منتديات نور الأدب - الحكمة و الحضارة و الحرية .. وأسس إنتخابات رئاسة الجمهورية

الحكمة و الحضارة و الحرية .. وأسس إنتخابات رئاسة الجمهورية

د. ناصر شافعي

إسمحوا لي قبل الدخول في الموضوع .. أن أقدم تعريفات بسيطة للحكمة و الحضارة و الحرية ، حتى يمكننا تفهُم القضية :

الحكمة :

هي القول أو الفعل المناسب أو الملائم للحدث في الزمن و المكان المناسب .
ولاشك أن الحكمة يخلقها و يهديها و يرشدها العقل الراجح الرشيد ، وهي نتاج طبيعي لتجارب حياتية و نظرة تأملية واعية مدركة للأشياء و الأحداث ، و نتائجها المتوقعة .

لا تأتي الحكمة من المعرفة فقط ، وإلا لأصبح كل المثقفين و العلماء حكماء .. ولكنها نتاج المعرفة و التجربة و التفكير العقلي المتزن الواعي .

الحضارة :

الحضارة في اللغة العربية كلمة مشتقة من الفعل حضر، ويقال الحضارة هي القرى والأرياف والمنازل المسكونة، فهي خلاف البدو والبداوة والبادية ، وتستخدم اللفظة في الدلالة على المجتمع المعقد الذي يعيش أكثر أفراده في المدن ويمارسون الزراعة على خلاف المجتمعات البدوية ذات البنية القبلية التي تتنقل بطبيعتها وتعتاش بأساليب لا تربطها ببقعة جغرافية محددة ، كالصيد مثلاً ، ويعتبر المجتمع الصناعي الحديث شكلاً من اشكال الحضارة.
تعتبر لفظة حضارة مثيرة للجدل وقابلة للتأويل ، واستخدامها يستحضر قيم (سلبية أو ايجابية) كالتفوق و الإنسانية و الرفعة، وفي الواقع رأى ويرى العديد من أفراد الحضارات المختلفة أنفسهم على أنهم متفوقون ومتميزون عن أفراد الحضارات الأخرى، ويعتبرون أفراد الحضارات الأخرى همجيين ودونيين.
و يذهب البعض إلى اعتبار الحضارة أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد من تفاصيل صغيرة إلى تفاصيل أكبر يعيشها في مجتمعه ولا يقصد من هذا استخدامه إلى احدث وسائل المعيشة بل تعامله هو كإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها.
و من الممكن تعريف الحضارة على أنها الفنون و التقاليد و الميراث الثقافي و التاريخي و مقدار التقدم العلمي و التقني الذي تمتع به شعب معين في حقبة من التاريخ.

إن الحضارة بمفهوم شامل تعني كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات و التقاليد و أسلوب المعيشة و الملابس و التمسك بالقيم الدينية و الأخلاقية و مقدرة الإنسان في كل حضارة على الإبداع في الفنون و الآداب و العلوم.
ولاشك أن الأفعال الحضارية هى الأفعال المتمدينة البعيدة كل البعد عن الهمجية و الدونية و الغوغائية .
وللتعرف على حضارات الشعوب تُدرس العناصر التالية:
• طرق العيش والظروف الطبيعية.
• الوضع الاقتصادي.
• العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع.
• أنظمة الحكم السائدة.
• الإنجازات العلمية والثقافية والعمرانية.

الحرية :

الحرية هي حالة التحرر أو التخلص من القيود التي تكبل طاقات الإنسان و إنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية ، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة ، التخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما ، أو التخلص من الإجبار و الفرض.
الحرية هي إمكانية الفرد بدون أي جبر أو ضغط خارجي على إتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة. مفهوم الحرية يعيين بشكل عام شرط الحكم الذاتي في معالجة موضوع ما.

هل هناك علاقة بين الحكمة و الحضارة و الحرية ؟

لكي نصل إلى أفعال حضارية ، و بناء مجتمع حضاري مبني على أسس التخطيط و النظام ، واحترام مبادئ حقوق الانسان في العيش بهدوء و رغد وسلام .. يجب علينا أن نتعامل مع كافة الأمور بحكمة و عقلانية .. أن تصير أقوالنا و أفعالنا حكيمة ، تتمشى مع النظم و الحياة الحضارية . . ولن يصبح هذا الأمر ممكناً إلا مع وجود الحرية ، و تمتع الفرد و المؤسسات و المجتمع بحرية الرأي و الفعل و إتخاذ القرار ، دون وجود قيود أو شروط تمنعه ، سوي القوانين الحضارية التي تنظم و تحدد أسس التعامل و الأفعال السوية ، البعيدة عن الهمجية و الفوضوية .
الحضارة هي وليدة الحكمة و الحرية .. وهي أيضا خالقة الحكمة و الحرية ..
مثل الانثى وليدة المرأة و الرجل .. وهى التي تصبح فيما بعد والدة المرأة و الرجل .
والحرية الفكرية و العملية هي دعامة الحضارة و الحكمة .. و الحكمة هى المحرك الأساسي للحرية و الحياة الحضارية .
الحكمة و الحضارة و الحرية ، هم نسيج متشابك متكامل متجانس ، لأي حضارة إنسانية ووجود إنساني حر حقيقي .

ماهى علاقة ثلاثية ( الحكمة و الحضارة و الحرية ) بانتخابات رئاسة الجمهورية ؟

بعيداً عن الأسماء المطروحة أو المرشحة للرئاسة .. و بعيداً عن كلمات التشكيك و التجريح تارة .. أو التأكيد و التثبيت تارة أخرى .. أرى أن يتم التعامل مع القضية من منطلق الحكمة و الحضارة و الحرية ..

يجب أن يُنظر للأمر بعين الحكمة الآخذة في الإعتبار ترشيح الرجل الحكيم القادر بالأقوال و الأفعال الصادقة أن يثبت و يدعم جذور و أصول الحضارة المصرية ، ويقضي بفاعلية على الأفعال السلبية و العشوائية وغير الحضارية .. ولن يأتي هذا الترشيح أو الاختيار الحكيم ، إلا مع وجود الحرية في الاختيار .. الحرية التي لا تقيدها قوانين وضعية تعجيزية .. و لكن تقيدها صفات و أعمال وأفعال حكيمة شخصية للمرشح لرئاسة الجمهورية .

يجب أن نثبت للعالم أن مصر بلاد الحكمة و الحضارة قادرة على التصرف الواعي الواثق ، المتمتع بالحرية .. ونثبت للعالم أن الحرية في مصر ليست فقط حرية أقوال و لكن حرية أفعال و اختيار .

د. ناصر شافعي
القاهرة 26 ديسمبر 2009