منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   التاريخ والتأريخ والتوثيق (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=213)
-   -   الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=11493)

مازن شما 21 / 07 / 2009 29 : 03 PM

الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة
 
الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة .. 1/4
[align=justify]يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا . وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟
يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة . وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية . كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”.
"إسرائيل" خسرت الحرب على غزة
يرى الكاتب أن الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني يتميز عن غيره من الصراعات الدولية بكونه يُعبّئ ويثير قلاقل حتى أبعد من الطرفَيْن المنهمكين في الصراع .وبالتالي فإن “العملية العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، من 27 ديسمبر 2008 إلى 17 يناير ،2009 لم تشُذَّ عن هذه القاعدة”، ويعتقد أن ما يُغذّي نقاشات الفرنسيين وأحيانا صراعاتهم هي التأويلات أكثر مما هي الأفعال ذاتها . يكتب المؤلف: “إننا “مواضيع” لتمثيل، أو كما يقول ميشيل فوكو، يوجد بيننا وبين الواقع “نظام سياسي واقتصادي ومؤسساتي لإنتاج الحقيقة””، لكن المؤلّف يخشى الانخداع بهذه “الحقيقة”: “هل نمتلك الوسائل للتشكيك في هذه الحقيقة؟ ثم ألا يمكن لنا نحن في حركة التشكيك أن نكون مخدوعين ب “حقيقة” أخرى” . ويعترف في البداية أن “الوقائع بما فيها تلك التي يدافع عنها المنحازون ل “إسرائيل” نادرا ما يتم انتقادها”.
من هنا فكتاب سيفير يقدّم نفسه باعتباره: “سلسلة من الانتقادات للتمثيلات المهيمنة للصراع في مرحلته النهائية . إنه يقترح قراءة أخرى ويكشف في جسم المحكي المهيمن عن بعض التفسيرات والمعاني الخاطئة”، ويرى أنه “إذا ما حقق الكتاب هدفه، فإن القارئ سيجد ما يساعده على التشكيك في أخبار تُقدَّم له غالباً وكأنها قابلةٌ للاستهلاك” .

يقول الكاتب ثمة نظريتان مكمّلتان تتقاربان: “الأولى، الصراع أطلقت شرارته حركة إسلامية عنيفة ومتعصبة، حماس، التي خرقت الهدنة التي تمت مع “إسرائيل” في حزيران 2008 وآذارت استراتيجيا الإنهاك الدائم باستخدام صواريخ تستهدف جنوب الدول العبرية . الثانية، “إسرائيل” ردت بطريقة غير متكافئة وعمياء، متسبّبة في مجزرة لدى السكان المدنيين في قطاع غزة، ويتعلق الأمر بسكان بؤساء وأبرياء، ضحايا حرب لا تعنيهم”، وبالتأكيد إذا ما كان علينا أن نحكم على نهاية هذه “الحرب المتعلقة بالصورة” فإنه يمكننا التأكيد على أن “إسرائيل” خسرَتْها، وإذا كان علينا أن نعرف السبب في هذه الخسارة، فالكاتب يرى أنه من المفيد التوقف لحظة عند نتائج ثلاثة أسابيع من العنف . القنابل “الإسرائيلية” تسببت في ألف وثلاثمائة قتيل فلسطيني، على الأرجح يوجد من بينهم تسعمائة مدني، والعديد من الأطفال .

إن أسطورة “جيش الدفاع”، وهي تعلن كما كان الأمر في بدايات الدولة العبرية عن “طهر الأسلحة” تعرضت لضربة قاسية، على الرغم من أن هذه “الطهرانية” الأصلية كانت أسطورة بشكل واسع: إنّ ما يسميه سامي كوهين ب “عنف تساحال” (عنف الجيش) ليس هو فقط نتيجة لعدم التأقلم مع مفهوم الحرب اللا متماثلة ولا لطبيعة خصم من دون رادع يختفي وسط السكّان . لقد آذارت “إسرائيل” بصفة دائمة “العقاب الجماعي”، وحتى مجزرة ضد المدنيين بصفة “وقائية”.
من ينسى، وهنا يذكرنا المؤلف، بالعمليات التي قامت بها الوحدة رقم 101 تحت قيادة الكولونيل الشاب شارون وذلك بإبادة قرية بكاملها في تشرين الأول/ أكتوبر 1953 انتقاما لقتل سيدة “إسرائيلية” وابنيها، ومن يمكن أن ينسى مجزرة كفر قاسم (49 قتيلا) لا لشيء سوى من أجل إرهاب السكان، في أكتوبر سنة 1956 .

تعليق الكاتب: “سنرى أن هذه الطرق لم تنتظر ظهور حماس، وأنها تحيل إلى شيء آخر أكثر عمقا”، ولكن “هزيمة” “إسرائيل” لا تعني “انتصار” حماس . بل ظهر فاعلٌ جديدٌ، نسبيا، في هذا الصراع، وهو أن حماس تثير القلق . لا تتمتع بأية مصداقية، ولا يُؤْخَذ كلامُها بالحُسبان . ولا يصلنا تقريبا أي شيء، إلا ما تم اختياره وغربلته من طرف جهاز الاتصالات الأقوى، أي “إسرائيل” . “إن حماس في عقلية معظم مواطنينا تستدعي الإرهاب والظلامية واضطهاد المرأة”.
يعترف الكثير بأن الغربيين، ومن بينهم الفرنسيون، لا يعرفون جيدا طبيعة حركة حماس ولهذا السبب قرر أن يكرّس لها فصلين في هذا الكتاب . فما يُعرَف عنها هو مجموعة من الكليشيهات والأفكار الجاهزة التحقيرية، والتي تحطّ من حقيقتها وتصوّرها غولا بشعا.
يرى المؤلّف “أن تكون حركةُ حماس غريبةً، ثقافيا، عنّا بشكل عميق، لا يعني أنها هي التي أنهت الهدنة مع “إسرائيل” في شهر يونيو 2008”، ويضع المؤلف حركة حماس في مكانها الحقيقي: “إن حركة حماس تيّارٌ في الحركة الوطنية الفلسطينية . ولدت في الأراضي الفلسطينية سنة ،1987 وتطورت من خلال مقاومتها للاستيطان “الإسرائيلي”” .

ويكشف لنا المؤلف طريقة تفكيره: “إنها النظرية التي أدعمها، مع الكثيرين لحسن الحظّ، وربما مع الكثيرين مع الصحافيين الذين يتابعون منذ فترة طويلة الصراع “الإسرائيلي” العربي، وهي تتمثل في أن الصراع “الإسرائيلي” العربي يجد سببه الأول في الاستيطان . ومهما كانت خصائص حركة حماس فهي لا تغيّر طبيعة عداء تاريخي أقدم بكثير من تاريخ نشأتها”، ويعدنا المؤلف في كتابه بأن يقدم لنا تأويلا آخر عن استراتيجية “إسرائيل” وتحليلا آخر للانسحاب أحادي الجانب من غزة في أغسطس من سنة ،2005 وهدنة ،2008 وأيضا قراءة جديدة لاستراتيجية حماس التي هي بعيدةٌ عن أن تكون استراتيجية تقليدية .

وهذا الكتاب ليس هو الأول في هذا المجال، ومن هنا يذكرنا المؤلّف أنه سيستخدم نفس المنهج الذي استخدمه في كتاب سابق له ويحمل عنوان “الحرب “الإسرائيلية” للمعلومات” (الذي كتبه بالتعاون مع جوس دراي)و صدر سنة ،2002 أي بعد سنتين من اندلاع الانتفاضة . أي “مُواجهة الخطاب الميديوي (الإعلامي) المهيمن بِمَصَادر أخرى تُكمله أو تُناقضه”، ويُبدي الكاتب مرونة في التعامل مع المَصادر الأخرى: “أذْكُر دائما المقالات التي أنتقدها وأسمّي كتابها، وأرفُض أن يُقال عني إنّي أرى أن “الصحافيين” يتتبعون، بشكل جماعي “أوامر”” . ويضيف بأن هذا الكتاب “يبوحُ بكثير من التقريظ للعديد من الزميلات والزملاء الذين لم يسقطوا في التبسيطات التي أدينها” .

يتطرق الفصل الأول من الكتاب باقتضاب إلى ما يعتبره الكاتب “تحولا تاريخيا” في الصراع . ويتعلق الأمر بالمفاوضات المغلقة في “كامب دافيد”، في يوليو سنة ،2000 وحملة الاتصالات التي قامت بها “إسرائيل” في الأسابيع التي تلتها . ويتطرق أيضا لحملة تفكيك الاستيطان من جانب واحد من غزة سنة ،2005 والأحداث التي سبقت، مباشرة، عملية ديسمبر 2008 .
الفصلان، الثاني والثالث، يسلطان الضوء على بعض الافتتاحيات والتعليقات والتحليلات المكرّسة لحركة حماس وكذا بعض الوقائع المنسية من تاريخها القصير . بينما يتناول الفصل الرابع بشكل حصري كرونولوجيا الهدنة الشهيرة من يونيو إلى نوفمبر 2008 الفصل الخامس سيضع تحت المجهر الخطابات الرئيسية للاتصالات “الإسرائيلية” . وأخيرا يتطرق الكتابُ في الفصل الأخير لتأثيرات العدوى -الحقيقية أو غيرها- الصراع في أوساط المجتمع الفرنسي.
مناخ استراتيجيا
يرى الكاتب ان العملية العسكرية التي قامت بها “إسرائيل” في قطاع غزة من 27 ديسمبر 2008 إلى 17 يناير ،2009 جاءت في سياق خاصّ في “إسرائيل”، وهو سياق “أزمة مزدوجة: سياسية واجتماعية”، ويقصد بذلك الصراعات بين وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ومنافسيها، والذي أدّى إلى فشلها في ترؤس الحكومة . كما أن البطالة ضربت بقوة المجتمع “الإسرائيلي” إلى درجة أن “16 في المائة من اليهود “الإسرائيليين” و50 في المائة من العرب “الإسرائيليين” يعيشون تحت عتبة الفقر”، ولا يستطيع المؤلف أن يفهم كيف أن تصريحا للرئيس الإيراني أحمدي نجاد حول “إسرائيل” يمكنه أن يحدث زلزالا في دولة بالغ القوة والتسليح . ويستخلص من ردود الفعل “الإسرائيلية” أنها تستخدم مثل هذا الخوف.
يعتقد الكاتب أن التهديد في جانب منه حقيقيٌّ . لكنه ليس ذلك الذي يعنيه الخطاب الرسمي “الإسرائيلي” . “بدأت “إسرائيل” تعي، شيئا فشيئا، أن الزمن الطويل للتاريخ لا يلعب، بالضرورة، لمصلحتها”، فهي تخاف من الكثير من المعطيات المستجدة في أرض الواقع . ومن بينها المشكل الديموغرافي . و”حسب الأرقام التي نشرها قسم الإحصاءات “الإسرائيلي”، بخصوص سنة ،2006 فنسبة الولادات لدى المرأة العربية تبلغ 8،3 في المائة، بينما لدى المرأة “الإسرائيلية” تصل إلى 8،2 ولكن الفارق يزداد حين يصل لدى المرأة المسلمة (4 أولاد)” .

يرى الكاتب أن الرأي العام العريض الفرنسي، بالإضافة إلى الطبقة السياسية الفرنسية، ينظر إلى الصراع العربي “الإسرائيلي” من زاوية فيها الكثير من القلق . ويحاول تلخيصه فيكتب: “يمكن تلخيصه بجملة واحدة: إذا أردنا الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة “الإسرائيلية” فيتوجب إيجاد حلّ فوري “للمعضلة العربية” . إلا أنه توجد ثلاث “معضلات عربية”، إذا ما شئنا تبنّي لغة ليست بالضرورة لغتنا نحن: القدس والضفة الغربية وعرب “إسرائيل” وغزة”، ويقر الكاتب بأن المعضلة الأولى “القدس والضفة الغربية” تبقى، من دون شك، الأكثر تعقيدا، لأنها تُحيل إلى حدود الدولة الفلسطينية القادمة وإلى مسألة تفكيك المستوطنات وإلى وضعية القدس . أما في حالة عرب “إسرائيل”، فنحن نشهد عودة قوية إلى فكرة الترانسفير التي ترمي إلى نقل السكان العرب “الإسرائيليين” خارج حدود “إسرائيل”، أي إلى الضفة الغربية، أو إلى الأردن .

وهذه الفكرة (فكرة الترانسفير)، كما يكشف المؤلف، ليست فقط زاد العنصري اليهودي أفيغدور ليبرمان، بل إنه حتى وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” السابقة تسيبي ليفني صرحت أمام مجموعة من طلبة تل أبيب في ديسمبر ،2008 قائلة: “الحل في نظري من أجل الحفاظ على دولة يهودية وديمقراطية في “إسرائيل” هو إنشاء دولتين، مع بعض التنازلات وبعض الخطوط الحمراء المحددة، وسأكون قادرةً على مخاطبة سكان “إسرائيل” الفلسطينيين، الذين يُطلق عليهم عربُ “إسرائيل”، والقول لهم: إن حلّ قضيتكم القومي يوجد في مكان آخر”، ويعلق الكاتب على الأمر، فيكتب: “في مثل هذا المناخ، تختلط عوامل مثل إيران وحماس وحزب الله والإسلاموية وسوريا والتطور الديموغرافي، في قلق جماعيّ تأخُذ بزمامه أخبارٌ موجَّهَةٌ” . أما حل “معضلة غزّة” فهو الأسهل . وعن طريق الخنق الاقتصادي، كما عن طريق القوة، يتعلق الأمر بحصر سكان غزة في أراض ضيقة قبل إرغام مصر، ربما، على وضعها تحت إشرافها كما كان الحال عليه في سنوات 1948- 1967.
ويرى الكاتب ان المدرسة في “إسرائيل”، وبشكل خاص التعليم الموجّه نحو التاريخ، يلعب دورا كبيرا في صياغة الوعي “الإسرائيلي”، الذي يظل لا مباليا عما يقع في غزّة، حتى وهي تحت طوفان من القنابل . ويأتي بمثال المدرّسة “الإسرائيلية” لمادة التربية الوطنية التي تنقل قائلة: “كنتُ في قسم لمادة التربية الوطنية، فتحدثتُ عن الأقلية العربية وتفرّدها في كونها كانت أغلبية ثم أصبحت أقلية، فكان جواب الطلبة أن الأمر غير صحيح” .

كي تبرّر “إسرائيل” ما تفعله من إجراءات ضد الفلسطينيين تلتجئ بشكل دائم إلى ادّعاء كونها ال “ديمقراطية” الوحيدة في المنطقة . ولكن الكاتب يشكك في هذا الادّعاء، إذ كما يرى، بحق، فمن النادر أن نرى حكومة “إسرائيلية” تكمل مهمتها حتى النهاية، من دون الحاجة إلى انتخابات سابقة لأوانها . والسبب كما يرى راجعٌ إلى كون الحكومات “الإسرائيلية”: “سجينةٌ لتطورات الرأي العام”، وفي فترات التوتر أو الصّراع تتخذ استطلاعات الرأي أبعادا خاصة.
استطلاع للرأي مؤثّر
نشرت صحيفة يمين الوسط “معاريف” في الثاني من يناير من سنة ،2009 استطلاعا منح قوة إضافية للمسؤولين “الإسرائيليين” في إرادتهم في تقوية الهجوم على غزة في 27 ديسمبر وأعطى 78 في المائة الإشارة للهجوم البري . يكشف الاستطلاع أن 14 في المائة من “الإسرائيليين” “يؤيدون بقوة” العملية العسكرية “ضد حماس”، وكان الرأي العام “الإسرائيلي”، في اليوم الخامس من الهجوم، في قمة أوج الدعم للعملية العسكرية دون اكتراث لما يقرب من أربعمائة قتيل فلسطيني .ويلاحظ الكاتب أن الرأي العام الفرنسي يجهل الكثير من الحقائق في “إسرائيل” ويعدّد من بينها، ما الذي يفكر فيه العرب “الإسرائيليون” الذين يمثلون 20 في المائة من سكان “إسرائيل” . وهل ساندوا الهجوم “الإسرائيلي” على غزة . أم أنهم فقط كانوا “منسيي” معهد الاستطلاع .

يقول الكاتب إن “إسرائيل” “بالتأكيد ديمقراطيةٌ بالنسبة لليهود . ولكنها ليست ديمقراطية بالنسبة لباقي المواطنين”، إنها ديمقراطية يهودية، ومن هنا جاء حلّ حزبين عربيين في عز الهجوم على غزة . كان التبرير الرسمي “الإسرائيلي” لهذا التصرف هو أن زعماء هذين الحزبين أدانا الهجوم “الإسرائيلي” على غزة، وهو ما يعني في “زمن الحرب” خيانة . ووصل الأمر إلى أن أحد المسؤولين عن حزب كاديما، الحزب الحكومي، صرح قائلا: “لقد كان هدف هذا الحزب الفلسطيني(بلاد) تدمير “إسرائيل” باعتبارها دولة يهودية وتحويلها إلى دولة لجميع مواطنيها” . وهنا يلاحظ المؤلف “أن استخدام كلمة “تدمير” لوصف الانتقال إلى وضعية علمانية متعددة الإثنيات يكشف مناخ العداء ضد العرب”.
وبسخرية يعلق سيفير على الأمر: “الأقلية العربية محرومة من التصريح بصوتها في استطلاع الرأي، وهي مهدَّدَة الآن بحرمانها من التعبير الديمقراطي في الانتخابات”، ويفضح الكاتب هذا البلد (الذي يصفه بالأعور أو المُصاب بفالج نصفي)، الذي لا يتوانى عن التصريح بديمقراطيته في العالم بأسره، أي “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط . ويرى أن هذا الإظهار لديمقراطيته، التي هي ليست صحيحة إذا ما التفتنا إلى سياسة التمييز التي تضرب السكان العرب، أتاح له أن يعبر عن انتمائه للمعسكر الغربي مع إخفاء كل مَظَاهر المسألة الكولونيالية التي تنخره.
يذكر المؤلف السؤال الذي طرحه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور على الثيولوجي اليهودي الفرنسي اندريه نيهير بخصوص ديمقراطية الدولة اليهودية تجاه مواطنيها اليهود، والتمييز بحق مواطنيها العرب، ولم يجد نيهير ما يقوله سوى أن “إسرائيل” هي شيء آخر يختلف عن كونها دولة “صليبيين” أو دولة “مستوطنين”، إنها دولة “العودة” . فكان رد ريكور: “هذا الجوهر الذي تتعلل به جماعةٌ متفردةٌ، هل يمكن أن يعترف به الرجال الآخرون والجماعات الأخرى؟ هل يمكن أن يقود إلى حل سياسي للصراعات التي تم تقديمها باعتبارها عَرَضية؟ واختتم ريكور بالقول إنه يخشى أن المشكلة “لن يكون لها أي جواب مشترك” كان هذا سنة 1958”.
نتائج “عرض سخي” خيالي
في سبتمبر وأكتوبر من سنة 2000 بذل وزير الخارجية “الإسرائيلي”، العُمّالي شلومو بن عامي قصارى جهده لمنح مصداقية لفكرة “عرض سخي” من أجل “تقاسم القدس” على ياسر عرفات . وهو ما رفضه عرفات . ولكن الدرس المستخلص هنا هو أن شلومو بن عامي، في اقتراحه الذي لا يتناسب مع الواقع، استطاع أن يسيء إلى مصداقية الزعيم الفلسطيني العجوز . “إذا كان ياسر عرفات رفض هذا العرض بإقامة دولة فلسطينية يتضمن تقاسُماً للقدس، وهو ما كان يطالب به بشكل رسمي، أَلَيْس هذا الدليل على سوء النية وعلى رفضه لكل مَخْرَج سلمي، وفي نهاية الأمر، إرادته في تدمير “إسرائيل”؟”، ويقول الكاتب إن هذا هو جوهر تفكير شلومو بن عامي، وهو ما تلقفه غلاة المُفكّرين الفرنسيين المتصهينين ألكسندر أدلير وألان فينكلكروت وأندري غلوكسمان وبرنار هنري ليفي، مع آخرين، وكما هو معلوم فالغرض منه كان هو “القتل السياسي” لياسر عرفات.
ولكن المفارقة هي أن الخطاب الذي أطلقه بن عامي كان من نتائجه الأخرى على المجتمع “الإسرائيلي” قاسية . “فقد تم إقصاء القائلين به، أي العماليين “الإسرائيليين”، الذين تسببوا، من خلال نزع الشرعية عن مفاوضهم الرئيسي من أجل السلام (عرفات)، في نزع الشرعية عن أنفسهم قبل أن يذوبوا بشكل مستدام في تحالف مع اليمين . والتتابع المأساوي للأحداث قاد إلى انفجار الانتفاضة الثانية ثم إلى قمع دامٍ.
2005-2009 وجهان لمشروع واحد
في يوم 12 سبتمبر من سنة 2005 غادر آخر جندي “إسرائيلي” أراضي قطاع غزة . وبعد شهرين من إغلاق وبداية خنق اقتصادي، جرى اتفاق فلسطيني “إسرائيلي” على إدارة معبر رفح على الحدود المصرية مع غزة . وهو اتفاق يتضمن نشر مراقبين من الاتحاد الأوروبي . ولكن منذ 25 كانون الثاني / كانون الثاني / يناير، أي منذ انتصار حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية أعلنت “إسرائيل” عن رفضها التفاوض معها، وبدأت سياسة إغلاق معبر رفح . وفي 28 يونيو استطاعت مجموعة من حماس وبعض الفصائل الفلسطينية اختطاف الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليط . وكَردّ فعل على هذه العملية النوعية وجه رئيس الوزراء “الاسرائيلي” (السابق) ايهود أولمرت حملة عسكرية ضد غزة من أجل استرجاع الجندي، أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين الفلسطينيين، كما قام باختطاف العشرات من مسؤولي حماس في الضفة الغربية ومن بينهم نُوّاب في المجلس التشريعي .
وفي 26 نوفمبر تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار: تلتزم “إسرائيل” بوقف غاراتها في حين توقف حركة حماس إطلاق صواريخها . ولكن ما لا يعرفه الرأي العام الفرنسي، كما يرى المؤلف، هو أن ““إسرائيل” لم توقف حصارَهَا”، ويذهب المؤلّف إلى حدّ القول: “إن رفض “إسرائيل” أخذ الآثار المترتبة عن الحصار بعين الاعتبار ناتجة عن اللا مُفكَّر فيه الكولونيالي الذي يُقوّض “إسرائيل”: إنه استمرارٌ، تحت أشكال أخرى، لنفي وُجُود الفلسطينيين”، ويذكر المؤلف، بكل جرأة، القولة الشهيرة لغولدا مايير رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” من 1967 إلى 1974: “الفلسطينيون، لا وجود لهم .”
يجب على المرء أن يكون أعمى أو يكون مُنكرا حتى لا يرى الآثار المدمرة للحصار “الإسرائيلي” على سكان غزة . ويستحضر المؤلف تصريحات جون جينغ مسؤول وكالة غوث اللاجئين في غزة الذي يكشف الارتفاع المهول لعدد الفلسطينيين الذين يعيشون على مساعدة المنظمة الدولية .ويذهب جينغ إلى حد الخلاصة: “الناس جائعون وهم يصبحون أكثر فأكثر راديكالية، الوضعية الاقتصادية تقتل المستقبل”.
“في مثل هذه الشروط نفهم لماذا عاود الفلسطينيون إطلاق الصواريخ بعد فترة وجيزة (“إسرائيل” أحصت ما يقارب مائة صاروخ في خمسة أشهر) . وفي السابع من إبريل من سنة ،2007 انطلقت سلسلة الانتقامات “الإسرائيلية” . وأخيرا سيطرت حركة حماس، في 15 يونيو، على قطاع غزة بعد أيام من المواجهات مع حركة فتح . وفي 19 سبتمبر أعلنت “إسرائيل” أن قطاع غزة “كيان معاد”، وهنا يضع المؤلف النقاط على الحروف: “من المفيد الإشارة إلى أهمية هذا القرار ونوعية اللغة المستخدمة . فليست حماس هي “المعادية” بل هو “قطاع غزة” .

نقلا عن: صحيفة "الخليج" الاماراتية
تأليف: : دوني سيفير
ترجمة وعرض: بشير البكر[/align]

مازن شما 21 / 07 / 2009 04 : 04 PM

2/4.. الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة.
 

الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة .. 2/4

[align=justify]
يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا. وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟

يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة. وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية. كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”.
الانسحاب من غزة كان مخططاً لإعلان الحصار

ليست الغارات “الإسرائيلية” هي التي تسبب أكبر الأذى لسكان غزة، بل إن الحصار والخنق الاقتصادي الذي يترتب عليه هما اللذان يؤثران أكثر في الفلسطينيين، “إلا أن هذا الحصار هو أيضا “الزاوية الميتة”، في الأخبار الفرنسية والدولية عن هذا الصراع. هذه الكارثة الاجتماعية والصحية لا توجد في سجلّ الأحداث”، والصحافة العالمية صوّرت خروج “الإسرائيليين” من غزة باعتباره عين الحكمة. ولكن دوني سيفير يكتب بحق عن حقيقة الأوضاع بعد الانسحاب “الإسرائيلي” الماكر: “إن التذكير بالأحداث التي طبعت السنوات الثلاث والشهور الأربعة يشهد بالتأكيد على واقع يُكذّب الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”. إن انسحاب 8500 مستوطن يهودي من غزة لم يَعْن أبدا الحرية والسيادة لسكان غزة”، والانسحاب “الإسرائيلي” أحادي الجانب لا يعني فك الارتباط. ويجب التساؤل حول التأويل الذي اقترحته آنذاك معظم وسائل الإعلام الغربية.
تعرف “إسرائيل” كيف تسوّق الأخبار. ويذكّرنا سيفير كيف قامت “إسرائيل” بإبراز المناوشات العنيفة التي حدثت بين الجيش “الإسرائيلي” والمستوطنين الرافضين لمغادرة قطاع غزة. “نحن نعرف ما تستطيع “إسرائيل” أن تفعله حين يتعلق الأمر بمنع تحول خبر إلى حديث كل وسائل الإعلام. ونحن نعرف أيضا ما تستطيع أن تفعله حين تريد أن تكشف للعالم بأسره ما هي بصدد فعله”، وبعد أربع سنوات ونصف السنة على الانسحاب “الإسرائيلي” من غزة بدأت الصحافة، التي كانت في البداية متحمسة للأمر، تتساءل حول معنى هذا الفعل السياسي الذي تم تقديمه باعتباره “تصرفا جريئا” من قبل أرييل شارون. والذي لم يكلف نفسه عناء التنسيق مع شريكهم في المفاوضات، رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن).
الكثيرون اعتبروا تصرف شارون أخرق، لكن المؤلف يرى عكس ذلك: “يمكن أن نوجه الكثير من الانتقادات لشارون، غير أنه لا يمكن اعتباره أخرق. إذاً، فليس من الممنوع الاعتقاد بأن الانسحاب من غزة في أغسطس 2005 والهجوم الدموي عليها في نهاية سنة 2008 وبداية ،2009 يجب أن نقرأهما معا باعتبارهما مجموعا متجانساً. حدَثَان ينتميان إلى متوالية تاريخية واحدة”، ويسترسل الكاتب “إن تفكيك المستوطنات من جانب واحد وطوفان النار على غزة تم التفكير فيهما باعتبارهما مرحلتين من نفس المشروع. إن عناد أرييل شارون في خنق اقتصادي لسكان غزة في اليوم التالي من الانسحاب يعزز من وجود فرضية استراتيجية طويل الأمد”.
بورتريه مقلق عن فلسطيني خيالي

يكتب سيفير “إن هذا الحصار المحدِّد للحياة اليومية والبسيكولوجيا الجماعية للفلسطينيين، والذي حدّد في جزء منه استراتيجية حركة حماس تعمّدت السلطات “الإسرائيلية” إخفاءه عن الرأي العام “الإسرائيلي”” ونتيجة لهذا الإخفاء “فإن رجل الشارع “الإسرائيلي” لا يفهم في شيء سبب صعود حماس ولا عن إطلاق صواريخها على المدن “الإسرائيلية” المجاورة”، ولأن رجل الشارع “الإسرائيلي” هذا لا يتوفر على آليات لشرح تعقيدات الصراع وتشعباته فهو يجد نفسه يبحث عن تفسيرات وتأويلات لا علاقة لها بالمنطق والحقيقة” بسبب حرمانه من التفسيرات الاقتصادية والاجتماعية، يبحث رجل الشارع “الإسرائيلي” عن أسباب هذه الأحداث في طبيعة حركة حماس بل وفي طبيعة “العرب”، الذين يحكم عليهم بكونهم عنيفين وميّالين للنزاع. إنه يُحلّل صعود حركة حماس كنتيجة ظاهرة أسْلَمَة تلقائية للسكان”، والخطرُ يكمنُ في أنه “حسب هذا المتخيَّل الجماعي الذي ينتج بدوره “عربيا متخيَّلا”، فإن “إسرائيل” توقفت انطلاقا من 12 سبتمبر 2005 - تاريخ انسحاب آخر جندي “إسرائيلي” - عن أي مسؤولية على مصير غزة”.

كل هذا على الرغم من أن كل البنى التحتية التي تفتح غزة على العالم - المطار والميناء- ممنوعة من قبل الدولة العبرية، وعلى الرغم من أنّ المحطة الكهربائية والجسور كانت هدفا لقصف الطيران “الإسرائيلي” من الأيام الأولى للحرب، كما أن شاحنات الإمدادات يتم إيقافها حتى تفسد البضائع التي تحملها في عين المكان. لا يهم إن كان قد فُرِضَ على 2700 فلسطيني من الذين يشتغلون في “إسرائيل” أن يبقوا في غزة ويصبحوا عاطلين. ومن هنا فسكان مستوطنة سيديروت ما أن يروا الصواريخ تنهال عليهم حتى يشعروا بأن سكان غزة جاحدون. وينقل الكاتب عن لقاء بين صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية وبين أري شافيت الصحافي في صحيفة “هآرتس” الذي يعلق على التوتر الحاصل بين غزة و”إسرائيل”. يقول شافيت: “إن غزة هي الجبهة التي قامت “إسرائيل” تجاهها بما يتوجب عليها أن تفعل. لقد فككت المستوطنات وانصاعت لطلبات اليسار “الإسرائيلي” والمجتمع الدولي” ويضيف شافيت: “لكن الجواب لم يكن هو السلام. ولا حتى الهدوء. ولكن الجواب هو إرساء نظام عدواني ومتطرف بعد انقلاب بروائح فاشية”. يرسم الكاتب، ساخرا، وجهة النظر الرسمية “الإسرائيلية”: “غزّاويون أحرار وذوو سيادة واقتصاد مزدهر، ينتخبون حركة حماس ويطلقون صواريخ على سديروت، فقط بسبب حقدهم على “إسرائيل””.
هذا التصور “الإسرائيلي” عن فلسطينيي غزة تعزّز خلال هذه السنوات 2002-2009 من خلال بثّ الأيديولوجيا المسماة “صدمة الحضارات”، خصوصا من طرف الإدارة الأمريكية بعد تفجيرات 11 سبتمبر،2001 وفي غياب الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية فإن تمرد سكان غزة، الذي يُعتَبَر صعودُ نجم حركة حماس إحدى تمظهراته، لا يمكن أن يكون سوى “دينيا” و”حضاريا”.
حماس في وسائل الإعلام

أهون الأشياء في الغرب أن تكون الصحافة الغربية معادية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في الغرب يربطون بين حركة حماس والعمليات الانتحارية الفظيعة في طرق استعمالها وفي أهدافها: موت مدنيين من المفترض أنهم أبرياء. أمّا في فرنسا، وربما أكثر من أي مكان آخر، فحماس تتعرض لعداء، ليس فقط بسبب عملها بل أيضا بسبب أيديولوجيتها التي ترفض كل فكرة عن المجتمع الذي لا يُسيَّر من طرف الدين. لكن المؤلّف لا يكتفي بالإشارة إلى نفور الفرنسيين من المرجعية الدينية لحركة حماس، وعلى الرغم من أن الصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني لا يترك المرء لا مباليا، ويطالب بطرح الأسئلة. وينطلق من بدهيّة يميل الكثيرون إلى نسيانها وهي “أنّ حركة حماس ليست هي التي خلقت الصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني”، وينتقل المؤلف للحديث عن ثنائية “الإسلاموي والحداثي” المغلوطة، ويقول حركة حماس تأسست في ديسمبر من سنة ،1987 أي بعد أربعين سنة على تأسيس دولة “إسرائيل”. وإذا فهي نتيجة من نتائج الصراع ذي الطبيعة الكولونالية. كما أن تطورها يمكن تفسيره بالشعور المتقاسم بين الفلسطينيين بأن مفاوضات أوسلو ألحقت بهم ضررا ولم تؤدّ إلى أي نتيجة بخصوص الدولة الفلسطينية، بل على العكس أتاحت، بموازاة ذلك، تزايد عدد المستوطنات. وفي ما يخص الطابع الديني لحركة حماس فالمؤلّف يرى بحق أنه “يتوجب وضعه في سياق العالم العربي وليس في ضوء تقليدنا العلماني”.
الكاتب قارئ جيد للوضعية الفلسطينية ولحركات التحرر العالمية، وهو هنا يرصد “النفاق” الفرنسي فيما يخص حركة المقاومة الإسلامية حماس. ويعترف: “كاتب هذه السطور لم يَرْتَد أبدا الكنائس إلا حين أجرى تحقيقاً سنة 1983 في بولونيا حين كانت نقابة التضامن في صراع ضد دكتاتورية الماريشال ياروزيلسكي. وفي ما يخص لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية التي قادت العديد من الرهبان في أمريكا اللاتينية إلى أن يكونوا بجانب المقاومة الشعبية، فهو لم يُثر الاحتجاج في فرنسا العلمانية. على العكس، كم من مرة سمعنا من أنصار عراق صدام حسين يدافعون عن “نظام علماني”؟

يستعرض الكاتب الاتهامات والتقولات التي طالت حماس ويفندها. و”من بينها حقيقة أن حركة حماس ليست هي التي اخترعت العمليات الانتحارية. إضافة إلى أن حماس ليس لها احتكار استهداف المدنيين. فخلال حملتين عسكريتين “إسرائيليتين” في لبنان سنة 2006 وفي غزة سنة ،2008 تسبّب الجيش “الإسرائيلي” في مقتل ما يقرب 2000 من المدنيين” ويضيف ساخرا من تبريرات الكثيرين من الغربيين و”الإسرائيليين”: “هل يمكن أن نعتبر القنابل أقل قسوة حين تلقيها طائرات “فانتوم 16” أو طائرة “ميراج” فرنسية من يد طيار “إسرائيلي”؟”، ويستحضر المؤلف الكلمة الشهيرة، التي تنطبق على الوضع الفلسطيني، للمناضل الجزائري، عضو جبهة التحرير الوطني الجزائري، لعربي بن مهيدي، سنة ،1957 وهو يجيب الصحافيين الفرنسيين بعد اعتقاله عن انتقادهم وضع المناضلين الجزائريين لقنابل في المقاهي: “أعطوني طائراتكم أمنحكم قنابلي”، ويذهب الكاتب بعيدا في تحليله، وهو ما يجعله متميزا بشكل جذري عن المُحللين الغربيين: “ليس لأن بعض عمليات حركة حماس تثير اشمئزازنا يتوجب علينا أن نفرغها من كل بعد عقلاني”، ويفسر الأمر: “وكما سوف سنشرحه لاحقا، فتفجيرات حماس لا تأتي أبدا بمحض الصدفة. إن حركة حماس، قبل أي شيء، حركة سياسية، أي حركة مسكونة بنزوع عقلاني”.

توجد دائما طريقتان، في نظر المؤلف، للنظر إلى حركة المقاومة الإسلامية: “أوّلاً من خلال منظور واسع يمكن اعتبارها عمياء عن كل ما يحيط بها، أو من خلال إعادة إدخالها في تاريخ وفي سياق. الطريقة الثانية ليست بالتأكيد نظرة أصحاب دعاية وبروباغاندا القضية “الإسرائيلية”. وللأسف، إن منهج بعض كبار الصحافيين والمعلّقين والمفكّرين الذين يحسون بالتشنّج والانقباض كلما تعلق الأمرُ بظواهر دينية، وبشكل خاص إسلامية. الطرف الثاني يلتحق في معظم الأحيان بالطرف الأول كي يحكم كثيرا بمقبولية الجرائم حين يرتكبها جيش نظامي”.

الوجه الحقيقي لمشوّه الأخبار

الصورة التي يعرفها الرأي العام عن حركة المقاومة الإسلامية، حماس، مصدرها أوكار الاتصالات “الإسرائيلية”. وهذه الصورة تلقفها العديد من اصحاب الدعاية الصهيونية ومن بينهم فريدريك انسيل المعروف عنه بأنه احد زعماء حركة “بيتار” الصهيونية المتطرفة، ويرى الكاتب انه يسوق افكاره باعتباره خبيرا، ومختصاً في الجيوسياسة، الذي ينتشر في العديد من الصحف ويؤثّر في بعض المُعلّقين”. ويقول المؤلف ان هؤلاء الدعائيين يختارون برامج ومواقع على قدر مستوياتهم وجمهورهم، ومن هنا يحذرون من ارتياد برنامج ريبوست على قناة مجلس النواب، أو برنامج “نقاش” لسيرج مواتي على القناة الخامسة، ويركّزون على مجلات متخصصة وخاصة بالجالية اليهودية”، وفي صناعة لوبي مؤيد ل “إسرائيل” يتوقف المؤلف عند دور انسيل ويستحضر مقالا له كتبه من دون تصنع نشر في سبتمبر ،2007 ويذكر المؤلّف أن المجلة أرسلت 5000 نسخة إلى وزارة الشؤون الخارجية و5000 نسخة إلى مسوؤلين سياسيين واقتصاديين في البلد.

تحت عنوان مُغْرٍ “وجه حماس الحقيقي”، يهب الكاتب الفرنسي الصهيوني لنجدة “إسرائيل” عشية حدث قمين بتغيير إيجابي لصورة حماس في الرأي العام الغربي. “بعد شهر من سيطرتها على قطاع غزة استطاعت حماس أن تطلق سراح الصحافي البريطاني ألان جونستون الذي كان في أيدي مجموعة راديكالية فلسطينية”، وكانت الردود إيجابيةً من قبل العواصم الغربية على هذا العمل، وحتى وزارة الخارجية البريطانية أرسلت رسالة شكر. وهو ما تسبب في إثارة قلق “إسرائيل”. ومن هنا كان عمل الخبير الفرنسي الصهيوني يتمثل في تشويه سمعة حماس. وتم الأمر من خلال الزعم بأنّ اختطاف الصحافي البريطاني من قبل مجموعة تطلق على نفسها “جند الإسلام” وتحريره بعد شهور من اختطافه خططت له حركة حماس.

ولأن الكاتب دوني سيفير لا يكتفي بسرد رواية فهو يلجأ إلى رواية أخرى للحدث، كي يقارع الحجة بالحُجّة. ويذكر رؤية لهذه القضية وردت في كتاب “البقاء حيا في غزة” للفلسطيني محمد الرنتيسي، وهو أخ القائد الحماسي عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتاله الجيش “الإسرائيلي” سنة ،2004 وملخصها أن “الصحافي البريطاني كان يتمتع بتقدير كبير من قبل الفلسطينيين لنزاهة مقالاته، اختطف بعيد انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية “من أجل إعطاء انطباع بأن غزّة أصبحت من الآن فصاعدا تشبه العراق”، ويصف محمد الرنتيسي مختطفي الصحافي البريطاني بكونهم “متعاونين (مع العدو) ومافيوزيين”.

يقف الكاتب في مفترق الطرق بين الروايتين، ولكنه يبحث عن منطق معين يمكن القبول به على الأقل. ويقول بخصوص منطق حماس: “لا يمكن أن نرى جيدا الفائدة التي يمكن أن يجنيها زعماء حماس، الباحثون عن المصداقية في اليوم التالي من انتصارهم الانتخابي، من زرعهم للفوضى”، ويعود سيفير إلى مقال فريديريك إنسيل ويكشف عما كان عليه تعليقه على سيطرة حماس على غزة في حزيران ،2007 إذ يصف “إعدامات بلا محاكمة للشرطة الفلسطينية، و”التدمير والاستيلاء على مملكات الفلسطينيين الذين ظلوا موالين للرئيس المنتخب محمود عباس”. ولكن سيفير لا يتوقف عند مجرد الاستشهاد بأقوال الصحافي الفرنسي الصهيوني فريديريك إنسيل بل إنه يحلل خطابه وقاموسه المستخدم. ويتوقف عند كلمات “موالين” والرئيس “المنتخب”. ويعلق “كما لو أن حماس لم تكن هي الأخرى “مُنتَخَبة” في يناير/ كانون الثاني ،2006 وكما لو أنه لم تحدث مواجهات مع مجموعات من حركة فتح فاسدة ومافيوزية، تعادل حركة حماس قسوة وعنفا، والتي لم يكن حافزها الأول، بالتأكيد، هو “الولاء” لمحمود عباس، وحين يعود الكاتب الصهيوني إنسيل إلى قضية حماس ونشوئها، يقوم بخلط الكثير من الأشياء والمغالطات ويقوم بتشويه الوقائع. “وبعد أن يصف حركة “الإخوان المسلمين” بكونها “جماعة متعصبة” (وهو ما يرى فيه سيفير فقرا مدقعا بالنسبة ل”خبير”!) يتناول موجتي العمليات التفجيرية ذات النمط الانتحاري في سنتي 1994 و،1996 ولكنه “يخفي الأوضاع التي سبقت هذه التفجيرات”، ويلاحظ سيفير أن إنسيل، يحرص على انتقاء قاموسه، ولا يتركه لمحض الصدفة. “لا مجال لذكر الانتفاضة ولكن يذكر “الحرب “الإسرائيلية” الفلسطينية”. كما أن هذه الحرب ليس لها سوى حصيلة واحدة، وهي الضحايا “الإسرائيليين”: 411 من سنة 2000 إلى ،2007 كما أن نحو خمسة آلاف فلسطيني قتل في نفس الفترة”، ويرى سيفير أن إنسيل يريد بل يتمنى رؤية الفلسطينيين منهكين في حرب أهلية. “ولكن هذا الحلم الذي يعبر عنه الكاتب الصهيوني تَرافق مع عبور شاحنات إلى غزة محملة بالأسلحة ومصفحات خفيفة لتسليح مجموعات من فتح”، وينقل المؤلف عن محمد الرنتيسي وهو يكتب عن هذا الدعم “الإسرائيلي” لمجموعات من فتح في صراع غزة، بنوع من السخرية: “لا يُقال لنا إن هذه المصفحات أتت عبر الأنفاق السرية”، والأمر واضح وبديهي بالنسبة لمحمد الرنتيسي، كما يلاحظ المؤلف: “ثمة عائلات مافيوزية مدعومة من قبل “الإسرائيليين” تسليحها وإمدادها بالأموال من أجل اغتيال قادة من حماس”، وهي “فرضية اتفقت معها شهادات جمعها محمد الرنتيسي من غزاويين لم يُعرف عنهم تعاطُفٌ مع حماس”.

من التضليل الإعلامي إلى الإسلاموفوبيا


وكي ينقل لنا المؤلف الآراء الأكثر كاريكاتورية عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ينتقل من ال”خبير” المُفضَّل لدى وسائل الإعلام المرئية والبصرية، إلى أحد كبار الصحافيين الفرنسيين، وكاتب الافتتاحيات في مجلة “لوبوان” الفرنسية الأسبوعية، وهو كلود أمبيرت، “الذي لا يُخفي مشاعره المعادية للإسلام”. ويقول نقرأ في قاموس أمبيرت كل الأوصاف المقذعة عن حركة حماس وحزب الله: “إن رجال حماس “سحرة” وأفاع سامة و”سمّ” و”مجانين الله” و”مسعورون” ومهتاجون، أما الشعب الذي يحمي حماس فهو عبارة عن جمهور يعِج عجّاً كما القمل والبراغيث”.

هذا الموقف المعادي لحركة حماس جعل كلود أمبيرت يضع ضحايا الغارات “الإسرائيلية” بين قوسين. ويصف مظاهرات التأييد للفلسطينيين بأنها “هيجان شعبي” أو أن “الحشد يتحمس”، ويعلق الكاتب على الأمر بأن الصحافي امبيرت يريد “أن ينزع عن حماس وعن الشعب الفلسطيني وعن المتظاهرين الذين يناصرنوهم أدنى عقلانية”، ويضيف: “إن قارئ كلود امبيرت ليس مدعوّا إلى أن يفهم، بل هو مدعوٌّ إلى أن يخاف وإلى أن يكره هذه المجموعات البشرية الشيطانية ذات المحفزات التي يستحيل سبرها”، و”من الأولى أن نقول إن الاستيطان “الإسرائيلي” والقمع والحصار ليس لها معنى في خطاب امبيرت”.

ليست مجلة “لوبوان” ذات النزوع الصهيوني وحدها من يعادي حركة المقاومة الإسلامية حماس، بل ينتقل بنا الكاتب إلى الصحيفة اليمينية اليومية “لوفيغارو”.

في شهر ديسمبر من سنة ،2008 وبعد يومين من الغارات “الإسرائيلية” على غزة، كتب الصحافيّ ثيري أوبيرلي بعنوان لافت: “حماس أو استحالة التخلي عن سلاح الإرهاب”. يتطرق فيه إلى تصريح لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، عن عودة العمليات الاستشهادية، فيتحدث أوبيرلي عن “العنف الأصلي”، وليس فيها ما يمكن أن نقرأ فيه أن العمليات يمكن أن تكون ردا على اعتداءات “إسرائيلية”.[/align]

نقلا عن: صحيفة "الخليج" الاماراتية
تأليف: : دوني سيفير
ترجمة وعرض: بشير البكر



مازن شما 21 / 07 / 2009 21 : 04 PM

3/4.. الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة.
 

الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة .. 3/4

تضليل إعلامي لإخفاء جرائم الكيان الصهيوني

[align=justify]بعد الخبير والصحفي كاتب الافتتاحيات ينتقل بنا الكاتب دوني سيفير إلى شخص أكثر احترازا ولكنه يشتغل مع رأي واع بلغة تهاجم صورة حماس على جبهة أخرى: الجبهة الاجتماعية. يتعلق الأمر، هنا، بلوك روزنزفيغ، وهو صحافي سابق في صحيفة “لوموند”، ومقرب جدا من المصادر “الإسرائيلية”، وقد انتقل إلى العمل مع اللوبي. وقد وجّه رسالة إلى أهالي غزة يقول فيها: “اغتنوا، جميعكم، حسب طاقاتكم وقدرتكم بدل أن تتمرغوا في الشقاء والبؤس والاضطهاد”. ويضيف: “تخلصوا من تجار الأنفاق ومن مصوّري الكاميرات الذين يقبضون بالدولار عن كتب اللحم المدمى الذي يتم إرساله إلى الفضاء الهرتزي ومن موظفي الأمم المتحدة الذين يتجولون في سيارات رباعية الدفع ومن المنظمات غير الحكومية الذين يمتلكون قابلية لامتصاص أكبر قدر من المساعدات.. من خلال تسويد مصيركم، بلا حياء”. وبنبرة أبوية يواصل “أَلَمْ تتعبوا من وضعيتكم كمُتلقّين أبديين للمساعدة وبتبعيتكم للإحسان العمومي من أجل الغذاء وتعليم أبنائكم وصحة عائلاتكم”.
يعلق دوني سيفير على هذه الدروس التي يقدمها الصحافي السابق في جريدة لوموند بالقول: “إن هذه السطور كُتِبت يوم 16 يناير من سنة ،2009 حين كان عدد قتلى الهجوم “الإسرائيلي” يتجاوز الألف قتيل”. ويحاول سيفير أن يميّز بين هذه الخطّين: خط كلود امبيرت ولوك روزنزفيغ، فيلاحظ أن الثاني لا يريد أن ينزع كل عقلانية من تصرفات حماس، بل يريد أن يضيفها إلى قائمة الذين يستغلون الشعب الفلسطيني. وهو يتوجه بدرجة أكبر ضد الخدمات الاجتماعية لحركة حماس أكثر مما يتوجه ضد مطلقي الصواريخ. ويرى أنه يندرج ضمن حملة تضليلية تستخدم الحجج “الإسرائيلية”. وهو ترويج لفكرة يهودية منظمة ترى أن: “ظروف الفلسطينيين (“العرب”) ليست سيئة جدا، وأن أعداء “إسرائيل” هم الذين سوّدوها”. ويرى سيفير أن كلا الرجلين، كلود امبيرت ولوك روزنزفيغ متفقان على “الإخفاء الكلي للسياسة الاستعمارية. فلا القنابل ولا الحصار ولا الخنق الاقتصادي ولا منع إنشاء البنى التحتية فيما يخص المطار والميناء يمكنها أن تمنع الفلسطينيين من الاغتناء، لو كانوا يمتلكون “الإرادة”. ويُضيف دوني سيفير، معلّقا: “نعثر هنا على قرابة مع الخطاب النيو ليبيرالي الفرنسي - الفرنسي” السريع في لوم “أبناء الضواحي الفرنسية لأنهم لا يأخذون أنفسهم بأيديهم وبأنهم لا يستيقظون باكرا للبحث عن العمل”.

مُنتخِبو حركة حماس: “أميّون”

يكتب دوني سيفير أن حركة المقاومة الإسلامية حماس “هي “أفضل عدوّ” ل “إسرائيل”، لكون غائية حركتها غامضةٌ، ما بين مطالبها القومية الفلسطينية التي تتضمن تفكيك مستوطنات الأراضي المحتلة سنة ،1967 وبين مشروع المجتمع الإسلاموي”. ويرى المؤلف أن منح حركة حماس غائيةً أخرى، دينية بشكل حصري، له مزايا متعدّدةٌ من وجهة نظر “إسرائيل”. إذا كانت مَطالب حماس لا تتوجه نحو تفكيك المستوطنات، فإنها لا تتوجه نحو “إسرائيل” وإنما نحو المجتمع الدولي. وإذا كانت الغائية هي أسلمةُ العالَم فإن الجواب الوحيد هو مقاومةُ الغرب “العلماني”. وهكذا تستطيع “إسرائيل”، بهذه الطريقة، أن تتقاسم مخاوفها وتعبّئ إلى جانبها مجتمعات وضمائر كانت موالية للمطالب القومية الفلسطينية”.
ليس من شك في أن المؤلف مطلع على الشأن العربي والفلسطيني وهو ما يجعله قادرا على تفنيد أطروحات وتأكيدات الكثيرين من المدّعين، ومن بينهم فيليب فال، مدير أسبوعية “شارلي إيبدو”، الذي اشتهر بمعاداته للإسلام وللحجاب الإسلامي ومؤخرا بإعادة نشره الرسوم الكاريكاتورية المُسيئة للرسول، ويكتشف سيفير أن “فيليب فال” يخلط ما بين حزب الله وحماس والطالبان وهو ما جرى في عدد 7 يناير، ،2009 حين كتب: “إن مشكلتهم ليست مطلبا شرعيا مثل تأسيس دولة فلسطينية بقدر ما هي صراع شاملٌ يقوده متعصبون ضد كل من لا يشبههم”، ويعلق سيفير على المقال، ويكتب “إننا نجد هنا كل توابل البروباغاندا “الإسرائيلية”: التعصب ولكن أيضا “الصراع الشامل””. وتمضي صحيفة شارلي إيبدو، من خلال قلم فيليب فال، قائلة: “إن “إسرائيل” تواجه منظمات تنتهك القوانين الدولية”. ويعلق سيفير: “كما لو أن حركة حماس، التي ظهرت في ديسمبر ،1987 هي المسؤولة عن عدم تطبيق القرار الدولي 242 الصادر في نوفمبر من سنة 1967 الذي يطالب “إسرائيل” بالانسحاب من الأراضي المحتلة”، ولا يغيب عن سيفير هذا التبرير والدفاع عن “إسرائيل” الذي يلجأ إليه فيليب فال، وكأنما مسؤول حكومي “إسرائيلي” هو الذي يتحدث: “إذا كانت “إسرائيل” كلما انسحبت من مستوطنة أو من أراض محتلة في سنة 1967 تجد نفسها تتواجه مع بؤر حرب وتطرّف، كيف لا يمكن للانتخابات الديمقراطية أن تحمل إلى السلطة حكومات “إسرائيلية” تشجّع على مواصلة الانسحابات”، وليس ثمة شيءٌ أوضح من تعليق سيفير على الموقف المنحاز ل “إسرائيل”: “لا شيء، هنا، حول الحصار “الإسرائيلي” ولا عن الخنق الاقتصادي لسكان غزة ولا عن تدمير البنى التحتية ولا عن منع بناء الموانئ والمطارات. قذائف حماس محرومة من أي قضية. إنها صادرة عن تعصبهم”، وإذا كان المراقبون الدوليون للانتخابات الفلسطينية الأخيرة ،2006 التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية حماس، تحدثوا عن سير جيد لها، فإن الصحافيّ فال يرى أن الانتخابات لم تكن “ديمقراطية” من حيث كون الفلسطينيين “أُمّيين”. وفي رأيه أيضا أن “الظلامية توجد داخل الشعب(الفلسطيني) نفسه، الذي انتخب حماس، من دون سبب، وعن جهل”.

حماس تنفتح على العالم

يأتي سيفير بكاتب فرنسي صهيوني، هو برنار هنري ليفي، ويدخله في جوقة المعادين لحركة حماس والمتحمسين لوجهة النظر “الإسرائيلية”. ففي الوقت الذي كانت فيه “إسرائيل” في الحضيض الإعلامي العالمي، بسبب حربها العدوانية على غزة، كانت تحتاج إلى من يدافع عنها ويخرجها من عزلتها جاء مقال برنار هنري ليفي في صحيفة لوجورنال دي ديمانش، يوم 18 يناير 2009 وفي مقاله يسمح ليفي لرئيس وكالة الأمن الداخلي “الإسرائيلي” الرهيبة يوفال ديسكين أن يتحدث كي يدخل الرعب في قلوب قراء الصحيفة الفرنسية. يقول المسؤول “الإسرائيلي” في مبالغة صارخة: “إن استراتيجية رجال حماس هي استراتيجية الإخوان المسلمين التي انبثقوا عنها والتي ترمي إلى الاستيلاء على السلطة لفترة طويلة في كل من لبنان والأردن و”إسرائيل”.. وهنا يعلق سيفير ساخرا: “كان بوُدّنا لو نُضيف... في “إسرائيل”.... وفي فرنسا”.. ولكن ضحالة وسطحية تفكير ورؤية الفيلسوف الميديوي ليفي جعلت المؤلّف يستشهد بتعريف مقتضب كتبه الفيلسوف الفرنسي الشاب ميشيل أونفراي: “من أجل تحسين قوته الضاربة، فإن من مصلحة المثقف الباريسي أن يبسّط العالم وأن يسخّف التعقيد ويختار الثنائية والإيجاز والمانوية”. وينتهي سيفير بتعليق ساخر وقوي: “ومن هنا فإنه يمتلك بعض التشابهات مع الرجل العسكري”.
ويرى الكاتب أن صورة حماس اصبحت رهانا في هذه المرحلة الجديدة من الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني، كما كانت عليه في الماضي صورةُ منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات. لأن قوة “إسرائيل” تكمن في وضع مكونات الحركة الفلسطينية، واحدة بعد الأخرى، على المشهد الميديوي من أجل وضعها بشكل أفضل في موضع الشبهة والاتهام. ويقول سيفير إن “تكرار وضع هذا السيناريو المُجَرَّب توجد حركة حماس، الآن، في نفس الوضعية السياسية الميديوية التي كانت عليها منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية سنوات الثمانينات من القرن الماضي كان عليه أن ينذرنا”. وكما رأينا، من قبل، فإن من مزايا البروباغاندا خلط كل الأجوبة. ويتساءل المؤلف عن حقيقة ميثاق حركة حماس التي تتحدث عنه الدوائر “الإسرائيلية” دونما انقطاع. ويقول نشر الميثاق في أغسطس من سنة ،1988 في بدايات نشوء حركة حماس، وهو يعرّف الحركة باعتبارها “جناحا للإخوان المسلمين في فلسطين” ويتمنى “انتصار الله”، وهو معزّز بالكثير من الاستشهادات القرآنية. وينقل المؤلف عن الباحث والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب، مؤلّف كتاب مهم عن حماس، كون الميثاق يرمي، بشكل خاص، إلى “نزع الطابع الفلسطيني عن المنظمة من أجل أسلمتها”. ولا يكتفي بإيراد مؤلف الحروب ولكنه أيضا ينتقده لكونه يكرّر مغالطات يدافع عنها أنصار “إسرائيل” في فرنسا. وهو لا يفعل سوى تقليد الصحفي الفرنسي وكل من تعامل مع حركة حماس من المتصهينين من خلال إرجاعها إلى مجرد وثيقتها الأولى، ضاربا عرض الحائط بكل التغييرات التي جرت منذ ذلك”. ويقول ان حماس “ولدت من حركة الإخوان المسلمين، حيث كانت جناحها في غزة، لكنها بدأت في الابتعاد عنها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التحول الكبير حدث في ديسمبر سنة 1987 مع الجماعة المصرية مع انفجار الانتفاضة الفلسطينية. ومنذ بدايات الإضرابات، قام أقرباء من الشيخ أحمد ياسين بالضغط عليه كي يتخلى عن سياسة التربية والدعوة كي ينخرط في النضال السياسي”. ويرى دوني أن الصحافيين “الإسرائيليين” زييف شيف وإيهود يعاري كانا من أوائل الذين تتبعا “مسلسل الفلسْطَنَة”. ويسترسل “لقد نشأتْ حركة حماس بهدف ألا تنخرط جماعة الإخوان المسلمين في المسلسل السياسي. وبعد سنوات من الراديكالية التي تجلت في رفض أوسلو وفي حملة التفجيرات القاتلة. وفي سنة 2005 أجرت حركة حماس خطوة إضافية في طريق التسييس”. إذا فالمشاركة في الانتخابات تعدُّ تحولا كبيرا في تاريخ حركة حماس، بالإضافة إلى تحولات أخرى تجعلها تبتعد كثيرا عن ميثاقها التأسيسي الأول. ويقول ان حماس أصبحت تلعب على وتر كونها إسلامية ووطنية. كما أن التغير ظاهر في رؤيتها للمجتمع الفلسطيني. فهي الآن تنادي بشكل واضح: ب”التعددية السياسية والتداول”.
كل هذه التحولات تجعل دوني يلخص التغيرات الكبيرة التي أجرتها حماس على نفسها: “لم يتبقّ شيء، أو فقط القليل القليل، من ميثاق 1988 في وثائقها. وكأن التاريخ الفلسطيني يبدو دائريا فالكثير من القضايا تعود إلى السطح ولو من خلال مسميات مختلفة. “فالجدل حول ميثاق حماس يذكّر بالجدل الذي دار في بدايات سنوات التسعينات حول ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما اضطر الزعيم عرفات إلى اعتباره “لاغيا” في تصريح له في باريس يوم 2 مايو من سنة 1989 ورغم ذلك فرئيس الوزراء “الإسرائيلي” لم يتورع عن إشهار ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1990 وذلك من أجل تأخير اعتراف “إسرائيل” بمنظمة التحرير الفلسطينية. ويذكرنا سيفير بأنّ ميثاق حماس ظهر سنة ،1988 أي في نفس السنة التي شهدت اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية ب “إسرائيل”، اثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في نوفمبر 1988 في الجزائر.
الكثير من الأسئلة تنطرح علينا في هذا الصدد: لماذا حلت حركة حماس محل منظمة التحرير الفلسطينية في اللحظة التي تلتزم فيه هذه الأخيرة بخيار المفاوضات؟ ولماذا استطاع خطاب “الراديكالية” لحركة حماس أن يجد آذانا صاغية في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، سنة 2006؟ ويرى دوني أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة “لا توجد في الصراع بين فتح وحماس أو في الحركة الوطنية الفلسطينية ولا في ميثاق حركة حماس، بطبيعة الحال. بل إنها تَكْمُن، أساسا، في فشل مسلسل أوسلو”. وهو فشلٌ، كما يرى سيفير، بحق، عائد، بالدرجة الأولى إلى “إسرائيل”. “إذ إن مسؤوليها لم يقبلوا قط إجراء مفاوضات بشأن الوضع النهائي للدولة الفلسطينية، عدا في ظاهر كامب دافيد حيث حاولوا أن يفرضوا على ياسر عرفات قبول مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية ما بين 1993 و2000- أي “العرض السخيّ” الشهير”.
يعود سيفير إلى برنار هنري ليفي ورئيس جهاز الأمن الداخلي “الإسرائيلي”، الذي يتوقف عند هذه العمليات الانتحارية التي قامت بها حركة حماس، فيقول: “إنها كانت المحطات الأكثر سوادا في تاريخ حماس القصير”. ولكن تعليق سيفير على هذه الجملة لمسؤول “إسرائيلي” يمارس السياسة وتسويد صفحات العدوّ، لا يخلو من رجاحة رأي ومن عقلانية: “لم تحدث عمليات منذ سنة 2005 وبالتأكيد يوجد جزءٌ من اللا عقلانية في عمليات حماس، التي تستهدف المدنيين “الإسرائيليين”، من خلال الدفاع عن أسطورة الشهيد بالنسبة لمن يقوم بالعملية. لماذا يتعلق الأمر ب “جزء”، فقط، من اللا عقلانية؟ لأنّه إذا كانت العمليات في أعيننا تخلو بصفة كاملة من العقلانية، فإن اللحظة التي حدث فيها التفجير وكذا السياق الذي يندرج ضمنه يستجيب، في المقابل، لعقلانية سياسية لا يمكن دحضُها. إن العمليات عمياءُ بسبب أهدافها، ولكن توقيتَها يستجيب لمنطق”.
يستعرض المؤلّف وقائع كثيرة من العمليات ولا ينسى سياقاتها (مثل التأكيد على أن أول عملية انتحارية لم تأت مباشرة بعد تأسيس حركة حماس، وإنما في 6 أبريل من سنة 1994 في ظروف خاصة جدا). فهي تأتي كردود فعل، كانتقامات لجرائم ارتكبتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين. فقد أقسمت حماس على الانتقام من الجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطن “الإسرائيلي” باروخ غولدشتاين في مدينة الخليل والتي أدت إلى مقتل 30 فلسطينيا. وجاء رد حماس بعد احترام فترة الحداد التي دامت أربعين يوما حسب قرارات أئمة الأراضي المحتلة. ومنفذ العملية الانتقامية الحماسية رجل في التاسعة عشرة من عمره، وقد تعرّض في السابق للتعذيب في السجون “الإسرائيلية”.
لن نجد محللا ولا صحافيا في الغرب من يتناول المسألة من هذه الزاوية، فكل المحلّلين الغربيين ينظرون إلى حركة حماس وكأنها حركة إرهابية، بامتياز، وتمشي أجندتها وفق خطط جهنمية لزرع الإرهاب والرعب. ولأن الزمن، زمن التفجير الفلسطيني، كان زمن المفاوضات الفلسطينية مع حكومة إسحاق رابين، فالكاتب يرى أنه “إذا كانت هذه القنبلة البشرية الأولى تندرج ضمن استراتيجيا حركة معارضة لاتفاقات أوسلو، فإنها لا تأتي “ضدّ” هذه الاتفاقات ولكنها ردٌّ على مجزرة مدينة الخليل”. والأمثلة كثيرةٌ. ونجد نفس “المحفّزات” حين أمر شمعون بيريز يوم 5 يناير 1996 باغتيال يحيى عياش، مسؤول حركة حماس.
يلاحظ الكاتب أن عملية الاغتيال للزعيم الحماسي لم تأت في فترة احتقان وعنف. “لم يأتِ قرارُ رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بتنفيذ هذا الاغتيال “بدم بارد” في فترة كانت فيها حماس ملتزمة في “هدنة” فقط، بل كانت الحقبةُ تبدو ملائمةً في نظر العالم بأسره لتسريع مسلسل السلام”. والكاتب لا يقول البتة بأنه يُبرّر هذه العمليات، فها هو يعبر عن رأيه: “مهما كانت التبريرات التي تمحنها “إسرائيل” لحركة حماس، فإن هذه الطرق الخاصة بالعمليات مرفوضة، بشكل عميق، من قبل ضمائرنا. إن التذكير بالتفجيرات والجرائم التي ارتكبتها المجموعات الصهيونية سنتي 1947 و1948 ضد المدنيين الفلسطينيين، والغارات ضد المدنيين من طرف الطيران الحربي “الإسرائيلي” ومذبحتي صبرا وشاتيلا مع تواطؤ نشيط من قبل هيئة الأركان “الإسرائيلية”، في سبتمبر ،1982 لم ينفع في شيء”. وحركة حماس واعية بأن العمليات الانتحارية (بالطبع تعتبرها حماس عمليات استشهادية) تفقد المقاومة الفلسطينية بعض التأييد في الغرب. والواقع أن حماس حين اختارت المشاركة في الانتخابات الفلسطينية في يناير 2006 تخلت بشكل رسمي عن سلاح العمليات الانتحارية.

الصواريخ الفلسطينية كنمط مقاومة

إن زعماء حركة حماس ليسوا سُذّجا إلى درجة اعتبار صواريخ المقاومة قادرة على قلب ميزان القوى العسكري مع “إسرائيل”، أحد الجيوش الأقوى في العالم. والصواريخ ليست أكثر من رد طبيعي على العدو، كما يقول قائد من حركة حماس: “الصواريخ هي فقط الوسيلة الوحيدة التي نمتلكها للرد على الجيش “الإسرائيلي”، إنها ترمي فقط إلى التأكيد على أن حماس لا تزال تمتلك القدرة العسكرية”. المسألة معقدة والمؤلّف لا يرى في التفسير الحماسي لإطلاق الصواريخ مسألة مقنعة للمراقب الغربي. “من دون الاستهانة بالأضرار التي تسببها هذه الصواريخ يمكن القول إن هذه الاستراتيجية تشكل، قبل كل شيء، رسالة موجَّهة إلى الشعب الفلسطيني والتي تشهد على رفض الخضوع للإملاءات العسكرية والاقتصادية التي فرضهتا “إسرائيل”. و”إذا فمن المهمّ تقديم الصاروخ باعتباره سلاحا هجوميا”. ولكننا “سنجد صعوبة في الاعتقاد بأن حماس ستواصل إطلاق الصواريخ لو رُفِع الحصارُ ولو أن مفاوضات الحل النهائي أطلقت، وخصوصا معها”. ولأنّ ثمة حملة تضليل “إسرائيلية” ل “شيطنة” حماس فالكاتب لم يغب عن ذهنه أن “حماس لا تحتكر امتلاك ولا إطلاق الصواريخ في غزة”. كما أن “المعادلة صاروخ = حماس تبسيط المشهد السياسي في غزة إلى درجة مخالفة الحقيقة”.[/align]

نقلا عن: صحيفة "الخليج" الاماراتية
تأليف: : دوني سيفير
ترجمة وعرض: بشير البكر

مازن شما 21 / 07 / 2009 44 : 04 PM

4/4.. الأخيرة.. الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة.
 
4/4.. الأخيرة.. الحرب الإعلامية ’’الإسرائيلية’’ الجديدة.

“إسرائيل” ربحت الحرب الإعلامية وتوشك على خسارتها

[align=justify]في شهر ابريل من سنة 2008 أجرت صحيفة “بوليتيس” الأسبوعية الفرنسية (المؤلف دوني سيفير هو رئيس تحريرها) حوارا مع أحمد يوسف، مستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. وتطرق اللقاء للخلاف الفلسطيني الداخلي: “المستفيد الوحيد من حالة الانقسام هي “إسرائيل”. وسياسة الانقسام هذه تمنح ل”إسرائيل” مبرر مواصلة حصار غزة والضفة الغربية، وسياسة توسيع المستوطنات ومصادرة الأرضي، أي خسران الضفة الغربية”، ويواصل المسؤول الفلسطيني، واصفا حالة التشرذم الفلسطيني: “.. أي خسران أسس مشروع بناء دولة فلسطينية في حدود 1967 لأنه لن تتبقَّ أية أراضٍ لتقام عليها هذه الدولة” ويعلق سيفير على هذا الحوار وهذه الإجابات بالقول: “يمكننا دائما أن نقول بأن أحمد يوسف يلتجئ - حسب الرسوم التقليدية الغربية حين يتعلق الأمر بزعيم عربي- بخطاب مزدوج”، “إننا هنا، أي أمام تصريح أحمد يوسف، بعيدون عن “مجانين الله” وميثاق 1988 وبعيدا، ربما، عن ما كان نفس الشخص، أحمد يوسف، قد قاله سنة 1993”. ودائما مع نفس الشخص، يتتبع المؤلّف مسار تحولات حركة حماس وتغيّر سياستها.ففي حوار أجرته مجلة نوفيل أوبسرفاتور، الأسبوعية الفرنسية، في 21 يناير 2009 يذهب أحمد يوسف بعيدا، ويتوجه بشكل مباشر إلى الإدارة الأمريكية الجديدة ويطلب منها أن تكون “أكثر عدلا” في مقاربتها للصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني. وسيكشف، بعد عدة أيام، أنه أرسل، عن طريق الأمم المتحدة، رسالة إلى السيناتور الأمريكي جون كيري، خلال زيارته لقطاع غزة، رسالة موجهة الى باراك أوباما.
وينتقل الكاتب للحديث عن الحسم العسكري في يونيو،2007 ويقول إن ما تم تقديمه باعتباره “حسما بالقوة” أو “انقلابا” لحماس، في يونيو،2007 يظهر متناقضا بشكل كامل مع التطور السياسي الذي حلته القيادة من فوق. ولكن خلافا لما تناقلته وسائل الإعلام الغربية بقلق، فالكاتب سيفير يقدم رواية جديدة للحدث، في اليوم التالي للانتخابات الفلسطينية وجهت حماس دعوة من أجل حكومة وحدة وطنية، وبعد أن وُوجِهت برفض من قبل حركة فتح كوّنت حكومتها في 29 مـارس 2006 اللجنة الرباعية أصرّت على الاعتراف بشكل جلي ب”إسرائيل” وعلى قبول الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية، وأن تتخلى حماس عن “الإرهاب” وهو ما رفضته الحركة، وقد تبع ذلك مقاطعة دولية ضربت المدنيين الفلسطينيين كما عزلت حماس. والحقيقة، كما يرى سيفير، هي أن المجتمع الدولي وحركة فتح رفضا نتائح الانتخابات. وتتالت المقاطعة والحصار على الشعب الفلسطيني. وتحت ضغط العربية السعودية قبلت حركة فتح في مـارس 2007 إنشاء حكومة وحدة وطنية “عابرة”. “لكن السلطة الوطنية الفلسطينية رفضت أن تضع الشرطة تحت وصاية وزير الداخلية الجديد من حركة حماس”. وهو ما دفع الحركة الإسلامية إلى خلق شرطة موازية. فبدأ التوتر وبدأت فتح في تقوية ترسانتها الرهيبة من الأسلحة. و”كان واضحا، بالنسبة لحركة حماس، أن “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية تسلحان رجال محمد دحلان. وهو ما اضطر رجال حماس إلى التعجيل بالحسم العسكري”. ويقول الكاتب ان حركة حماس ورثت، بعد الحسم العسكري، وضعية لم تكن تريدها. ولكن الوضعية التي سبقت استيلاء حماس على الأوضاع في غزة، كانت رهيبة: “الفوضى والفساد يسودان غزة. وأهالي غزة كانوا يتحدثون عن رجال مقنّعين، من حركة فتح، وآخرين غير مقنعين يقومون بسلب السكان. وعند اشتداد المعارك مع حماس لم تجد حركة فتح رجالا يدافعون عنها”.
المحن تتوالى على غزة وعلى حركة حماس وعلى حكمها في غزة: عشية الهجومين “الإسرائيليين” في ديسمبر 2008 ويناير 2009 عمّت فوضى في غزة، وترجمت عملية إعادة الأمن إلى القطاع من قبل حركة حماس بمطاردة لكل المتهمين بالعمل لصالح “إسرائيل”.
في موضوع الهدنة

يذكر الكاتب مشاهد على الاشتغال “الإسرائيلي” الجدي لتجميل وجهها، ويذكر على وجه الخصوص عمل دان غيليرمان سفير “إسرائيل” في الأمم المتحدة خلال خمس سنوات. كان كاريزميا وأنشأ علاقات ودية حتى مع المندوبين العرب والمسلمين المفروض فيهم أن ينصروا الحق العربي والفلسطيني ويُدينوا المواقف “الإسرائيلية”. ويذكر المؤلّف كيف أن السفير الباكستاني في الأمم المتحدة ودّع السفير “الإسرائيلي” المنتهية ولايته، في يوليو ،2008 بالدموع، في حين أن سفير السلطة الفلسطينية عانقه مودّعا كأنه وليٌّ حميم.وكان السفير سليطا حتى في التعامل مع أصدقاء “إسرائيل” أنفسهم. فهو وصف فرنسا “تقدّم الورود للإرهابيين” حين صوّت جاك شيراك في نوفمبر 2006 على إدانة الغارة “الإسرائيلية” القاتلة في بيت حانون. ويرسم المؤلف بورتريها جذّابا لهذا السفير: “القادر على إغراء أعدائه. وكي نقول الأشياء من دون مداورة، إنه وزير التضليل الإعلامي”.
يستحضر المؤلف هذا الوزير “الإسرائيلي” ليتحدث عن انتهاك الهدنة في غزة. في حقيقة الأمر تم التخطيط لعملية غزة عشية الحرب “الإسرائيلية” على لبنان. والسبب هو أن حرب لبنان لم تكن سوى حادثا طارئا. ولكنه حادث طارئ مدمّر بلغة الصُّوَر. ومن هنا تم التشديد في الدوائر “الإسرائيلية” على عنصر الاتصال. وحين بدأ الهجوم “الإسرائيلي” على غزة كان لمجموعات الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدوّنين وأنصار “إسرائيل” هدفٌ واحد: “تمرير الخطاب”. لكن أي خطاب؟ تعددية. لكن على الأقل تمرير خطابين يفرضان نفسيهما على العالم بأسره باعتبارها مسألة بدهية: الأول هو أن حركة حماس هي المعتديةُ وأن “إسرائيل” لا تفعل شيئاً سوى الدفاع عن النفس. الثاني يتعلق الأمرُ بإحدى معارك “صدمة الحضارات” الكبيرة، لأنه خلف حماس توجد إيران والإسلام الراديكالي، وخلف “إسرائيل” يجب أن يصطف العالمُ الغربي”.
من انتهك الهدنة؟

بشكل رسمي إن الصواريخ الفلسطينية التي تساقطت على سديروت وعسقلان هي التي تسببت في الهجوم “الإسرائيلي” يوم 27 ديسمبر على غزة.لكن الهدنة تتطلب، كما يقول سيفير، وقف كل عملية عسكرية أو ذات طابع عسكري. لكن ماذا يحدث لو أن هدنة ما تطول؟ “في الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، حماس هي التي انتهكت الهدنة. والسبب كامن في جنون هذه الحركة”،كما أن “إسرائيل” ليست هي التي انتهكت التهدئة، “لأن مسؤوليها ليسوا مجانين ولا تتحكم فيهم قوة دولية خارجية”، ويقول الكاتب ان الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، والسلطة السياسية “الإسرائيلية”، لا يريان في العمليات “الاستباقية” اعتداءً ولا انتهاكا لهدنة ما. ولكن “إسرائيل” ليست وحدها في الحلبة. ويرى الكاتب أنه “يكفي أن يرى الطرف الآخر رأيا مخالفا للنظرة “الإسرائيلية” - وهو حالة حماس- حتى يرى في الرد “الإسرائيلي” اعتداءً وانتهاكا للتهدئة”. وليست حركة حماس هي التي انتهكت التهدئة بالأفعال، ولكن حماس هي التي صرحت 19 ديسمبر2008 أنها لن تمدّدها. وهو ما استغلته “إسرائيل” على الفور، وكما في المرات السابقة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” تنجح “إسرائيل”، دائما، في تسويق جرائمها واعتداءاتها، وتحمل العرب المسؤولية. فعدم قبول حماس لتمديد الهدنة، يتحول في اللغة “الإسرائيلية” إلى انتهاك حركة حماس للهدنة.
ينقل جون- بيير بيران، وهو صحافي في صحيفة ليبراسيون الفرنسية في موقع الجريدة الالكتروني ما قاله ديبلوماسي غربي في القدس: مثل المرات السابقة، “إسرائيل” هي المسؤولة عن وضع حدّ للتهدئة, ولكن مسؤولي حركة حماس لا يتمتعون بذكاء سياسي كي لا يقوموا بالردّ، وهو ما يعني أننا لا نرى سوى صواريخ القسام ضد المدنيين “الإسرائيليين”، ويقول المؤلف ان الصحافة الغربية كررت الموقف “الإسرائيلي”. ونقرأ مقالا صدر في صحيفة ليبراسيون، بتاريخ 29 ديسمبر ،2008 بعنوان لافت: “من بدأ؟” ونقرأ فيه: “اتخذت حماس، في 18 ديسمبر، قرار عدم تجديد التهدئة ستة أشهر أخرى مع “إسرائيل”. وقد تبع هذه القطيعة إطلاق العشرات من الصواريخ والقذائف، وتسبب الأمر في الرد “الإسرائيلي”. ليوم السبت”. ويعلّق الكاتب بأن الأمور واضحةٌ وهي أن حماس، وحدها، هي التي وضعت حدا للتهدئة وهو ما تسبب في الرد “الإسرائيلي”.
أصوات نشاز

في خضم شبه إجماع على تحميل حركة حماس مسؤولية وضع حد للتهدئة، تعالت أصواتٌ ترسم كرونولوجيا تنحو باللائمة على “إسرائيل”. فقد كتب إيف دي لاميسوزيير، وهو مستعرب ومتخصص في المنطقة العربية، يوم 17 يناير 2009: “إن فحص كرونولوجيا للوقائع يرغمنا على أن نقول إنه بعد خمسة اشهر من وقف إطلاق النار تم احترامه بشكل مُرضٍ، تسببت عمليةٌ “إسرائيلية” ضد الأنفاق التي تربط غزة بمصر، في بداية وضع حد للتهدئة”. كما أن المؤلف يورد مواقف وتصريحات هنري سيغمان، وهو مدير سابق للمؤتمر اليهودي الأمريكي، وهو لا يمكن أن يُتَّهَم بالتعاطف مع الفلسطينيين، تذهب بعيدا في تحميل “إسرائيل” مسؤولية انتهاك التهدئة. فهو يرى انتهاك الهدنة لم ينتج فقط من الغارة “الإسرائيلية” في 4 ديسمبر. وإنما هي أيضا نتيجة التزام “إسرائيلي” لم يُطبَّق. وهو التخفيف من الضغوط الاقتصادية على غزة.
والحقيقة على الأرض كما يرى الكاتب هي أن حركة حماس لم ترفض وقف إطلاق النار وإنما رفضت أن يمتّ بصلة مع الاحتلال. وكي تبرهن على أن جهازها العسكري لم يتعرض للتفكيك، فقد واصلت إطلاق الصواريخ على سديروت،وحول آلة التضليل الإعلامي “الإسرائيلية”، يقول الكاتب من المؤكد أن “إسرائيل” تمتلك آلة إعلامية رهيبة، والهدف الأساس هو تمرير خطاب وحيد: حركة حماس هي المعتدية، و”إسرائيل” هي الضحية، ويرى سيفير أن “الحقيقة” القابلة للانتقاد لم تجد من ينتقدها. إن الاستراتيجيين “الإسرائيليين” كان لهم في حرب غزة هدف واحد وهو إدراج هذا الهجوم في منظور بعيد جدا. وقام المؤلف بتحليل للخطابات والرسائل “الإسرائيلية” التي عرفت نجاحا كبيرا لدى الرأي العام الغربي.ومن بين هذه الرسائل “الإسرائيلية” الكاذبة: “حماس، دمية إيرانية”. والكثير من المواقع “الإسرائيلية” لا تورد اسم حماس إلا مقرونا بجملة “مدعومة من إيران”، كما يفعل موقع The Israel Project أو “غزة، يد إيران” كما تكتب شهرية Tribune Juive وغيرها.

ولكن سيفير يفند تبسيط اتهام حماس بالتبعية لإيران وسوريا، وإن كان يرى فيه بعض حقيقة، ولكن ليس الحقيقة كلها التي تدعيها “إسرائيل”، فيكتب: “سوريا تدعم حماس وتوجد في دمشق مكاتب خالد مشعل. كما أن الشبكة الإيرانية ساهمت، خلال السنوات الأخيرة، في تسليح حماس التي تمتلك صواريخ كاتيوشا وصواريخ غراد طويلة المدى. ولكن ثمة شبكات أخرى، أفريقية لعبت دور التسليح. وتوجد شبكات أخرى قريبة من المافيا الروسية المرتبطة ببعض دوائر المجتمع “الإسرائيلي”. وفيما يخص التسليح “الإسرائيلي” فهو أمريكي ولم يمنع الأمر من أن تكون “إسرائيل” بلدا ذا سيادة”، ويضيف سيفير، وهو هنا لن يعجب المناصرين ل”إسرائيل”: “إن حركة حماس، قبل كل شيء، وبشكل عميق، حركة فلسطينية، بل وحركة غزاوية، ولدت من بؤس الشعب الفلسطيني في غزة، ومن فشل استراتيجيا الحلول الوسطى التي قادها ياسر عرفات ابتداء من سنة 1988.
ونصل إلى موضوع “صدمة الحضارات” الذي تستغله الدوائر الصهيونية وتستخدمه لمصلحتها. من منا ينسى تصريح أرييل شارون في اليوم التالي لتفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر من سنة ،2001 حين قارن ياسر عرفات بابن لادن. “ومع تفجيرات 11 سبتمبرعرفت “الإسرائيلية” كيف يمكنها استغلال نظرية “صدام الحضارات” التي ابتدعها الأمريكي صموئيل هينتنغتون، وطبقتها في صراعها ضد الفلسطينيين”، ويعرج الكاتب على حماس والدروع البشرية:تتحدث “إسرائيل” عن نظرية “الدروع البشرية”. ومؤدّى النظرية أن حماس تقذف صواريخها من قلب التجمعات السكانية، من المدارس ومن المستشفيات. ويرى سيفير أن الأمر “يتعلق بنظرية “إسرائيلية” قديمة استخدمتها خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993): يتم إرسال الأطفال في مقدمة التظاهرات - حماس حينها لم تلعب أي دور - كي يؤثر موتهم على الرأي العام الدولي”، ويرى الكاتب أن الهدف من الأمر هو “نزع كل طابع إنساني عن الفلسطينيين، الذين يتعلقون بأولادهم، بدرجة أقل، من الآخرين، الغربيين”، ويفند سيفير التهمة “الإسرئيلية”: إن نظرية “الدروع البشرية” أو “أخذ السكان رهائن” من قبل حماس تطرح العديد من الأسئلة على “إسرائيل” قدر ما تطرحها على حركة حماس. لأنها تشهد، من دون شك، على الصعوبة التي يواجهها جيش بالغ القوة والذي يعتمد على طيران بالغ الدقة في “إدارة” صراع لا تماثلي. كما أن هذا الخطاب يخون الإرادة - غير المُجدية - في جرّ العدوّ إلى صراع تقليدي. كما لو أنّ “إسرائيل” كانت تتوهم أن حماس سوف تخلي السكان كيف تمنح نفسها، وفي فضاء عار، لطائرات الأباتشي، ولكن الكذبة التي تصور حركة حماس تستخدم المدنيين “دروعا” لمقاتليها انكشفت، فقد “نفاها أطباء أجانب وأعضاء منظمات غير حكومية وموظفون للأمم المتحدة. هؤلاء نفوا أن تكون المستشفيات أو المدارس التي استهدفتها الطائرات العسكرية “الإسرائيلية” ملجأً لمقاتلي حماس ولا لمنصات إطلاق صواريخهم”.
التحدي الذي يواجه حماس في مثل هذه الظروف هو نفس التحدي الذي واجه جبهة التحرير الوطني الجزائرية في حرب التحرير (من 1954 إلى 1962). “من المؤكد أن حماس، في هذه المواجهة، ليس لديها من خيار آخر سوى أن تتحول إلى حرب عصابات. حرب عصابات مدينية. وكانت فرنسا الكولونيالية توجه نفس الاتهام لمقاتلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية المختبئين في القصبة أثناء معركة الجزائر سنة 1957”.
الخاتمة

يرى المؤلّف وهو ينتهي من كتابه بأن حرب غزة تسببت في إنتاج كمية كبيرة من معان ميديوية معكوسة. وكما هو مبرهنٌ عليه فإن “هذه المعاني المعكوسة لم تكن مجرد صدفة. إنّها المنتوجُ المباشرُ لحرب ميديوية تُخاضُ بمنهجية وبمثابرة من قبل “إسرائيل”، ومن أجل تحقيق التأثير المرجوّ على الرأي العام، فإن هذه المعاني المعكوسة يجب أن تُقْبَل أيضا بوعي من قبل أنظمة الإعلام الكبرى. ويطرح الكتاب العديد من الأسئلة الهامة، التي تتجه معظمها نحو نقد السياسة الغربية أحادية الجانب، ومن بينها: “إلى متى ستبقى هذه السياسة أحادية الجانب مقبولة في نظر المجتمع الدولي، على الرغم من الفوضى التي تولدها في مجتمعاتنا كما في العالم العربي الإسلامي؟ إلى متى ستظلّ هذه الحجج التي تبرر هذا المنحى أحادي الجانب تشتغل في وعينا؟ إلى متى سنظل نعتبر إنشاء مستوطنات جديدة على أنقاض البيوت الفلسطينية محاولة للبقاء؟...”.
وماذا عن “إسرائيل”؟
يرى الكتاب أن “إسرائيل” بلدٌ تجذَّرَ، بعمق، في المنتظم الدولي. ليس ماضيها هو الذي يهددها، ولكن تصرفها الحالي الذي يتغذى دائما من نفس الالتباسات. ليس الفلسطينيون من يهدد “إسرائيل”، وليست إيران، وإنما احتلالٌ يتأبّدُ ولم يعُدْ يكفي إخفاءه أو تبريره بإعلام ذكي. لا تستطيع أيّة حجة أن تقاوم هذه المسألة البدهية: إن هذا الصراع هو صراع من نمط كولونيالي (استعماري) لا تتوقف “إسرائيل” عن تهييجه..
ويعلق سيفير على الواقع فيكتب: “الحرب الميديويّة (الإعلامية) نجحت قدر المستطاع في صرف الانتباه عن هذا الاستعمار الزاحف. ولكن إلى متى؟”. سؤال مخيف، لا يريد “الإسرائيليون” أن يطرحوه على أنفسهم، ولكنه بدأ يظهر على السطح.
والخلاصة: “حين نعرف حروب الصورة التي ربحتها “إسرائيل” خلال فترة طويلة، والتي هي بصدد خسارتها، الآن، نستطيع أن نقدّر إلى أي درجة يصبح فيها ضغط الرأي العام الدولي شرطاً مركزياً للعودة إلى طريق السلام”.[/align]
نقلا عن: صحيفة "الخليج" الاماراتية
تأليف: : دوني سيفير
ترجمة وعرض: بشير البكر


الساعة الآن 54 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية