منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   بائع السبح (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=13782)

هدير الجميلي 12 / 01 / 2010 06 : 12 AM

بائع السبح
 
[align=justify]
....كان يتحسس الأرض بثقل خطاه..يجرُ ظلهُ معه...؟
وفي يده يحمل صندوقا من الكارتون المقوى..ممنوع اللمس..!!

نظرتُ له فوجدتهُ أقرب إلى الذين تراهم يرددون التسبيح أمام الجنازة..يرتدي ملابس بالية,ضمت في حناياها جسداً ضامراً ذاوياً..كان يرتعش وعيناهُ غائرتان ذابلتان ..وأقلام الزمن خطت علامات الشيخوخة ... أبصرتهُ يمد يدهُ ويخرج المسابح ,بعدما جهز طاولة خشبية وبدأ بترتيب السّبح عليها..ما أدهشني هو اهتمامه الذي فاق التصور..!
كان يعاين تلك الخرزات وكأنها اللؤلؤ المكنون ..بقيت أرقبهُ , وأحدثُ نفسي ..؟ كيف سيبيعها إن كان مهتما لهذا الحد .وكأنها فلذات كبده..؟
وبعد أن انتهى من ترتيبها , بدأ الناس يقبلون عليه . كان يرفض أن يلمس أحدٌ السّبح ..! ويرفض أن يبيع..!
قضيت ساعات النهار والشمس سقطت علي كأنها تريد الانصراف..وبعد أن تعبت من الانتظار,حدثتني سريرتي أن أساله ؟ ما هو سر رفضهُ للمس و البيع..!
فضّلت أن أعُود إلى الدار . كدتُ أنسى الرجل، حتى أخذتني قدماي في اليوم التالي إلى نفس المكان , وجدتهُ جالسا وبين أصابعه التي تتراءى لك أنها غصون شجرة تيبست ..تربعت سيجارة لفها بيده تحمل ذكريات الزمن الصعب ورائحة الحزن الصامت.. وهي ترتعش مع الجسد النحيل ولا تعرف هل ترقص لمداعبة هذا الكهل لها ، أم تشاركهُ ذكرياته ...؟
وبدأتُ أترقب غير بعيد عن مكان الرجل ,والناس يتوافدون عليه. لكن لم يكن أحدٌ مسرورا؛ فالرجل يرفض البيع أوالمس ..دون تعليل السبب.
وصّمتُ لحظة مع نفسي وألح عليها السؤال : ما الذي يدفعني لمراقبة هذا الرجل؟ أهو مصاب بالخرف؟ أم أن به مس..؟!
ونفضتُ الفكرة عن رأسي...قلت فلأذهب وأتحدث معه علي أعرف ما حكايته...؟
ألقيت التحية..فرد السلام...
رحت أستخدم حيلتي لمعرف ما يُشبع فضولي..كنت أسأل عن نوعيات السبّح وأصنافها ومم تصنع ...وهو يجيبني..كان حسن الحديث وحكيم العقل...فصارحته بما جال في خاطري وحيرتي...
صمت لبرهة وقال: كان لي تسعُ إناث ولم يرزقني الله بصبي...حتى يعينني
ويكون عصاي التي أتوكأ عليها ..توفيت زوجتي..وزاد الحملُ , كبرت البنات وكنت حريصاً على أن لا يراهُنّ أحد ولا يفتحن باب الدار حتى لو قامت القيامة.. مرت السنون وأنا أبيع السّبح ولم يتغير الحال .أعيلُ بناتي وأحرص على حفظهنّ للقرآن الكريم ..كبُرن ولم يتقدم أحد للزواج بواحدة ..
وفي يوم كنت جالسا كعادتي في نفس هذا المكان أتأمل المارة وأداعب بالأفكار سيجارتي وأحاكي خرزات مسّابحي ...أتاني طفل بعمر الحادية عشرة مذهولا ومصفر الوجه كأنه رأى شبحا..قال يا عم دارك تحترق..
طار غطاءُ رأسي من الفزع..!!
أطلقت للريّح قدمي ,وعندما وصلت كان كل شيء متفحما وموشحا بالسواد..حاولت أن أبحث بين الحطام عن ما يهّدىء فزعي فلم أسمع حتى أنين أحداهن ؟
لم أعترض على تصريف القدر..؟!!
وكأن الذي حدث كان حلما ..أفقت فإذا بنفسي طريح الفراش وصريع الصدمة..وبعضُ أقاربي ملتفون حولي , اخبروني بأنه مر أسبوع وأنا على هذا الحال ..وأنّ بناتي متن وهن يحفظن وصيتي بعدم الخروج من الدار..!!
وأصبحت من ذلك اليوم إلى هذا اليوم ..اخرج بالمسّابح وأرجع دون أن ينقصن أو يزدن.
[/align]



رشيد الميموني 12 / 01 / 2010 21 : 01 AM

رد: بائع السبح
 
أختي الكريمة هدير ..
أولى مشاركاتك حملت بين ثناياها حبكة قصصية متميزة تابعتها بكل شغف من البداية إلى النهاية .
سرد رائع ، مشوق ومؤثر .
مرحبا بك في نور الأدب وفي منتدى القصة ..
أنتظر المزيد من إبداعاتك .
مودتي .

خيري حمدان 12 / 01 / 2010 47 : 11 AM

رد: بائع السبح
 

الأديبة هدير الجميلي
قص جميل وحبكة رائعة
وبدوري أنصح الرجال وأولياء الأمور أن يسمحوا لبناتهم بممارسة طقوس الحياة بكلّ حيثياتها حتى لا يحترقن دون أن يتمكن من القيام بأبسط متطلبات الحياة وهو البقاء عليها والحفاظ على استمراريتها كما طلب منا الخالق.
وفي قصة عبرة لمن يعتبر
مودتي

هدير الجميلي 12 / 01 / 2010 28 : 09 PM

رد: بائع السبح
 
تحية لك أستاذ خيري حمدان
نعم هناك أمور يغفل عنها الآباء ويتصوروها بصالح الأبناء
لكنهم لايعرفون إنهم من شدة حرصهم يقعون بخطأ فادح

شكراً لمرورك القيم تحية من القلب

هدير الجميلي 12 / 01 / 2010 31 : 09 PM

رد: بائع السبح
 
تحية أستاذنا رشيد الميموني
شكراً لتشجيعك لي
وأتمنى أن أعطي الناس مايستفيدون منه ولايتجاوز حياتهم
فنحن نبحث في قلب الأحداث ..ونعيش مع قصص قد تكون أقرب من الخيال فعلاً

تحياتي لك أستاذنا

نصيرة تختوخ 12 / 01 / 2010 21 : 10 PM

رد: بائع السبح
 
قصة تحاكي واقعا لازال موجودا في بعض البلاد العربية وسردك الممتع زادها حياة وواقعية
تحيتي

ميساء البشيتي 12 / 01 / 2010 30 : 10 PM

رد: بائع السبح
 
الأستاذة العزيزة هدير الجميلي

اسمحي لي ان أرحب بك هنا في بيتك نور الأدب

وأتمنى لك إقامة طيبة بيننا

هي الطاعة العمياء يا عزيزتي أدت إلى الهلاك

لكن الإنسان لا يتعلم إلا من تجربته مهما نصحه الآخرون

والثمن هنا كان فادحا ً جدا ً .

قص جميل وأسلوب مشوق مما يدفعني لطلب المزيد من هذا الإبداع

دمت ودام قلمك البهي

:nic39::nic39::nic39:

هدير الجميلي 12 / 01 / 2010 33 : 10 PM

رد: بائع السبح
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ (المشاركة 57239)
قصة تحاكي واقعا لازال موجودا في بعض البلاد العربية وسردك الممتع زادها حياة وواقعية
تحيتي


شكراً أستاذتي الفاضلة نصيرة
وانا أعتبر قراءتك للقصة شهادة أعتز بها

تحية من أعماق قلبي

هدير الجميلي 12 / 01 / 2010 42 : 10 PM

رد: بائع السبح
 
تحية لك سيدة ميساء
وأنا يزيدني الشرف بالأنضمام إلى ملتقاكم
البيوت فيها الكثير ...وزمن سي سيد لم يمت بعد

هي الطاعة لكنها طاعة أدت لكارثة

تقبلي تحياتي من أعماق القلب

امال حسين 27 / 01 / 2010 31 : 01 AM

رد: بائع السبح
 
استاذة هدير الجميلى

قرأت قصتك المتسللة لنفسى ببساطة كلماتها ورونقها ....

والمفاجأة فى موت البنات من تبعة الطاعة العمياء



أحسنت


أهلا بك فى صرح نور الأدب


تقبل كل احترامى


الساعة الآن 15 : 06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية