![]() |
شِد حيلك ( قصة )
شــِـد حيـــلك ( إخترتك أنت لتقود وسائل وأسلحة النيران المضادة للدبابات من غرب القناة ، بصفتك نائبا لقائد السرية المضادة للدبابات .. وسيكون تحت قيادتك جميع المدافع المحتلة على طول مواجهة الكتيبة سواءا التابعة أو المعاونة ) رغم سعادتي بالمهمة .. وثقة القائد .. إلا أنني وجدتها مهمة غاية في الصعوبة .. فالمدافع منتشرة على مواجهة تصل إلى ثلاثة كيلو مترات .. ومطلوب منها تغطية منطقة العدو بالنيران طوال فترة اقتحام الداورية وستر ارتدادها وعودتها عبر القناة .. مما يتطلب أن تكون السيطرة مركزية على كل المدافع .. لم تكن هناك وسائل اتصال خطية أو سلكية ، واستخدام الأجهزة اللاسلكية محظور في هذه العملية لحرمان العدو من اكتشاف النوايا وأوضاع القوات والأسلحة .. وحتى لا يلتقط أي إشارة تكشف الداورية أثناء تنفيذ عملها .. كانت السيطرة على المدافع المضادة للدبابات في العادة تتم بالإشارات والبيارق الملونة بأسلوب متفق عليه ، ولكن هذه الطريقة تتم عندما تكون المدافع على مرمى البصر المتبادل مع القائد . خرجت من مكتب قائد الكتيبة يومها لا أفكر إلا في هذه المسألة ( مسألة السيطرة على المدافع ) .. فالداورية وتأمينها أصبحت مسئولية في عنقي .. ودبابات العدو متمركزة في أماكن انتظار قريبة سرعان ما تصل إلى مناطق التهديد وتستطيع القضاء على أي داوريات لنا تحاول العمل شرق القناة في وقت قياسي مدربة عليه جيدا .. أعياني التفكير .. وأصابني اليأس .. فلو تركت المسألة لتقدير رماة المدافع .. لنفذت الذخيرة المخصصة في وقت قصير .. وبالتالي تفشل الداورية .. لأنها ستصبح وجها لوجه أمام الدبابات .. لحم أمام حديد .. والقواذف المحمولة مع الأفراد ستكون عاجزة .. فمداها المؤثر لن يصل إلى الدبابة التي تستطيع الاشتباك من مسافات كبيرة يفوق مدى القواذف المحمولة . قمت بزيارة قائد فصيلة الإشارة .. لعلي أجد مخرجا .. أو تليفونات وسلك ميداني يحقق الاتصال بكل المدافع ، وعددها كبير .. يصل إلى الثلاثين مدفعا .. أما التليفونات فعددها قليل وموزعة على قادة الفصائل ولا يمكن الاستغناء عنها وإلا أصيبت القوات بالشلل التام .. إعتذر لي قائد فصيلة الإشارة بأن هذا العدد من التليفونات متعذر .. ولكن يمكن تدبير السلك الميداني .. قال ذلك وهو يدير مفتاح الراديو الترانزيستور ليسمع نشرة أخبار الثانية والنصف .. فانبعث الصوت ، ولكن من مكان آخر .. من كبسولة سماعة تليفون معلقة في سقف الملجأ الميداني وموصلة إلى الراديو بسلك .. لمعت الفكرة في رأسي .. وتفاعل معي قائد فصيلة الإشارة .. وقررنا أن نجري تجربة .. فقد علمت منه أن هذه الكبسولات والسماعات القديمة متيسرة بأعداد كبيرة في سوق وكالة البلح .. نجحت التجربة .. وحصلت على إذن من قائد الكتيبة لمدة عدة ساعات .. توجهت فيها إلى وكالة البلح في حي بولاق .. وهالني هذا الكم من سماعات التليفونات الغير صالحة .. اشتريت عددا من الكبسولات بعد نزعها من السماعات .. وعدت إلى الوحدة حيث قمت بتوزيعها على المدافع على طول المواجهة بالكامل وربطها معا بسلك الإشارة الميداني مع تدعيم هذه الشبكة بعدة تليفونات ميدانية للتغذية بالطاقة .. كانت نتائج السيطرة رائعة , ولم يكن مطلوبا من المدفع سوي تلقي أمر اشتباك من السماعة عند سماع رقمة ليطلق دانة واحدة على الأهداف المخصصة له . كانت الداورية رابضة في مكمنها المسيطر على خط السير المتوقع لعربات العدو .. والتي كانت تنتقل بين النقط القوية في توقيتات محددة تم رصدها من قبل . في التوقيت المحدد في الثانية عشر ظهرا .. وبعد أن توسطت الشمس كبد السماء .. شاهدنا عربتين للعدو تغادران النقطة القوية في نمرة 6 متجهة شمالا على الطريق العرضي في اتجاه منطقة الفردان .. توقفت أنفاسنا جميعا .. فنجاح العملية مرهون بتأمينها ، ونجاحنا في إنتاج نيران دقيقة بعد قيام الداورية بالاقتحام وأثناء ارتدادها .. مرت السيارة الأولى وحدها .. كان واضحا بأنها طاقم لاستطلاع وتأمين الطريق .. وبعدها بعشر دقائق تحرك لوري محمل بأفراد ومؤن .. لم تشتبك الداورية مع السيارة الأولى .. ولكن اشتبكت مع الثانية .. وكانت الأولى على مسافة بعيدة .. غاب اشتباك أفراد الداورية عن الوقت المحدد .. كان أفرادها مشغولين باقتحام سيارة العدو .. ويقومون بالدوران والالتفاف حولها والقفز فوقها كمن يبحث عن شيء .. لم أصدر أمرا بإطلاق النار خوفا من التأثير على أفراد الداورية بالنيران .. كنت أنتظر أن يرتدوا إلى مسافة الأمان .. صراخ في التليفون من قائد الكتيبة يسأل عن عدم إنتاج نيران في قطاع عمل الداورية .. لم أرد .. فكل حواسي مع الداورية .. بدأ دخان وسحابات من الأتربة تظهر من البعد إيذانا ببدأ تحرك واقتراب دبابات العدو .. بدأت الدبابات تظهر في الأفق .. العربة الأولى لاحت عائدة لنجدة العربة الثانية .. تمتمت في نفسي وأنا أجز على نواجذي ( لماذا تأخرت يا محمود ؟ .. ) .. أصدرت الأمر للمدفع رقم 30 بالإشتباك مع السيارة الأولى العائدة .. أصابه .. تطاير جنودها في الهواء واستقروا على الأرض وسط إصاباتهم وأشلائهم .. بدأ أفراد الداورية في الارتداد في اتجاه القناة .. ولكن دانات الدبابات بدأت تزمجر من البعد .. انتظرت حتى وصلت الدبابات للمرمى المؤثر للمدافع .. أصدرت الأمر للمدافع من واحد لعشرين بالاشتباك بالتتالي .. توارت الدبابات خلف ساتر ترابي .. كانت نيران المدافع تصيب الساتر فحبست الدبابات خلفه .. الدبابات تنتظر حتى ينتهي القصف لتظهر وتشتبك .. لازال الملازم أول محمود حجازي ورجاله يرتدون في اتجاه القناة .. لازالت المسافة طويلة نسبيا .. كل خشيتي أن تنفذ الذخيرة .. فمحمود تأخر كثيرا .. كنت أقوم بالسيطرة من نقطة قيادتي في مربض المدفع عيار 100 مم الثقيل خلف منتصف المواجهة .. شرق مبنى الإرسال مباشرة .. لم أصدر له أي أمر بالاشتباك حتى الآن .. فالمدفع ثقيل .. غير قادر على المناورة .. يشتبك من مكانه فقط .. فآثرت أن يظل ساكنا .. اقتربت الداورية من القناة .. كان بصحبتها أسير .. بدءوا في امتطاء القارب المطاط .. ذخيرة المدافع نفذت .. خرجت الدبابت السبع من خلف الساتر .. انطلقت صوب القناة وهي تطلق وابلا من نيران رشاشاتها .. أصدرت الأمر للمدفع 100 مم بالاشتباك .. الوحيد الذي يحتفظ بزخيرته .. أصاب إحدى الدبابات ارتدت باقي الدبابات وتوارت خلف الساتر مرة أخرى .. المدفع ينتج نيران متوالية .. عبرت الداورية بالكامل إلى غرب القناة .. نفذت ذخيرة المدفع .. خرجت الدبابات من مكمنها .. داناتها تنفجر حول مربض المدفع 100 مم في شراسة ونحن داخله أنا وطاقم المدفع .. تكاد الانفجارات المتتالية والمكثفة تصم آذاننا .. لم أستطع ـ أنا وأفراد المدفع ـ من الانتقال لمكان آخر .. حاصرتنا نيران الدبابات ونيران مدفعية العدو .. جرس التليفون الميداني يرن في إلحاح متواصل .. استطعت الوصول إليه بين الشظايا المتطيرة بصفيرها الرهيب .. رفعت السماعة .. صوت قائد الكتيبة على الطرف الآخر .. ينادي .. يصرخ .. أجبته .. اطمأن قليلا .. سألني .. ــ كيف حالك أنت وطاقم المدفع .. قلت .. ــ تمام .. الحمد لله أضاف قبل أن ينهي المكالمة .. ــ شد حيلك .. ــــــــــــــــــــــــ |
الساعة الآن 53 : 01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية