منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الإعجاز القرآني بكافة فروعه (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=26)
-   -   التصوير الفني في القرآن الكريم (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=10677)

علا ابوشعبان 29 / 05 / 2009 02 : 12 AM

التصوير الفني في القرآن الكريم
 

القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه و تعالى المُنَزَّلْ على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي جبريل عليه السلام،
هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وهو الأساس الذي تبنى عليه جميع المصادر الباقية،
هو معجزة الله العظيمة التي وعد سبحانه وتعالى بحفظها وتمكينها في شتى بقاع الأرض…
جاء كتاب الله العزيز مُعْجِزاً في بيانه و بلاغته،
تحدى في ذلك العرب الذين كانوا يفخرون بلغتهم ويمجدون الشعراء والفصحاء،
فكان صورة جديدة أشد فصاحة وأشد بلاغة لها أوزان وبحور وقوافي خاصة بها لم يعرفوها من قبل أن يذكرها لهم محمد صلى الله عليه وسلم،
هي بذلك ليست شعراً ولا نثراً!!…
جاء معجزاً لأهل الكتابْ من اليهود والنصارى في آياته وبما أنزل الله فيه من أمور الغيب،
في توافقه مع ما نزل في الإنجيل والتوراة، فَمُنزِلهما و القرآن هو إله واحد لا إله إلا هو،
خالق هذا الكون القادر على كل شيء، فسبحانه وتعالى عما يشركون…
الإعجاز القرآني العظيم لم يقتصر فقط على ذلك، بل جاء معجزا للناس في كل زمان ومكان،
وامتد بذلك إلى جوانب كثيرة، منها الإعجاز الكوني وسرد مجموعة كبيرة من الحقائق العلمية حول خلق السماوات والأرض والإنسان،
ففي زماننا هذا تمكن العلماء من تفسير بعض الآيات الكريمة بناءاً على مجموعة من الحقائق العلمية الثابتة،
كما أثبتوا لعلماء الغرب بأن القرآن الكريم جاء على ذكرها بلغة عربية بالغة الفصاحة قبل 14 قرن من الآن،
فكيف لا يؤمنون بمنزّل هذا الكتاب بعد ذلك ولا يصدقون رسوله عليه الصلاة والسلام؟
من أين جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق وهذه المعلومات؟ أليس الله عز وجل هو من علمه وكلَّفه بهذه المهمة العظيمة؟
أما آن لنا أن نتفكر قليلا ونتدبر وندرك أن من خلق هذا الكون ومن أنزل الكتاب هو إله واحد؟

ومن أوجه الإعجاز العظيمة في كتاب الله عز وجل "الإعجاز التصويري أو التصوير الفني"..
ومعنى التصوير هو: نقل المعاني كأنها صورة تحدث أمام نفسك..

بحث كثير من العلماء حول هذا الجانب من إعجاز القرآن الكريم،
وكان أول من تطرَّق إلى الكتابة الموسَّعة حوله هو الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في كتابه الرائع ( التصوير الفني في القرآن الكريم)…

وقال سيد قطب في ذلك:" التصوير هو الأسلوب المفضّل بالقرآن وهو الأصل في بلاغة القرآن اللغوية"..
ويقول: " التصوير الفني ليس حُلية أسلوب إنما هو مذهب مُقرر وخطة موحدة و خصيصة شاملة وطريقة معينة يستن في استخدامها بطرقٍ شتى"…
وقام سيد قطب بتقسيم التصوير الفني إلى عدة أقسام:

اولاً: تصوير المعاني الذهنية في صور حية محسوسة، ومثال على ذلك بقوله تعالى:
{ إِنَّ الذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطْ } الأعراف 40
يرسم القرآن الكريم صورة للذين كفروا، ويقول أنه لا أمل لهم بدخول الجنة إطلاقاً…
فجاء بمثل إنسان بيده حبل غليظ " الجمل هو الحبل الغليظ السميك جدا" يحاول أن يدخله في فتحة الإبرة "سم الخياط هي فتحة الإبرة "، وبالتأكيد يستحيل ذلك، حتى يشعر القارئ باستحالة دخول الكفار إلى الجنة ويعتبر ويؤمن… وفي قوله تعالى:
{ يأيها الذين آمنوا لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والأَذى كالذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ الناسِ ولا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليوْم الآخِر، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَليْهِ تُرابُ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً، لا يَقْدِرون على شيءٍ مما كَسبوا والله لا يَهْدي القَوْمَ الكافرينْ } البقرة 264
الآية الكريمة تُشبّه المؤمن الذي يَمُن بالمنافق الكافر الذي ينفق ماله كبرياء وتفاخر وابتغاء لمرضاة الناس…
والصفوان هو الحجر الصلب اليابس وإذا كان في الأرض تكون عليه طبقة رقيقة من التراب فلا يبدو كحجر بل كجزء من التربة وكأنه جزء صالح للحرث والزراعة، ولكن عندما يصيبه المطر يزيل هذه الطبقة الرقيقة ويظهر الحجر الصلب…
فالآية تصور قلب المنافق المُرائي بالتصدق بالحجر الصلب المُغَطّى بطبقة من الرِّياء والإنفاق والأعمال التي يبدو ظاهرها صالحاً لكن حقيقتها ليس فيها خير وسرعان ما تتكشف لتبدي السوء والشر، فالهدف من هذا التشبيه هو تنبيه المؤمن بألا يفعل مثل هذا المنافق…
وكانت تلك أمثلة على تصوير المعاني الذهنية في صورة حسية…

ثانيا: تصوير الحالات النفسية في صور مجسمة، ومثال على ذلك بقوله تعالى:
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله على حَرْف، فَإِنْ أصابَهُ خَيْرٌ اطمأَنَّ بِهِ، وإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ على وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا والآخرة، ذلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبين } الحج 11
صورة عجيبة وحالة نفسية يصفها الله عز وجل للإنسان الذي آمن ولكن لم يستقر الإيمان في قلبه، يريد أن يستفيد من عقيدته مكاسب دنيوية، أي مؤمن متزعزع وراغب في الدنيا أكثر من رغبته في الآخرة…
فيشبهه وكأنه يقف على حافة الهاوية "على حرف"، وإذا لامسه شيء بسيط "فتنة وإن صغر أمرها" يسقط، ويترتب على ذلك انه سيخسر الدنيا والآخرة…

ثالثا: تصوير الأحداث والقصص والأمثال بصور حسية، ومثال على ذلك بقوله تعالى:
{ هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، لا مَرْحَباً بهم، إِنَّهُمْ صالوا النَّار، قالوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحباً بِكُمْ، أَنْتُمْ قّدَّمْتُموهُ لَنا، فَبِئْسَ القَرار، قالوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً في النَّار، وقالوا مالَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرار، أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصار، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّار } ص 64،63،62،61،60،59
مشهد عظيم في يوم القيامة، يصور كيف يدخل المجرمون للنار أفواجاً، فيدخل أول فوج وهم أشد الناس فجوراً وكفراً ثم يأتي فوج آخر أقل منهم في ذلك وتتابع الأفواج…
عندما يدخل الفوج الثاني جهنم يقول لهم الفوج الأول، لا مرحبا بكم، فيردوا لا مرحبا بكم انتم، انتم سبب دخولنا النار، ثم يبحثوا عن أشخاص كانوا يعتقدون أنهم مجرمين أو ربما اتهموهم بالإرهاب أو ما شابه ولا يجدوهم، ويصورهم المشهد وكأنهم يتجولون في جهنم أثناء عمليه البحث…

رابعاً: استعمال بعض المفردات الدالة على معاني حسية لوصف شيء معنوي، ومثال على ذلك بقوله تعالى:
{ كأنَّما أَغْشِيَتْ وُجوهُهُم قِطَعاً مِنَ الليلِ مُظْلِماً } يونس 27
هذا الأسلوب البلاغي كان من النادر استعماله عند العرب، ولم يشيع استخدامه إلا بعد نزول القرآن الكريم…
وهنا في الآية الكريمة يصف الله حال الكافرين يوم القيامة والسواد يغشى وجوههم وكأنه من شدة ظلمته قطع من الليل، فكيف يكون لليل قطع وهو ليس بمحسوس؟ ولكن الله تعالى هو خالق الليل وقادر على كل شيء…

خامساًً: الإيقاع والفواصل وخواتيم الآيات:
من إعجاز القرآن الكريم في جانب التصوير اللغوي، وتشمل القافية القرآنية ذات السمات الخاصة، وهذا يكثر بالسور القصار والسور المكية…قال الله سبحانه تعالى:
{ والنَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوَى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } النجم
سبحان الله العظيم، بالنظر للوزن والقافية القرآنية نشعر بجمال القرآن الكريم، بكلام البشر أحيانا يضع الشاعر كلمات لا داعي لها حتى تحفظ الوزن أو القافية، لكن القرآن جماله أنه موزون وكل حرف له معني وهدف فهو كلام الله سبحانه وتعالى…
دراسة الإيقاع والوزن والقافية في السور الكريمة واسعة وهناك العديد من النماذج والأمثلة، لا يتسع المجال هنا لذكرها كلها أورد هنا بعض الأمثلة:
ورد في بعض الآيات الكريمة أن القافية اقتضت التغيير في طبيعة الكلمة واستخدام لفظ آخر غير متوقع بالتأكيد مع الإبقاء على نفس المعنى كذلك الكلمة المستخدمة هي عربية فصحى كما قال تعالى:

{ وَالفَجْر، وَلَيالٍ عشْر، وَالَّشفْعِ وَالوَتْر، وَالليلِ إذا يَسْر، هَلْ في ذلك قَسَمٌ لذي حِجْر } الفجر
قال تعالى " يسر" ولم يقل "يسري"..وبالتأكيد الكلمتان عربيتان وتحملان نفس المعنى ولكن الوزن استدعى ذلك كما أنها بهذه الصورة تؤثر بالنفس بشكل أكبر…
فسبحان الذي أنزل القرآن وجعل لكل حرف يُخطف أو يوضع هدف…
ونلاحظ أثناء قراءة القرآن أن الإيقاع والقافية يتغيران فجأة، وهذا التغيير بالتأكيد وضع لأجل هدف فهو يدل على الانتقال من موضوع لآخر، من وصف للأحداث إلى إصدار الحكم أو للتقرير أو التعليق…

سادساً: أسلوب قص المناظر وإقامة القناطر:
وهذه التسمية التي أطلقها سيد قطب رحمه الله على هذا الأسلوب الذي اختص به القرآن..
ومن الأمثلة على ذلك في سورة يوسف، فهي كما قسمها العلماء 28 مشهد، وكيف ينتقل القرآن من مشهد لآخر يكون استعمال هذا الأسلوب…
فمثلا هناك مشهد في مصر وآخر في فلسطين عندما آوى سيدنا يوسف أخاه بنيامين إليه ورفض تسليمه إلى إخوته والحجة كانت اتهامه بالسرقة..قال تعالى:
{ فَلَمَّا اسْتَيْأَسوا مِنْهُ خَلَصوا نَجِيَّا، قالَ كبيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلموا أَنّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ الله وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطتُم في يوسُف، فَلَنْ أَبْرَحَ حَتَّى يَأْذَنَ لي أَبي أَوْ يَحْكُمَ الله لي، وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمينْ، ارجِعوا إِلى أَبيكُم فَقولوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَق وَما شَهِدْنا إِلا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظينْ، واسْأَلِ القَرْيَةَ التي كُنَّا فيها والعيرَ التي أَقْبَلْنا فيها، وإِنَّا لصادقون، قال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمراً فَصَبْرٌ جَميلٌ، عَسى الله أن يَأْتيني بِهِمْ جَميعا، إنَّهُ هُوَ العليم الحَكيم } يوسف 83،82،81،80

الانتقال من مشهد لآخر من مصر إلى فلسطين – مثل القنطرة- وكأنه يقول (فقالوا) بدلاً من ( فقولوا)، وهذا هو قص المناظر..

وأخيراً فإن القرآن الكريم معجزة بحد ذاته وكلما نهلنا من إعجازه وجدنا المزيد…
فسبحان الله العظيم…
يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
( لا تسردوا القرآن سرداً، بل قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة)..

نصيرة تختوخ 29 / 05 / 2009 00 : 01 AM

رد: التصوير الفني في القرآن الكريم
 
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:'لإن أقرأ القرآن في شهر أحب إلي من أن أقرأه في خمس عشرة ,ولأن أقرأه في خمة عشر أحب إلي من أن أقرأه في عشر, ولأن أقرأه في عشر أحب إلي من أن أقرأه في سبع : أقف و أدعو". رواه ابن ابي شيبة في المصنف و ذكره الزبيدي في الإتحاف.

القرآن غزير بالدروس و الحكمة و الجماليات و المعاني و يحتاج إلا تدبر و تأمل لا قراءة فقط .
"كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكم خبير". صدق الله العظيم .

شكرا على ما أورد ت في مقالك أخت علا وماأحسن ماختمت به:
يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
( لا تسردوا القرآن سرداً، بل قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة)..



علا ابوشعبان 01 / 06 / 2009 37 : 06 PM

رد: التصوير الفني في القرآن الكريم
 
الاستاذة الغالية\ نصيرة تختوخ
أشكرك جدا لاضافتك القيمة التي أثرت الموضوع وزادت من قيمته
تحيتي وتقديري
مع أطيب الأمنيات


الساعة الآن 45 : 02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية