![]() |
لاتحزن...(2)
في ليلِ لحظة منسيةٍ من عمر وقتي كنت أسير وحدي في غربة نفسي عن نفسي، والأرض تميد بي وأنا أتَّكئ على عكاز أملٍ هارب لم أستطع القبض عليه رغم طويل عناء في محاولةٍ للحاق به، واستنشاق ِأثير الحرية من كبت لاأدري مصدره، ولا متى أو كيف سكن غرفاتِ نفسي فسرى بها في دهاليز تفوح فيها رائحة كآبة مزعجة، بينما كان قلبي يتخبط بظلامِ ليلٍ موحش الخطو يقبع في رأس أحلامٍ مشوشةِ الرؤية فيُغِم عليها عيونَ الطريق. كل ماحولي يكتسي القتامَ بانزواء فكري في ركن مهجورتملؤه طحالب الصمت وملح الرطوبة. ضجَّت رأسي بصراخ خوفي في غياهب جبِّ المجهول، فأيقظ فيَّ إحساسي المتهالك فوق حرِّ الرمل في هجير التشرد. أمي، أبي، إخوتي ، أخواتي، أصدقائي، هلموا إلي، اغتالوا وحدتي بسيف اللقاء والْتمام الشمل، وحيدٌ أنا تنهش قلبي وحوش الفراغ بنهم مريع، أنادي وأنادي، أمي لاترد عليَّ، حبسها عني العذر بانشغالها بالبيت، ووالدي بالعمل، والبقية كل بهمٍّ يفتك به شأنَ الوحدة معي. أجدني مقيدًا بضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنفر من نفسي، أمقتها لبعض وقت، تحتد احتجاجا وتجمح بالثورة ضدي، تؤلِّبُني على كلِّ مَن حولي وحتى عليها، أكرهُني، أحاول اغتيالي للخلاص من كوابيس تصطاد أمني بلا رحمة، وتقطف زهور حدائق قلبي الزاهية بعنف عدو ظالم.. تدوسها بأحذية قذرة غريبة لا أعرف عن محتذيها شيئا، أبكي، أتألم، ماأصعب أن يجد الإنسان نفسه وحيدا رغم كلِّ من يحيطون به، أجدهم أمواتا بالنسبة لي ، لايحسون بي ولا يرِتقون جراحي النفسية النازفة قهرًا وكرها. وحدَها هي أيضا كانت تجلس في غرفتها، لا أنيس لها من أهل البيت، تأكل مايقدم لها من طعام، وتردُّ على من يسألها شيئًا بإيماءة من رأسها، تتوضَّأ وتصلي ثم تعود إلى سريرها صامتةً إلا من همسات خفيةٍ تصاحبها في بعض الأوقات آه غريبة لاتشبه أهاتِ التألم التي تخرج حارقة من أفواه الموجوعين. ترى ألا تحسُّ مثلي بالغربة والوحدة والافتقار لأنيسٍ يبدد وحشة عمرها الذي شارف على النهاية. بهدوء وحذر اقتربت من غرفتها في الجهة الجنوبية من بيتنا الكبير اختارتها لتكون بعيدة عن الضجيج، قريبةً من شرفة الحديقة التي كانت تخرج إليها قبل صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. فتحت الباب.. مددت رأسي الصغيرة أنظر إليها بفضولٍ هذه المرة، رأيتها تستقبلُني بابتسامة عذبه ملأت وجهها سعادةً اخترق بعضُها جدارَ رهبتي فانتشت نفسي بشيء من سرور جعلها تدعوني للاقتراب منها بإشارة من يدها ، قبلت هذه اليد التي وقَّعتْ السنون فوق جلدها بصمة التقدم في السن، فاحتضنتني بحنان كنت بحاجة ماسة له بينما راحت أصابعها تمسح برقة فوق رأسي الصغيرة، أحسست براحة تتسرب من خلالها إلى قلبي الباكي من قسوة الأيام ، وددت لو أظل في حضنها مدى العمر، هاجمتني نفسي المحاربة بشراسة تطلب تفسيرا عما حدث لي. ابتعدت عنها، وقفت أمامها مستجمعا مابقي لي من قوة والقلق يموج في داخلي ويهوج، فتصنعت الهدوء وسألتها بصوت خفيض: جدتي ألا تشعرين بالوحدة؟ نظرت في وجهها أنتظر منها جواب امرأة عجوز، سلبتها الأيام الكثير الكثير من قدراتها الجسدية ، وأبعدت عنها أحبتها موتا أو هجرة، حدَّقتُ في عينيها بفضولِ طفولةٍ شقية ونفسٍ أمارة، للحظات كنت أتمنى أن أرى دموع الألم تنهمل منهما فأعزِّي ثائرَتي بألمها وحزنها على ماضاع منها، وعلى ماهي فيه اليوم. خيَّبتْ جدتي ظني، فرأيت بين جفونها بريقا غريبا يلمع بضياء مدهش وهي تشير لي بيدها إلى السماء ثم تضعها فوق صدرها، وابتسامة رضا تشرق فوق ثغرها المرتجف، لتزهر في قلبي فرحا يخلصني من أوهام الوحدة بإشارة من يدها المرتجفة تعيد إلي قوتي وثبات يقيني، وهي تخبرني بعجز لسانها عن النطق : إنَّ اللهَ معنا. ((لاتحزن إنَّ الله معنا)) "سبحان الله ربِّ العرش العظيم" بقلم زاهية بنت البحر |
رد: لاتحزن...(2)
هو شعاري دوما الله معنا ساعة نخاف وساعة نحزن وساعة نحس بالوحدة.. الله معنا يمدنا إيماننا به طاقة وقوة لمواجهة الصعاب.
الحمد له و الشكر في كل الأوقات. سرد هادئ متناغم و هادف في نفس الوقت . وفقك الله أخت زاهية و كثير من الفرح أتمناه لك |
رد: لاتحزن...(2)
استمتعت بقصتك أختي زاهية البحر .. فهي بقدر ما حوته من سرد ممتع وموغل في حنايا النفس البشرية الرازحة تحت وطأة الوحدة ، بقدر ما بددت ظلام هذه الوحدة و تركت وميض الأمل يكبر و يكبر حتى بزغ نوره ساطعا ..
الله معنا .. أقصى درجات الإيمان والسكينة و الطمأنينة . تحية لك أختي زاهية البحر . تحية لإبداعك المتالق . دام إبداعك . |
رد: لاتحزن...(2)
الأديبة زاهية بنت البحر
يسرّني أن أمرّ من هنا قصّ جميل ومحكم وكذلك هناك عبرة واضحة والنعم بالله العليّ العظيّم |
رد: لاتحزن...(2)
اقتباس:
نصيرة تختوخ أختي المكرمة بارك ربي فيك وفي شعارك الرائع المفيد أسعدني حضورك عزيزتي المشرقة أختك زاهية بنت البحر |
رد: لاتحزن...(2)
اقتباس:
رشيد الميموني أخي المكرم صدقت والله لايحس الإنسان بالسعادة إلا مع الله فانظر إلى من لايؤمن بالله تره يعيش مجرد وهم سعادة سرعان ماتتحول إلى تعاسة بمجرد انقضاء وقتها. رزقك الله ورزقني حبا خالصا لله، وسعادة لاتبور. أختك زاهية بنت البحر |
رد: لاتحزن...(2)
اقتباس:
أهلا ومرحبا بك أخي المكرم خيري حمدان ماأسرك ياأخي أسرَّني جزاك الرحمن عني خير الجزاء أختك زاهية بنت البحر |
رد: لاتحزن...(2)
هي البلسم الشافي والدواء لكل هم وغم , لو أيقنا بصدق ان الله معنا لهانت علينا كل المصائب والمحن .
لقد وجدت تلك العجوز انسا بذكر ربها رغم وحدتها وانعزالها ,فانعكس عليها امنا وسكينة تغبط عليها . وهذا دعاء احد الصالحين :اللهم ارزقنا إيمانا كإيمان العجائز . إلهي ماذا فقد من وجدك , وماذا وجد من فقدك . سبحان الله . اشكرك على ماخط يراعك يا زاهية بنت البحر . تقبلي مروري وكل الشكر والتقدير :nic93: |
رد: لاتحزن...(2)
اقتباس:
وفاء عبد الرحمن أختي المكرمة صدقت أختاه ، قبل كل شيء نحن بحاجة للإيمان بها ومتى استقرت في القلب عملت بها الجوارح سبحان الله حقيقة لاراحة لنا إلا عندما نحس بالقرب منه فنحس بالطأنينة والسلام، أشكرك على حضورك الجميل في أكثر من عمل لي . دمت بخير ورضا من الله. :nic103: أختك زاهية بنت البحر |
الساعة الآن 26 : 04 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية