![]() |
عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
عصفور النافذة ( قصة قصيرة ) د. ناصر شافعي تجاوز السبعين من عمره بقليل , كل من حوله من الأحباب والأقارب والمعارف والأصدقاء إختفوا تماماً من حياته .. واحداً تلو الأخر . شريكة حياته خطفها المصير المُقدر المحتوم في ليلة مظلمة من ليالي الشتاء البارد الحزين . ربما منذ عام , ربما منذ بضع سنين . لا يهم الزمن .. ولا يهم السكن . . ضاع الزمن والسكن .. ترك منزله البسيط المتواضع , وسريره النحاسي القديم , وفِراشه الدافئ الوثير , وكتبه القديمة الكثيرة , وأتى إلى هنا . يطلقون على هذا المكان الكئيب دار الضيافة !! .. حيث تختفي معالم الدار .. وصفات الضيافة . إنها حفرة عميقة , أو مقبرة فسيحة , تجمع فيها كل ألوان و أشكال البشر .. كل من بلا أهل أو صديق أو ولد . ولكنه منهم , وليس منهم .. لا يُقر , ولا يعترف .. " أنا لىّ أقارب و ولد .. إبني الأكبر هاجر وتركني في رعاية إبني الأصغر و حماية الله و الأم و الجار . إبني الأصغر شغلته متاعب الحياة و الزوجة و الأبناء . عاش معي في منزلي , حتى رحلت رفيقة عمري , فضاق بي و بوجودي معه و صرخ من مشاكلي الصحية . حررت نفسي من قيود الأوامر و النواهي من إبني و زوجته, بالبقاء طوال اليوم خارج المنزل .. حتى يقهرني التعب و يهزمني الإرهاق .. فأعود متسللاً كل يوم بعد منتصف الليل , إلى غرفتي .. لأنام وحيداً .. فلا أنام ". كان مناسباً أن يستمع إلى نصيحة الجيران , و إصرار الإبن و الأقارب .. في الدار ستلقى العناية و الرعاية .. ستعيش مع أقرانك و أمثالك , من كبار السن , و فاقدي القدرة على الحياة . ماذا تفيدك أموالك ؟ .. ماذا تبقى من أحلامك ؟ تمر الأيام .. بل الأسابيع و الشهور .. ولا أحد يسأل عنه . خادم الغرفة , جامد الوجه , عنيف الحركات , لا يتكلم , لا يبتسم . عامل المطبخ .. رجل طيب ولكنه يعتذر و يأسف على كل شئ .. هذه هى الأوامر . طعام بلا مذاق أو رائحة .. بلا ملح أو حلوى .. كل شئ مر .. لا شاي , لا قهوة , لا سكر .. كله منكر !! . في الصباح الباكر لأحد الأيام , إستيقظ على صوت عصفور يدق بمنقاره من خلف زجاج النافذة .. دقائق قليلة مرت .. دخل عامل الغرفة ليخبره أن زيارة في إنتظاره . كان الإبن الأكبر ينتظر في الردهة . تعانقا .. وبكى الأب .. طلب من إبنه الجلوس فإعتذر .. طائرتي ستقلع بعد ساعة واحدة .. آسف مضطر للإنصراف .. وضع في جيب والده حفنة قليلة من الأوراق المالية , و انصرف .. في اليوم التالي .. وفي نفس الموعد في الصباح الباكر .. إستيقظ على دقات منقار العصفور على زجاج النافذة . وبعد دقائق معدودة , دخل خادم الدار يخبره بأن نجله في إنتظاره . إحتضن إبنه الأصغر في لهفة .. وقبل أن يسأله عن زوجته و أولاده , بادره الإبن بطلب مساعدة مالية عاجلة , وأنه يعلم أن أخاه الأكبر ترك له بعض المال بالأمس . تلقى الابن المال من أبيه, و اختفى في لحظات . أصبح عصفور النافذة صديقه الوحيد .. يتعمد كل يوم أن يختلس بعض حبات الأرز من على مائدة الغذاء , يضعها في مظروف صغير يصنعه من ورق الصحف , ويخبئها في جيب بنطاله .. ينظر عن يمينه و يساره خشية إفتضاح أمره .. وفي المساء , وقبل أن ينام يضع حبات الأرز على حافة النافذة لصديقه الوحيد .. في الصباح الباكر يأتي العصفور ليلقي عليه تحية الصباح .. يفتح النافذة .. و يتحدث مع عصفوره الجميل , ويرد عليه التحية . وأصبح العصفور أمله الوحيد المنتظر في الحياة , الذي يأتي كل يوم , من أجله هو فقط , ليلقي عليه تحية الصباح . مرت الأيام و الشهور , و أُغلقت النافذة تماماً .. ولازال العصفور يأتي كل يوم ليلقي تحية الصباح على زجاج النافذة .. بدون حبات الأرز .. وبدون إنتظار لرد التحية . إنتهى . د. ناصر شافعي . 30 أيار / مايو / آيار 2009 |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
نعم .. لقد أحسست بأن النهاية الحقيقية بدأت من قبل .. منذ التحق بهذه الحفرة حيث الأقران ممن نبذتهم الأيادي و القلوب .
أما النهاية الأخيرة فكانت تحصيل حاصل ، وربما كانت زيارة الإبنين الأخيرة هي التي عجلت بها .. وكانت السلوى الوحيدة التي كانت تخفف وطأ تأخر هذه النهاية هي تلك الصداقة الحميمة الممزوجة بنكهة حبات الأرز .. رائعة و مؤثرة قصتك أخي د.ناصر .. عودتنا و الخبير بالنفس البشرية بأن توغل بنا في دنيا المشاعر و الأحاسيس ، وكان التوفيق دائما حليف نصوصك الممتعة . دمت متألقا |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
الأخ الفاضل / دائم العطاء دكتور ناصر
استطعت ان ترسم صورة حقيقية لواحد من رواد هذه الدور (دور المسنين ) وجحود الابناء فانا بحكم عملى زرت دور مسنين البسيطة منها وال4 نجوم صحيح هناك فرق كبير ولكن شعورهم بالوحدة من دون الأحباب فلذات الاكباد قاتل نهاية صعبة ربنا ما يكتبها على حد. نشكرك على براعتك فى توصيل المعانى المؤثرة والأحاسيس الصادقة . :nic85: |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
اقتباس:
أخي العزيز .. الأستاذ القدير رشيد الميموني : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكرك على تعليقك الصادق الأمين على قصتي .. يعجبني فيك أنك تستطيع قراءة ماقبل , ومابين السطور . وأنك تدرك محاولاتي الدائمة لترجمة ونقل المشاعر و الأحاسيس الإنسانية , لعل الناس تفيق من سكرة الأنانية و الجمود و الجحود . وفقنا الله دائماً لما فيه من خير للبشر . |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
اقتباس:
الأستاذة القديرة مرمر يوسف : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعض ماأكتبه من قصص (أو على الأصح معظم ما أكتبه ) له سند حقيقي من الواقع , المؤلم أحياناً , الذي نعيش فيه . ربما أردت أن أوصل بعض المشاعر و الأحاسيس لدى بعض سجناء دار الإيواء , آسف دار الضيافة . أتمنى أن تكون لقصتي مردود طيب لدى الأبناء .. تحياتي و تقديري. د. ناصر شافعي |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
الأخ الأستاذ الدكتور ناصر شافعي هذه الحالات بل القصص كثيرة جدا في مجتمعنا العربي , وقد كثرت مثل هذه الدور بأسماء مختلفة دار الضيافة , دار المسنين, دار العجزة , دار الكرامة , دار السعادة , وغيرها الكثير جدا . لايسعنا إلا أن نشكر هذه الدور على ماتقوم به من أدنى الخدمات لهؤلاء النزلاء . لكن لاشكرا لهؤلاء الأولاد الجاحدين الناكرين لوالديهم ويضعونهم في هذه الدور , مهما كانت الظروف والأسباب . لأني أرى بأن مثل هذه الدور هي للناس الذين لاأولاد لهم . أما الأولاد موجودين ويضعون والديهم في دور المسنين فهنا الطامة الكبرى . قال الله تعالى:" بسم الله الرحمن الرحيم: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا , إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا . صدق الله العظيم " وهل أبلغ وأعظم من هذا الكلام الذي يعلمنا كيف نعامل الوالدين . الأستاذ العزيز الدكتور ناصر : لقد رسمت صورة حقيقة واضحة عن مثل هذه الحالات بقصتك الرائعة, واستطعت أن توصل إلينا , بحق , هذه المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها الآباء . شكرا جزيلا لك أستاذنا , ودائما نحن بانتظار المزيد من قصصك الرائعة المعبرة . |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
[align=center]
الدكتور الغالي ناصر الشافعي مساء الخير قال تعالى في كتابه العزيز : ( و قضى ربك ألا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا ) كلما طلع جيل جديد الا و تفاقم مثل هذا الوضع المخزي، نفور الأبناء لآبائهم، عدم الاعتناء بهم و تجاهلهم ان صح التعبير. كل هذا يدفعنا للتساؤل : أين يتجلى الاحسان بالوالدين لنيل رضاهم؟ يتجلى في رميهم في دور العجزة نظرا لكبر سنهم و عجزهم؟ أم في تجريدهم من ممتلكاتهم و أموالهم؟ أم احتلال مساكنهم و تركهم عرضة للشارع؟ كل هذه الأشياء نعيشها في مجتمعاتنا ، واضحة وضوح الشمس للعادي و البادي و لكل الناس. قال رسول الله (ص) في حديثه الكريم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه و ذلك أضعف الايمان ) في السنوات الأخيرة و لسوء الحظ لم نعد نرى جارا أو قريبا يعاتب ابنا ارتكب خطأ ما أو معاملة سيئة اتجاه والديه أو اتجاه أحدا من أفراد أسرته، مما يزيد من تصاعد النزاعات وسط أفراد الأسرة . شكرا لك دكتورنا الغالي لرسمك هذه الصورة الحقيقية تحياتي و تقديري [/align] |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
د . الفاضل ناصر عند اطلاعي على قصتك لم أشعر إلا وأني أزور دار الكرامة أو دار العجزة أو دار السعادة!! هذه الأسماء موجودة في دمشق وربما في كل الدول العربية !!! بأسماء أخرى التي امتلأت بأمهات وآباء كان قدرهم أن يعيشوا ويموتوا في هذه الزاوية عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن والدي يحتاج مالي قال أنت ومالك لوالدك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم ( حسن صحيح ) _ ابن ماجه 2292 ففي سورة لقمان يقول الله تعالى ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) ويقول في سورة الإسراء ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) كم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بينت لنا واجب الأبناء تجاه الآباء ولكن نجد الكثير منهم ما أن أصبحوا شباباً إلا نسوا ما قدمه الأبوين اللذين كانا هم سبب وجودهم في هذه الحياة دكتور ناصر إن من عقوق الوالدين هوضعف الوازع الديني عند الابناء والتفكك الأسري ومقاطعة الأفراد بعضهم في الاسرة الواحدة وأن لمغريات العصر الحديث مع الإمكانيات المادية وتدليل الأبناء أو أحياناً الزوجة الحقودة التي ترغم زوجها على وضع أبويه في دار المسنين كل ذلك له دور كبير ايضاً وربما البطالة عند البعض أو ضعف الإشباع العاطفي من الوالدين للابناء !!! أمور كثيرة تجعل من الأبناء أن يعقوا والديهم فأين الإعلام من كل ذلك ولماذا لايقدم الآباء قصص لأولادهم عن رعاية الآباء لأجدادهم دكتور ناصر قصتك آلمتني كثيراً جعلتني أذكر قصص كثيرة سمعتها عن عقوق الوالدين ربما لقصتك هذه التي دخلت أعماقنا وأحاسيسنا عبرة لكل ابن ضال وعاق لوالديه شكراً لك على قصتك الرائعة ودمت بخير |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
استاذي الكريم د. ناصر قصة مؤلمة بالفعل .. والعصفور هو من فجر نقطة الألم في داخلي .. ربنا أرسل هذا العصفور ليؤنس وحدة هذا المسن الذي لفظه أبناؤه وفلذات كبده واصبح لهم مجرد ورقة نقدية أأسف عندما تموت المشاعر فينا .. ماذا تبقى لنا ؟؟ المسن هو كل شخص فينا فماذا ينتظر الأبناء ؟ وضعت يدك على الجرح استاذي الف شكر وبارك الله فيك وعفا عنك وعنا أجمعين :nic94: |
رد: عصفور النافذة ( قصة قصيرة )
عفوا ً استاذي الفاضل د.ناصر لم أقرأ رسالتك الكريمة إلا الآن الف شكر على دعوتك الكريمة لي بمشاركتكم قراءة القصة كله من لطفك وذوقك اخي وأرجو ان تسامح تقصيري عما قريب ان شاء الله سأتمكن من التواصل بشكل فعال اتمنى لك كل السعادة والهناء يا رب :nic35: |
الساعة الآن 44 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية