منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   (( الأمير أحمد )) قصة قصيرة بقلم / سليم عوض علاونه (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=10993)

سليم عوض علاونة 19 / 06 / 2009 20 : 07 PM

(( الأمير أحمد )) قصة قصيرة بقلم / سليم عوض علاونه
 
(( الأمير أحمد ))
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )
غـــــــزة
____________________
(( الأمير أحمد ))
من في الكويت لم يعرف " الأمير أحمد " ؟! .. من في الكويت لم يلتق بـ " الأمير أحمد " ؟! .. لا أحد بالطبع .. فجميع أهل الكويت يعرفونه جيداً .. شاب أنيق ، يقود سيارته الفخمة ، بينما يجلس إلى جواره في المقعد الأمامي طفل لم يتعد الثالثة من عمره يجلس كالملاك الوديع .
يتوقف الأمير بسيارته بمجرد مشاهدته مجموعة من السابلة أو أحد من أصحاب المحلات .. يطل برأسه من نافذة السيارة .. يبدو أنه يسأله عن أمر هام .. إشارات اليدين والحركة من السابلة توحي أن الرد كان بالنفي دائماً .. يتحرك الأمير بسيارته محبطاً مكفهر الوجه .. لا يلبث أن يصرخ بصوت مدوٍ يتردد في أرجاء الكويت كلها :
- فاطمة .. فاطمة .. فاطمة ..
* * *
.. إلى الكويت وصلت .. برفقة مجموعة من الفتيات من بنات جلدتها .. بيضاء ناصعة كالثلج هي .. رقيقة كالنسمة .. خفيفة كالفراشة .. حلوة كالشهد .. جميلة كالقمر . طفلة كبيرة .. أو امرأة صغيرة .. لم تتعد الثامنة عشرة من عمرها .. من " موسكو " العاصمة هي .. حضرت مع بعض صديقاتها الروسيات بعد أن تم تعاقدهن مع " الرجل الأنيق " للعمل .. " سكرتيرات " .. موظفات استقبال في الفنادق الراقية .. مربيات أطفال لدى بيوت الأمراء والأثرياء .. موظفات بيع في المحلات التجارية الكبرى . كان هذا هو العمل الذي تم التعاقد عليه معهن ، ولكن العمل الحقيقي كان شيئاً آخر لا يمت إلى هذا وذاك بصلة .
ما إن وصلت المحطة الأخيرة .. حتى كان في استقبالهن زمرة من المشايخ ذوي اللحى الطويلة والعباءات المقصبة المذهبة المدلاة والابتسامات الخبيثة والنظرات المتلهفة .
ما إن أنقد كلاً منهم رزمة ضخمة من الأوراق النقدية لـ " الرجل الأنيق " حتى اندفع نحو فتاته التي اختارها من بين الصبايا .. وراح يشدها من يدها بغلظة وفظاظة .. بينما الرغبة الجامحة تسيل مع لعابه المنهمر من فمه المخيف .
ظنت " فالنتينا " أن الرجل ذو اللحية الكثة والعباءة المقصبة المذهبة المدلاة واللعاب المنهمر .. ظنته رب العمل .. تماماً كما اعتقدت بقية الفتيات ذلك عندما هجم عليهن ذوي العباءات المزركشة المقصبة والمذهبة المدلاة .
قادها بجلافة وصلف كأنه يقود الحمل أو الجمل نحو السيارة الأمريكية " آخر موديل " .. أجلسها في المقعد الخلفي للسيارة .. لم يجلس في المقعد الأمامي إلى جانب السائق .. جلس إلى جانب الفتاة .. التصق بها .. بإشارة خاصة من حاجبيه كان السائق يتحرك بسرعة .. سال لعاب ذي اللحية والعباءة وهو يمد يده ناحية الصبية .. ابتسمت الفتاة رغماً عنها وهي تحاول إبعاد يده الخشنة عنها برفق .. أحس أن شيئاً من كرامته ورجولته قد مست !!.. هجم على الفتاة يحاول ضمها وتقبيلها .. سال لعابه على وجهها وصدرها .. فبلل رداءها الجميل المتواضع ‍.
هدأ قليلاً وهو يمصمص شفتيه .. حاولت أن تبعده أكثر من مرة اتقاءً لرائحته الكريهة ولحيته الغريبة ولعابه المنهمر .. ضغط على جسدها بقوة .. تأوهت برقة فزادت الرغبة لديه من جديد .. اندفع كالحيوان الجامح ينقض على فريسته .. أمر السائق بإسدال الستائر على نوافذ السيارة ، راح يخلع عباءته عن جسده .. وراح يحاول أن يجرد الفتاة من ملابسها ؟‍ .. بإشارة أخرى كان السائق يغلق أبواب السيارة ويرفع الزجاج حتى لا يدع مجالاً للفتاة بالهرب ، وإمعاناً في الحيطة زاد من سرعة السيارة ووضع شريط مسجل صاخب في الجهاز .
راح يحاول أن يحتضن الفتاة بينما راحتاه تضايق الفتاة بوحشية رغم تمنع الفتاة واحتجاجاتها وصرخاتها المكتومة والمدوية .. بلل ذو اللحية الكثة والعباءة المقصبة المذهبة المدلاة واللعاب المنهمر ثياب الفتاة بلعابه مرة أخرى .
بعد لحظات كان ذو اللحية يهدأ شيئاً فشيئاً .. وراح جسده يتراخى تدريجياً وتتراخى راحتاه عن جسد الفتاة .. ثم راح في سبات نوم عميق وارتفع شخيره ليملأ المكان .
راحت الفتاة تلملم شتات نفسها المبعثرة وتلملم ملابسها المتناثرة ، محاولة ارتداءها بعد أن أحست أن صدرها وجسدها يتمزقان ويلتهبان من آثار وحشية الرجل الفظ .. أخذت تبكي وتئن كطفلة صغيرة فقدت شيئاً عزيزاً عليها .. راحت تلملم شتات نفسها وأشياءها بانكسار وذلة .
وصلت السيارة إلى بوابة كبيرة ، قام السائق بفتحها عن طريق " الريموت كونترول " .. دخلت السيارة إلى المكان الفسيح الذي يشبه الحديقة أو الغابة .. قاد السائق سيارته طويلاً حتى وصل القصر المنيف الذي يتوسط الحديقة .. ترجل السائق من أمام المقود ، صمت للحظات وكأنه يخشى أن يوقظ الرجل ذو اللحية من سبات نومه .. تململ ذو اللحية .. تثاءب .. تمطى .. أصدر أصواتاً غريباً وهو يخرج رياحاً متعاقبة من فمه وأنفه .. ومن أسفل جسده ؟‍ .. سارع السائق لفتح الباب الخلفي للسيارة .. تلقى إشارة معينة من الرجل ذو اللحية والعباءة واللعاب ، أمسك الفتاة بقوة وصلف .. طوقها بساعديه القويتين محاولاً إخراجها من المقعد الخلفي للسيارة ، كان يتعمد الاحتكاك بها وضمها ومحاولة تقبيلها وهو يقوم بالمهمة بينما كان الرجل ذو اللحية والعباءة واللعاب يراقب الأمر بابتسامة بلهاء وهدوء غريب .
تمكن السائق بعد عدة محاولات من انتزاع الفتاة من المقعد وحملها بين ذراعيه كطفلة صغيرة وانطلق بها إلى داخل القصر المنيف .
ألقى السائق بالفتاة إلى سرير فخم في الحجرة الأنيقة والمؤثثة بالأثاث باهظ الثمن .. راح يحاول المساس بها بعنف وفظاظة رغم محاولاتها اليائسة في الدفاع عن نفسها حسب قوتها المتواضعة .
بعد لحظات .. كانت خطوات ذو اللحية والعباءة واللعاب تقترب من المكان رويداً رويداً .. وقبل وصوله إلى الحجرة كان السائق قد أنهى مهمته مع الفتاة .
لم يلبث ذو اللحية والعباءة واللعاب أن وصل الحجرة .. دفع الباب بقدمه بقوة ..نظر إلى فريسته المسجاة على السرير الحريري ، فابتسم ابتسامة الذئب الذي ينوي الانقضاض على فريسته .. راح يخلع عباءته المقصبة المذهبة المدلاة .. وثوبه الموشى بالذهب الخالص , .. ، مال ناحية دولاب الملابس .. أخرج منه علبة صغيرة .. تناول منها بعض الأشياء .. وضعها في فمه بلذة غامرة .. نظرت الفتاة ناحية الرجل فهالها بشاعة مشهده وسوء منظره ، تصورته الشيطان ذاته .. دفنت رأسها في الفراش حتى تتلاشى النظر إلى ذلك المشهد المريع .
اندفع الرجل نحوها اندفاع الشيطان .. صدرت عن الفتاة صرخة رعب وخوف وأنة ألم .. حاولت إبعاده عنها .. تمكنت من ذلك بعد عدة محاولات مستميتة .. في المحاولة الأخيرة كانت تدفع بالرجل إلى جانب السرير .. يبدو أن الدفعة كانت قوية بعض الشيء ، فسقط الرجل على الأرض بلا حراك .
صعقت الفتاة .. ارتعشت .. ارتعدت .. تملكها الخوف والجزع .. اقتربت من جثة الرجل .. تأكدت أنه يتنفس بصعوبة.. جزعت .. سارعت إلى بقايا ملابسها الممزقة المهلهلة ووضعتها على جسدها .. وجدت أنها لا تستر الجسد .. مالت نحو العباءة وارتدتها فوق الثياب المهلهلة .. تلفتت حولها عدة مرات .. فتحت باب الحجرة .. سارعت بالمغادرة .
خرجت لا تلوي على شيء .. لا تدري إلى أين تذهب .. خرجت من القصر .. أخذت تعدو ناحية البوابة الخارجية.. حاولت فتحها دون جدوى .. قررت أن تتسلق السور والانطلاق إلى الخارج ..
أخذت تعدو بكل ما أوتيت من قوة .. أو بما تبقى بها من قوة .. محاولة الابتعاد عن المكان بقدر الإمكان .. تتلفت إلى الوراء بين الفينة والأخرى وكأنها تحس أن أحداً ما يلاحقها .
الوقت متأخر جداً .. الساعة ما بعد الواحدة ليلاً .. الشوارع شبه خاليه أو لعلها كذلك .. المنطقة شبه نائية أو هي كذلك .. السيارات معدومة على الطريق .. أخذت تعدو وتعدو بدون هدف .. فكل همها أن تبتعد عن المكان المشئوم وعن ذي اللحية والعباءة واللعاب .
جزعت وهي تسمع صوت فرملة مكابح سيارة إلى جانبها .. استمرت في العدو دون أن تنظر إلى مصدر الصوت .. استمرت السيارة تلاحقها .. جزعت .. ارتعشت .. اعتقدت أنه سائق سيارة ذو اللحية والعباءة واللعاب المنهمر.. نظرت نحو السيارة .. تأكدت أنها ليست هي .. استمرت في العدو .. استمرت السيارة في الملاحقة .
تعثرت بطرف العباءة المدلاة .. سقطت على الأرض بقوة .. أغمى عليها .. انزلقت العباءة عنها .. انكشف جسدها الذي لا تغطيه سوى الثياب المهلهلة ..توقفت السيارة .. ترجل منها شاب .. اقترب من الفتاة .. حملها بين ذراعيه .. وضعها في المقعد الخلفي للسيارة .. غطاها بالعباءة جيداً .. ستر الجسد .. ركب السيارة .. قادها بسرعة مبتعداً عن المكان .
* * *
تململت الفتاة .. أفاقت من الغيبوبة .. هتفت بالروسية بصوت متحشرج تخنقه العبرات :
- ماما .. أين أنت ماما .. ماما ..
تلفت الشاب الذي يقود السيارة نحوها .. أحس بما تعانيه الفتاة .. هتف بها برقة بالروسية :
- أرجوكِ .. لا تنزعجي يا عزيزتي ..
يبدو أن عبارته قد أفاقتها جيداً من الإغماءة .. اعتدلت في جلستها في المقعد الخلفي للسيارة .. نظرت نحو الشاب بجزع .. هتفت بصوت متحشرج مجهد :
- أرجوك .. دعني وشأني .. دعني أترجل من السيارة .. أريد العودة إلى أمي .. إلى موسكو .. فوراً .. الآن ..
ثم أجهشت بالبكاء المر الأليم .. أحس الشاب بما تكابده الفتاة من معاناة وألم .. راح يخفف عنها بصوت رقيق مهذب :
- أرجوكِ .. لا تنزعجي يا عزيزتي ..سوف أعيدك إلى أمك .. إلى موسكو .. فقط .. أرجو أن تهدئي قليلاً .
راحت تبكي بشدة بصوت مرتفع كطفلة صغيرة .. راح جسدها يهتز ويرتعش .. بدا التأثر والاضطراب عليها واضحاً جلياً .. هتفت من بين الدموع والأنين :
- ماما .. أين أنت ماما ؟ .. لا أريد العمل .. لا أريد .. أريدك أنت ماما .
حاول أن يلاطفها بالحديث بقدر الإمكان .. بعد محاولات هدأت الفتاة قليلاً .. هتفت بصوت متحشرج :
- لماذا تفعلون بنا هكذا ؟‍
فوجئ بالسؤال الغريب .. لم يدرِ ماذا تقصد الفتاة بالسؤال .. هتف بها برقة :
- ماذا فعلنا يا عزيزتي ؟‍ .. ومن الذي فعل ؟
- الشيخ .. ذو اللحية الكثة .. والعباءة المقصبة المذهبة المدلاة .. واللعاب المنهمر .
- ما شأن هذا الرجل يا تري ؟‍
- كاد أن يفترسني .. حسبته وحش يريد افتراسي والتهامي .. لقد قالت لي أمي أنكم متوحشون .. تأكلون بني البشر .. فلم أصدقها .. ولكن يبدو أن أمي كانت صادقة .
- ولكنه على كل حال لم يفترسك .. والدليل أنك ما زلت حية .
- أنت تتحدث الروسية جيداً ؟‍
- ببساطة .. لأنني تعلمت في روسيا .. في موسكو بالذات .
- موسكو .. أوه .. ماما .. أين أنت ماما .. أريدك حالاً ماما .. أنا بحاجة إليك ماما .
- اهدئي قليلاً .. وسوف أحاول إعادتك إلى موسكو .
- حالاً .. حالاً ..
- حالاً يا عزيزتي .. فقط دعيني أقوم بواجب الضيافة .
- لقد رأيت بنفسي كيف تقدمون واجب الضيافة عندكم ..
- أين ؟‍
- عند الشيخ ذو اللحية الكثة البشعة والعباءة المقصبة المذهبة المدلاة واللعاب المنهمر
- لا بد وأنه عجوز مراهق .
- لقد رأيته يدفع لـ " الرجل الأنيق " رزمة من الأوراق النقدية ولم أكن أحسب بأنها ثمني .. يبدو أن لديكم الكثير جداً من الأوراق النقدية التي لا تحتاجون إليها .. لقد اشتراني .. أرادني عبدة .. لقد أفهمتني أمي بأنكم تتاجرون بالرق .. تشترون العبيد السود .. ولكن يبدو أنني كنت عبدة بيضاء هذه المرة .
- لماذا أتيت من موسكو إلى هنا ؟‍
- للعمل .. كما أفهمني " الرجل الأنيق " .. وليس للدعارة كما أراد الشيخ ذو اللحية .
- متى وصلت من موسكو ؟
- قبيل محاولة افتراسي بساعات قليلة .. لعلها كانت وليمة الاستقبال عندكم .. ولكن .. من أنت ؟!‍
- أنا .. أوه .. .. أنا أدعى " الأمير أحمد " .. ليس من الأمراء الأثرياء جداً .. ولكن من الأمراء الأقل ثراءً .. يعني ببساطة .. المليونير الفقير ..
- هاها .. أمير .. فقير ؟‍ .. هذه أول مرة أعرف أن الأمير يكون فقيراً .. فالأمراء دائماً هم الأغنياء .
- جيد أنك تضحكين .. جيد أن أتعرف إليك أيضاً .
- ولكن .. إلى أين ستذهب بي الآن ؟‍
- إلى قصري .. قصري المتواضع .. فهو ليس قصراً منيفاً على كل حال .
- هل لديك محظيات .. حريم .. نساء .. جواري ؟‍
- ليس لدي أي شيء من هذا أو ذاك .. حتى أنني لست متزوجاً .. ولا يوجد في قصري المتواضع من نساء سوى أمي .. وشقيقاتي .
- عربي .. أمير .. ثري .. وليس لديه نساء ؟‍!
- إنها أفكار ملفقة .. خاطئة ..
- والرجل ذو اللحية البشعة .. والعباءة المدلاة .. واللعاب المنهمر ؟‍!
- حالة .. حالة شاذة .. ولكن . ما اسمك ؟!
- " فالنتينا " ..
- أوه .. لعلك " فالنتينا تريشكوفا " رائدة الفضاء الروسية .
- بل " فالنتينا ميخائيل " ..
- فالنتينا " .. هل توافقين ؟!
- على ماذا ؟!
- أن تتزوجيني ؟!
لحظات صمت سيطرت على المكان .. أطرقت الفتاة قليلاً .. رفعت رأسها .. تمتمت :
- أمير أحمد .. هل أنت مسيحي ؟!
- مسلم .. مسلم يا عزيزتي ..
- والرجل ذو اللحية البشعة ..
- مسلم أيضاً ..
- ولكنك لست مثله .
- ليس كل المسلمين سواء .
- ورغم ذلك .. فإنه لا يمكن ..
- لماذا ؟!
- لأنني يهودية .
- الأمر بمنتهى البساطة يا عزيزتي .. تشهرين إسلامك فينتهي الأمر .. أو أن تظلي على دينك فـ
" لا إكراه في الدين " ..
- ماذا عليّ أن أقول لأشهر إسلامي ؟
- أشهد أن لا إله إلا الله .. واشهد أن محمداً رسول الله .
صمتت لحظات .. أطرقت .. تمتمت :
- دعني أفكر في الأمر .. والآن إلى أين تريد أن تذهب بي ؟!
- إلى قصري المتواضع .. حيث أمي وشقيقاتي ..
- هل هو من قصور " ألف ليلة وليلة " ؟!
- ومن أعلمك بأمر " ألف ليلة وليلة " ؟!
- قرأتها أمي على مسامعي ذات مرة .. وقرأتها عدة مرات .. مترجمة إلى الروسية .. لقد استمتعت بها جيداً .
- قصري ليس من قصور ألف ليلة وليلة .. ولكنها من قصور ليلة فقط .
- شوقتني جداً لرؤية قصر ليلة هذا .. ورؤية أمك وشقيقاتك .. هل هن جميلات ؟!
- ستحكمين على ذلك بنفسك .
وصلت السيارة إلى منطقة بنيت فيها العديد من القصور المنيفة .. ويبدو أنها منطقة قصور الأمراء .. لم يلبث الأمير أحمد أن هتف وهو يترجل من السيارة :
- ها قد وصلنا .. تفضلي إلى قصرك المتواضع .. سيدتي الأميرة ..
ترجلت من السيارة .. حاول أن يسندها .. راح يغطي جسدها شبه العاري بالعباءة المدلاة .
* * *
- أشهد أن لا إله إلا الله … وأشهد أن محمداً رسول الله .
كانت " فالنتينا " تنطق بالشهادة بلكنتها الروسية أمام القاضي والشهود .. صفق الجميع .. راحوا يهنئونها ويهنئون الأمير أحمد .. وتمت إجراءات مراسم الزواج حسب الشريعة الإسلامية .
مرت الأيام .. الشهور .. السنين .. عاشا في حب وسعادة .. أثمر الزواج عن طفل كالبدر .. فكانت سعادتهما به لا توصف .
نما الطفل وترعرع .. أخذ يحبو .. يمشي .. يلهو .. يمرح .. حتى بلغ ربيعه الثالث في كنف والديه وجدته وعماته .
- " فالنتينا " .. إنني أنوي أمراً أريد رأيك فيه .
- ما هو يا عزيزي ؟
- ألا تذكرين رغبتك الملحة خلال اللقاء الأول بيننا ؟
- ما هو ؟!
- موسكو .. ماما ؟
- ما بهما ؟!
- إنني وعلى ما أذكر .. كانت لديك رغبة عارمة وشديدة في العودة إلى موسكو .. العودة إلى ماما
- أنت موسكو .. أنت روسيا .. أنت العالم .. أمك هي ماما .. ماما كل العالم .. بعطفك ورقتك وحبك نسيت موسكو .. نسيت ماما .. نسيت الدنيا .
- ولكني لم أنس .
- وماذا تود أن تفعل ؟!
- أن نسافر سوياً .. أنت .. وأنا .. وطفلنا .. ولا شك بأنهم سيسعدون بلقاء ابنتهم بعد طول غياب وزوج ابنتهم وطفل ابنتهم .
* * *
سافر الجميع إلى موسكو .. وصلوا بعد رحلة جوية طويلة من الكويت .. كان الأمير أحمد قد جهز الهدايا القيمة .. باهظة الثمن والتي تليق بعطايا الملوك والأمراء .. حمل معه ما خف حمله وغلا ثمنه من مجوهرات ودرر نفيسة وهدايا عديدة ليقدمها جميعاً هدايا لعائلة " فالنتينا " .
استقل الجميع سيارة من المطار أوصلتهم إلى المنزل في إحدى ضواحي موسكو ، كانت " فالنتينا " سعيدة .. مسرورة .. جذلة .. تضحك كطفلة .. تبتسم .. تتنفس بعمق .. تشرح لزوجا الأمير معالم وآثار المدينة الكبيرة وكأنها غادرتها بالأمس .. تضم طفلها إلى صدرها .. قلبها .. تعانقه .. تقبله بحب وسعادة .
" موسكو " لم تتغير رغم غيابها عنها طوال أربع سنوات .. شاركها زوجها الأمير الابتسامات .. الضحكات .. التعليقات .. هو أيضاً لم ينس " موسكو " .. فهو يعرفها جيداً لأنه تلقى تعليمه الجامعي فيها طوال سنوات عديدة .
إلى المنزل وصلوا جميعاً .. الفرحة الغامرة تسيطر على حواسهم وتتملك أنفسهم .. قرعت الباب برقة .. بهدوء .. بقوة .. وضعت أصبعها على زر الجرس الكهربائي .. راحت تضغط بقوة .. تدق بعنف .. انفرج الباب أخيرة عن امرأة في الأربعينات .. النسخة الأصلية لـ " فالنتينا " .. شهقت المرأة عندما وقع بصرها على " فالنتينا " .. ألقت الفتاة نفسها إلى أحضان المرأة .. أجهشتا بالبكاء الممزوج بالضحك ؟! .. دموع الفرحة انهمرت من العيون .. قدمت لها زوجها .. قدمت المرأة لزوجها .. إنها أمها .. قدمت طفلها الجميل كالملائكة .. صافحت الأم " الأمير " .. ضمت الطفل بسعادة .. دعتهم إلى دخول المنزل .. صوت أجش عن بعد يسأل عن القادم .. تعلمه المرأة أنها ابنتهما " فالنتينا " .. ينهض الرجل بتثاقل .. يصل ناحية الجميع .. تلقي الفتاة بنفسها إلى صدره .. تعانقه .. تبكي بسعادة .. يضمها الرجل إلى صدره .. يقبلها بفرح وهو يتمتم بكلمات متداخلة .
تقدم له الفتاة زوجها الأمير أحمد وابنهما .. يصافحه الرجل ويضم الطفل .. يجلسان قليلاً .. تحضر الأم أكواب الشراب الساخن بسرعة .. يرتشف الجميع الشراب اللذيذ ليعيد إلى أجسامهم شيئاً من الدفء .
أثناء تناول الشراب يسأل الأب عن جنسية الأمير .. يسارع الأمير إلى تقديم هداياه الثمينة للأب والأم والأولاد الذين انضموا إلى المجلس .. يعرفهم بنفسه .. يعلمهم أنه أحد الأمراء في الكويت .. تشهد هداياه وهندامه وذوقه وحديثه على ذلك .. تمتد الأيدي بلهفة نحو الهدايا .. يتابع الأب أسئلته ..
- لماذا لا تعلق الصليب في صدرك ؟!
يشده الأمير للسؤال المباغت :
- عفواً .. لا يجوز لي أن أفعل مثل ذلك الأمر .. فأنا مسلم .
تتوقف الأيدي عن تقليب الهدايا واحتساء الشراب .. يتكهرب الجو .. يسود الوجوم على الجميع .. يتمتم الأب بصوت مضطرب :
- إذن .. فأنت مسلم ؟!
- نعم يا سيدي ..
تندفع " فالنتينا " بمرح طفولي وبراءة ..-
- وأنا كذلك يا بابا .. أنا أيضاً مسلمة .. فلقد أشهرت إسلامي عند الزواج من الأمير .
يقع الكوب من يد الأب .. تشهق الأم .. يجحظ الأبناء .. يزوم الأب بعنف :
- أصبحت أيضاً مسلمة " فالنتينا " ؟!
- وأصبح اسمي " فاطمة "
- حسناً .. هذا شيء رائع !!
انسحب الأب .. أعطى إشارة لزوجته وللأولاد .. انسحبوا جميعاً من المكان .. تركوا الأمير وزوجته وطفلهما في المكان .. همست " فالنتينا " لزوجها الأمير :
- لا بد وأنهم يعدون لنا مفاجأة ..
غابوا للحظات ثم ..
* * *
اندفع إلى المكان ثلة من الشباب ذوي العضلات المفتولة .. انقضوا على الأمير .. أوسعوه لكماً وركلاً .. انقضوا على الفتاة .. أوثقوها بالحبال .. صرخ الطفل ببكاء مر أليم .. حاول الأمير إيقاف المهزلة .. حاول أن يفهمهم بأنه لا بد وأن حدث هناك سوء تفاهم ما .. حاول أن يناقشهم .. زادت اللكمات والركلات .. أوثقوه بالحبال .. شدوا وثاقه إلى منضدة كبيرة .. غادروا المكان وهم يسحبون الفتاة الموثقة بالحبال .. بينما حمل أحدهم الطفل الباكي .
ثلاثة أيام بلياليها قضاها الأمير موثوق اليدين والقدمين ، مثبت إلى المنضدة الكبيرة .. لم يقدموا له سوى اليسير من الماء خلال فترات متباعدة .. عصبوا عينيه .. لم يسمحوا له بالوصول إلى دورات المياه لقضاء الحاجة .
في اليوم الرابع .. حضر ذوي العضلات المفتولة .. فكوا وثاقه .. تحدث إليه أحدهم مزمجراً :
- عد فوراً إلى الكويت .
استطاع أن يفتح فمه بالكاد :
- أين زوجتي ؟ .. أين طفلي ؟ .
- لا زوجة لك عندنا .. ألا يكفي ما فعلته بها .. وبنا ؟!
- لم أفعل سوى كل أمر إيجابي ..
- لقد فعلت شيئاً عظيماً ؟؟!! .. واقترفت إثماً كبيراً .. كيف تتزوج من ابنتنا اليهودية وأنت المسلم ؟! .. ثم تكرهها على اعتناق الإسلام ؟!
- لم أكرهها .. هي التي اختارت .. بإرادتها الحرة .
- كل شيء انتهى .. هي عادت إلى وطنها ودينها .. عادت إلى رشدها .. وأنت يجب أن تعود إلى رشدك .. إلى وطنك ودينك .. واحمد الله بأننا لم نقتلك .. شفقة بك فحسب ..
- لقد تزوجتها على سنة الله ورسوله .. بالحلال .. وهي التي كانت ستضيع في شوارع الكويت .. كان يمكن ببساطة أن تكون " غانية " .. داعرة .. فاسقة .
- هذا أفضل بكثير مما فعلته بنا ؟!
- لم أفعل سوى أن تزوجتها .. حسب الشرع ..
- أن تضيع مئة مرة أفضل عندنا من أن تتزوج من مسلم !
- إلى هذا الحد ؟!
- وأكثر .. والآن .. اغرب عن وجهنا حالاً .. وإياك أن تبقى لحظة في موسكو .. أو في روسيا كلها .. إياك أن تقول أن لك زوجة .. وإذا حدث ذلك فسوف تكون نهايتك قد أزفت بالتأكيد .
- إنها زوجتي .. على سنة الله ورسوله .. إنه طفلي الشرعي .
- الطفل لك .. ولكن " فالنتينا " فهي لنا .
سرعان ما كان يدخل إلى المكان رجل عملاق يحمل الطفل الباكي .. يقذف به ناحية الأمير :
- ها هو طفلك .. خذه وانصرف من هنا حالاً ..
- أرجوكم .. أريد أن أرى " فاطمة " زوجتي ..
- لا يوجد فتاة بهذا الاسم ..
- دعوني أودعها فقط .
- لن نسمح لك بذلك .. هيا انصرف من هنا قبل أن نغير رأينا ونقتلك .. هيا .. انصرف ..
دفعوه إلى الخارج .. سار متمايلاً .. يحمل طفله على صدره والدموع في عينيه والهموم في قلبه .. طردوه إلى خارج المكان بعنف .. وصل إلى مسامعه وهو يغادر المكان أنين مكتوم وبكاء مخنوق .. راح يصرخ بصوت مدوٍ ..
" فاطمة … " فاطمة " … " فاطمة " ..
* * *
من في الكويت لم يعرف " الأمير أحمد " ؟! .. من في الكويت لم يلتق بـ " الأمير أحمد " ؟! .. لا أحد بالطبع .. فجميع أهل الكويت يعرفونه جيداً .. شاب أنيق ، يقود سيارته الفخمة ، بينما يجلس إلى جواره في المقعد الأمامي طفل لم يتعد الثالثة من عمره يجلس كالملاك الوديع .


الساعة الآن 02 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية