منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   القصة القصيرة " مبروك ... وللفقيد الرحمة " تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم /عمان -الأردن (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=14145)

فاطمة يوسف عبد الرحيم 12 / 02 / 2010 44 : 01 PM

القصة القصيرة " مبروك ... وللفقيد الرحمة " تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم /عمان -الأردن
 
مبروك ... وللفقيد الرحمة

تكوّمت في زاوية الغرفة كجنين أشرأب من الظلمة إلى النور ،ها هو مسجّى أمامها ، لفظ أنفاسه الأخيرة منذ لحظات على أثر أزمة قلبية حادة أودت بحياته بعد واحدة من غضباته وثوراته الكثيرة ،الموت برهبته لم يحرك ساكنا في دواخلها،بل جلست تحملق بالجثمان تارة وبوفود المعزّين تارة أخرى, تحاور نفسها رغم جبروته وقوته، رماه الموت أرضا ،وإذ بأبخرة الذاكرة المتعفنة تعج بالذكريات المقيتة والقاسية.
خمسة عشر عاما عاشتها معه لم تعرف فيها إلا الذل والقهر والعذاب ،ثلاثة أولاد اتسمت حياتهم بألوان من الآلام والعذابات من جرّاء الصراع الدائر بينها ويبنه إلى جانب الكم الهائل من الفقر الجاثم بين أروقة المنزل ، الكل يبكي ويذرف الدمع ، كيف يبكون أنسانا عرف بقسوته وانحرافه أم يبكون أحزانهم المتراكمة في دواخلهم ؟ ،إلا هي، صامتة تحدق بالجسد المسجى متسائلة ، هل حقيقة مات أم سيستعيد وعيه بعد قليل ليقف حاملا عصاه يهوي بها على جسدها ؟ ارتجفت للفكرة واستبعدتها.
إحدى الجارات تقول لها :ابكي ، البكاء يريح النفس الحزينة، رمتها بنظرة شاردة ، في أعماقها ساخرة، كيف أبكي من ظلمني وعذبني، وأخرى تقول: مسكينة الصدمة أذهلتها ، حركت يدها العوجاء التي كسرها بإحدى ثورات جنونه،رفض علاجها والتأم الكسر على اعوجاج ، تحسست جلدها الذي تناثرت فوقه البقع الزرقاء والحمراء من أثر سوطه الذي يلازمه في حالات شذوذه ، انسابت يدها إلى بقايا شعرها الذي كانت في صباها تتباهى بغزارته وجماله وتذكر أنّ من أعظم متعه حين يسحبها من شعرها إلى فراشه ثم ... ويعود ليقول ابتعدي فأنا أكره رائحة أنفاسك ، وأكره نظرات الحقد في عينيك ، ويفرقع ضحكاته عالية حين يراها مهزومة تحت لسع ضربات سوطه ،كم كرهت أنفاسه المخمورة وأصابعه التي لاتتقن إلا فن المقامرة .
عويل إحدى أخواته يخرجها من ماضيها الأليم، نائحة : أخي يا حسرتاه انكسر ظهري ورفعت الغطاء عن وجهه لتقبله، مما جعلها مشيحة بوجهها نافرة من ملامح ذاك الوجه العبوس وعادت تسرّح نظراتها إلى ثوبها الموشى بالثقوب الذي طالما رجته أن يعطيها ثمن ثوب جديد فيقول لها ثمن كأس خمر تعدل مزاجه أهم من ملابسها أو جلسة على طاولة القمار مع أصحابه تراق فيها الكؤوس التي تذهب عقله ، يتركها هي والأولاد فريسة الفقر وتوابعه.
كم تمنت أن يكون لحياتها استقرار وصفاء كبقية الناس، ليعود من عمله تشكو له عبث الأطفال ونكاية الحماة وغيرة الجارات من هنائها لا إشفاقهن عليها من مآسيها ، كثيرا ما أمسكت مقبض الباب تريد الهروب من هذا الجحيم لكن نظراتهم الغارقة بالدمع تستصرخ فيها نداء الأمومة والحماية من غضباته .
.. كم تمنت لحظة صفاء نادرة ، تقول له : حبيبي ، و تلقي برأسها على صدره ليترك أصابعة تداعب خصلات شعرها المائجة ، وتحكي له حكايا الشوق والوجد ،وتمنت مرافقته في مشوار لشاطيء البحر، تتعانق كفّاهما بدفء ويتماوج البحر بنعومة رماله عند أقدامهما ، وتحار أتمتع نظرها في وهج الشمس التي تعشقها في لحظات الغروب ، أو تتوه في بريق عينيه السوداوين لتستلهم منهما نداءات الحب الحالمة وتسافر معه عبر الآفاق ،أحلام وأحلام وأحلام..
واستفاقت من فرح حلمها إلى واقع مرير، لن يدخل بعد اليوم من هذا الباب بأنفه الشامخ وقرفه المعلن ولسانه الذي لا يعرف غير السباب والاستنكار والرفض، سمعت إحداهن: ليتها تبكي حرقت قلبي بحزنها الصامت الذي يوجع القلوب ، استدارت نحو ابنتها التي تبكي والدها عللت ذلك بعاطفة البنوة تجاه الأب الفقيد لعله أشعرها بدفقة حنوّ لحظات اعتدال مزاجه ،حاولت أن تستفيض شيئا من الدمع على يتم الأولاد ولمهابة الموقف لكنّ الجفاف أدرك كل شيء حتى المآقي ،بعد الغسل والتكفين حانت ساعة الدفن ،تأكد لها أنه سيحمل إلى مثواه الأخير ، أقبل الجميع لوداعه بالدموع والدعاء إلا هي أغمضت العينين ولوحت له من بعيد بيدها العوجاء وولت منسحبة إلى الداخل .
سمعت من تقول :مسكينة لم تحتمل لوعة الفراق، دلفت إلى المطبخ ومدت يدها إلى الرف الأخير وتناولت زجاجة مليئة بسائل الوقود وإلى جانبها قدّاحة ،أفرغت محتوياتها داخل الحوض وأخذت تقدح وتقدح وتقدح وتحدق في اللهب وتضحك بهدوء ،وسمعت صوتا يقول ماذا تفعل هذه المجنونة، إن قوة الصدمة جعلتها تنسى أن الميت زوجها ، ولم يعلم أحد أن زجاجة الوقود والقدّاحة، كانت عدة الخلاص خبأتها للحظات التي يفرغ فيها مدد الصبر وتستحيل فيها الحياة وتضعف المقاومة ويصبح الموت حرقا حلا لكل المشاكل ، ليست مجنونة بل تعي ما تفعل ،عادت إلى الركن البعيد ملقية الرأس فوق اليدين المستندتين على الركبتين وانحدرت من عينيها دمعة سخينة على شبابها الذي أزهقه بجبروته ، حان رحيل المعزّين وكل يعزّي بكلمات متعارف عليها، تمنت لو أن واحدة تقدمت منها وتجرأت وهنأتها بخلاصها من العذاب بعبارة : مبروك .... وللفقيد الرحمة .

محمد الصالح الجزائري 10 / 01 / 2014 01 : 03 AM

رد: القصة القصيرة " مبروك ... وللفقيد الرحمة " تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم /عمان -الأ
 
الأديبة (فاطمة)..سأقرأ أولا..وسأعود للتعقيب إن شاء الله..

فاطمة يوسف عبد الرحيم 30 / 01 / 2014 10 : 05 PM

رد: القصة القصيرة " مبروك ... وللفقيد الرحمة " تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم /عمان -الأ
 
الأستاذ محمد

أشكرك على تلك المبادرة في إزالة التصفير

وتوقيعك أغنى النص


مع تقديري


الساعة الآن 57 : 01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية