![]() |
قراءة أسلوبية في (خذي دحرجات الغيوم) للشاعر طلعت سقيرق ـــ سهام علي
[align=justify]
قراءة أسلوبية في (خذي دحرجات الغيوم) للشاعر طلعت سقيرق .. تتميز مجموعة "خذي دحرجات الغيوم" للشاعر "طلعت سقيرق" بعدّة خصائص فنية ولغوية تجعل لغة الخطاب فيها تبتعد عن الاستخدام النفعي للغة، وتدخلها ضمن الاستخدام الأدبي للغة.بقلم : سهام علي ومع أن الشاعر سقيرق صنف المجموعة ضمن "الشعر" /بما يوحي ظاهرياً بالتقليدية/ فإن أول ما نجده على مستوى البنية الإيقاعية للمجموعة هو تحرّر نصوصها من الهيكل الهندسي المعروف للقصيدة في نظام البيت ذي الشطرين، بالإضافة إلى خروجها عن التوزيع المقطعي المتّبع في نظام الوحدة الإيقاعية فيما يعرف بالشعر الحر أو "التفعيلة". هذا لا يعني بطبيعة الحال تخلّي الشاعر طلعت سقيرق عن الوزن، وإذا كنا قد أسلفنا بترك النمطية المتّبعة، فللوصول إلى أن الشاعر قد لجأ إلى مد الوزن في قصيدته بشكل مغاير تماماً لما هو معروف، حيث أخذت القصيدة كاملة، وهذا يشمل كل قصائد الديوان، شكل السطر الواحد أو البيت الواحد أو المقطع الواحد المتصل... فالتفعيلة "فعولن" مثلاً، تتدحرج من أول القصيدة حتَّى آخرها دون أي توقف متجاوزاً النقاط والفواصل وأي إشارات ترقيم... وكأن الشاعر سقيرق يفتح باباً جديداً غير مطروق في شكل القصيدة العربية يمكن أن يخرجها من المأزق الذي يدعي البعض بوجوده... فالتفعيلة هنا تتحرّر من النظامين السابقين وتوجد نظاماً ثالثاً يعتمد الوزن متجاوزاً الشكل القديم بما يفرضه من وقفات وتقفية وما إلى ذلك، بما يعني حاجة ماسّة للتعويض عن متطلبات النظام القديم بجديد مغاير... مع تحرّر النصوص من هذين النظامين، يقوم الكاتب بالتعويض عنهما بالاعتماد على الإيقاع الداخلي للنص؛ وهو الإيقاع الناجم عن الوحدات الصوتية للمفردات التي يتكوّن منها النص، ولا يشترط فيها التكرار على نحو منتظم، وإنما يمكن الاكتفاء بالقيم الصوتية الناجمة عنها لإحداث التأثير الإيقاعي المطلوب على المتلقي. وهنا، فإن المفردات تقوم بوظيفة مزدوجة على مستوى بناء النص، فهي تقوم بوظيفة الإثراء الإيقاعي، إلى جانب وظيفتها الدلالية. ففي قوله: "ولكن قلبي تكسّر عشقاً تناثر عشقاً تقطع عشقاً وصار ككل الحكايات سحبة همس قتيل" /لاحظ دوران وتدحرج فعولن هنا/ نجد أن البؤرة الإيقاعية تركزت في صوت كلمة "عشقاً" وجاءت الأصوات في الكلمات الأخرى بمثابة محطّات الوقوف للانتقال إلى هذه البؤرة، وخاصة عند الوقوف على الصوت المضعف أو المشدد في "تكسّر" و"تقطّع". وفي الوقوف الإيقاعي عند هذه الأصوات تتكثف الدلالة لتتكشف عند كلمة "عشقاً". وعلى المستوى التركيبي: تعتمد المجموعة على مقولة "لكل مقام مقال" فنجد الاسترسال في استخدام الأسلوب الخبري في بعض المواضع، وخاصة عند وصف الحالة الشعورية والنفسية التي يعيشها الكاتب؛ إذ يحاول الكاتب نقلها بكل تفاصيلها ودقائقها فيما يشبه التقرير، لكن المبني بناء مبدعاً. ومن ذلك قوله: "أمضي إلى سطرين من همس الصباح وأرتدي وعد الحقول وجبهة الشجر الموزّع في دمي من أسرج الوقت الجميل وكان في صدري ولم يحمل إلى نهر الكلام كلامه" /متفاعلن هنا/... كما نجد الاسترسال في الأسلوب الإنشائي بنوعيه في مواضع أخرى، وخاصة عندما يطلب من الآخر ـ الأنثى، أن تكون الشريك والمخلص معاً من الآلام والهموم ومن ذلك قوله: "ما أروع الترحال في هذا الهوى العذري يا أغلى من الرمق الأخير خذي يدي هزّي نخيل الروح وارتعشي ظلال تداخل حتَّى كرياتي امسحي شباك أحلامي بورد الوجد وانتفضي". ولكن الكاتب كثيراً ما يقوم بالتنويع بين هذه الأساليب ويزاوج بين الإنشائي والخبري في معظم نصوص المجموعة، فيبعدها بذلك عن سيادة نمط واحد، ويكسر سيادة إيقاع واحد من خلال طول بعض التراكيب وقصر بعضها الآخر، وبهذا يحدث التناغم المنشود في النص الواحد بين الأساليب المتنوعة، كما في قوله: "عودي إلى وتري وهاتي من يديكِ العمر وامتشقي دمي تفاح أغنيةٍ تبوح بسرها للعائدين مع الصباح وضحكة العمر الجميل أميلُ للبلح الذي يأتي إلى شباكِ ذاكرتي بكل حلاوة العيد البعيد بكلّ أفراح الصباح وقامتي تبني على جسر المكان الجوع للشمس التي ترسو على شطآنها"... وعلى المستوى التركيبي البلاغي، نجد أن الكاتب قد وضع كل إمكانياته اللغوية والإبداعية في الصورة، وتكاد الصورة تمثل محور الدلالة الأساسي للمجموعة، مقارنة مع المستوى الإيقاعي، فنجد الأنماط المتنوعة للصورة البيانية من تشبيه واستعارة وكناية، والصور غير البيانية المتمثلة بالصور الحقيقية والقائمة على إيحاء المفردات ذاتها لبناء الصورة، ولا تنتمي إلى الأنماط البيانية الأخرى. كما نجد أنه يزاوج بين الصورة المحسوسة القائمة على تراسل الحواس والصورة المجردة في كثير من المواضع التي ينقل فيها الحالة الشعورية لديه. ومن ذلك قوله: "فقلبي نداء من السحر والوعد هاتي يديك انهضي نحو بحرين مني وهاتي يديك ارقصي في مسافات حبري قصيدة سحر وقيثارة من فضاء جميل وهاتي يديك اشربي كأس عمري أعيدي إلى الذكريات انتباهات قلبي"... يقوم الكاتب باستخدام عدّة تقنيات لغوية لبناء الصورة، ومن هذه التقنيات: 1 ـ اللعب بزاوية الخيال، وذلك بإقامة علاقات إسنادية بعيدة بين طرفي الصورة، وتكاد تكون هذه التقنية هي الغالبة على معظم الصورة في المجموعة، وتتميز هذه التقنية بإحالة الصورة إلى فضاءات مفتوحة للتأويل، وتقريبها من الغموض الشفاف. فالمتلقي يشعر بإيحاءات صورية معينة تصل إليه، وإن لم يدرك معناها اللغوي على نحو مباشر. ومن هذه الصور "أحبك والناي يمتص كل ارتعاشات عمري ويأخذ كأس انتباهي أسابق في همس كفيك روحي، وأسحب فوق الرصيف خطاب وبعض همومي"... 2 ـ تكثيف الصورة، وذلك باستخدام عدد قليل من المفردات لبنائها، وترك المجال مفتوحاً أمام التأويل ففي قوله: "لغة من البحر الهلامي"... نجد أن محور الصورة يقوم على كلمة "لغة" ومع أن اللغة تستخدم للتواصل والتفاهم بين البشر، إلا أنه هنا جاء بها نكرة، ولم يأت بعدها بما يكشف غموضها، فكل ما نعرفه عن هذه اللغة أنها مستمدة من البحر الهلامي، وعلى هذا، بإمكاننا أن نتخيّل الطرف المحذوف، قد يكون المقصود الحالة الشعورية التي يمرّ بها، وقد يكون المقصود هو الأنثى... 3 ـ الاسترسال في الصورة في بعض المواضع، وخاصة في تلك الصور التي تقوم بتصوير دقائق خلجات النفس، وتتغلغل في أعماق الشعور، وكثيراً ما يستخدم الكاتب هنا الصور المحسوسة مرافقة مع الصور المجردة والاسترسال فيهما كما أوردنا سابقاً. هامش: خذي دحرجات الغيوم- طلعت سقيرق –وزارة الثقافة- دمشق 2003م. [/align] |
رد: قراءة أسلوبية في (خذي دحرجات الغيوم) للشاعر طلعت سقيرق ـــ سهام علي
دراسة أخرى تغوص في ديوان الشاعر طلعت سقيرق خذي دحرجات الغيوم وتجربته الفريدة والمميزة في كتابة القصيدة المدورة.
شاعرية كبيرة وصور ترسمها الكلمات بعذوبة وتدفق سطور قدمها الشاعر واستوقفت غيره من المهتمين. للأسف قد نكون انتبهنا لهذه الملفات القيمة متأخرين مما يعيق طرح أسئلة قد تتبادر للذهن ولاتكون إجابتها إلا عند الشاعر طلعت سقيرق نفسه لكن مانجده هنا يفتح عيوننا أكثر على خصائص ومميزات شعرية فذة تميز بها عميد نور الأدب. |
الساعة الآن 05 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية