لم أشأ أن أمنعها , فهذا السرُّ لم يعد خافياً على أحد !
وما أخفيه اليوم من أخبار الوطن , تفضحه إذاعات الجوار , وتفشيه بين الأحبة , والأعداء , وقطاع الطريق .
وأنا وردة ذابلة في أصيص , أراود نفسي الممتلئة بالهزائم , والمثخنة بالانكسارات , على فرصة أخيرة في البقاء , فأبحث في عيون الغد , عن بصيص أمل أكمل فيه الطريق .
أنظر في عيون الأطفال , فأراها مبهمة , غير مقروءة , فأدرك أن الحليب كان مغشوشاً , وأن الطفولة ضاعت بين جشع التجار , وفقر ذات الحال .
شوك الصبار نبت , وتنامى على الشرفات , أقطف منه كل صباح , وأقرأ عليه تعويذات حارة , وأدعو له بطول البقاء , فالورد في الأصيص ذابل , وعلى الشرفات يتأرجح بين الجفاف , وبين الذبول .
ونشرة الأخبار تجذبُ إليها العصافير الغِرّةّ , فتصبح غريبة , شرسة , تدقُّ بمناقير الغلِّ زجاج الأيام , أخشى أن أفتح لها النوافذ , فتكون هي الأخرى قد أصبحت من رفاق السوء , لا تنعق إلا بالخراب , ولا تأتي إلا بالدمار الأكيد !
فأعود , وأحتضن الصبَّار بين ذراعيَّ , وأدعوه كي يبقى إلى جانبي , إلى أن أتجاوز هذا الذبول , وألج ربيعاً آخر ليس فيه إلا الورد والبلابل ورفاق الدحنون .

رشيد الميموني 06 / 05 / 2014 20 : 10 PM

رد: على شرفات الذبول
 
فأعود , وأحتضن الصبَّار بين ذراعيَّ , وأدعوه كي يبقى إلى جانبي , إلى أن أتجاوز هذا الذبول , وألج ربيعاً آخر ليس فيه إلا الورد والبلابل ورفاق الدحنون .

هي وقفة تأملية حملت في طياتها ذكريات .. يملأها الحنين ونكاد نستشف منها زفرات الألم والأسى على ماض أجمل من حاضر مخيب للآمال ..
لكن احتضان الصبار يشي ببصيص من الأمل الذي يأبى إلا أن يرسخ جذوره في القلب في انتظار غد أجمل وأكثر إشراقا ..
أبدعت ميساء كعادتك ..
شكرا لإمتاعك ولك كل المودة اللائقة بك .

د. رجاء بنحيدا 06 / 05 / 2014 22 : 10 PM

رد: على شرفات الذبول
 
جميل هذه الاستعارات في كتابتِك أيتها المبدعة الرائعة.
وحزين هذا الإحساس .. الذبول
محبتي وتقديري .

محمد الصالح الجزائري 06 / 05 / 2014 15 : 11 PM

رد: على شرفات الذبول
 
جميل جدا ما نثرتِ هنا أختي الفاضلة الأستاذة ميساء..ما أمرّ الذبول أصلا وما أروعه هنا نصّا !!!

علي ابو حجر 07 / 05 / 2014 33 : 12 AM

رد: على شرفات الذبول
 
جميل هذا القلم .

نص رائع .

تقبلي فائق احترامي .

حفظك المولى .

ميساء البشيتي 12 / 05 / 2014 31 : 07 PM

رد: على شرفات الذبول
 
الأمل يا رشيد .. إنه بصيص الأمل الذي نتشبث به
وأرجو ألا يخذلنا
سعدت بهذا المرور الطيب كصاحبه
وشكرا لك رشيد الميموني
ودمت بالف خير ودائما

ميساء البشيتي 12 / 05 / 2014 32 : 07 PM

رد: على شرفات الذبول
 
القليل من الحزن لا يضر غاليتي د. رجاء
المهم في النهاية أن ينجلي الحزن ويتربع الفرح على عرشه
ولو بعد حين
دومي يا غالية

ميساء البشيتي 12 / 05 / 2014 32 : 07 PM

رد: على شرفات الذبول
 
وما أروع حضور يا ارق الشعراء أخي محمد
شكرا لك ودم لنا بهذا البهاء

ميساء البشيتي 12 / 05 / 2014 33 : 07 PM

رد: على شرفات الذبول
 
وأنت تقبل شكري العميق أخي علي
على طيب تواصلك وسخاءه
ودم لنا ببهاء لا ينقطع

فتيحة الدرابي 15 / 05 / 2014 21 : 01 PM

رد: على شرفات الذبول
 
الرائعة ميساء لا تخافي لن يصيبك الذبول فأنت بئر لا يجف أبدا ، وبما أنك عانقت الصبار تأكدي أن الورود بين يديك وما هذا الحزن إلا سحابة صيف عابرة ، وستلجين ربيعا ليس فيه إلا الورد والبلابل ورفاق الدحنون.
حفضك الله يا رفيقتي ميساء العزيزة

ميساء البشيتي 15 / 05 / 2014 12 : 03 PM

رد: على شرفات الذبول
 
والله يحفظك يا رفيقتي فتيحة
كيف أذوب وأنت رفيقتي ورفيقة بوحي ؟؟؟
سعدت بك وبهذا الصباح الذي حملك إليَّ وأضاء فيك ساعات النهار
شكرا لك ودومي ببهاء لا ينقطع يا غالية

ناز أحمد عزت العبدالله 15 / 05 / 2014 17 : 08 PM

رد: على شرفات الذبول
 
إيه ماأجمل كلماتك

أستاذة مساء البشيتي دام القلم ودمت بخير


الساعة الآن 27 : 04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية