![]() |
صدر الدين الماغوط مشاكسا
[align=justify]
أن تعود إلى الوراء قليلا أو كثيرا فذلك أنّ الذاكرة مسكونة بالكثير من الوجوه التي ألفتَ وعايشت وعرفت ، ولأننا نعمل في الصحافة ، ونقترف الكتابة أو نراقصها ، فقد كان طبيعيا أن يترك الكثيرون بصماتهم في حياتنا أو ذاكرتنا .. من هؤلاء زيوس الدمشقي الشاعر صدر الدين الماغوط ( 1943-2006) الذي جاء دمشق من السلمية حاملا كل ما يملك من مشاكسة في الكتابة ، فكان غريبا قريبا في آن ، قادرا على الإدهاش وإثارة الغرابة ونسف الرتابة بشكل تحار معه من أين تبدأ .. عمل صدر الدين الماغوط في الصحافة ، وكتب كل أنواع وأجناس الأدب ، وكأنه لم يترك جنسا أدبيا واحدا يعتب عليه .. لكنه كان في الشعر فريدا بالرأي والكتابة والممارسة معا ، عاش الشعر حقيقة أو قل إنّ الشعر عاشه حتى صار الشعر بدويا يرفض كلّ ما يمتّ إلى الانضباط بصلة ، وهذا ارتبط أيضا بإلقائه للشعر فقد نقل صدر الماغوط الشعر من النمط المعتاد في الأمسيات إلى نمط جديد هو نمط الأرصفة والشوارع والأسواق .. وكانت دهشة الشعراء أكثر من دهشة الناس حين أخذ صدر الدين الماغوط القول إلى الفعل فصار جمهوره ممثلا بكل طبقات الناس في كل مكان دون أي تحديد ، ولأنه كان مؤمنا بنظرته أو نظريته فقد أوجد جمهورا خاصا للشعر ، يمكن أن نطلق عليه جمهور صدر الدين الماغوط ، وهو جمهور الناس البسطاء في اغلب الأحيان .. هذا العشق للمغايرة ولنقل الشعر إلى الشارع ، تطلب كسر كل حواجز الشعر المتعارف عليها ، فليس هناك شيء جاهز ناجز يمكن لصدر الدين أن يقدمه لك .. فهو يرفض القافية ، يرفض البحر ، يدخل كلمات جديدة ، يلغي المسافة بين العامية والفصحى ، إلى ما هنالك من أمور تجعل ما هو حاضر في الذهن من نسق بعيدا تماما عن شعره .. ومثل هذه الآلية أو النظرية خطيرة في امتدادها وخوض غمارها .. فأن تكتب شعرا يخرج عن خط الشعر وكل ما فيه ، فأنت تطرح عالما قائما بذاته لا تعرف إلى أين سيصل بك وبقصيدتك .. فهل نقول إنّ الماغوط نجح في هذا الذي أراده ؟؟.. أكثر شعر صدر الدين الماغوط ينبع ويصب في قصيدة النثر ، لكن هذه القصيدة تحمل الكثير من آرائه أو فلسفته التي ذكرنا بعض أطرها .. ينجح أحيانا فيدهش ، ويكون عاديا أحيانا أخرى فلا يبتعد كثيرا عن المتداول في قصيدة النثر .. لكن الشيء الذي لا يمكن إنكاره قدرة الماغوط على الخروج عن أي نمط جاهز ، وهذا خلق جوا شعريا متفردا له .. من شعره :"وحده الراعي ظلّ يحلم بالجفاف وبحذائه الذي ضاع / فجأة مرّ شرطيّ / وفجأة هرب البحر / وفجأة وجد الراعي حذاءه / لكنه كان قد فقد قدميه / واحسرتاه ".. و" يوجعني أنني أحلم كثيرا / ويوجعني أنني أتعب في ملاحقة أحلامي / في لحظات التخوف والدهشة أتساءل / لماذا هي الأحلام صعبة المنال / في غفلة مني تداهمني الذاكرة فأصحو / لأجد الأحلام مصادرة / بتهمة الزنى / والاعتداء على حدود الواقع ".. وأخيرا :"آخ أيها الزمن الذي لا يستحي / لماذا عندما أحببتك اختصرت البحار إلى دمعة / لما فاجأتني وأنا أجهش بالمحبة / سقط الوطن في خافقي / والبحر من أضلعي / وبقيت معرشة على أهدابي مجاديف السفائن".. هل هي الصورة كلها ؟؟.. يصعب أن نختصر بكلمات قليلة عالم شاعر مشاكس مغاير مسكون بكل هذا البرق .. لكنها مجرد محطة نتذكر بها وجها قريبا بقيت بصمته وستبقى .. [/align] |
الساعة الآن 17 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية