![]() |
في قصة (رفيق الطريق) للدكتور ناصر شافعي.
[align=justify]" إنها إنسانية ملائكة الرحمة.." ، بهذه الجملة البسيطة اختتم الطبيب و الأدبيب الفرنسي الشهير فرانسوا رابلي أحد فصول كتابه المخصص لتنشئة و تربية الطفل المعنون ب : (Gargantua et Pantagruel). سائرا كذلك في مسار الإشعاع الأدبي للطبيب، إلى المستوى الذي نتحدث فيه عن ظاهرة :" الأديب الطبيب " التي رافقت كل التقسيمات التاريخية الكبرى للنشاط الإنساني.
الدكتور ناصر شافعي واحد من هؤلاء الذين يثبتون أن التكوين الطبي ينسجم مع الوجود الغائي للفعالية الأدبية المتلخص في الإنتماء إلى الأشجان الإجتماعية لبني الإنسان انطلاقا من الوحدة العلمية الطبية المبدئية للجسم الإنساني فيزيولوجيا و شراحيا و عموما بيولوجيا. لقد تحدث الدكتور أحمد زكي عن علاقة البحث العلمي بالتفكير الفلسفي و الإنتاج الأدبي من خلال مقولته التي ما تزال عالقة بأذهان أولئك الذين عاصروا بدايات مقالاته المستوحاة من الإكتشافات العلمية و التي نشرها في مجلة (العربي)، يقول أحمد زكي :" وحدة الخالق تتراءى في الوحدة العلمية للمخلوقات ". لهذا، فليس بالملاحظة الغريبة أن نجد أن من بين رواد المذهب الإنسي الأنواري أطباء و فيزيائيين و متخصصين لامعين من مختلف فروع العلوم التطبيقية. فصاحب مقولة :" الأسلوب هو الرجل " و التي لا يمكن لأي حاكم سياسي أن لا يكون على علم بها هو الفيلسوف و الفيزيائي الفرنسي بليز باسكال. يجدر بنا أن نتذكر أيضا أن الثورة على الإعتقادات الخرافية التي روجت لها الكنيسة الكاثوليكية إبان القرون الوسطى تحققت عبر المنهج التشكيكي الديكارتي الذي استوحى منه الفيلسوف كارل بوبر نظرية (القابلية للتفنيد) التي تنص على أن الحقيقة العلمية نسبية و أن نظرية ما كي تستحق الإنتماء إلى النطاق العلمي يجب أن يعترف واضعها بأنها قابلة للتكذيب. لا يجوز أن نتطرق إلى الوزن الإنساني و الإنسي لظاهرة " الأديب الطبيب " أو بصورة أكثر شمولية :" الطبيب المفكر "، دون الإشارة إلى أن أحد الذين اشتهروا في القرن العشرين بتأييدهم المتقد لسمو شخص الإنسان أو تلك الحالة التي سماها أفلاطون (المدينة الفاضلة) و التي سماها هيجل (جدلية العبد و السيد) و التي سماها مارتن هايدجر (ظاهرة الحدوث) و جسدها فكتور هيجو عبر شخصية (جان فالجان) من رائعته (البؤساء)، هو الطبيب الثائر ارنستو تشي جيفارا. في النص الأدبي و النص التأملي الفلسفي يتسم حمل أثقال الإنسانية بالأحادية، بيد أن الطبيب تشي جيفارا مهد لتحويل الإحساس بمعاناة الأغيار إلى حركية واقعية و عملية تنشد التغيير..ليس أي تغيير..التغيير المتوخى هو التغيير الراديكالي المنبعث من مقولة :" الطريق طويل و حالك، فإن لم تحترق أنت و لم أحترق أنا فمن سينير الطريق للأجيال القادمة ". في عبارة :" فإن لم تحترق أنت و لم أحترق أنا " تظهر بوضوح بالغ الحركية الإجتماعية لمبدأ الدفاع عن الإنسانية باستخدام الإنسية التي شارك زملاء الدكتور ناصر في صياغتها نظريا و تطبيقيا. تتابعت إلى ذهني هذه الأفكار و أنا أغوص في قصة (رفيق الطريق) للدكتور شافعي، أسرتني كقارىء سلاسة اللغة و انسيابية التعبيرات و دقة الصور المستمدة من عمق الواقع الإجتماعي للطفل بالإضافة إلى المغزى الذي اختتم به الأستاذ ناصر القصة-الواقع و ليس القصة-الحكاية التي يتسم بها أدب الطفل التقليدي. كل هذه العناصر التكوينية المتناسقة فيما بينها تسمح لي بأن أقول بأنني أمام قصة تنتمي إلى أدب الطفل الجديد. توجد ثلاثة فضاءات واسعة تشتغل عبرها الأعمال القصصية التي تتناول الطفولة كمرحلة تعليمية و تربوية، و هي : المجتمع و المؤسسة التعليمية و الأسرة، و قد اقترح علينا القاص توظيفا يتميز بالتداخل و المساواة الإستعمالية بين مختلف مكونات الفضاءات الثلاثة، و هو لا يستعمل أي تعقيد فكري للدلالة على الادوار التي منحها لكل فضاء على حدة. القاص دقيق و واضح في توزيع مفرداته، فكأن الدكتور ناصر أثناء معالجته لقضية اجتماعية، يدخلها إلى عيادته، يرتدي البذلة البيضاء و ينهمك في التشخيص بتؤدة و أناة. إذ كما أن التشخيص الجيد هو أساس العلاج الجيد، فإن الوصف المتراص (التشخيص في منهجية التعامل مع القضية السوسيولوجية يسمى الوصف) هو أساس الحلول الرصينة في المجال السوسيولوجي. الأستاذ ناصر، و هو الأثر التلقائي لتجربته المهنية الطويلة، ينتهج الأسلوب الأمبيريقي (التجريبي) في التعامل مع القضية السوسيولوجية أو الفكرية عموما، و هذه الخاصية تزرع في نفسية القارىء رغبة الإستمرار في قراءة النص لأن رسالته أو بالأحرى أطروحته لا ترتبط بجزء منه و إنما بالمادة المعرفية الكلية التي يتضمنها. إنني أشجع الأستاذ ناصر على مواصلة الكتابة للأطفال، فإذا كانت الكتابات التي أنجزها بعض الناشطين في هذا المجال الحيوي تستدعي مرافقة الطفل خلال القراءة من لدن شخص بالغ، فإن قصة (رفيق الطريق) يستطيع المعني الأول بها أي الطفل قراءتها بمفرده و سيذهب في اليوم الموالي إلى المدرسة و في ذهنه فكرة أساسية و متكررة مفادها أنه يجب أن يتوقف مثلا عن السخرية من أحد أترابه الذي يعاني احتياجا خاصا، بل إنه سيسعى إلى بناء صداقة عادية مع هذا الطفل الذي لا يختلف عن غيره جوهريا. في الختام يبقى أن أشير إلى أن الخلفية الإنسية التي تدير إبداعات الطبيب الأديب تتراءى في تسليط الضوء على الطفل المصاب بالشلل، و الذي يشكل من الناحية الطبية اشكالية عويصة تستدعي المثابرة في الأبحاث و يشكل من الناحية التربوية دعوة إلى كسر الجدار النفسي الذي يمكن أن يحجز هذه الفئة من الأطفال عن التأقلم مع محيطها الإجتماعي. [/align] |
رد: في قصة (رفيق الطريق) للدكتور ناصر شافعي.
الأستاذ القدير و الكاتب المبدع هشام البرجاوي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكرك على هذا النقد المفصل الصريح الواضح لقصتي " رفيق الطريق " . أنا أتفق مع سيادتكم في أن التكوين المهني الإحترافي لي كطبيب , قد ترك آثاره الواضحة فيما أفكر و أكتب . ويسعدني و يشرفني أن تكون قصتي بداية لنوعية جديدة من أدب الأطفال . أشكرك على هذا التحليل الثري الجميل . تحياتي وتقديري . القصة على الرابط التالي : http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=10191 |
الساعة الآن 48 : 01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية