منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   إسرائيليات (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=349)
-   -   حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=8742)

مازن شما 19 / 01 / 2009 55 : 02 AM

حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
[align=justify]هذا الكتاب: يعبر عن دراسة منهجية موثقة ومتواترة زمنياً بطريقة علمية تحليلية تعكس النزعة العدوانية والعنصرية المتأصلة في الشخصية الصهيونية التي حوّرت وحرَّفت الكتب السماوية في سبيل تحقيق أطماعها التوسعية واغتصابها للأرض العربية وتشريد أبنائها متذرعين بالحق التاريخي الذي تقوم عليه الحركة الصهيونية في إقامة دولتهم المزعومة على الأرض العربية.
[/align]
المحتويات
- مقدمة.
- الباب الأول :التعاليم الدينية اليهودية.
الفصل الأول : مرحلة التدوين ومصادره.
الفصل الثاني : الكتب الدينية اليهودية.
الفصل الثالث : فقرات تلمودية.
- الباب الثاني : محتوى التعاليم الدينية اليهودية.
الفصل الأّول : " النزعة العدوانية".
الفصل الثاني : النزعة العنصرية:
الفصل الثالث : الغدر والخيانة، والانحلال الخلقي.
- الباب الثالث : ((الصهيونية والدين اليهودي)).
الفصل الأوّل : نشأة الصهيونية:
الفصل الثاني : الصهيونية وتوظيف الدين اليهودي.
الفصل الثالث : التعليم الصهيوني وأهدافه.
- خاتمة.
- المراجع.

يتبــــــــــــــــــــــــــع>>>

مازن شما 19 / 01 / 2009 20 : 03 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
د.علي خليل
اليهودية بين النظرية والتطبيق

" مقتطفات من التلمود والتّوراة"

دراســـــــة من منشورات اتحاد الكتاب العرب.. 1997

الحقوق كافة مـحـفوظـة
لاتـحــاد الـكـتـّّاب الــعـرب

تصميم الغلاف للفنانة : وجدان ديركي
مقدمة :
[align=justify]
تستهدف هذه الدراسة عبر تركيزها على التعليم الديني اليهودي ، ليس فقط الكشف عن محتوى هذا التعليم وأثره في بناء الشخصية اليهودية السلبية، بل وأيضاً، الكشف عن دور الصهيونية العالمية في توظيف هذا التعليم واستحضاره وإعادة تشكيله بما يتفق وأهدافها التوسعية والنفعية، وفرض روح الاحساس بالعزلة الشاملة والحصار الدائم على اليهودي في كل البلدان، وخلق جيل يهودي متعّصب، منغلق دينياً ونفسياً ومؤيد للغيتو الدولي الكبير " إسرائيل".
السلوكية اليهودية" الفكرية - الحركية" نمت وترعرعت في جو مشبع بالأفكار الدينية السلفية التي كانت ولاتزال المحور الرئيسي الذي تدور من حوله كل شؤون الحياة اليهودية، نظراً للعزلة التي عاشوها عبر التاريخ في أكثر بلدان العالم القديم والحديث والمعاصر، والتي تعتبر ركناً هاماً من أركان الديانة اليهودية. فقد ظلّت العزلة اختيارية في أوربا حتى الفترة التي أصدر فيها البابا " بولس الرابع " نشرة بابوية تقضي بعزلة اليهود إجبارياً سنة 1555 ميلادي، على الرغم من أنّ هذا الأمر لم يكن مهماً، نظراً لأنّ اليهود أنفسهم لم يكونوا ليرغبوا في الاختلاط لأسباب دينية وطقسية. وقد استمّر هذا حتى الثورة الفرنسية 1848-1850 التي منحت اليهود حقوق المواطنة، وخضعوا للقوانين الفرنسية.
التعاليم الدينية اليهودية كانت دوماً وراء هذه العزلة، لأنّها تحضُّ على الاستعلاء والتوجّس من الأغيار، وعدم الاختلاط بالشعوب وضرورة التقّيد بالقوانين والأنظمة الدينية الصارمة، وقد لعب الحاخامون والأثرياء اليهود دوراً هاماً في تكريس هذه العزلة وتعميق الشعور بالانتماء إلى عرق متضامن متفوق، فأنشأوا في أحيائهم المغلقة كلّ أسباب التعلّق بهذه التعاليم والالتزام بها، كالمعبد والمقابر الخاصة والطقوس والذبائح والأزياء الخاصّة.(1)
المعبد هو المركز الدّيني والثقافي والتعليمي والاجتماعي. وقوانين " الشولحان عاروخ" تنّظم اللوائح الأخلاقية للحياة الخاصّة، ومدارسهم التعليمية تبدأ ب" الحيدر” وهو المدرسة الابتدائية حيث يتعّرف الطفل خلالها وهو في سن الرابعة على هويته وأسلافه ويدرّب على الاحتراز من الأغيار وعدم مخالطتهم وتزرع في عقله الباطن فكرة التفوق والإختيار والقداسة، ويتعّلم الأبجدية العبرّية وقصص أسلافه وأعمالهم المجيدة وفتوحاتهم وما أصابهم من النفي والتشريد على أيدي الكفرة، فينشأ الطفل حاقداً مؤمناً بعدالة قضيته وصحة انحداره من أعرق الأصول. وفي سن المراهقة يستّمر نظام التعليم اليهودي مع " تلمود توراة" وتتوّج ب " اليشيفا"، الأكاديمية التلمودية التي تماثل الدراسات العليا، فيتشبّع اليهودي بالأفكار الدينية التعصبية، وتتبلور شخصيته الانعزالية المتوجسة، والمؤهلة لتقبّل العدوان.(2)
من خلال هذا التعليم الديني المشبع بالغيبية والعنصرية، يقف اليهودي من الدولة التي يقيم فيها موقف اليهودي المتفّوق المقدّس المعارض للقومية الحقيقية بقوميته الوهمية التي صوّرها له حاخاموه على أنهّا حقيقة ثابتة، ويشعر أنّ من حّقه الانفصال عن سائر البشر.
في هذه الأحياء اليهودّية المنعزلة بالطقوس والتعاليم الدينية الغيبية والعنصرية، حصدتْ الحركة الصهيونية ثمارها بعد أن لمستْ تأثير هذه التربية الدينية على عقلية النشء اليهودي.
وعلى الرغم من أنّ حركة التنوير اليهودية" الهسكالاه" التي ظهرت في العصر الحديث قد دعتْ إلى التحرّر من الأفكار الغيبية التي تنتظر الخلاص الذي سيأتي على يد المسيح، وطالبت أن تكون الدراسات في مدارس التلمود مقصورة على الخاخاميين وحدهم، وأن يرسل أولاد اليهود إلى مدارس الأغيار حتى يتّقنوا كلّ فنون العلمانية، فإنّها أي " الهسكالاه" لم تكن لتريد التخّلي عن التعاليم الدينية، بل كانت تسعى لتحقيق الخلاص بالاعتماد على الذات دون انتظار المسيح، ونقل الأفكار الدينية إلى حيّز الواقع.(3)
لقد أرادت هذه الحركة أن تدفع اليهودي للتحرّر من الأفكار الغيبية ويتطلع إلى رؤية روابطه مع الماضي اليهودي متداخلة مع ميوله نحو قيم الثقافة العلمانية، فهي لم تطالبه أن يتخّلى عن إرثه الثقيل ويرفض تبعيته لهذا الارث. إنّما أرادت أن يحافظ على ذاتيته بطريقة جديدة، وهذا ما تلقّفته الحركة الصهيونية وعلى أساسه رفعت شعارها" لنكن شعباً مثل سائر الشعوب" وذلك عن طريق خلق" جيتو" دولي كبير، فبدلاً من الاندماج بالشعوب يجب على اليهود أن يتحوّلوا إلى شعب يماثل الانكليز أو غيرهم بإنشاء وطن قومي له يغدو فيه سيداً.(4)
لقد ساهمت حركة التنوير اليهودية بشكل أو بآخر في الاعداد الفكري للصهيونية ، حيث أحيتْ اللغة العبرية وأذكتْ نيران الحبّ لصهيون وفلسطين، ومجدّت الأسلاف والبطولات العبرية القديمة أمثال " شمشون وشاؤل ويشوع وداود". وسعتْ لتحويل الشخصية اليهودية إلى شخصية منتجة ممتلئة بالحيوية، متشرّبة بالثقافة اليهودية والولاء الكامل لتعاليمها الدينية، ومشبعة بالأفكار السياسية الاجتماعية الغربية.(5)
هذه الحركة لم تلق نجاحاً بشكل عام، خاصة في شرق أوربا، فقد تعّرضت لمقاومة شديدة من المتشدّدين اليهود ومن الرأسماليين والحاخامات في غرب أوروبا أصحاب المصلحة في البقاء على الوضع الرّاهن. فأخذتْ الحركة الصهيونية على عاتقها مهمة التوفيق بين المتشددين والمستنيرين كحلّ بديل لما يسّمى" المسألة اليهودية". فرفضت الاندماج بالشعوب رغم موافقتها على الخروج من قوقعة الغيتو ، ورفضت فكرة " الغيتو الدولي الكبير " ولهذا وظفت الدين اليهودي لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، فتشكّلتْ عدّة حركات وأحزاب دينية تحت إشرافها على رأسها " حركة مزراحي" عام 1902، التي قامتْ بنشاط "ثقافي- ديني" في أوساط اليهود. وأدخلت مفهوم وحدة اليهود في أعماقهم واقنعتْ الجماهير اليهودية المتدّينة أنّ العمل الفعلي لعودة اليهود إلى أرض الوطن لايرتبط بالاعتقاد اليهودي التقليدي حول عودة المسيح، وأنّ العودة إلى صهيون واجب ديني.(6)
كان من مهّمات هذه الحركة والحركات الصهيونية الأخرى ، العمل من خلال التعليم الديني على فرض روح الاحساس بالعزلة، وتلقين اليهود أنّ الاندماج بالشعوب مخالف لقوانين وتعاليم الديانة اليهودية، بالاضافة إلى غزو الحركات الدينية المعارضة، والتسّلل إلى صفوفها لتطويعها لصالحها، حيث كانت هناك تيارات دينية ترى أنّ العودة إلى صهيون ، إنّما هي عودة روحية تتّم بإرادة إلهية مع عودة المسيح قبل نهاية الزّمان، وأنّ أي عمل سياسي أو تحرك لتنفيذ هذه العودة عن طريق تهجير اليهود إلى فلسطين هو ضرب من الهرطقة، ولا يجمعه شيء مع الدين اليهودي، بل هو مخالف لتعاليمه ومضرٌّ باليهود وبمصالحهم.
وقد استطاعت الحركة الصهيونية أن تؤثّر في كثير من هذه الحركات وتحوّلها من حركات مناوئة للصهيونية إلى حركات توراتية متزمتة مؤيدة للصهيونية ومنسجمة مع أهدافها وتطلعاتها .(7)
وهنا لابّد من الاشارة إلى أنَّ اليهود في البلاد العربية والاسلامية وعلى الرغم من عزلتهم داخل أحياء خاصّة ، كانوا يعاملون معاملة تختلف تماماً عن يهود أوروبا من حيث المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت كلّ الظروف متاحة لهم للذوبان في مجتمعاتهم هذه ، نظراً لتسامح العرب والاسلام تجاه الأديان السماوية.(8)
ففي اليمن ازدهرت حياتهم وتطورت تجارتهم وثقافتهم وتوسعت ممتلكاتهم وانتشرت معتقداتهم حتى الدرجة التي اعتنق فيها ملك اليمن" أبو كريبه أسد طوبان" وابنه ذو نواس، ديانتهم حوالي القرن الخامس بعد الميلاد. وقد استمّر وجود هذه الطائفة في اليمن حتى العصر الحاضر الذي تدخلّت فيه الحركة الصهيونية واقتلعتهم من أماكنهم.(9)
وفي الاسكندرية بمصر كانت الجالية اليهودية تتمّتع بكامل حقوقها المدنية والدينية، وكان تعدادها يفوق تعداد كل الجاليات اليهودية في العالم، وقد أدارت ظهرها لصهيون، واستمرت في حياتها الهادئة المستقّرة تمارس شعائرها الدينية في معابدها الخاصّة. وخلال النصف الأوّل من القرن العشرين أطلقت أيديهم في الصحافة المصرية فضلاً عن الصحافة اليهودية فكان لهم أساتذة في المعاهد المصرية، ولعبوا دوراً هاماً في مجال المال والاقتصاد، فأثرى عدد كبير منهم، كما كان لهم مقاعد في مجلس النواب المصري، وفي عام 1924 عيّن وزير يهودي للمالية في الحكومة المصريةهو:" يوسف قطاّوي باشا." (10)
كما تغلغلوا في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق، وقد ازدهرت حياتهم في العصر العباسي وارتقوا مراكز ذات تأثير، ومنذ الأيام الأولى للتاريخ الاسلامي عمد الخلفاء إلى إعطاء اليهود امتيازات مهمّة، فكان لهم في العراق مدرستان متخصّصتان بالدراسات اليهودية والتلمودية في مدينتي صورة وبمبديثة، حققتا ازدهاراً تحت الحكم العباسي جعلهما القبلة التي يقصدها اليهود من طالبي العلم من جميع أنحاء الشتات العالمي. وكان الرئيس الأعلى لهاتين المؤسّستين يدعى " الفون" ويعتبر المصدر الأعلى للفتاوى اليهودية لجميع العالم، وكان مسؤولاً عن الاستئناف وتعيين القضاة اليهود في عموم العالم الاسلامي. وقد عرفت القرون الخمسة للتاريخ اليهودي تحت الحكم الاسلامي " بالعصر الفوني" ومن أشهر من ارتقى هذا المنصب" سعديا بن يوسف الفيّومي" من الفيوم بمصر، واصبح رئيساً لأكاديمية صورة لغزارة علمه، ومن أعماله ترجمة العهد القديم إلى اللغة العربية، فأصبح الحاخامون يتلون النسخة العربية في صلواتهم في الكنس، ومع اللغة العربية أصبح اليهود يسّمون أنفسهم أيضاً أسماء عربية صرفة.(11)
أمّا الشؤون الدنيوية فقد تركت بيد رئيس الشتات الذي احتّل مركزاً مرموقاً في حياة المجتمع، ومن أشهر من شغل هذا المنصب" صموئيل بن علي" المعروف بأبي الدستور. وقد تحدّث عنه الرّحالة اليهود ممّن عاصروه، فقالوا إنّه كان يملك ستّين عبداً ويعيش في قصر فخم مغطّى بنفائس السّجاد، ويرتدي ملابس فاخرة موشاة بالذهب، ومن هؤلاء الرّحالة" بنيامين" الذي زار بغداد في حدود سنة 566 هـ 1170م ووصف استقبال الخليفة له فقال إنّه كان يركب إلى القصر لابساً الحرير الموشّى وعلى رأسه عمامة بيضاء مطرّزة بالجواهر، وتتبعه ثّلة من الفرسان، وكان المنادي يسير في مقدمة الموكب وهو يهتف بالنّاس: افتحوا الطريق، افتحوا الطريق لمولانا ابن داود. وعندما كان الرئيس يدخل البلاط، كان الخليفة ينهض من مكانه ويحّييه ويجلسه على كرسّي مقابل له، بينما يقف جميع الأمراء لتحيّته.(12)
فاليهود في العراق كانوا أقلية غنّية نالت من التعليم والثروة والمناصب. ومّما يذكر أن" مناحيم دانيال" الوجيه اليهودي الكبير وأحد الاقطاعيين في بابل، وجّه رسالة إلى المنظّمة الصهيونية في أيلول 1922 انتقد فيها النشاط الصهيوني في العراق، وتغلغله بين الطبقات الفقيرة. وفي تشرين الثاني 1928 نشر المحامي يوسف الكبير وهو محامي يهودي شهير، نشر رسالة في جريدة الأوقاف العراقية فنّد فيها الادعاءات الصّهيونية وهاجم المقترحات الرامية إلى خلق وطن قومي يهودي في فلسطين .(13)
وعندما نشبت حرب 1948 مع اسرائيل كانت العاصمة بغداد تغصّ بالنشاط الاعماري اليهودي الذي شمل تأسيس مدينة بكاملها" مدينة بغداد الجديدة". ونقرأ أنّ الحكومات في بغداد كان لها الدور البارز في الضغط على اليهود ليرحلوا إلى فلسطين وذلك بالتعاون مع الصهيونية العالمية. ويشير إلى هذا الأمر " اسحق بارموشيه" في قصصه وذكرياته عن الخروج من العراق قائلاً:" كلّ هذا بالطبع لم يكن ليحملنا أفراداً أو جماعات على الظّن بأنّ هجرة جماعية إلى البلاد المقدّسة هي من الأمور التي يتعّين علينا انتظارها. إلاّ أنّ الحكومات السعيدية التي تصرّفت بغباوة مطلقة وكان همّها قبل كل شيء إنقاذ نفسها من كراهية الشعب ، قدّمت للحركة الصهيونية أكبر خدمة عندما تبّنت خطّة نازية لمضايقة اليهود، ثم لاقتلاعهم من جذورهم.(14)
ورغم صدور القانون الخاّص بحرية تخّلي اليهود عن الجنسية العراقية والهجرة إلى إسرائيل، فإنّ عدداً قليلاً من اليهود بادروا إلى ذلك. واضطرت الأجهزة الصهيونية إلى القيام بسلسلة من التفجيرات الارهابية في المناطق التي اعتاد اليهود ارتيادها لاشاعة الذعر في نفوسهم، على أساس أنّ الجمهور يبّيت لهم مذابح رهيبة. فكان الزّحام على مكاتب إسقاط الجنسية، وقد أصيب عدد من اليهود في هذه الحوادث، وأقام أحدهم وهو " خضوري سليم" دعوى على الحكومة الاسرائيلية يطالب فيها بتعويض عن فقد إحدى عينيه في الانفجار الذي أحدثته المنظمة الصهيونية في الكنيس ببغداد. وأدّت الدعوى إلى قيام ضجّة عارمة في الأوساط الاسرائيلية تتساءل عن حقيقة ماجرى، وأوردت مجلة " هاعولام هازيه" تفاصيل العمليات الصهيونية لاشاعة الرّعب في صفوف المواطنين اليهود في العراق. وقدّر للسلطات العراقية أن تعثر على المسؤولين الصهاينة عن العمليات الارهابية، وتلقي القبض عليهم مع كميات من المتفجرات والأسلحة. وبعد إحالتهم إلى محاكمة علنية تحت أنظار المراقبين الدّوليين حكم على اثنين منهم" جوزيف بصري وأبراهام صالح" بالاعدام، وسجن الآخرون.(15)
وفي الأندلس رحّب بهم الخلفاء ومنحوهم حقوقاً متساوية وحرّية كاملة وذلك عندما هاجروا من بغداد أثر الغزو المغولي لها. وحمل علماء المدرستين العراقيتين كتبهم وآثارهم وتلامذتهم معهم إلى الأندلس. وهناك وصل كثير منهم إلى مناصب عالية في الدّولة مثل" جسداي بن شبروط" الذي دخل في خدمة الخليفة عبد الرحمن الثالث طبيباً ومستشاراً، وعمل كسفير للخليفة كونه يجيد العربية والّلاتينية والعبرّية . وأيضاً" صموئيل بن تغدلة" الذي لعب دوراً مشابهاً في غرناطة التي كانت تسّمى " مدينة اليهود" لكثرة عدد اليهود فيها والتي ما زالت أحياؤهم قائمة فيها.(16)
وقد برز علماء وفلاسفة يهود في هذه الحقبة شاركوا العرب المسلمين في التدوين والترجمة للكتب اليونانية مثل:" إبراهيم بن داود " من طليطلة. ثم بزغ نجم الفيلسوف" موسى بن ميمون" وقد صاحب المفكر العربي الأندلسي ابن رشد ، وسكنا في بيت واحد وأظهرا الاتجاهات الانسانية نفسها. وعندما استقرّ في الفسطاط بمصر اتخذه صلاح الدين الأيوبي طبيباً له. (17)
عندما تقدّمت الجيوش المسيحية في اسبانيا نحو الجنوب 794هـ 1391 م، جرت حملة دامية لاخراج اليهود من شبه الجزيرة الاسبانية، فلجأ الكثيرون منهم إلى الجزائر، فأسرع السكان العرب الجزائريون إلى بناء بيوت خشبية مرتجلة لايواء مجموع اللاجئين وإغاثتهم . وبعد سنوات قليلة أصبح هؤلاء اللاجئون أغنى تجاّر المنطقة ينقلون البضائع بين غربي أفريقيا وسواحل البحر الأبيض المتوسط حتّى سمّي طريق تلمسان التجاري عبر الصحراء" طريق اليهود ".(18)
وحظي اليهود بنفس المكانة والمعاملة في البلاد العربية الأخرى فكان منهم الوزراء مثل الدكتور بنزاكين في المغرب وأندريه بسيس واندريه باروخ في تونس، ونقرأ أنّ ملك المغرب محمد الخامس وقف إلى جانب اليهود ضدّ حكومة فيشي الفرنسية الخاضعة لألمانيا الهتلرية عندما حاولت أن تضطهد يهود المغرب، حيث دافع عنهم مؤكداً أنّهم مواطنون عرب مغربيون.(19)
الصهيونية دمرت علاقات التعايش السّلمي التي كان اليهود يتمتعون بها في الدول العربية واقتلعتهم من مناطقهم عن طريق إثارة الخوف من الاضطهاد فسحبت حوالي / 650000/ يهودي من العراق واليمن وسورية ومصر وتونس والجزائر ومراكش وغيرها من الدول العربية الأخرى، فقد كان يسكن في العراق وحدها حوالي مئة ألف يهودي عند قيام إسرائيل.(20)
لقد وظّفت الصهيونية الدين اليهودي توظيفاً سلبياً لتحقيق أهدافها العدوانية فنقلته من نظرية روحانية إلى واقع مادي، واتبعت أساليب الترهيب والترغيب للضغط على اليهود واقتلاعهم من مناطقهم وتهجيرهم إلى فلسطين العربية. وهي تسعى دوماً ومن خلال مراكزها الدعائية المنتشرة بكثرة في أكثر دول العالم إلى التأكيد على أنّ خطر الّلاسامية لايزال قائماً وعلى يهود العالم أن يتضامنوا مع إسرائيل ويرتبطوا بعجلة المصير الواحد والولاء الواحد لاسرائيل. وقد أنشأت وتنشئ مئات المعسكرات التثقيفية لتلقين اليهود اللغة العبرّية والمبادئ الصهيونية وضرورة العمل على دعم الكيان الصهيوني، وتقوم مراكزها الدعائية بترويج الأفكار الدينية واستحضار التراث الغيبي لخلق جيل يهودي متعصّب مؤمن بأبدية العداء للسّامية وحقّ اليهود بالعودة، ووحدة ونقاء الشعب اليهودي.
إنّ البحث في هذا الموضوع ليس جديداً، فقد تعّرض له كثير من الكتاب والباحثين وقدّمت الموسوعة الفلسطينية مزيداً من التفصيلات حول الصهيونية وأهدافها وألقت الضوء على التعاليم الدينية اليهودية، ومع هذا فإّن دراستي هذه تطمح أن تضيف معلومات جديدة، وأن تضيء بقعة نحتاجها في تاريخنا المعاصر خاصّة في هذه المرحلة التي تسعى فيها الصهيونية للسيطرة على الشارع العربي والعقل والثروات العربية سياسياً بعد أن فشلت عسكرياً.
فالتركيز على التعاليم الدينية اليهودية التي لاتزال المحور الرئيسي الذي تدور من حوله كل شؤون الحياة اليهودية، وفضح ما تخفيه من نزعات مشبعة بالعدوان والعنصرية والتسّلط، يساهم في فهم الشعارات المزيّفة التي ترفعها الصهيونية وعلى رأسها شعار " السلام". فهي تريد استسلام العرب وليس السلام مع العرب، لأّن السلام الحقيقي العادل والشامل، سلام الشجعان لاتريده ، إنّها تريد ما قاله إشعّيا أحد أنبياء اليهود:
" بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ، ويلحسون غبار رجليك" (21)
" بنو الغريب يبنون أسوارك، وملوكهم يخدمونك، تنفتح أبوابك دائماً ليؤتى إليك بغنى الأمم، وتقاد ملوكهم".(22)
" يقف الأجانب ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حراّثيكم وكرّاميكم أما أنتم فتدعون كهنة الرّب، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون "(23)
[/align]

qq
(1) كانوا يرتدون الزّي الطويل، ويطلقون لحاهم وسوالفهم ويرتدون قبعات . ولا يزال هذا الزّي حتى الآن يّميز اليهود عن الآخرين.

(2) الشولحان عاروخ، بالعبرية تعني" المائدة المجهّزة" وهو كتاب ألفّه الحكيم اليهودي يوسف كاروه، احد حكماء صفد في القرن الخامس عشر ميلادي، ويقسم إلى أربعة أقسام:
1- نهج الحياة: ويتناول الصلوات والأعياد والمواسم
2-معلم المعرفة: ويتناول المحلّل والمحرم من المأكولات والطهارة والنجاسة والصدقات والنذور والحداد والختان
3- الحجر المغني: ويتناول قضايا الزواج والطلاق
4- صدر القضاء: ويتناول أحكام المعاملات والحقوق والميراث والشهادة والوصاية والعقود.
انظر مجلة عالم المعرفة- العدد 102 حزيران 1986" الشخصية اليهودية الاسرائيلية والروح العدوانية- الدكتور رشاد عبد الله الشامي- ص 20- 27-

(3) الهسكالاه: حركة يهودية ثقافية طرحت تعديلات جذرية في الدين اليهودي، حيث سعت لتحقيق الخلاص بالاعتماد على الذات وعدم انتظار المسيح للعودة إلى صهيون.
انظر مجلة عالم المعرفة- العدد 102 حزيران 1986 حول الشخصية اليهودية الاسرائيلية والروح العدوانية، للدكتور رشاد عبد الله الشامي- الفصل الثاني .

(4) نفس المصدر- الفصل الثاني.

(5) نفس المصدر- الفصل الثاني.

(6) - الأحزاب الاسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني- صادر عن مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1986- باشراف حبيب قهوجي- الطبعة الأولى 1985 ص 167- 168.

(7) نفس المصدر ص 169- 170

(8) - الصهيونية واللاّصهيونية- تأليف خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني - المجلد السادس- الطبعة الأولى- بيروت 1990 ص 721.

(9) " الصهيونية والّلاصهيونية" تأليف خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني - المجلد السادس الطبعة الأولى: بيروت 1990- ص 721

(10) " العرب واليهود في التاريخ" الدكتور أحمد سوسة- الطبعة الثانية- العربي للاعلان والنشر والطباعة- ص 363

(11) نفس المصدر ص 363. وانظر أيضاً " الصهيونية واللاّصهيونية- ص 725

(12) الصهيونية والّلاصهيونية- تأليف خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني- المجلد السادس- الطبعة الأولى- بيروت 1990 - ص 725

(13) نفس المصدر ص 730

(14) نفس المصدر ص 730

(15) الصهيونية والّلاصهيونية- خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية- المجلد السادس- القسم الثاني الطبعة الأولى- بيروت 1990ص 730.

(16) نفس المصدر ص 725

(17) كان صلاح الدين الأيوبي متسامحاً جداً مع اليهود، وعندما فتح القدس أرسل منادياً ينادي في أرجاء البلاد أنّ باستطاعة كل سلالة ابراهيم العودة إلى القدس. وتابع خلفاؤه نفس السياسة ." انظر فلسطين ما بين العهدين الفاطمي والأيوبي تأليف شاكر مصطفى- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني- المجلد الثاني- الطبعة الأولى بيروت 1990 ص 498"

(18) العرب واليهود في التاريخ- الدكتور أحمد سوسة . الطبعة الثانية، العربي للاعلان والنشر والطباعة- ص 363

(19) نفس المصدر ص 363

(20) " الصهيونية والّلاصهيونية" خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني، المجلد السادس- الطبعة الأولى- بيروت 1990. ص 730.

(21) سفر إشعّيا الاصحاح 49

(22) سفر إشعّيا الاصحاح 60

(23) سفر إشعيا الاصحاح 61
[/align]
يتبــــــــــــــــــــــــع>>>

مازن شما 19 / 01 / 2009 46 : 03 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]الباب الأول
التعاليم الدينية اليهودية

الفصل الأول

- مرحلة التدوين ومصادره

تشير معظم المصادر التاريخية إلى أنّ عمليات تحرير وتدوين الكتب الدينية اليهودية" التوراة- التلمود" بدأت في بابل بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، وأنّها استمرت حتى القرن الخامس بعد الميلاد حتى أخذت شكلها النهائي الحالي.(1)
قبل السبي وخلال إقامتهم المزعومة في كنعان كانت أكثر تعاليمهم شفوية تناقلها الخلف عن السلف واحتكرها الحاخامون لأنفسهم ليمارسوا تاثيرهم على العناصر اليهودية. فلم تكن لديهم نصوص ولوائح تمثل مجمل التعاليم الدينية والمدنية، كان هناك ثمّة تعاليم شفوية لقوانين الزواج والطلاق والعادات العشائرية والطقوس. يلتزم بها عدد قليل من اليهود نظراً لأّن أكثر العناصر اليهودية تخلّت عن عبادة يهوه لصالح آلهة الكنعانيين، واقاموا المعابد لهذه الآلهة وتزوجوا بكنعانيات وحثّيات وصيدونيات وأدوميات وعمّونّيات.(2)
لقد وجدت هذه العناصر القادمة من الصحراء في الحضارة الكنعانية متنفساً لها نظراً لأنّ عاداتهم وتقاليدهم وتعاليمهم الشفوية كانت متشّنجة ومنفعلة ولم تكن لتقارن بما لدى الكنعانيين من تعاليم وطقوس ومعارف مرنة وراقية وشمولية . إلى جانب أن الحضارة ، الكنعانية كانت على درجة من القّوة تكفي لاستيعاب وامتصاص المهاجرين وثقافاتهم المختلفة.(3)
وكان لدى الكنعانيين الملاحم والأناشيد المقدسّة ومئات المأثورات الخطّية والشفوية، والقصائد الأدبية والدينية التي تتحدّث عن الخلق وأصل الوجود والموت والحياة وفنون الزراعة والصناعة والتجارة والقضاء والعقوبات والنذور والقرابين وغيرها.(4)
من الطبيعي والحال هذه ان تنهل هذه العناصر القادمة من الصحراء من هذه الحضارة وتتأثر بها وأن يسعى كهنتهم لاعادة تشكليلها بما يتفق ونزعاتهم الخاصة، وقد حدث هذا بالفعل خلال إقامتهم في كنعان والتي استمّرت حتى السبي البابلي لهم.
وخلال إقامتهم في بابل تعرّفوا على الحضارة البابلية فوجدوها لاتقّل عراقة وتطوراً عن الحضارة الكنعانية ، حيث النظم والقوانين السياسية والحقوقية والمدنية والدينية الناظمة للحياة والمجتمع، فاطلّعوا على فنون الزراعة والصناعة والتجارة وعلى المأثورات البابلية المدوّنة والشفوية والشرائع التي تنّظم العلاقة بين الإنسان والأرض والمجتمع والدولة مثل شريعة حمورابي سادس ملوك سلالة بابل الأولى، وهي تتناول بشيء من التفصيل القضايا المتعلّقة بشؤون الرّي والزراعة والتجارة والعقوبات والتعويضات والدّيون والزنى والزواج والطلاق وغير ذلك من الأحكام والمواد والفقرات التي تنّظم الحياة المدنية والدينية في بابل.(5)
وكان في بابل أكثر من ملحمة مدّونة تبحث في قصة الخلق والتكوين والفردوس والهبوط والقرابين والسفينة والطوفان والعبادات والصلوات والكهانة والأعياد والخطيئة والعذاب وغيرها.
ففي ملحمتي " أتراحسيس والاينو ما إيليش" نتعّرف على أصل العالم وتصّور البابليين لجوهر الكون والنظام الذي يتسّم به واالكائنات التي تعلو على الإنسان والموجودات غير المنظورة التي تتحكم في الكون الكبير وكيفية ولادة الموجودات البشرية من الّطين، وتصّورهم للطوفان الذي هو عقاب أنزلته الآلهة بالجنس البشري. وفي كلا الملحمتين نجد أنّ البطل هو إنسان مقرّب من الآلهة يبني سفينة تهرب عليها عائلات البشر والحيوانات.(6)
لهذا لم تكن هناك صعوبات لدى الكهنة اليهود في الاقتباس من هذه الحضارات ما يتناسب ونزعاتهم الخاصة. فبدأوا بتدوين التعاليم الدينية اليهودية انطلاقاً من أرضية ثقافية " كنعانية وبابلية ومصرية " وقد بدأت هذه الحقيقة تظهر إلى الوجود عندما بدأت الحضارات القديمة للمنطقة تتكشّف من تحت التراب بواسطة الحفريات الأثرية.(7)
وتشير الرواية التوراتية نفسها بالاضافة إلى معظم المصادر التاريخية إلى أنّ الكاهن اليهودي " عزرا" هو الذي حرّر ودّون أكثر التعاليم الدينية اليهودية في بابل بمساعدة عدد من الكهنة مثل أمرّيا وملّوخ وحطوّش وسرايا وسكينا" وغيرهم. فالتوراة تلقّبه ب" كاتب شريعة إله السّماء" وهناك سفر كامل له في التوراة يتحدث فيه هو عن رحلته من بابل إلى أورشليم عندما تلّقى أمراً من الملك الفارسي " أتحشستا" ليعّلم اليهود في أورشليم الشريعة التي كتبها والنظم والقوانين الجديدة التي أدخلها على العبادات والصلوات والطقوس وعلى رأسها:" الانغلاق والعزلة وتحريم الزواج من أجنبيات وإلزام اليهود المتزوجين بكنعانيات أن يطلّقوا نساءهم فوراً وأن يتخلّوا عن بنيهم من النساء الأجنبيات.(8)
وبعد عودتهم إلى أورشليم تابع الكهنة تحرير وتدوين شريعتهم، وتحديداً خلال الحكم الفارسي ، الاخميني الذي تمتعوا فيه بامتيازات كثيرة 538- 330 ق.م. وفي زمن الاغريق والروّمان ونتيجة للاضطرابات، كثرت التقاليد وازداد عدد المجتهدين الناظرين في الشريعة، وكثرت الأحكام الصادرة عن المجامع اليهودية المختلفة واضطربت أحوال اليهود بظهور السيد المسيح عليه السلام وما قدّم من تعاليم إنسانية سامية وشمولية، وكانت إلى ذلك الوقت كل شروح التوراة تلّقن للتلاميذ شفوّياً حتى أواخر القرن الثالث الميلادي، فخشي الفقهاء، أن يطغى النسيان على هذه الشروح وتطغى عليها تعاليم السيد المسيح" ع" التي انتشرت لدى كلّ الأمم فأخذوا يدوّنون كل ما علق في أذهانهم منها وأشهر هؤلاء الفقهاء الرّباني" بارنحماني" الذي قام بجمع هذه الشروح وتبويبها وألف منها سفراً ضخماً أسماء" مدراش ربا"(9)
وراح الفقهاء اليهود بعدئذٍ يدوّنون هذه الشروح التي يعّدها الفقهاء اليهود فلسفة التوراة والشريعة اليهودية، وقد تّم تقسيم المدراش إلى نوعين: "هالاغا وهاغادا".(10)
وخلال القرن الثالث الميلادي أخذ الفقهاء اليهود يدّونون البحوث المتعّلقة بشؤون الدّين والقانون والتاريخ وأطلق على هذه البحوث " المشنا" ثم راحوا يشرحون هذه المشنا بالآرامية وأطلق على هذه البحوث الشرح " الجمارا" ومنهما معاً تألّف ما يسّمى" التلمود". (11)
في القرن الرابع الميلادي أخذ الفقهاء في بابل وفلسطين يعتمدون في دراساتهم على المشنا أكثر من التوراة واستمرت الحال حتى القرن الخامس الميلادي عندما انتهى الفقهاء من شرح المشنا ووضع الحواشي لها، وغايتها توضيح ما ورد في المشنا من قواعد واحكام بأمثلة أو حكايات من خلال مناقشتها ووضع الحكم الفقهي الأخير إلى جانبها. وهكذا استمرت عمليات التدوين والتحرير من القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن الخامس بعد الميلاد ، حتى أخذت شكلها النهائي الحالي.
لقد درس عدد من الباحثين كتاب التوراة، وتوصّلوا إلى نتائج تتعلّق بمرحلة تدوينه ومصادره مثل " كارل شتات" الذي نقده مشيراً إلى أنّ موسى لم يكن ليستطيع أن يروي حكاية موته بنفسه ، وهذا يعني أن الأسفار الخمسة لم تكتب في عهد موسى ، رغم أنها اعتبرت على مدى ما يقرب من ألفي عام أنّها بقلم موسى نفسه ولم ينكر هذا الزعم قبل كارل شتات إلاّ " بن عزرا " في القرن الثاني عشر الميلادي.(12)
وفي عام 1678 قام الكاهن " ريشارد سيمون" بنشر كتاب بعنوان " التاريخ النقدي للعهد القديم" يبرز فيه الّلامعقولية في التأريخ إلى جانب ألوان التكرار والفوضى في السّرد واختلاف الأساليب نافياً بذلك أن تكون أسفار موسى الخمسة كلّها من صنع رجل واحد.(13)
وتتالت الأبحاث التي تتعّلق بمرحلة تدوين التوراة ومصادره في القرن الثامن عشر على يد " أستروك " طبيب الملك لويس الخامس عشر و" أيشهورن". وفي القرن التاسع عشر توصّلت الأبحاث اللاحقة إلى هذه النتيجة القائلة: إنّ أسفار موسى الخمسة هي نتاج لملمة مأثورات شفوية مغرقة في القدم قد تراكبت وتداخل بعضها في بعض .(14)




qq



(1) بعد انقضاء الدولة الآشورية بسقوط نينوى سنة 612.ق.م/ اقتسم الماذيون والكلدانيون ممتلكاتهم فوقعت حصة الكلدانيين في سورية والعراق وتأسست على أثر ذلك الدولة البابلية الكلدانية التي دام حكمها 73 سنة 612- 539 ق. م. فهاجم ملكها نبو خذ نصر منطقة يهوذا وسبى سكانها ومن بينهم اليهود إلى بابل وقد أنجزت هذه العملية في حملتين الأولى سنة 597 ق. م. أسكن خلالها المسبيّون في منطقة نهر الخابور قرب نيبور، أمّا الثانية فكانت سنة 586ق. م حيث سيق المسبيّون إلى مدينة بابل فتكّتل اليهود منهم في كلتا المنطقتين وكوّنوا مجتمعهم المنغلق.

(2) في أسفار التوراة نقرأ المزيد من هذه الحقائق التي تشير إلى أنّ اليهود ذابوا في المجتمع الكنعاني رغم محاولات الكهنة منعهم من ذلك. ففي سفر القضاة نجد:
" وعاد بنو إسرائيل يعملون الشرّ في عينّي الرّب وعبدوا البعليم والعشتاروت وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمّون وآلهة الفلسطينيين". الاصحاح العاشر.
وانظر أيضاً في سفر الملوك الاصحاح الحادي عشر والثاني عشر.

(3) العرب واليهود في التاريخ- الدكتور أحمد سوسة- الطبعة الثانية - ص 10- 11

(4) يرد في سفر التثنية:" لأنّ الرّب إلهك آتٍ بك إلى أرضٍ جيدةٍ أرض أنهار من عيون وغمار تنبع في البقاع والجبال أرض حنطة وشعير وكروم وتين ورمّان أرض زيتزن وعسل، أرض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزاً ولا يعوزك فيها شيء أرض حجارتها حديد ومن جبالها تحفر نحاساً". 8/ 7-9/
وانظر أيضاً سفر يشوع الاصحاح التاسع والاصحاح والرابع والعشرين.

(5) شريعة حمورابي مؤلفة من ثلاثة آلاف سطر باللغة البابلية السّامية وبالخّط المسماري الأكّدي على مسّلة كبيرة من حجر الديواريت الأسود. وقد نصب حمورابي هذه المسّلة في فناء معبد إيزاكيلا معبد الاله مردوخ. ونصب مثلها في معبد الاله شماش في مدينة سيبار. ويظهر حمورابي في هذه المسّلة وهو يتسّلم بخشوع عصا الراعي ليكون راعي البشر، وشريط القياس للبناء من الإله شماش وهو جالس على عرشه. وارتدى حمورابي رداء الكهنة والعمامة وهو لباس الرأس عند الساميين الغربيين وقد صنّفت الشريعة إلى اثني عشر قسماً فيها / 282/ مادة بوضوح.

(6) انظر كتاب" مغامرة العقل الأولى" تأليف فراس السّواح دراسة في الأسطورة سورية وبلاد الرافدين- دمشق 1987 العربي للإعلان والطباعة والنشر.
وانظر أيضاً إلى ملحمة التكوين البابلية التي ترجمها أنيس فريحة وهي بعنوان " ملاحم وأساطير من الأدب السّامي".

(7) مغامرة العقل الأولى- فراس السّواح.

(8) " فقام عزرا الكاهن وقال لهم إنكم قد خنتم واتخذتم نساء غريبة لتزيدوا على إثم اسرائيل فاعترفوا الآن للرّب إله آبائكم واعملوا مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة". سفر عزرا الاصحاح العاشر.
وانظر أيضاً الاصحاحات 7-9-10-

(9) هناك مدراش آخر يدعى " مدراش تنحوما" جمعه الرّباني تنحوما بعد قرن من ظهور مدراش بارنحماني.

(10) الهالاغا: هي الأحكام التي تبّين الحلال والحرام والطهارة والنجاسة مّما ورد ذكره في التوراة وفسّره الفقهاء اليهود ووضعوا له حدوداً وقيوداً تلائم حاجة العصر الذي كانوا يعيشون فيه.
- الهاغادا: شرح لنصوص تاريخية أو أخلاقية.

(11) التّلمود: مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ومدنية وشروح وتفاسير وتعاليم وروايات كانت تتناقل وتدّرس شفوياً وتّم تدوينها خوفاً من النسيان وحفظاً للأقوال والنصوص.

(12) فلسطين أرض الرسالات السماوية- روجيه غارودي- ترجمة - قصي أتاسي- ميشيل واكيم صادر عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر. الطبعة الأولى 1988 ص 78

(13) نفس المصدر ص 79

(14) - نفس المصدر ص 80
يتبــــــــــــــــــــــــع>>>
[/align]

مازن شما 19 / 01 / 2009 14 : 04 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]

الفصل الثاني

- الكتب الدينية اليهودية:

التوراة - التلمود

تمّ تحرير وتدوين التعاليم والقوانين الدينية والمدنية اليهودية خلال مراحل مختلفة كما ذكرت وبأقلام متعددة ، وحفظت في كتابين اعتبرا المصدر الرئيسي للديانة اليهودية ولكل شؤون الحياة اليهودية وهما التوراة والتلمود.

أولاً: التوراة

ويسّمى أيضاً " العهد القديم" ويعني بالعبّرية الشريعة والقانون والتعليم وتقسم إلى ثلاثة أقسام " توراة ، أنبياء ، مكتوبات " وكل كلمة من هذه الكلمات تقسم بدورها إلى أقسام " أسفار".

q- توراة: تنقسم إلى خمسة اسفار:

- سفر التكوين: ويتضّمن خبر خلق العالم وحياة الانسان في بدء الخليقة وقصة آدم وحواء ونوح والطوفان وحياة إبراهيم الخليل وولديه إسماعيل وإسحق وتاريخ يعقوب وابنائه الاثني عشر الذين كوّنوا فيما بعد أسباط بني إسرائيل. وينتهي هذا السفر بالحديث عن يوسف بن يعقوب وأوضاعه في مصر وتعّرفه على إخوته أثناء زيارتهم إلى مصر لشراء الطعام، وذهاب أبيه يعقوب لرؤيته في مصر بعد أن أرسل يوسف بطلبه ومن ثمَّ إقامة يعقوب وأولاده وأحفاده في مصر حتى ظهور موسى.

- سفر الخروج: ويحتوي على نشأة موسى في مصر ودعوة الإله له لإخراج أقربائه الإسرائيليين المضطهدين من مصر إلى أرض كنعان " فلسطين" الأرض الموعودة ليستقرّوا هناك نظراً لأنّ الإله يهوه هو الذي منحهم أرض كنعان لتكون ملكاً أبدّياً لهم. ثم يتحدّث السفر عن كيفية الخروج، والمعجزات الخارقة التي قام بها موسى، وكانت هذه المعجزات من صنع إله موسى " يهوه" وعن إنزال الوصايا العشر على موسى، والتيه في الصحراء، وذكر لطائفة من الشرائع الدينية والمدنية التي تلقّاها موسى ، ووفاته قبل دخوله أرض كنعان. وفيه نقرأ عن تذّمر بني اسرئيل المتكرّر ومخالفاتهم الدائمة للوصايا والقوانين الموسوية والعقوبات التي استحقوها من أجل ذلك.

- سفر الّلاوّيين: الّلاوّيون هم الكهنة وسدنة الهيكل المسؤولون عن تنفيذ الشرائع والطقوس المتنوعة " الذبح ، القرابين، الصلوات". فهذا السفر يبحث في العادات والشرائع الخاصّة باللاّويين، والعبادة والقرابين ، وفيه تفصيلات عن الحلال والحرام والأعياد والصلوات والطهارة والنجاسة والأحكام الدينية اليهودية.

- سفر العدد: ويحتوي على تاريخ بني إسرائيل أثناء التيه في صحراء سيناء حتى وصولهم إلى أرض موآب، وقد استّمر هذا التيه أربعين سنة وفيه ذكر لحوادث كثيرة تعرّض لها التائهون بسبب سلوكهم غير السّوي وعصيانهم للأوامر اليهويّة.

- سفر التثنية: ويتضّمن تكراراً لبعض ما ورد من وصايا وشرائع خاصّة بالعبادات والصلوات والوصايا، وفيه خطب موسى وهو يعظ بني إسرائيل في الصحراء قبيل وفاته.

q - أنبياء: وهو قسمان: الأنبياء الأوّلون والأنبياء الأخيرون. أمّا الأوّلون فيقسم إلى أربعة أسفار:

- سفر يشوع: ويحتوي على تاريخ بني إسرائيل بعد وفاة موسى وقيام يشوع بن نون خلفاً له وقيادته بني إسرائيل ودخوله أرض كنعان وحروبه التي أحرق فيها المدن والقرى والحقول والأشجار وقتل فيها الشيوخ والنساء والأطفال والحيوانات ، حتى وفاته.

- سفر القضاة: ويحتوي على تاريخ الإسرائيليين في عهد القضاة الذين حكموا الشعب بعد وفاة يشوع بن نون، وفيه الكثير من التفصيلات التي تتحدّث عن التفكّك والذوبان في المجتمع الكنعاني ومحاولات القضاة " الحكام " حثّهم على الالتزام بتعاليم يهوه، ويتضّمن أيضاً سلوك أكثر القضاة المخالف للشريعة الموسوية..

- سفر صموئيل الأوّل وسفر صموئيل الثاني: ويحتويان على تاريخ حياة صموئيل النبّي ومحاولاته رصّ الصفوف بين اليهود وتحذيره لهم من مغبة الذوبان بالمجتمع الكنعاني والتخلي عن تعاليم موسى، ومن ثمّ تنصيبه للملك شاوول ملكاً عليهم أسوة بالأمم الأخرى بناء على طلبهم وإلحاحهم، وينتهي السفران بظهور الملك داود وانتصاراته وتوحيده لليهود في بقعة صغيرة أسموها مملكة داود.

- سفر الملوك الأوّل وسفر الملوك الثاني: ويحتويان على موت الملك داود وحكم ابنه سليمان وحتى بدء السبي البابلي وخراب الهيكل على يد نبوخذ نصر عام 586 قبل الميلاد. ونقرأ فيه عن انقسام مملكة داود وسليمان والصراعات المتعددة التي نشبت بين دويلة يهوذا ودويلة إسرائيل ، وتخلّي أكثر اليهود عن الإله يهوه لصالح آلهة الكنعانيين " عشتاروت، بعل، ملكوم، كموش وغيرهم".

وأمّا الأنبياء الأخيرون فيحتوي على الأسفار التالية:

" إشعيا ، إرمّيا، حزقيال ، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجّاي، زكريا، ملاخي.".

هؤلاء كلّهم أنبياء أرسلهم يهوه لهداية اليهود إلى طريق الصواب وابتعادهم عن الاندماج والذوبان في المجتمع الكنعاني أو غيره، وللتأكيد على النقاء العرقي وضرورة الحفاظ على الزرع المقّدس والاحتراز من الأغيار.

q مكتوبات : ويحتوي على :

- مزامير داود: وهي عبارة عن حكم ومواعظ تنسب إلى داود.

- أمثال سليمان: وهي أيضاً حكم ومواعظ وأمثال تعّمق الشعور بطاعة الله ومحبته وضرورة التقّرب منه.

- تاريخ أيّوب: ويبحث في ضرورة الصبر واحترام القرارات الالهية وعدم التأفّف من المصير المكتوب، وفيه نقرأ عن المعاناة التي عاناها أيّوب النّبي بعد أن ابتلاه الّله وكيف صبر وتحمّل.

- المجّلات : وهي أسفار: نشيد الانشاد، راعوث، مراثي إرميّا والجامعة، أستير، دانيال، عزرا ونحمّيا، وينتهي هذا الجزء بكتابين تاريخيين هما:" أخبار الأيام الجزء الأوّل وأخبار الأيام الجزء الثاني." ويحتويان على تاريخ الاسرائيليين بايجاز منذ بدء الخليقة حتى عهد قورش ملك الفرس.

ثانياً- التّلمود

يحتل التلمود مكانة هامة داخل الديانة اليهودية، فاليهودية الربّانية ليست سوى تلك اليهودية التلمودية، وهي التي توّطدت دعائمها بين يهود العالم أجمع.

التلمود هو مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ومدنية وشروح وتفاسير وتعاليم وروايات كانت تتناقل وتدرّس شفهياً من حين إلى آخر. فهو نتاج الشريعة الشفوية التي يزعم اليهود أنّه قد جرى تلقينها عن طريق التقليد المأثور وبالتواتر منذ أقدم الأزمنة.

وأنّ هذه الشريعة قد تلّقاها موسى في سيناء فانتقلت من السلف إلى الخلف وقبلت كسّنة سماعية إلى جانب الشرائع المدّونة في أسفار موسى الخمسة. أي أنّ موسى تلّقى شريعتين أوتوراتين في عرفهم " المكتوبة والشفوية". وخوفاً من النسيان وحفظاً للأقوال والنصوص والآراء الأصلية المتعدّدة، ونتيجة لكثرة التقاليد والاجتهادات، والمجتهدين الناظرين في الشريعة، فقد دونّها الحاخامون بالكتابة سياجاً للتوراة فتكّون من هذه الشروح والتفاسير الشفهية ما يسّمى " التلمود". (1)

هذه الشريعة الشفوية لم تنجل بصورة مميّزة إلاّ بعد قيام الكتبة خلفاء عزرا ومحاولتهم نشر التوراة بين الناس عن طريق التعليم والشرح والتفسير. والفترة التلمودية التي جعلت الشريعة الشفهية في منزلة المكتوبة لاتبدأ إلاّ بعد خراب الهيكل الثاني أي منذ عام / 70/ بعد الميلاد وحتى مطلع القرن السادس وذلك على يد المعلمين المعروفين ب " التنائيم". (2)

هناك نسختان من التلمود، التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي. أمّا الفلسطيني فيرجع تاريخه إلى منتصف القرن الرابع للميلاد وقد وضع أسسه الرّابي " يوحنان بن نبّحة" أحد تلامذة الرّابي " يهوذا هاناسي" مؤسس أكاديمية طبرية، وهو يختلف عن التلمود البابلي من حيث المادة والاسلوب وطريقة العرض واللغة. فالتلمود الفسطيني يكتفي بالشرح أو التحليل لنّص المشنا مع سرد مناقشة غير مطوّلة بين الأحبار، ويعرض في نهاية القول المرجع والأمر الفصل في كل نظرية فقهية ومعاملة تشريعية، بينما البابلي يفتح الباب على مصراعيه لمناقشات طويلة لاتنتهي إلى قول مرّجح. فأسلوب التلمود الفلسطيني ينحو صوب الاقتضاب والمادة فيه تبدو هزيلة . وما تمّ تدوينه فيه أشبه بعبارات متقطعة جاءت استجابة لحاجات الذين كتبوها، وكان القصد منها تنشيط الذاكرة كما يرى الباحثون، وهذا ما أسهم في إحلال التلمود البابلي تلك المنزلة الرفيعة، وجعله طيلة قرون عديدة، التلمود الأوحد بلا منازع.(3)

التلمود البابلي هو نتاج الأكاديميات اليهودية في العراق وأشهرها " صورة ونهار دعا وبمبديثة" وهو أكثر تفوقاً وأهمية من الفلسطيني حيث أنّ حجم مادته تبلغ ثلاثة أضعاف التلمود الفسطيني وأسلوبه أكثر انفتاحاً في المناقشة وفيه إسهاب وسعة في المادة مّما جعله يحتل مكانة هامة ومنزلة رفيعة ويغدو مرجعاً هاماً لاغنى عنه.(4)

q نشأة التلمود وتكوينه:

إنّ التلمود عمل اشتركت فيه أقلام كثيرة خلال أجيال متعدّدة . أكثر من ألف عام، وفي كل فترة كان يتّم جمع وتبويب وتصنيف وتدوين التلمود.

ŸŸ المرحلة الأولى التكوينية للتلمود تبدأ بمجيء عزرا الكاتب من بابل ، وتمتد حتى عصر المكابين 450- 100 قبل الميلاد .(5)

خلال هذه الفترة جرى جمع القسم الأكبر من الكتابات وأضيفت إلى التوراة لتغطية الأوضاع

والنواحي الجديدة وتكييف بعض الشرائع التوراتية وفقاً لمتطلبات الحياة، طالما أنّ النصّ التوراتي لم يفِ بهذه الحاجات. وهذه المرحلة يطلق عليها مرحلة الكتبة الذين انحصر نشاطهم الرئيسي في حقل نشر التعليم الديني إلى جانب بعض التشريعات والمراسيم التي كان لها أثر في ترتيب التوراة وإثبات نصّها المعياري.(6)

ŸŸ المرحلة الثانية تبدأ فيما بين " المكابي والهيرودي" وخلال هذه الفترة ظهر ما يعرف بالمعلمين الكبار الذين أطلقت عليهم تسمية " الأزواج" " زوجوت" وكان هناك خمسة من هؤلاء يمتدّون على خمسة أجيال ، ويمثلّ كل زوج منهم المنصبين التاليين :" رئيس السنهدرين أو الأمير ولقبه النّاسي، ونائب الرئيس أو رئيس بيت الدين وهم حسب التسلسل:

- جوزية بن يوعزر..........جوزية بن يوحنان

- يشوع بن فراحيا ..........نطاّي الأربيلي

- يهوذا بن طباي ...........سمعان بن شّطاح

- شماعيا ....................أتباليون

- هيلّل .......................شمّاي

هؤلاء لعبوا دوراً هاماً في تطوير الشريعة الشفوية ، مع الإشارة إلى أنّ الخلافات في الرأي حول ممارسة بعض الفرائض الدينية كانت في تصاعد مستمر بين هؤلاء الحكماء، وهناك العديد من الروايات والأقوال الهجادية والأحكام الشرعية والقوانين التي تنسب إليهم ... والزوج الأهم من بين هؤلاء الأزواج الخمسة " هيلّل وشمّاي" فهناك كثير من الأحكام الشرعية التي تحمل اسميهما، وكان هناك خلاف دائم بينهما استّمر حتى مع الأجيال اللاحقة .(7)

ŸŸ المرحلة الثالثة كانت خلال القرنين الأوّلين للميلاد وفيها يظهر التنائيم أي المعلّمون والثقاة ومعظمهم يحملون لقب " ربي" بمعني سيدي وعصرهم يقسم إلى أربعة أجيال متتالية:

Ÿ الجيل الأوّل فيما بين 10- 80 بعد الميلاد، ورجالات هذا الجيل ورثوا الخلافات من مدرستي هيّلل وشمّاي، واشهرهم الرابي جملئيل الأكبر من أحفاد هيّلل والرابي يوحنان بن زكّاي الذي أسّس مدرسة يمنية لتعليم الدين وأصبحت مركزاً للحياة والفكر بعد الخراب الثاني للهيكل. (8)

Ÿ الجيل الثاني فيما بين 90-130 بعد الميلاد، وأشهر التنائيم في هذا الجيل الرابي جملئيل الثاني الذي ترأس المدرسة الدينية في يمنية بعد وفاة زكّاي، والرابي اسماعيل بن أليشا، والرابي عقيبابن يوسف ، وهو أشهر علماء هذا الجيل ومعّلم السواد الأعظم من ربّاني الجيل الثاني.

Ÿ الجيل الثالث فيما بين 130 - 160 بعد الميلاد ، ويمثّله تلامذة الرابي إسماعيل والرابي عقيبا، وأشهر تلامذة عقيبا الرابي" مائير " الذي تابع العلم التنظيمي للتقاليد الشفهية بعد معّلمه ، وتنسب إليه المصادر اليهودية أنه وضع الأساس لجمع المشنا.

Ÿ الجيل الرابع فيما بين 160- 220 بعد الميلاد، وأشهر التنائيم في هذا الجيل هو الرابي يهوذا الناّسي، وكان رئيس السنهدرين وينسب إليه جمع المشنا وتصنيفه وتبويبه، وينسب إليه أيضاً تقسيم المادة المجموعة إلى ستة أجزاء عرفت بالسّدريمات الستة، ويحتوي كل سدر على عدد من المقالات أو الأسفار. وكل مقالة تقسم إلى عدد من المفاصل ، ويتألف كل مفصل من فقرات عديدة تعرف ب" حلقوت" وهي الأحكام الشرعية، ويبلغ عدد هذه المقالات / 63/ ثلاث وستون مقالة . وقد اعتبرت مجموعة الرابي يهوذا الناّسي بمثابة المشنا الأوحد.(9)

ŸŸ المرحلة الرابعة ويطلق عليها " الأمورائيم" وهي فيما بين 220- 500 بعد الميلاد. وهي تعني العلماء الذين عاشوا في فلسطين والعراق خلال هذه الفترة ، وتتعدّد التسميات التي تطلق على هؤلاء مثل:

" المتكّلمون، المفسّرون، الشّراح، المجادلون"، وقد انحصر نشاطهم الرئيسي في شرح المشنا وتفسيره، وهذه الفترة الممتدة من القرن الثالث إلى القرن السادس للميلاد هي الفترة الحاسمة في تاريخ التلمود وفي تكوينه الّلاحق بنوع خاص. ومرحلة الأمورائيم تقسم إلى خمسة أجيال:

Ÿ الجيل الأوّل فيما بين 220-280 بعد الميلاد، ومن أشهر المعلمين في هذا الجيل في فلسطين وفي بابل الرابي " يوحنان بن نباّحة" من فلسطين وهو أبرزهم خلال القرن الثالث الميلادي وقد تتلمذ على الرابي يهوذا هاناسي، والرابي" أبا عريقا" من بابل ، وقد جاء من العراق إلى فلسطين وأسّس أكاديمية " سورا" ويذكر عادة بلقبه الشائع " راب" وهناك أيضاً " صموئيل الفلكي والطبيب" من أقارب راب.

Ÿ الجيل الثاني: فيما بين 280-300 بعد الميلاد ويمثّله:

- في فلسطين الرابي أبّا حوا ، والهجادي الشهير رابي صموئيل بن نحماني.

- في بابل راب حونا والراب يهوذا بن حزقيال مؤسس أكاديمية " بمبديثة"، والراب حسدا والراب ششت.(10)

Ÿ الجيل الثالث فيما بين 320-370 بعد الميلاد ، ويمثّله:

- في فلسطين إرمّيا والرابي يوناه والرابي جوزه.

- في بابل رباح بن نحماني الذي اشتهر ببراعته الجدلية ودعي بمحرك الجيل. والراب يوسف، وهو من أكبر الثقاة في " الترجوم" الترجمة الآرامية للتوراة، وصاحب اطلاع واسع في جميع فروع الشريعة. ومن تلامذة هذين الرّابين " أبابي ورابا" اللذان اشتهرا بأساليبهما البارعة في المجادلة حيث ترد الكثير من مجادلاتهم في أماكن متعددة من التلمود البابلي.(11)

Ÿ الجيل الرابع فيما بين 375-427 بعد الميلاد، ويمثّله:

- في فلسطين الرابي صموئيل بن جوزة بن رابي بون.

- في بابل راب آنسي ، راب كهانا الثاني والراب أميمار. وإلى الراب آنسي ينسب الفضل في البدء بجمع التلمود البابلي وتهذيبه وتنقيحه ، حتّى أن المصادر اليهودية تعتبره خاتم أسفار التلمود البابلي . (12)

Ÿ الجيل الخامس فيما بين 427-500 بعد الميلاد ويمثّله:

في بابل ما بار، راب عشّي، رابينا، ورباح طوسفاح.

ŸŸ المرحلة الخامسة: وتدعى " الصابورائيم" أي التأمليون والشّراح في أقوال السلف واصحاب الرأي. واشهرهم الرابي " جوزية" والراب " آحاي " في مطلع القرن السادس. والراب " جيزا" والراب " سمعونا" في منتصف القرن السادس. ونشاط هؤلاء الصابورائيم كان محصوراً بالتعليق على التلمود بواسطة إضافات وهوامش تفسيرية وشرحية إلى جانب بعض المجالات التي أضيفت للتلمود دون ذكر أسماء المشتركين فيها وبأسلوب غريب، كما أدخلوا على التلمود بعض القراءات النهائية حول اختلاف الآراء لدى أسلافهم.( 13)

أقسام التلمود

يقسم التلمود إلى قسمين رئيسيين هما " المشنا والجمارا"

Ÿ المشنا: هي مجموعة قوانين اليهود السياسية والحقوقية والمدنية والدينية أي تتضّمن القواعد والأحكام بغير نقاش غالباً، والمشنا أشبه ما تكون بالكتاب القانوني أو مصّنف الأحكام الشرعية والفقهية التي تدعى " هالاغا" أي المذهب أو المسلك أو الطريق الذي يذكّر بالأحكام والفرائض والتشريعات الواردة في أسفار " الخروج والّلاويين والتثنية والاشتراع" ويبقى الحلال والحرام والطهارة والنجاسة وغيره ممّا ورد ذكره في التوراة وفسّره الفقهاء اليهود ووضعوا له حدوداً وقيوداً تلائم حاجة العصر الذي كانوا يعيشون فيه.(14)

Ÿ الجمارا: هي الشروح والحواشي التي تحيط بالمشنا، أي توضّح القواعد والأحكام الواردة في المشنا بامثلة أو حكايات وتناقشها وتضع إلى جانبها غالباً الحكم الفقهي الأخير. والجمارا تعني “ التكملة والتّتمة " وتتجلى فيها " الهجادا" أي العنصر القصصي والروائي والأسطوري بما يشمله من الأقوال المأثورة والأخبار والخرافات، ومختصر المباحث والمجالات التي حصلت في معاهد الدرس لأجل هذه الشروح والتفاسير. والهاجادا لفظة آرامية مشتقة من جذر يفيد معنى " روى وسرد وحكى وقصّ " ثم صارت تعني الشرح القصصي على سبيل الوعظ الديني كما اندرج تحتها تقاليد الأقوال المأثورة عن الرّبين إلى جانب القصص والأساطير المتصلة بحياة القديسين اليهود في العصر اللاحق للتوراة. واشتملت على موضوعات الفلك والتنجيم والطّب والسّحر والتصوف وغيرها.(15)

من المشنا والجمارا معاً يتألف التلمود الذي هو نتيجة تفاعل الشريعة المكتوبة مع أوضاع الحياة المتغّيرة والحاجات الطارئة . فهو يعتبر بمثابة سجل حافل يبين خلال المناقشات والشروحات والأمثلة والردود والروايات كيف كان اليهود يحاولون تطبيق الوصايا والفرائض التوراتية في حياتهم اليومية وحين يصطدم التطبيق العملي بالنصوص المقدسة تبدأ المشكلة بالظهور وتكثر الاجتهادات بينما يتصاعد البحث عن الحلول والمخارج .( 16)

المشنا تتألف من ستة أقسام رئيسية تدعى " سداريم" جمع سدر. وكل سدر يضّم عدداً من الأسفار أو المقالات أو الكتب تضّم عدداً من الإصحاحات أو الفصول تسمى " برقيم"

Ÿ السدر الأّول " سدر زراعيم" البذور ويتألف من أحد عشر سفراً فيها قوانين التوراة المتصلة بحقوق الفقراء والكهنة والّلاويين في غلال الأرض والحصاد . كما يبسط القواعد والأنظمة المتعلّقة بالفلاحة والحراثة وزراعة الحقول والجنائن ، وبساتين الأثمار والسنة السبتية والعشار والمخاليط المحظورة في النبات والحيوان والكساء. وهذه الأسفار هي :

-سفر براخوت " البركات" ويتناول صلوات اليهود وعباداتهم والقواعد المتعلقة بالأجزاء الرئيسية للصلوات اليوّمية.

- سفر فعاه " زوايا الحقل"ويتناول صلوات اليهود وعباداتهم والقواعد المتعلّقة بزوايا الحقل واللقاط المنسي مّما ينبغي تركه للفقراء " فقراء اليهود حصراً". وغير ذلك من الفرائض والواجبات التي يرد ذكرها في سفر الّلاويين الاصحاح التاسع عشر والاصحاح الثالث والعشرين، وفي سفر التثنية الاصحاح الرابع والعشرين.

- سفر ذمّاي " المشكوك بأمره من المحاصيل" ويتحدث عن المحاصيل الزراعية كالذرة وغيرها من منتوجات الأرض لجهة الشّك بأمر استخراج العشار الّلازم منها أو عدمه. ويبدأ هذا السفر بايراد قائمة تتضّمن المحاصيل المعفاة من قواعد الزّماي وأحكامها كالتّين البّري والجمّيز والبلح الفّج والعنب المتأخر، بينما يعدّد الفصل الثاني المحاصيل الواجب تعشيرها كالتين المكبوس والبلح والخرّوب والأرز والكمّون وغيره.

- سفر كيلعايم " المخاليط أو الاختلاط" يعالج الأحكام التوراتية الواردة في سفر اللاويين الاصحاح 19 وفي سفر التثنية الاصحاح 22 بالنسبة لخلط البذور المختلفة في الزراعة أو الجمع بين جنسين من المواد في الثوب.

- سفر شبيعيت " السنة السّابعة أو السبتية " يبحث في القوانين المتعلّقة بإراحة الأرض والابراء من الديون في السنة السبتية استناداً إلى ما جاء في الّلاويين الاصحاح الخامس والعشرين.

- سفر تروموت" التقدمات ، الرفائع" يعالج القوانين والفرائض المتعلّقة بذلك القسم من الغلال والمحاصيل المعّين للكاهن.

- سفر معاشروت” العشار” وموضوعه العشار الأوّل المتوجب دفعه سنوياً إلى الّلاوي من غلّة الحصاد، والّلاوي بدوره يعطي الكاهن منه بنسبة العشر.

- معاشر ثاني” العشار الثاني” الذي يحمله المالك نفسه إلى القدس لكي يؤكل هناك.

- سفر حلاّه " أول العجين" ويتعّلق بذلك القسم من العجين الذي يفرض إعطاؤه للكاهن.

- سفر الغرلة " بلاختان، الغلفاء" ويتناول الحظر على استعمال ثمار الأشجار الصغيرة خلال السنوات الثلاث الأولى ، وقواعد الاعتناء بهذه الأشجار في السنة الرابعة.

- سفر البكوريم " البواكير" ويبحث في قوانين تقديم الثّمار الأولى في الهيكل ، ويتضّمن وصفاً للشعائر التي ترافق التقدمة، وتوجد فيه مقارنات بين الرجل والمرأة وغيره من المسائل الأخرى.

Ÿ السدر الثاني" سدر موعيد" الأعياد والمواسم، وفيه اثنا عشر سفراً تضّمها أربعة مجلدات ضخمة تتناول كل مايتعّلق بالسبوت والأعياد وأيام الصوم والمناسبات الدّينية والطقوس والفرائض والقرابين وتنظيم التقويم العبري وغيرها. وهذه الأسفار هي:

- سفر السبت يتناول هذا السفر قوانين السبت والقواعد الّلازمة لمراعاة عطلة يوم الرّاحة والأعمال المحظورة في ذلك النهار.

- سفر عيروبين" المقادير" التي يصّح الجمع فيما بينها لجهة الأمكنة والأطعمة والمسافات بحيث يؤدي ذلك إلى توسيع حدود السبت ، ويتناول هذا السفر أيضاً القوانين والأنظمة التي تتيح لليهودي حرّية الحركة خارج نطاق الحدود الموصوفة وأثناء السبوت والأعياد.

- سفر فصاحيم " الفصوح " أو خراف الفصح، ويتناول قوانين إتلاف الخمائر أثناء عيد الفصح اليهودي وتقريب الخراف والذبائح ومواسم الرّب المقدّسة.

- سفر شقاليم " الشواقل" ويتناول أحكام الضرائب والرسوم المجباة لصيانة الهيكل وتأمين نفقاته وتقديم الذبائح بصورة منتظمة.

- سفر يوما" اليوم" ويعرف بيوم الغفران ، لأنّه يتناول أنظمة هذا العيد وفرائضه داخل الهيكل كما يبسط قوانين الصوم وأحكامه ويصف الاحتفالات والطقوس التي كان يترأسّها الكاهن الأعلى في ذلك اليوم.

- سفر سوكاه" المظّلة أو خيمة الاجتماع" يحتوي هذا السفر قوانين عيد المظال، وكيفية إقامة المظّلة أو الخيمة والسكن تحتها لمدة سبعة أيام، كما يتحدّث عن شعائر هذا العيد وصلواته ، والنباتات الأربع التي تؤخذ أغصانها لصنع المظّلة.

- سفر بيظاه " بيضة العيد" يرسم الحدود التي تتحكم باعداد الأطعمة أثناء الأعياد، ويسرد المحظورات خلال أيام العيد.

- سفر روش هاشنة" رأس السنة " ويتناول المسائل المتعّلقة بالتقويم العبري ورؤية الأهّلة للسنة الجديدة، ويحوي أيضاً القوانين التي تجب مراعاتها في مطلع الشهر السّابع " تشري" أي رأس السنة المدنية عند اليهود.

- سفر تعانيت " الصوم " وهو يبحث في أمور الصوم.

- سفر مجيّللا " لفافة التوراة " والمقصود بهذا السفر كتاب أستير في الدرجة الأولى لأنّه يتناول أحكام قراءة قصة أستير في عيد البوريم كما ترد فيه أحكام أخرى متعّلقة بقراءة التوراة أثناء العبادات العّامة.

- سفر حجّيجا " تقدمات الأعياد " ويتناول القوانين والأحكام المتصلة بالقرابين التي تقدّم في الأعياد.

- سفر موعيد قطان" العيد الصغير" ويتناول أحكام العمل أثناء الأيام الفاصلة بين أوائل عيد الفصح وأواخره وبين عيد المظال، كما يتحدث عن الفرائض المتعلقة بالحزن والحداد.

Ÿ السدر الثالث" سدر ناشيم" أي النساء، وهو يشتمل على قوانين الزواج والطلاق والأحكام التي تحدّد العلاقات بين الزوجين وبين الجنسين بصورة عامة وأسفار هذا السدر سبعة هي:

- سفر يباموت " الأخوات الشرعيات أو زواج الّلاويين" ويتحّدث عن الشرع التوراتي القائل بوجوب زواج الأخ بإمرأة أخيه المتوفى دون أن يخّلف الأولاد وفي حال امتنع الرجل عن أخذ إمرأة أخيه تصعد أرملة الأخ إلى الشيوخ معلنة أمامهم" قد أبى أخو زوجي أن يقيم لأخيه إسماً في إسرائيل، لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج" وحين يصّر الأخ على الرفض أمام شيوخ المدينة، تتقّدم إمرأة أخيه وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول :" هكذا يفعل بالرجل الذي لايبني بيت أخيه " فيدعى اسمه في إسرائيل” حاليصاه " والمرأة تدعى " حالوصاه".

- سفر كوتوبوت " شؤون الزواج والعقود".

- سفر نذاريم" النذور"

سفر النظير " النذير أوالناذر"

- سفر سوطاه" المرأة المشبوهة" أي المرأة التي يتّهمها زوجها بالزّنى والاجراءات التي ترافق ذلك.

- سفر غطين " كتب الطلاق".

- سفر قيدوشين" الّتكريس" ويتناول الشعائر والفرائض المتصلة بالخطوبة والزواج واقتناء العبيد والأقنان بصورة شرعية واستملاك العقارات. وغيرها.

Ÿ السدر الرّابع " سدر نزيكين" أي الأضرار ويقسم إلى عشرة أسفار هي:

- سفر بابا كاّما " الباب الأول" ويتناول أحكام الأضرار الّلاحقة بالأملاك والأذى المرتكب بحّق الأشخاص بدافع إجرامي أو على صعيد الجنحة، كما يعالج قضايا التعويض عن السرقة والسلب واقتراف العنف.

- سفر بابا تزيا " الباب الأوسط " ويتناول الأحكام المتعّلقة بالأشياء المفقودة التي يّتم التقاطها أو العثور عليها بالبيع والمبادلة والرّبا والغش والاحتيال واستئجار العمال والبهائم، بالاضافة إلى الايجار والتأجير والملكية المشتركة للبيوت والحقول. وهومليء بالأحكام التي تميّز اليهودي عن الأممي.

- سفر بابا بترا" الباب الثالث " يعالج القوانين المتعّلقة بتقسيم أملاك الشراكة والعقارات وقوانين التجارة والتمّلك والاستملاك وغيرها.

- سفر السنهدرين" المحاكم القضائية" ويتناول تأليف مختلف المحاكم القضائية وإجراءات المحاكمة وعقوبات الموت والاعدام.

- سفر شبوعوت " القسم أو اليمين"

- سفر عدويوت " الشهادات"

- سفر عابودازاره" عبادة الأصنام"

- سفر آبوت" الآباء"

- سفر حورايوت " الأحكام أو القرارات" ويتناول الأحكام الخاطئة التي تصدر عن السلطات الدينية في المسائل المتعّلقة بالشعائر والطقوس.

Ÿ السدر الخامس " سدر قداشيم" المقدّسات ويتألف من أحد عشر سفراً:

- سفر ذباحيم " الذبائح "

- سفر مناحوت " تقدمات اللحوم والشراب".

- سفر حولين " الدنيويات " أي مواصفات ذبح الحيوانات والطّيور للاستهلاك العادي.

- سفر بكوروت " الباكورة" أي المواليد البكر من الحيوان والانسان وفقاً لما جاء في التوراة " قدّس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم إنّه لي .". سفر الخروج الاصحاح 13.

- سفر عراكين " التقديرات" أي تحديد الكمّية التي ينبغي تقديمها كنذر للهيكل.

- سفر تموراه " الابدال أو البدل " أي إبدال القرابين وتغييرها الجيد بالرديء، والرديء بالجيد.

- سفر كرتيوت " الرسوم الجزائية " ويعالج الآثام والأخطاء التي تخضع لعقاب القطع أو الفصل من الشعب.

- سفر معيلاه " الإثم والخطيئة " ويتناول مسألة انتهاك الحرمات والمقدسات وتدنيس الأشياء التابعة للهيكل أو المذبح.

- سفر تاميد " التضحية اليومية أو المستمرة " يصف خدمات الهيكل من حيث اتصالها بتقديم القرابين اليومية في الصباح والمساء.

سفر ميدوت " المقاييس والأبعاد " ويتناول مقاييس الهيكل ومواصفاته" السّاحات ، الأبواب، القاعات، المذبح ،". كما يتضّمن وصفاً للخدمات التي يؤديها الكهنة أثناء وجودهم في الهيكل وقيامهم بحراسته وتدبير شؤونه.

- سفر قنّيم " الأعشاش" ويتحدّث عن الأنظمة والأحكام المتعلّقة بتقديم العصافير والطيور قرباناً للتكفير عن الخطايا والمعاصي التي يقترفها الفقراء ... وغيرها..

Ÿ السدر السادس " سدر طهوروت" التطهيرات ، ويتألف هذا السدر من اثني عشر سفراً:

- سفر كليم " الأواني والأوعية " طهارتها ونجاستها.

- سفر أوحولوت " الخيام" نجاستها وطهارتها.

- سفر نجاعيم " البرص، الطواعين ، الأوبئة".

- سفر فاراه " العجلة الحمراء" البقرة الصغيرة، أي البحث في الخصائص الواجب توفرها في العجلة الحمراء لكي يصار إلى إعداد رمادها للاستخدام في التطهير من النجاسة والرجاسة.

- سفر طهوروت" تطهيرات" ويعالج أحكام النجاسة في الأطعمة والأشربة.

- سفر مكفاعوث " الآبار والخزانات ".

- سفر نداه " الحائضة " الحيض المتعّلق بالنساء.

- سفر ماكشيرين " الاستعدادات " ويتناول الظروف التي تصبح الأطعمة بموجبها قابلة للنجاسة بعد احتكاكها بالسوائل. كما يعدّد السوائل التي تجعل الأطعمة في تلك الحالة من الاستعداد والتعّرض.

- سفر زابيم " الزاب ، السيلان" يتحدث عن نجاسة الرجال والنساء لدى الاصابة بالأمراض الزهرية والسيلان المنوي وغيره..

- سفر تبول يوم " الغسل اليومي"

- سفر عقصين " سويقلت الثمار وقشورها " والظروف التي تصبح بموجبها قابلة لنقل النجاسة...(17)

qq

(1) التلمود والصهيونية - تأليف الدكتور أسعد رزّوق- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث 1970 ص 115.

(2) نفس المصدر ص 117.

(3) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق- منظمة التحرير الفسطينية . مركز الأبحاث 1970 ص 146- 147

(4) نفس المصدر ص 114

(5) المكابيون: كلمة مكابي بالعبرية تعني المطرقة. ففي سنة 175 قبل الميلاد قام اليهود المقيمون في القدس بتمرد ضد السلطة السلوقية واستمّر هذا التمرّد أكثر من أربعين سنة وانتهى بالحصول على الحكم الذاتي في القدس تحت سيادة اليونان وترأس هذا الحكم " سمعان المكابي" وهو الابن الثالث " لمتّيا" الذي قاد التمرّد وهو من الأسرة الحشمونية . وقد أعلن المكابيون أنّهم دولة مستقّلة وتطلعوا إلى التّوسع وتمكنوا من احتلال بعض المناطق وأرغموا سكان الجليل والأدوميين على اعتناق الدّين اليهودي وفرضوا الختان على الرجال. واستمروا في حكم القدس حتى قضى عليهم " بومباي الروماني " سنة 63 قبل الميلاد عندما احتل القدس-
انظر الموسوعة الفلسطينية- الأطماع الصهيونية في القدس- تأليف عبد العزيز محمد عوض- القسم الثاني- المجلد السادس- الطبعة الأولى بيروت 1990 . ص 860.

(6) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث 1970 ص 126

(7) نفس المصدر ص 126-128.

(8) نفس المصدر ص 134

(9) التلمود والصهيونية- الدكتور أسعد رزوق- منظمة التحرير الفلسطينية- مركز الأبحاث 1970- ص 135-136.

(10) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق . منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث 1970- ص 142- 145

(11) نفس المصدر ص 142-145

(12) نفس المصدر ص 142-145

( 13) نفس المصدر ص 144-145

(14) التلمود والصهيونية- الدكتور أسعد رزوق- منظمة التحرير الفلسطينة - مركز الأبحاث 1970- ص 118 -123

(15) نفس المصدر ص 118-123

( 16) نفس المصدر ص 123

(17) أنظر التلمود والصهيونية - للدكتور أسعد رزّوق- منظمة التحرير الفلسطينة- مركز الأبحاث 1970- من ص 150 إلى 175.
[/align]
يتبــــــــــــــــــع>>>

مازن شما 20 / 01 / 2009 40 : 07 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
الفصل الثالث

q فقرات تلمودية:

- الرؤية التلمودية لفلسطين:


[align=justify]
في أسفار التلمود مفاهيم وتصورات عن الأرض المقدّسة " فلسطين " تلعب دوراً بارزاً على صعيد الفكر والعمل الصهيوني، وإليها استند زعماء الصهيونية من العلمانيين والمتدّينين في تبرير أعمالهم ومشاريعهم العدوانية في فلسطين العربية . ولاتزال هذه المفاهيم والتصورات الغيبية تلعب دوراً هاماً في إسرائيل اليوم ، اجتماعياً واقتصادياً وتعلّيمياً وسياسياً.
إنّ النقطة الرئيسية التي يستند إليها هؤلاء الصهاينة هي فكرة المسيح المنتظر التي قال عنها " بن غوريون " انّها ضمنت بقاء الشعب اليهودي على مرّ الأجيال ، وخلقت الدولة التي أصبحت أداة لتحقيق هذه الرؤيا المسيائية .(1)
هذه الرؤيا، رؤيا الخلاص أو الأمل المسيائي هو الطابع المحوري لليهودية التلمودية ، وهذا الخلاص يرتبط برباط وثيق مع فكرة العودة إلى الأرض المقدّسة " الموعودة" وإعادة بناء الهيكل وطرد العرب.
في أسفار التلمود يتجلّى اهتمام الرّبانيين بفكرة المسيا، فتتحّول على أيديهم إلى عقيدة شاملة وأساسية تؤلف الطابع المحوري لفرادة الشعب اليهودي، وتعلقّهم بوطنهم القديم وتحوّل أنظارهم نحو المستقبل وتملأهم بالصبر والعمل لمواجهة جميع الصعوبات التي عانوها.
يورد الدكتور اسعد رزّوق مزيداً من الفقرات التي تتحدّث عن الرؤيا المسيائية ونظرة الرّبانيين لها والحديث عن مواقيتها واسبابها ونتائجها.(2)
في سفر سنهدرين نقرأ عن التصورات الرّبانية المتعدّدة والتي منها رؤية " التنائيم " في أنّ هناك دورة السنوات السّبع التي سيأتي بعدها المنتظر من نسل داود، وعلائم ذلك تظهر في كل سنة من هذه السنوات السّبع . ومنها أيضاً أنّ التّوبة شرط الخلاص، وعلائم هذه التوبة هو اشتداد الخصوبة في أرض فلسطين على رأي الرّباني " أبّا" بينما يرى الرّباني" حاما بن حانينا بن داود " أنّ هذا الخلاص لن يأتي حتى يزول تسّلط أصغر الممالك على إسرائيل.
وتتراوح مدّة العصر المسيائي بين أربعين سنة وسبعين لدى البعض من الرّبانيين. أو بين 365 و 400 سنة لدى غيرهم.
والمسّيا كما يرى الرّبانيون ينحدر من نسل داود وسوف يغلب أعداء إسرائيل ويسحقهم لكي يحرّر إسرائيل ويسترجع فلسطين . وفي سفر " تعانيت " يرد تفسير الرّباني " يوحنان " للعبارة الواردة في سفر هوشع في التوراة الاصحاح الحادي عشر " إنّ الواحد القدّوس تبارك اسمه قال: لن أدخل القدس السماوية حتى يتسّنى لي دخول القدس الأرضية".(3)
ويرى الرّبانيون التلموديون ، أنّ جمع اليهود في فلسطين هو من منجزات العصر المسيائي، وفي المجموعة التي تضّم الأقوال الحكيمة للرّباني " أليعازر " نقرأ شيئاً مماثلاً :" الواحد القدّوس تبارك اسمه هو المقّدر له أن يجمع بني إسرائيل من زوايا الأرض الأربع ، وكما ينقل البستاني غرساته من تربة إلى تربة أخرى فإنّ الواحد القدوّس تبارك اسمه سوف ينقلهم من أرض : دنسة إلى أخرى طاهرة ". (4)
فتصورات التلمود للعصر المسيائي ترسم صورة لفلسطين إلى جانب مسألة جمع المنفيين من بني إسرائيل . فيتحّدث الرّبانيون عن اجتماع شمل بني إسرائيل في فلسطين وتقسيم الأرض فيها على / 13/ سبطاً منهم وسوف تمتدُّ حدود فلسطين وتتسّع كلّما ازدادات امتلاءً وكثافة.
وفي سفر " بابا بترا " يتحدّث الرابي يوحنان عن تفسير العبارة في المزمور 24/2:" لأنّه على البحار أسّسها وعلى الأنهار ثبتّها ". ويرى يوحنان أنّ المقصود هي أرض إسرائيل ، فالبحار هي بحارها السبعة والأنهار هي أنهارها الأربعة" بحيرة طبرية ، بحر سدوم " الميت" بحر إيلات ، بحر حولتا، بحر سيبكابي، بحر أسباميا، البحر الكبير المتوسط". أمّا الأنهار الأربعة فهي " الأردن ، اليرموك، كراميون، ينجاه أوبيجا ". ( 5)
والصورة التي يرسمها الأدب التلمودي لحدود أرض إسرائيل في المستقبل هي حسبما جاء في سفر " دباريم" :" سوف تمتدّ حدود أرض إسرائيل وتصعد في جميع الجهات، ومن المقدّر لأبواب القدس أن تصل إلى دمشق، وسوف تأتي الدياسبورا لتنصيب خيامها في الوسط.(6)
وترد اجتهادات وتفسيرات كثيرة على لسان الربانيين في التلمود عن فلسطين وأحقّية بني إسرائيل فيها بسبب الوعد الالهي ليعقوب الذي منحه أرض الكنعانيين ليمتلكها ونسله وتغدو ميراثهم الأبدي. فهم يشيرون إلى أنّ أرض كنعان من نصيب سام بن نوح وهم أبناء سام بن نوح . بينما الكنعانيون من نسل حام. ووجدوا في أرض كنعان لكي يحرسوا المكان إلى حين مجيء بني إسرائيل، وأنّ الواحد القدّوس تبارك اسمه قاس جميع الأمم فوجد أنّ جيل التيه " بني إسرائيل " وحده يستحق أن يتلقى التوراة، وقاس جميع المدن فوجد القدس وحدها جديرة باحتواء الهيكل، ثم قاس جميع البلدان فرأى أنّ البلد الوحيد الذي يليق بأن يعطى إلى بني إسرائيل هو أرض إسرائيل.(7)
فالرّبانيون التلمودّيون يشيرون دوماً إلى أنّ كنعان لهم بحسب ما جاء في التوراة، سفر التكوين الاصحاح التاسع :" ملعونً كنعان عبد العبيد يكون لاخوته". وهذا يعني كما فسّرها الرّبانيون أنّ العبد ملكٌ لصاحبه وحتى لو أعطيت الأرض إلى الكنعانيين فإنّها ملكٌ لأسيادهم اليهود. وأنّ ابراهيم صرف أبناء السراري جميعهم وأعطى كلّ ما له لابنه إسحق، وبالتالي فإذا قام أبٌ بتوريث أبنائه خلال حياته ثم صرفهم الواحد عن الأخر ، فهل هناك من حقّ للواحد على الأخر . ويجيب التلمود كلاّ بالطبع.(8)

- الرؤية التلمودية للأغيار:
إنّ النظرة اليهودية التلمودية تميّز اليهود عن الأغيار، الأمم غير اليهودية، فهم الشعب المختار والزرع المقدّس. هم البشر وجميع الأمم حيوانات يستدعي نحرهم.. والنحر غير الذبح . فالذَّبح يتطلب التبريك أمّا النّحر فلا يحتاج إلى تبريك. لأنّ الأمم لايحتاجون إلى التبريك . والوثني الذي يدرس التوراة يستحّق عقوبة الموت في نظر الرابي يوحنان، لأنّ موسى أوصى كما يشرح هذا الرابي بناموس ميراث جماعة يعقوب، أي أنّ التوراة هي ميراثهم وحدهم، فلهم الميّزة والأفضلية إزاء الأغيار، وهو ماتكرسّه أقوال الفقهاء اليهود في التلمود فنقرأ قول الرابي حنينا:" إذا ضرب الوثنّي يهودّياً استّحق الموت". ويقول أيضاً :" من ضرب إسرائيلياً على فكّه كأنّه اعتدى على الحضرة الالهيّة.".(9)
الرؤية التلمودية للأغيار ترى أنّ بني إسرائيل هم البشر وحدهم أمّا ما عداهم من جميع الأمم فإنّهم من أصناف البهائم والحيوانات . ولا يجوز لليهودي أن يسكن في بيت واحد مع أحد من الأمم ، ويجب على اليهودي أن يجتهد بإخراج الساكن معه من الأمم الأخرى ، لأنّ بيوت الأمم الأخرى تشبه خان الحيوانات وليس لهم اسم مسكن على الاطلاق.(10)
كما يشير فقهاء التلمود إلى أنّه لايجوز للطبيب " الحكيم " اليهودي الماهر أن يعالج أحداً من بقية الأمم ولو بالأجرة. أمّا إذا كان الطبيب اليهودي غير ما هر بصنعة الطّب فيجب عليه أن يتعّلم بمعالجة بقية الأمم للتعّلم فقط . وحرام عليه أحد من اليهود طالما بقي غير ماهر بصنعة الطب .( 11)
إنّ طعام النصارى والمسلمين محرّمٌ ولا يجوز لليهودي أن يأكل من منازل النصارى والمسلمين. وعليه أن يتلف خمره إذا ما لمسه نصراني أو مسلم أو من عبّاد الأصنام.(12)
ونقرأ أيضاً أنّه لايجوز لليهودي أن يتعامل بالرّبا مع أخيه اليهودي بينما يباح له أن يمتصّ غيره من الأمم والشعوب، وأن يسرقه وأن يشهد بالزّور عليه وأن يقتله أو يكذب عليه أو يغدر به أو يغصبه أو ينتقم منه أو يشتهي امرأته أو بيته. فالمحرمات التي نجدها في سفر الخروج تخصّ بني اسرائيل وحدهم :" لاتشهد على قريبك شهادة زور ولا تشته بيت قريبك ، لاتشته امرأة قريبك ولا أمته ولا ثوره ولاحماره"،" لاتقرض أخاك بربا للأجنبي تقرض بربا. لكن لأخيك لاتقرض بربا" سفر التثنية.(13)
ويتشدّد التلموديون في نظرتهم إلى العرب ، فيرد في سفر " سوكاه " قولٌ للرابي " حانا بن آبا":" هناك أربعة أشياء يندم الواحد القدّوس تبارك اسمه على خلقه إيّاها وهي :" النفي، الكلدانيون، الاسماعيليون، ونزعة الشّر." وينسب الرّبانيون التلموديون إلى العرب كثير من التصرفات السلبية مثل إساءة معاملة الأسرى من النساء، وإساءتهم لجمالهم وخيانتهم وغوغائيتهم .(14)
إنّ رؤيتهم بشكل عام إلى الأمم أنّهم وثنيون يعبدون الأ صنام ولهذا لايحقّ لهم كما يحقّ لليهود. فلليهود حقّ بما يحرمونه على سواهم . فلا يجوز لأحد من عباد الأصنام " أي جميع الأمم دون استثناء" أن يستريح يوم السبت، فإذا استراح فينبغي قتله، لأنّ الّله قال حسب رأيهم: لايستريحوا لافي الليل ولا في النهار، وكذلك إذا قرأ أحد عبّاد الأصنام في التوراة فيجب قتله لأنّ التوراة هي لبني إسرائيل فقط .(15)

التلمود في إسرائيل:
هناك سلطتان قائمتان في إسرائيل" الدولة من جهة ، ودار الحاخامية من جهة ثانية ... ودار الحاخامية تقوم على تطبيق الشرع التلمودي في شؤون الأحوال الشخصية للإسرائيليين" الزواج، الطلاق ، المواريث،" وهي شديدة التمسّك في تنفيذ أحكام الشّرع بحذافيرها.
إنّ الشّرع التلمودي يمارس نفوذه في المجالات التالية:
-الأحوال الشخصية: قضايا الزواج والطلاق وتسجيل المواليد وقوانين الميراث.
- قوانين الأطعمة: تحليلها وتحريمها والشروحات المتعلّقة بالذّبح الشعائري.
- التعليم الديني: وهذا ما يأخذ الأولوية لدى الحاخامين، والتربية التلمودية في المدارس والمعاهد الدينية تلقى اهتماماً متزايداً ويؤلف التلمود محوراً رئيسياً في منهاج الدراسة، وتوجد في اسرئيل مؤسسة خاصّة في القدس للموسوعة التلمودية التي بوشر بإصدارها منذ عام 1947 باللغة العبرية، وهي في متناول كلّ يهودي.
والعرب في إسرائيل يواجهون مظاهر التعصّب والانغلاق والتشّدد الدّيني ، وتظهر دائماً كتابات معادية للعرب على الجدران مثل :" الموت للعرب، إسرائيل لنا، لانريد العرب، هذه المدرسة لنا وليست للعرب، لاتنازل عن الحدود، إلى ما هنالك من جمل وعبارات تلمودية تكرّس النزعة العنصرية والعدوانية واستحضار التاريخ. وتساهم في خلق جيل يهودي منغلق متعصّب شديد التدّين بالغيبيات التوراتية والتلمودية، يسعى لترجمتها إلى واقع ، فالتلمود يفسّر القدس السماوية بمفهومها الرّوحي على أساس القدس الأرضية ، ويشترط لتحقيق القدس الرّوحية عودة اليهود إلى قاعدتها الأرضية.
في إسرائيل مئات الآلاف من الشبّان الذين تثقفوا على تلك النزعات الدينية الغيبية، وهم يرفضون أي شيء يسّمى مساواة أو عدالة مع الأغيار ويحاولون دوماً ترسيخ فكرة الاختيار والقداسة، والحدود التاريخية المقدّسة وضرورة التمسّك بالتراث.
ويعمل المسؤولون الاسرائيليون بدأب لتشكيل الشخصية اليهودية بناء على نموذج عنصري انطلاقاً من المقولة انّ اليهود شعب الّله المختار، وهم أسمى الأجناس وأرقاها.(16)

q q

(1) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث- ص 236

(2) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزّوق - ص 241 وما يتبعها

(3) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق - ص 244 وما يتبعها.

(4) نفس المصدر ص 244- 245

( 5) نفس المصدر ص 248.

(6) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق - ص 249

(7) نفس المصدر ص 253

(8) نفس المصدر ص 256

(9) التلمود والصهيونية - الدكتور أسعد رزوق- ص 260-261

(10) فطير صهيون- العماد مصطفى طلاس- دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر- الطبعة الثانية 1986 ص 153

( 11) نفس المصدر ص 155

(12) نفس المصدر ص 156

(13) العنصرية اليهودية - دكتور جورجي كنعان - دار النهار للنشر- الطبعة الأولى 1983 ص 54- 55

(14) التلمود والصهيونية- الدكتور أسعد رزوق- ص 265-268

(15) فطير صهيون- العماد مصطفى طلاس- الطبعة الثانية ص 154- 155

(16) - التلمود والصهيونية- الدكتور أسعد رزوق. ص 271- 273
[/align]

يتبــــــــــــــــــع>>>

مازن شما 02 / 02 / 2009 12 : 07 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
الباب الثاني

محتوى التعاليم الدينية اليهودية

الفصل الأّول

"النزعة العدوانية"


إنّ روايات الثأر والانتقام والاعتداء والقتل تطغى على كلّ ما يرد في النصوص التوراتية والتلمودية المتداولة حالياً، وهي لاتخلو من الغدر والخيانة والحضّ على الاستعلاء والعدوان والتسّلط والعزلة وضرورة التوّجس من الأغيار والتّرفع عنهم ، وهو ما اتخذته الصهيونية منهجاً رئيسياً وأعادت تشكيله بما يتّفق والواقع الراهن.( 1)

هذه الروايات التوراتية تنسب تلك الروح العدوانية إلى " يهوه " الاله المسّمى " ربّ الجنود "، فهي تؤكد على مشاركته في كلّ عدوان، فتغدو الحرب حربه والثأر ثأره والانتقام انتقامه حتى على شعبه المقدّس إن تردّد في تنفيذ مخّططاته العدوانية أو استنكر.(2)
نستشّف من هذه الروايات أن ليس هناك سبب منطقي لهذه الروح العدوانية إلاّ الروح العدوانية نفسها ورغبة يهوه أن تعرفه الشعوب والأمم على أنّه القادر القوي المتّميز الحامي لشعبه المقّدس .(3)
وحسب الرواية التوراتية نجد أنّ الاله اليهودي ومنذ بدء الخليقة مّيز بين الانسان وأخيه الانسان ، فخلق من هذا التمييز ذلك الحقد المشبع بالعدوان والانتقام، فنقرأ أنّه تقّبل قربان هابيل ولم يتقّبل قربان أخيه قابيل، فاغتاظ الأخير وحقد على أخيه وقتله وكانت النتيجة أن لعنه الاله يهوه إلى الأبد.(4)
ثم جاءت لعنة نوح الناطق باسم يهوه لحفيده كنعان بن حام وبعد ليلة سكر وتعرٍّ، بداية لطوفان جديد لايزال مستمراً، تمثّل في تقسيم العائلة البشرية بين سادة وعبيد ، فأرسى هذا التقسيم العداء الأبدي، وولّد لدى اليهود نزعة الاستعلاء والتسّلط والعدوان تجاه الشعوب الأخرى، نظراً لأنّهم نسبوا أنفسهم إلى النّسل المبارك والزرع المقّدس.(5)
إنّ ما قام به أسلاف اليهود من أعمال عدوانية تعتبر بطولات وأمجاداً وعلى كل يهودي أن يلتزم بسلوكية هؤلاء الأسلاف، وأن يكوّن من هذه السلوكية شخصيته المتمّيزة والمترفّعة والمشبعة بالتوجس والعدوان. ولهذا فإنّ نظام التعليم اليهودي يرتكز على تعريف الطفل في سّن الرابعة على هويته واسلافه ويدّرب على الاحتراز من الأغيار وعدم مخالطتهم، وزرع فكرة القداسة والاختيار في عقله الباطن.
في نصوص التّوراة نقرأ كثيراً من أعمال العنف والعدوان، وهي كما يزعم اليهود، بطولات قام بها أسلافهم التزاماً بأوامر الرّب يهوه، كما نقرأ أوامر وأحكاماً تؤكد على التسّلط والتوّجس والاحتراز والعدوان والعزلة وعدم الاختلاط بالشعوب والأمم الأخرى نظراً لنجاستها ودونيتها، ونجد الروح العدوانية واضحة تماماً في السلوك والأفكار.
إنّ سفر التكوين عبارة عن معمعة من أعمال العنف والغدر والقتل والرذيلة أراد منها الأحبار اليهود أن تكون منهجاً وسنة يقتضى اتباعها في كل زمان وأوان.. حيث إرادة الاله يهوه كما يزعمون.
ففي الاصحاح الرابع والثلاثين نقرأ عن اعتداء أبناء يعقوب بن اسحق “ إسرائيل “ على سكان منطقة شكيم التي كانوا يسكنون فيها ويلقون كلّ الاحترام والمحبة منهم. فقد أحبَّ " شكيم" ابن حمور زعيم المنطقة إبنة يعقوب، وأرادها زوجة له وقد طلبها من والدها وإخوتها، لكنّ أولاد يعقوب غدروا بشكيم ووالده وبسكان المنطقة جميعهم، بعد أن احتالوا عليهم وتمكنّوا منهم وقتلوهم، ثم هربوا من المنطقة بعد أن نهبوا البيوت جميعها وسبوا النساء والاطفال.( 6)
في سفر الخروج يعاني المصريون معاناة كبيرة من سياسة يهوه العدوانية دون أن يكون هناك أي سبب منطقي إلاّ رغبة يهوه في أن يعرفه المصريون ويتمجّد بهم وبفرعون ويخرج شعبه الخاص المدلل إلى كنعان . وكأنه لايستطيع أن يدفع بالمصريين إلى معرفته بأعمالٍ خيّرة وطيبة تكون أكثر فاعلية من العدوان والرعب.
كان يهوه وراء قساوة قلب فرعون وهو الذي دفع المصريين أن يتشّددوا ويقسّوا قلوبهم، لقد كانوا مسّيرين تماماً ولم يكن بمقدورهم إلاّ أن يكونوا كذلك إنّها إرادة يهوه الراغب في دفع المصريين إلى الخطيئة ومن ثمّ معاقبتهم دون رأفة.(7)
إنّ كل المصائب والأهوال التي حّلت بالمصريين كان وراءها يهوه ، وقد سّمى محرّر السفر هذه المصائب والأهوال ب " العجائب " و" الأحكام العظيمة". أليس من الممكن أن تتّم عملية خروج بني إسرائيل من مصر دون اللجوء إلى هذه الأعمال العدوانية ، فقط لو ليَّن قلب فرعون وعبيده وأعطى آياته وعجائبه طابع الخير والمحبة فيخّلف انطباعاً ايجابياً لديهم ليحبوه ويعرفوه.؟.
كان من الممكن مثلاً أن يحوّل لهم الصحراء إلى حدائق مليئة بالأشجار المثمرة والينابيع الرّقراقة، تلك آية عظيمة. وكان من الممكن أيضاً أن يزرع الايمان في قلوب المصريين فيصيروا من شعبه الخاص المقدّس. أو حتى أن يعتم على عملية الخروج من مصر بطريقة لاتؤذي المصريين ولا تشّكل قضية راح ضحيتها غرقاً آلاف القتلى من المصريين . لكنّه لم يفعل هذا لأنّ محرّر السفر لايريد أن يكون إلهه متسامحاً شمولياً. ولهذ فقد حوّل المياه في كل مناطق مصر إلى دماء، فمات السمك وأنتنت المياه وهلك السكان من العطش.(8)
ثم نشر الضفادع بعد هذا في كلّ تخوم مصر حتى دخلت كلّ بيت وكلّ فراش وامتزجت بالطعام والشراب ووصلت إلى مخدع فرعون ذاته فعانى المصريون معاناة كبيرة جداً وهلك الكثير منهم حتى استنجد فرعون وعبيده.(9)
وسّلط البعوض على المصريين في كل مكان ، وهيّج بعده الذباب ثم أمات جميع المواشي، وحّول رماد الأتون إلى غبار انتشر في كل مكان بمصر وصار على الناس والبهائم دمامل طالعة ببثور.(10)
كما أرسل البرد الشديد على كلّ أرض مصر فمات من السكان عدد كبير وضرب البرد جميع ما في الحقول من الناس والبهائم والأعشاب والأشجار والنباتات والمحاصيل، وبعد ذلك سّلط الجراد حيث أرسل ريحاً شرقية فغّطى الجراد كل أرض مصر فأكل الشجر والنباتات والمحاصيل وملأ البيوت وخرّب الكثير في أرض مصر.(11)
بعد ذلك نشر الظلام مدّة ثلاثة ايام في كل أرض مصر ، ثم أمات كلّ بكرٍ في مصر من بكر فرعون الجالس على كرسّيه إلى بكر الجارية خلف الرّحى وكلّ بكر بهيمة ، فلم يكن هناك بيت في مصر إلاّ وفيه ميت باستثناء شعبه الخاصّ المقدس بني إسرائيل.(12)
وكانت الضربة القاضية التي مزّقت المصريين هي إغراقهم في البحر بعد أن دفع بهم إلى ملاحقة بني إسرائيل والدخول وراءهم في البحر عندما انشّق لموسى وجماعته.(13)
لم يعد هناك جيش مصري حسب الرواية التوراتية، فقد غرق الجيش وكل المعدات وغرق فرعون وأعوانه . وغادر بنو إسرائيل باتجاه أرض كنعان ..
هذا ما حلَّ بالمصريين من كوارث ومصائب من إله بني إسرائيل رغم أنّهم احتضنوا شعبه الخاصّ ومنحوه الأرض والأمان والحرية، حيث نقرأ في سفر التكوين قصة يوسف وكيف بيع في مصر، وصار بعد فترة من المتنفذين في البلاط المصري. وكان هذا من العوامل المساعدة التي دفعته أن يستدعي والده وإخوته من كنعان ليسكنوا في مصر بموافقة ورغبة فرعون نفسه(14)
لقد كان موقف المصريين من بني إسرائيل موقفاً إنسانياً معبراً عن كرم الضيافة والمروءة والمحبة والنظرة الشمولية للانسان والاله .. فخيّر فرعون يوسف واهله في اختيار المكان الذي يرغبون السكن فيه قائلاً له :
“ أبوك وإخوتك جاؤوا إليك. أرض مصر قدامك في أفضل الأرض اسكن أباك وإخوتك "(15)
لكنّ بني إسرئيل ومنذ أن دخلوا مصر فضّلوا بدافع من عنصريتهم وتعصّبهم الانعزال عن المصريين وعدم الاختلاط معهم، فاختاروا أرض جاسان المستّقلة والبعيدة من أجل هذا الهدف . وعاشوا فيها بهناءٍ فتكاثروا واثمروا وأمضوا أكثر من أربعمئة عام باطمئنان في ظّل الاحترام المصري.
لقد غدر بنو اسرئيل بالمصريين وتجاهلوا كل هذا التكريم الذي غمرهم به فرعون وشعبه، وجاءت هذه الأحكام العجيبة العظيمة كما يسّميها محرر سفر الخروج لتدفع بالمصريين إلى التهلكة، ويهرب بنوإسرائيل بعد أن يسرقوا حلّي وأمتعة النساء المصريات باحتيال مدروس ومخطط له من الاله يهوه .(16)
إنّ كتّاب الأسفار التوراتية الذين يدفعون بيهوه لأن يكون وراء هذا الحقد والتشّدد والرؤية الضيّقة كانوا هم من يعاني من هذه النزعات الّلاإنسانية، وحّملوا يهوه كلّ التبعات فغدا العدوان عدوانه الذي يخطط له ويحضّ على تنفيذه وهذا العدوان لايجوز إلاّ أن ترافقه أعمال القتل والحرق والتدمير والسبي دون رحمة أو رأفة لا بالنساء ولا بالاطفال ولا بالشيوخ الكبار.
في سفر الخروج نجد كثيراً من وصايا الاله يهوه إلى شعبه المختار المقّدس محذراً ومتوعداً ومنذراً :" ها أنا مرسلٌ ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته . احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كلّ ما أتكلم به أعادي أعداءك واضايق مضايقيك. فإنَّ ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والغرزيين والكنعانيين والحوّيين واليبوسيين فأبيدهم ". (17)
إنَّ موسى كما يصّوره كاتب سفر الخروج كان قاسياً متشدداً إلى الدرجة التي لم يكن ليتوانى عن تنفيذ أيّة عقوبة حتى على شعبه المميّز المختار من الاله يهوه، فقد كانت نزعته العدوانية متفّوقة على النزعة الانسانية، والأصح فإنّ كاتب السفر محى تماماً كل ما يتعّلق بالانسانية . فهو انعزالي تسّلطي، مقدّس متمّيز ، مختار.
لهذا كان موسى ينظّم جماعته تنظيماً خاصّاً على أنّهم الشعب المقّدس المختار صاحب الاله الخاص . الذي لايريد لهذا الشعب أن يختلط بالأمم الأخرى لأنّه الأطهر والأنقي والأخّص. كان يغذي فيهم عقيدة التفوق والعنصرية والانعزالية والحقد تجاه كل الشعوب والأمم الأخرى . وكونه كان ناطقاً باسم يهوه فقد كانت وصاياه مبرمجة ومنظّمة ولا مجال للنقاش فيها ، إنّها أوامر صارمة صادرة عن الاله بالذات. فهو الذي يرغب في إبادة الأمم والشعوب التي خلقها أو ربما خلقها إله غيره. فنقرأ مثلاً في سفر الخروج :" أرسل هيبتي أمامك وازعج جميع الشعوب الذين تأتي عليهم واعطيك جميع أعدائك مدبرين وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحوِّيين والكنعانيين والحثيين من أمامك .."..(18)
فخلال الفترة التي أمضاها موسى في الصحراء يدرّب جماعته تدريباً يتناسب وافكاره العدوانية العنصرية، كان دوماً يشير إلى ضرورة الانعزال وإبادة الآخرين من الأمم الأخرى والتمسك بمبادئ يهوه الناطق باسمه. وقد نجح موسى في زرع النزعات العدوانية في نفوس جماعته كما نستشّف من خلال ما أورد كاتب سفر العدد . الذي يروي عن غزو مديان والمجزرة التي ارتكبها أتباع موسى في هذه المنطقة والتي يعتبرها كاتب السفر بطولات وواجب ديني وتنفيذاً لأوامر الاله يهوه . حيث نقرأ:" وكلّم الرّب موسى قائلاً انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم تضّم إلى قومك : فكّلم موسى الشعب قائلاً جرّدوا منكم رجالاً للجند فيكونون على مديان ليجعلوا نقمة الرّب على مديان .."(19)
". فتجنّدوا على مديان كما أمر الرّب وقتلوا كل ذكرٍ وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم آوي وراقم وصور وحور ورابع ، خمسة ملوك مديان وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكلّ أملاكهم واحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنّار . وأخذوا كلّ الغنيمة وكلّ النهب من الناس والبهائم وأتوا إلى موسى وألعازر الكاهن وإلى جماعة بني إسرائيل بالسبي والنهب والغنيمة إلى المحّلة إلى عربات موآب التي على أردّن أريحا فخرج موسى وألعازر الكاهن وكلّ رؤساء الجماعة لاستقبالهم إلى خارج المحّلة فسخط موسى على وكلاء الجيش ورؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حيّة. إنّ هؤلاء كنَّ لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرّب في أمر فغور فكان الوباء في جماعة الرّب . فالآن اقتلوا كلّ ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكرٍ اقتلوها..".(20)
إنّها مجزرة تقشّعر لها الأبدان وسببها أنّ رجلاً من بني إسرائيل تزوج بامرأة مديانية، فاعتبر موسى أنّ هذا العمل بمثابة خرق : للشريعة والقوانين التي تحرّم الزواج بأجنبيات وتحضّ على العزلة وضرورة الحفاظ على الزرع المقّدس. وعلى الرغم من أنّ الكاهن الشّاب فينحاس بن ألعاز بن هرون وثب على الرجل الاسرائيلي وعلى المرأة المديانية وقتلهما فوراً ، إلاّ أنّ هذا لم يشف غليل موسى ولا يهوه فأمر أن تحرق مديان وأن تسبى النساء وتقتل وأن يقتل كل ذكرٍ وكلّ طفل كما مّر معنا. مع الاشارة إلى أنّ مديان ، كانت الملجأ الذي التجأ إليه موسى عندما هرب من مصر بعد أن قتل مصرّياً دفاعاً عن عبراني من بني جلدته حسب ما يروي كاتب سفر الخروج، وقد أمضى في مديان مدة تترواح بين أربعين إلى خمسين سنة ، تزوّج خلالها من إبنة كاهن مديان " صفّورة" وأنجب منها ولديه " جرشوم وأليعازر ".(21)
إنّ موسى وكما نستشّف من الرواية التوراتية لم يحترم أنّه كان نزيلاً لدى المديانيين وأنّ زوجته مديانية " صفورة إبنة كاهن مديان يثرون" وأنّ المديانيين احتضنوه وعاش في كنفهم معزّزاً مكرّماً. وكان حميه يحبّه وينتصر لآرائه وأفكاره وقد وقف إلى جانبه مؤيداً دعوته، وعندما خرج موسى بجماعته من مصر وعلم بذلك حميه يثرون خرج لملاقاته، وكان قد نزل موسى وجماعته في التربة في مكان يدعى " جبل الّله" وقد رافقته زوجة موسى وولديه والتقيا هناك حيث أثنى ثيرون على موسى وقدّم له نصائح ومعلومات هامة ساهمت في تنظيم دعوته وقد أخذ بها موسى وطبّقها.(22)
لقد نسي موسى أو تناسى كل هذا فكانت مجزرة مديان تأكيداً واضحاً على سياسة الانغلاق والعنصرية والغدر والعدوان، وطريقاً سار عليه أتباعه فيما بعد، ولايزال حتى الآن المنهاج الرئيسي للحياة اليهودية .
وكان تعقل " بلعام بن بعور" نبيّ الموآبيين تأكيداً آخر على أنّ الكاتب التوراتي كان يرغب أن تكون الروح العدوانية منهجاً دائماً حتى مع الذين يتحالفون مع بني إسرائيل وينتصرون لهم. فالزرع المقّدس ينبغي أن لا يدّنس برجاسات الأمم والشعوب . ولو استدعى ذلك مزيداً من الغدر والخيانة ومقابلة الاحسان بالاساءة.(23)

---------------------------------------------

( 1) يردّد قادة إسرائيل دائماً الحجة التوراتية لترسيخ المطالب الاقليمية والحقّ الالهي في التّملك بفلسطين وترسيخ شريعة الأعمال الارهابية ضد العرب وإسباغ الشرعية على كيانهم السياسي. فيروى عن بن غوريون قوله:" إنّي أعتبر يشوع هو بطل التوراة ". وفي رسالة وجهها إلى الجيش الاسرائيلي في 7 تشرين الثاني 1956 يقول:" لقد أرجعتمونا إلى المكان الذي أعطينا فيه القانون ، وفيه كلّفنا الرّب بأن نكون شعباً مختاراً، لقد رأينا بأم أعيننا الآيات التي لا تموت تحيا من جديد ، الآيات التي تنبئنا عن رحيل أجدادنا من مصر وعن وصولهم إلى صحراء سيناء. ونقرأ قول غولدا مائير:" وجد هذا البلد كانجاز لوعد صدر عن الرّب بالذات". ويقول مناحيم بيغن:" وعدنا هذه الأرض ولنا عليها حقوق". ثم نقرأ ما قاله موشي دايان:" إذا كنّا نملك التوراة وإذا ما اعتبرنا أنفسنا شعب التوراة وجب علينا احتلال الأراضي التوراتية ، أراضي قضاة ورؤوساء القدس والخليل وأريحا وغيرها من الأمكنة.".

(2) " فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبّيك أنت تتكّلم بكلّ ماآمرك وهرون أخوك يكّلم فرعون ليطلق بني اسرائيل من أرضه، ولكنّي أقسّي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر ولا يسمع لكما فرعون حتى أجعل يدي على مصر فأخرج أجنادي شعبي بني اسرائيل من أرض مصر بأحكام عظمية فيعرف المصريون أنّي أنا الرب" سفر الخروج 7/1-5 /.

(3) " ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون فإني أغلظت قلبه وقلوب عبيدة لكي أصنع آياتي هذه بينهم" سفر الخروج.

(4) وكان هابيل راعياً للغنم وكان قابيل عاملاً في الأرض وحدث من بعد أيام أنّ قايين قدّم من أثمار الأرض قرباناً للرّب وقدّم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرّب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر . فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه فقال الرّب لقايين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك إن أحسنت أفلا رفعٌ وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة ، إليك اشتياقها وأنت تسود عليها، وكلّم قايين هابيل أخاه وحدث إن كانا في الحقل أنّ قايين قام على أخيه هابيل وقتله." سفر التكوين الاصحاح الرابع/ 18/.

(5) " وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً وشرب من الخمر وسكر وتعّرى داخل خبائه. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعل ابنه الصغير فقال: ملعونٌ كنعان عبد العبيد يكون لإخوته . وقال مبارك إله سام وليكن كنعان عبداً لهم. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبداً لهم ." سفر التكوين الاصحاح التاسع.

( 6) وتكّلم حمور معهم قائلاً شكيم ابني قد تعّلقت نفسه بابنتكم، أعطوه إيّاها زوجة وصاهرونا تعطونا بناتكم وتأخذون لكم بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم اسكنوا واتجرّوا فيها وتملكّوا بها . ثم قال شكيم لأبيها ولاخوتها دعوني أجد نعمة في أعينكم فالذي تقولون لي أعطي . كثرّوا عليَّ جداً مهراً وعطّية فأعطي كما تقولون لي وأعطوني الفتاة زوجة . فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكرٍ وتكّلموا لأنّه كان قد نجسّ دنية أختهم فقالوا لهما لانستطيع أن نفعل هذا الأمر. أن نعطي أختنا لرجل أغلف لأنّه عار لنا. غير أننأ بهذا نواتيكم إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكرٍ نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم ونسكن معكم ونصير شعباً واحداً وإن لم تسمعوا لنا أن تختتتنوا نأخذ ابنتنا ونمضي فحسن كلامهم في عينّي حمور وفي عيّني شكيم بن حمور ولم يتأخر الغلام أن يفعل الأمر لأنّه كان مسروراً بابنة يعقوب وكان أكرم جميع بيت أبيه فأتى حمور وشكيم إلى باب مدينتهما وكلّما أهل مدينتهما قائلين هؤلاء القوم مسالمين لنا فليسكنوا في الأرض ويتجرّوا فيها وهوذا الأرض واسعة الطرفين أمامهم نأخذ لنا بناتهم زوجاتٍ ونعطيهم بناتنا غير أنّه بهذا فقط يواتينا القوم على السكن معنا لنصير شعباً واحداً بختننا كل ذكرٍ كما هم مختونون، ألا تكون مواشيهم ومقتناهم وكلّ بهائمهم لنا نواتيهم فقط فيسكنون معنا. فسمع لحمور وشكيم ابنه جميع الخارجين من باب المدينة واختتن كل ذكرٍ كل الخارجين من باب المدينة . فحدث في اليوم الثالث إذ كانوا متوّجعين أنّ ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دنية أخذا كلّ واحدٍ سيفه وأتيا على المدينة بأمنٍ وقتلا كل ذكرٍ وقتلا حمور وشكيم ابنه بحدِّ السيف وأخذا دنية من بيت شكيم وخرجا ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة لأنّهم نجسّوا أختهم، غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل ما في المدينة وما في الحقل أخذوه وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكلّ أطفالهم ونساءهم وكلّ ما في البيوت.".
انظر سفر التكوين الاصحاح 34/ 8- 29/.

(7) " وها أنا أشدّد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم فأتمجّد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه فيعرف المصريون أنّي الرّب حين أمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه" سفر الخروج الاصحاح 14/ 17- 18/.
" وقال الرّب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك واصنعها قدّام فرعون ولكّني أشدّد قلبه حتى لايطلق شعبي".
سفر الخروج الاصحاح / 4/ .

(8) ثم قال الرّب لموسى قل لهرون خذ عصاك ومدَّ يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى آجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دماً فيكون دم في كلِّ أرض مصر. في الأحجار وفي الأخشاب . ففعل هكذا موسى وهرون كما أمر الرّب. رفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده فتحّول كل الماء الذي في النهر دماً ومات السّمك الذي في النهر وأنتن النهر فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماءً من النهر وكان الدّم في كلّ أرض مصر ".. سفر الخروج الاصحاح 7/ 19- 21/.

(9) سفر الخروج الإصحاح الثامن

(10) سفر الخروج الإصحاح الثامن والإصحاح التاسع

(11) سفر الخروج الإصحاح التاسع والاصحاح العاشر

(12) سفر الخروج الإصحاح العاشر والاصحاح الثاني عشر

(13) " فقال الرّب لموسى مالك تصرخ إليَّ قل لبني إسرائيل أن يرحلوا وارفع أنت عصاك ومدّ يدك على البحر وشّقه فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة وها أنا أشدّد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم فأتمجّد بفرعون وكلّ جيشه بمركباته وفرسانه فيعرف المصريون أّني أنا الرّب حين أتمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه". سفر الخروج الاصحاح / 14/ " ومّد موسى يده على البحر فأجرى الرّب البحر على اليابسة والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر ". سفر الخروج الاصحاح الرابع عشر.
" فدفع الرّب المصريين في وسط البحر فرجع الماء وغطّى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم ". سفر الخروج الاصحاح الرابع عشر

(14) " وسمع الخبر في بيت فرعون وقيل جاء إخوة يوسف فحسن في عينّي فرعون وفي عيون عبيده فقال فرعون ليوسف قل لإخوتك افعلوا هذا . حّملوا دوابكم وانطلقوا اذهبوا إلى أرض كنعان وخذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إليّ فأعطيكم خيرات أرض مصر وتأكلوا دسم الأرض . فأنت قد أمرت افعلوا هذا خذوا لكم من أرض مصر عجلات . لأولادكم ونسائكم واحملوا أباكم وتعالوا ولا تحزن عيونكم على أثاثكم لأنّ خيرات أرض مصر جميعها لكم .". سفر التكوين الاصحاح / 45/ 16- 20/.

(15) " فكلّم فرعون يوسف قائلاً أبوك وأخوتك جاؤوا إليك. أرض مصر قدامك ، في أفضل الأرض أسكن أباك وإخوتك .". سفر التكوين الاصحاح / 47 / 5-6/

(16) وفعل بنو إسرائيل حسب قول موسى طلبوا من المصريين أمتعة فضةٍ وأمتعة ذهبٍ وثياباً واعطى الرّب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين ". سفر الخروج الاصحاح 12/ 25- 26 /.

(17) نقرأ أيضاً :" فإّني أدفع إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمامك لاتقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً لايسكنون في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ إليّ ". سفر الخروج الاصحاح 23/ 31- 33/.

(18) سفر الخروج الاصحاح 23/ 27-28/.

(19) سفر العدد الإصحاح 30/ 1-3/.

(20) سفر العدد الإصحاح 31/ 1- 17/

(21) وحدث في تلك الأيام لّما كبر موسى أنّه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم فرأى رجلاً مصرّياً يضرب رجلاً عبرانياً من إخوته فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحدٌ فقتل المصري وطمره في الرّمل ." سفر الخروج الاصحاح الثاني /11- 12/.

(22) " فسمع ثيرون كاهن مديان حمو موسى كل ما صنع الّله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه . أنّ الرّب أخرج إسرائيل من مصر. فأخذ ثيرون حمو موسى صفورة امرأة موسى بعد صرفها وابنيها اللذين اسم أحدهما جرشوم لأنّه قال كنت نزيلاً في أرض غريبة. واسم الآخر أليعازر لأنّه قال إله أبي كان عوني وانقذتي من سيف فرعون . وأتى ثيرون حمو موسى وابناه وامرأته إلى موسى إلى البرّية حيث كان نازلاً عند جبل الّله ".. سفر الخروج الاصحاح الثامن عشر /1-5/.
ونقرأ أيضاً النصائح التي قدمّها الكاهن ثيرون لموسى :" الآن اسمع لصوتي فأنصحك فليكن الّله معك كن أنت للشعب أمام الله وقدم أنت الدعاوي إلى الّله وعلّمهم الفرائض والشرائع وعرفّهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه ، وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء مبغضين الرّشوة وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات فيقضون للشعب كلَّ حين : ويكون أنّ كل الدعاوي الكبيرة يجيئون بها إليك وكلّ الدعاوي الصغيرة يقضون هم فيها وخفف عن نفسك فهم يحملون معك " سفر الخروج الاصحاح الثامن عشر / 19- 22/.
" فسمع موسى لصوت حميه وفعل كل ما قال ". خروج الاصحاح الثامن عشر / 24/.

(23) فتجنّدوا على مديان كما أمر الرّب وقتلوا كل ذكرٍ وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم آوي وراقم وصور وحور ورابع خمسة ملوك مديان، وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف". انظر سفر العدد الاصحاح الثلاثون.
يتبــــع>>>
[/align]

مازن شما 02 / 02 / 2009 21 : 07 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
تتمة: الباب الثاني (محتوى التعاليم الدينية اليهودية)

الفصل الأّول

"النزعة العدوانية"

فعندما نزل بنو اسرائيل في عربات موآب خشي ملك موآب منهم فأرسل وراء " بلعام بن بعور" وكان نبياً للموآبيين، وهم يعتقدون أنّ من يباركه بلعام يغدو مباركاً ومن يلعنه يغدو ملعوناً . فأراد ملك موآب " بالاق بن صفور" أن يلعن له بني إسرائيل حتى يتمكّن من محاربتهم وطردهم من المنطقة . لكنّ النبّي بلعام رفض ما أمره الملك بالاق بن صفور ملك موآب، بل بارك بني إسرائيل وأثنى عليهم .(24)
نستشّف من الرواية التوراتية أنّ موسى يسعى دوماً لأن يجمع أتباعه في إطار الوحدة السياسية - الدّينية، أي وحدة سياسية يجمع شملها الّدين، ووحدة دينية هدفها تحقيق الأغراض السياسية، ولهذا كانت وصاياه دوماً متشدّدة في قضية الرأفة والشفقة فالانسانية لا وجود لها في برنامجه ، وأيّة شفقة أو رحمة لطفل أو شيخ تكون بمثابة مخالفة صريحة لتشريعاته المستمدة حسب الرواية التوراتية من الاله يهوه.

ففي عربات موآب أشار قائلاً لجماعته:" إنكّم عابرون الأردّن إلى أرض كنعان فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربّون جميع مرتفعاتهم تملكون الأرض وتسكنون فيها لأنّي قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها وتقتسمون الأرض بالقرعة حسب عشائركم .". (25)

ثم يتابع نصائحه قائلاً لجماعته بصيغة الأمر الحتمي:" وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين يستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقوكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها فيكون أنّي أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم ". (26)
ونقرأ أيضاً "قد دفعت إلى يدك سيحون ملك حشبون الأمورّي وأرضه ابتدئ تملك وأثر عليه حرباً في هذا اليوم أبتدئ أجعل خشيتك وخوفك أمام وجوه الشعوب تحت كل السماء الذين يسمعون خبرك يرتعدون ويجزعون أمامك.".(27)
لقد نجح موسى في أسلوب الحضّ على العدوان والقتل والابادة وتمكن جماعته من سحق سيحون وجماعته فقتلوا ونهبوا وحرقوا وسبوا النساء والأطفال كما يرد في سفر التثنية:" فخرج سيحون للقائنا هو وجميع قومه وأخذنا كلّ مدنه في ذلك الوقت وحرَّمنا من كل مدينة الرّجال والنّساء والأطفال. لم نبق شارداً. لكنّ البهائم نهبناها لأنفسنا وغنيمة المدن التي أخذنا من عروعير التي على حاّفة أرنون والمدينة التي في الوادي إلى جلعاد لم تكن قرية قد امتنعت علينا الجميع دفعه الرب إلهنا أمامنا".(28)
ثم قاموا باعتداء آخر على منطقة باشان فقتلوا ملكها " عوج " وجميع قومه وأخذوا كل مدنه ونهبوا وسبوا النساء والأطفال، وفعلوا في باشان كما فعلوا في شيحون(29)
وقبل أن يبدأ العدوان على كنعان جمع موسى أتباعه وقام فيهم خطيباً وناصحاً وآمراً أن يلتزموا بتعليماته وقراراته التي كان وراءها يهوه ، وجميعها تحضّ على العدوان والعنصرية والتسّلط والعزلة فنقرأ: " متى أتى بك الرّب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيّين والجرجاشيين والأموّريين والكنعانيين والغرزيين والحوّيين واليبوسيين سبع شعوب أكثر وأعظم منك، ودفعهم الرّب إلهك أمامك وضربتهم فإنّك تحرّمهم. لاتقطع عهداً لهم ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم". (30)
ثم يتابع موسى مؤكداً على أن الخوف لامكان له وأنَّ العدوان مآله النصر نظراً لأنّ الاله يهوه شخصياً يحارب معهم وينتصر لهم ويخطط لهم وهو الذي يريد إبادة الشعوب والأمم الأخرى من أجل أن يسود شعبه الخاص المقّدس على كل الشعوب. ولذا لا داعي أبداً للترّدد أو الخوف من هذه الشعوب مهما كانت وهو ما ينبغي أن تأخذ به كلّ الأجيال اللاحقة. فنقرأ:
" إن قلت في نفسك هؤلاء الشعوب أكثر مّني كيف أقدر أن أطردهم فلا تخف منهم اذكر ما فعله الرّب إلهك بفرعون وبجميع المصريين. التجارب العظيمة التي أبصرتها عيناك والآيات والعجائب واليد الشديدة والذراع الرفيعة التي بها أخرجك الرّب إلهك هكذا يفعل الرّب إلهك بجميع الشعوب التي أنت خائف من وجهها والزنابير أيضاً يرسلها الرب إلهك عليهم حتى يفنى الباقون والمختفون من أمامك لاترهب وجوههم لأنّ الرّب إلهك في وسطك إله عظيم ومخوّفٌ. ولكنّ الرّب إلهك مطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً لاتستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثر عليك وحوش البرّية . ويدفعهم الرّب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عظيماً حتى يفنوا ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحوا اسمهم من تحت السماء .".(31)
كما يؤكّد لجماعته أنَّ يهوه نفسه سيعبر أمامهم ليبيد الشعوب ويذّلهم، وعلى كلّ فرد أن يأخذ هذا بعين الاعتبار فيخاطبهم قائلاً:" إسمع يااسرائيل أنت اليوم عابرٌ الأردّن لكي تدخل وتمتلك شعوباً أكبر وأعظم منك ومدناً عظيمة ومحصّنة إلى السّماء قوماً عظاماً وطوالاً بني عناقٍ الذين عرفتهم وسمعت من يقف في وجه بني عناق. فاعلم اليوم أنّ الرّب إلهك هو العابر أمامك ناراً آكلة هو يبيدهم ويذّلهم أمامك فتطردهم وتهلكهم سريعاً كما كلّمك الرّب.".(32)
ولم يكن موسى لينسى أن يشير أنَّ الروح العدوانية ينبغي أن تستّمر وأن لاتتوقف عند حدٍّ معيّن، والعدوان المقرّر على منطقة كنعان ليس هو العدوان الأخير، بل هو مقدّمة وعلى الجماعة أن تخّطط لعدوان آخر وآخر كما وعد بذلك الرّب يهوه لكن هذا مرهون بحفظهم للوصايا والقرارات التي تؤكّد على العدوان والعزلة والتسّلط والغدر ، فنقرأ: " وإنّ وسّع الرّب إلهك تخومك كما حلف لآبائك واعطاك جميع الأرض التي قال إنّه يعطي لآبائك إذا حفظت كلّ هذه الوصايا لتعملها كما أنا أوصيك اليوم لتحبّ الرّب إلهك وتسلك في طرقه كلّ الأيام فزد لنفسك أيضاً ثلاث مدنٍ على هذه الثلاث ". ( 33)
وأيضاً لم يكن لينسى أن يوّضح لهم كيفية العدوان وأسلوبه واستمراريته وضرورة التشدّد والجرأة نظراً لأنّ يهوه معهم دوماً ولن يترك للأعداء أيّة فرصة للتفّرد بهم والانتصار عليهم طالما أنهم متمسّكون بنزعتهم الضيّقة التي ترفض الاندماج والاختلاط والرحمة،. فنقرأ قوله: " إذا خرجت للحرب على عدوّك ورأيت خيلاً ومراكب قوماً أكثر منك فلا تخف منهم لأنّ معك الرّب إلهك الذي أصعدك من أرض مصر، وعندما تقربون من الحرب يتقّدم الكاهن ويخاطب الشعب ويقول لهم إسمع ياإسرائيل أنتم قربتم اليوم من الحرب على أعدائكم لاتضعف قلوبكم، لاتخافوا ولا ترتعدوا ولاترهبوا وجوههم لأن الرّب إلهكم سائرٌ معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ليخّلصكم." (34)
" حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكّل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرّب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدِّ السيف وأمّا النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة كلّ غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرّب إلهك.".( 35)
هكذا أراد الكاتب التوراتي أن يؤكد لهذه المجموعة التي تخصّه أنّ الاله يهوه الذي هو إلههم الخاصّ لايرضى أبداً بأن تتساوى الشعوب بشعبه الخاص المقّدس، ولذا كلّ الشعوب والأمم عدوة لبني إسرائيل وليس هناك من أملٍ في أن تتحول هذه العداوة إلى محبة خاصة وأنّ كافة الأمم ستغدو بمثابة العبيد لبني إسرائيل إن هادنت ورضيت بالصلح أو ستباد من الوجود إن رفضت المهادنة أي على جميع الأمم أن تكون مستعبدة ومسّخرة لخدمة بني إسرائيل أو تباد من الوجود، القريبة منها والبعيدة على السواء ، وليس هذا وحسب، بل من الضرورة إبادة الشعوب القريبة دون قيد أو شرط فنقرأ:” هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا ، وأمّا مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرّب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرّمها تحريماً، الحثيّين والأموريين والكنعانيين والغرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرّب إلهك ."(36)
لقد أراد موسى أن يغّذي في نفوس جماعته عقيدة العدوان الدائم ضد الشعوب والأمم الأخرى،" القتل، التدمير، الابادات، القسوة، التسّلط والتوّجس". لذا كان دوماً يحذّرهم من التردّد والشفقة ويدفع بهم إلى الحرب والعدوان. وقد نجح في مسعاه وورث عنه يشوع بن نون تلك النزعة بعد أن توفي موسى وقاد الجماعة إلى مزيد من المجازر الوحشية في المدن الكنعانية الآمنة راح ضحيتها آلاف الأطفال والشيوخ والنساء والبهائم .
إنّ ما حضَّ عليه يشوع بن نون وما سلكه أتباعه صوّره لنا كاتب سفر يشوع على أنّه بطولات وأمجاد ومنهاج رئيسي سار عليه اليهود فيما بعد ولا يزالون حتى الآن.
لقد افتتح يشوع بن نون أعماله العدوانية بمجزرة في أريحا اتسمت بالوحشية فنقرأ:" وصعد الشعب إلى المدينة كلّ رجل مع وجهه وأخذوا المدينة وحرّموا كلّ ما في المدينة من رجلٍ وإمرأةٍ من طفلٍ وشيخٍ حتى الغنم والبقر والحمير بحدِّ السيف ".(37)
وهكذا فعلوا بمدينة " عاي" بعد أن أكّد يهوه ليشوع أنّه سيدفع عاي بيده حتى يفعل بها كما فعل بمدينة أريحا فنقرأ:
" فقال الرّب ليشوع لاتخف ولا ترتعب خذ معك جميع رجال الحرب وقم اصعد إلى عاي. انظر قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه فتفعل بعاي وملكها كما فعلت بأريحا وملكها"(38)
نفذ يشوع خطط يهوه لمهاجمة عاي وهاجمها بخدعةٍ رسمها له يهوه وتمكن من الانتصار فنقرأ:" وضربوهم حتى لم يبق منهم شاردٌ ولا منفلتٌ ، وأمّا ملك عاي فأمسكوه حيّاً وتقدّموا به إلى يشوع وكان لمّا انتهى إسرائيل من قتل سكان عاي في الحقل في البرّية حيث لحقوهم وسقطوا جميعاً بحدِّ السّيف حتى فنوا أنَّ جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحدِّ السيف.".( 39)
لقد أحرق يشوع مدينة عاي وعلّق ملكها على الخشبة إلى وقت المساء وعند غروب الشمس أمر يشوع فأنزلوا جثته عن الخشبة وطرحوها عند مدخل باب المدينة وأقاموا عليها رجمة حجارة.(40)
واستمرَّ الحضّ على العدوان والقتل والتدمير من قبل يهوه ليشوع والجماعة، وماحدث في أريحا وعاي لم يشف غليل رّب الجنود فأمر يشوع أن يضرب المدن الأخرى "أورشليم ، حبرون ، يرموت، لخيش، عجلون"حيث نقرأ:"فقال الرّب ليشوع لاتخفهم لأني بيدك قد أسلمتهم، لايقف رجلٌ منهم بوجهك ". (41)
التزم يشوع بأوامر يهوه وبدأ في الاعتداء على هؤلاء ومحاربتهم وضربهم ضربة عظيمة كما يروي كاتب السّفر . وهرب ملوك هذه المدن " أدوني صادق ملك أورشليم، هو هام ملك حبرون، فرآم ملك يرموت، يافيع ملك لخيش، دبير ملك عجلون". واختبأوا في مغارةٍ في مدينة مقيّدة، فأمر يشوع جماعته أن يغلقوا المغارة بحجر كبير حتى يموتون وقد فعلوا ما أمر ومن ثمّ فتحوا المغارة وأخرجهم أحياء. لأنّ يشوع أراد أن يذّلهم فأمر عدد من رجاله أن يضعوا أرجلهم على أعناقهم ففعل الرجال ذلك، ثمَّ قتلهم يشوع وعلقهم على الخشب وبقوا معّلقين حتى المساء حيث أنزلوا ووضعوهم في المغارة التي اختبأوا فيها لتكون قبراً دائماً لهم. ووضعوا حجراً كبيراً على فم المغارة.(42)
وتابع يشوع عملياته العدوانية بمهاجمة مدينة مقيّدة حيث نقرأ: " وأخذ يشوع مقيّدة في ذلك اليوم وضربها بحدِّ السّيف وحرَّم ملكها هو وكل نفس بها لم يبق شارداً وفعل بملك مقيّدة كما فعل بملك أريحا" (43)
" اجتاز يشوع من مقيّدة وكلّ إسرائيل معه إلى لبنة وحارب لبنة فدفعها الرّب هي أيضاً بيّد إسرائيل مع ملكها فضربها بحدِّ السّيف وكلّ نفس بها لم يبق بها شارداً وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا، ثم اجتاز يشوع وكلّ اسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها فدفع الرّب لخيش بيّد إسرائيل فأخذها في اليوم وضربها بحدِّ السّيف وكلّ نفسٍٍ بها حسب كلّ ما فعل بلبنة ، حينئذٍ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش وضربه يشوع مع شعبه حتى لم يبق له شارداً، ثم اجتاز يشوع وكلّ إسرائيل معه لخيش إلى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها واخذوها في ذلك اليوم وضربوها بحدِّ السيف وحرَّم كلّ نفسٍ بها في ذلك اليوم حسب كلّ ما فعل بلخيش، ثم صعد وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها وأخذوها وضربوها بحدِّ السيف مع ملكها وكلّ مدنها وكلّ نفس بها لم يبق شارداً حسب كلّ ما فعل بعجلون فحرّمها وكلّ نفس بها. ثم رجع يشوع وكلّ إسرائيل معه إلى دبير وحاربها وأخذها مع ملكها وكلّ مدنها وضربوها بحدِّ السيف وحرّموا كلّ نفسٍ بها لم يبق شارداً كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها ." (44)
واستمّر يشوع في تنفيذ خطط يهوه العدوانية فحارب ملوك " حاصور ومادون وشمرون واكشاف وغيرهم" وتمكّن من سحقهم وإبادتهم واحتلال مناطقهم وحرق مدنهم ومركباتهم لم يبق شارداً منهم . فالاله يهوه أراد ذلك وعلى يشوع أن يحضّ جماعته كما حضّه يهوه على العدوان والقتل فنقرأ:" فقال الرّب ليشوع لاتخفهم لأنّي غداً في مثل هذا الوقت أدفعهم جميعاً قتلى أمام إسرائيل فتعرقب خيلهم وتحرق مركباتهم بالنار. فجاء يشوع وجميع رجال الحرب معه عليهم عند مياه ميروم بغتةً وسقطوا عليهم. فدفعهم الرّب بيد إسرائيل فضربوهم وطردوهم إلى صيدون العظيمة وإلى مسرفوت ما يم وإلى بقعة مصفاة شرقاً. فضربوهم حتى لم يبق لهم شارداً ففعل يشوع بهم كما قال الرّب عرقب خيلهم واحرق مركباتهم بالنّار.".(45)
" ثم رجع يشوع في ذلك الوقت وأخذ حاصور وضرب ملكها بالسيف لأنّ حاصور كانت قبلاً رأس جميع تلك الممالك . وضربوا كلّ نفس بها بحدِّ السّيف حرّموهم ولم تبق نسمة وأحرق حاصور بالنّار" (46)
وهنا يحضرني هذا السؤال: من هو بطل التوراة؟.. أهو موسى أم يشوع أم يهوه؟.. إنّ بن غوريون في الخمسينات من هذا القرن كان يرى أن يشوع بطل التوراة. أمّا التوراة نفسه فيروي لنا بوضوح أنّ البطل الحقيقي هو الاله يهوه، وهو ما نستشفه في كل النصوص التوراتية . فهو الذي يخطط ويحضّ ويوجه ومن ثم ينّفذ بواسطة موسى أو يشوع. فالبطولات الحقيقية كانت ليهوه والأخرون عبارة عن دمى تتحرك كما يريد يهوه.(47)
إنّ يهوه هو المحارب الحقيقي وهو الذي دمّر وأباد وحرق وهو الذي حضّ على العدوان وافترض أنّ جميع الشعوب والأمم أعداء بني إسرائيل ، ولم يكن موسى إلا أداة نفّذ من خلالها يهوه أعماله العدوانية التي مرّت معنا. ولّما مات موسى تسّلم يشوع هذه المهّمة وكان بارعاً في التنفيذ، وعندما حضرته الوفاة أشار للجماعة عن رغبات ومواقف يهوه وما فعله طيلة هذه الأيام التي مرّت منذ الخروج من مصر مؤكداً على أنّ يهوه هو الذي كان يحارب عنهم وهو الذي كان يبيد الشعوب والأمم . فنقرأ :" فدعا يشوع جميع إسرائيل وشيوخه ورؤساءه وقضاته وعرفاءه وقال لهم أنا قد شخت تقدّمت فيَّ الأيام وأنتم قد رأيتم كلّ ما عمل الرّب إلهكم بجميع أولئك الشعوب من اجلكم لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم . انظروا قد قسّمت لكم بالقرعة هؤلاء الشعوب الباقين ملكاً حسب أسباطكم من الأردّن وجميع الشعوب التي قرضتها والبحر العظيم نحو غروب الشمس. والرّب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرّب إلهكم فتشددوا جداً".(48)
بعد موت يشوع استّمرت العمليات العدوانية الوحشية على يد القضاة كما يّسميهم كاتب سفر القضاة ، فقد تشرّب بنو إسرائيل الروح العدوانية تماماً وغدت الأعمال العدوانية العسكرية غاية بالنسبة إليهم . لكّنها في عصر القضاة اختلفت بعض الشيء نظراً لأنّ كلّ سبطٍ سكن في منطقةٍ فلم تعد هناك وحدة تربطهم وصار لكلّ سبط رئيساً أو قاضياً كما يسّميه كاتب السفر.. وكان على كلّ سبط أن يسعى للحصول على المنطقة التي حدّدت له من قبل يشوع قبل وفاته وقد وزّعت الحصص بالقرعة كما يرد في سفر يشوع.( 49)
في سفر القضاة الاصحاح الأول نقرأ:" وكان بعد موت يشوع أنّ بني إسرائيل سألوا الرّب قائلين من مّنا يصعد إلى الكنعانيين أولاً لمحاربتهم فقال الرّب يهوذا يصعد هوذا قد دفعت الأرض ليده. فقال يهوذا لشمعون أخيه اصعد معي في قرعتي لكي نحارب الكنعانيين فأصعد أنا أيضاً معك في قرعتك. فذهب شمعون معه فصعد يهوذا ودفع الرّب الكنعانيين والغرزّيين بيدهم فضربوا منهم في بازق عشرة آلاف رجل." (50)
وعلى الرغم من أنّ بني إسرائيل لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على المنطقة كما أراد يهوه وتفرقوا في عدة مناطق بين أكثرية كنعانية . لم يتخّلوا عن الروح العدوانية التي تربوا عليها ونمت مع نموهم. كان لابدَّ أن يقوموا بأعمال عدوانية عسكرية ضد الآمنين من سكان المنطقة. وقد أخذت هذه الأعمال العدوانية طابع العصابات المجرمة الخارجة على القانون . وكانت تستخدم الحيلة والغدر من أجل تنفيذ العدوان وقتل الأبرياء. ودوماً كان رئيس هذه العصابات قاضٍياً كما يسّميه كاتب سفر القضاة، ووراءه كاهن يحضّه على العدوان مشيراً إلى أنّ هذا الأمر من قبل يهوه ومن الضروري الالتزام بأوامر وقرارات يهوه.
فقد كانت النسبة الكبرى من هؤلاء القادمين من الصحراء قد ذابت فىالمجتمع الكنعاني الحضاري وتركت يهوه لصالح آلهة الكنعانيين. وهذا ماأغاظ الكهنة أصحاب المصلحة في البقاء على يهوه وقرابين يهوه وتقدماته. فكان لابدَّ من استخدام المتمرّدين واللصوص لخلق جو مشحون بالتوتر والرّعب في نفوس الصّحروايين وذلك عن طريق التأكيد على أنَّ يهوه غاضبٌ من سلوكهم وتركهم إيّاه . ولا يمكن أن يكونوا في مأمن . إلاّ إذا تخلّوا عن آلهة الكنعانيين وانعزلوا عن المجتمع الكنعاني وقدّموا القرابين والتقدمات ليهوه.
إنّ كاتب سفر القضاة يصّور لنا الأحداث تصويراً مسرّحياً ففي كلّ إصحاح بشكل عام نجد أنّ بني إسرائيل يعملون الشّر في عيني الرّب ويعبدون آلهة الكنعانيين فيدفعهم الرّب بأيدي ناهبين ويبعهم لأعدائهم ويسّلط هؤلاء الأعداء عليهم. وبعد سنوات يصرخ بنو إسرائيل إلى الرّب ويستنجدونه فيقيم لهم مخلصاً بعد أن رأف بحالتهم ويخلصهم من أعدائهم ، والطريقة التي يخلصهم فيها من أعدائهم لاتخلوا من الغدر والخيانة والخدعة والقتل إلخ. وبعد فترة يعاودون الكرّة ويعملون الشّر في عينّي الرّب فيغضب ويسّلط عليهم الأعداء مدة ثم يصرخون فيرسل لهم مخلصاً يخلصهم. فنقرأ : "وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عينّي الرّب وعبدوا البعليم وتركوا الرّب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرّب. تركوا الرّب وعبدوا البعل وعشتاروت فحمي غضب الرّب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم . حيثما خرجوا كانت يد الرّب عليهم للشر كما تكلم الرّب وكما أقسم الرّب لهم فضاق بهم الأمر جداً. وأقام الرّب قضاةً فخلصوهم من يد ناهبيهم. ولقضاتهم أيضاً لم يسمعوا بل زنوا وراء آلهةٍ أخرى وسجدوا لها . حادوا سريعاً عن الطريق التي سار بها آباؤهم لسمع وصايا الرّب . لم يفعلوا هكذا . وحينما أقام لهم الرّب قضاةً كان الرّب مع القاضي وخلصهم من يد أعدائهم كلّ أيام القاضي لأنّ الرّب ندم من أجل أنينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم بالذهاب وراء آلهة أخرى ليعبدوها ويسجدوا لها.(51)
أمّا القضاة الذين أقامهم الرّب ليخلصوا بني إسرائيل فقد كان أكثرهم من المتمردين وقاطعي الطرق واللصوص الخارجين على القانون يتبعهم ثلة من العاطلين في المنطقة .. وكان أوّل هؤلاء القضاة " غينيئيل بن قناز" وجماعته وقتها كانت تحت سلطة الملك " كوشان رشعتايم" ملك آرام النهرين. فنقرأ :" فعبد بنو إسرائيل كوشان رشعتايم ثماني سنوات وصرخ بنوإسرائيل إلى الرّب فأقام الرّب مخلصاً لبني إسرائيل فخلصهم، غينئيل بن قناز أخا كالب الأصغر. فكان عليه روح الرّب وقضى لاسرائيل وخرج للحرب . فدفع الرّب ليده كوشان رشعتايم ملك آرام واعتزّت يده على كوشان رشعتايم . واستراحت الأرض أربعين سنة ومات غينئيل بن قناز".(52)
وكان المخلص الثاني أو القاضي " إهود بن جيرا" البنياميني الذي كان محترفاً الغدر والقتل، وقد أقامه يهوه ليخلص الاسرائيليين من تسّلط عجلون ملك موآب. وتمكّن إهود من إنقاذ بني إسرائيل بعد أن قتل الملك عجلون غدراً ومن ثمّ هاجم وجماعته الموآبيين وقتلوا نحو عشرة آلاف رجل ، كما يروي كاتب سفر القضاة:" وصرخ بنوإسرائيل إلى الرّب فأقام لهم الرّب مخلصاً إهود بن جيرا البنياميني رجلاً أعسر فأرسل بنوإسرائيل بيده هدّية لعجلون ملك موآب. فعمل إهود لنفسه سيفاً ذا حدّين طوله ذراعٌ وتقلّده تحت ثيابه على فخذه اليمين . وقدّم الهدية لعجلون ملك موآب وكان عجلون رجلاً سميناً جداً. وكان لما انتهى من تقديم الهدية صرف القوم حاملي الهدّية. وأمّا هو فرجع من عند المنحوتات التي لدى الجلجال وقال. لي كلام سرٍّ إليك أيّها الملك. فقال صه. وخرج من عنده جميع الواقفين لديه . فدخل إليه إهود وهو جالس في عليّة برودٍ كانت له وحده وقال إهود. عندي كلام الّله إليك . فقام عن الكرسي. فمدَّ إهود يده اليسرى وأخذ السّيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه." (53)
لقد تابع إهود عدوانه على الموآبيين فأمر جماعته بعد أن قتل الملك عجلون أن يتبعوه لإبادة الموآبيين فراح ضحية هذا العدوان عشرة آلاف رجل حسب ما يروي كاتب سفر القضاة.(54)
" وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين ستمئة رجل بمنساس البقر وهو أيضاً خلص إسرائيل." (55)
ثمّ أقام بعده يهوه إمرأة تدعى " دبورة " وذلك بعد أن باعهم الرّب بيد يابين ملك كنعان لأنهّم عملوا الشرّ بعد وفاة شمجربن عناة. فقامت " دبورة" تحضّ على العدوان وتخطط لضرب الكنعانيين وملكهم يابين وقائده سيسرا. وقد استخدمت لأجل هذا العمل العدواني رجلاً مغامراً متمرّداً معه ثّلة من العاطلين من سبط نفتالي في قادش وكان يدعى " باراق بن أبنيوعم"، وحسب الرواية فإنّ باراق بن أبنيوعم وجماعته أبادوا كل جيش سيسرا بحدِّ السيف ولم يبق ولا واحد. وأمّا سيسرا قائد الجيش فقد هرب والتجأ في خيمة امرأة تدعى " ياعيل " وهي امرأة حابر القيني لأنّه كان صلح بين يابين ملك حاصور وبيت حابر القيني. ولكن ياعيل وكأيّ يهودي لم ترع العهد ولا الميثاق ولا الصلح فاحتالت على سيسرا وقتلته غدراً حيث نقرأ:" وأمّا سيسرا فهرب على رجليه إلى خيمة ياعيل إمرأة حابر القيني . لأنّه كان صلح بين يابين ملك حاصور وبيت حابر القيني. فخرجت ياعيل لاستقبال سيسرا وقالت له مل ياسيدي مل إليَّ لاتخف . فمال إليها إلى الخيمة وغطّته باللحاف. فقال لها اسقيني قليل ماءٍ لأنّي قد عطشت . ففتحت وطب اللبن وأسقته ثمّ غطته فقال لها قفي بباب الخيمة ويكون إذا جاء أحدٌ وسألك أهنا رجلٌ أنّك تقولين لا. فأخذت ياعيل إمرأة حابر وتد الخيمة وجعلت المبتدة في يدها وثارت إليه وضربت الوتد في صدغه فنفذ إلى الأرض وهو متثقّلٌ في النوم ومتعبٌ فمات .". (56)

-----------------------

(24) ولّما رأى بالاق بن صفور جميع ما فعل إسرائيل بالأموّريين فزع موآب من الشعب جداً لأنّه كثيرٌ وضجر موآب من قبل بني إسرائيل فقال موآب لشيوخ مديان الآن يلحس الجمهور كل ما حولنا كما يلحس الثور خضرة الحقل . وكان بالاق بن صفور ملكاً لموآب في ذلك الزّمان. فأرسل رسلاً إلى بلعام بن بعور إلى فتور التي على النهّر في أرض بني شعبه ليدعوه قائلاً. هوذا شعب قد خرج من مصر هو ذا قد غشَّى وجه الأرض وهو مقيم مقابلي فالآن تعال والعن لي هذا الشعب لأنّه أعظم منّي لعّله يمكننا أن نكسره فأطرده من الأرض . لأّني عرفت أنّ الذي تباركه مبارك والذي تلعنه ملعونٌ .". سفر العدد الاصحاح الثاني والعشرين.

(25) سفر العدد الاصحاح الثالث والثلاثون

(26) سفر العدد الاصحاح الثالث والثلاثون.

(27) سفر التثنية الاصحاح الثاني

(28) سفر التثنية الاصحاح الثاني

(29) " فدفع الرّب إلهنا إلى أيدينا عوج أيضاً ملك باشان وجميع قومه فضربناه حتى لم يبق له شاردٌ وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت لم تكن قرية لم نأخذها منهم ستّون مدينة كلّ كورة أرجوب مملكة عوج في باشان.سفر التثنية الاصحاح الثالث.

(30) سفر التثنية الاصحاح السّابع

(31) سفر التثنية الاصحاح السّابع

(32)سفر التثنية الاصحاح التاسع

( 33) سفر التثنية الاصحاح التاسع عشر

(34) سفر التثنية الاصحاح العشرون

( 35) سفر التثنية الاصحاح العشرون.

(36) سفر التثنية الاصحاح العشرون

(37) سفر يشوع الاصحاح السادس

(38) سفر يشوع الاصحاح الثامن

( 39) سفر يشوع الاصحاح الثامن.

(40) سفر يشوع الاصحاح الثامن

(41) سفر يشوع الاصحاح العاشر

(42) سفر يشوع الاصحاح العاشر

(43) سفر يشوع الاصحاح العاشر.

(44) سفر يشوع الاصحاح العاشر

(45) سفر يشوع الاصحاح الحادي عشر

(46) سفر يشوع الاصحاح الحادي عشر

(47) فدعا يشوع جميع إسرائيل وشيوخه ورؤساءه وقضاته وعرفاءه وقال لهم أنا قد شخت تقدمت في الأيام وأنتم قد رأيتم كل عمل الرّب إلهكم بجميع أولئك الشعوب من أجلكم لأنّ الرّب إلهكم هو المحارب عنكم ."
سفر يشوع الاصحاح الثالث والعشرون.

(48) سفر يشوع الاصحاح الثالث والعشرون

( 49) سفر يشوع الاصحاح الثالث عشر وحتى الاصحاح الثالث والعشرون.

(50) سفر القضاة الاصحاح الأوّل.

(51) سفر القضاة الاصحاح الثاني

(52) سفر القضاة الاصحاح الثالث

(53) سفر القضاة الاصحاح الثالث.

(54) سفر القضاة الاصحاح الثالث

(55) سفر القضاة الاصحاح الثالث

(56) سفر القضاة الاصحاح الرابع


[/align]
يتبــــع>>>


مازن شما 02 / 02 / 2009 30 : 07 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
تتمة: الباب الثاني (محتوى التعاليم الدينية اليهودية)

الفصل الأّول

"النزعة العدوانية"

إنّ ماقامت به ياعيل صار مفخرة كبيرة،. لدى اليهود . ومثلاً سار عليه الخلف.. وقد ترّنمت دبورة بهذا السلوك واعتبرته من الأعمال الصّالحة التي يباركها الرّب يهوه فنقرأ:” تبارك على النساء ياعيل امرأة حابر القيني على النساء في الخيام تبارك . طلب ماءً فأعطته لبناً في قصعة العظماء. قدّمت زبدةً مدّت يدها إلى الوتد ويمينها إلى مضراب العملة وضربت سيسرا وسحقت رأسه شدّخت وخرّقت صدغه"(57)
وبعد وفاة "دبورة" عاد بنوإسرئيل يعملون الشر في عيّني الرّب فغضب الرّب، وسّلط عليهم المديانيين سبع سنين، وقد عانى الاسرائيليون منهم معاناة كبيرة كما يروي كاتب سفر القضاة حتى صرخوا إلى الرّب مستنجدين فأقام لهم قاضياً جديداً يدعى" جدعون بن يوآش الأبيعزري" الذي كان مزارعاً يعمل مع والده حسب الروّاية. حيث أتاه ملاك الرّب وأمره ملاك الرّب أن يتجهز ليشن عدواناً على المديانيين مشيراً إلى أنّ الرّب سيكون معه فنقرأ :"فقال له الرّب إني أكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد." (58)
لقد اجتمع لجدعون عدد من العاطلين الخارجين على القانون وقدرهم كاتب السفر بثلاثمئة رجل . وبهم بدأ جدعون أعماله العدوانية هنا وهناك ضدّ المديانيين وقتل أميري المديانيين آنذاك " غراب وذئب " وقطع رأسيهما .(59)
إنّ جدعون هذا هذا كان خارجاً على القانون، والسلطات المحلية تطارده ومن معه، فكان يلجأ من مكان إلى مكان ويستخدم العنف والغدر للحصول على الطعام من السكان الآمنين في المنطقة. فهو وبعد أن نجح في قتل " غراب وذئب" بحيلة دبرها وجماعته، هربوا إلى الأردّن . ووصل سكّوت فطالب سكانها أن يعطوه خبزاً ليتابع عدوانه فرفض أهل سكوت فهم يعرفون أنّه خارج على القانون والسلطات المحلية تلاحقه، لهذا هدّدهم جدعون قائلاً :" عندما يدفع الرّب زبح وصلمناع بيدّي أدرس لحمكم مع أشواك البّرية بالنوارج"(60)
وكذلك فعل معه أهل فنوئيل، فوعد بهدم برج فنوئيل، وتابع سيره إلى أن وصل إلى منطقة تدعى " قرقر" حيث يعسكر هناك ملكا مديان " زبح وصلمنَّاع " ومعهما جيش يقدره كاتب السفر بخمسة عشر ألفاً ، وقد تمكن جدعون من القضاء على هذا الجيش واسر الملكين المديانيين زبح وصلمناع، ثم جاء إلى سكُّوت كما وعد فنقرأ:" ودخل إلى أهل سكُّوت وقال هوذا زبح وصلمناع اللذان عيرتموني بهما قائلين هل أيدي زبح وصلمنَّاع بيدك الآن حتى نعطي رجالك المعيين خبزاً . وأخذ شيوخ المدينة واشواك البرية والنوارج وعلَّم بها أهل سكُّوت . وهدم برج فنوئيل وقتل رجال المدينة " (61)
إنّ جدعون هذا الذي كلّفه الرّب شخصّياً ليكون قاضياً على إسرائيل ومخلصّاً لبني إسرائيل من سطوة المديانيين، تخلى عن هذا الاله بعد أن حقّق انتصاراته على الآمنين وسرق منهم أقراط الذهب والفضة بالاضافة إلى الأهلَّة والحلق وأثواب الأرجوان والقلائد التي في أعناق جمالهم. فصنع في مدينته عفرة أقوداً حيث نقرأ :" فصنع جدعون منها أقوداً وجعله في مدينته في عفرة وزنى كلّ إسرائيل وراءه هناك فكان ذلك لجدعون وبيته فخّاً"...(62)
ونقرأ أيضاً في سفر القضاة عن " يفتاح الجلعادي" الذي أقامه يهوه ليكون قاضياً على إسرائيل وكيف قام بأعماله العدوانية ضدّ السكان الآمنين في عبر الأردّن في أرض الأموريين في جلعاد. وهذا القاضي كان ابن امرأة زانية حسب الروّاية التوراتية، وكان خارجاً على القانون ومعه عدد من الرّجال البطالين الذين التفّوا حوله.(63)
قام يفتاح الجلعادي بأعمال عدوانية متعددة ضدَّ عمون كما يروي كاتب سفر القضاة حيث نقرأ:" ثم عبر يفتاح إلى بني عمّون لمحاربتهم فدفعهم الرّب ليده. فضربهم من عروعير إلى مجيئك إلى منّينت عشرين مدينة وإلى آبل الكروم ضربة عظيمة جداً .".(64)
ومن القضاة أيضاً " شمشون " الذي كان جبّاراً كما يصفه كاتب السفر ، وتزوّج من إمرأة فلسطينية . وقد قام شمشون بأعمال عدوانية كثيرة ضدّ الفلسطينيين، فنقرأ أنّه قتل في مدينة أشقلون ثلاثين رجلاً وأخذ سلبهم،"( 65)
ونقرأ أيضاً أنّه أمسك ثلاثمئة ابن آوى واخذ مشاعل وجعل ذنباً إلى ذنب ووضع مشعلاً بين كل ذنبين في الوسط ثمّ أضرم المشاعل ناراً واطلقها بين زروع الفلسطينيين فأحرق الأكداس والزّرع وكروم الزيتون . ( 66)
كان شمشون مطارداً من قبل السلطات المحلية لأنّه كان من الخارجين عن القانون وشرساً إلى الدرجة التي لم يكن فيها قادراً على العيش دون أن يقتل ويسلب ويغزو السكان في المنطقة، فالعدوان في عروقه، وقد راح ضحية هذه الرّوح العدوانية آلاف الفلسطينيين كما يرد في الرواية التوراتية .(67)
وفي الاصحاح الثامن عشر من سفر القضاة، نقرأ عن عدوانٍ بشع قام به أفراد عشيرة " الدّانيون" بنوددان أحد أسباط بني إسرائيل، ضدّ سكان منطقة " لايش" الذين كانوا يعيشون حياة هانئة مطمئنة حيث نقرأ :" فأرسل بنودان من عشيرتهم خمسة رجالٍ منهم بني بأس من صرعة ومن أشتأول لتجسّس الأرض وفحصها.".((68)
" فذهب الخمسة الرجال وجاؤوا إلى لايش ورأوا الشعب الذي فيها ساكنين بطمأنينة كعادة الصيدونيين مستريحين مطمئنين وليس في الأرض مؤذٍ بأمرٍ وارثٌ رياسة وهم بعيدون عن الصيدونيين وليس لهم أمرٌ مع إنسان ". (69)
فارتحل من هناك من عشيرة الدانيين من صرعة ومن أشتأول ستمئة رجل متسّلحين بعّدة الحرب . وصعدوا وحلّوا في قرية يعاريم في يهوذا ." ((70)
" وجاؤوا إلى لايش إلى شعبٍ مستريح مطمئنٍ وضربوهم بحدِّ السيف وأحرقوا المدينة بالنّار. ولم يكن من ينقذ لأنّها بعيدة عن صيدون ولم يكن لهم أمرٌ مع إنسان . وهي في الوادي الذي لبيت رحوب. فبنوا المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذي ولد لاسرائيل وأقام بنودان لأنفسهم التمثال المنحوت." ( 71)
وفي سفر صموئيل الأوّل نقرأ من الحضّ على العدوان والسلوك العدواني الذي نفّذه شاول وجماعته بتوجيهات من صموئيل النبّي أو الكاهن الذي كان يؤكد دائماً أنّ الاله يهوه يرغب في ذلك ، وهذه الرغبة هي قرار ثابت لامجال للتخّلي عنه أو التردّد في تنفيذه . "فيهوه" منتقم، مرعب ، غيور ، يغضب فوراً يسير أمام جنوده ، يحارب عنهم ويأمر بذبح البشر وتدمير المدن وقتل الشيوخ والأطفال ، هكذا كان يصّوره صموئيل أو يريده، إلهاً غاضباً، قاسياً متعطشاً للعنف والقتل والدماء، وهو في حمأة غضبه يضرب بالوباء ، أو يشقّ الأرض لتبتلع الناس أو يصعق بالموت. أو يسّلط النار لتلتهم النّاس وتأكلهم أو يضرب الناس بالبواسير.( 72)
إن شاول الذي مسحه لاحقاً صموئيل ملكاً على إسرائيل كما يروي كاتب سفر القضاة . كان متمرداً وخارجاً على القانون ومعه عدد من العاطلين المتمردين أيضاً لاهم لهم إلاّ العدوان والسلب والنهب، وقد تبنّاه الكاهن الحاقد صموئيل ودعمه مشيراً إلى أنّ يهوه وراءه، فنقرأ :" وقال صموئيل لشاول إياّي أرسل الرّب لمسحك ملكاً على شعبه إسرائيل والآن فاسمع صوت كلام الرّب. هكذا يقول ربّ الجنود. إنّي قد افتقدت ما عمل عماليق باسرائيل حين وقف له بالطريق عند صعوده من مصر. فالآن اذهب واضرب عماليق وحرَّموا كلَّ ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة . طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً جملاً وحماراً . فاستحضر شاول الشعب وعدّه في طلايم مئتي ألف راجلٍ وعشرة آلاف رجل من يهوذا.".( 73(
فالسلطة المحّلية كانت تلاحق هؤلاء العصاة المتمردين الذين كانوا يختبئون في المغاور والكهوف خلال النهار ويتحركون ليلاً يقطعون الطرق ويسلبون الناس الآمنين . فنقرأ :" وقال شاول لننزل وراء الفسطينيين ليلاً وننهبهم إلى ضوء الصباح ولا نبقي منهم أحداً .".(74)
وفي نفس الفترة التي كان فيها شاول متمرداً وخارجاً على القانون ويقف وراءه الكاهن صموئيل ، كان داود يظهر على السّاحة شيئاً فشيئاً ، يقضي أيامه في الغزو والسّطو بتوجيهات من الرّب يهوه مباشرة فنقرأ :" فقال الرّب لداود اذهب واضرب الفلسطينيين وخلّص قعيلة ".( 75)
وكان داود يسأل الرّب ليتأكد إن كان بمقدوره ضربهم والانتصار عليهم ويجيبه الرّب مؤكداً على أنّه سيدفعهم إلى يده وسيتمكن منهم فنقرأ:
" فعاد أيضاً داود وسأل من الرّب فأجابه الرّب وقال قم انزل إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين فإني أدفع الفلسطينيين ليدك، فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلّص داود سكان قعيلة."(76)
" وصعد داود ورجاله وغزوا الجشوريين والجرزيين والعمالقة لأنّ هؤلاء من قديم ٍ سكّان الأرض من عند شور إلى أرض مصر . وضرب داود الأرض ولم يستبق رجلاً ولا امرأة وأخذ غنماً وبقراً وحميراً وجمالاً وثياباً ورجع وجاء إلى أخيش". (77)
لقد خلت السّاحة لداود بعد أن مات شاول ونشط في عملياته العسكرية ضد السكان من الفلسطينيين والموآبيين والكنعانيين بشكل عام . ولم يكن هناك من يقف في وجهه لأنّ الرّب معه ، وهو الذي يحضّه ويدفعه لأن يغزو ويحارب عنه حسب ما يرد في سفر صموئيل الثاني ، حيث نقرأ : "وبعد ذلك ضرب داود الفلسطينيين وذللهم وأخذ زمام القصبة من يد الفلسطينيين وضرب المؤابيين وقاسهم بالحبل أضجعهم على الأرض فقاس بحبلين للقتل وبحبلٍ للاستحياء" ( 78)
" وضرب داود هدد عزر بن رحوب ملك صوبة حين ذهب ليرّد سلطته عند نهر الفرات فأخذ داود منه ألف وسبعمائة فارس وعشرين ألف راجل . وعرقب داود جميع خيل المركبات وأبقى منها مئة مركبة "(79)
" وقتل داود من آرام سبعمئة مركبة واربعين ألف فارس وضرب شوبك رئيس جيشه فمات هناك"( 80)
إنّ الأنبياء أو الكهنة أو رجال الله الناطقون باسم يهوه كانوا دوماً وراء كل الأعمال العدوانية والانغلاق والتعصّب والحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى .
لانقرأ عن أي واحد منهم كان يحضُّ على السلام والمحبة والتآخي والعفو عند المقدرة والتسامح .. جميعهم يحضّون على العدوان والابادة والقتل وعدم الرأفة، والتمّسك بالاله يهوه ربّ الجنود هذا الاله الحاقد الذي لا يرتاح إلاّ بمنظر الدماء، والقتل والتحريم والقطع ، وحرق المدن.
في سفر الملوك الثاني مثلاً نقرأ أنّ يهورام ملك إسرائيل ويهو شافاط ملك يهوذا اتفقا على محاربة موآب ، وقرّرا استشارة نبِّي ليسأل لهم الاله يهوه إن كان سيدفع ليدهم موآب أم لا . فأحضرا أليشع بن شافاط وكان نبيّاً آنذاك فقال لهم :" هكذا قال الرّب اجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً لأنّه هكذا قال الرّب لاترون ريحاً ولا ترون مطراً وهذا الوادي يمتلئ ماءً فتشربون أنتم وما شيتكم وبهائمكم. وذلك يسيرٌ في عيني الرّب فيدفع موآب إلى أيديكم فتضربون كل مدينة محصّنة وكلّ مدينة مختارة وتقطعون كلّ شجرة طيبة وتطمّون جميع عيون الماء وتفسدون كلّ حقلة جيدة بالحجارة..".(81)
وفي سفر أشعيا، نجد أنّ هذا النّبي " أشعيا " يشعر بالكآبة والاحباط من التقصير الذي يراه من بني إسرائيل ، فهو يريدهم أن لايستريحوا من أعمال العدوان، نظراً لأنّ الاله يهوه يبغض الأمم الأخرى ويحقد عليها ويرغب في سحقها وإبادتها من أجل شعبه الخاصّ المقّدس. لهذا فإنّ سفر أشعيا عبارة عن دروس في الحقد والعنصرية والعنف ، يحذّر فيها اليهود من التخلّي عن أعمال العدوان والتسّلط والقتل حتىلا يغضب الإله يهوه وتنفيذاً للشريعة التي بنيت على التحريم والقطع والحضّ على العدوان والفوقية والعنصرية . فنقرأ :" اقتربوا أيّها الأمم لتسمعوا وأيّها الشعوب اصغوا. لتسمع الأرض وملؤها المسكونة وكلّ نتائجها . لأنّ للرّب سخطاً على كلّ الأمم وحموَّاً عل كل جيشهم . قد حرّمهم دفعهم إلى الذبح. فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم . ويفنى كلّ جند السموات وتلتف السموات كدرجٍ وكلَّ جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة والسٌّقاط من التينة. لأنّه قد روي في السَّموات سيفي هو ذا على أدوم ينزل وعلى شعبٍ حرّمته للرّب سيفٌ قد امتلأ دماً اطلى بشحمٍ بدم خرافٍ وتيوسٍ بشحم كلى كباشٍ لأنّ للرّب ذبيحة في بُصرة وذبحاً عظيماً في أرض أدوم. وسقط البقر الوحشيُّ معها . والعجول مع الثيران وتروى أرضهم من الدّم وترابهم من الشحم يسمَّن . لأنَّ للرّب يوم انتقام سنة جزاء من أجل دعوى صهيون ." (82)
ونقرأ في موضع آخر :" ولكن هكذا يقول ربّ الجنود لاتخف من آشور ياشعبي الساكن في صهيون. يضربك بالقضيب ويرفع عصاه عليك على أسلوب مصر. لأنّه بعد قليل جداً يتُّم السّخط وغضبي في إبادتهم. ويقيم عليه ربُّ الجنود سوطاً كضربة مديان ".(83)
" هوذا السيد ربّ الجنود يقضب الأغصان برعبٍ والمرتفعو القامة يقطعون . والمتشامخون ينخفضون . ويقطع غاب الوعر بالحديد ويسقط لبنان بقديرٍ ". (84)
ثم نقرأ في الاصحاح الثالث عشر :" وحيٌ من جهة بابل رآه إشعيّاء بن آموص. أقيموا رايةً على جبل أقرع . ارفعوا صوتاً إليهم أشيروا باليد ليدخلوا أبواب العتاة . أنا أوصيت مقدَّ سَّي ودعوت أبطالي لأجل غضبي مفتخري عظمتي صوت جمهورٍ على الجبال شبه قومٍ كثيرين صوت ضجيج ممالك أمم مجتمعة. ربّ الجنود يعرض جيش الحرب . يأتون من أرض: بعيدةٍ من أقصى السّموات . الرّب وأدوات سخطه ليخرب كلّ الأرض." ( 85)
" هوذا يوم الرّب قادم قاسياً بسخطٍ وحموّ غضبٍ ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها " (86)
إنّ كافة الأمم والشعوب في نظر إشعيا خطاة وبالتالي فإنّ يهوه سيبيدهم من الوجود قتلاً ليبقى شعبه الخاصّ المقدس فقط فنقرأ :" وأعاقب المسكونة على شرّها والمنافقين على إثمهم وأبطل تعظّم المستكبرين وأضع تجبّر العتاة. وأجعل الرجل أعزَّ من الذّهب الإبريز والإنسان أعزَّ من ذهب أوفير لذلك أزلزل السّموات وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط ربّ الجنود وفي يوم حموّ غضبه ويكون كظبي طريدٍ وكغنمٍ بلا من يحميها يلتفتون كلّ واحد إلى شعبه ويهربون كلُّ واحد إلى أرضه . كلّ من وجد يطعن وكلّ من انحاش يسقط بالسّيف . وتحطّم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم."(87)
لقد تعمد إشعّياء أو كاتب سفر إشعيّاء أن يحسم موضوع التهاون في مسألة الاندماج والمساواة والانسانية ، فاليهود هم الأخيار، هم النخبة والزرع المقدس، هم الأسياد، وهذا ما ينبغي، أن يفهمه كل يهودي ويغدو منهجاً وطريقاً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلوك. وهذا يستدعي دون شّك استخدام العنف والقسوة. فنقرأ: " لأنّ الرّب سيرحم يعقوب ويختار أيضاً إسرائيل ويريحهم في أرضهم فتقترن بهم الغرباء وينضمون إلى بيت يعقوب ويأخذهم شعوب ويأتون بهم إلى موضعهم ويمثلكم بيت إسرائيل في أرض الرّب عبيداً وإماءً .(88)
وفي الاصحاح الثلاثين نقرأ :" هوذا اسم الرّب يأتي من بعيد غضبه مشتعلٌ والحريق شفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه كنارٍ آكلةٍ ونفخته كنهرٍ غامرٍ يبلغ إلى الرقبة لغربلة الأمم بغربال السّوء وعلى فكوك الشّعوب رسنٌ مضلٌّ ." (89)
ونقرأ في الاصحاح التاسع والأربعين : " هكذا قال السيد الرّب ها إنّي أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أقيم رايتي فيأتون بأولادك في الأحضان وبناتك على الأكتاف يحملن . ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين أنّي أنا الرّب الذي لايخزي منتظروه"(90)
ويستُّمر إشعيّاء في التأكيد على أنّ كافة الأمم سوف تكون في خدمة إسرائيل حيث نقرأ:" لأنّه تتحوّل إليك ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم "
" وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك لأني بغضبي ضربتك وبرضواني رحمتك. وتنفتح أبوابك دائماً نهاراً وليلاً لاتغلق . ليؤتىّ إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم . لأنّ الأمّة والمملكة التي لاتخدمك تبيد وخراباً تخرب الأمم " (91)
" ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم، أمّا أنتم فتدعون كهنة الرّب تسمون خدام إلهنا . تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون"(92)
كما نجد هذه النزعة العدوانية في سفر إرمّيا أيضاًَ . وكاتب هذا السفر يركز على ضرورة التمسّك بالرّوح العدوانية تجاه كافة الشعوب وهو يحذر من مغبة التخّلي عن هذه الرّوح ، لأنّ غضب يهوه سريعٌ وتعطشه للدماء لاحدود له . فنقرأ :" الرّب من العلاء يزمجر ومن مسكن قدسه يطلق صوته يزئر زئيراً على مسكنه بهتافٍ كالدَّائسين يصرخ ضدّ كلّ سكان الأرض بلغ الضجيج إلى أطراف الأرض لأنّ للرّب خصومة مع الشّعوب هو يحاكم كلّ ذي جسدٍ يدفع الأشرار للسّيف يقول الرّب. هكذا قال رب الجنود. هوذا الشّر يخرج من أمّةٍ إلى أمّةٍ وينهض نوءٌ عظيمٌ من أطراف الأرض. وتكون قتلى الرّب في ذلك اليوم من أقصاء الأرض إلى اقصاء الأرض . لا يندبون ولا يضّمون ولا يدفنون. يكونون دمنةً على وجه الأرض."(93)
فإرميّا النبي ، الناطق باسم يهوه لاينسى أبداً أن يؤكد لبني اسرائيل أنّ يهوه ورغم ما يحمله من حقدٍ تجاه كل الأمم وتجاه من يتخّلى عن شريعته وقراراته فإنّه سيعيد لبني إسرائيل أمجادهم حتى لو أفنى كل الأمم الأخرى . لكن بشرط أن لا يندمجوا بالشعوب، وأن لايتخلوا عن العدوان بأشكاله المختلفة. فنقرأ:" أمّا أنت ياعبدي يعقوب فلا تخف يقول الرّب ولاترتعب ياإسرائيل لأنّي ها أنذا أخلصّك من بعيدٍ ونسلك من أرض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج . لأني أنا معك يقول الرّب لأخلّصك وإن أفنيت جميع الأمم الذين بدّدتك إليهم فأنت لا أفنيك بل أؤدبك بالحقِّ ولا أبّرئك تبرئةً. لأنّه هكذا قال الرّب كسرك عديم الجبر وجرحك عضالٌ. ليس من يقضي حاجتك للعصر . ليس لك عقاقير رفادةٍ. قد نسيك كلُّ محبيك. إياك لم يطلبوا لأني ضربتك ضربة عدوٍّ تأديب قاسٍ لأنّ إثمك قد كثر وخطاياك تعاظمت قد صنعت هذه بك. لذلك يؤكل كلّ آكليك ويذهب كلُّ أعدائك قاطبة إلى السَّبي ويكون كلُّ سالبيك سلباً وأدفع كلُّ ناهبيك للنهب."(94)
" هوذا زوبعة الرّب تخرج بغضبٍ. نوءٌ جارفٌ على رأس الأشرار يثور. لا يرتدُّ حموُّ غضب الرّب حتى يفعل وحتى يقيم مقاصد قلبه." (95)
إنّ إرميا، يصّب جام غضبه وحقده على كلّ الشعوب والأمم مؤكداً أن يهوه سوف يفني هذه الأمم وسيبيدها ويقتل شبانها وأطفالها وشيوخها ويحرق مدنها من أجل شعبه الخاصّ المقدس . فيبدأ بمصر ويصَّب لعنته عليها ويدفعها ليد نبوخذ نصر ملك بابل فيضرب جيشها ويبيده وينتقم يهوه من المصريين فنقرأ :" فهذا اليوم للسيد رب الجنود . يوم نقمةٍ للانتقام من مبغضيه فيأكل السّيف ويشبع ويرتوي من دمهم . لأنّ للسّيد ربّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات"( 96)
ويتابع إرميّا إلى بابل، مؤكداً على فنائها وعودة اليهود منها إلى أورشليم، بامانٍ واطمئنان. ثمّ يركز على أنّ الفلسطينيين سيهلكون، هكذا قال له الرّب فنقرأ :" كلمة الرّب التي صارت إلى إرميّا النبي عن الفلسطينيين قبل ضرب فرعون غزة"(97)
" بسبب اليوم الآتي لهلاك كلّ الفلسطينيين لينقرض من صور وصيدون كلَّ بقيةٍ تعين لأنّ الرّب يهلك الفلسطينيين بقية جزيرة كفتور" (98)
ويتوعد أيضاً بضرب موآب وتخريبها وإبادتها من الوجود . حيث نقرأ :" قريبٌ مجيء هلاك موآب وبليتها مسرعةٌ جداً . اندبوها ياجميع الذين حواليها وكلّ العارفين اسمها قولوا كيف انكسر قضيب العزِّ عصا الجلال . انزلي من المجد اجلسي في الظّلماء أيتها الساكنة بنت ديبون لأنّ مهلك موآب قد صعد إليك وأهلك حصونك. قفي على الطريق وتطلعي ياساكنة عروعير. اسألي الهارب والناجية قولي ماذا حدث . قد خزي موآب لأنّه قد نقض. ولولوا واصرخوا أخبروا في أرنوب أنّ موآب قد
أُهلك( 5)
كما يتوعّد بني عموّن قائلاً :" ها أيامٌ تأتي يقول الرّب وأسمع في ربّة بني عموّن جلبة حربٍ وتصير تلاً خرباً وتحرق بناتها بالنّار فيرث إسرائيل الذين ورثوه يقول الرّب"(100)

---------------------------------------------

(57) سفر القضاة الاصحاح الرابع.

(58) سفر القضاة الاصحاح السادس

(59) سفر القضاة الاصحاح السّابع.

(60) سفر القضاة الاصحاح الثامن

(61) سفر القضاة الاصحاح الثامن .

(62) سفر القضاة الاصحاح الثامن

(63) " وكان يفتاح الجلعادي جبار بأسٍ وهو ابن امرأة زانية " سفر القضاة الاصحاح /11/
" وأقام في أرض طوب فاجتمع إلى يفتاح رجال بطالون وكانوا يخرجون معه " الاصحاح / 11/

(64) سفر القضاة الاصحاح الحادي عشر

( 65) سفر القضاة الاصحاح الرابع عشر

( 66) سفر القضاة الاصحاح الخامس عشر.

(67) " وحلّ عليه روح الرّب فنزل إلى أشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلاً وأخذ سلبهم"
" وقال شمشون بلحي حمارٍ كومةً كومتين. بلحي حمارٍ قتلت ألف رجل" سفر القضاة 14-15

((68) سفر القضاة الاصحاح الثامن عشر

(69) سفر القضاة الاصحاح الثامن عشر

((70) سفر القضاة الاصحاح الثامن عشر

( 71) سفر القضاة الاصحاح الثامن عشر.

( 72) " وخرجت نارٌ من الأرض وأكلت المائتين والخمسين رجلاً" سفر العدد 16
" ثقلت يد الرّب على الأشدوديين واخرجهم وضربهم بالبواسير" سفر صموئيل 6
- أما أهل بيت شمس " ضرب منهم خمسين ألف رجل وسبعين رجلاً لأنّهم نظروا إلى تابوت الرّب" سفر صموئيل الاصحاح السادس.

( 73( سفر صموئيل الاصحاح الخامس عشر.

(74) سفر صموئيل الاصحاح الرابع عشر.
" وكانت حرباً على الفلسطينيين كل أيام شاول وأذ رأى شاول رجلاً جباراً أو ذا بأسٍ ضمه إلى نفسه ." 14/ 52

( 75) سفر صموئيل الأوّل الاصحاح الثالث والعشرون

(76) سفر صموئيل الأوّل الاصحاح الثالث والعشرون

(77) سفر صموئيل الأول الاصحاح السابع والعشرون

( 78) سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن

(79) سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن

( 80) سفر صموئيل الثاني الاصحاح العاشر.

(81) سفر الملوك الثاني الاصحاح الثالث .

(82) سفر إشعيّاء الاصحاح الرابع والثلاثون

(83) سفر إشعياء الاصحاح العاشر

(84) سفر إشعياء الاصحاح العاشر

( 85) سفر إشعياء الاصحاح الثالث عشر

(86) سفر إشعياء الاصحاح الثالث عشر.

(87) - سفر إشعيّاء الاصحاح الثالث عشر

(88) سفر إسعيّاء الاصحاح الثالث عشر

(89) سفر إشعيّاء الاصحاح الثلاثون

(90) سفر إشعيّاء الاصحاح التاسع والأربعون

(91) سفر إشعياء الاصحاح السّتون.

(92) سفر إشعيّاء الاصحاح الحادي والسّتون

(93) سفر إرميّا الاصحاح الخامس والعشرين

(94) سفر إرميّا الاصحاح الثلاثون.

(95) سفر إرميّا الاصحاح الثلاثون

( 96) سفر إرميّا الاصحاح السادس والأربعون

(97) سفر إرميّا الاصحاح السابع والأربعون

(98) سفر إرميّا الاصحاح السابع والأربعون

( 5) سفر إرميّا الاصحاح الثامن والأربعون

(100) سفر إرميّا الاصحاح التاسع والأربعون.


[/align]

يتبــــع>>>

مازن شما 02 / 02 / 2009 02 : 08 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
تتمة: الباب الثاني (محتوى التعاليم الدينية اليهودية)

الفصل الأّول

"النزعة العدوانية"

أمّا عن أدوم فيقول:" لأنّي بذاتي حلفت يقول الرّب بصرة تكون دهشاً وعاراً وخراباً ولعنة وكلّ مدنها تكون خرباً أبديةٍ"(101)
" وتصير أدوم عجباً كلُّ مارٍّ بها يتعجب ويصفر بسبب كلّ ضرباتها كانقلاب سدوم وعمورة ومجاوراتها يقول الرّب لايسكن هناك إنسان ولا يتغرب فيها ابن آدم ." (102)
وعن دمشق :" خزيت حماة وأرفاد . قد ذابوا لأنهم قد سمعوا خبراً رديئاً. في البحر اضطراب لا يستطيع الهدوء . ارتخت دمشق والتفتت للهرب . أمسكتها الرعدة وأخذها الضيق والأوجاع كما خضٍ كيف لم تترك المدينة الشهيرة قرية فرحي. لذلك تسقط شبانها في شوارعها وتهلك كلّ رجال الحرب في ذلك اليوم يقول ربّ الجنود"( 103)
كما يعرج على قيدار وممالك حاصور قائلاً :" وتكون حاصور مسكن بنات آوى وخربة إلى الأبد ، لايسكن هناك إنسان ولا يتغرّب فيها ابن آدم"( 104)
وأيضاً يتوعد عيلام قائلاً :" كلمة الرّب التي صارت إلى إرميّا النبي على عيلام. في ابتداء ملك صديقيا ملك يهوذا قائلة. هكذا قال ربّ الجنود. هاأنذا أحطم قوس عيلام أول قوتهم وأجلب على عيلام أربع رياحٍ من أربعة أطراف السماء وأذريهم لكل هذه الرياح ولا تكون أمة الإويأتي إليها منفيو عيلام . وأجعل العيلاميين يرتعبون أمام أعدائهم وأمام طالبي نفوسهم وأجلب عليهم شرّاً حموَّ غضبي يقول الرّب . وأرسل وراءهم السّيف حتى أفنيهم"( 105)
وأخيراً يتناول بابل وأرض الكلدانيين متوّعداً أيضاً ومشيراً إلى أنّ الهلاك آت والخراب كبيرٌ ، وأنّ يهوه سيسّلط على البابليين شعباً كبيراً جباراً يأتي من الشمال فيدمر ويحرق ويقتل ويسبي دون رحمة أو شفقة وينتقم له منهم لأنّهم سبوا شعبه الخاصّ المدلل . فنقرأ في عدة مواضع ضمن الاصحاح الخمسين:" ها أنذا أوقظ وأصعد على بابل جمهور شعوبٍ عظيمةٍ من أرض الشمال فيصطفون عليها . من هناك تؤخذ. نبالهم كبطلٍ مهلكٍ لا يرجع فارغاً وتكون أرض الكلدانيين غنيمة. بكل مغتنميها يشبعون يقول الرّب"( 106)
" بسبب سخط الرّب لاتسكن بل تصير خربةً بالتمام كل مارٍّ ببابل يتعجب ويصفر بسبب كلّ ضرباتها. اصطفوا على بابل حواليها ياجميع الذين ينزعون في القوس . ارموا عليها لاتوفروا السهام لأنّها قد أخطأت إلى الرّب . اهتفوا عليها حواليها. قد أعطت يدها. سقطت أسسها . نقضت أسورها لأنّها نقمة الرّب هي فانقموا منها"(107)
" هكذا قال الرّب . ها أنذا أوقظ على بابل وعلى الساكنين في وسط القائمين عليَّ ريحاً مهلكة. وأرسل إلى بابل مذرين فيذرونها ويفرغون أرضها لأنهم يكونون عليها من كلّ جهة في يوم الشرا . على النازع في قوسه فلينزع النازع وعلى المفتخر بدرعه فلا تشفقوا على منتخبيها بل حرموا كل جندها. فتسقط القتلى في أرض الكلدانيين والمطعونون في شوارعها"( 108)
ويتابع إرميّا مواعظه لبني إسرائيل متوعداً كالمعتاد ومهدداً بربّ الجنود يهوه المنقذ الوحيد لهم وقضيب الميراث الأوحد الذي يجعل منهم قوة ضاربة قادرة على سحق كل الأمم . بسكانها ومدنها وأطفالها وشيوخها .. فنقرأ :" أنت لي فأسٌ وأدوات حربٍ فأسحق بك المركبة وراكبها. وأسحق بك الرجل والمرأة واسحق بك الشيخ والفتى واسحق بك الغلام والعذراء. وأسحق بك الراعي وقطيعه . وأسحق بك الفلاح وفدانه. واسحق بك الولاة والحكام. وأكافئ بابل وكلّ سكان أرض الكلدانيين على كلّ شرهم الذي فعلوه في صهيون أمام عيونكم يقول الرّب"(109)
" لذلك هكذا قال الرّب . ها أنذا أخاصم خصومتك وأنتقم نقمتك وأنشف بحرها وأجفف ينبوعها . وتكون بابل كوماً ومأوى بنات آوى ودهشاً وصفيراً بلا ساكنٍ"( 110)
وكما كان إرميّا متشدداً في أمر التمسّك بالروح العدوانية والسلوك العدواني، فإنّ حزقيال النبي أيضاً رفع راية الحقد والعدوان محذّراً ومهدداً ومتوعداً بـأنّ يهوه لن يسمح أبداً بالتخلي عن هذه النزعة ، وسيصب جام غضبه حتى على شعبه الخاص المقدس إن تردد أو تجاهل هذا الأمر .. فنقرأ في سفر حزقيال مزيداً من أفكار الحضّ على العدوان والسلوك العدواني بلسان النبي حزقيال الناطق باسم يهوه.
وايضاً اتبع حزقيال نفس الأسلوب الذي اتبعه إرميّا في صبّ جام غضبه على الشعوب والأمم مؤكداً على أنها ستباد وستدمر وستحرق لأنّها رأت مذّلة إسرائيل وفرحت حسب رأيه فنقرأ :" وكان إليَّ كلام الرّب قائلاً : ياابن آدم اجعل وجهك نحو بني عمون وتنبأ عليهم . وقل لبني عمون اسمعوا كلام السيد الرّب . هكذا قال السّيد من أجل أنك قلت هه على مقدسي لأنّه تنجس وعلى أرض إسرائيل لأنّها خربت وعلى بيت يهوذا لأنهم ذهبوا إلى السبي . فلذلك ها أنذا أسلمك لبني المشرق ملكاً فيقيمون صيرهم فيك ويجعلون مساكنهم فيك . هم يأكلون غلتك وهم يشربون لبنك وأجعل ربة مناخاً للإبل وبني عمون مربضاً للغنم فتعلمون أني أنا الرّب.لأنّه هكذا قال السّيد الرّب . من أجل أنك صفقت بيديك وخبطت برجليك وفرحت بكل إهانتك للموت على أرض إسرائيل فلذلك ها أنذا أمد يدي عليك واسلمك غنيمة للأمم واستأصلك من الشعوب وأبيدك من الأراضي. أخربك فتعلم أني أنا الرّب"( 111)
وهذا ما جرى على موآب وسعير فنقرأ :" من أجل أنّ موآب وسعير يقولون هو ذا بيت يهوذا مثل كلّ الأمم . لذلك ها أنذا أفتح جانب موآب من المدن . من مدنه من أقصاها بهاء الأرض بيث بشيموت وبعل معون وقرتيايم . لبني المشرق على بني عمون وأجعلهم ملكاً لكيلا يذكر بنو عمون بين الأمم وبموآب أجري أحكاماً فيعلمون أني أنا الرّب"( 112)
ولم تنجُ أدروم من العدوان فكانت من المناطق التي رأى حزقيال ضرورة إبادتها والانتقام من سكانها وهو ماأشار إليه السّيد الرّب فنقرأ :
" من أجل أنّ أدوم قد عمل بالانتقام على بيت يهوذا وأساء إساءة وانتقم منه لذلك هكذا قال السيد الرّب وأمدُّ يدي على أدوم واقطع منها الانسان والحيوان وأصيرها خراباً من التيمن وإلى ددان يسقطون بالسيف وأجعل نقمتي في أدوم بيد شعبي إسرئيل فيفعلون بأدوم كغضبي وكسخطي فيعرفون نقمتي يقول السيد
الرّب"
( 113)

ثمّ نقرأ عن توعده لاستئصال الفلسطينيين من الوجود ، فيقول: " من أجل أنّ الفلسطينيين قد عملوا بالانتقام وانتقموا نقمةً بالاهانة إلى الموت للخراب من عداوةِ أبديةٍ فلذلك هكذا قال السّيد الرّب ها أنذا أمدُّ يدي على الفلسطينيين وأستأصل الكريتيين وأهلك بقية ساحل البحر. وأجري عليهم نقماتٍ عظيمةٍ بتأديب سخطٍ فيعلمون أنّي أنا الرّب إذ أجعل نقمتي عليهم"( 114)
ويتابع حزقيال ما قاله الاله يهوه بشأن الأمم والشعوب ويتحدّث عن صور بلسان يهوه مهدّداً ومتوّعداً بتخريب أسوارها وابراجها وقتل سكانها بالسيف ونهب ثرواتها . فقط لأنّها قالت على أورشليم " هه" . فنقرأ بعضاً من هذا التوّعد :". ها أنذا عليك ياصور فأصعد عليك أمماً كثيرة كما يُعلّي البحر أمواجه فيخربون أمواج صور ويهدمون أبراجها وأسحي ترابها عنها واصيّرها ضحَّ الصخر. فتصير مبسطاً للشّباك في وسط البحر لأنيّ أنا تكلّمت يقول السّيد الرّب وتكون غنيمةً للأمم وبناتها اللواتي في الحقل تقتل بالسّيف فيعلمون أنيّ أنا الرّب"( 115)
ثم يتحدّث عن صيدون قائلاً :" ها أنذا عليك ياصيدون وسأتمجد في وسطك فيعلمون أني أنا الرّب حين أجري فيها أحكاماً وأتقدّس فيها وأرسل عليها وباءً ودماً إلى أزَّقتها ويسقط الجرحى في وسطها بالسّيف الذي عليها من كل جانبٍ فيعلمون أنيّ أنا الرّب"( 116) ويتحدّث أيضاً عن مصر قائلاً :" ها أنذا أجلب عليك سيفاً واستأصل منك الانسان والحيوان وتكون أرض مصر مقفرة وخربةً فيعلمون أنيّ أنا الرّب"(117)
ويبدو أنّ حزقيال مستاءٌ من سكان جبل " سعير". فهو يكرّر توعّده لهم نقلاً عن السّيد الرّب فيقول:" ها أنذا عليك ياجبل سعير وأمدُّ يدي عليك وأجعلك خراباً مقفراً . أجعل مدنك خربةً وتكون أنت مقفراً وتعلم أنّي أنا الرّب . لأنّه كانت لك بغضةٌ أبدّيةٌ ودفعت بني إسرائيل إلى يد السّيف في وقت مصيبتهم وقت إثم النهاية. لذلك حيٌّ أنا يقول السّيد الرّب إني أهيئُّك للدَّم والدّم يتبعك . إذ لم تكره الدَّم فالدَّم يتبعك فأجعل جبل سعير خراباً ومقفراً وأستأصل منه الذَّاهب والآئب. . وأملأ جباله من قتلاه . تلالك وأوديتك وجميع أنهارك يسقطون فيها قتلى بالسّيف وأصيّرك خرباً أبدّيةً ومدنك لن تعود فتعلمون أني أنا الرّب."( 118)
ثم يذكر أرض ماجوج ورئيسها " جوجٍ ". فهي من المناطق المعادية لبني إسرائيل وينبغي سحقها وعبادتها أيضاً حتى يرتاح شعب يهوه الخاص المقدّس . فنقرأ :" ها أنذا عليك ياجوج رئيس روشٍ ماشك وتوبال. وأردَّك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشّمال وآتي بك على جبال إسرائيل واضرب قوسك من يدك اليسرى، وأسقط سهامك من يدك اليمنى. فتسقط على جبال إسرائيل أنت . وكلّ جيشك والشعوب الذين معك أبذلك مأكلاً للطيور الكاسرة من كلّ نوعٍ ولوحوش الحقل . على وجه الحقل تسقط لأني تكلّمت يقول السّيد الرّب. وأرسل ناراً على ماجوج وعلى الساكنين في الجزائر آمنين فيعلمون أنيّ أنا الرّب"( 119)
ويتابع بهذه اللغة الحاقدة القاسية المليئة بالرّوح العدوانية قائلاً: " قل لطائر كل جناحٍ ولكلّ وحوش البرِّ اجتمعوا وتعالوا احتشدوا من كلّ جهةٍ إلى ذبيحتي التي أنا ذابحها لكم. ذبيحةً عظيمةً على جبال إسرائيل لتأكلوا لحماً وتشربوا دماً . تأكلون لحم الجبابرة وتشربون دم رؤساء الأرض . كباشٌ وحملانٌ وأعتدةٌ وثيرانٌ كلّها من قسّمنات باشان. وتأكلون الشحم إلى الشَّبع وتشربون الدَّم إلى السُّكر من ذبيحتي التي ذبحتها لكم. فتشبعون على مائدتي من الخيل والمركبات والجبابرة وكلّ رجال الحرب يقول السّيد الرّب"(120)
وفي الأسفار التوراتية الباقية " هوشع، يوئيل، عاموس، يونان ، عوبديا، ميخا، ناحوم، حبّقوق، صفنيا، حجَّي، زكرَّيا، ملاخي" في هذه الأسفار نجد أيضاً تلك الرّوح العدوانية، التي لاتتحدّث إلاّ عن القتل والتدّمير والإستئصال والقطع والتحريم والسّبي وغضب رّب الجنود يهوه وتوعّده الدائم بالإبادة وتهديده المستمر لشعبه الخاص إن حاول أن يتخّلى عن هذه الرّوح العدوانية.
وكلّ نبّيً من هؤلاء يشير في سفره أنّ يهوه سيفني الشعوب والأمم من أجل بني إسرائيل ، سيدّمر المدن ويقتل النساء والأطفال والشيوخ وأورشليم وحدها هي الباقية ويسكب الرّب روحه على كل واحد من بني إسرائيل، ويحاكم جميع الأمم والشعوب بعد أنّ يردّ سبي يهوذا وإسرائيل . فنقرأ:
" لأنّه هو ذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أردُّ سبي يهوذا وأرشليم أجمع كلَّ الأمم وأنزلهم إلى وادي يهو شافاط وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل.".( 121)
" وماذا أنتَّن لي ياصور وصيدون وجميع دائرة فلسطين . هل تكافئوني عن العمل أم هل تصنعون بي شيئاً. سريعاً بالعجل أردُّ عملكم على رؤوسكم لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وادخلتم نفائسي الجيّدة إلى هياكلكم . وبعتم بني يهوذا وبني أورشليم لبني اليادانيين لكي تبعدوهم عن تخومهم . ها أنذا أنهضهم من الموضع الذي بعتوهم إليه وأردُّ عملكم على رؤوسكم. وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسَّبائيين لأمّةٍ بعيدٍة لأنّ الرّب قد تكلّم .".(122)
أمّا عاموس النّبي فهو يدعو إلى معاقبة الشعوب والأمم جميعها والرّب هو الذي أخبره بذنوب هذه الأمم والشعوب. وهو الذي سيعاقبها قتلاً وتدميراً وإبادةً فنقرأ:" هكذا قال الرّب . من أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنّهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد . فأرسل ناراً على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد وأكسر مغلاق دمشق وأقطع الساّكن من بقعة آون وما سك القضيب من بيت عدنٍ ويسبى شعب آرام إلى قير قال الرّب.".(123)
" هكذا قال الرّب . من أجل ذنوب غزَّة الثلاثةِ والأربعةِ لا أرجع عنه لأنّهم سبوا سبياً كاملاً لكي يسّلموه إلى أدوم فأرسل ناراً على سُورِ غزّة فتأكل قصورها . وأقطع السّاكن من أشدود وماسك القضيب من أشقلون وأردُّ يدي على عقرون فتهلك بقّية الفلسطينيين قال السيد الرّب." (124)
" هكذا قال الرّب . من أجل ذنوب صور الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنهّم سلّموا سبياً كاملاً إلى أدوم ولم يذكروا عهد الإخوة. فأرسل ناراً على سور صور فتأكل قصورها." (125)
" هكذا قال الرّب . من أجل ذنوب أدوم الثلاثة والأربعة لا أرجع لأنّه تبع بالسيف أخاه وأفسد مراحمه وغضبه إلى الدّهر يفترس وسخطه يحفظه إلى الأبد فأرسل ناراً على تيمان فتأكل قصور بصرة." (126)
" هكذا قال الرّب. من أجل ذنوب بني عمّون الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنّهم شقّوا حوامل جلعاد لكي يوسّعوا تخومهم. فأضرم ناراً على سور ربّة فتأكل قصورها . بجلبةٍ في يوم القتال بنوءٍ في يوم الزّوبعة . ويمضي ملكهم إلى السّبي هو ورؤساؤه جميعاً قال الرّب." ( 127)
" هكذا قال الرّب. من أجل ذنوب موآب الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنهم أحرقوا عظام ملك أدوم كلساً. فأرسل ناراً على موآب فتأكل قصور قريوت ويموت موآب بضجيج بجلبةٍ بصوت البوق وأقطع القاضي من وسطها وأقتل جميع رؤسائها معه قال الرّب." (128)
وفي سفر عوبديا نقرأ:" هكذا قال السّيد الرّب عن أدوم. سمعنا خبراً من قبل الرّب وأرسل رسولٌ بين الأمم . قوموا ولنقم عليها للحرب. إنّي قد جعلتك صغيراً بين الأمم . أنت محتقرٌ جداً"(129)
كما نقرأ في سفر ميخا:" قومي ودوسي يابنت صهيون لأنّي أجعل قرنك حديداً وأظلافك أجعلها نحاساً فتسحقين شعوباً كثيرين وأحرّم غنيمتهم للرّب"
وهذا ناحوم النّبي أيضاً يصُّب جام غضبه على نينوى فيتوّعد ويتهّدد ويزمجر غاضباً متأثراً بالاله يهوه فنقرأ :" الرّب إله غيورٌ ومنتقمٌ . الر‍ّب منتقمٌ وذو سخطٍ . الرّب منتقمٌ من مبغضيه وحافظٌ غضبه على أعدائه.". (131)
من يقوم أمام سخطه ومن يقوم في حموُّ غضبه ، غيظه ينسكب كالنّار والصخّور تنهدم منه ." ( 132)
" قفوا قفوا ولا ملتفت انهبوا فضةً انهبوا ذهباً. فلا نهاية للتَّحف للكثرةِ من كلّ متاعٍ شهيٍّ ."( 133)
" ها أنا عليك يقول رّب الجنود . فأحرق مركباتك دخاناً وأشبالك يأكلها السَّيف واقطع من الأرض فرائسك ولا يسمع أيضاً صوت رسلك." (134)
ثمّ يصف لنا " صفنيا" النّبي المآسي التي ستعاني منها الشعوب والأمم من جرّاء غضب يهوه وسخطه عليهم لأنّهم لايؤمنون به فنقرأ:
" لأنّ غزّة تكون متروكةً وأشقلون للخراب . أشدود عند الظهيرة يطردونها وعقرون تستأصل . ويل لسكَّان ساحل البحر أمَّة الكريتيين . كلمة الرّب عليكم ياكنعان أرض الفلسطينيين إنّي أخربك بلا ساكنٍ ويكون ساحل البحر مرعىً بآبارٍ للرعاة وحظائر الغنم . ويكون الساحل لبقية يهوذا عليه يرعون في بيوت أشقلون عند المساء يربضون لأنّ الرَّبَّ إلههم يتعهَّدهم ويردُّ سبيهم." ( 135)
" حيٌّ أنا يقول ربُّ الجنود إله إسرائيل إنَّ موآب تكون كسدوم وبنو عموَّن كعمورة ملك القريص وحفرة ملحٍ وخراباً إلى الأبد . تنهبهم بقيّة شعبي . وبقيّة أمتّي تمتلكهم ." (136)
". وأنتم أيّها الكوشيون . قتلى سيفي هم . ويمدّ يده على الشمال ويبيد آشور ويجعل نينوى خراباً يابسة كالقفر."(137)
". لذلك فانتظروني يقول الرَّبُّ إلى يوم أقوم إلى السّلب لأنَّ حكمي هو بجميع الأمم وحشر الممالك لأصبَّ سخطي كلَّ حمُّو غضبي لأنّه بنار غيرتي تؤكل كلُّ الأرض." (138)
ويرى النبّي حجَّي . في سفره أنّ يهوه سيمحو الأمم كلها ويبقى فقط على بني إسرائيل شعبه الخاص فنقرأ:" وأزلزل كلَّ الأمم ويأتي مشتهى كلّ الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال ربُّ الجنود . لي الفضة ولي الذّهب يقول ربُّ الجنود." (139)
" وأقلب كرسّي الممالك وأبيد قوّة الأمم وأقلب المركبات والراكبين فيها وينحطَّ الخيل وراكبوها كلٌ منها بسيف أخيه."(140)
ولا يختلف عنه النبي زكريا في هذا الأمر. فهو يرى أن يهوه غار على أورشليم وغضب من الأمم والشّعوب ورأى ضرورة العدوان عليها وسحقها وإبادتها فنقرأ:" هكذا قال ربَّ الجنود . غرت على أورشليم وعلى صهيون غيرةً عظيمةً وأنا مغضبٌ بغضبٍ عظيم على الأمم المطمئنين" ( 141)
كما يرى أنَّ الأمم كلّها ستخضع لرَّبِّ الجنود ويسجدوا له مخافة غضبه وقسوته وقدرته. وستغدورا أورشليم المقرَّ الرئيسي للأمم والشعوب تأتي إليها قبائل الأرض وتسجد للملك ربّ الجنود . فنقرأ :" وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرَّب كلَّ الشعوب الذين تجندوا على أورشليم. بحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم . وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم فيمسك الرجل بيد قريبه وتعلو يده على يد قريبه" .(142)
.". ويكون أنَّ كلّ الباقي من جميع الأمم الذين جاؤوا على أورشليم يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك ربِّ الجنود وليعّيدوا عيد المظال. ويكون أنَّ كلَّ من لا يصعد من قبائل الأرض إلى أورشليم ليسجد للملك ربّ الجنود لايكون عليهم مطرٌ . وإن لاتصعد ولاتأتي قبيلة مصر ولا مطرٌ عليها تكن عليها الضربة التي يضرب بها الرّبّ الأمم الذين لايصعدون ليعيّدوا عيد المظال. هذا يكون قصاص مصر وقصاص كلّ الأمم الذين لا يصعدون ليعّيدوا عيد المظال."( 143)
qq

---------------------------------



(101) سفر إرميا الاصحاح التاسع والأربعون

(102) سفر إرميّا الاصحاح التاسع والأربعون

( 103) سفر إرميّا الاصحاح التاسع والأربعون

( 104) سفر إرميّا الاصحاح التاسع والأربعون

( 105) سفر إرميّا الاصحاح التاسع والأربعون

( 106) سفر إرميّا الاصحاح الخمسون

(107) سفر إرميّا الاصحاح الخمسون

( 108) سفر إرميّا الاصحاح الخمسون

(109) سفر إرميّا الاصحاح الخمسون

( 110) سفر إرميّا الاصحاح الواحد والخمسون

( 111) سفر حزقيال الاصحاح الخامس والعشرون

( 112) سفر حزقيال الاصحاح الخامس والعشرون

( 113) سفر حزقيال الاصحاح الخامس والعشرون

( 114) سفر حزقيال الاصحاح الخامس والعشرون

( 115) سفر حزقيال الاصحاح السادس والعشرون

( 116) سفر حزقيال الاصحاح الثامن والعشرون

(117) سفر حزقيال الاصحاح التاسع والعشرون.

( 118) سفر حزقيال الاصحاح الخامس والثلاثون

( 119) سفر حزقيال الاصحاح التاسع والثلاثون

(120) سفر حزقيال الاصحاح التاسع والثلاثون.

( 121) سفر يوئيل الاصحاح الثالث

(123) سفر عاموس الاصحاح الأول.

(124) سفر عاموس الإصحاح الأول

(125) سفر عاموس الإصحاح الأول

(126) سفر عاموس الإصحاح الأول

(127) سفر عاموس الاصحاح الثاني

(128) سفر عوبديا الاصحاح الأول

(129) سفر ميخا الاصحاح الرابع

(131) سفر ناحوم الاصحاح الأول

( 132) سفر ناحوم الاصحاح الأول

( 133) سفر ناحوم الاصحاح الثاني

(134) سفر ناحوم الاصحاح الثاني

( 135) سفر صفينا الاصحاح الثاني

(136) سفر صفينا الاصحاح الثاني

(137) سفر صفينا الاصحاح الثاني

(138) - سفر صفينا الاصحاح الثالث.

(139) سفر حجَّي الاصحاح الثاني

(140) سفر حجَّي الاصحاح الثاني

( 141) سفر زكريا الاصحاح الأول

(142) سفر زكريا الاصحاح الرابع عشر

( 143) سفر زكريا الاصحاح الرابع عشر.


[/align]
يتبــــع>>>

مازن شما 07 / 02 / 2009 58 : 12 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
الفصل الثاني
النزعة العنصرية:
إنّ الروح العدوانية التي تجذّرت في ذوات وعقول اليهود ارتكزت أيضاً على نزعات حذّرالإله ربّ الجنود من تجاهلها، وكانت بمثابة الركيزة الأساسية لهذه الروح العدوانية.. كالنزعة العنصرية التي ساهمت في انغلاقهم وتعصّبهم وتوجسّهم من الأغيار، واعتقادهم بأنهم الزّرع المقدّس والشعب المختار.
فالعنصرية في جوهرها نزعة عدوانية، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك نظراً لأنّها تبنى على التميّيز والتميز والاختيار والتفّوق والفرادة.
واليهودية تنصّ على أنّ اليهود يشكلّون عنصراً مميّزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متّميزاً على كافة الشعوب بخصائصه وفرادته .، والتعاليم الدينية اليهودّية تركزّ بقوّة على العنصرية عبر تأكيدها على الاختيار والقداسة والتفّوق، وعدم الاختلاط بالشعوب والأمم. وإسرائيل اليوم تربط كيانها السياسي بالدّين، وتجعل من الدين أساساً لوجودها وحجّة في اغتصاب الأرض واستملاكها. والدين اليهودي في نظر المفكرين اليهود والصهاينة هوالأساس الذي تقوم عليه الأيديولوجية أو القومية اليهودية ، كما أنّ الكنيس اليهودي هو محور الهوية الذاتية اليهودية في دول الغرب.
إنّهم ينظرون إلى فلسطين على أنّها أرض اسرائيل فهي مُلك لهم وعلاقتهم بها تاريخية في أي مناسبة أو محاججة سياسية سواء أكانوا مؤمنين دينياً بالتوراة أم غير مؤمنين.
والسياسيون اليهود والصهاينة يعتمدون اعتماداً كاملاً على النصوص الدينية في كتاباتهم وتصريحاتهم السياسية، وهذه النصوص الدينية مليئة بالعنصرية والروح العدوانية. وهو ما سأستشهد به في هذا الفصل الذي أفردته للنزعة العنصرية في التعاليم الدينية اليهودية. نظراً لأنّ الصهاينة واليهود عموماً يستندون إلى الدين في كل ما يتعلق بأمورهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية ، ويعتبرون نصوص الدين أساساً لكل عمل لهم في الأرض ، وهم يعلنون دائماً أنّ اليهود يشكّلون كياناً دينياً قومياً عرقّياً ، غير قابل للاندماج أو الانصهار في الشعوب الأخرى .
إن الكنعانين حسب ما نستّشفه من النّصوص التوراتية كانوا يمتلكون ذهنية متفتّحة ، ويتصّفون بالكرم والمحبة والطيبة، والانفتاح على ألأمم الأخرى.
كان إبراهيم الخليل يتنقل في أرض كنعان بحرية وأمان. وحكام المنطقة يقدّمون له كل التسهيلات الكفيلة بتأمين الاقامة والاطمئنان والكلأ وحرية العمل والحركة والاحترام . فنقرأ في سفر التكوين:" فأتوا إلى أرض كنعان واجتاز أبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مور وكان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض وظهر الرّب لأبرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض ، فبنى هناك مذبحاً للرّب الذي ظهر له ، ثم نقل من هناك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته وله بيت إيل من المغرب وعائي من المشرق فبنى هناك مذبحاً للرّب ودعا باسم الرّب ثم ارتحل أبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب." (1)
كان يتصرّف بحرية وأمان ، ولم يتعرّض له أحد من الكنعانيين بسوء. ولم يطلبوا منه أن يهدم مذبحه ولا أن يرحل ولا أن يلتزم بعبادة آلهتهم ، وقد بنى مذبحين للرّب إلهه قبل أن يرتحل إلى مصر ، وعندما عاد من مصر بعد أن تغرّب فيها وجد المذبحين كما هما قبل رحيله لم يتعرض لهما أحد بسوء. علماً أنّه كان بمقدور الكنعانيين أن يهدموا المذبحين وأن يفرضوا على ابراهيم التمسك بعبادة آلهتهم أو أن يرحل.. لكن هذا لم يحدث، بل على العكس. احترم الكنعانيون ابراهيم وتركوا له حرّية العقيدة والعبادة. وصادقوه واحتضنوه بين ظهرانيهم بمحبة واحترام فنقرأ:" ثم انتقل إبراهيم إلى بلوطات ممرا التي في حبرون وأقام هناك وبنى مذبحاً للرّب وسكن بأمان وطمأنينة تحت راية ممرا الأموري وأخويه أشكول وعانر وكانوا أصحاب عهدٍ مع إبراهيم".(2)
واستوطن إبراهيم في أرض الجنوب بين قادش وشور وتغرّب في جرار، وقد لقي كل الاحترام والتقدير من ملك جرار" أبيمالك" الذي قال لابراهيم:" هوذا أرضي قدامك اسكن في ما حسن في عينيك." (3)
كما تغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أياماً كثيرة، ولما ماتت امرأته " ساره" تضامن معه بنو حثّ سكان المنطقة وكانوا له عوناً ومنحوه حقلاً ومغارة ليدفن امرأته" سارة" ولم يشعروه أبداً أنّه غريبٌ عنهم وكانوا يعتبرونه مؤمناً تقيّاً رغم أنّه لم يكن يتعبّد لآلهتهم فنقرأ :" وقام إبراهيم من أمام ميته وكلّم بني حثّ قائلاً . أنا غريب ونزيلٌ عندكم أعطوني ملك قبرٍ معكم لأدفن ميتي من أمامي . فأجاب بنو حثّ إبراهيم قائلين له اسمعنا ياسيدي أنت رئيس من الّله بيننا في أفضل قبورنا ادفن ميتك . لايمنع أحدٌ منّا قبره عنك حتى لاتدفن ميتك."(4)
وبنفس الروح المتسامحة والكرم والإنسانية، احتضن الكنعانيون ابنه إسحق الذي سكن بعد وفاة والده إبراهيم في منطقة تدعى بئر لحي رئي، ثم ذهب إلى منطقة جرار فاستقبله ملكها "حاكمها " أبيمالك خير استقبال وكرّمه تكريماً جيداً وأوصى به قائلاً لشعبه:" الذي يمسُّ هذا الرجل أو امرأته موتاً يموت".(5)
ثم استوطن إسحق في بئر سبع وبنى هناك مذبحاً للرّب، وقد عاش بين الكنعانيين بأمان وطمأنينة، وتزّوج ابنه " عيسو" إمرأة من بني حّث تدعى " يهوديت" إبنة بيري الحّثي ، وتزوج أيضاً إمرأة حثّية أخرى تدعى " بسمة" إبنة إيلون الحّثي.(6)
فالكنعانيون كانوا يتصّفون بالصفاء والتسامح وكرم الضيافة والشهامة والإنسانية وهذا ما كان يدفعهم إلى احتضان الرّحل من العناصر البدوية الصحراوية ويفسحون لهم المجال للسكن في أراضيهم وانتجاع مراعيهم ومنحهم حرية العبادة. ولهذا كان " يعقوب بن اسحق " في طمأنينة بين ظهرانيهم عندما عاد من فّدان آرام بعد أن تغرّب هناك هرباً من أخيه عيسو بعد أن غدر به بالاتفاق مع أمّه ووالده ، وسرق منه البكورية والبركة.( 7)
فقد نزل أمام مدينة شكيم وأقام هناك مذبحاً للرّب ، وقد كرّمه رئيس المنطقة وكان يدعى " حمور" وطرح معه فكرة الاختلاط والاندماج عبر التصاهر والتعاون والتضامن . فنقرأ :" تعطونا بناتكم وتأخذون لكم بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها." (8)
على الرغم من هذا التسامح والترّحيب والانفتاح الذي أبداه الكنعانيون لبني إسرائيل، فقد نظر الاسرائيليون إليهم نظرة تعصّب وعنصرية ، وعدوانية لأنّ إلههم الخاصّ صوّر لهم الكنعانيين أعداءً وكفرة ولذا ينبغي الانعزال عنهم وإذا أمكن إبادتهم واحتلال مناطقهم.
فالمصاهرة أمرٌ مرفوض البتة. فلا يجوز في عقيدتهم أن يتدّنس الزرع المقدّس برجاسات الأمم. فرغم كلّ مالاقاه إبراهيم من تكريم ومودة واحترام في كنعان من سكانها وبمختلف مناطقها التي سكن فيها ، فإنّه لم يكن ليتخّلى عن نزعته العنصرية كما نستشّف من النصّ التوراتي وكأنّ كاتب النصّ يرغب أن يصوّر إبراهيم متعصّباً عنصرياً انعزالياً مترفّعاً.
إنّ ابراهيم رفض أن يتزوّج ابنه اسحق من بنات كنعان . وأصّر أن يأخذ بنتاً من عشيرته حصراً فنقرأ:" وشاخ إبراهيم وتقدّم في الأيام وبارك الرّب إبراهيم في كلّ شيء وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولي على كلِّ ما كان له . ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرّب إله السماء وإله الأرض أن لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم . بل إلى أرضي وعشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني اسحق.".( 9)
لقد نفّذ إسحق وصية ابيه وتزوّج من فدّان آرام كما يرد في سفر التكوين:" واتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي من فدان آرام" (10)
وورث إسحق عن أبيه ابراهيم هذه النزعة العنصرية ، حيث يكتب محرّر النصّ التوراتي أن اسحق أمر ابنه يعقوب أن لا يأخذ زوجة من بنات كنعان أيضاً فنقرأ:" فدعا إسحق يعقوب وباركه وأوصاه وقال له لا تأخذ زوجةً من بنات كنعان . قم اذهب إلى فدّان آرام إلى بيت بتوئيل أبي أمّك وخذ لنفسك زوجة من هناك من بنات لابان أخي أمّك".(11)
التزم يعقوب بالأمر خاصّة وأنّ أمّه " رفقة" كانت قد هدّدت أن تقتل نفسها إن تزوّج من بنات كنعان حيث نقرأ:" وقالت رفقة لإسحق مللت حياتي من أجل بنات حّث . إن كان يعقوب يأخذ زوجةً من بنات حّث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة" (12)
لقد دفعت العنصرية أبناء يعقوب لارتكاب جريمة بشعة بحقّ سكان منطقة شكيم الذين احتضنوهم في أرضهم وأكرموهم ورحبّوا حتى بالاختلاط معهم. وكان سبب هذه الجريمة البشعة أنّ " شكيم " ابن حاكم المنطقة " حمور " أراد أن يتزوج من " دنية" إبنة يعقوب التي أحبها وأحبته ، وقد طلبها له والده رسّمياً ووافق على كافة شروطهم ومنها " ختان جميع الذكور في منطقة شكيم".
لم يكن ليدري حمور ولا ابنه أنّ شرط الختان كان خدعة وحيلة خطّط لها أبناء يعقوب ليرتكبوا جريمتهم انتقاماً وتخلّصاً من فكرة المصاهرة والاختلاط والتعايش السلمي.
لقد كانت رؤية حمور حاكم المنطقة الكنعاني حضارية فهو يؤمن بمجتمع تنصهر فيه الفوارق العنصرية والمساواة بين مختلف أفراد البيئة الواحدة أو بين شتّى الشعوب المتجاورة. حيث المحبة والتعاون والانسانية. فنقرأ خطابه ليعقوب وابنائه:" ابني قد تعلّقت نفسه بابنتكم أعطوه إيّاها زوجة وصاهرونا . تعطونا بناتكم وتأخذون لكم بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم اسكنوا واتجروا فيها وتملكّوا بها، ثم قال شكيم لأبيها ولاخوتها دعوني أجد نعمة في أعينكم فالذي تقولون لي أعطي"( 13)
كانت أبواب الكنعانيين مفتوحة لجميع الأفكار والأديان والتشريعات ومفاهيمهم وأهدافهم النبيلة كانت تسمح بالتفاعل والتآخي بين الشّعوب دونما تمييز، عكس ما كان يحمله اليهود تماماً في أفكارهم ومفاهيمهم، فقد كانوا مشبعين بالتعصب والانغلاق والبدائية والحقد.
في الفصل السّابق نوهت كيف أنّ المصريين فتحوا صدورهم لبني إسرائيل ومنحوهم الطمأنينة والأرض وكرّموهم ونظروا إليهم من منظار إنساني مشبع بالمحبة والاحترام . لكن الاسرائيليين فضّلوا الانعزال وعدم الاختلاط مع الشعب المصري واختاروا السكن في منطقة بعيدة عن المركز تدعى " جاسان " وذلك بدافع من عنصريتهم وتعصّبهم ، علماً أنّ فرعون مصر خيّرهم في تحديد مكان إقامتهم ولم يفرض عليهم مكاناً ما.( 14)
إنّ وصايا موسى لجماعته مشبعة بالعنصرية والانعزال والفوقية والحقد والتعصّب ، والتسلط، واحتقار الشعوب والأمم ، وحتى إبادتها . فلم يكن ليرضى حتى بالشفقة والرأفة، فالقتل والتدمير والحرق والابادة والنهب والسلب هذا ما يريده من جماعته . ولكي تأخذ صفة الشرعية نسبها كاتب النصّ إلى ربّ الجنود يهوه . نقرأ:
" احفظ ما أنا موصيك اليوم ، ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيّيين والغرزيين والحويين واليبوسيين. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض التي أنت آتٍ إليها" (15)
" احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض."(16)
" وتكونون لي قدّيسين لأنّي قدّوسٌ أنا الرّب وقد ميزتكم من الشعوب لتكونون لي" (17)
" وأجعل مسكني في وسطكم ولاترذلكم نفسي وأسير بينكم وأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً ." (18)
" متى أتى بك الرّب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك الحثيّيين والجرجاشيين والأموّريين والكنعانيين والغرزيين والحويين واليبوسيين سبع شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الرّب إلهك أمامك وضربتهم فإنّك تحرّمهم. لاتقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم بنتك لاتعطي لابنه وبنته لاتأخذ لابنك.". (20)
" لأنّك أنت شعبٌ مقدس للرّبّ إلهك . إياك قد اختار الرّبُّ إلهك لتكون له شعباً أخصّ من جميع الذين على وجه الأرض." (21)
" مباركاً تكون فوق جميع الشعوب لايكون عقيم ولا عاقرٌ فيك ولا في بهائمك ويرّدُ الرّبُّ عنك كل مرضٍ وكل أدواء مصر الرديئة التي عرفتها لايضعها عليك بل يجعلها على كلّ مبغضيك وتأكل كلّ الشعوب الذين الرّب إلهك يدفع إليك. لاتشفق عيناك عليهم.". (22) ".
لأنّك شعبٌ مقدّسٌ للرّبّ إلهك وقد اختارك الرّبُّ لكي تكون له شعباً خاصّاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". ( 23)
لقد أمضى موسى حوالي نصف قرن في صحراء سيناء يدرّب جماعته على القتال والعنف والقسوة ، وينمّي فيهم فكرة الاختيار والقداسة وكراهية كافة الشعوب والأمم ويزرع في نفوسهم الروح الانعزالية والتعصب الأعمى لابادة الشعوب وسرقة أرضها . أواستعبادها.
إنّ كاتب النصّ يريد من اليهود أن لايستكينوا أبداً فإن لم يتمكنوا من سحق الشعوب والأمم قتلاً فعليهم تسخيرهم واستعبادهم والتعامل معهم على أساس أنّهم أنجاسٌ لايستحقون الشفقة والرّحمة . وما يرد في النصّ التوراتي من وصايا تدعو إلى المحبة والخير والعدالة فإنّها وصايا تخصّ اليهود فقط ، ولا يجوز أن تطبقّ على الأجانب.
اليهودي يحقُّ له أن يسرق الأغيار وأن يزني مع نساء الأغيار وأن يقرض الأغيار بالرّبا، لكنّه لايحقّ له هذا مع اليهودي، لأنّ اليهوديّ أخوه بينما الأجنبي عدّوه . إنّها النظرة الضيّقة المنغلقة التي تمثّل جوهر الفكر الديني اليهودي، هذا الفكر الذي يلقّن للأطفال والشباب . فنقرأ مثلاً:
". في آخر سبع سنين تعمل إبراءً وهذا هو حكم الابراء. يبرئ كل صاحب دينٍ يده مّما أقرض صاحبه . لايطالب صاحبه ولا اخاه لأنّه قد نودي بابراء للرّب. الأجنبي تطالب. وأمّا ما كان لك عند أخيك فتبرئه يدك منه"( 24)
ونقرأ:" وكلّم الرّب موسى قائلاً كلّم كل جماعة بني إسرائيل وقل لهم لاتسرقوا ولاتكذبوا ولا تغدروا أحدكم بصاحبه ولا تغصب قريبك. بالعدل تحكم لقريبك لاتسع في الوشاية بين شعبك لاتبغض أخاك في قلبك . لاتنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك."( 25)
وفي موضع آخر نقرأ :" لاتشهد على قريبك شهادة زور ولا تشته بيت قريبك، لاتشته امرأة قريبك ولا أمته ولا ثوره ولا حماره" ( 26)
". لاتقرض أخاك بربا للأجنبي تقرض بربا لكن لأخيك لاتقرض بربا"(27)
" إن أقرضت فضة لشعبي فلا تكن كالمرابي . لاتضع عليه ربا" (28)
" إذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد . ولا تتسّلط عليه بعنف وإلى آبائه يرجع وأمّا عبيدك الذين يكونون لك . فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيداً وإماءً وايضاً من ابناء المستوطنين النازلين في أرضكم منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم . الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكاً لكم وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك . تستعبدونهم إلى الدهر وأمّا إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسّلط إنسان على أخيه بعنف" (29)
اليهودي يحقّ له أن يرتكب كافة الذنوب ضد الأغيار ، يقرض بالرّبا ويشهد بالزور ويسرق ويشتهي النساء الأجنبيات ويغدر ويغتصب كل من هو غير يهودي .. فهذه النزعة العنصرية تبيح لليهودي أن يفعل كلّ شيء يمكن أن يسيء إلى الأغيار .. وهذا دون شّك يعبّر عن انعدام القيم الاخلاقية والانسانية في الفكر الديني اليهودي.
إنّ النصوص التوراتية تكرّس هذه النزعة وتنسبها إلى " يهوه " حتى تأخذ صفة الشرعية والديمومة، ولهذا نقرأ دوماً أنّ الرّب قال لموسى افعل كذا وكذا. وبالتالي فإنّ سلوك موسى يرسمه يهوه ، وعلى اليهود أن يقتدوا بموسى وأن يعتمدوا سيرته منهاج عملٍ أساسياً في حياتهم العامة.. وهذه السيرة تبدأ منذ أن قتل المصري دفاعاً عن العبراني مروراً بالجرائم التي ارتكبت ضد المصريين وضد سكان مديان حتى وفاته وتشمل أيضاً كل الوصايا التي لقنها لبني اسرائيل وحثّهم فيها على العزلة والتسّلط والفوقية وضرورة القسوة والانتقام واستعباد الشعوب والأمم، وزرع من خلالها في عقولهم الباطنية فكرة القداسة والاختيار والتفوق، والحقد على الأغيار.
لقد كان موسى متشدّداً فيما يتعلق بالعنصرية، فالاختلاط بالشعوب ومسالمتهم ومصاهرتهم أمر مرفوض البّتة وعقابه الموت دون جدل قتلاً بالسيف أو حرقاً بالنّار أو غرقاً في جوف الأرض التي تفتح فمها لتبتلع المخالفين من جماعته بأمر يهوه الغاضب والحريص على العزلة. والذي يكافئ من يغار غيرته ويرّد سخطه وينتقم له. فنقرأ مثلاً في سفر العدد أنّ أحد الاسرائيليين تزوج من امرأة مديانية فسخط يهوه وحمي غضبه حتى الدرجة التي لم يكتف فيها بقتل الرجل والمرأة بل بقتل كل المديانيين وحرق مدنهم ومساكنهم وقتل كل أنثى في مديان حيث يرد :" وإذا رجل من بني إسرائيل جاء وقدّم إلى إخوته المديانية أمام عينيّ موسى واعين كل جماعة بني إسرائيل وهم باكون لدى باب خيمة الاجتماع . فلّما رأى ذلك فينحاس بن ألعازار بن هرون الكاهن قام من وسط الجماعة واخذ رمحاً بيده ودخل وراء الرجل الاسرائيلي إلى القبة وطعن كليهما الرجل الاسرائيلي والمرأة في بطنها." (30)
" فكلّم الرّب موسى قائلاً فينحاس بن ألعازار بن هرون الكاهن قد ردَّ سخطي عن بني إسرائيل بكونه غار غيرتي في وسطهم حتى لم أفن بني إسرائيل بغيرتي"(31)
" وكان اسم الرجل الاسرائيلي المقتول الذي قتل مع المديانية زمري بن سالورئيس بيت أبٍ من الشمعونيين . واسم المرأة المديانية المقتولة كزبى بنت صورٍ هو رئيس قبائل بيت أبٍ في مديان."(33)
لقد راح ضحية هذه العنصرية آلاف القتلى من النساء والأطفال والشيّوخ وأحرقت المساكن وهدّمت البيوت ، وهدأ غضب يهوه . وهذه الحادثة والحوادث العنصرية الكثيرة في النصوص التوراتية هي عبرة لبني إسرائيل جيلاً بعد جيل، فكما يقتدي المسيحي والمسلم بانسانية وشمولية المسيح ومحمد عليهما السلام هكذا يقتدي اليهودي بعنصرية وعدوانية موسى التوراتي كما صورة النص. أما موسى النبي عليه السلام فهو براء تماماً من هذه العنصرية والعدوانية،. إنّ محرّر النصّ التوراتي هو الذي نسب هذه العنصرية إلى موسى ، وهو الذي أراد أن يكون إلهه إلهاً غاضباً ساخطاً ، ظالماً ، متعّطشاً للدماء والقتل والتدمير والعزلة رافضاً للمحبة والعدالة والانسانية ، واضعاً الانتقام نصب عينيه حتى على شعبه المقدّس المختار والمستعلي على جميع الشعوب إن تذّمر أو تردّد أو تجاهل شريعته هذه.
لقد صوره ناقماً على كافة الشعوب والأمم حاقداً عليهم متعطشاً لقتلهم وذبحهم وتدميرهم فنقرأ مثلاً :" إنّ للرّب سخطاً على كلّ الأمم ومحواً على كلّ جيشهم قد حرّمهم . دفعهم للذبح . فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم.." .(33)
ونقرأ أيضاً :" أسكر سهامي بدمٍ ويأكل سيفي لحماً بدم القتلى والسبايا ومن رؤوس قواد العدوِّ"(34)
لقد ورّث موسى عنصريته للقائد الجديد " يشوع ". فكان تلميذاً ناجحاً في العنصرية قاد أتباعه لتنفيذ وصايا يهوه وموسى في كنعان حاملاً راية العدوان والقسوة، والانعزال. ففي سفر يشوع نقرأ كيف يحضّ بني إسرائيل على العدوان والعزلة وعدم مخالطة الشعوب مهما كانت الأسباب . فهو يوصي متشدداً قائلاً :" إذا رجعتم ولصقتم ببقية هؤلاء الشعوب أولئك الباقين معكم وصاهرتموهم ودخلتم إليهم وهم إليكم . فاعلموا يقيناً أنّ الرّب إلهكم لا يعود يطرد أولئك الشعوب من أمامكم فيكونوا لكم فخَّاً وشركاً وسوطاً على جوانبكم وشوكاً في أعينكم" (35)
كما ورّث هذه العنصرية للقضاة. أي هؤلاء الذين حكموا بني إسرائيل بعد وفاة يشوع بن نون كما يزعم كاتب سفر القضاة .. وعددهم أربعة عشر قاضياً، جميعهم أرسلهم الرّب يهوه لتذكير بني إسرئيل بضرورة التمسّك بالعزلة و الفوقية والتسّلط والعدوان.. وكاتب السفر يصّور لنا هؤلاء القضاة تصويراً دراماتيكياً فهم رسل يَهْوهَ وفي كل عشيرة ظهر قاضٍ دعا إلى العدوان والإنعزال عن المجتمع الكنعاني. وخلّص عشيرته من الذّل والهوان وأعادها إلى حظيرة اليَهْويّة. لكنّ كاتب سفر القضاة لم يكن موفقاً في إيصال هذه الروايات الميتولوجية توفيقاً جيداً، لأن الأحداث تعطي للقارئ مفهوماً عكسياً تماماً ، أي أنّ هؤلاء القضاة كانوا من البطالين والخارجين على القانون، وقطّاع طرق، ولصوص.([1])
لقد أراد كاتب سفر القضاة أن يجعل من هؤلاء الخارجين على القانون أنبياء كلفّهم الرّبُّ يَهْوهَ بمهمة تخليص بني إسرائيل من دائرة الإنخراط في المجتمع الكنعاني وإعادتهم إلى حظيرة الانغلاق والتعّصب والعنصرية.
هكذا في كلّ إصحاح من سفر القضاة نجد أنّ بني إسرائيل يتخلّون عن يَهْوهَ لصالح آلهة كنعانية، ويختلطون في المجتمع الكنعاني ، فيحمي غضب الرّبّ يَهْوهَ حتى الدرجة التي يدفع بهم بأيدي أعدائهم من الشعوب المجاورة، ويتسلطون عليهم حتى يصرخ بنو إسرائيل من الضيّق والعذاب ويستنجدوا بالرّبّ يَهْوهَ لينقذهم من هذا العذاب والذلّ فيصغي يَهْوهَ إلى أنينهم ويحنو عليهم ويرسل مخلصاَ لهم يسميّه كاتب السّفر تارة (قاضياًٍ) وتارة (نبّياً) . ويقوم بغزوات ضدّ الشعوب المجاورة، ويخلّص بني إسرائيل منهم ويعيدهم إلى حظيرة الانغلاق والعنصرية والتعصب ثانية . وهكذا.([2])
أمّا في سفر عزرا فإننّا نجد مزيداً من الوصايا والمواقف التي تحضّ على الانعزال والتعصب والعنصرية .. والسبب هو الحفاظ على الزرع المقدّس والاختيار فعزرا هذا الكاهن المتشّدد العنصري لم يكن ليقبل أبداً بالاختلاط مع الشعوب مهما كانت الأسباب .. وعندما جاء من بابل ، كانت العنصرية قد سبقته إلى كنعان.
إنّ عزرا الكاهن هو كاتب الشريعة التي إتصفّت بالعنصرية والعدوانية والإنغلاق ، وهو الذي عمّق هذه النزعة في نفوس اليهود وشدّد على ممارستها .. "عزرا هذا صعد من بابل وهو كاتبٌ ماهرٌ في شريعة موسى التي أعطاها الرّبّ إله إسرائيل"([3])
عندما وصل عزرا إلى أورشليم ومعه الشريعة التي كتبها في بابل ، رفع راية الانعزال فوراً، وأعلن عن العنصرية دون قيد أو شرط .. ويروي هو نفسه في سفره قائلاً :" تقدم إليّ الرؤساء قائلين لم ينفصل شعب إسرائيل والكهنة واللاّويون من شعوب الأراضي حسب رجاساتهم من الكنعانيين والحثيين والغرزيين واليبوسيين والعموريين والموآبيين والمصريين والأموريين، لأنهم اتخذوا من بناتهم لأنفسهم ولبنيهم واختلط الزّرع المقدّس بشعوب الأراضي."([4])
ويتابع قائلاً ومحذراً بشّدة بني اسرائيل الذين التقى بهم في أورشليم : "والآن فلا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد"([5])
ثم نقرأ أيضاً : "أفنعود ونتعدى وصاياك ونُصاهر شعوب هذه الرجاسات"([6])
وفي الأصحاح العاشر نقرأ :" فلّما صلّىعزرا واعترف وهو باكٍ وساقطٌ أمام بيت اللّه اجتمع إليه من إسرائيل جماعة كثيرة جداً من الرجال والنساء والأولاد لأنّ الشعب بكى بكاء عظيماً . وأجاب شكنيا بن يحئيلَ من بني عيلام وقال لعزرا إننّا قد خُنّا إلهنا واتخذنا نساء غريبة من شعوب الأرض ولكن الآن يوجد رجاءٌ لأسرائيل في هذا فلنقطع الآن عهداً مع إلهنا أن نُخرج كلّ النساء والذين ولدوا منهن حسب مشورة سيدي والذين يخشون وصيّة إلهنا وليُعمل حسب الشريعة "([7])
ونقرأ أيضاً في نفس الاصحاح أنّ عزرا أرسل وراء اليهود في أورشليم ويهوذا واجتمع1 بهم معنّفاً ومحذّراً من الاختلاط والمصاهرة:"فقام عزرا الكاهن وقال لهم إنكمّ قد خنتم واتخذتم نساءً غريبة لتزيدوا على إثم إسرائيل . فاعترفوا الآن للرّب إله آبائكم واعملوا مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النسّاء الغريبة ."([8])
كما نجد هذه النزعة العنصرية في سفر نحميا أيضاً ، ونحميا كعزرا الكاهن رفع راية الدفاع عن النزعة العنصرية وبقوة .. فقد هاله الاندماج وأزعجته المصاهرات وتدنيس الزّرع المقدّس وطالب اليهود أن يعتزلوا الشعوب ويعملوا بجميع وصايا يَهْوه القاضية بالعزلة والاحتراز من الأغيار وعدم مصاهرتهم أو الشفقة عليهم. لهذا رأى كلّ من عزرا ونحميّا أن يطهرّا الشعب المقدّس من جديد عن طريق عزله كلياً عن بقية الشعوب . وقد نجحا في ذلك ، حيث نقرأ في الاصحاح العاشر :"وباقي الشعب والكهنة واللاّوييّن والبّوابين والمغنين والنَّثنيم وكلّ الذين انفصلوا من شعوب الأراضي إلى شريعة الله ونسائهم وبنيهم وبناتهم كلّ أصحاب المعرفة والفهم . لصقوا بإخوتهم وعظمائهم ودخلوا في قسمٍ وحلْفٍ أن يسيروا في شريعة الله التي أُعطيتْ عن يد موسى عبد اللّه وأن يحفظوا ويعملوا جميع وصايا الرّب سيدّنا وأحكامه وفرائضه . وأن لا نعطي بناتنا لشعوب الأرض ولا نأخذ بناتهم لبنينا . وشعوب الأرض الذين يأتون بالبضائع وكلّ طعام يوم السبت للبيع لا نأخذ منهم في سبتٍ ولا في يومٍ مقدّسٍ"([9])
ونقرأ أيضاً في الأصحاح الثالث عشر :"وفي تلك الأيام أيضاً رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدودّيات وعموّنيات وموآبيات ونصف كلام بنيهم باللسّان الأشدودّي ولم يكونوا يحسنون التّكلم باللسان اليهودي بل بلسان شعبٍ وشعبٍ . فخاصمتهم ولعنتهم ،وضربتُ منهم أناساً ونتفتُ شعورهم واستحلفتهم باللّه قائلاً لا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا من بناتهم لبنيكم ولا لأنفسكم”( [10])
وفي سفر إشعياء نجد هذه العنصرية من خلال ابراز جانب الاستعلاء والاختيار والقداسة لبني إسرائيل ، فإشعياء النبي يرى أنّ جميع الأمم سوف تكون في خدمة إسرائيل ، وهو أمر لا جدال فيه ، فهم الزرع المقدّس ، الشعب الخاصّ لرّب الجنود.. فنقرأ :"هكذا قال السيد الرّب. ها إنّي أرفعُ إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أقيم رايتي فيأتون بأولادكِ في الأحضان وبناتك على الإكتاف يُحملن. ويكون الملوك حاضنيك وسيداتُهم مرضعاتك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك. ويلحسون غبار رجليكِ”(.[11])
ونجد في موضع آخر : "استيقظي البسي عزَّك يا صهيونُ البسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة لأنّه لا يعود يدخلك في ما بعدُ أغلفٌ ولا نجسٌ "([12])
وفي الاصحاح الستين نقرأ :"ارفعي عينيك حواليك وانظري قد اجتمعوا كلُّهم . جاؤوا إليك .
يأتى بنوك من بعيد وتُحمل بناتك على الأيدي. حينئذٍ تنظرينَ وتنيرينَ ويخفقُ قلبكِ ويتّسعُ لأنّه تتحول إليكِ ثروة البحر ويأتي إليكِ غنى الأمم."([13])
"وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونكِ"([14])
"وتنفتح أبوابك دائماً . نهاراً وليلاً لا تُغلقُ. ليؤتى إليك بغني الأمم وتُقادُ ملوكُهم لأنّ الأمّة والمملكة التي لا تخدمُكِ تبيدُ وخراباً تُخربُ الأمم “([15])
"وترضعين لبن الأمم وترضين ثُديَّ مُلوكٍ"([16])
إنّها دعوةٌ صريحةٌ إلى الاستعلاء واستعباد الشعوب والنظر إليها من منظار عنصري واضح .. فإشعياء شديد التعصّب ، وفي سفره تعميق لفكرة الانطواء والحفاظ على الزرع المقدّس . والشعب المقدّس يستعلي على جميع الشعوب لأنّه شعب اللّه المختار . وجميع الشعوب والأمم ينبغي أن تكون في خدمة بني إسرائيل حيث نقرأ:"ويقفُ الأجانب ويرعون غنمكم ويكونُ بنو الغريب حراّثيكم وكراميكم . أما أنتم فتدعونَ كهنة الرّب تسمونَ خدّام إلهنا . تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون"([17])
ونقرأ في سفر إرميا كثيراً من الشواهد التي تؤكد على النزعة العنصرية ، فإرميا مستاء من الاندماج والاختلاط . ورّب الجنود يرى في التسامح والانفتاح وباء عظيماً لا بدَّ من قمعه بأية وسيلة كانت..لهذا نجد كاتب سفر إرميا أو الذي نسبه إلى إرميا يشير إلى أنّ ربّ الجنود هو الذي كلّم إرميا وأمره أن يهدّد ويتوّعد بني إسرائيل من مغّبة الانفتاح على الشعوب والأمم مؤكداً على خصوصيتهم وقداستهم ورجاسة هذه الشعوب والأمم.
إنّ ربّ الجنود هو إلههم وحدهم. وهم شعبه الخاص . ورغم كلّ الأخطاء التي ارتكبوها بحقه فهو لا يتخلّى عنهم أبداً . ويبقون شعبه المقدّس ..
لقد عاقبهم أكثر من مرّة ، تارة بالسبي وتارة بالقتل بتسليط الأمم والشعوب عليهم، ودائماً يؤكدّ على أنّهم شعبه الخاص الذي سيعود إلى أرضه .(أرض الميعاد) الأرض المقدسة بعد أن يبيد الأمم والشعوب التي سلّطها سابقاً لتسبي إسرائيل وتقتل إسرائيل وتذّل إسرائيل .([18])
لقد أراد إرميا أن يكرّس من نزعته العنصرية بتأكيده على أن ربَّ الجنود اختصّ اسرائيل دون سائر الشعوب . ومهما كان إثمهم فإنه لا يتخلى عنهم،كما أراد إرميا أن يؤكدّ للأجيال علىأنّ إسرائيل شعبٌ مختار فوق كلّ الشعوب ..إنّه شعب يَهْوه (رّبّ الجنود) الشعب المقدّس المدّلل الذي لا يجوز أن يختلط بالأمم والشعوب أبداً وعليه أن يعود إلى الأرض المقدسة لينعزل تماماً ويترّفع ويبتعد عن رجاسات الأمم.
إنّ إرميا يرفض أن يعيش اليهود في بلدانٍ أخرى كمواطنين شأنهم شأن كل مواطن في هذه البلدان .. ينبغي أن يدركوا أنّ بلدهم الحقيقي في كنعان ولا بد من العودة إليها فهي أرض الميعاد التي وعد بها يَهْوهَ أسلافهم .فنقرأ:
".هكذا قال الرّب إله إسرائيل عن هذه المدينة التي تقولون إنّها قد دفعتْ ليد ملك بابل بالسيف والجوع والوباء. ها أنذا أجمعهم من كل الأراضي التي طردتهم إليها بغضبي وغيظي وبسخط عظيمٍ وأردّهم إلى هذا الموضع وأسكنهم آمنين . ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً .”([19])
أيضاَ نجد هذه النزعة العنصرية في سفر حزقيال. فهو يشدّد على ضرورة التمسّك بشريعة يَهْوه َ الانغلاقية التعّصبية . ويرفض تماماَ التساهل في هذا الأمر. إنّه يرى أنّ اليهود شعبٌ مقدّسٌ اختاره يَهْوه ليكون شعبه الخاص المدّلل . الذي وإن أخطأ بحقه سيستمرُّ في رعايته وعنايته وتدمير كافةالشعوب والأمم من أجله. فنقرأ:لنا أُعطيتْ هذه الأرض ميراثاً. لذلك قلْ هكذا قال السيد الرّب . وإنْ كنتُ قد أبعدتهم بين الأمم وإنْ كنتُ قد بددتهم في الأراضي فإنّي أكونُ لهم مقدساً صغيراً في الأراضي التي يأتون إليها. لذلك قلْ هكذا قال السّيد الرّبّ . إنّي أجمعكم من بين الشعوب وأحشركُم من الأراضي التي تبددتم فيها ، وأعطيكم أرض إسرائيل. فيـأتون إلى هناك ويزيلون جميع مكرهاتها وجميع رجاساتها منها. وأُعطيهم قلباً واحداً وأجعلُ في داخلكم روحاً جديداً وأنزعُ قلب الحجر من لحمهم وأُعطيهم قلب لحمٍ . لكي يسلكوا في فرائضي ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها ويكونوا لي شعباً فأنا أكونُ لهم إلهاً "( [20])
إنّ يَهْوه لا يريد أن يكون إلهاً إلاّ لبني اسرائيل فقط ، ولا يريد شعباً إلاّ بني إسرائيل. هكذا يروي حزقيال في سفره. مؤكدّاً على رجاسة كل الأمم والشعوب ونجاستها. فنقرأ :"ها أنذا آخذ بني اسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها وأجمعهم من كل ناحية وآتي بهم إلى أرضهم. وأصيّرهم أمّة واحدة في الأرض على جبال اسرائيل وملك واحدٌ يكون ملكا عليهم كلّهم ولا يكونون بعدُ أمتّين ولا ينقسمون بعُد إلى مملكتين. ولا يتنجسّون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشئ من معاصيهم بل أُخلصهم من كلّ مساكنهم التي فيها أخطأوا وأطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً."( [21])
ويتابع حزقيال مؤكداً على هذه الخصوصية الميثولوجية قائلاً : "ويسكنون في الأرض التي أعطيتُ عبدي يعقوب إيّاها التي سكنها آباؤكم ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد وعبدي داود رئيسٌ عليهم إلى الأبد وأقطعُ معهم عهد سلام فيكون معهم عهداً مؤّبداً وأُقرُّهم وأكثرهم وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد ويكون مسكني فوقهم وأكونُ لهم إلهاً ويكونون لي شعباً فتعلم الأمم أنيّ أنا الرّب مُقدّسُ إسرائيل إذ يكون مقدسي في وسطهم إلى الأبد "([22])
ثم نقرأ :"لذلك قال السيّد الرّب . الآن أردّ سبي يعقوب وأرحم كلّ بيت اسرائيل وأغار على اسمي القدّوس. فيحملون خزيهم وكلّ خيانتهم التي خانوني إيّاها عند سكنهم في أرضهم مطمئنين ولا مخيفٌ عند إرجاعي إيّاهم من الشعوب وجمعي إياّهم من أراضي أعدائهم وتقديسي فيهم أمام عيون أمم كثيرين . يعلمون أنّي أنا الرّبُّ إلههم بإجلائي إياهم إلى الأمم ثم جمعهم إلى أرضهم ولا أترك بعد هناك أحداً منهم . ولا أحجب وجهي عنهم بعُد لأني سكبتُ روحي على بيت اسرائيل يقول السيد الرّب"(.[23])
وتستمرُّ هذه النزعة العنصرية في الأسفار الأخرى فنقرأ في سفر يوئيل:"فيغار الرّبُّ لأرضه ويرقُّ لشعبه ويجيب الرّبُّ ويقول لشعبه ها أنذا مرسلٌ قمحاً وسطاراً وزيتاً لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضاً عاراً بين الأمم ([24])
لأنه هو ذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أردُّ سبي يهوذا وأورشليم . أجمع كلّ الأمم وأنزلهم إلى وادي يهو شافاط وأُحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بدّدوهم بين الأمم."([25])
وفي سفر عاموس نقرأ :"وأردُ سبي شعبي إسرائيل فيبنون مدناً خربةً ويسكنون ويغرسون كروماً ويشربون خمرها ويصنعون جنّاتٍ ويأكلون أثمارها . وأغرسهم في أرضهم ولن يُقلعوا بعُد من أرضهم التي أعطيتهم قال الرّب إلهك"([26])
"فإنّه قريب يوم الرّبّ على كل الأمم"([27])
"وأمّا جبل صهيون فتكون عليه نجاة ويكون مقدّساً ويرثُ بيتُ يعقوب موارثيهم "(.[28])
"لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرّبّ"(.[29])
"تلّوي ادفعي يابنت صهيون كالوالدة لأنّك الآن تخرجين من المدينة وتسكنين في البرّية وتأتين إلى بابل . هناك تُنْقذين هناك يفديك الرّبّ من يد أعدائكِ"([30])
"قومي ودوسي يا بنت صهيون لأنّي أَجعل قَرْنكِ حديداً وأظلافك أجعلها نحاساً فتسحقين شعوباً وأُحرّم غنيمتهم للرّب وثروتهم لسيد كلّ الأرض ."([31])
"ترنمي يا ابنة صهيون إهتف يا اسرائيل افرحي وابتهجي بكلّ قلبكِ يا ابنة أورشليم . قد نزع الرّبّ الأقضية عليكِ. أزا ل عدّوك . ملك إسرائيل الرّبُّ في وسطك. لا تنظرين بعد شرّاً في ذلك اليوم يقال لأورشليم لا تخافي يا صهيون . لا ترتخ يداك . الرّبّ إلهك في وسطك جبّارٌ يخلصُ يبتهج بك فرحاً يسكت في محبته يبتهج بك يترنمٍ أجمع المحزونين على الموسم. كانوا منك . حاملين عليها العار. ها أنذا في ذلك اليوم أُعاملُ كلَّ مُذليِّكِ وأخلصُ الظالعة وأجمعُ المنفّية وأجعلهم تسبيحة واسماً في كلّ أرض خزيهم في الوقت الذي فيه آتى بكم وفي جمعي إياكم لأنّي أصيّركم اسماًوتسبيحةً في شعوب الأرض كلهاحين أرد مسبيّيكم قدام أعينكم قال الرّب"(.[32])
"حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مصر وروحي قائمٌ في وسطكم . لا تخافوا لأنّه هكذا قال ربّ الجنود هي مرّة بعد قليل فأزلزل السّموات والأرض والبحر واليابسة وأزلزل كلَّ الأمم ويأتي مشتهى كلَّ الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رّب الجنود."([33])
"هكذا قال ربُّ الجنود . غرتُ على أورشليم وعلى صهيونَ غيرة عظيمة وأنا مغضبٌ بغضبٍ عظيمٍ على الأمم المطمئنين لأنّي غضبتُ قليلاً وهم أعانوا الشّر . لذلك هكذا قال الرّبّ قد رجعتُ إلى أورشليم بالمراحم فبيتي ُيبنى فيها يقول ربُّ الجنود . ويُمدُّ المطمار على أورشليم. نادِ أيضاً وقلْ . هكذا قال ربُّ الجنود إنّ مدُني تفيض بعد خيراً والرّبُّ يعزي صهيون بعد ويختار بعد أورشليم"([34])
" لأنّه هكذا بعُد قال رّبُّ الجنود. بعدَ المجد أرسلني إلى الأمم الذين سلبوكم لأنّه من يّمسكُم يمسُّ حدقة عينه . لأني ها أنذا أُحّرك يدي عليهم فيكونون سلباً لعبيدهم "(. [35])
" وهكذا قال رّبُّ الجنود . غرتُ على صهيونَ غيرة عظيمة وبسخط عظيم غرت عليها. هكذا قال الرّبّ. قد رجعتُ إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم فتدعى أورشليم مدينة الحقِّ وجبلُ ربٍّ الجنود الجبل المقدّس."([36])
".هكذا قال رّبٌّ الجنود. ها أنذا أُخلّصُ شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس. وآتي بهم فيسكنون في وسط أورشليم ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً"( [37])
"هاأنذا أجعل أورشليم كأس ترنحّ لجميع الشعوب حولها وأيضاً على يهوذا تكون في حصار أورشليم. ويكون في ذلك اليوم أنّي أجعل أورشليم حجراً مشوالاً لجميع الشعوب وكلّ الذين يشيلونه ينشقّون شقَّاً"([38])


qq

----------------------------------------

(1) سفر التكوين الاصحاح الثاني عشر / 5-9/

(2) سفر التكوين الاصحاح الرابع عشر /13

(3) سفر التكوين الاصحاح العشرون/ 15

(4) سفر التكوين الاصحاح الثلث والعشرون/ 3-6/

(5) سفر التكوين الاصحاح السادس والعشرون/11

(6) سفر التكوين الاصحاح السادس والعشرون/22

( 7) " فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخة عظيمة ومرّةً جداً وقال لأبيه باركني أنا أيضاً ياأبي . فقال قد جاء أخوك بمكرٍ وأخذ بركتك . فقال ألا إنّ أسمه دعي يعقوب. فقد تعقبني الآن مرّتين. أخذ بكوريتي وهو ذا الآن أخذ بركتي .". سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون.

(8) سفر التكوين الاصحاح الثالث والثلاثون.

( 9) سفر التكوين الاصحاح الثالث والعشرون/ 1-4/

(10) سفر التكوين الاصحاح الخامس والعشرون

(11) سفر التكوين الاصحاح الثامن والعشرون

(12) سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون.

( 13) سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.
" إن صرتم مثلنا بختنكم كلَّ ذكرٍ نعطيكم بناتنا ونأخذلنا بناتكم ونسكن معكم ونصير شعباً واحداً"
". فسمع لحمور وشكيم ابنه جميع الخارجين من باب المدينة واختتن كلُّ ذكرٍ كل الخارجين من باب المدينة . فحدث في اليوم الثالث إذ كانوا متوجّعين أنّ ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دنية أخذ كل واحدٍ سيفه وأتيا إلى المدينة بأمنٍ وقتلا كلّ ذكرٍ وقتلا حمور وشكيم ابنه بحدِّ السيف". . الاصحاح 34
" ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة لأنهم نجسّوا اختهم غنمهم وبقرهم وحميرهم وكلّ ما في المدينة وما في الحقل أخذوه. وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكلَّ أطفالهم ونساءهم وكلّ ما في البيوت.". الاصحاح 34.

( 14) " فكلّم فرعون يوسف قائلاً أبوك وإخوتك جاؤوا إليك . أرض مصر قداّمك في أفضل الأرض أسكن أباك وإخوتك ." سفر التكوين الاصحاح السابع والأربعون.

(15) سفر الخروج الاصحاح الرابع والثلاثون/ 11-12/

(16) سفر الخروج الاصحاح الرابع والثلاثون/15

(17) سفر اللاّويين الاصحاح العشرون/26

(18) سفر اللاّويين الاصحاح السادس والعشرون /11-12/

(20) سفر التثنية الاصحاح السابع / 1-23.

(21) سفر التثنية الاصحاح السابع/6

(22) سفر التثنية الاصحاح السابع / 14-16/

( 23) سفر التثنية الاصحاح الرابع عشر / 1-2

( 24) سفر التثنية الاصحاح الخامس عشر /1-3/.

( 25) سفر اللاويين الاصحاح التاسع عشر

(26) سفر الخروج الاصحاح العشرون

(27) سفر التثنية الاصحاح الثالث والعشرون

(28) سفر الخروج الاصحاح الثاني والعشرون

(29) سفر الّلاويين الاصحاح الخامس والعشرون.

(30) سفر العدد الاصحاح الخامس والعشرون

(31) سفر العدد الاصحاح الخامس والعشرون

(33) سفر العدد الاصحاح الخامس والعشرون.

(33) سفر إشعيّاء الاصحاح الرابع والثلاثون

(34) سفر التثنية الاصحاح الثاني والثلاثون

(35) سفر يشوع الاصحاح الثالث والعشرون.

---------
([1]) من هؤلاء القضاة مثلاً (جدعون) كان مطارداً من قبل السلطات المحلية فنقرأ: "وجاء جدعون إلى الأردّن وعَبَر هو والثلاثمئة الرّجل الذين معه مُعْيينَ ومطاردين"
ولم يكن جدعون حتى ليشعر بوجود يَهْوَه، وقد وضع لنفسه أنوداً وعبدها مع جماعته حيث نقرأ: وقال رجال إسرائيل لجدعون تسلّط علينا أنتَ وأبنكَ وابنُ ابنك لأنّك قد خلصتنا من يد مديان فقال لهم جدعون لا أتسلّط أنا عليكم ولا يتسلّط ابني عليكم. الرب يتسلّط عليكم. ثم قال لهم جدعون أطلب منكم طِلْبَةً أن تعطوني كلُّ واحد أقراط غنيمته لأنّه كان لهم أقراطُ ذهبٍ إسمعيلُّيون. فقالوا إننّا نعطي . وفرشوا رداء وطرحوا عليه كلُّ واحد أقراط غنيمته , وكان وزن أقراط الذهب التي طلب ألفاً وسبعمئة شاقل ذهباً ما عدا الأهّلة والحلق وأثواب الأرجوان التي على ملوك مديان وما عدا القلائد التي في أعناق جمالهم . فصنع جدعون منها أنوداً وجعله في مدينته في عفْرة وزنى كلّ إسرائيل وراءه هناك فكان ذلك لجدعون وبيته فخاً." سفر القضاة الاصحاح الثامن .
ومنهم أيضاً أبيمالك بن جدعون الذي كان مجرماً سفاحاً . فقد قتل إخوانه من أبيه وعددهم (سبعون ) بدعم : من أخواله حيثِ نقرأ : " فتكلم إخوة أُمّه عنه في آذان كل أهل شكيم بجميع هذا الكلام فمال قلُبهم وراء أبيمالك لأنهم قالوا أخونا هو. واعطوه سبعين شاقل فضة من بيت بعل بريت فاستأجر بها ابيمالك رجالاً بطالين طائشين فسعوا وراءه. ثم جاء إلى بيت ابيه في عفرة وقتل اخوته بني يربعل لها سبعين رجلاً على حجر واحدٍ". سفر القضاة الأصحاح التاسع.
ونقرأ عن القاضي يفتاح الجلعادي أنّه كان ابن امرأة زانية :"وكان يفتاح الجلعاديُّ جبار بأسٍ وهو ابن امرأة زانية : وجلعاد ولديفتاح." قضاة الأصحاح الحادي عشر..
"فأقام في أرض طوب. فاجتمع إلى يفتاح رجالٌ بطالون . وكانوا يخرجون معه" .

[2] - "وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عينّي الرّب وعبدوا البعليم. وتركوا الرّب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرّبَّ. تركوا الرّبَّ وعبدوا البعل وعشتاروت . فحمي غضب الرّبّ علىإسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم. وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم. حينما خرجوا كانت يدُ الرّبّ عليهم للشرّ كما تكلم الرّبّ وكما أقسم الرّبُّ لهم . فضاق بهم الأمر جداً. وأقام الرّبُّ قضاة فخلصوهم من يد ناهبيهم.
ولقضاتهم لم يسمعوا أيضاً . بل زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها. حادوا سريعاً عن الطريق التي سار بها آباؤهم لسمع وصايا الرّبّ. لم يفعلوا هكذا. وحينما أقام الرب لهم قضاة كان الرب مع القاضي. وخلصهم من يد أعدائهم كل أيام القاضي لأن الرب ندم من أجل انينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم، وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم" . سفر القضاة الأصحاح الثاني .
" فصرخ بنو اسرئيل إلى الرب فأقام لهم الرّب مخلصاً إهُود بن جيرا البنياميني رجلاً أعسر". سفر القضاة الأصحاح الثالث.
" وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينين ستمئة رجلٍ بمنساس البقر وهو أيضاً خلّص اسرائيل ." سفر القضاة الأصحاح الثالث.
ثم جاءت (دبورة) وهي امرأة نبية كما يسميها كاتب السفر وكانت قاضية لإسرائيل . وبعدها أرسل الرّب جدعون قاضياً . وسماه كاتب السفر يَرُبَّعلُ . وجاء بعده ابنه أبيمالك وبعده (تولع بن فواةَ بن دودو) رجل من يسّاكر . بعده (يائير الجلعادي) ثم أرسل يفتاح الجلعادي وهو ابن امرأة زانية . وكان مطارداً من قبل السلطات المحلية . جاء بعده (إبصانُ) من بيت لحم . ثم (إيلُونُ الزّبولوني ) . ثم (عبدونُ بنُ هليل الفرعتوني) وبعده (شمشون) وهكذا.. انظر سفر القضاة

[3]- سفر عزرا الأصحاح السّابع

[4]- سفر عزرا الأصحاح التاسع

[5]- سفر عزرا الأصحاح التاسع

[6] -سفر عزرا الأصحاح التاسع

[7] -سفر عزرا الأصحاح العاشر .

[8] -سفر عزرا الاصحاح العاشر .

[9] -سفر نحَمْيَا الاصحاح العاشر

[10] -سفر نحميا الاصحاح الثالث عشر .

[11] -سفر إشعّياء الاصحاح 49

[12] -سفر إشعياء الاصحاح 51

[13] -سفر إشعيّاء الاصحاح 60

[14] -سفر إشعيّاء الاصحاح 60

[15] -سفر إشعيّاء الاصحاح 60

[16]- سفرا إشعيّاء الاصحاح 60

[17] -سفر إشعياء الاصحاح 61

[18] -أما أنت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرّب ولا ترتعبْ يا إسرائيل لأنّي هاأنذا أخلّصكَ من بعيد ونسلكَ من أرض سبيهِ. فيرجع يعقوب ويطمئّن ويستريحُ ولا مزعجٌ . لأني أنا معك يقول الرّب لأخلصّك . وإن أفنيتُ جميع الأمم الذين بدَّدُتُكَ إليهم."سفرارميا الاصحاح الثلاثون .
"يؤكلُ كلُّ آكليكَ ويذهبُ كلُّ أعدائكَ قاطبةً إلى السبي ويكون كلُّ سالبيكَ سلباً وأدفعُ كلّ ناهبيك للنهب." ارميا الاصحاح الثلاثون.
" هكذا قال الرّب. ها أنذا أردُّ سبي خيام يعقوبَ وأرحمُ مساكنه وتُبنى المدينة علىتلَّها . والقصر يُسكن على عادته . ويخرج منهم الحمدُ وصوتُ اللاعبين وأكثرهم ولا يقلُّون . وأعظّمهم ولا يصغرون . ويكون بنوهم كما في القديم وجماعتهم تثبتُ وأُقرّبه فيدنو إليّ لأنّه من هو هذا الذي أرهنَ قلبه ليدنو إليّ يقولُ الرّبُّ وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً ."إرميا الاصحاح الثلاثون
في ذلك الزمان يقول الرب أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل وهم يكونون لي شعباً هكذا قال الرب، ارميا الاصحاح الواحد والثلاثون.
"هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرّبُّ . أجعلُ شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم لي شعباً." ارميا الاصحاح الوحد والثلاثون.

[19] -سفر ارميا الاصحاح الثاني والثلاثون.
ونقرأ أيضاً :"ها أنذا أضع عليها رفادة وعلاجاً وأشفيهم وأعلن لهم كثْرة السلام والأمانة . وأردُّ سبي يهوذا وسبي إسرائيل وأبنيهم كالأوّل . وأُطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأو به إليَّ وأغفر كلَّ ذنوبهم التي أخطأوا بها إليّ والتي عصوا بها عليَّ . فتكون لي اسم فرحٍ للّتسبيح وللزينة لدى كلّ أمم الأرض الذين يسمعون بكل الخير الذي أصنعه معهم فيخافون ويرتعدون من أجل كلّ الخير ومن أجل كلّ السلام الذي أصنعه لها ." ارميا الاصحاح الثالث والثلاثون.

[20] -سفر حزقيال الاصحاح الحادي عشر .

[21] -سفر حزقيال الاصحاح السابع والثلاثون

[22] -سفر حزقيال الاصحاح السابع والثلاثون .

[23] -سفر حرقيال الاصحاح التاسع والثلاثون .

[24] -سفر يوئيل الاصحاح الثاني .

[25] -سفر يوئيل الاصحاح الثالث .

[26] -سفر يوئيل الاصحاح التاسع / سفر عاموس الاصحاح التاسع.

[27] -سفر عوبديا

[28] -سفر عوبديا .

[29] -سفر ميخا الاصحاح الرابع .

[30] -سفر ميخا الاصحاح الرابع .

[31] -سفر ميخا الاصحاح الرابع

[32] -سفر صفنيا الاصحاح الثالث

[33] -سفر حجّي الاصحاح الثاني

[34] -سفر زكريا الاصحاح الأول .

[35] -سفر زكريا الاصحاح الثاني .

[36] -سفر زكريا الاصحاح الثامن .

[37] -سفر زكريا الاصحاح الثامن .

[38] -سفر زكريا الاصحاح الثاني عشر ..
[/align]
يتبــــع>>>


مازن شما 07 / 02 / 2009 02 : 02 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
الفصل الثالث

1- الغدر والخيانة،

2- الانحلال الخلقي

أولاً: الغدر والخيانة

من المهم والمفيد أن نتعرّف على سلوكية اليهود من خلال سيرتهم كما وردت في النصوص التوراتية. فهم يعتبرون أنّهم الشعب المختار المقدّس الذي اختصه يَهْوه لنفسه ليكون شعبه الخّاص ويكون هو إلههم.
مثلُ هذه النظرة الضيّقة لا بدّ وأن يكون لها مرتكزات أساسية يستندون إليها في استعلائهم ونظرتهم الفوقية، تدفع بالأمم الأخرى أن تقتدي بسلوكيتهم وفكرهم الديني والمدني ويكونون قدوة الأمم. كالقيم الأخلاقية مثلاً والنظرة الانسانية، والسعي للتفاعل والتآخي والانسجام. والانفتاح نحو آفاق الحقّ والتسامح والحرية والعدالة والمساواة.
القدوة ينبغي أن يتحلّى دائماً بمواصفات ايجابية متميزة تؤهله أن يترفّع ويستعلي، مع الإشارة إلى أن القدوة دائماً يملكُ ذهنية منفتحة وروحاً متسامحة ونفساً سامية تدعو إلى التعاون والتسامح والإخاء.
كيف يمكن أن نوافق على أنّ اليهود هم الزّرع المقدّس والشعب المختار الذي اختّصه ربّ الجنود ليكون شعبه الخاص معتبراً أنّه الشعب الوحيد الذي يحقّ له الترّفع والاستعلاء وعلى كافة الشعوب أن تعمل لخدمته وأن تستعبد له حتى لو استدعى ذلك إبادتها..
لقد تناولتُ في الفصل الأول والثاني ما يتعلّق بالنزعتين العدوانية والعنصرية التي تشدّد عليهما النصوص التوراتية على أنّها خلاصة الدين اليهودي وجوهره، وقد بينّت مستنداً إلى هذه النصوص مدى انغلاقهم وتعصّبهم وعدوانيتهم وعنصريتهم، وفي هذا الفصل أعرض ومستنداً أيضاً إلى النصوص التوراتية ما تحمله هذه النصوص من إشارات وأحداث عن الغدر والخيانة والانحلال الخلقي لشعب اللّه المختار المقدّس. إنّها سلوكية أجداد اليهود اليوم الذين يمثّلون القدوة لهم والمرجعية الرئيسية في مجمل حياتهم الدّينية والمدنية..
إنّ حكام إسرائيل اليوم يستشهدون بسلوكية شمشون وجدعون وداود وأبناء يعقوب على اعتبار أنّهم يمثلّون الأسلاف، وما قاموا به من أفعال وأعمال يسمونه بطولات وأمجاد، ومن الضروري الاقتداء بسلوك هؤلاء الأسلاف ... إنّه استحضار للتاريخ رغم ما يحمله من مساوئ ونزعات يهودية سلبية تمثلّ الانحلال الخلقي ، والغدر والخيانة والعدوان والعنصرية الفاضحة.
إنّ من يقرأ الأسفار التوراتية، يخلصُ إلى نتيجة مفادها أنّ الغدر والخيانة والانحلال الخلقي كانت من الثوابت التي سار عليها أسلاف اليهود اليوم، وهذه الثوابت جوهرية في الفكر الديني اليهودي. فقد بنيت اليهودية على مبدأ التوّجس من الأغيار والاستعلاء والعدوان والعنصرية. وهذه النزعات لا بدّ وأن تطبع الروح اليهودية بصفات الغدر والخيانة والانحلال الخلقي، فاليهودي يحقّ له أن يسرق.. لكن ليس يهودياً مثله، بل أي شخص من الأغيار، وكذلك الأمر بالنسبة للزنى والقتل والغدر والخيانة وغيرها..
من هذه الزاوية الضيّقة يتعامل اليهود مع الأغيار، إنّها ثوابت جوهرية من أصول الدين اليهودي المدّون في كتابي التوراة والتلمود والذي يُدّرسُ في مدراس إسرائيل اليوم وفي المدارس الخاصّة لليهود في أماكن إقاماتهم في دول العالم . وعليه يتربى الأطفال اليهود، لتنمو في عقولهم الباطنة أفكار اللامساواة والعدوان والغدر والتوّجس والاستعلاء والعنصرية.
لهذا.. من الضروري أن نلقي الضوء على النصوص التوراتية (الأسفار) ولو بإيجاز، ونتحدّث عن السلوكية اليهودية التي سار عليها الأسلاف اليهود وغدتْ منهجاً رئيساً للأجيال . ونبدأ بفقرة "الغدر والخيانة".
نقرأ في سفر التكوين أنّ يعقوب (إسرائيل) وأبناءه سكنوا في منطقة شكيم عند عودتهم من فدان آرام. كان حاكم المنطقة يدعى حَمُور الذي كان يتصّف بالأخلاق الحميدة والروح الإنسانية المنفتحة. وقد أحبّ ابنه شكيم إبنة يعقوب (دنيه). وطلبها له والده حَمُور قائلاً:"شكيم إبني قد تعلّقت نفسه بإبنتكم. أعطوه إيّاها زوجة وصاهرونا. تعطونا بناتكم وتأخذون لكم بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم. اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها .."(.[1])
".ثم قال شكيم لأبيها وإخوتها. دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون لي أعطي. كثروا عليّ جداً مهراً وعطية فاعطي كما تقولون لي وأعطوني الفتاة زوجة"([2])
لقد اعتبر بنو إسرائيل مثل هذه المصاهرة تدنيسا لهم، فشريعتهم ترفض الاختلاط بالشعوب، والمصاهرة اختلاط لن يقبلوا به. ونظراً لأنّهم كانوا غرباء عن المنطقة وعددهم قليل وليس بمقدورهم مجابهة سكان شكيم إن حاولوا الإعتداء عليهم ليمنعوا مثل هذه المصاهرة. فكان لا بدّ من الغدر والخيانة حتى يتمكّنوا من التخلّص من هذه المصاهرة (الاختلاط) . مستغلّين طيبة وشجاعة حَمُورَ حاكم المنطقة وابنه شكيم.
وضع أبناء يعقوب خطة (حيلة) مفادها الموافقة ظاهرياً على هذه المصاهرة شرط أن يقبل حمور وولد شكيم وكل سكان شكيم أن يختتنوا حيث نقرأ:"فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر. قالوا لهما لا نستطيع أن نعطي أختنا لرجلٍ أغلف. إن صرتم مثلنا بختنكم كلّ ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم"([3])
وافق حمور وولده على هذا الشرط ولم يكونا يعلمان بأنّ هذه عبارة عن خطة ومؤامرة للغدر بهما وبسكان شكيم جميعهم .فنقرأ:"فحسن كلامهم في عيني حَمُور وفي عيني شكيم بن حَمُور. ولم يتأخر الغلام أن يفعل الأمر. لأنه كان مسروراً بابنة يعقوب. كان أكرم جميع بيت أبيه، فأتى حَمُور وشكيم ابنه إلى باب مدينتهما وكلّما أهل مدينتهما قائلين. هؤلاء القوم مسالمون لنا. فليسكنوا في الأرض ويتجرّو فيها. وهوذا الأرض واسعة الطرفين أمامهم نأخذ لنا بناتهم زوجات ونعطيهم بناتنا، غير أنّه بهذا فقط يواتينا القوم على السكن معنا شعباَ واحداً بختننا كلّ ذكر كما هم مختونون"([4])
لقد التزم سكان شكيم بالأمر واختتن كل ذكر في المنطقة تأكيدا على حسن نواياهم واحترامهم لبني يعقوب. غير أنّ بني إسرائيل لم تكن نواياهم حسنة تجاه سكان شكيم ولم يكن هذا الشرط إلاّ خدعة ليغدروا بسكان المنطقة جميعهم ويتخلّصوا من المصاهرة.. حيث نقرأ:" فحدث في اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أنّ ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دنيه أخذا كلُّ واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمنٍ وقتلا كلَّ ذكر وقتلا حَمُور وشكيم ابنه بحدِّ السيف"([5])
"ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة لأنّهم نجسّوا أختهم. غنمهم وبقرهم وحميرهم وكلّ ما في المدينة وما في الحقل أخذوه وسبوا كلّ ثروتهم وكلّ أطفالهم ونساءهم وكلّ ما في البيوت"([6])
وكان يعقوب نفسه قد غدر بأخيه (عيسو) بعد أن تآمر مع والدته رفقة على ذلك حسب ما يرد في سفر التكوين. حيث خطّطتْ والدته ليأخذ بكورية وبركة أخيه بالحيلة والمكر، ونفّذ يعقوب المخطّط تنقيذاً جيداً ونجح في سلب بكورية وبركة أخيه عيسو مستغلاً وضع والده الصّحي حيث كان قد شاخ وكلّت عيناه عن النظر فلم يعد يرى فنقرأ:"وحدث لما شاخ إسحق وكلّت عيناه عن النظر أنّه دعا عيسو ابنه الأكبر وقال له يا بني فقال له ها أنذا. فقال إنّني قد شختُ ولستُ أعرف يوم وفاتي، فالآن خذْ عدّتك جعبتك وقوسك واخرج إلى البرّية وتصّيد لي صيداً. واصنع لي أطعمة كما أحبُّ وآتني بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت. كانت رفقة سامعة إذ تكلّم إسحق مع عيسو ابنه فذهب عيسو إلى البرّية كي يصطاد صيداً ليأتي به وأمّا رفقة فكلّمت يعقوب ابنها قائلة إنّي قد سمعت أباك يكلّم أخاك قائلاً أئتني بصيد واصنع لي الأطعمة لآكل وأباركك أمام الرّبّ قبل وفاتي فالآن يا بني اسمع قولي في ما أنا آمرك به. اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جدْيين جيّدين من المعزى فأصنعها أطعمة لأبيك كما يحبُّ فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك الله قبل وفاته"(.[7])
"فذهب وأخذ وأحضر لأمّه فصنعت أمّه أطعمة كما كان أبوه يحبّ وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت وألبستْ يعقوب ابنها الأصغر. وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى وأعطت الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها. فدخل إلى أبيه وقال يا أبي فقال هاأنذا. من أنت يا بني فقال يعقوب لأبيه أنا عيسو بكركَ. قد فعلت كما كلّمتني . قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك . فقال إسحق لابنه ما هذا الذي أسرعتَ لتجد يا ابني. فقال إنّ الرّبّ إلهك قد يسّر لي. فقال إسحق ليعقوب تقدّم لأجُسّك يا بني أأنت هو ابني عيسو أم لا فتقدم يعقوب إلى إسحق أبيه. فجسّه وقال الصوت صوتُ يعقوب ولكنّ اليدين يدا عيسو. ولم يعرفه لأنّ يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو اخيه فباركه "([8]).
حضر عيسو من صيده وصنع أطعمة لأبيه كما أمره ولم يكن يعلم أنّ يعقوب قد غدر به واحتال على أبيه وسلبه بكوريته وبركته.. فتقدّم إلى أبيه قائلاً:"ليقم أبي ويأكل حتى تباركني نفسك. فقال له اسحق أبوه من أنت فقال أنا ابُنك بكرك عيسو. فارتعد إسحق إرتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صيداً وأتى به إليّ وأكلت من الكلّ قبل أن تجئ وباركتهُ. نعم. ويكون مباركاً. فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخةً عظيمة ومُرَّة جداً. وقال باركني أنا أيضاً يا أبي . فقال قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك . فقال ألا إنّ اسمه دُعي يعقوب .. فقد تعقّبني مرّتين. أخذ بكوريتي وهوذا الآن قد أخذ بركتي"([9]).
لقد حقد عيسو على أخيه يعقوب لأنّه خدعه ومكر به، وقَرّر قتله فهرب يعقوب إلى حاران عند أخواله كما نصحته والدته رفقة. وأقام هناك وتزوج أربع نسوة أنجب منهن اثني عشر ولداً "([10])
ويبدوا أنّ يعقوب اعتاد على الغدر والخداع، فنقرأ في سفر التكوين أنّه خدع حميه (لابان) وهرب من فدان آرام إلى كنعان بعد أن أخذ كلّ المواشي والمقتنيات.. وقد لاحقه لابان وتمكّن من إدراكه في جبل جلعاد كما يرد في سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون: " فأخبر لابان في الثالث بأنّ يعقوب قد هرب فأخذ اخوته معه وسعى وراءه مسيرة سبعة أيام فأدركه في جبل جلعاد"([11])
بدأ لابان بتأنيب يعقوب على فعلته. فقد خدعه ومكر به فاستنكر لابان هذا السلوك قائلاً:" لماذا الهرب خفية وخدعتني ولم تخبرني"([12])
كما احتال أولاد يعقوب على أبيهم ليغدروا بأخيهم الصغير يوسف فأخذوه معهم إلى البرّية وتآمروا عليه هناك وغدروا به ورموه في بئر ليموت فيها ويتخّلصوا منه لأنّه كان له حظوة عند أبيه.. فنقرأ:"فلمّا أبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعض هو ذا هذا صاحب الأحلام قادم . فالآن هلُمّ نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحشٌ رديءٌ أكله"([13])
ونقرأ في سفر التكوين أيضاً عن (تامار) كنّة يهوذا ابن يعقوب كيف خدعْت حميها واحتالت عليه. حيث ظهرت له في الطريق على أنّها زانية ليدخل عليها ويضجع معها لأنّه لم يزوّجها ابنه (شيله). علماً أنّها كانت زوجة لولديه تباعاً (عيرا وأُونان) وكلاهما توفيا وبقيت تامار أرملة تنتظر أن يتزوجها الابن الثالث لحميها وكان يدعى (شيله):"قالت يهوذا لتامار كنتَّه اقعدي أرملة في بيت أبيكِ حتى يكبرُ شيلة ابني لأنّه قال لعله يموتُ هو أيضاً كأخويه. فمضتْ تامار وقعدت في بيت أبيها"([14]).
عندما توفيتْ يهوذا، استغلّت كنَّته تامار ذلك وخطّطتْ لفعلتها السيئة حيث نقرأ: "فأخبرت تامارُ وقيل لها هوذا حموكِ صاعدٌ إلى تمنةَ ليجّز غنمه. فخلعتْ عنها ثياب ترمُّلها وتغطّتْ ببُرقع وتلفّفت وجلستْ في مدخل عينايم التي على طريق تمنة ، لأنّها رأت أنّ شيلة قد كبُر وهي لمُ تعط له زوجةً فنظرها يهوذا وحسبها زانيةِ . لأنّها كانت قد غطّتْ وجهها . فمال إليها على الطريق وقال هاكي أدخُل عليك. لأنّه لم يعلم أنّها كنَّته. فقالتْ ماذا تعطيني لكي تدخل عليَّ. فقال ما الرَّهن الذي أعطيك. فقالت خاتُمكَ وعصابتُك وعصاك التي في يدكَ. فأعطاها ودخل عليها فحبلتْ منه ثم قامت ومضتْ وخلعت عنها بُرقعها ولبستْ ثياب ترمُّلها."([15])
وفي سفر الخروج نقرأ عن احتيال وخداع بني اسرائيل للمصريين وسلبهم فضتّهم وذهبهم وأمتعتهم بتوجيهات من موسى الناطق باسم يَهْوهَ:"وفعل بنو إسرائيل حسب قول موسى. طلبوا من المصريين أمتعة فضةٍ وأمتعة ذهبٍ وثياباً. وأعطى الرّبّ نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين([16]).
وأنا أطالب المصريين اليوم وغداً وبعد غد أن يسترّدوا ممتلكاتهم التي سُلبتْ احتيالاً وغدراً وأن يطالبوا بمحاكمة السارقين وإنزال العقوبات عليهم، مثلما يطالب اليهود (حكام إسرائيل) باستعادة أرض إسرائيل المزعومة لأنّها أرض أسلافهم. وبإعتبار حدود التوراة هي الحدود الرئيسة للمملكة المزعومة وعلى التوراة الميثولوجية يستندون في ترجمة سلوكيتهم المادية.
أمّا في سفر القضاة فنقرأ عدّةُ حوادث غدر واحتيال وقتل بشع قام بها اليهود منها حادثة الغدر والخيانة التي قام بها رجلٌ بنياميّ يدعى (إهود بن جيرا) ويسمّيه كاتب السفر (قاضياً).. أرسله يَهْوهَ أو كلّفه أن يقضي لإسرائيل ويخلّصها من أعدائها الموآبيين الذين ضربوا اسرائيل وامتلكوا مدينة النخل وشدّدوا عليهم حتى اضطروهم إلى عبادة ملك موآب (عجلون) ثماني عشرة سنة كما يروي كاتب السفر حتى صرخوا إلى الرّب يستغيثون فأرسل لهم مخلّصاً لينقذهم وكان هذا المخلّص (إهود بن جيرا) وهو رجل أعسر. فدّبر خطّة للغدر بملك موآب وقتله:"فعمل إهودَ لنفسه سيفاً ذا حدّين طوله ذراع وتقلّده تحت ثيابه على فخذه اليمنى وقدّم الهدّية لعجلون ملك موآب وكان عجلون رجلاً سميناً جداً. وكان لما انتهى من تقديم الهدية صرف القوم حاملي الهدّية وأمّا هو فرجع من عند المنحوتات التي لدى الجلجال وقال. لي كلام سرٍّ إليك أيّها الملك. فقال صه. وخرج من عنده جميع الواقفين لديه. فدخل إليه إهودَ وهو جالسٌ في علّية برودٍ وكانت له وحده. وقال إهودَ عندي كلام اللّه إليك فقام عن الكرسيّ فمدَّ إهودَ يده اليسرى وأخذ السّيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه فدخل القائم أيضاً وراء النَّصل وطبق الشّحم وراء النّصل لأنّه لم يجذب السيّف من بطنه."([17])
ثم نقرأ أيضاً عن حادثة مقتل (سيرا) رئيس جيش مملكة حاصور على يد إمرأة تدعى (ياعيل) وهي امرأة حابر القيني.. وبيت حابر القيني كانوا في صلح مع (يابين) ملك حاصور. وحابر القيني من (قاين) من بني حوباب حمي موسى. وعندما حدث صراع بين حاصور وبني إسرائيل، انتصر الإسرائيلّيون حسب ما يزعم كاتب السفر فهرب قائد جيش حاصور (سيسرا) والتجأ إلى بيت حابر القيني نظراً لوجود عهد وصلح بينهما: "وأما سيسرا فهرب على رجليه إلى خيمة ياعيل إمرأة حابر القيني لأنّه كان صلح بين يابين ملك حاصور وبيت حابر القيني. فخرجتْ ياعيل لاستقبال سيسرا وقالتْ له ملْ يا سيدي . ملْ إليّ لا تخفْ فمال إليها إلى الخيمة وغطّته باللحّاف. فقال لها اسقيني قليل ماءٍ لأنّي قد عطشتُ. ففتحتْ وطبَ اللبن وأسقته ثم غطّته. فقال لها قفي بباب الخيمة ويكون إذا جاء أحدٌ وسألك أهنا رجلٌ أنّك تقولين لا. فأخذتْ ياعيل إمرأة حابر وتَدَ الخيمة وجعلتْ الميتدة في يدها وقارَتْ إليه وضربت الوتد في صُدغه فنفذ إلى الأرض وهو متثقّل في النّوم ومتعبٌ فمات."([18])
في سفري صموئيل الأوّل والثاني نقرأ مزيداً من حوادث الغدر والخيانة والقتل نفذّها بنو اسرائيل فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين سكان كنعان من جهة أخرى.
كاتب السفر يروي هذه الأحداث باسهاب، مرّجعاً إياها إلى رضى ورغبة ربّ الجنود يَهْوهَ، فنقرأ عن الصراع بين شاول ملك بني اسرائيل كما يسميه وداود، وكيف كان شاول يخطّط لاغتيال وتصفية داود لأنّه كان يغار منه ويحسده بينما صموئيل النبّي يخطّط لتصفية شاول والتخلّص منه وتسليم السلّطة لداود، ونظراً لأنّ شاول تجاوز صموئيل النبّي عدد مرات، وهذا أمرٌ لم يكن ليرضى به صموئيل فهو المرجعية الرئيسة دينياً ودنيوياً ولا يقبل أن يتصرّف شاول أي شيء دون الرجوع اليه واستشارته وأخذ موافقته لأن يهوه يريد ذلك كما يزعم.
لقد أراد شاول أن يتخلص من داود بأية وسيلة وأخذ يخطّط لهذا الأمر فتارة يدفع به إلى محاربة الفلسطينين ليُقتل في المعركة. وتارة يخطّط لاغتياله سراً وتارة عبر تزويجه ابنته وهكذا.. أمضى شاول أيامه يبحث في الوسيلة التي تخلّصه من داود. "وقال شاول لداود هوذا ابنتي الكبيرة مَيْرةُ أُعطيكَ إياها إمرأة. إنما كنْ لي ذا بأسٍ وحارب حروب الرّب. فإنّ شاول قال لا تكن يدي عليه بل لتكنْ عليه يدُ الفلسطينين."([19]).
ماتَ شاول وثلاثة من أولاده في حرب مع الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأول ولم يبق من أولاده إلاّ (إيشبوشث). فجعله (أَبنيرُ بنُ نيرَ ) ملكاً على اسرائيل مكان أبيه. فقد كان أَبنير رئيس جيش شاول. أما بيت يهوذا فقد اتبعوا داود. واشتدت الحرب بين الطرفين على السلطة.
كانت لشاول سرية اسمها "صفة" بنت أية. وكان ابنير قائد الجيش يدخل إليها ويضطجع معها كما يروي كاتب السفر:"وكان في وقوع الحرب بين بيت شاول وبيتُ داود أنّ أَبنير تشدّد لأجل بيت شاول. وكانت لشاول سّرّية اسمها رصفةُ بنتُ أيّة. فقال إيشبوشث لأبنير لماذا دخلت إلى سرّية أبي. فاغتاظ أَبنير جداً من كلام إيشبوشث وقال ألعّلي رأس كلبٍ ليهوذا اليوم أصنع معروفاً مع بيت شاول أبيك مع إخوته ومع أصحابه ولم أسلمّك ليد داود وتطالبني اليوم بإثم المرأة."([20]).
قرّر أَبنير التخلي عن إيشبوشث بن شاول وينضّم إلى داود استنكاراً فراسلَ داود واتفق معه على المصالحة وتسليمه السلطة على جميع إسرائيل ويهوذا فوراً، وقد وافق داود لكنه اشترط على أبنير أن يأتي له بامرأته ميكال بنت شاول التي فرض عليها والدها التخّلي عن داود والزواج من رجل آخر يدعى (فلطئيل بن لايش). وقد تمّ له الأمر حيث نقرأ:”فأرسل داود رُسلاً إلى إيشبوشث بن شارل يقول أعطني امرأتي ميكال التي خطبتها لنفسي بمئة غُلْفَةٍ من الفلسينيين فأرسل ايشبوشث وأخذها من عند رجلها من فلطئيل بن لايش وكان رجلها يسير معها ويبكي وراءها إلى يحوريم. فقال له أَبنير إذهب ارجعْ.. فرجعْ."([21])
لقد غدر أَبنير بن نير بايشبوشث وتخلّى عنه لصالح داود، لكنّه لم يهنأ بهذا الغدر.. وانقلبت خيانته عليه. حيث نقرأ:"فجاء أبنير إلى داود إلى حبرون ومعه عشرون رجلاً. فصنع داود لأبنير وللرّجال الذين معه وليمة وقال أبنير لداود أقوم وأذهب وأجمع إلى سيدي الملك جميع إسرائيل فيقطعون معك عهداً وتملكُ حسب كلّ ما تشتهي نفسكَ. فأرسل داود أبنير فذهب بسلام"([22]).
غير أنّ (يوآب) أحد قوّاد داود استنكر هذا الأمر ورأى ضرورة قتل أَبنير. لأنّه قتل أخاه (عسائيل). فترك الأمر سراً ولم يخبر داود وقرّر اغتيال أبنير بخدعةٍ وغدرٍ. حيث نقرأ: "ثم خرج يوآب من عند داود وأرسل رسلاً وراء أَبنير فردوه من بئر السيرة، وداود لا يعلمُ. ولمّا رجع أَبنير إلى حبرون مال به يوآب إلى وسط الباب ليكلّمه سراً وضربه هناك في بطنه فمات بدم عسائيل أخيه."([23])
إنّ حادثة اغتيال أبنير غدراً وخيانة تركت صدى كبيراً وخاصة لدى ابن شاول (إيشبوشث) الذي تعرّض بعد وفاة أبنير لحادثة اغتيال أيضاً من قبل قائدين يعملان عنده.. فقد قتلوه غدراً حيث نقرأ:"ولمّا سمع ابن شاول أنّ أَبنير قدمات في حبرون ارتخت يده وارتاح جميع إسرائيل. وكان لابن شاول رجلان رئيساً غزاةٍ اسم الواحد بعنة واسم الآخر ركاب ابنا رمّون البئيروتيّ من بني بنيامين"([24]).
" وسار ابنا رمون البئيروتي ركاب وبعنة ودخلا عند حرّ النهار إلى بيت ايشبوشث وهو نائمٌ نومة الظهيرة. فدخلاً إلى وسط البيت ليأخذا حنطة وضرباه في بطنه ثم أفلت ركاب وبعنة أخوه. فعند دخولهما البيت كان هو مضطجعاً على سريره في مخدع نومه فضرباه وقتلاهُ وقطعا رأسه"([25]).
ثم نقرأ عن حادثة اغتيال غدراً قام بها داود ضدّ قائده (أوريا الحثّي) ليأخذ زوجته:"وكان في وقت المساء أنّ داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً فأرسل داود رسائل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بتشبع بنت أليعام إمرأة أورّيا الحثي فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها ثمّ رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة. فأرسلت وأخبرت داود وقالت إنّي حُبلى فأرسل داود إلى يوآب يقول أرسل لي أورّيا الحثي فأرسل يوآب أوريا إلى داود فأتى أورّيا اليه. فسال داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب وقال داود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أورّيا من بيت الملن وخرجت وراءه حصّة من عند الملك ونام أورّيا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيدّه ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين لم ينزل أورّيا إلى بيته. فقال داود لأورّيا أما جئت من السّفر فلماذا لم تنزلْ إلى بيتك. فقال أورّيا لداود إنّ التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع إمرأتي. وحياتك وحياة نفسك لاأفعل هذا الأمر."([26])
إنّ هذا الموقف النبيل والشجاع من أورّيا الحثّي، يعبرّ تماماً عن إلتزام واحترام أبناء حثّ للعمل مهما كان نوعه. وعن وفائهم وإنسانيتهم وشجاعتهم. فأوريّا الحثّي لم يكن يهودياً ، كان من بني حثّ.. ومع هذا فقد كان محارباً شجاعاً ووفيّاً لرفاقه اليهود، فلم يرّضَ أن ينعم مع امرأته ورفاقه يحاربون في الصحراء.. فكان مثال الإنسان الملتزم الخلوق الذي يتصّف بالإنفتاح والتسامح والوفاء. ولم يكن ليدري أنّ داود غدر به واضطجع مع امرأته ويخطّط لإغتياله والغدر به أيضاً. فقد كان حسن النّية وفضّل النوم على باب بيت الملك بدلاً من بيته ، ولكنّ دواد لم يرق له الأمر فنقرأ:”وفي الصباح كتب داود إلى يوآب مكتوباً وأرسله بيد أوريّا . وكتب في المكتوب يقول اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت."([27])
حمل أوريّا الحثّي رسالة موته غدراً.. ونجح مخطّط داود في التخلّص من أوريّا الحثّي ليسلبه زوجته الجميلة. ومات أوريّا حيث نقرأ:"وكان في محاصرة يوآب المدينة أنّه جعل أوريّا في الموضع الذي علم أنّ رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريّا الحثّي أيضاً."([28])
"فلّما سمعت امرأة أوريّا أنّه قد مات رجلها ندبت بعلها ولما مضت المناحة أرسل داود وضمّها إلى بيته وصارتْ له امرأة وولدت له ابناً "(.[29])
ويحدّثنا كاتب سفر صموئيل الثاني أيضاً عن حادثةٍ بشعة قام بها (أمنون) بن داود بدعم وتخطّيط من عمّه شقيق والده (يوناداب). فقد احتال أمنون على أخته (تامار) واستدرجها إلى مخدعه واضطجع معها حيث نقرأ :"وكان لأمنون صاحبٌ اسمه يوناداب بنُ شمعي أخي داود. وكان يوناداب رجلاً حكيماً جداً. فقال له أمنون إنّي أحبُّ تامار أُختَ أبشالوم أخي. فقال يونادابُ اضطجع على سريرك وتمارض . إذا جاء أبوك ليراك فقلْ له دع تامار أُختي فتأتي وتطعمني خبزاً وتعمل أمامي الطعام لأرى فآكل من يدها."([30])
نجح مخطّط يوناداب، ووافق داود على إرسال ابنته تامار لتخدم أخيها أمنون فاستغل أمنون وجودها وتمكن منها واضطجع معها، ثم طردها. حيث نقرأ:"فلم يشأ أن يسمع لصوتها بل تمكنّ منها وقهرها واضطجع معها."([31])
لكنّ أبشالوم ابن داود شقيق أمنون وتامار الذي استنكر فعلة أخيه أمنون، ضمر الشرّ له، وقرّر وضع خطة للغدر به واغتياله انتقاماً لأخته تامار.. فتامار كانت أخت أمنون من أبيه داود.
بعد سنتين حسب ما يروي كاتب السفر قرّر أبشالوم الانتقام من أخيه أمنون.. فخطّط لاقامة وليمة يدعو إليها والده وإخوته ومنهم أمنون حيث نقرأ:"وكان بعد سنتين من الزمان أنّه كان لأبشالوم جزّازون في بعل حاصور التي عند أفرايم فدعا أبشالوم جميع بني الملك. وجاء أبشالوم إلى الملك وقال هوذا لعبدك جزّازون, فليذهب الملك وعبيده مع عبدك. فقال الملك لأبشالوم. لا يا ابني لا نذهب كلّنا لئلاّ نثقل عليك، فألحّ عليه فلم يشأ أن يذهب بلْ باركه. فقال أبشالوم إذاً دعْ أخي أمنون يذهب معنا. فقال الملك لماذا يذهُب معك. فألحّ عليه أبشالوم فأرسل معه أمنون وجميع بني الملك. فأوصى أبشالوم غلمانهُ قائلاً انظروا متى طاب قلبُ أمنون بالخمر وقلتُ لكم اضربوا أمنون فاقتلوه. لا تخافوا أليس أنّي أنا أمرتكم. فتشدّدوا وكونوا ذوي بأس. ففعل غلمانُ أبشالوم بأمنون كما أمر أبشالوم "([32])
كما نقرأ في سيفر صموئيل أيضاً عدة حالات غدرٍ واحتيال حدثتْ خلال الصراع بين أبشالوم وأبيه داود أهمّها الغدر بأبشالوم وقتله من قبل قائد جيش داود (يوآب بن صرويه).
كان داود قد أوصى قواده وجنوده بعدم التعرّض لابنه أبشالوم وطالبهم بالحفاظ على سلامته، غير أنّ يوآب بن صروية نكثَ بهذا الطلب وخان ملكه داود وغدر بأبشالوم وقتله كما يردُ في النصّ التوراتي حيث نقرأ: "وصادف أبشالومُ عبيد داود وكان أبشالومُ راكباً على بغلٍ فدخل البغلُ تحت أغصان البُطمة العظيمة الملتفة. فتعلّق رأسهُ بالبطمة وعُلّق بين السماء والأرض والبغل الذي تحته مرّ. فرآه رجلٌ وأخبر يوآب وقال إنّي قد رأيت أبشالوم معلّقاً بالبطمة. فقال يوآب للرّجل الذي أخبره إنّك قد رأيته فلماذا لم تضربه هناك إلى الأرض وعليّ أنْ أعطيك عشرة من الفضّة ومنطقةً. فقال الرّجل ليوآب فلو وُزنَ في يدي ألفٌ من الفضّة لما كنتُ أمدّ يدي إلى ابن الملك لأنّ الملك أوصاك في آذاننا أنتَ وأبيشاي وإتّاي قائلاً احترزوا أياً كان منكم على الفتى أبشالوم".([33])
"فقال يوآب إنّي لا أصبرُ هكذا أمامك. فأخذ ثلاثة سهامٍ بيد ونشبّها في قلب أبشالوم وهو بعدُ حيٌّ في قلب البطمة. وأحاط بها عشرة غلمانٍ حاملو سلاح يوآب وضربوا أبشالوم وأماتوه."([34]).
وفي سفر الملوك الأول يروي كاتبه عدّة عمليات اغتيال وتصفية قام بها الملك سليمان بن داود ضدّ عدد من قواد أبيه ومعاونيه، ومن بينهم شقيقه الأكبر (أدّونيا بن حُجّيت). فنقرأ: "والآن حيّ هو الرّبّ الذي ثبّتني وأجلسني على كرسّي داود أبي والذي صنع لي بيتاً إنّه اليوم يقتلُ أدوينّا. فأرسل الملك سليمان بيد بنايا هو بن يهوياداع فبطش به فمات."([35])
ونقرأ في الاصحاح الواحد والعشرين من نفس السفر عن جريمة قتل استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة بطريقة بشعة جداً خطّطت لها (ايزبيل) امرأة ملك اسرائيل (آخاب) ضد رجل آمن يدعى (نابوت اليزرعيلي):
"وحدث بعد هذه الأمور أنّه كان لنابوت اليزرعيلي كرمٌ في يزرعيل بجانب قصر آخاب ملك السامرة. فكلم آخاب نابوت قائلاً أعطني كرمكَ فيكون لي بستان بقولٍ لأنه قريب بجانب بيتي فأعطيك عوضه كرماً أحسن منه وإذا حسن في عينيك أعطيتك ثمنه فضةً. فقال نابوتُ لآخاب حاشا لي من قبل الرّب أن أعطيك ميراث أبائي."( [36])
انزعج آخاب جداً من هذا الرّد.. واكتأب وجهه. فدخلت إليه امرأته مهدئة وواعدةً بحلّ القضية بسهولة قائلة لآخاب: "أأنت الآن تحكم على اسرائيل. قمْ كلْ خبزاً وليطبْ قلبك. أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي. ثم كتبتْ رسائل باسم آخاب وختمتها بخاتمه وأرسلتْ الرسائل إلى الشيّوخ والأشراف الذين في مدينته الساكنين مع نابوت. وكتبت في الرسائل تقول. نادوا بصومٍ وأجلسوا نابوت في رأس الشّعب. وأَجلسوا رجلين من بني بلّيعال تجاههُ ليشهدوا قائلين قد جدّفتَ على الله وعلى الملك. ثم أخرجوه وارجموه فيموت ."([37])
نجح مخطّط ايزابيل بشكل جيد كما رسمته. فتمتْ تصفية نابوت اليزرعيلي غدراً وخيانة وغشاً واستولى آخاب على البستان الذي كان لنابوت حيث نقرأ: "ولمّا سمعت إيزابيل أنّ نابوت قد رُجمَ ومات قالتْ إيزابيل لآخاب قمْ رثْ كرمَ نابوت اليزرعيلي الذي أبى أن يعطيك إيّاه بفّضةٍ لأنّ نابوت ليس حيّاً بلْ هو ميتٌ. ولمّا سمع آخاب أنّ نابوت قد مات قام آخاب لينزل إلى كرم نابوت اليزرعيلي ليرثُه."([38])
إنّ مقتل نابوت اليزرعيلي كان سبباً في التخطّيط لعدّة عمليات قتل واغتيال استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة أيضاً. فبعد وفاة الملك آخاب تسلّم ابنه (يورام) السلطة. غير أنّ أليشع النبي أخذ يخطّط لإغتيال يورام والثأر لنابوت اليزرعيلي بالتعاون مع قائد الجيش (يهوبن يهوشافاط) فاستغلاّ الصراع الذي كان قائماً فيما بين الآراميين وبني اسرائيل، حيث كان يورام ملك اسرائيل وأخزيا بن يهورام ملك يهوذا يقاتلان معاً الآراميين في منطقة (راموت جلعاد) وهناك جرح يورام في المعركة فرجع ليبرأ في يزرعيل من الجروح التي جرحه بها الآراميون في راموت . وكان ملك يهوذا قد نزل ليرى يورام بن آخاب في يزرعيل ويطمئن على وضعه.
إلى يزرعيل وصل قائد الجيش المتآمر ياهو بن يهوشافاط وعدد من المسّلحين بغية اغتيال يورام فالتقيا في بستان نابوت اليزرعيلي حيث نقرأ:"فلمّا رأى يهورام ياهو قال أسلامٌ يا ياهو. فقال أيُّّ سلامٍ ما دام زنا إيزابل أُمّكَ وسحرها الكثيرُ . فردّ يهورام يديه وهربَ وقال لأخزيا خيانةً يا أخزيا. فقبض ياهو بيده القوس وضربَ يهورام بين ذراعيه فخرج السهم من قلبه فسقط في مركبته"([39])
"فجاء ياهو إلى يزرعيل. ولمّا سمعتْ إيزابلُ كحّلتْ بالأُثمد عينيها وزيّنتْ رأسها وتطلّعت من كوةٍ. وعند دخول ياهو الباب قالتْ أسلامٌ لزمري قاتلِ سيّده. فرفع وجهه نحو الكوّة وقال منْ معي. منْ فأشرف عليه اثنان أو ثلاثةٌ من الخصيان. فقال اطرحوها. فطرحوها فسال من دمها على الحائط وعلى الخيل فداسها ودخلَ وأكلَ وشربَ ثم قال افتقدوا هذه الملعونة وادفنوها لأنّها بنتُ ملك "([40])
ولم يكتف ياهو بهذه الجرائم والاغتيالات.. فقد قرّر اغتيال جميع أبناء آخاب بن عمري بعد أنْ قتل ابنه يورام الملك. وكان عدد أبناء آخاب سبعون ولداً. ويعيشون في السّامرة تحت اشراف مُرّبين هناك. فأرسل ياهو إلى هؤلاء المُرّبين رسائل طالبهم فيها بقتل جميع أبناء آخاب الأولاد والشبّان وقطع رؤوسهم وإرسالهم إليه . حيث نقرأ:"فكتب إليهم رسالة ثانية قائلاً إنْ كنتم لي وسمعتم لقولي فخذوا رؤس الرّجال بني سيدكم وتعالوا إليّ في نحو هذا الوقت غداً إلى يزرعيل. وبنو الملك سبعون رجلاً كانوا مع عظماء المدينة الذين ربّوهم. فلّما وصلت الرسالة إليهم أخذوا بني الملك وقتلوا سبعين رجلاً ووضعوا رؤسهمُ في سلالٍ وأرسلوها إليه إلى يزرعيل."([41])
ثم تابع ياهو جرائمه وغدره واغتيالاته كما يرد في السفر: "وقتل ياهو كلّ الذين بقوا لبيت آخاب في يزرعيل وكلّ عظمائه ومعارفه وكهنته حتى لم يبقِِ له شارداً. ثم قام وجاء إلى السّامرة. وإذا كان عند بيت عقد الرّعاة في الطريق صادف ياهو إخوة أخزْيا ملك يهوذا. فقال من أنتم فقالوا نحن إخوةُ أخزيا ونحن نازلون لنُسّلم على بني الملك وبني الملكة. فقال امسكوهم أحياءً. فأمسكوهُم أحياءً وقتلوهم عند بئر بيت عْقدٍ اثنين وأربعين رجلاً لم يبق منهم أحد."([42])
أيضاً لم يكتفِ ياهو بما اقترفه من جرائم باسم رب الجنود يَهْوه، فقد صبّ جام غضبه على سكان كنعان وكهنتهم بعد أن خطّط لهذا الأمر تخطّيطاً محكماً استخدم فيه الحيلة والخدعة ثم الغدر والقتل.
لقد اتصّف الكنعانيون بالروح المتسامحة والانفتاح والمساواة بين جميع الشعوب والأديان، فلم يتعرضوا لمعتقدات الآخرين . ولا لكهنتهم، ولم يفرضوا ديانتهم على أحد وقد عاش اليهود بين ظهرانيهم ومارسوا شعائرهم الخاصّة بهم، ولا نقرأ أنّ كنعانياً اعتدى على كهنة يَهْوهَ ..
غير أنّ ياهوشافاط وبدافع من عنصريته وحقده وغدره لم يرع هذا الأمر.. وكان مثالاً لليهودي الحاقد الذي ينتظر الفرصة الملائمة للانقضاض على الأغيار الأبرياء وقتلهم بقسوة ووحشية. فلّما قتل جميع أبناء آخاب وأصحابه ومعارفه ومن يمَّت له بصلة. التفت إلى كهنة الكنعانيين مستخدماً حيلةً للغدر بهم وقتلهم كما يروي كاتب السفر حيث نقرأ: "ثم جمع ياهو كلّ الشعب وقال لهم. إنّ آخاب قد عبد البعل قليلاً وأما ياهو فإنّه يعبده كثيراً. والآن فادعوا إليّ جميع أنبياء البعل وكلّ عابديه وكلّ كهنته. لايُفقد أحدٌ لأنّ لي ذبيحة عظيمة للبعل. كلّ من فقد لا يعيش. وقد فعل ياهو بمكر لكي يفني عبدة البعل. وقال ياهو قدسوا اعتكافاً للبعل. فنادوا به وأرسل ياهو في كلّ إسرائيل فأتى جميع عبدة البعل ولم يبق أحدٌ إلاّ أتى ودخلوا بيت البعل فامتلأ بيتُ البعل من جانب إلى جانبٍ. فقال للذي على الملابس أَخرج ملابس لكل عبدة البعل. فأخرج لهم ملابسَ . ودخل ياهو ويهوناداب بنُ ركاب بيت البعل. فقال لعبدة البعل فتشوا وانظروا لئلا يكون معكم هاهنا أحدٌ من عبيد الرّبّ ولكنّ عبدة البعل وحدهم. ودخلوا ليقّربوا ذبائح ومحرقاتٍ. وأما ياهو فأقام خارجاً ثمانين رجلاً وقال. الرجل الذي ينجو من الرجال الذين أتيتُ بهم إلى أيديكم تكون أنفسكم بدلَ نفسه. ولمّا انتهوا من تقريب المُحرقة قال ياهو للسُّعاة والثّوالث أدخلوا اضربوهم .لا يخرج أحدٌ . فضربوهم بحدّ السيف وطرحهم السّعاة والثّوالث وساروا إلى مدينة بيت البعل."( [43])
ويروي كاتب سفر الملوك الثاني عن جريمة بشعةٍ جداً اقترفتها(عثليا) والدة ملك يهوذا (أخزيا) الذي قتله ياهو يهوشافاط بعد أنْ غدر بملك إسرائيل (يورام بن آخاب) وقتله . فنقرأ: "فلمّا رأت عَثليا أُمّ أخزيا أنّ ابنها قد مات قامت فأبادت جميع النسل الملكي."([44])
طبعاً لم ينحُ من هذه المذبحة البشعة إلاّ طفل رضيع يدعى (يوآش بن أخزيا) سرقته عمّته وخبأته عند (يهوياداع) في بيت الرّبّ وبقي فيه ست سنوات إلى أن أخرجه الكاهن (يهوياداع) وألبسه تاج الملك وأعطاه الشهادة وملكّه ومسحه ملكاً بدلاً من عثليا بالاتفاق مع عددٍ من قادة الجيش المتنفذين وكان يهوياداع الكاهن قد وضع خطة لإغتيال عثليا، وقد نجح في تنفيذ الإغتيال كما يرد في النص التوراتي .([45]).
ثم تعرّض يوآش هذا إلى مؤامرة استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة وتمّ فيها اغتياله وقتله كما يرد في سفر الملوك الثاني: "وقام عبيدهُ وفتنوا فتنةً وقتلوا يوآش في بيت القلعة حيث ينزل إلى سلّى . لأنّ يوزاكار بن شمعة ويهوزاباد بن شومير عبديه ضرباهُ فمات. فدفنوه مع آبائه في مدينة داود وملك أمصْيا ابنه عوضاً عنه."(.[46]).
وتستمرُّ عمليات الغدر والخيانة والإغتيالات في مملكتي يهوذا وإسرائيل على السّواء. فنقرأ عن فتنة في إسرائيل ضدّ زكريا بن يربعام ملك إسرائيل قام بها (شلُّوم بن يابيش) بتكليف من ربِّ الجنود يهوهَ كما يرد في النّص التوراتي حيث نقرأ: "ففتنَ عليه شلُّوم بن يابيش وضربه أمام الشّعب فقتله وملك عوضاً عنه"([47]).
لكنّه لم يهنأ كثيراً. فقد أُحيكت مؤامرة ضّده وتم اغتياله من قبل رجلٍ يدعى (منحيم بن جادي) فنقرأ: "وصعد منحيم بن جادي من ترصة وجاء إلى السامرة وضرب شلّوم بن يابيش في السّامرة فقتله وملك عوضاً عنه."([48])
وعندما توفيّ مناحيم تسلّم ابنه (فقحيْا) السلطة، لكنّه تعرض لخيانة وإغتيال أيضاً: "ففتن عليه فقحُ بن رمليا ثالثه وضربه في السّامرة في قصر بيت الملك مع أرجوبَ ومع أرْبَةَ ومعه خمسون رجلاً من بني الجلعاديين. قتله وملك عوضاً عنه."(.[49]).
وكان مصير (فقح بن رمليْا) كمصير سلفه.. فقد تعرض هو الآخر لخيانة وغدر أودى بحياته فنقرأ: "وفَتن هو شعُ بنُ أَيْلةَ على فقح بن رمَليْا وضربه فقتله وملك عوضاً عنه"(.[50]).
----------------------------

[1] -سفر التكوين الاصحاح 34 .
[2] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.

[3] سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.

[4] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون

[5] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.

[6] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.

[7] -سفر التكوين الاصحاح السابع و العشرون

[8] -سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون

[9] -سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون.

[10] -سفر التكرين الاصحاح السابع والعشرون.

[11] -سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون .

[12] -سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون .

[13] -سفر التكوين الاصحاح السابع والثلاثون.

[14] سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون.

[15] سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون .

[16] -سفر الخروج الاصحاح الثاني عشر.

[17] -سفر القضاة الاصحاح الثالث.

[18] -سفر التكوين الاصحاح الرابع.

[19] -سفر صموئيل الأول الاصحاح الثامن عشر.
ونقرأ أيضاً:"وميكالُ إبنة شاوُلَ أحبّت داود فأخبروا شاول فحسُن الأمر في عينيه . وقال شاول أُعطيه إياها فتكون له شركاً وتكون يد الفلسطينيين عليه.".الاصحاح الثامن عشر.
"وكان شاول يتفكّر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين" الاصحاح الثامن عشر.
"وكلّم شاول يوناتان ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود.". الاصحاح التاسع عشر.
"وكان الرّوح الردويّ من قبل الرّب على شاول وهو جالس في بيته ورمحه بيده وكان داود يضرب باليد. فالتمس شاول أن يطعن داود بالرمح حتى إلى الحائط. ففّر من أمام شاول فضرب الرمح إلى الحائط فهرب داود ونجا تلك الليلة.". الاصحاح التاسع عشر.

[20] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[21] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[22] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[23] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[24] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الرابع

[25] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الرابع.

[26] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر.

[27] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .

[28] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .

[29] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .

[30] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .

[31] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .

[32] -سفر ضموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .

[33] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن عشر .

[34] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن عشر .

[35] -سفر الملوك الأول الاصحاح الثاني .

[36] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون .

[37] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون.

[38] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون.

[39] -سفر الملوك الثاني الاصحاح التاسع .

[40] -سفر الملوك الثاني الاصحاح التاسع .

[41] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر .

[42] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر .

[43] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر.

[44] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الحادي عشر.

[45] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الحادي عشر.

[46] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الثاني عشر .

[47] سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر.

[48] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر.

[49] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر .

[50] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر .
[/align]
يتبــــع>>>

مازن شما 07 / 02 / 2009 17 : 02 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]

تتمة الفصل الثالث

ثانيا: الانحلال الخلقي

في الأسفار التوراتية نقرأ الكثير من التصرفات والأفعال التي تُعبرُّ عن الإنحلال الخلقي والرذيلة، فنجد من يقدّم إمرأته لغيره خدمةً لمصالحه، ومن يضطجع مع إمرأة أبيه أو أخته أو كنّته إلخ...

في سفر التكوين نجدُ أنّ إبراهيم تخلّى عن إمرأته (سارة) لصالح فرعون مصر لكي يثرى ويكون له خيرٌ بسببها: "فانحدر أبرام إلى مصر ليتغّربّ هناك لأنّ الجوع في الأرض كان شديداً وحدث لمّا قرب أن يدخل مصر أنّه قال لساراي إمرأته إنّي قد علمتُ أنك حسنة المنظر. فيكون إذ رآك المصريون أنّهم يقولون هذه أمرأته فيقتلونني ويستبقونك. قولي إنك أُختي ليكون لي خيرٌ بسببك وتحيا نفسي من أجلكِ."([1]).

"فحدث لمّا دخل أبرام إلى مصر أنّ المصريين رأوا المرأة أنّها حسنة جداً ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون. فصنع إلى أبرام خيراً بسببها وصار له غنمٌ وبقرٌ وحميرٌ وعبيدٌ وإماء وأُتنٌ وجمالٌ ."([2]).

فرعون لم يكن ليدري أنّ سارة امرأة لإبراهيم. فقد ادّعت أنّها أخته وإبراهيم أكدّ هذا الأمر لرؤساء فرعون ... لكنّ فرعون عندما علم بالأمر بعد فترة من الزمن استهجنه تماماً وانزعج من إبراهيم حتى الدرجة التي طرده فيها من مصر بعد أن أعاد له زوجته. فالمصريون لم يعتادوا على مثل هذا السلوك. فنقرأ: "فدعا فرعون أبرام وقال ما هذا الذي صنعتَ بي لماذا لم تخبرنيِ أنّها أمرأتك. لماذا قلتَ هي أختي حتى أخذتها لي لتكون زوجتي. والآن هوذا أمرأتك. خذها واذهبْ."(.[3])

وكاتب سفر التكوين يروي ويسجلّ حادثة ابنتي لوط كيف احتالتا على أبيهما واضطجعتا معه وحبلتا منه:"وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه لأنه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكرُ للصغيرة. أبونا قد شاخَ وليس في الأرض رجلٌ ليدخل علينا كعادة كلّ الأرض. هلمّ نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكرُ واضطجعت مع أبيها ولم يعلمْ باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أنّ البكر قالتْ للصغيرة إنّي قد اضطجعت البارحة مع أبي. نسقيه خمراً الليّلة أيضاً فادْخلي اضطجعي معه. فنحيي من أبينا نسلا. فسقيا أباهما خمراً في تلك اللّيلة أيضاً. وقامت الصغيرة واضطجعت معه. ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها فحبلت ابنتا لوطٍ من أبيهما. فولدت البكرُ ابناً ودعتِ اسمه موآب وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضاً ولدتِ ابناً ودعت اسمه بنْ عمّي. وهو أبو بني عمّون إلى اليوم."(.[4]).

ويتابع كاتب السّفر سرد الحوادث الّلا أخلاقية، ويحدثنا عن إبراهيم وسارة مرّة ثانية بعد أن طردَ من مصر واتجه إلى كنعان فيروي: "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرّب في جرار وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أختي فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة."(.[5])

لقد كررّ إبراهيم حادثة مصر نفسها. فقال عن إمرأته ساره انّها أخته فطلبها ملك جرار لتكون زوجة له، وإبراهيم وافق على الطلب، ولولا تدخل الإله يَهْوه في آخر لحظة لاضطجع معها ملك جرار أبيمالك حسب ما يروي كاتب السفر فنقرأ: "فجاء اللّه إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له ها أنتَ ميتٌ من أجل المرأة التي أخذتها فإنّها متزوجة ببعل. ولكن أبيمالك لم يكن قد اقترب إليها فقال يا سيّد أأمّةً بارّة تقتلُ. ألم يقل هو لي إنّها أختي. وهي أيضاً نفسها قالت هو أخي، بسلامة قلبي ونقاوة يديّ فعلتُ هذا."(.[6]).

وورث إسحق عن أبيه إبراهيم سلوكه، واتبع الأسلوب نفسه في تقديم امرأته للآخرين. حيث يحدّثنا كاتب سفر التكوين أنّ إسحق تغرّبَ في منطقة جرار وكان ملكها أبيمالك أيضاً. ففعل إسحق كما فعل أبيه قبلاً، قال عن امرأته (رفقة) انّها أخته: "فأقام إسحق في جرار . وسأله أهل المكان عن امرأته فقال هي أختي"( [7]).

وحدث إذ طالت له الأيام هناك أنّ أبيمالك ملك الفلسطينيين أشرف من الكوّة ونظر وإذا إسحقُ يلاعبُ رفقة امرأته. فدعا أبيمالك إسحق وقال إنّما هي امرأتك فكيف قلتَ هي أُختي. فقال له إسحق لأنّي قلتُ لعلّي أموت بسببها. فقال أبيمالك ما هذا الذي صنعت بنا. لولا قليلٌ لاضطجع أحدُ الشّعب مع امرأتك فجلبْت علينا ذنباً."(.[8]).

مثل هذا السلوك لم يألفْه الكنعانيون . إنّه انحطاطٌ في القيم الاخلاقية. ويعتبره الكنعانيون ذنباً وعاراً فهم يخافون اللّه، ومن هذا المبدأ كان موقف أبيمالك من إبراهيم ومن ابنه إسحق. ومن هذا السلوك عموماً.

ونقرأ في سفر التكوين أيضاً أنّ رأوبين ابن يعقوب وهو بكره، استغلّ غياب والده ودخل على امرأته بلْهةَ وكان لها ولدان (دان ونفتالي) واضطجع معها: "وحدثَ إذ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أنّ رأوبين ذهب واضطجع مع بلْهَة سرّية أبيه"(.[9]).

كما يحدّثنا أنّ (تامار) كنّة (يهوذا) ابن يعقوب الرابع زنت مع حميها يهوذا وحبلت منه وولدت ولدين أسمت الأوّل (فارص) والثاني (زارح) فنقرأ: "وأخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها تامار. وكان عيرٌ بكرُ يهوذا شريراً في عينيّ الرّب فأماته الرّب. فقال يهوذا لأونان ادخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقمْ نسلاً لأخيكَ. فعلم أونان أنّ النّسل لن يكون له فكان إذا دخل على امرأة أخيه أنّه أفسد على الأرض لكي لا يعطي نسلاً لأخيه فقُبحَ في عيني الرّبّ ما فعله فأماته أيضاً. فقال يهوذا لتامار كنّته أقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبُر شيلةُ ابني. لانّه قال لعلّه يموت هو أيضاً كأخويه. فمضت تامار وقعدت في بيت أبيها."(.[10]).

ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا. ثم تعزّى يهوذا فصعد إلى جزاز غنمه إلى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلاّمّي. فأخبرت تامار وقيل لها هوذا حموك صاعد إلى تمنه ليجّز غنمه. فخلعت عنها ثياب ترمّلها وتغطّت ببرقعٍ وتلففت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة لأنّها رأت أنّ شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجةً. فنظرها يهوذا وحسبها زانية لأنّها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال هاكي أدخل عليك. لأنّه لم يعلم أنّها كنتّه، فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عليّ. فقال إني أُرسل جدي معزى من الغنم. فقالت هل تعطيني رهناً حتى ترسله. فقال ما الرّهن الذي أُعطيك. فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك. فأعطاها ودخل عليها. فحبلت منه ثم قامتْ ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترمُلّها."([11]).

"وفي وقت ولادتها إذ في بطنها توآمان. وكانت في ولادتها أنّ أحدهما أخرج يداً فأخذت القابلة وربطت على يده قرمزاً قائلة هذا خرج أولاً ولكن حين ردّ يده إذ أخوه قد خرج . فقالت لماذا اقتحمت. عليك اقتحام فدعي اسمه فارصَ. وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القُرمز فدعى اسمه زارحَ."([12]).

ونقرأ في سفر القضاة حوادث بشعة تعبّر عن الانحلال الخلقي منها أنّ رجلاً لاوّياً متغرباً في عقاب جبل أفرايم. اتخذ له امرأة سرّية من بيت لحم يهوذا فزنت عليه هذه المرأة، وتركته ثم ذهبت إلى بيت أبيها، ومع هذا جاء زوجها وراءها ليطيب قلبها ويردها معه..[13]

عادت المرأة معه، وجاء إلى مقابل يبوس (أورشليم) وكان معه حماران مشدودان ، والغلام، أي غلامه. فانحدر النهار وبدأت الشمس تغيب فقال الغلام لسيّده: "تعال نميلُ إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيتُ فيها. فقال له سيّده لا نميل إلى مدينة غريبةٍ حيث ليس أحدٌ من بني إسرائيل هنا. نعبر إلى جبعةَ. وقال لغلامه تعال نتقدم إلى أحد الأماكن ونبيتُ في جبعةَ أو في الرّامة. فعبروا وذهبوا وغابت لهُمُ الشمس عند جبعة التي لبنيامين. فمالوا إلى هناك لكي يدخلوا ويبيتوا في جبعة. فدخل وجلس في ساحة المدينة ولم يضمهم أحدٌ إلى بيته للمبيت. وإذا برجل شيخ جاء من شغله من الحقل عند المساء والرجل من جبل أفرايم وهو غريب في جبعة ورجال المكان بنيامينيون. فرفع عينيه ورأى الرجل المسافر في ساحة المدينة فقال الرّجل الشيخ إلى أين تذهب ومن أين أتيت ؟ فقال له نحن عابرون من بيت لحم يهوذا إلى عقاب جبل أفرايم. أنا من هناك وقد ذهبت إلى بيت لحم يهوذا وأنا ذاهبٌ إلى بيت الرّب وليس أحدٌ يضمّني إلىالبيت. وأيضاً عندنا تبنٌ وعلفٌ لحميرنا وأيضاً خبزٌ وخمرٌ لي ولأمتكَ وللغلام الذي مع عبيدك ليس احتياج إلى شيء. فقال الرّجل الشيخ السّلام لك إنّما كلّ احتياجك عليّ ولكن لا تبتْ في الساحة. وجاء به إلى بيته. وعَلَفَ حميرهم. فغسلوا أرجلهم وأكلوا وشربوا."([14]).

"وفيما هم يطيّبون قُلوبهمُ إذا برجال المدينة رجال بني بلّيعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلمّوا الرجلَ صاحب البيت الشّيخ قائلين أخرج الرجلَ الذي دخل بيتك فنعرفهُ. فخرج إليهم الرجلُ صاحب البيت وقال لهم لا يا إخوتي لا تفعلوا شراً. بعدما دخل هذا الرّجل بيتي. لا تفعلوا هذه القباحة. هو ذا ابنتي العذراء وسرّيته دعوني أُخرجهما فأذلُّوهما وافعلوا بهما ما يحسن في أَعينكم وأمّا هذا الرجل فلا تعملوا به هذا الأمر القبيح. فلمْ يرد الرّجال أن يسمعوا له. فأمسك الرجلُ سرّيته وأخرجها إليهم خارجاً فعرفوها وتعلّلوا بها الّليل كلّه إلى الصباح. وعند طلوع الفجر أطلقوها. فجاءت المرأة عند إقبال الصباح وسقطت عند باب بيت الرجل حيث سيدها هناك إلى الضوء فقام سيدها في الصباح وفتح أبواب البيت وخرج للذهاب في طريقه وإذا بالمرأة سرّيته ساقطة على باب البيت ويداها على العتبة. فقال لها قومي نذهب. فلم يكن مجيبٌ. فأخذها على الحمار وقام الرّجل وذهب إلى مكانه. ودخل بيتهُ وأخذ السّكين وأمسك سرّيته وقطعها مع عظامها إلى اثنتي عشرة قطعة وأرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل”([15]

إنّه انحطاط كبيرٌ في القيم الأخلاقية، جريمة بشعة جداً، وسلوكٌ شائنٌ ومرعب جداً قام به اليهود ببساطة.. ويقرأ عنه أطفالهم اليوم بافتخارٍ ويقتدون به. ويستحضرونه في سلوكهم اليومي الديني والمدني.

في سفر صموئيل الأول حوادث تتعلق ببني إسرائيل تفوح منها رائحة الانحلال الخلقي والقباحة واللا انسانية فنقرأ عن سلوك كلّ من شاول وداود أثناء الصراع بينهما على السلطة وكيف كان كلّ طرف يسعى لدفع الآخر عنه بطرق وأساليب غير مشروعة محورها عموماً المرأة والغدر.

إنّ شاول لكي يتخلص من داود قرّر أن يزوجه ابنته الكبرى (مَيْرَب) علماً أنّها كانت قد تزوجت من رجلٍ يدعى (عدرئيل المحوليّ). لم يكن ليهتم بمسألة الأخلاق. ابنته متزوجة وهو يريد أن يطلقها من زوجها ليعطيها لرجل آخر نظراً لأنّ مصلحته تقتضي ذلك..([16]).

داود كان يميلُ إلى (ميكال) الفتاة الأصغر للملك شاول.. وهي كانت تميلُ إليه. وقد وافق شاول أن يزوجها لداود، ليس لأنّه يريد أن يكون داود صهره ويُسعدُ ابنته، بل من أجل أن تكون شركاً له ويقتله الفلسطينّيون حيث نقرأ: "وميكالُ إبنة شاول أَحبّتْ داود فأخبروا شاول فحسُن الأمر في عينيه . وقال شاول أُعطيه إيّاها فتكون له شركاً وتكون يدُ الفلسطينيين عليه"([17]).

لقد طلب شاول مهر ابنته (ميكال) مئة غُلفةٍ من الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأولّ: "فقال شارل هكذا تقولون لداود. ليستْ مسّرة الملك بالمهر بلْ بمئة غُلفةٍ من الفلسطينيين للإنتقام من أعداء الملك وكان شاول يتفكّرُ أن يوقعَ داود بيد الفلسطينيين."([18]).

ولمّا اشتدّ الصراع بين الطرفين وهرب داود من وجه شاول قام شاول باحتجاز (ميكال) ابنته ومنعها من الذهاب مع داود. وزوجها لرجل يُدعى (فلطئيل بن لايش) بقيت عنده حتى وفاة والدها شاول فاستردّها داود ثانية وبطريقة سلبية كما يردُ في السفر حيث نقرأ: "فأرسل أَبنير من فوره رُسلاً إلى داود قائلاً لمنْ هي الأرض. يقولون اقطعْ عهدك معي وهوذا يدي معكَ لردّ جميع إسرائيل إليك. فقال حسناً أنا أقطع معك عهداً إلاّ أنّي أطلبُ منك أمراً واحداً وهو أن لا ترى وجهي مالم تأتِ أولاً بميكال بنت شاولَ حين تأتي لترى وجهي. ,أرسل داود رسلاً إلى إيشبوشث بن شاول يقول أعطني امرأتي ميكال التي خطبتها لنفسي بمئة غُلفةٍ من الفلسطينيين فأرسل إيشبوشث وأخذها من عند رجُلها من فلطئيل بن لايش. وكان رجلها يسيرُ معها ويبكي وراءها إلى بحوريم. فقال له أبنيرُ اذهب. ارجعْ. فرجع."([19])

ويحدثنا كاتب سفر صموئيل الثاني أنّ الملك شاول توفي، فقام قائده أبنير بن نير بمصاحبة امرأته (رصفة بنت أَية) وقد علم ابن شاول إيشبوشث بالأمر فاستنكر قائلاً لأبنير "لماذا دخلت إلى سرّية أبي. فاغتاظ أبنير جداً من كلام إيشبوشث وقال ألعّلي رأس كلب ليهوذا. اليوم أصنع معروفاً مع بيت شاول أبيك مع إخوته ومع أصحابه ولم أسّلْمك ليّد داود وتطالبني اليوم بإثم امرأةٍ."([20])

ثم نقرأ في نفس السفر عن داود وقائده أوريّا الحثّي، وسلوكه اتجاه امرأة أوريّا الحثّي. وكيف دبّر اغتياله ليسلبه امرأته: "وكان في وقت المساء أنّ داود قام عنْ سريره وتمشّى على سطح بيت الملك فرأى من على السّطح امرأةً تستّحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحدٌ أليستْ هذه بتشبع بنت أليعامَ إمرأة أوريّا الحثّي. فأرسل داود رسُلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرةٌ من طمثها ثمّ رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأةُ"([21])

عندما علم داود بالأمر . أرسل وراء زوجها لكي ينام معها وتختفي القضّية، لكن أوريّا الحثّي بما كان يحمله من شعور بالمسؤولية والقيم الأخلاقية والالتزام قرّر أن ينام مع حرّاس داود بدلاً من أنْ يذهب إلى بيته لينام مع امرأته علماً أنّه تلّقى أمراً من داود بالذهاب إلى بيته. فنقرأ قوله لداود: "إنّ التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيدُ سيّدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي. وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر."([22])

إنّه موقفٌ نبيل من أوريّا الحثّي.. فهو لم يكن يهودياً. إنّه من بني حث ولهذا اتصف بالمروءة والشجاعة وعفّة النفس. والوفاء للقضية التي يعمل من أجلها.. ولم يكن ليدري أنّ داود خدعه وأساءَ إليه ولامرأته.

ولكنَّ داود قابل هذا الموقف النبيل بالشرّ. من أجل نزوة عابرة، فأمر باغتيال أوريّا الحثّي القائد الشجاع وتصفيته . وتحقّق له الأمر وضمّ امرأته بتشبع بنت أليعام إلى بيته وصارتْ له امرأة."([23])

نبقى في سفر صموئيل الثاني وحوادث لا أخلاقية أخرى فنقرأ عن (أمنون) بن داود كيف احتال على أخته تامار وضاجعها وطردها بعد ذلك بقسوةٍ ووقاحة.. "كان لأبشالوم بن داود أُختٌ جميلة اسمها تامار فأحبها أمنونُ بن داود. وأُحصر أمنون للسّقْم من أجل تامار أُخته لأنّها كانت عذراء وعَسُر في عينّي أَمنُون أن يفعل لها شيئاً. وكان لأمنون صاحب اسمه يوناداب بنُ شمعي أخي داود. وكان يوناداب رجلاً حكيماً جداً. فقال له لماذا يا ابن الملك أنتَ ضعيفٌ هكذا من صباح إلى صباح. أما تُخبرني. فقال له أمنُونُ إنّي أُحبُ تامار أُختَ أبشالومَ أخي. فقال يوناداب اضطجع على سريرك وتمارضْ وإذا جاء أبوك ليراك فقل له دع تامار أُختي فتأتي و تطعمني خبزاً وتعملْ أمامي الطّعام لأرى فآكل من يدها. فاضطجع أمنُونُ وتمارض. فجاء الملك ليراه فقال أمنُونُ للملك دع تامارأُختي فتأتي وتصنع أمامي كعكتين فآكل من يدها. فأرسل داود تامار إلى البيت قائلاً اذهبي إلى بيت أمنون أَخيك واعملي له طعاماً. فذهبتْ تامارُ إلى بيت أمنُون أخيها وهو مضطجع وأخذت العجين وعجنت وعملتْ كعكاً أمامه وخبزتِ الكعك وأخذت المقلاة وسكبتْ أمامه فأبى أن يأكل. وقال أمنُون أخرجوا كلّ إنسان عنّي فخرج كلّ إنسان عنه. ثم قال أمنُون لتامار إيتي بالطعام إلى المخدع فآكل من يدك. فأخذت تامار الكعك الذي عملتُه وأتت به أمنُونَ أخاها إلى المخدع. وقدمّت له ليأكل فأمسكها . وقال لها تعالي اضطجعي معي يا أختي. فقالتْ له لا يا أخي لا تذُلّني . لأنّه لا يفعلُ هكذا في إسرائيل لا تعملْ هذه القباحة. أمّا أنا فأين أذهبُ بعاري وأمّا أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل. والآن كلّم الملك لأنّه لا يمنعني منكَ. فلم يشأ أن يسمع لصوتها بلْ تمكّن منها وقهرها واضطجع معها. ثمّ أبغضها أمنُونُ بغضة شديدة جداً حتى إنّ البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبّة التي أحبّها إيّاها. وقال لها أمنُونُ قومي انطلقي."([24])

لقد كان أمنون من السّفهاء حقّاً، والسفيه الأكبر كان عمّه يوناداب الرجل الحكيم الذي قال عنه كاتب السّفر أنّه رجلٌ حكيم جداً. هذا الرجل الحكيم الذي أشار على أمنون أن يفعل هذه القباحة ضارباً عرض الحائط كل القيم الأخلاقية الحميدة.

ونقرأ عن سفيه آخر لا يقلُّ سفاهةً عن أمنون ويوناداب إنّه (أبشالوم) شقيق أمنون وتامار. فهو لم يكتفِ أن غدرَ بأخيه أمنون وقتله، وتمرّد على أبيه داود، بل وصلت السّفاهة عنده إلى مضاجعة نساء أبيه وكان عددهنَّ عشر نساء. وذلك خلال الصراع الذي نشب بينه وبين أبيه داود على السّلطة. واضّطر داود للهرب من وجه ابنه، فأشار على أبشالوم أحد الكهنة المناصرين له وكان يدعى (أخيثوفل): "ادخل إلى سراري أبيكَ اللواتي تركهنّ لحفظ البيت فيسمع كلّ اسرائيل أنّك قد صرتَ مكروهاً من أبيك فتتشدّد أيدي الذين معك. فنصبوا لأبشالوم الخيمة على السّطح ودخل أبشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل."(.[25])

qq

--------------------------------------

[1] -سفر التكوين الاصحاح الثاني عشر.

[2] -سفر التكوين الاصحاح الثاني عشر.

[3] سفر التكوين الاصحاح الثاني عشر.

[4] -سفر التكوين الاصحاح التاسع عشر.

[5] -سفر التكوين الاصحاح العشرون.

[6] -سفر التكوين الاصحاح العشرون.

[7] -سفر التكوين الاصحاح السادس والعشرون.

[8] -سفر التكوين الاصحاح السادس والعشرون.

[9] -سفر التكوين الاصحاح الخامس والثلاثون.

[10] -سفر التكوين الثامن والثلاثون.

[11] -سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون.

[12] -سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون.

[13] -سفر الاصحاح التاسع عشر.

[14] -سفر القضاة الاصحاح التاسع عشر.

[15] -سفر القضاة الاصحاح التاسع عشر.

[16] -سفر صموئيل الأول الاصحاح الثامن عشر.

[17] -سفر صموئيل الأوّل الاصحاح الثامن عشر.

[18] سفر صموئيل الأوّل الاصحاح الثامن عشر.

[19] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[20] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.

[21] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر.

[22] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر.

[23] -"وفي الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريّا. وكتب في المكتوب يقول اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموتَ ."صموئيل الثاني /11/
"وكان في محاصرة يوآب المدينة أنّه جعل أوريّا في الموضع الذي علم أنّ رجال البأس فيه فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب. فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريّا الحثّي أيضاً." صموئيل الثاني/11/
"فلمّا سمعت امرأة أوريّا أنّه قد مات أوريّا رجلها ندبت بعلها. ولمّا مضتْ المناحة أرسل داود وضمّها إلى بيته وصارتْ له امرأة وولدت له ابناً.".صموئيل الثاني/11/.

[24] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر.

[25] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح السادس عشر.
[/align]
يتبــــع>>>

مازن شما 12 / 02 / 2009 16 : 11 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]

الباب الثالث- ((الصهيونية والدين اليهودي))

الفصل الأوّل

*نشأة الصهيونية:

-الصهيونية غير اليهودية :
الصهيونية حركة غربية سياسية استعمارية نشأت في أوروبا تحت ستار ديني في القرن التاسع عشر استهدفت خلق كيان مفتعل في فلسطين العربية السورية. من شأنه أن يكون قاعدة متقدّمة للسيطرة على المناطق الاستراتيجية في الوطن العربي واستغلالها، ومنع أيّة محاولة وحدوية عربية من شأنها أن تقف في وجه المصالح الغربية.

منذ مطلع القرن السابع عشر حين أخذت الإمبراطورية البريطانية تتطلع إلى تأمين طرق تجارتها مع الهند ومع مستعمراتها في الشرق، وتتطلع إلى التحكّم في عقدة المواصلات العالمية ولدتْ فكرة توطين اليهود في فلسطين، مستغلة واقع الانغلاق الذي تعيشه العناصر اليهودية وتمسّكها بتراثها الديني الأسطوري الذي يتحدّث عن أرض الميعاد وصهيون وهيكل الرّب.

لهذا ولأنّ الدول الأوروبية عموماً وبريطانيا خصوصاً كانت تطمع في استعمار الوطن العربي وتمزيقه واستغلال خيراته، بدأت تظهر في هذه الدول دعوات لإعادة اليهود إلى فلسطين تحت شعار ديني تراثي، ليكونوا حاجزاً بشرياً يربط آسيا بإفريقيا ويربطهما معاً بالبحر المتوسط فتشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للإستعمار وعدوةٍ لسكان المنطقة. وفي هذا يقول الوزير البريطاني (آيمري) في مذكراته: "نحن نرى من وجهة النظر البريطانية الخالصة، أنّ إقامة شعب يهودي ناجح في فلسطين سيدين بوجوده وفرصته في التطوير إلى السياسة البريطانية. كما أنّه سبب ثمين لضمان الدفاع عن قناة السّويس من الشمال."(.[1])

كانت أولى دعوات إعادة اليهود إلى فلسطين، دعوة المحامي الانكليزي الشهير (هنري فنش) 1621وذلك في مؤلفّه (العودة العالمية الكبرى) أو دعوة إلى اليهود. وبعد ذلك بحوالي ثلاثين عاماً عمل (كرومويل) على التقّرب من اليهود بهدف استخدامهم لمشروع استيطان فلسطين. فكان أن سمح بعودتهم إلى الجزر البريطانية سنة 1655بعد أن كانوا قد طردوا منها قبل أكثر من ثلاثة قرون /1290/ لينافس الدول التجارية الأخرى التي تضمّ كل منها جماعة يهودية ثرّية لها دور بارز في توسيع التجارة الخارجية لتلك الدول."([2])

خلال حملته على مصر وسورية نيسان 1799 أصدر نابليون بونابرت إعلاناً دعا فيه جميع يهود آسيا وأفريقيا للانضواء تحت لوائه من أجل إعادة تأسيس أورشليم القديمة.

في تلك الفترة وحتى منتصف القرن التاسع عشر ظهر الاهتمام الفرنسي بمشروع توطين اليهود في فلسطين لتوظيفهم لصالح مخطّطاتهم التوسعية الاستعمارية في المشرق العربي. وكان الممثل الرئيسي لهذا المشروع (أرنست لاران) السكرتير الخاص لنابليون الثالث. حيث وضع سنة 1860 كتاباً بعنوان: (المسألة الشرقية وإحياء القومية اليهودية) أبرز فيه المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها الدول الأوروبية في حال إعادة اليهود إلى فلسطين، داعياً أوروبا كلّها لانتزاع فلسطين من الامبراطورية العثمانية ومنحها لليهود.. ويشير المؤرخ الصهيوني "ناحوم سوكولوف" إلى أنّ الحكومة الفرنسية نشرت رسالة بدون توقيع تحت عنوان "رسالة يهودي إلى إخوته" ظهرت مطبوعة في فرنسا وانكلترا تتضّمن خطّطاً لبعث اليهود كأمّة. وقد تحدّثت هذه الرسالة عن حدود للدولة اليهوديّة المقترحة بعبارات تجارية أكثر منها توراتية."([3] )

إثر سيطرة محمد علي باشا على سورية أخذت فكرة توطين اليهود في فلسطين طابعاً عملياً متزايداُ من قبل بريطانيا. وقد قام اللورد "شافتسبري"السياسي البريطاني الكبير بتقديم مشروعه لاستيطان اليهود في فلسطين تحت الحماية الأوروبية إلى اللورد "بالمرستون" وزير الخارجية البريطانية . وتابع تقديم مشاريعه وطروحاته بهذا الخصوص حتى تمّ تعيين قنصل بريطاني في القدس. ثم كتب عام 1876 دراسة توّضح أهمية استيطان فلسطين والدور الذي يمكن أن يلعبه اليهود في التجارة العالمية. مؤكداً على ضرورة تنمية القومية اليهودية واستخدامها كقوّة تحويلية في تلك البلاد القديمة."([4])

ثم أشار اللورد شافتسبري أنّ قومية اليهود موجودة وقد كانت موجودة لمدة /3000/ ثلاثة آلاف عام ولكن الاطار الخارجي وهو الرابطة المتوّجة له لا زالت ناقصة. وأكدّ أنّ الأمّة بحاجة إلى بلاد، الأرض القديمة، والشعب القديم، وهذا ليس تجربة اصطناعية إنّها حقيقة، إنّها التاريخ.”([5]

عام 1845 وضع الكولونيل "جورج غاولر" حاكم أستراليا الجنوبية مشروعاً لاستعمار فلسطين مشيراً إلى مصالح بريطانيا في الصهيونية حيث يقول : "لقد وضع القدر سوريا ومصر في طريق بريطانيا إلى أهم مناطق تجارتها مع البلدان المستعمرة "الهند والصين والأرخبيل الهندي وأستراليا" وقدّر لبريطانيا أن تمارس نشاطاً كبيراً في تهيئة الظروف الملائمة في هاتين المقاطعتين. ويتعين على بريطانية أن تجدّد سورية بواسطة الشعب الوحيد القادر على تنفيذ هذه الرسالة والذي يمكن استخدام طاقته دوماً وبصورة فعّالة، أعني أبناء هذه الأراضي الحقيقيين، بني اسرائيل."([6])

مع بدايات العقد الخامس من القرن التاسع عشر تحوّلت الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين إلى سياسة رسمية يجري البحث عن وسائل تنفيذها، كما روجت الصحافة البريطانية في تلك الفترة لهذه الدعوة فظهرت مقالات عديدة في صحيفة ""التايمز" وصحيفة "جلوب" تحثُّ على تنفيذ مشروع توطين اليهود في فلسطين ثمّ نشطت في تلك الفترة الارساليات والجمعيات البريطانية العاملة لتحقيق هذا الغرض فتأسّس في لندن (صندوق اكتشاف فلسطين) بهدف تمويل دراسات وأبحاث عن فلسطين كما قام السير "جين هنري دونانت" مؤسس الصليب الأحمر الدولي بتأسيس (جمعية استعمار فلسطين) ولعب "دونانت" دوراً أساسياً في تأسيس وتمويل (جمعية أحباء صهيون) التي نشطت بين يهود أوروبا الشرقية ونظّمت منهم أول هجرة صهيونية إلى فلسطين عام 1881.([7])

عام 1870 تأسّست أيضاً في بريطانيا (جمعية الآثار التوراتية) وكان من أهدافها "البحث عن الآثار والتسلسل الزمني والتاريخ القديم والحديث لبلاد آشور والجزيرة العربية ومصر وفلسطين. وغيرها من المناطق التوراتية كما تراها.

ثم تأسست جمعيات أخرى في فرنسا وألمانيا مثل (المدرسة الفرنسية للدراسات التوراتية والأثرية) التي تأسست في فرنسا 1890. أمّا في ألمانيا فكانت (الجمعية الألمانية للدراسات الشرقية) التي تأسست في سنة 1897 وأيضاً (الجمعية الألمانية للأبحاث الفلسطينية) التي تأسّست في سنة 1877. وغيرها من الجمعيات الأخرى التي كان هدفها بشكل عام بعث التوجه اليهودي نحو فلسطين ودفعهم عمليّاً باتجاه استيطانها. ([8])

حتى العقد الثامن من القرن التاسع عشر لم يكن ثمّة تنظيمات يهودية ذات طابع صهيوني والتنظيمات السّابقة على ذلك كانت ذات منشأ ودعم حكومي (فرنسي، بريطاني، ألماني). وغير يهودية في أغلب الأحيان. نظراً لأنّ اليهود أحجموا عن الاستيطان في فلسطين وامتنعوا عن الهجرة إليها. فقد كان سيرهم نحو اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها يخطو خطوات سريعة. والمهاجرون منهم كانوا يفضّلون الولايات المتحدة على الرغم من أنّ فلسطين كانتْ مفتوحة أمامهم، فكانت أمريكا بالنسبة إليهم هي أرض الميعاد. لهذا كانت المذابح المنّظمة والشّاملة ضدّ اليهود ضرورية لقطع الطريق عليهم وتحويل هجرتهم إلى فلسطين. مذابح 1881 في أرجاء الامبراطورية الرّوسية لدفع اليهود إلى الانخراط في صفوف الصهيونية. وبدأت الجمعيات الصهيونية منذ ذلك التاريخ تتشكّل بين أوساط اليهود في المدن الرّوسية المختلفة وتحديداً بين الفقراء والمعوزين والمضّطرين والمضطهدين الذين يبحثون عن مكانٍ يهاجرون إليه هرباً من معاناتهم وهو ما أشار إليه "تيودور هرتزل" في كتابه المشهور (الدولة اليهودية): "سيذهب أولاً أولئك الذين في حالة يأس ومن ثمّ يتبعهم الفقراء."(.[9])

على الرغم من هذه المحاولات الصهيونية المكثفّة فقد فضّل هؤلاء اليهود في روسيا وشرق أوروبا الهجرة إلى الولايات المتحدة بدلاً من فلسطين حيث وصل منهم ثلاثة ملايين يهودي إلى الولايات المتحدة. والذين فرضْت عليهم الهجرة إلى فلسطين (وقد بلغ عددهم مع بداية الحرب العالمية الأولى /85/خمسة وثمانون ألفاً في فلسطين) هاجروا ثانية إلى الولايات المتحدة تاركين وراءهم كل مزاعم الصهيونية."([10])

وفيما بين عامي 1919-1923 لم يأت إلى فلسطين سوى /35/ ألف يهودي من أصل مليون وأربعمئة ألف يهودي روسي.و بين عامي 1924-1931وصل إلى فلسطين /82/ألف يهودي من بولونيا التي كانت تجتاز أزمة حادّة في تلك الفترة وتطّبق على اليهود قيوداً كثيرة. وفي الأساس كانت الولايات المتحدة وجهةُ هؤلاء إلاّ أنّ تلك الدولة أصدرت في تلك الفترة تشريعات وضعتْ حدّاً لقدوم المزيد من المهاجرين من شرق أوروبا. مّما أغلق الباب في وجوههم وأرغمهم على التوجه إلى فلسطين.([11])

لقد شاركتْ الصهيونية مشاركة فعّالة في تدبير المؤامرات ضدّ اليهود لدفعهم إلى الهجرة نحو فلسطين، وخير مثال على ذلك اليهود العرب الذين تمّ تهجيرهم بمؤامرة صهيونية اشترك فيها بعض الحكام العرب، كيهود المغرب والعراق واليمن مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء حين كان الخيار متروكاً لهم اختاروا طريقاً غير فلسطين، كما حدث ليهود الجزائر، فقد كان عددهم /130/ألفاً، هاجر منهم إلى فرنسا /125/ ألفاً ولم يذهب إلى الكيان الصهيوني سوى خمسة آلاف فقط.([12])

في الواقع لم تظهر النزعات الصهيونية العملية بين اليهود أنفسهم إلاّ أواخر القرن التاسع عشر، أي بعد قرنين ونصف من المحاولات الغربية الاستعمارية المستمّرة والتي شارك فيها بعض الأثرياء اليهود من ذوي المصلحة في تسييس اليهود وصهينتهم من أمثال (مونتغيوري، وهيرش، وروتشليد وغيرهم.([13])

من المفيد الاشارة أيضاً إلى أنّ الدول الأوروبية الغربية إضافة لرغبتها في خلق كيان مفتعل في فلسطين يكون اليهود مادته الرئيسية، كانت تسعى لإفراغ أوروبا الغربية من اليهود، وتحديداً يهود الشرق الذين بدأوا يهاجرون من شرق أوروبا إلى غربها.

لقد ساءَ يهود الغرب شبه المندمجين بمجتمعاتهم رؤية هذه الجحافل المهاجرة بلحاها الطويلة وأرديتها الغريبة وعاداتها المتخلفة ولغتها اليديشّية وكان لا بدّ من العمل على وضع حدّ يضمن لهم الاستفادة من هذه الجحافل بعيداً عن أوروبا الغربية. فيهود شرق أوروبا كانوا مؤهلين لتقّبل أفكار الدولة اليهودية وأرض الميعاد والأماكن المقدّسة أكثر من الغربيين وكانوا أكثر معاناة منهم أيضاً فاستغلت الدول الغربية هذه الظروف ووجدت في هذه الكتل البشرية جيشاً مؤهلاً ليكون قاعدة في الشرق هذا من جهة، ومن جهة ثانية، رأت ضرورة التخلّص من هذه العناصر المتخلفة من هذه العناصر المختلّفة والفقيرة وإبعادها عن أيّة مشاريع إندماجية، خاصّة وأنّ يهود الغرب قد خطوا خطوات سريعة في طريق الاندماج، وباتت أفكار التخلّي عن القوقعة والانعزال قاب قوسين أو أدنى. فمنذ أوائل القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر أخذ وضع اليهود في معظم أوروبا الغربية بالتحسّن والاستقرار حيث بدأت كثير من الدول الغربية تصدر التشريعات المختلفة التي أدّت إلى عتق اليهود ومساواتهم بسائر المواطنين، ثم شهدت هذه المرحلة بدايات حركة استنارة بين اليهود كانت تهدف إلى دمجهم في مجتمعاتهم عن طريق تخلّيهم عن رؤيتهم الغيتوّية الضيّقة.([14])

من الواضح أنّ الحركة الصهيونية جاءتْ كثمرة من ثمار الفكر الاستعماري الغربي وتعبيراً عن حاجة من حاجاته. فقد أرادت الامبريالية تجمعاً بشرّياً يشكّل حاجزاً وجيشاً تستخدمه في استراتيجيتها تجاه الوطن العربي، وكانت الصهيونية جهازها العملي والموضوعي، وكان اليهود هم الأدوات العاملةلهذا المشروع. وقبل ظهور المفكرين الصهاينة اليهود كانت الصياغات الأساسية لمشروع الاستيطان والتهجير جاهزة تماماً.([15])

فخلال هذا العمل المتواصل من قبل القادة الأوروبيين الغربيين تمكنّوا من استقطاب عددٍ من اليهود الأثرياء المستفيدين من حركة الاستيطان والتوسع وهؤلاء أخذوا يتّبنون المقولات والممارسات التوسعّية الأوروبية وبلورتها في اتجاه برنامج عمل شامل لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والأصح لإقامة قاعدة متقدّمة للغرب الامبريالي الاستعماري تمزّق وحدة العرب والاسلام. وهكذا انتقلت الفكرة من التربة الأوروبية غير اليهودية (صهيونية الأغيار) إلى التربة اليهودية. وأخذ هؤلاء المنتفعون من المشروع الصهيوني في تحريك مشاعر اليهود وحثّهم على العمل من أجل العودة إلى فلسطين بالترّغيب والترّهيب منذ أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر حيث تأسّست حركة (أحباء صهيون) في روسيا وبولونيا ورومانيا من أجل تمويل تهجير اليهود إلى فلسطين ومساعدة الذين هاجروا منهم على الاستيطان هناك، ثم امتدتْ إلى أوروبا الغربية وخاصة بريطانية. ([16])

======================
[1] -البُعد الدولي للقضية الفلسطينية -الدكتور محمد عزيز شكري- الموسوعة الفلسطينية - المجلد السادس القسم الثاني - الطبعة الأولى-بيروت 1990.ص8
[2] -الأحزاب الإسرائلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني - حبيب قهوجي - مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى 1986-ص7
[3] -التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -خالد عايد- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني- المجلد السادس الطبعة الأولى- بيروت 1990- ص535-536
[4] -استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة -حبيب قهوجي- إصدار منشورات الطلائع -دائرة الإعلام بالتعاون مع مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى 1978ص18
[5] -استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة . باشراف حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية الطبعة الأولى 1978ص18.
[6] -نفس المصدرص17
[7] -الأحزاب الإسرائليية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى 1986ص9-11
[8] -فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد -الدكتور معاوية إبراهيم-الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني -المجلد الثاني- الطبعة الأولى- بيروت 1990ص7-9
[9] -استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة -حبيب قهوجي-ص66-67
[10] -الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهّيوني -حبيب قهوجي-19
[11] -الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي19-21
[12] -نفس المصدر ص20-21
[13] -نفس المصدر ص17.
اليديشية لهجة من لهجات اللغة الألمانية تكثر فيها الكلمات العبرية والسلافية. وينطق بها اليهود في روسيا وبلدان أوروبا الوسطى وتكتب بأحرف عبرية.
[14] -الصهيونية -الدكتور عبد الوهاب المسيري- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني- المجلد السادس- الطبعة الأولى بيروت 1990ص238-239.
[15] -استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلّة -حبيب قهوجي-ص67
[16] -التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -خالد عايد- الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني - المجلد السادس- الطبعة الأولى - بيروت 1990-ص537.
يتبــــع>>>

[/align]




مازن شما 12 / 02 / 2009 26 : 11 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
تتمة: الباب الثالث - ((الصهيونية والدين اليهودي))

الفصل الأوّل

*نشأة الصهيونية:

الصهيونية اليهودّية

خلال التحرك الصهيوني الغربي المكثّف للاستفادة من اليهود في تحقيق الأهداف التوسعية والاستغلالية لعب الأثرياء اليهود المستفيدين والمتأثرين بالأفكار الاستعمارية الأوروبية دوراً هاماً في التحضير لبلورة الحركة الصهيونية، ونقلها من مجرد أفكار وطروحات إلى حركة منظمة سياسية يقودها الأثرياء والحاخامون اليهود، المتشبعون بالأفكار التوسعية والنفعيّة، وهذا ما كان صهاينة الغرب يرغبون به.
كان هناك روادّ يهود بحثوا قضية العودة وتحدّثوا عن الدولة اليهودية ودعوا إلى إحياء أرض إسرائيل. وهؤلاء الرّواد كانوا متأثرين بالأفكار الاستعمارية، ومصلحتهم تقتضي العمل على الاستفادة من العناصر اليهودية المنتشرة في أكثر بلدان العالم، وتحديداً يهود شرق أوروبا الذين كانوا في وضع اقتصادي سّييء. حيث كانوا يتعرضون لعمليات الاضطهاد السياسي والتضييق الاقتصادي.
يُعتبر البريطاني اليهودي الثّري (موسى مونتغيوري) أول من أبدى اهتماماً ملموساً في فلسطين، حيث زارها سبع مرات في الفترة مابين 1827-1875-قدّم مساعدات مالية، وبنى مدارس وعيادات واستأجر أراضيٍ زراعية ليعمل فيها اليهود، وبنى مساكن شعبية سنة 1859 خارج أسوار مدينة القدس. وبحلول سنة 1892 أنشأ أيضاً /8/ ضواحي أخرى. ([1])
وأنشأ الأثرياء اليهود الفرنسيون سنة 1860 (الاتحاد اليهودي العالمي) الذي ساهم في مجال الاستعمار الزراعي، حيث أسّس سنة 1870 أوّل مدرسة زراعية يهوّدية في فلسطين باسم (مكفيه يسرائيل). أي (رجاء اسرائيل). وذلك على مساحة قدرها (2600دونم) تابعة لقرية (يازور). بالقرب من يافا، وقام بتمويل المشروع البارون "روتشليد" والبارون "هيرش"([2])
وكان من أوائل اليهود الذين نادوا بإقامة دولة يهودية في فلسطين الحاخام (يهودا القلعي) 1798-1878، حيث نشر كتاباً دعا فيه اليهود إلى بذل نشاط خاص لاعادتهم إلى فلسطين وإحياء لغتهم المقدّسة. وقد اعتبر عودة اليهود الجماعية بداية الخلاص الذي وعد به جميع الأنبياء، وأشار إلى أنّ المسيح سيظهر بين المهاجرين الرّواد. ([3])
وأصدر اليهودي الصهيوني (تشفي هيرش كاليشر) 1795-1874كتاباً بعنوان: "البحث عن صهيون " بالعبرية سنة 1862. أكدّ فيه أنّ الخلاص لا يحتاج إلى مجيء المسيح، ودعا إلى عقد مؤتمر للأثرياء اليهود بهدف تأسيس جمعية لاستيطان أرض إسرائيل، تقوم بعملية تمويل الاستيطان اليهودي لفلسطين. ودعا الفقراء اليهود للمبادرة إلى استيطان فلسطين، وقد ساهم كاليشر في تأسيس جمعية استيطانية يهودية في فرانكفورت وأُخرى في برلين 1864(جمعية استعمار أرض إسرائيل).([4])
كما أصدر اليهودي (موسى هس) سنة 1862 كتاباً باللغة الألمانية أسماه "بعث إسرائيل" دعا فيه إلى قومية يهودية لتحرير القدس وعودة اليهود إلى وطنهم القديم، وإقامة المستوطنات في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين تحت الحماية الفرنسية. وفي هذا يقول: "إنّ الأمم المسيحية لن تعارض إطلاقاً إنشاء وطن لليهود في فلسطين ، طالما أنّ ذلك يضمن لها التخلص من شعب غريبٍ شاذ يسبب لها المشاكل الكثيرة. إنّ من مصلحة فرنسا أن يستوطن الطريق التجاري المؤدي إلى الهند والصين شعب موال تماماً لمصالحها الاقتصادية والحضارية، وستكون فرنسا صديقتنا المخلصة التي ستعيد لشعبنا مكانته في تاريخ العالم. ([5])
ثم صدر كتاب لليهودي الصهيوني (ليوبنسكر) سنة 1882 بعنوان "التحرر الذاتي" دعا فيه إلى إقامة الأدوات التنفيذية المباشرة لبناء الوطن القومي لليهود . مع الإشارة إلى أنّ ليوبنسكر كان في بداية حياته من أنصار الاندماج في المجتمعات الأوروبية. ولكن بعد زيارة قام بها إلى لندن تنّكر لفكرة الاندماج تلبية لرغبة البرجوازية اليهودية في دول أوروبا الغربية، وقد انتخب بنسكر سنة 1884 رئيساً لحركة "أحباء صهيون"(.[6])
ومن بين الرّواد الأوائل أيضاً اليهودي (بيريز سمولينسكين) 1843-1885 الذي كرّس جهده للدعوة إلى بعث القومية اليهودية، فكتب مقالات متعددة تشير إلى ضرورة عودة اليهود إلى وطنهم القديم وحلّ المسألة اليهودية، داعياً إلى بعث القومية اليهودية في أرض الشتات بإقامة منظّمة يهودية عالمية وتوسيع قاعدة الثقافية اليهودية للأبناء على أمل الخلاص لليهود. واعتبر بيريز دعوة الاندماج انحرافاً وخيانة للتراث اليهودي، مؤكداً علىأنّه بدون العبرية لا وجود للتوراة وبدون التوراة لا وجود لشعب إسرائيل، ولقد انضمّ إلى حركة أحباء صهيون.([7])
وظهر أيضاً في هذه المرحلة اليهودي "موشيه ليلينلوم" 1843-1910، الذي دعا إلى هجرة اليهود الروّس إلى فلسطين لإقامة المستوطنات فيها تمهيداً لإقامة دولة يهودية. وفي عام 1884. جمع مقالاته وأعاد طباعتها ونشرها في كرّاس دعا فيه إلى بعث الشعب اليهودي في أرض أجداده المقدّسة، وقد انضّم إلى حركة أحباء صهيون وأصبح عضواً في لجنتها التنفيذية ونشط في دعم وتطوير مستوطناتها في فلسطين.([8])
كما كان من هؤلاء الرّواد "أليعازر بن يهودا" 1858-1922 وهو يهودي روسي تبنىّ الحل ّ القومي للمسألة اليهودية بإعلانه أنّ اليهود ظلّوا يشكّلون وحدة قومية متكاملة بفضل ديانتهم وعزلتهم ، ودعا إلى إنشاء جمعية استيطان يهودية لشراء أرض فلسطين لتوطين اليهود فيها. ([9])
نتيجة لهذا النشاط الفعّال الذي مارسه هؤلاء الرّواد اليهود من خلال كتاباتهم الكثيرة وجولاتهم المستمرة التي تستهدف الحثّ على العودة إلى فلسطين والتمّسك بالعزلة ، وضرورة بعث القومية اليهودية، ظهر عدد من المفكرين اليهود الجدد، رفدوا التّيار الأقدم ونشطوا في إبراز الجوانب النفعية لمشروع العودة والاستيطان، وقد أخذوا على عاتقهم مهّمة السعي المستمر لزرع الأفكار الصهيونية في عقول العناصر اليهودية ودفعها إلى الإنخراط في الحركة الصهيونية السياسية التي عقدتْ مؤتمرها الأول سنة 1897في مدينة بازل بسويسرا. فكان (آحاد هاعام) 1856-1927من أبرز هؤلاء الجدد، وهو يهودي روسي ومن أهم مفكرّي الصهيونية الثقافية الروحية، وقد دعا اليهود أن يعودوا إلى طبيعتهم السابقة . وإنجاز هذا الهدف بعودة اليهود مرّة أخرى كشعب عضوي باعتبار أنّهم كانوا كذلك عبر تاريخهم ويؤكد آحاد هاعام أنّ العقيدة اليهودية هي التي خلقتْ الاطار الفكري والرمزي الذي جعل بوسع اليهود أن يحتفظوا بوحدتهم العضوية وتماسكهم الإثني عبر القرون. ويرى أن اليهودية دين يؤكد أهمية العقل والجماعة، والدين عنده ليس سوى شكل من أشكال التعبير عن الرّوح القومية الأزلية.
وقد اقترح آحاد هاعام إنشاء مركز ثقافي في فلسطين تستطيع الهّوية اليهودية أن تنمو وتستمر من خلاله، وسيصبح هذا المركز بمرور الزّمن مركزاً للأمّة تستطيع ورحها أن تظهر فيه، وتتطور من خلاله لتصل إلى أعلى درجات الكمال التي بوسعها الوصول إليها ، وستشّع من هذا المركز الرّوح القومية اليهودية (العضوية) على أعضاء الأقليات في العالم، فتبعث فيهم حياة جديدة تقوّي وعيهم القومي وتوطّد أواصر الوحدة بينهم." ([10])
كما صاغ آحاد هاعام دعوته الصهيونية في مقالته "طريق الحياة" التي استعرض فيها ظروف اليهود في العصر الحديث، واستخلص منها أنّ الموت والاندثار أصبحا يهدّدان الشعب اليهودي بالذوبان التام في المجتمع المعاصر، وبمحازاة هذا الطريق هناك طريق ثانٍ هو طريق الحياة الذي يضمن لليهود البقاء عبر بناء بيت جديد في أرضهم القديمة تركّز فيه كل الطاقات الرّوحية والمادّية لاعادة بعث هذا الشعب." ([11])
أمّا المؤسّس الحقيقي للصهيونية اليهودية السياسية فهو (تيودور هرتزل) 1860-1904، الذي كان منهجه يكمن في توظيف اليهود لحلّ مشاكل الغرب والنظر إلى المسألة اليهودية كمشكلة سياسية دولية (غربية) تجتمع كل الأمم المتحضّرة أي الغربية لمناقشتها وإيجاد حلّ لها، والحلّ هو ببساطة "الخروج" كالخروج من مصر. لكن هذه المرّة سيتّم بمراقبة الرأي العام الغربي وبمعاونة صادقة من الحكومات المعنّية."([12])
لقد دعا هرتزل إلى هجرة يهودية علنية بمساعدة دولة أوروبية كبرى معتمداً على فقراء اليهود الذين يشكلّون قوة عاملة رخيصة، مشجعاً البرجوازية اليهودية على الهجرة ، لأنّها ستجد في الوطن الجديد مجالاً لممارسة حرّيتها بعيدة عن منافسة البرجوازية الأوروبية."([13])
ويعتبر كتاب هرتزل "دولة اليهود" الذي صدر سنة 1896 ذا أثرٍ كبير في تشكّل الحركة الصهيونية الحديثة وتطورها وقبل أن ينشر كتابه قام بنشاط فعّال التقى خلاله شخصيات يهودية ثريّة بحث معها مشروع الدولة اليهودية ، مثل المليونير الشهير البارون (هيرش) كما التقى مع عدد من القادة البريطانيين الصهيونيين في لندن سنة 1895، منهم (صموئيل منونتامو) الثري اليهودي والنائب في مجلس العموم عن حزب الأحرار، ودوّن إثر لقائه معه بعض الأفكار المتعلّقة بفلسطين الكبرى بدل القديمة. وحاول مراراً الاتصال بالسلطان العثماني لحثّه على منح اليهود فلسطين وفي هذا قال: "إذا منحنا جلالة السلطان العثماني فلسطين يمكننا بالمقابل تنظيم مالية تركيا بأكملها، وسنشكّل هناك جزءاً من متراس أوروبا باتجاه آسيا وقاعدة أمامية للمدنية ضدّ البربرية. وسنظل كدولة محايدة على اتصال مع أوروبا كلّها التي يتعيّن عليها أن تضمن وجودنا." ([14])
لقد قاد هرتزل المنظمة الصهيونية باتجاه نوعين رئيسيين من النشاط "بناء المؤسسات الصهيونية المختلفة الضرورية لوضع الأفكار الصهيونية التوسعية موضع الممارسة" و"إجراء الاتصالات مع كبار المسؤولين في الامبراطوريات القائمة بهدف الحصول من إحداها على الدعم الكامل لمشروع استعمار واستيطان فلسطين وإقامة الدولة اليهودية ."(.[15])
نتيجة لهذه الجهود المكثفّة التي قام بها هرتزل، تمّ عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا سنة 1897. وقد حدّد المؤتمر هدف الصهيونية الأساسي وهو: "إقامة وطن لليهود في أرض إسرائيل معترفاً به وفقاً للقانون العام وذلك عن طريق إجراءات أولها "تطوير أرض إسرائيل بشكل منظّم بواسطة توطينها باليهود المزارعين والحرفيين والمهنيين." كما قرّر المؤتمر إنشاء المنظمة الصهونية العالمية، وأقرّ لوائحها التنظيمية وانتخب هرتزل رئيساً لها وللجنتها التنفيذية .([16])
لقد انخرط في الحركة الصهيونية تيارات صهيونية متعدّدة، دون أنّ يكون لهذا التعدّد أيّ تأثير على الأهداف الجوهرية المتمثلّة بإنشاء الدولة اليهودية، العميلة الموالية للغرب. فكلّها كانت تسعى لحلّ المسألة اليهودية ولو على حساب اليهود أنفسهم، وجميعها كانت استجابة للممارسات الاستعمارية الغربية، وكان التّيار الديني أشدّ التّيارات رغبة في تغليف الأطماع التوسعية بالنّصوص التوراتية والتفسيرات المعطاة لهذه النصوص. وقد عبرّ عن وجهة نظر التّيار الديني داخل الحركة الصهيونية الحاخام (صموئيل هليل إيزاكس) 1825-1917الذي كتب عن الحدود الصحيحة للأرض المقدّسة، وعن وجود دلائل تبشّرُ بإقتراب رجوع جزئي لليهود إلى الأرض المقدّسة في مستقبل قريب منها: "نشوء الحكم الدستوري -الاهتمام المتزايد بالأرض المقدّسة- ازدياد خطورة المسألة اليهودية -تعاظم الحركة الصهيونية". أمّا أرض الميعاد فيحدّدها بالاعتماد على سفر العدد الاصحاح الرابع والعشرون -الآيات من /1-12/ باعتبار تلك الحدود منحة أعطاها الرّبّ ميراثاً لليهود. ([17])
وكانت هناك تيارات واتجاهات تدعو إلى التركيز على فلسطين الكبرى أو فلسطين والبلدان المجاورة. وكان يمثلّ هذا التّيار (ديفيز تريتش) 1870-1935 الذي عالج هذا الموضوع مع هرتزل، ليُصار إلى تضمين برنامج بازل عبارة (فلسطين الكبرى، أو فلسطين والبلدان المجاورة لها."([18])
كما ظهرت تيارات أخرى متعددة منها التّيار الاقليمي الذي كان يتزعمّه (إسرائيل زانغويل) 1864-1929 وكانت أهدافه استيطانية استعمارية شأنه شأن كلّ التّيارات الصهيونية.([19])
واعتباراً من المؤتمر الصهيوني الثامن 1907 تبلور نوع من الفكر الهجين الصهيوني يجمع بين التّيارات المختلفة لخدمة المشروع الصهيوني حيث أطلق شعار (الصهيونية المركّبة) الذي أطلقه (حاييم وايزمن) الذي تزّعم المنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى وأقام حلفاً مع بريطانيا لأقامة ما اعتبره (ونستون تشرشل) دولة عازلة من النمط الأوروبي في فلسطين من أجل الحفاظ على الوجود البريطاني في الشرق الأوسط عامة ومنطقة قناة السوّيس خاصّة.([20])

qq

===========================
[1] -التوسعية الصهيونية -خالد عايد- الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني المجلد السادس -الطبعة الأولى - بيروت 1990ص537.
[2] -نفس المصدر 538-539
[3]-التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -خالد عايد- الموسوعة الفلسطينة -القسم الثاني - المجلد السادس. الطبعة الأولى- بيروت 1990-ص539.
[4] -نفس المصمدر ص541 وانظراً أيضاً "الأطماع الصهيونية في القدس، تأليف عبد العزيز محمد عوض - الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد السادس ص845
[5] -نفس المصدر /عوض/ 846.
[6] -نفس المصدر /عوض/ 846
[7] -الأطماع الصهيونية في القدس -عبد العزيز محمد عوض -الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني -المجلد السادس الطبعة الأولى -بيروت 1990ص847
[8] -نفس المصدر ص846-847
[9] -نفس المصدر ص846-847
[10] -الصهيونية -د.عبد الوهاب محمد المسيري -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد السادس -ص257
[11] -الصهيونية والّلاصهيونية -خالد القشطيني- الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني المجلد السادس ص775
[12] -الصهيونية -د. عبد الوهاب محمد المسيري- الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني -المجلد السادس ص261-262
[13] -نفس المصدر من 261-262. وانظر أيضاً التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -خالد عايد -الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني -المجلد السادس -ص544
[14] -الصهيونية د. عبد الوهاب المسيري -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني المجلد السادس -ص261-262وانظر أيضاً -التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى - خالد عايد - الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني المجلد السادس -ص544
[15] -نفس المصدر -خالد عايد -ص542-544
[16] -نفس المصدر -خالد عايد -ص547-549
[17] -التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -خالد عايد - الموسوعة الفلسطينية - القسم الثاني - المجلد السادس - الطبعة الأولى بيروت 1990. ص547-549
[18] -نفس المصدر ص 548
[19] نفس المصدر ص 549-550
[20] -نفس المصدر ص 549-550
[align=center]يتبــــع>>>[/align]
[/align]

مازن شما 14 / 02 / 2009 02 : 07 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]تتمة: الباب الثالث - ((الصهيونية والدين اليهودي))[/align][align=justify]

الفصل الثاني

الصهيونية وتوظيف الدين اليهودي:

يرد في الكتب والتعاليم الدينية اليهودية إشارات متعدّدة عن "أرض الميعاد وجبل صهيون، والأرض المقدّسة، والمسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزّمان ويقود شعبه إلى أرضه، ويقيم مملكته ويحكم العالم. إلخ."

إنّ كلمة (صهيون) لها وقعها الخاص وإيماءاتها الدينية، فهي تشير إلى جبل صهيون والقدس والأرض المقدّسة ككل، ويشير اليهود أنفسهم باعتبارهم بنت صهيون. كما تستخدم للاشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والعودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، فالمسيح (المخلّص) سيأتي في إخر الزمان ليقود شعبه (اليهود حصراً) إلى صهيون.. ولكلمة صهيون أيضاً ايحاءات شعرية في الوجدان الديني اليهودي، وقد وردتْ إشارات كثيرة في التوراة إلى هذا الارتباط الذي يطلق عليه عادة (حبّ صهيون) . وهو حبٌ يعبّر عن نفسه خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة. ([1])

كما ترد أفكار عن الزرع المقدّس والاختيار والتفوق والعزلة والعدوان والتوّجس من الأغيار وغيره مما ورد ذكره في فصل محتوى التعاليم الدينية اليهودية وكان اليهود في مناطقهم المعزولة (الغيتوات) يعيشون في جوّ مشبع بهذه التعاليم الضيّقة، وداخل الأحياء المعزولة هذه. يجدون كلّ أسباب التعّلق بهذه التعاليم كالمعابد والمدارس الخاصة الدينية، والمقابر والطقوس والأزياء الخاصّة والشعور المزروع في عقولهم الباطنة بأنّهم الزّرع المقدّس والشعب المختار وبأنّهم أحفاد إبراهيم وداود ويشوع وسليمان وغيرهم. وقد كان لحاخاماتهم الدور الأكبر في تكريس هذه المفاهيم الميتولوجية وتقوية الشعور بأنّ العزلة ركنٌ من أركان الديانة وبالتالي من أركان الايمان.

لقد رأى زعماء الصهيونية ضرورة المزاوجة بين (الصهيونية-اليهودية) لخلق حافز ديني روحي يقف خلف النشاطات التي تقوم بها الحركة، ويساهم في دفع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم شعرت بحاجتها إلى توظيف الدّين اليهودي لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية الذين كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن ظروف يهود أوروبا الشرقية الذين تعرّضوا لعمليات اضطهاد سياسي وعدم استقرار اجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولهذا كان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة " باستثمار المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد القياصرة والحكام والعمل على إذكائها، بل وافتعالها لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تنفيذاً للمخطط الاستعماري. ([2])

كان واضحاً لقيادة الحركة الصهيونية أنّ استمالة رجال الدّين يسهل على الحركة استخدام العامل الديني كوسيلة للترويج لأسطورة "الأمّة اليهودية" وإزالة الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وذلك لخلق رأي عام مؤيد لأهداف المشروع الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا تحت شعارات "العودة إلى صهيون وأرض الميعاد، والحقّ التاريخي والديني " في إنشاء "الدولة اليهودية في أرض إسرائيل التاريخية". لهذا عمدت القيادة الصهيونية إلى خلق حركة دينية صهيونية أسمتها حركة (مزراحي) سنة 1902يقودها عدد من الحاخامين في روسيا. برئاسة الحاخام (يعقوب رينز) لغزو الحركات الدينية المعارضة للفكرة الصهيونية، والتسلّل إلى صفوفها وصَرْفهَا عن توجهاتها ثمّ إحداث انقلاب داخلي يطوّعها للحركة الصهيونية وأهدافها، وفي نفس الوقت تحت دعوى الخشية من سيطرة التعليم العلماني والمفاهيم القومية العلمانية على الجانب الديني والرّوحي الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الديانة اليهودية فقد كانت هناك تيارات دينية معارضة للصهيوّنية ترى بأنّ العودة إلى صهيون هي عودة روحية تتمّ بإرادة إلهّية، وإنّ أي جهدٍ بشريّ يُبذلُ لهذه الغاية هو ضربٌ من الالحاد والمخالفة للارادة الالهيّة.

لقد طرحت حركة (مزراحي) الدينية الصهيونية أفكاراً مثل (البعث القومي لشعب إسرائيل، والالتزام بالتوراة والتعليم الديني والتراث اليهودي" وكان شعار الحركة الأساسي "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفق شريعة إسرائيل" وكانت المادة البشرية لها من يهود شرق أوروبا.([3])

كان من مهمات حركة (مزراحي) الدينية " الحثّ على الإلتزام بالتوراة وتنفيذ الوصايا، والعودة إلى أرض الآباء، ونشر الكتابات الدينية القومية، وتربية الناشئة بهذه الرّوح، وزرع المقولة الصهيونية التي تؤكدّ إمكانية الدمج بين اليهودية كدين تؤمن به جاليات يهودية من قوميات مختلفة. وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. وتفريغ الإنسان من كلّ ما يربطه بوطنه الأصلي وقوميته وتهيئته للهجرة إلى فلسطين بعد تطويقه بأسس العزلة والحصار. ([4])

استطاعت هذه الحركة أن تنشئ لها /210/ فروع في روسيا وحدها. وفي عام 1905 عقد المؤتمر الدّولي لحركة (مزراحي) في "بوزني" بهنكارية تمّ فيه وضع البرنامج الداخلي للمنظمة وكانت أهم بنود البرنامج الذي أقرّه المؤتمر:

-إنّ مزراحي منظمّة صهيونية تقوم على برنامج بازل وتعمل لإعادة بعث شعب إسرائيل. وهي تعتبر أنّ وجود الشعب اليهودي يعتمد على اتباع تعاليم التوراة وعلى إنجاز الوصايا والعودة إلى أرض الآباء.

-ستبقى مزراحي ضمن المنظمة الصهيونية العالمية ، وستعمل من خلالها لتحقيق وجهات نظرها ورؤياها الخاصّة، وهي تنشئ منظمتها من أجل إدارة نشاطاتها الثقافية والدينية.

-ستكون وسيلة مزراحي للوصول إلى أهدافها، شرح أفكارها في حلقاتها الدينية، وخلق ونشر أدب وطني ديني وتثقيف الشباب بروحيّته.([5])

أنشأت حركة مزراحي عدّة فروع لها في فلسطين وبنت مدرسة "تحكموني" الدينية في يافا والتي أصبحت أهم مؤسسة ثقافية لمزراحي في فلسطين، كما أقامتْ العديد من المؤسسات الدّينية بواسطة فروعها المنتشرة في أكثر دول العالم، واعترفت الصهيونية بإشراف مزراحي على هذه المدارس ومسؤوليتها عن تنظيم المدارس الدينية واختيار المدّرسين الملائمين لها، وعن وضع مناهجها الخاصّة. وتمّ تأسيس دائرة مركزية للحركة في فلسطين من أجل تكثيف البرنامج العلمي لمزراحي، وخاصّة في مجال التعليم والثقافة وتنسيق ذلك العمل مع الجهود التي تبذلها الحركة في الخارج.([6])

وبعد الحرب العالمية الأولى وصدور وعد بلفور، عاودتْ مزراحي نشاطها وبكثافة في أوروبا حيث شرعتْ في تهجير اليهود إلى فلسطين، كما قامتْ بتأسيس فروع جديدة لها مع حركات شبابية في العديد من الأقطار، وأقامت شبكة من المدارس الدينية في بولندا وليتوانيا ولتفيا. وفي تلك الفترة بدأت مزراحي تلعب دوراً متزايداً في أوساط "اليشوف" اليهودي في فلسطين وفي هياكله التشريعية والتنفيذية. ([7])

وتمّ سنة 1922 تنظيم وإنشاء "عمّال مزراحي" في فلسطين، وهو تنظيم عمّال أنشئ بعد أن حملت موجة الهجرة الثالثة مجموعة من شباب مزراحي من بولندا، والذين أنشأوا ما يسمّى بجماعة "توراة هعفورا" أي التوراة والعمل. وقد تطورتْ هذه المجموعة إلى منظّمة "هبوعيل مزراحي" أي عمّال مزراحي حيث افتتحتْ فروعاً لها في يافا والقدس وبتاح تكفا وريشون لتسبون وكان برنامجها على النحو التالي:

- تسعى هبوعيل مزراحي إلى بناء البلد في انسجام مع تعاليم التوراة ومع التقاليد الدينية من خلال العمل.

-تستهدف هبوعيل مزراحي أن ينشأ أعضاؤها على أُسس مادّية وروحية ثابتة من أجل تطوير العاطفة الدينية عند العمال، وتمكينهم من العيش كعمّال متدّينين.([8])

هاتان المنظمتان "مزراحي وهبوعيل مزراحي" اتحدتا أخيراً ونتج عنهما "الحزب الوطني الديني" همفدال" عام 1956. وقد سعى هذا الحزب ومنذ السنوات الأولى لقيام الكيان الصهيوني إلى فرض سيطرته على الحياة الاجتماعية في إسرائيل. حيث مارس كل الضغوط من أجل الهيمنة الكاملة على الشؤون الدينية، وطالب باستمرار الإشراف على قضايا "السبت والأعياد الدينية، وربط قضايا الارث والطلاق باستمرار والزواج والحلال والحرام بالقوانين الدينية". وأيضاً ربط مختلف جوانب الحياة اليهودية بهذه القوانين، وقد أعطت سيطرة هذا الحزب على المؤسسات التربوية الدينية ونشاطاته الاستيطانية والاقتصادية المتنوعة له قوة ونفوذاً سياسيين جعلا الأحزاب الحاكمة في إسرائيل تحرص باستمرار على استرضائه وإشراكه في الحكم . ([9])

وحزب المفدال هذا، يؤكد باستمرار على ضرورة استناد التشريع الاسرائيلي إلى قانون "التوراة" وإلى "التراث اليهودي" ويرى في الحاخام الرئيسي أعلى سلطة في الدولة. وهذا الحزب أفرز العديد من الكتل والحركات الفاشية مثل "غوش أمونيم" وكاخ ، وهتحيا" وغيرها. التي تمارس الأعمال العدائية ضدّ السكان العرب وتدافع عن سياسة القبضة الحديدية، وتدعو باستمرار إلى استخدام القوّة في التعامل مع الدول العربية وإلى التمسّك بالأراضي المحتّلة باعتبارها أجزاء مقدّسة من أرض إسرائيل.([10])

في المؤتمر الثالث لحزب "المفدال" الذي انعقد عام 1968 أي بعد عام واحد على احتلال الضّفة الغربية وقطّاع غزة وسيناء والجولان كانت أبرز المقرّرات السياسية هي: "إنّ الحزب الوطني الديني يُقّيم الانجازات السياسية والأمنية التي حقّقها الجيل الحالي في أرض إسرائيل كبداية على طريق تحقيق الارادة الالهية ومن أجل التحرير الكامل للشعب اليهودي في أرض أجداده"

وفي المؤتمر الخامس الذي انعقد في أيار 1978 طالب هذا الحزب حكومة بيغن بتنفيذ مشروع استيطاني واسع الأبعاد في جميع أرجاء أرض إسرائيل بما في ذلك "الضفة الغربية، والجولان، وقطّاع غزّة" كما طالب بتحويل المستوطنات المؤقتة القائمة في الضّفة الغربية والجولان إلى مستوطنات دائمة. ([11])

إلى جانب حركة مزراحي الدينية الصهيونية كانت هناك حركة دينية أُخرى أكثر تطّرفاً وتشدّداً تدعى "أغودات يسرائيل" التي تأسّست عام 1912 في "كاتوتيز" في سيليسيا العليا، وكان برنامجها "توحيد شعب إسرائيل حسب تعاليم التوراة بجميع مظاهر الحياة، الاقتصادية والسياسية والرّوحية.". ثمّ بدأتْ هذه الحركة تتوسع في نشاطها منذ مطلع العشرينات، حيث انبثق عنها سنة 1922 حركة عمّالية في بولونيا دعيتْ "عمال أغودات يسرائيل" بهدف الحدّ من ميل العمال اليهود نحو الأفكار العلمية والاشتراكية. وفي عام 1937 برز التحوّل الجذري في مواقف هذه الحركة باتجاه الانسجام مع أهداف ومبادئ المنظمّة الصهيونية العالمية، فتحولت كلّياً من حركة توراتية مناوئة للصهيونية إلى حركة دينية مؤيده للصهيونية، ومنسجمة مع أهدافها، وغدتْ حركة عنصرية متزّمتة تلعب كغيرها من الحركات الدينية دوراً خطيراً في تربية الناشئة داخل الكيان الصهيوني على روح الكراهية والعنصرية ضد السكان العرب. ([12])

عند قيام الكيان الصهوني عام 1948تحوّلت حركة "أغودات يسرائيل" والفرع العمالي، إلى حزب سياسي صار يشارك في المجالس البلدية والمحلية ويسعى لفرض الشريعة التوراتية على الحياة العامّة في اسرائيل، وكانت معركته الأساسية في مجال التعليم، وقد استمرّ هذا الحزب يخوض الانتخابات ضمن الجبهة التوراتية حتى عام 1960 حيث انفصل عنه الفرع العمالي الذي أخذ يشارك في الحكومة الصهيونية.([13])

لقد ظهرت حركات دينية متطرفة كثيرة بعد قيام الكيان الصهيوني، انشقتْ عن الأحزاب الدينية، وهذه الحركات تلقى الدعم الكامل من الحركة الصهيونية نظراً لأنّها تتحرك ضمن إطار أهدافها ومشاريعها العدوانية والتوسعية.

فعن حزب "المفدال" انشّقتْ عام 1981 حركة "تامي" أي "تقاليد اسرائيل" وقد حصلت هذه الحركة على امتيازات في حكومة بيغن، التي تشكّلتْ بأغلبية بسيطة وبدعم الأحزاب الدينية ، وقد احتلّ زعيمها (أهرون أبو حصيرة منصب وزير الأديان، كما احتلّ الرّجل الثاني فيها (أهرون أوزان) منصب نائب وزير الاستيعاب.([14])

ثمّ ظهرت حركة جديدة عام 1984 تدعى "شاش" وقف على رأسها حاخامون منشقّون عن حزب "أغودات يسرائيل" وقد حصلتْ هذه الحركة على أربعة مقاعد في الكنيست أثناء انتخابات 1984. وخلال فترة تشكيل الحكوكة الاسرائيلية حصلت على حقيبة وزارة الداخلية بشخص الحاخام (يتسحاق بيرتش) .([15])

وخلال المعركة الانتخابية عام 1984 ظهرت حركة "موراشاه" أي "حرّاس التوراة" من تجّمع حركات دينية منشّقة تجمعها صفة التّطرف والتشدّد الديني منها: "حركة متسادا" المنشّقة عن حزب المفدال، وحركة "أوروت" التي يقودها (حنان بن بورت). ([16])

لقد نجحتْ الصهيونية في توظيف الدين اليهودي لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلّطية، بعد أن لمستْ تأثير التربية الدينية على عقلية النشء اليهودي. فاستغّلتْ التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدّسة، وهيكل الرّب وغيره.. وطرحتْ نفسها كحلّ بديل لما يسمّى بالمسألة اليهودية. فرفضت فكرة الاندماج بالشعوب رغم موافقتها على الخروج من قوقعة الغيتو، ورفعتْ فكرة الغيتو الدّولي الكبير في فلسطين العربية الذي يحقّق لها مصالحها الدائمة في استغلال خيرات الوطن العربي ومنع أيّة محاولة وحدوية عربية من شأنها الوقوف في وجه أطماعها التوسعية والاستعمارية..

qq
===============================
[1] -الصهيونية -الدكتور عبد الوهاب محمد المسيري - الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد السادس الطبعة الأولى -بيروت 1990ص231
[2] -الأحزاب الاسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص167-168
[3] -نفس المصدر ص50-54
[4] -الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي - مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص50-54
[5] -نفس المصدر ص 168-171
[6] -نفس المصدر ص 174-175
[7] -الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي- ص 174-175
[8] -نفس المصدر ص176-179
[9] -نفس المصدر ص 190-193
[10] -الأحزاب الإسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي- ص190-193
[11] -نفس المصمدر ص 192-193
[12] -نفس المصدر ص52-54
[13] -الأحزاب الاسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -حبيب قهوجي-ص197-200
[14] -نفس المصدر ص 200
[15] -نفس المصدر ص 204
[16] -نفس المصدر ص 204
يتبــــع>>>
[/align]

مازن شما 17 / 02 / 2009 53 : 08 PM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
[align=justify]
تتمة: الباب الثالث - ((الصهيونية والدين اليهودي))
الفصل الثالث
التعليم الصهيوني وأهدافه .

q بناء الشخصية اليهودية صهيونيّاً:
q استحضار التاريخ :
q تزييف الآثار العربية في فلسطين:


q بناء الشخصية اليهودية صهيونيّاً:
خلف شعار "الثقافة الوطنية الدينية" ومن خلال شبكة واسعة من المدارس الدينية والمؤسسات التعليمية التي انتشرت في الأوساط اليهودية في مختلف البلدان وفي الكيان الصهيوني تسعى الصهيونية لخلق جيل يهودي متعصّب منغلق نفسياً ودينياً مشارك للأوساط الصهيونية "العلمانية" الأخرى في تنفيذ المشروع الاستيطاني وترجمة الأفكار الغيبية المثيولوجية إلى واقع.
إنّها تنمّي الشخصية اليهودية على العدوان والتسلّط واحتقار الأغيار والعمل على التمسّك بالأرض باعتبارها أرض الأجداد التي ورّثهم إيّاها الاله شخصياً، وذلك من خلال المناهج التعليمية الدينية والمدنية في المدارس والمعاهد والمؤسسات الدينية المنتشرة في كلّ مكان. وتلعب الحركات الدينية الصهيونية دوراً بارزاً وهاماً في عملية التربية والتعليم الديني. وفي الحياة السياسية والاجتماعية الداخلية في إسرائيل الآن.
الدراسة الدينية تحتلّ مكاناً بارزاً في مناهج التعليم عموماً. وكثير من الموضوعات التي تعالج تحت أسماء مختلفة "كالوطن والتاريخ والجغرافية واللغة العبرية" تدرس من الزّاوية الدينية، وتؤكّد هذه المناهج على تنمية الوعي والحسّ اليهودي لدى الأطفال بقصد زيادة التركيز على صلة الطالب اليهودي بتراثه القديم من خلال دراسته الدينية.
ويتمّ التركيز في هذه المناهج على زرع الأفكار الدينية في عقول الناشئة لتبرير وجود رابطة دينية بينهم وبين أرض فلسطين ممّا يعطيهم الحقّ في بناء دولة لهم فيها، ويروجوّن أنّ إقامة دولة يهودية في فلسطين هو تحقيق لما جاء في التوراة فالرّب قد اختار الشعب اليهودي واختار الأرض. وما دام هذا الاختيار إلهّياً فإنّه يعطي امتيازاً للأرض وللشعب الموعود بها أيضاً. وبذلك تكون أرض إسرائيل مخصّصة لبني إسرائيل وحدهم دون غيرهم.( [1])
كما يتمّ التركيز أيضاً على أنّ الحياة اليهودية في فلسطين لم تنقطع منذ أيام الرّومان إلى العصور الحديثة. وأنّ دولة إسرائيل هذه أُنشئت في بلادٍ قطنها المحتلّون والغزاة العرب طوال /1300/سنة . وأنّ عودة المهّجرين اليهود من كافة أنحاء العالم وتوطينهم في فلسطين تحت ستار العودة إلى أرض الوطن التاريخي ليس باعتبارهم غرباء عن هذه الأرض بل باعتبارهم سكّانها الأصليين الذين ظلّوا بعيدين عنها طوال العهود السابقة.([2])
وفي كتاب "التعليم في إسرائيل" للدكتور منير بشور وخالد مصطفى الشيخ يوسف. نجد تفصيلات عن هذه المناهج والمواد التي تدّرس في المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية والدراسات العليا في المنهجين المدني والديني والسّاعات المقرّرة لكل موضوع، ونأخذ مثالاً على ذلك "منهاج المدرسة الإبتدائية الدينية والمدنية:


الصف الأوّل (بنوعيه الديني والمدني)
الموضوع........................................... ......................... الساعات المقرّرة
- اللغة: وتشمل (قصص التوراة، معرفة البلاد، الصحّة، الصلاة والشرائع الدينية..... 10-12
- الفن والحرف................... 6-8
- الحساب.......................... 4
- الرياضة والألعاب............. 2

الصّف الثاني :

التعليم المدني.
الموضوع................... الساعات المقرّرة
-التوراة................................5
اللغة، معرفة البلاد الطبيعية.......6
-الفن والحرف........................5
-الحساب...............................4
-الرياضة والألعاب...................2
-النشاطات الاجتماعية..............2

التعليم الديني
الموضوع................ الساعات المقرّرة
التوراة والصلوات .................11
-اللغة- معرفة البلاد الطبيعية.....4
-الفن..................................3
-الحساب..............................4
-الألعاب...............................2

الصّف الثالث

التعليم المدني
الموضوع......................السّاعات المقرّرة
-التوراة والهاغادا.....................4
-اللغة العبرية..........................5
-الطبيعة ومعرفة البلاد...............2
-الحساب................................4
-الرياضة والألعاب....................2
-الحرف.................................2
-الزراعة...............................2
-الفنون.................................1
-الموسيقى.............................1
-النشاطات الاجتماعية...............1

التعليم الديني
الموضوع......................السّاعات المقرّرة
-التوراة والأحاديث الدينية..........7
-اللغة العبرية.........................3
-الطبيعة ومعرفة البلاد..............2
-الحساب...............................3
-الرياضة والألعاب...................2
-الفنون والحرب: للبنات............3
-للصبيان...............................2
-الصلوات والشرائع: للبنات.......4
-للصبيان...............................5
-الزراعة...............................2

الصّف الرابع

التعليم المدني
الموضوع.................الساعات المقرّرة
-التوراة والهاغادا...................5
-اللغة العبرية.........................5
-الطبيعة ومعرفة البلاد.............3
-الحساب...............................4
-الرياضة والألعاب...................2
-الحرف................................2
-الفن والموسيقى....................2
-النشاطات الاجتماعية..............1


التعليم الديني
الموضوع........................الساعات المقرّرة
-الصلوات والشريعة اللغوية.......6
-اللغة العبرية.........................3
-الطبيعة ومعرفة البلاد..............2
-الحساب...............................3
-الرياضة والألعاب...................1
-الحرف................................1
-الموسيقا..............................1
-الفن....................................1
-التوراة.................................6
-الزراعة...............................2

وينطبق هدف التعليم الرسمي الاسرائيلي الذي حدّده قانون التعليم الرّسمي على التعليم العربي أيضاً ليبتعد المواطن العربي عن ثقافته وتنمحي هويته وشخصيته. فمنهاج التاريخ الذي يبدأ منذ الصّف الخامس يشتمل على الموضوعات التالية:
-تطوير الحياة في الشرقين الأدنى والأوسط.. خمس حصص.
-العبرانيون، عشر حصص
-الامبراطورية الفارسية ثلاث حصص
-الجزيرة العربية، خمس حصص
-اليونان، سبع حصص.
كما تدرسّ بقية موضوعات المنهاج من زاوية علاقتها باليهود في فلسطين فمثلاً، في دراسة تاريخ الجزيرة العربية القديم، يركّز المنهاج على انتشار المستوطنات المزدهرة اليهودية في الجزيرة ولا سيّما في الجنوب كاليمن وحضرموت والحجاز وبنو قريظة وبنو قينقّاع وخيبر ووادي القرى ويثرب أو المدينة المنوّرة، ثمّ يهود الحميريين ويوسف ذو نواس . ([3])
أمّا في دراسة الأمبراطورية الفارسية فيجري التركيز على "كورش" وتصريحه لليهود بالعودة إلى إسرائيل ثم بناء الهيكل الثاني. وفي دراسة اليونان يركز المنهاج على مقاومة اليهود في إسرائيل لانتشار الديانة اليونانية بينهم، ثورتهم على اليونان، المكابيون. يهودا المكابي وانتصاراته إلخ. أي أنّ تاريخ الصف الخامس يدور حول العبرانيين، ويهدف إلى ترسيخ الاعتقاد أنّ فلسطين بلد يهودّي منذ القديم. ([4])
وفي منهاج التاريخ للصف السادس يكّون التاريخ الاسلامي 56% من مقرّر التاريخ، لكن يتمّ التركيز في هذا المنهاج على الخلافات في التاريخ الاسلامي بين علي ومعاوية والخلافات بين الفرق الدينية والصراع بين الأمويين والعباسيين كما يفرد المنهاج فصلاً لما يسّميه بالجهود اليهودية في الحضارة الاسلامية مثل التعاون بين اليهود وبين العرب في المجالات السياسية والثقافية ولا سيّما في الأندلس وفي مصر الفاطمية، والأمويين، وموسى بن ميمون وشلومو بن جبيرول.([5])
وفي التطرق إلى الرومان والبيزنطيين يركّز على الشخصية اليهودية في فلسطين متجاهلاً الشعوب الأخرى هناك. فتجسّم ثورات اليهود ضد الرومان والبيزنطيين بشكل بارز لإعطائهم صفة الشعب الحيّ المقاوم للغزو الحضاري. ([6])
أمّا في كتب الاجتماعيات المقرّرة للطلاب العرب في المرحلة الالزامية فتبرز سياسة التهويد تماماً. هذه السياسة تقوم على إيهام الطالب العربي بأنّ فلسطين أرض يهودية منذ القدم، والعمل على طمس معالم عروبتها، وتظهر هذه الناحية في جميع مواد المنهاج وتعبّر عنها كتب الاجتماعيات بعدّة طرق منها :
-استبدال جميع أسماء الأماكن والأنهار بأسماء عبرية مثل "صفات بدلاً من صفد، وبيت شأن بدلاً من بيسان ووادي هبور بدلاً من وادي غزّة وجبال يهوذا بدلاً من جبال القدس والخليل".
-محاولة إظهار علاقة تاريخية بين الأماكن الجغرافية في فلسطين وبين العبرانيين.
-توجيه الطلاب لما يوهم بأنّ فلسطين يهودية منذ القدم والشعوب الرومانية والبيزنطية والفرس والعرب هم غزاة .
وتقوم أيضاً هذه السياسة على تهيئة نفسية الطلاب العرب لنوايا اسرائيل التوسعية وإيهامهم بأنّ هذا التوّسع أمرّ طبيعي، كما تسعى للحطّ من شأن العرب اجتماعياً واقتصادياً وإظهار تأخرهم ، وإضعاف ثقة الطالب العربي بنفسه وبقومه. وتصوير التاريخ العربي وكأنّه عمليات غزو وقرصنة للبلدان التي احتلوها والتأكيد على الخلافات بين الخلفاء والأمراء والشعوب والطوائف المختلفة.([7])
إنّ فلسفة التعليم الصهيوني قد بنيتْ أصلاً على تلقين التراث الديني اليهودي وإفهام الطلاب بأنّ الحضارة البشرية هي نتاج مشترك بجهود الشعب اليهودي. وقد عبرّ الكاتب اليهودي (موشيه مينوحين) الذي تخرّج من المدرسة الثانوية اليهودية الأولى "الجمنازيوم" عن الرّوح التي تبثّها المدارس اليهودية قائلاً: "منذ أول سنوات دراستنا في الجمنازيوم. كنا نتلّقى يومياً خطباً لا تنتهي عن واجباتنا المقدّسة نحو أمتنا وبلادنا وأرض آبائنا وكان يقرع قلوبنا الفتّية أنّ أرض آبائنا يجب أن تخلص لنا نظيفة من الكفّار العرب وأنّه يجب أن تسخّر حياتنا لخدمة أرض آبائنا وللقتال من أجلها.". ([8])
==============================
[1] - جاء في كتاب أصدره الحاخام ميمون عام 1937 "وميمون هو أول وزير للشؤون الدينية في إسرائيل" إنّ الرباط بين إسرائيل وأرضها ليس كالرباط الذي يشدّ جميع الأمم إلى بلادها وأوطانها، فهو لدى تلك الأمم وفي أجلى مظاهره رباط سياسي علماني خارجي وعرضي مؤقت بينما الرباط القائم بين الشعب اليهودي وبلاده كناية عن سرّ خفي من القداسة". انظر قضية فلسطين في ضوء القانون الدولي .حسن الحليي
[2] -التعليم في إسرائيل -الدكتور منير بشور وخالد منير بشور وخالد مصطفى الشيخ يوسف -مركز الأبحاث. منظمة التحرير الفلسطينية.
الهاغادا: هي التراث الشعبي العبراني المسّتمد من التلمود.
[3] -التعليم في إسرائيل -الدكتور منير بشور وخالد مصطفى الشيخ يوسف. مركز الأبحاث منظمة التحرير الفلسطينية-ص101-104
[4] -نفس المصدر ص 206
[5] -نفس المصدر ص 208
[6] -التعليم في إسرائيل -الدكتور منير بشور وخالد مصطفى الشيخ يوسف. ص208
[7] -نفس المصدر 208-211
[8] -الفكر السياسي الفلسطيني بعد عام 1948 -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد الثالث الأستاذ الياس سحاب . الطبعة الأولى بيروت 1990ص614
يتبــــع>>>
[/align]

مازن شما 18 / 02 / 2009 59 : 12 AM

رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
 
تتمة: الباب الثالث - ((الصهيونية والدين اليهودي))
الفصل الثالث
التعليم الصهيوني وأهدافه .


q استحضار التاريخ :
[align=justify]
إنّ قادة إسرائيل يوجّهون المفهوم التاريخي بما يتفق وأهدافهم التي منها "وحدة الشعب اليهودي، وحفظ ذاتية الشعب اليهودي، والسيطرة الدائمة على الأرض العربية، ولهذا فهم يتسترون وراء التعاليم الدينية لتبرير سلوكهم ووجودهم. هذه التعاليم التي تحثهم على الاستعلاء والتوّجس من الأغيار. والانكماش، وتنّمي فيهم روح العدوان والتسّلط والتأكيد على الإرث الإلهي والأرض الموعودة والحق التاريخي والزرع المقدّس إلخ.
لهذا فهم يستحضرون التاريخ دوماً ويستشهدون بتراثهم الغيبي الميتولوجي في كل المناسبات. ويؤكدون على ضرورة تنفيذ كل ما جاء في التوراة، حتى أنّهم يعتبرون أي انتصار لهم هو تأكيد لماورد في التوراة.
في حديقة الحيوانات الواقعة في القسم الاسرائيلي من القدس تتواجد الحيوانات التي استّحقت شرف ذكرها في التوراة، فعلى كلّ لوحة عُلّقت على القفص كتب اسم الحيوان وإلى جانبه اقتباس مناسب من التوراة "تذكّر، تنّزه تعلّم" وفي كل مكان في إسرائيل يبرز الاقتباس التالي من التوراة: "هاهي أرضكم يا أبناء إسرائيل".
وقد اعتاد القادة الاسرائيليون في خطبهم وكلماتهم أن يستشهدوا بالتوراة، ففي خطاب على الطلبة والشبيبة ألقاه بن غوريون يقول فيه: "إنّ خريطة اسرائيل ليست بخريطة بلادنا. لدينا خريطة أخرى وعليكم أنتم طلبة وشبيبة المدارس اليهودية أن تجسّدوها في الحياة وعلى الأمّة اليهودية أن توّسع رقعتها من الفرات إلى النيل."
وأكدّ بن غوريون مرات كثيرة قائلاً: "ليفهم الجميع بأنّ إسرائيل قامتْ عن طريق الحرب. وسوف لن ترضى بتلك الحدود التي وصلت إليها ، وسوف تمتدّ الامبراطورية الاسرائيلية من الفرات إلى النيل."
وفي رسالة موّجهة إلى الجيش الاسرائيلي في 7 تشرين الثاني 1956 بعد انتهاء العدوان الثلاثي على مصر. قال بن غوريون: "لقد أنجزتم أشياء ربّما كانت أهم من أي مسألة في السياسة أو الدفاع. لقد أعدتمونا إلى أعظم لحظات حياتنا الحاسمة في تاريخنا. لقد أرجعتمونا إلى المكان الذي أُعطينا فيه القانون. وفيه كلّفنا الرّبّ بأن نكون شعباً مختاراً. لقد رأينا أمام أعيننا الآيات التي لاتموت تحيا من جديد، الآيات التي تنبئنا عن رحيل أجدادنا من مصر وعن وصولهم إلى صحراء سيناء."([1])
إنّ سفر يشوع يستخدم للإعداد النفسي للجنود الأغرار في الجيش، وهو من النصّوص المقرّرة في مدارس إسرائيل ولهذا يقول بن غوريون: "إنّي أعتبر يشوع بطل التوراة".
وعن سفر يشوع أجرى العالم الأمريكي هـ تامارين استفتاءً أعدّه في إسرائيل في عدد من المدارس، استخدم فيه 1066 استمارة ذات محتوى واحد أجاب عليها كتابة /563/ فتىً و /503/ فتيات من مختلف الصفوف والمدارس، وقد تطرقتْ الاستمارة لسفر يشوع بن نون الذي يدرّس في المدارس الاسرائيلية من الصّف الرابع وحتى الثامن. وقد ورد في الاستماره الأسئلة التالية:
-إنّك تعرف جيداً المقتطفات التالية من سفر يشوع: "فهتف الشعب وضربوا بالأبواق وكان حين سمع الشعب صوت البوق أنّ الشعب هتف هتافاً عظيماً فسقط السوّر في مكانه وصعد الشعب إلى المدينة كلّ رجلٍ مع وجهه وأخذوا المدينة وحرّموا كلّ ما في المدينة من رجل وإمرأةٍ من طفلٍ وشيخٍٍ حتى البقر والغنم والحمير بحدِّ السّيف"
"وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحدِّ السّيف وحرّم ملكها هو وكلّ نفس بها لم يبقِ شارداً وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكلّ إسرائيل معه إلى لبنة وحارب لبنَة فدفعها الرّبّ هي أيضاً بيد إسرائيل مع ملكها فضربها بحدّ السّيف وكلّ نفسٍ بها لم يبق شارداً وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا." .
أجب من فضلك على السؤالين:
1- هل تعتقد أنّ يشوع بن نون والاسرائيليين قد تصرفوا تصرفاً صحيحاً أو غير صحيح اشرح لماذا لديك مثل هذا الرأي بالذات.
2- لنفرض أنّ الجيش الاسرائيلي قد احتلّ خلال الحرب قرية عربية. فهل هو جيد أو سيئ أن يتصرّف على هذا النحو مع سكان هذه القرية كما تصرّف يشوع بن نون مع شعب أريحا.. واشرح لماذا؟
وزعتْ هذه الاستمارة في مدارس تل أبيب وقرية بالقرب من الرّملة وفي مدينة شارون ومستعمرة معو تشد، وهذه بعض الأجوبة:
كتب تلميذ من مدرسة في مدينة شارون: "كان هدف الحرب هوالاستيلاء على البلاد من أجل الاسرائيليين، ولذلك فقد تصرف الاسرائيليون تصرّفاً حسناً باحتلالهم المدن وقتلهم سكانها. وليس من المرغوب فيه أن يكون في إسرائيل عنصر غريب. إنّ النّاس من مختلف الأديان يمكن أن يؤثروا تأثيراً لا حاجة إليه على الاسرائيليين"
وكتبت فتاة من مستعمرة معو تشد: "لقد تصرّف يشوع بن نون تصرّفاً حسناً بقتله حميع النّاس في أريحا ذلك لأنّه كان من الضروري احتلال البلاد كلّها ولم يكن لديه وقت لأضاعته على الأسرى.".
كانت الأجوبة من هذا النوع تشكّل ما بين 66-95% حسب المدرسة والمستعمرة أو المدينة.
وعلى سؤال هل يمكن في عصرنا تصفية جميع سكان قرية عربية محتلّة أجاب 30% من التلاميذ بشكل قطعي "نعم" وفيما يلي بعض ما كتبه الأولاد:
-أعتقد أنّ كل شيء قد جرى بشكل صحيح إذ أنّنا نريد قهر أعدائنا وتوسيع حدودنا. ولكنّنا نحن أيضاً قتلنا العرب كما فعل يشوع بن نون والاسرائيليون". الصف السابع.
وكتب تلميذ من الصّف الثامن: "في رأيي ينبغي على جيشنا في القرية العربية أن يتصرف مثل يشوع بن نون لأنّ العرب هم أعداؤنا ولذلك فهم حتى في الأسر، سيفتشون عن إمكانية ليبطشوا بحراسهم.".
هذه فقط بعض الثمار المحسوسة للتعليم الصهيوني كما قال يوري إيفا نون والتي لم تنضج تلقائياً وإنّما نمتْ على الشجرة الحقيقية للأيديولوجية الصهيونية.([2])
ولا يكتفي القادة الإسرائيليون والصهاينة بترديد العبارات التوراتية بل يتنبأون من خلالها للمستقبل فنقرأ في مذكرات بن غوريون 1948 قوله:
"إن لبنان هو عقب أخيل، أي نقطة الضعف في الحلقة العربية، إنّ التفوق العددي للمسلمين في هذا البلد تفوّق مصطنع ويمكن أن تنعكس الاية. وهكذا يجب أن تقام دولة مسيحية في لبنان تكون حدودها عند نهر الليطاني، وسنوّقع معاهدة تحالفية مع هذه الدولة، وحينما نقضي على قوة الدول العربية وندمّر عمّان سننظف الضفة الغربية وبعد ذلك ستسقط سورية. وإذا تجرأت مصر على اعلان الحرب فسوف نقصف بور سعيد والاسكندرية والقاهرة. وهكذا سننهي الحرب ونثأر لأجدادنا من مصر وآشور وكلده.".([3])
ثم يقول بن غوريون في المؤتمر الصهيوني العالمي الخامس والعشرين 1961: منذ أن قامتْ دولة إسرائيل وفتحتْ أبوابها لكل اليهود الراغبين في القدوم إليها، فكل يهودي متدّين، يعصي كلّ يوم ببقائه بعيداً في الشتات تعاليم يهوديته وتوراة إسرائيل.. إنّ اليهود خارج إسرائيل لا ربّ لهم."([4])
ونقرأ تصريح إيغال آلون الذي يتخذّ من التوراة مثله الأعلى:
"إذا نحن رجعنا إلى التوراة وجدنا أنّ الجولان ليس أقلّ إسرائيلية من حبرون (الخليل) أو سيشيم (نابلس) يجب أن يؤلف نهر الأردن الحدود الغربية لاسرائيل"([5])
ثم نقرأ قول غولدا مائير: "لقد قام هذا الوطن إنجازاً لوعد قطعة لنا الّله نفسه، ومن المضحك حقاً أن يطلب أحد تبريراً شرعياً لوجود هذا الوطن."([6])
ويقول موشي دايان: "إذا كنّا نملك التوراة، ونعدّ أنفسنا شعب التوراة، فلا بد إذن أن نملك الأراضي التوراتية، أي أرض القضاة والآباء الروّحيين وأورشليم وحبرون وأريحا وغيرها.".([7])
وبعد حرب 1967 يصّرح موشي دايان قائلاً: "لقد تحقّق حلم آبائنا في الوصول إلى الحدود التي منحنا إيّاها قرّار التقسيم. أمّا جيلنا فقد وصل إلى حدود عام 1949. وأمّا جيل حرب الأيام الستة فقد وصل إلى حدود قناة السويس والأردن ومرتفعات الجولان. ولكن الشّوط لم ينته ها هنا فنحن سنتخطّى الحدود التي رسمها قرار وقف إطلاق النّار لنصل إلى الأردّن وقد نصل إلى لبنان ووسط سورية.". ([8])
وحين سُئلتْ غولدامائير عام 1972 في مقابلة صحفية" ما الحدود التي ترين أنّها ضرورية لأمن إسرائيل؟ أجابت بقولها: "إذا كنت تريد بسؤالك أنّ هناك حدوداً رسمناها لدولتنا فهذا مالم نفعله بعد، وسنفعله عندما يؤون الأوان. ولكن من الثوابت في السياسة الاسرائيلية أنّنا لن نرجع إلى حدود عام 1967 في حالة عقد اتفاق للسلام. فلا بدّ من تعديل في الحدود. نريد تغييراً للحدود، بل لكل الحدود بغية الحفاظ على أمننا."([9])
ونقرأ قول بيغن: "لقد وُعدنا بهذه الأرض فلنا فيها ملءُ الحق"([10])
وحينما وقع الاجتياح الاسرائيلي للبنان، أَعلنتْ هيئة التبشير الدينية العسكرية (الحرب المقدّسة). وكان الموضوع الرئيسي الذي طرحه الحاخام العسكري برتبه النقيب: "يجب أن لا ننسى الأصول التوراتية التي تبرّر هذه الحرب ووجودنا هنا بسببها. إنّنا نؤدي ونحن واجبنا الدّيني كيهود. إنّ الواجب الديني كما في تقاليدنا المقدّسة هو احتلال الأرض من العدو.".([11])
كما أصدرت الحكومة الاسرائيلية عام 1983 بعد مذابح لبنان سلسلة من ثلاثة طوابع بريدية (لاحياء ذكرى يشوع) الطابع الأول مخصّص لعبوره الأردن. والطابع الثاني مخصّص لاحتلال أريحا، أمّا الثالث فيمثّل يشوع وهو يّوقف الشمس ليتمكن من إنجاز المعركة والقضاء على خمسة ملوك كنعانيين. ([12])
وفي خطاب لاسحق شامير أمام الكنيست الاسرائيلي بتاريخ 20/10/1986 أكدّ فيه أنّ حكومته ستعمل على تكثيف المستوطنات اليهودية على كامل أرض اسرائيل الكبرى، وأنه لا يوجد أي فرق بين المناطق الاسرائيلية إذ لا يوجد في فلسطين إلاّ شعب واحد هو شعب إسرائيل ولا أرض إلاّ أرض واحدة هي أرض إسرائيل."([13])
إنّ برامج الأحزاب الاسرائيلية هي برامج مستمّدة من التعاليم الدينية اليهودية (التوراة-التلمود). وجميعها تستحضر التاريخ وتسعى لتطبيق برامجها على أساس هذه التعاليم الغيبية. ومن مبادئ هذه الأحزاب "التمسّك بوحدة أرض إسرائيل في حدودها التاريخية، وضرورة عودة الشعب اليهودي إلى وطنه الأم، واعتبار هذه العودة حقيقة واقعية، بل ضرورة من ضرورات حياة اليهود أينما وجدوا والتأكيد علىإرساء مجتمع جديد يكون التوراة دستوراً له.
[/align]
q تزييف الآثار العربية في فلسطين:
[align=justify]
إنّ الحركة الصهيونية ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، بدعم من المؤسسات والحكومات الغربية، نشطت لتوجيه المفهوم التاريخي في فلسطين لينسجم مع الفكر الصهيوني ومنطلقاته، وسلب الشعب العربي الفلسطيني أرضيته العربية وهويته الحضارية بتحريف تاريخه وتراثه وإنجازاته الحضارية.
لقد تأسّست كثير من الجمعيات الاستكشافية في أوروبا غايتها التنقيب والبحث في فلسطين لاثبات صحة ما جاء في التوراة خدمة للأفكار الصهيونية كالحقّ التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين.
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تأسيس كثير من الجمعيات الأثرية التوراتية التي أخذت من التوراة منطلقاً لدراساتها وأعمالها الميدانية منها:
-صندوق استكشاف فلسطين -التي تأسّستْ عام 1865، وفي العدد الأول من مجلة هذه الجمعية 1869 كتب على الغلاف "جمعية من أجل البحث الدقيق والمنّظم في الآثار والطبوغرافيا والجيولوجيا والجغرافية الطبيعية والتاريخ الطبيعي وعادات وتقاليد الأرض المقدّسة لغاية التوضيح التوراتي.
-الجمعية الأمريكية للأبحاث الفلسطينية التي تأسّستْ عام 1870، وتضمّن برنامجها نداء "إلى الضمير الديني مسيحياً كان أم يهوّدياً من أجل البرهنة على صحّة الكتاب المقدّس.
-جمعية الآثار التوراتية 1870 وهي جمعية بريطانية من أهدافها "البحث في الآثار والتسلسل الزمني والتاريخ القديم والحديث لبلاد آشور والجزيرة العربية ومصر وفلسطين وغيرها من المناطق التوراتية.
-المدرسة الفرنسية للدراسات التوراتية والأثرية. وقد أسّسها الدومنيكان عام 1890.
-الجمعية الألمانية للدراسات الشرقية 1897.
-الجمعية الألمانية للأبحاث الفلسطينية 1877.
-المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية وقد أُنشئت في القدس 1900
-المدرسة الفرنسية للدراسات التوراتية ومركزها القدس 1892
-المعهد البروتستانتي الألماني للدراسات التاريخية في الأرض المقدّسة في مدينة القدس. 1902
-الجمعية الألمانية للدراسات الشرقية، وقد تأسّستْ برعاية القيصر الألماني وفي الفترة الواقعة ما بين 1901-1904 أُوكلتْ هذه الجمعية مهّمة التنقيب في عدد من المواقع الأثرية إلى الباحث التوراتي (أرنست سيلين) في تل تعنك وتل المتسّلم.([14])
كانت فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى حافلة بالنشاط الأثري في فلسطين. وكان السعي متواصلاً للربط بين المواقع الأثرية وتلك التي ورد ذكرها في التوراة، استجابة لممارسات الحركة الصهيونية. ورغم الأعمال التنقيبية الكثيرة في هذه الفترة فقد كان أعضاء هذه الجمعيات يرون أنّ هذا النشاط الأثري لا يزال محدوداً أو فقيراً، نظراً لأنّ الامبراطورية العثمانية كانت تضع قيوداً وعوائق في وجه هذه البعثات الأثرية. وتحديداً في منطقة الحرم الشريف في مدينة القدس.
لكن بعد وقوع فلسطين تحت السيطرة البريطانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تكثّف النشاط الأثري فيها وزادت البعثات الأثارية وصارت أكثر حرّية وعنفاً في الكشف والتنقيب، وقد أنشأ المندوب السّامي البريطاني هربرت صموئيل عام 1920 دائرة للآثار الفلسطينية بإدارة "جو غارستانغ" من جامعة ليفربول.
استغلّ الصهاينة احتلال الانكليز لفلسطين ونشطوا في مضمار التنقيب والآثار، فقدم إلى فلسطين بُعيد الاحتلال "جوزيف كلاورتز" و"أليعازر بن يهوذا" وأوّل حفريات يهودية أجراها "ناحوم شلوش" في موقع إلى الجنوب من طبرية اعتقد أنّه يحتوي على كنيس يهودي. كما أرسلت الحركة الصهيونية" أليعازر ليباسركنيك" لدراسة الآثار الكلاسيكية في برلين فجاء إلى فلسطين عام 1922 وبدأ عمله الميداني بحفر عدد من المدافن قرب القدس، والتحق ببعض الدورات والمساقات الأثرية في المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية. ومن ثمّ أصبح محاضراً في الجامعة العبرية فأستاذاً إلى أن أصبح رئيساً لدائرة الآثار اليهودية في الجامعة نفسها. وقد دفع سوكنيك ابنه الذي غيرّ اسمه إلى "ييغائيل يادين لدراسة الآثار وكان هذا "ييغائيل يادين" أول رئيس لهيئة أركان الجيش الاسرائيلي. إلى أن أصبح أستاذاً للآثار في الجامعة العبرية وأشرف على عدد كبيرمن التنقيبات الأثرية وشغل منصب نائب لرئيس الوزراء الاسرائيلي .([15])
ومن الصهاينة البارزين من الجنسية الأمريكية "نلسون غلوك" الذي التحق عام 1928 بحفريات "وليم أولبرايت" الذي كان يرأس المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في القدس من عام 1919حتى عام 1936. وذلك في تل مرسيم. وبدأ نلسون غلوك مسوحات واسعة النطاق منذ عام 1932 في شرقي الاردن وأصبح يتجوّل في المناطق المختلفة حاملاً التوراة في يده، محاولاً تفسير وتأريخ المواقع التي يتعرف عليها من خلال العهد القديم (التوراة).([16])
كانت القدس الميدان الرئيسي للمنقبين بحثاً عن الأسوار التوراتية وقد كثفت بريطانية من حفرياتها التي أشرف على أكثرها "غارستانغ رفتيتان آدمز" 1920-1921 وهذه كشفت عن مخلفات هامة من الألف الثاني قبل الميلاد وحتى العصور العربية الاسلامية. وكانت تلك أولى أعمال التنقيب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، واتجهتْ بعثة بريطانية أخرى لمواصلة أعمال التنقيب 1929-1936 في أريحا "تل السلطان" بإشراف (غارستانغ) أيضاً.
وأجرت بعثة بريطانية أخرى حفريات فيما بين 1932-1938 في موقع "تل الدوير" في منتصف الطريق بين غزّة والقدس بإشراف (ستاركي) كما قامتْ بعثة بريطانية أمريكية شاركتْ فيها الجامعة العبرّية في موقع "سسطية" إلى الشمال الغربي من نابلس لتواصل العمل الذي بدأته جامعة "هارفرد" 1908-1910وقد استمّر عمل البعثة المشتركة بين 1931-1933 و1935 بإشراف (كروفوت) بمساعدة (كاتلين كينون) و(سوكنيك) كممثّل عن الجامعة العبرية . وفي عام 1968 واصل ( بازل هنسي) العمل في الموقع نيابة عن المدرسة البريطانية للآثار في القدس.([17])
واهتمت الجامعات والمؤسسات الأمريكية بالتنقيب والبحث عن الآثار في فلسطين، خاصّة بعد الحرب العالمية الأولى، وبدأت بعثاتها تتوافد إلى فلسطين وتقوم بالحفريات والتنقيب والبحث وقد تعدّدت وتنوّعتْ هذه البعثات. وتوزّعتْ في مناطق متعدّدة، وكلّها كانت تهدف إلى الرّبط بين الحوادث التوراتية والمعطيات التوراتية وبين هذه المواقع التي تكشف عنها.
ففي بيسان قامتْ جامعة "بنسلفانيا" بحفريات أشرف عليها عدد من الآثاريين منذ العام 1921 وكانت جامعة "شيكاغو" قد بدأت بحفرياتها في "تل المتّسلم" -مجدو- وقد استمّر عمل البعثة منذ عام 1925 وحتى عام 1939. وقامت المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في "تل بيت مرسيم" بحفريات واسعة إلى الجنوب الغربي من الخليل، وقد أشرف عليها (وليم أولبرايت) حوالي أربعة مواسم 1926-1932. وكان (أولبرايت) يحاول تفسير الطبقات من خلال المعلومات والحوادث التوراتية وهذه المدرسة أيضاً أجرت حفريات في "تل النصبة" شمالي القدس واستمرت من عام 1926 وحتى عام 1935 بإشراف (ماكون) الذي اتبع اساليب (أولبرايت) التوراتية في التنقيب. وتابعت هذه المدرسة أبحاثها في القدس في عدد من المواقع الأثرية، وقد سيطر على هذه الأعمال الميدانية أيضاً أسلوب التوراتيين ومنهجهم.([18])
بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين 1948 وانسحاب قوات الانتداب البريطاني عن المنطقة. أُنشئت "دائرة الآثار الاسرائيلية" التي أخذت على عاتقها القيام بالنشاط الأثري والتاريخي بشكل أوسع ضمن الاطار الثقافي للنظام الاستيطاني العنصري الجديد.
فجميع المواقع الأثرية في فلسطين أخذت تحمل أسماء عبرّية لإبعاد الصبغة العربية عنها لتُربط بالتاريخ الاسرائيلي، وذلك لتقوية الرّوح العنصرية وجلب المزيد من المهاجرين وكسب عطف الرأي العام الغربي. وقد دخلت هذه الأثار في منهاج التربية الوطنية لتبرير سياسة التوسع الصهيوني.
والصهيونية لا تزال تولي الآثار أهمية كبيرة وتسعى جاهدة للبحث والتنقيب من أجل الكشف عن التراث المزعوم. وأسلوب البحث الأثري الصهيوني يتضّمن بوضوح النّيات العدوانية لإسرائيل ومحاولاتها محو الشخصية العربية الفلسطينية، والحضارة العربية الفلسطينية، وإبراز الحضارة الاسرائيلية.
ولا بدّ من الاشارة إلى أنّه قد ظهر بين أصحاب المدرسة التوراتية تيار ناقد حذّر من الرّبط بين الآثار والتوراة من أمثال العلماء الألمان "البرشت آلت ومارتن نوث" والفرنسي الأب " رولاند ديغو" والهولندي "هانك، فرانكن" الذي جاء من خلفية دينية توراتية لكنّه غدا من كبار نقّاد الأثريين التوراتيين وأعلن أنّه لا يجوز المزج بين الآثار وأعمال التنقيب من جهة، والتفسير التوراتي من جهة ثانية. وأيضاً البريطاني "غوردن تشايلد" الذي أكدّ على أهمية البحث عن الآثار على أساس المادّية التاريخية كمنطلق للتطور الحضاري، وضرورة تكريس جميع الوسائل العلمية للكشف عن الآثار ومعالجتها من خلال وظيفتها وإطارها العام المرتبط بطبيعة المجتمع الذي وجدتْ فيه. وقد أثرّ على عدد من تلاميذه مثل "كاتلين كينون". التي حذّرتْ من الرّبط بين الحفريات الأثرية والحوادث التوراتية".([19])
إنّ هؤلاء لم يستطيعوا أن يعبثوا بضمائرهم لتشويه الحقائق فنقلوا الحقائق كاملة دون تشويه، وسعوا إلى تقديم المعلومات كما هي دون تزييفها كما فعل ويفعل غيرهم من الآثاريين الصهاينة الذين يتعمدون إخفاء الحقائق ومحو الحضارة العربية الفلسطينية، خاصّة بعد أن غدا حقل الآثار الفلسطينية مفتوحاً على مصراعيه أمام المنظمات الصهيونية، وأخذت تخطّط بشكل منّظم لخلق صورة تاريخية تتفق وأهدافها العنصرية العدوانية.
[/align]

qq

=======================

[align=justify]
[1] -المذهب العسكري الاسرائيلي -هيثم الكيلاني -مركز الأبحاث -بيروت 1969-ص25
[2] -احذروا الصهيونية -يوري إيفانون -منشورات وكالة أنباء نوفوستي 1969 ص39-41
[3] روجيه غارودي -فلسطين أرض الرسالات السماوية - ترجمة قصي أتاسي- ميشيل واكيم- الطبعة الأولى -ص303
[4] -الموسوعة الفلسطينية "مدخل إلى دراسة القضية الفلسطينية" محمد الفرا- المجلد الخامس القسم الثاني-الطبعة الأولى بيروت 1990- ص267.
[5] -بيير ديميرون -ضد اسرائيل -ترجمة حسيب كيالي - ص24.
[6] -فلسطين أرض الرسالات السماوية -روجيه غارودي- ترجمة قصي أتاسي- ميشيل واكيم -ص154
[7] -نفس المصدر ص 154
[8] -نفس المصدر ص 300
[9] -نفس المصدر ص 300
[10] -فلسطين أرض الرسالات السماوية -روجيه غارودي -ترجمة قصي أتاسي- ميشيل واكيم الطبعة الأولى -ص154
[11] -نفس المصدر ص 155
[12] -نفس المصدر ص 156
[13] -مدخل إلى دراسة القضية الفلسطينية -الدكتور محمد الفرا- الموسوعة الفلسطينية. القسم الثاني -ا لمجلد الخامس. الطبعة الأولى بيروت 1990.
[14] -فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد. الدكتور معاوية إبراهيم -الموسوعة الفلسطينية القسم الثاني -المجلد الثاني- الطبعة الأولى بيروت 1990-ص7-9-
[15] -نفس المصدر ص 10.
[16] -فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد -الدكتور معاوية إبراهيم - الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد الثاني - الطبعة الأولى -بيروت 1990-ص10
[17] -نفس المصدر ص 11
[18] -فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد -الدكتور معاوية إبراهيم- الموسوعة الفلسطينية- القسم الثاني- المجلد الثاني- الطبعة الأولى - بيروت 1990 ص12
[19] -فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد- الدكتور إبراهيم الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد الثاني - الطبعة الأولى -1990-ص13
[align=center]يتبـــــــــــع>>>[/align]

[/align]

مازن شما 19 / 02 / 2009 00 : 04 AM

[align=justify]
خاتمة
من الواضح أنّ ماتمّ عرضه عبر الصفحات الماضية يؤكّد لنا تماماً أنّ الروح العدوانية والعنصرية في الشخصية اليهودية الصهيونية، مصدرها الرئيسي تلك التعاليم الدينية الغيبية (التوراة-التلمود) التي كانت ولا تزال المحور الرئيسي الذي تدور حوله الحياة اليهودية.
ونظراً لأنّ الصهيونية العالمية تطمح دوماً للسيطرة على مقدرات العالم وتسخير كافة الأمم (الأغيار) لخدمتها، فقد وجدتْ في هذه التعاليم الدينية ضالّتها، وبدأت في استحضارها وإعادة تشكيلها بما يتفق والواقع الرّاهن.
وقد استغلّت واقع التعليم اليهودي المتحجرّ، والمؤسسات الدينية الغارقة بالتلمود والرؤى الصوفية الغيبية والنزعات العنصرية الإنعزالية الفوقية ، والرؤية الخاصّة عن الأرض الموعودة وصهيون والأرض المقدسة وغيرها، وبدأت بتحويل النظرية الغيبية إلى واقع عبر إسقاط التاريخ المزعوم على الحاضر والاستيلاء على فلسطين العربية.
فبدلاً من أن تبقى فكرة العودة إلى صهيون مجرّد فكرة نظرية مرهونة بظهور المسيح، فقد حولّتها الصهيونية إلى واقع، فالخلاص لا يحتاج إلى مجيء المسيح بل إلى جهود اليهود أنفسهم.. ودخول القدس السماوية لا يتمّ إلاّ عبر دخول القدس الأرضية أولاً.
لقد نجحت الحركة الصهيونية في استقطاب اليهود. حتى غدا من المتعذّر التفريق بين الصهيونية واليهودية. وفي مؤتمر أورشليم لوحدة الشعب اليهودي الذي انعقد في 3/12/1975 في الكنيست الاسرائيلي والذي شارك فيه /170/ من زعماء اليهود في العالم، ألقى رئيس الكيان الصهيوني (أفرايم كاتسير) كلمة قال فيها: "إنّ هذا المؤتمر يشكل رمزاً لوحدة إسرائيل واليهود والصهيونية".
"إنّ الصهيوني هو اليهودي الذي يُحسّ ويعترف بأنه يعيش في منفى إذا كان من مواطني أي بلد غير إسرائيل. ولذلك يقرّر العودة إلى جبل صهيون" هذا ما يقوله بن غوريون.. بينما غولدا مائير تقول: "بعد قيام دولة صهيون، لا يمكن أن يُعّد صهيونياً إلاّ الذي يحمل حقائبه ويأتي إلى صهيون".
الصهيونية تهدف إلى تطبيق التعاليم الدينية اليهودية، وتلتزم بالطابع الديني للدولة اليهودية، وتؤمن بأنّ الدّين هو الدافع الأوّل لخلق الدولة اليهودية. ولأنّ ما يرد في الكتب الدينية اليهودية يشير إلى أرض اسرائيل وصهيون وغير ذلك. فإنّه من الضروي أن يلقّن النشء اليهودي هذه المقولات تلقيناً خاصاً (تحويل الغيب إلى واقع) لهذا ساهموا في تربية النشء اليهودي على أنّ الأرض الموعودة هي روحية ومادّية في نفس الوقت. فلا يمكن لليهودي أنّ يدخل الأرض الموعودة الروحية ما لم يدخل الأرض الموعودة المادية التي هي (إسرائيل).. ومن هنا فقد كرسّوا أفكار التمسك بالأرض والحبّ العميق لها وبعث اللغة العبرية وترويج الادّعاء القائل أنّ فلسطين هي وطن اليهود التاريخي، وأنّ يهود اليوم هم أحفاد داود وسليمان، وأنّ الشعب اليهودي لم يفارق أرضه بل أخذها معه في منفاه.
كما اهتمت الصهيونية بالتاريخ اليهودي القديم كأساس لبناء الشخصية الصهيونية، فوضعت سلسلة من الكتب تبث في سطورها الفكرة الصهيونية المستمدة من التوراة باعتبارها المصدر الأساسي للتاريخ اليهودي وركزّتْ فيها على الموضوعات التي تكرّس التفوق اليهودي.
وتعتبر فكرة الحقّ التاريخي أو الرابطة التاريخية من أهم الذرائع التي تقوم عليها الحركة الصهيونية وحقها المزعوم في انشاء الدولة اليهودية في أرض ( اسرائيل التاريخية لهذا فإن تصلب ورفض الصهاينة المستّمر لفكرة الانسحاب من أجزاء عربية محتلّة يعقدون أنّها توراتية، كان نتيجة مباشرة لتلك التعاليم الدينية التي تقول بالأزلية التاريخية والعودة ، والزّرع المقدّس والاختيار والتفّوق.
فالصهاينة لا يقبلون السلام الحقيقي مع العرب. وإنما الاستسلام، استسلام العرب ليكونوا عبيداً لهم للتسخير كما يرد في التوراة سفر التثنية: "حين تقربُ من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فأن أجابتك إلى الصلح وفتحتْ لك فكلّ الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك"(.[1])
هكذا يريدون أن يكون الصلح.. وهم وإن لم يتمكنوا من السيطرة على المنطقة عسكرياً. فإنّهم يحاولون السيطرة عليها اقتصادياً وثقافياً (السيطرة على العقل العربي، والماء العربي، والنفط العربي) وبهذا يكون قد تحقّق حلمهم التوراتي (من الفرات إلى النيل). إنّها السيطرة التي يسعى الصهاينة لتحقيقها تنفيذاً لما ورد في التوراة حيث نقرأ: "بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك".([2])
"وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك تنفتح أبوابك دائماً ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم"([3])
ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراّميكم أمّا أنتم فتدعون كهنة الرّب تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون."([4])
إنّ ما قدّمته من معلومات تتعلّق بالنزعات العدوانية والعنصرية واللاّ أخلاقية التي تحملها التعاليم الدينية اليهودية يعطينا دلالة واضحة على أن الشخصية اليهودية الصهيونية لا يمكن أن تقبل بالسلام والتعايش السلمي مع الشعوب والأمم إلاّ في حالة واحدة هي أن تكون هذه الشعوب والأمم مجرد عبيد يقدمون الطاعة والولاء لليهود.
ومن المفيد أن أشير في الختام أنّ النّصوص التوراتية المتداولة حالياً، لا تمتّ بأيّة صلة للنصوص التي أنزلها اللّه على عبده موسى عليه السلام، لقد حرّفوا أسس الديانة اليهودية، وفي هذا قال اللّه عز وجل: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثم يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً. فويلٌ لهم مّما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مّما يكسبون".

qqq
[1] سفر التثنية الاصحاح الواحد والعشرون.
[2] سفر إشعيّاء الاصحاح التاسع والاربعون
[3] -سفر إشعياء الاصحاح السّتون
[4] سفر إشعياء الاصحاح الواحد والستون.

====================

المراجع :

1-أحمد سوسة العرب واليهود في التاريخ -العربي للاعلان والنشر الطباعة -الطبعة الثانية .
2-الدكتور أسعد رزّوق التلمود والصهيونية -منظمة التحرير الفلسطينية مركز الأبحاث 1970
3-إلياس سحاب الفكر السياسي الفلسطيني بعد عام 1948 الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد الثالث الطبعة الأولى-بيروت 1990
4-الدكتور جورجي كنعان العنصرية اليهودية -توزيع دار النهار للنشر الطبعة الأولى 1983
5-حبيب قهوجي الأحزاب الاسرائيلية والحركات السياسية في الكيان الصهيوني -مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية دمشق 1986- الطبعة الأولى.
6-حسيب كيالي ضدّ إسرائيل -مترجم- تأليف بيير ديمورن.
7-خالد عايد التوسعية الصهيونية وإسرائيل الكبرى -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد السادس الطبعة الأولى -بيروت 1990
8-خالد القشطيني الصهيونية واللاّصهيونية -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد السادس -الطبعة الأولى بيروت 1990.
9-شاكر مصطفى فلسطين مابين العهدين الفاطمي والأيوبي -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد الثاني- الطبعة الأولى - بيروت 1990
10-ربحي كمال دروس في اللغة العبرية -دمشق 1982 .
11-روجيه غارودي فلسطين أرض الرسالات السماوية -ترجمة قصي أتاسي -ميشيل واكيم -الطبعة الأولى 1988 دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر.
12-هيثم الكيلاني المذهب العسكري الاسرائيلي -مركز الأبحاث بيروت 1969.
13-كامل العسلي التربية والتعليم في فلسطين -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني - المجلد الثالث- الطبعة الأولى -بيروت 1990.
14-عبد الوهاب محمد المسيري الصهيونية -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني - المجلد السادس -الطبعة الأولى -بيروت 1990
15-عبد العزيز محمد عوض الأطماع الصهيونية في القدس- الموسوعة الفلسطينية-القسم الثاني- المجلد السادس- الطبعة الأولى- بيروت 1990
16-عجاج نويهض بوروتوكولات حكماء صهيون- الجزء الأول طبعة نيسان 1984-دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر.
17-العماد مصطفى طلاس فطير صهيون -الطبعة الثانية -1986- دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
18-محمد الفرا مدخل إلى دراسة القضية الفلسطينية -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني -المجلد السادس -الطبعة الأولى-بيروت 1990.
19-محمد عزيز شكري البعد الدولي للقضية الفلسطينية -الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد السادس. الطبعة الأولى -بيروت 1990
20-منير بشور التعليم في إسرائيل -منظمة التحرير الفلسطينية مركز الأبحاث
خالد الشيخ يوسف
21-معاوية إبراهيم فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد -الموسوعة الفلسطينية-القسم الثاني- المجلد الثاني -الطبعة الأولى -بيروت1990.
22-فراس سوّاح مغامرة العقل الأولى -دراسة في الأسطورة- سورية وبلاد الرافدين - العربي للطباعة والنشر دمشق 1987.
23-يوري إيفانوف احذروا الصهيونية -دراسة حول أيديولوجية وتنظيم وممارسة الصهيونية -منشورات وكالة أنباء نوفوستي 1969 ملحق
24- حسن الجلبي قضية فلسطين في ضوء القانون الدولي -معهد البحوث والدراسات العربية .
25-التوراة صادر عن دار الكتاب المقدّس -جمعية الكتاب المقدس سابقاً -القاهرة .
26-الدكتور رشاد عبد الله الشّامي..مجلة عالم المعرفة العدد 103 -حزيران 1986 (الشخصية اليهودية الاسرائيلية والرّوح العدوانية).

qq

المحتويات

الباب الأول :التعاليم الدينية اليهودية................................
الفصل الأول : مرحلة التدوين ومصادره......................
الفصل الثاني : الكتب الدينية اليهودية:........................
الفصل الثالث : فقرات تلمودية:................................
الباب الثاني : محتوى التعاليم الدينية اليهودية................
الفصل الأّول : " النزعة العدوانية"...........................
الفصل الثاني : النزعة العنصرية:..............................
الفصل الثالث : الغدر والخيانة، والانحلال الخلقي.............
الباب الثالث : ((الصهيونية والدين اليهودي))................
الفصل الأوّل : نشأة الصهيونية:................................
الفصل الثاني : الصهيونية وتوظيف الدين اليهودي..........
الفصل الثالث : التعليم الصهيوني وأهدافه ....................
خاتمة.....................................
المراجع :.................................


رقم الايداع في مكتبة الأسد الوطنية :

اليهودية بين النظرية والتطبيق: مقتطفات من التلمود والتوراة:
دراسة/ علي خليل -[دمشق]: اتحاد الكتاب العرب، 1997-
173 ص ؛ 24 سم.
1 -296 خ ل ي ي 2- 320.56 خ ل ي ي
3 - العنوان
ع - 951/6/997 مكتبة الأسد

rr

هذا الكتاب:

يعبر عن دراسة منهجية موثقة ومتواترة زمنياً بطريقة علمية تحليلية تعكس النزعة العدوانية والعنصرية المتأصلة في الشخصية الصهيونية التي حوّرت وحرَّفت الكتب السماوية في سبيل تحقيق أطماعها التوسعية واغتصابها للأرض العربية وتشريد أبنائها متذرعين بالحق التاريخي الذي تقوم عليه الحركة الصهيونية في إقامة دولتهم المزعومة على الأرض العربية.
rr
[/align]

انتهى الكتاب بعونه تعالى


الساعة الآن 24 : 05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية