منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   الوعد (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=10265)

لانا راتب 28 / 04 / 2009 43 : 09 PM

الوعد
 
[frame="1 98"]
باغتها صوته المتلعثم : ( ماما ، ارجو أن ترسلي معي نقوداَ في صباح الغد ) ،
كانت تلملم بقايا الطعام ثم ترفع الصحون وتلقي بها في الحوض ...ردّت ومن دون اهتمام : ( نعم حاضر ، لقد قرأت الملاحظة التي كتبتها مدرّستك ، إذن ستذهب في رحلة أتمنى أن تستمتع وتخبرني بكل التفاصيل عندما تعود ) .. ثم استدركت : ( سأضع الخمسة دنانير منذ اليوم في الحقيبة حتى لا أنسى ..هذا وعد )، بدأ صوته يبتعد متجّهاً نحو غرفة الجلوس : ( إذن هذا وعد ، وأنت تحافظين على وعودك ، شكراً) ..ابتسمت من جمال كلماته ثم بدأت بالقهقهة في أعماقها ، كيف لم تدرك أنه كبر فجأة ..وها هو يطلب منها نقوداً ، بعد شهرين سيصبح في الرابعة من عمره
صوت الماء المتدفق من صنبور المياه ، وفقاقيع الصابون المتناثرة فوق الصحون وقرقعة الملاعق ..وذاكرتها المثقوبة تسافر حيث ..العطش ، عطشٌ يلسع حلقها وثقلُ رأس بينما هي تستيقظ من أثر العملية القيصرية، أخبرتها الطبيبة قبل أن تغيب عن الوعي أن نبض الطفل ينخفض ، لا بدّ من العملية ..وها هي تستيقظ وأصوات النسوة تدقُ في رأسها ..أًمها ، خالتها ، عمتها ...يضحكن ويثرثرن ، والعطش المزمن فتحت عيناها بصعوبة ..ضباب يغطي مساحات حواسها ، بينما بوصلتها تتجه نحوه (كما هي عادتها ) كفّها اليسرى دافئة ومطمئنة في أحضان كفه ..التفتت وكان هو بابتسامته الوادعة ..طبع قبلة على جبينها وسرت في جسدها قشعريرة (كان يرتعشُ حقاً ):الحمدلله على سلامتك \ كانت تتمنى أن يتوقف الزمن على قبلته الحانية ثم ..الجفاف ينزع متعتها ..إستدركت : حبيبي ، عطشى أحتاج الماء .ماء ..لو سمحت
ابتسم وقال : لقد خرجت من عملية جراحية ، الماء ممنوع حتى صباح الغد ، تحملّي أرجوك، وبالمناسبة عندي شيء يروي عطشك ....وأشار بيده للأمام .. انظري ، طفلنا الرائع حبيبتي ..( أخذت نفساً عميقاً أغمضت ورسمت حلمها وحلمه بأبهى صورة ...إذن هذه هي اللحظة ) ..إلتفتت حيث أشار عليها .. سريرٌ صغير ، فيه ...وبلعت ريقها ..قرد صغير ، شعر أسود طويل ، وجه اسمر مزرّق ، عينان منتفختان ..والعطش يزداد شراسة في الحلق وغصّة في القلب ( مستحيل ، ليس ابني ) اشاحت بنظرها وعادت تتفرّس في ملامح حبيبها ، لماذا لا يشبه والده بتفاصيل وجهه الهادئة والمحبّبة ، أنفٌ شامخ وملامح واضحة وجبين وضّاء ..وأنا ما زلت تلك الجميلة ...وأجهشت في بكاءٍ مرير بينما النسوة حولها وهو يشرح لهم في دهشة واضحة ..أنّ طفلها لا يروق لها !!.
إتجهت نحو غرفة الجلوس وهي تحمل فنجان القهوة و ..كتاب ، اختارت هذه المرّة أريكة تواجه برائته بينما هو يتابع برامج الأطفال ..ترتشف القهوة بينما هي تستمتع بنكهة وجهه الملائكي وشعره المنساب بنعومة على استدارة وجهه ..وهذا الفم ( المدهش ) وعيناه بلون العسل المصفّى ...كيف تحوّل مع الأيام الى هذه القطعة الفنية الرائعة ؟ ( سبحان الله ، ما شاء الله ) ..ترك مقعده وانتقل الى أحضانها بعد أن وضعت فنجان القهوة جانباً وتخلصت من الكتاب الذي لم تقرأ منه صفحة واحدة ....ثم بدأت تمسح على رأسه في حنان متدفق ، لماذا تمسح على شعره بالذات ؟ أم أنه العقل الباطن الذي يربط هذه الحركة باليتم ؟ ..بلعت ريقها وشعرت بالعطش مرّة أخرى ..ذات نكبة ..يوم استيقظت على صوته الباكي يناديها ..نهضت متثاقلة من سريرها وهي نصف نائمة تهتف بصوت تحاول أن يكون مرتفعاً : قادمة حبيبي ..وكانت تتساءل بينما هي تعبر الممر الذي يفضي الى غرفته (لماذا يبكي ؟ ليس من عادته البكاء عند الصباح )بينما هناك صورة مزعجة ترتسم في ذاكرتها ..ومن بين قضبان سريره الخشبي كانت دموعه تستقبلها ..طوقته بأحضانها وهي تضعه أرضاَ كان يردد : ( ماما أًريد الحمّام ) ...وابتسمت للذكرى لقد تعود منذ يومين فقط دخول الحمّام ..قالوا لها أنها تأخرت وردّدت لهم واثقة : أبداً ، هذا هو العمر المناسب ما زال في عمر العامين وسبعة أشهر ...هذا هو الوقت المناسب .
وقبل أن تطبع قبلتها على وجهه بدأت تلك الصورة المزعجة تدفعها نحو الهرولة مرة أخرى الى غرفتها .فوق السرير والشراشف الوردية ..عينان جاحظتان ، زبد أبيض ...وأنين غرغرة ...هرعت اليه : حبيبي استيقظ ...حاولت تحريكه لكنه كان متجمداً ..فتجمدت مشاعرها ..أمّا الصغير فقد تكوّر عند باب الغرفة وهو يحمل فوق عمره جريمتين : جريمة البلل وجريمة ...اليتم .صرخت صرخة مكتومة ...جعلته ينتفض من حضنها ويتجه نحو غرفته قائلاَ : سأبحث عن حقيبتي السوبر مان، أٌريد أن آخذها معي في الغد ..إبتسمت وهي تراقبه لقد أصبح صاحب قرار ، لقد اخذ طباع والده هدوءه ورباطة جأشه ..إستشّفت تلك البوادر عندما حملتهما سيارة عمه الذي كان يبكي وهو يقود بينما والدتها تجلس في المقعد الذي يجاوره ، كان يردد من بين دموعه : أنت من سيخبر أمي ، عندما تراك مع الصغير وحدكما ستفهم كل شيء ، لا أستطيع أن أخبرها أن ابنها الشاب قد مات ..أرجوك
اقترب الصغير منها وهمس في اًذنها ( ومن دون أن يذكر والده بكلمة واحدة رغم تعلقه الشديد به ) : ماما ماذا يحدث ؟...
ردّت عليه من خلال وجومها : سنذهب عند جدتك وستلعب مع صديقك حسام طوال اليوم لأنني سأكون مشغولة عنك ..نظرت الى حيرته واضافت : هناك شيء ضخم يحدث سأخبرك عنه لاحقاَ وبالتفصيل ..
قال : إذن هذا وعد . .أجابت : وأنا لا أٌخلف وعودي أبداً.
كاان تنفيذ الوعد في ( نفس الليلة ) ...صورة قاتمة لأرملة في الثلاثين من عمرها تجلس على مقعد يقابل الموت في حضرة العتمة تشرح ليتيم في عمر العامين وسبعة اشهر ..معنى اليتم .قالت http://www.sha3erjordan.net/vb/images/smilies/frown.gif بابا ..سافر الى السماء ولن يعود أبداً ..لا تنتظر عودته أرجوك )
( سأشتاق اليه ..هل سنذهب نحن اليه ؟)
( نعم ، كلنا سنذهب لكن عندما يحين موعدنا )
ارتجف جسده الصغير في أحضانها وقال : ( هل سترحلين الى السماء وتتركيني ؟)
ردّت عليه : ( لا ، لن أتركك وحدك ، هذا وعد ) بدأ يغفو وهو يقول مطمئناً : ( وأنت لا تخلفين وعودك أبداً ) .


بدأت العبارة تدق في رأسها ..بينما هو يحمل حقيبته ويضعها امامها قائلاً : ( لقد وجدتها اين النقود ؟)هتفت وهي تتجه نحو حقيبتها ( سأنفذ وعدي ، لا تخف ، أنا لا أخلف وعودي أبداً )
[/frame]
[frame="1 98"]



[/frame]

نصيرة تختوخ 28 / 04 / 2009 25 : 11 PM

رد: الوعد
 
سرد موفق وصور استوفيت كل ملامحها , وعود تتحقق و أخرى قد لا يشاء الله لها أن تتحقق و هو العليم بما يجهله البشر.
تشجيعي و تقديري لك

لانا راتب 30 / 04 / 2009 28 : 01 AM

رد: الوعد
 
العزيزة نصيرة تختوخ

مرورك يسعدني جداً ورايك أعتز به واقدره ..كنت أحتاج ردودكم وتعقيباتكم هذه المرة لأنها القصة السردية الأولى

وهي تختلف اختلافاً كبيراً عما تعودت أن أكتبه ...مرورك كان لقلبي بلسماً وتشجيعك أقدره

مودتي خالصة

ناجية عامر 30 / 04 / 2009 22 : 02 AM

رد: الوعد
 
الأستادة لانا راتب

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

عزيزتي، بداية موفقة ان شاء الله في مجال القصة القصيرة
كنت بارعة في اختيار الموضوع ، حوار جميل و سرد رائع

وفقك الله

هلا عكاري 01 / 10 / 2009 09 : 06 PM

رد: الوعد
 
عزيزتي لانا..
قصتك آسرة حزينة تدمع العين وتعتصر الفؤاد..
سردك هادئ وجميل ..
اكتشفت هذه القصة بالصدفة فوددت ان اسطر اعجابي بها هنا
دمت ودام قلمك المبدع..وتقبلي فائق اعجابي..

هلا


الساعة الآن 41 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية