منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   (( وتوارى عند المنعطف)) تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=15666)

فاطمة يوسف عبد الرحيم 04 / 06 / 2010 36 : 03 PM

(( وتوارى عند المنعطف)) تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
وتوارى عند المنعطف

غمرتها الفرحة عندما صدر قرار ترقيتها إلى مشرفة عامة على قسم العاملات في المصنع ، أصبح همّها إصدار القوانين الخاصة بها والتي من خلالها تستطيع السيطرة على ضبط حركة سير العمل مع المراقبة الحازمة لكل مجريات الأمور في المصنع .
كانت حريصة أن لا تسمح بأيّ اختلاط بين العاملات والعمّال خاصّة لحظة الانصراف ، لذلك تترأس جمعهن في ساحة المصنع وتسير في المقدمة عند إغلاق مزلاج الباب الكبير للمصنع ، ئمّ ّتتجه كلّ عاملة نحو طريق بيتها.
تدخل غرفتها بهدوء، الصمت يلّف الجدران ، تسير بعظمة السلطة باتجاه مرآتها لتخبرها بأخبار اليوم ، تشدّ المرآة على يدها : أنت السيدة المطلقة في المصنع حافظي على حزمك لتسود هيبتك ، قطّّبت جبينها: ما بالك يا مرآتي ، لم تعودي ترددي لي،" أنت الأجمل" لم أسمع هذه العبارة منذ زمن ، كنت تتغنين بها كلما طرق بابي خاطب، لتهمسي لي بغرور: تمهّلي سيأتي الأفضل هذا لا يستحق جمالك , مرت السنون وأنا انتظر الأفضل ، لم يأت للآن,أبناء صديقاتي التحقوا بالجامعات.
باشرت الإشراف على عملهن، سمعت رقرقة ضحكاتهن ، قالت بحزم : لا أريد سماع الثرثرات التافه ، إعملن بصمت . انتهى الدوام ورنّ الجرس معلنا انتهاء العمل ، وسارت أمامهن كقائد ينطلق إلى الميدان.
كان هناك يستند إلى عامود الكهرباء يراقب جموع العاملات، رجل وسامته وضاءة ، ابتسم ، ابتسامته كشعاع اخترق دهاليز العتمة في أعماق نفسها ،أسرعت إلى مرآتها ، غبار السنين تناثر فوق إطارها، مسحتها بدقّة حتى تماوج بريقها ،
همست المرآة :ابتسم لك اليوم، أطرقتْ خجلا .
ردّتْ حيرى: لكنّ الشباب ولّى
: لا تخدعي نفسك بل ثقي بي،إنه شباب القلب
: لكنه يصغرني بسنوات
:الحبّ لا يعترف بالفوارق العمرية ، وأنت ما زلت جميلة بل الأجمل، لكن انظري إلى يمينك،علب الأودية - فغرت فاها- لاحظي أنّ اسنانك تحتاج إلى ترميم ، بوادر التجاعيد ،وهذه النظارة الطبية !!!
: مرآتي العزيزة أرى الدنيا قد أضاءت ما حولي بنور الحب وكل ما أشرت إليه مقدور عليه من خلال عمليات التجميل والعدسات اللاصقة، المهم شباب القلب .
بعد أيام انطلقت من باب المصنع وجموع العاملات الشابات تسير وراءها ،رأته في المكان ذاته بطلته البهيّة وشبابه الريّان ، ابتسم وغمز بعينه التي يتماوج فيها بريق أخّاذ، ابتسامته كندى الفجر الذي أينع زهور نفسها العطشى لقطرة حبّ،التفتت إلى الخلف تناقصت أعداد العاملات همست لها نفسها : ليتهن لا يلاحظن! غذّت الخطى نحو المرآة جددت بريقها، شاورتها: اليوم ابتسم بعذوبة وغمز برقّة ، أيكون عاشقا؟
ردت بحماس: لم لا ؟ لكن اهتمي بأناقتك أكثر، ملابسك لا تناسب موضة هذا الزمان، غيري لون شعرك، حاولي إخفاء خصلات الشيب، ارتدي البنطال الضيّق، فليكن كعب حذائك أكثر علوا، جددي مساحيق التجميل التي جفّت في أوانيها :صدقتِِ، لا بدّ من إجراء تغييرات تجميلية ليعود بريق الربيع.
بعد أيام ابتسم وغمز ولوّح بيده، أشرق الأمل في نفسها، أسرعت خجلة لتختفي في جوف الزقاق، التفت خلفها ثمّ تساءلت : لا يتبعني ، إين اختفى ؟ دخلت البيت احتضنتها المرآة وحدّقت فيها ثمّ سألتها: ما بك ؟
: اليوم لوّح بيده لكنه لم يتبعني ، لم يكلمني!
سرحت بخيالها إلى ما سيكون من لقاءات، من همسات حبّ ، وأغرقت نفسها في الحلم الجميل، ها هي ترتدي فستان الزفاف المتوهج باللآليء البراقة ، شغّلت آلة التسجيل ، ترّنم صوت المطربة : " مستنياك ...." وتمايلت تراقص خياله ، انتشى القلب وحلّقت الروح في متاهات العشق الورديّة.
في المصنع تتهامس العاملات: لعلّه كهل يدق الأبواب ،طمأنت نفسها مرآتي تقول: لم لا يكون شابا "الحب لا يعترف بالفوارق العمريّة" .
حبّها له فاق كلّ تصور،حلمها به شلّ تفكيرها،أغرقها في متاهته ، اللقاء أضحى ضرورة، لكن متى وكيف ستبدأ الحكاية !! سوف تنتظره هنا عند المنعطف تحت شجرة الكينا، وهنا ستحكي وتحكي وتعقد ميثاق الهوى، اختبأت بين أغصان الشجرة النائمة بوهن على كتف الزمن، سمعت وقع خطىَ ، أطلت من بين الأغصان لتفاجئه، رأته قادما ، يده تعانق يدها ، دوّامة ريح عاصف أغبشت عينيها بضباب كثيف واقتلعتها من مكانها وأوقفتها وجها لوجه أمام المرآة ، بكت بدمع غزير، تناولت زجاجة عطرها وحطّمت بها المرآة و في ثورة غضبها صاحت باكية: خدعتِني ببريقك، أقبل وبرفقته فتاة من عاملات المصنع، يتهامسان، يتقاربان، يتمايلان ، ضحكهما جلجل في الآفاق ،غرقا في بوتقة الهوى. سخرت مني حين أقنعتني أن هناك حبا يأتي في خريف العمر، الربيع يأتلف الربيع وينصهر فيه، بكت وبكت وأغرقت أواني المساحيق بدمعها، ثم لملمت شظايا المرآة : أعذريني يا مرآتي الكسيرة، الذي كان حلما برّاقا ممتعا، مرّ على قلب ما عرف إلا الوحدة والحزن ،مرّ كطيف شفيف أمطره بوابل من السعادة فأزهر ياسمينا ،لا تغضبي مني لكنك خدعتني بأحلامي، مرّ أمام ناظري وعشقته، لوعلم أنّ كل كلمة حبّ أفكر بها أو أهمس بها هي له، لو أدرك مدى شوقي وحنيني إليه ما توارى عند المنعطف، دائما الأشياء الجميلة يختزلها الزمن، فهي كزهورالربيع البريّة تجف مع أول لفحة من حرارة الشمس, لكني احتفظت بهمسات خيالي كأروع قصة حب، لو قابلته لقلت له : سيظل حبي لك وأحلامي معك أجمل ذكرى لما بقّي من عمري، لن أنساك ما حييت !!
سمعت نشيج بكاء نظارتها الطبية : سامحيني أنا التي أوهمتك بابتسامته وغمز عينه وتلويحة يده ، لكني قلت لك أكثر من مرة صححي مجال الرؤية في نظارتك الطبية، لأنك تعانين من انحراف بصريّ، حتى لا تتعذبين تحت سياط الوهم .

عبد الحافظ بخيت متولى 04 / 06 / 2010 43 : 09 PM

رد: "وتوارى عند المنعطف" تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الأستاذة فاطمة
جميل هذه القصة الت تاعاملت مع الشخصية من الداخل والخارج معا واقامت توازنا بين داخل الشخصية العطشى الى نبع وخارجها الحازم الصارم وتلك المرآة التى تشكل الداخل حين يتعامل مع الخارج وهذه النهاية المأسوية التى حطمت الخارج حين حطمت المرآة باعتباره سرابا وحطمت الداخل باعتباره وهما
من هذا التوازن نشات القصة فى خيط فنى جميل
لك فائق احترامى وتقديرى

ناهد شما 05 / 06 / 2010 28 : 03 AM

رد: "وتوارى عند المنعطف" تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
[frame="7 75"]
[read]الأستاذة العزيزة فاطمة وتوارى عند المنعطف
عتاب وحوار جميل مع المرآة
نعم الحب لا يعترف بالفوارق سواء كان غنى أو العمر أو أي فارق فالحب أقوى من كل ذلك
قرأت باستمتاع !! وفجأة وجدت نفسي اصحح نظارتي وأنا اقرا هل ما حصل وهم ؟ هل كل ذلك مجرد خطأ في مجال الرؤية
رائعة ... رائعة ... رائعة .. القصة وكاتبتها
في أكثر الأحيان تخدعنا هذه المرآة

،مرّ كطيف شفيف أمطره بوابل من السعادة فأزهر ياسمينا ،لا تغضبي مني لكنك خدعتني بأحلامي، مرّ أمام ناظري وعشقته، لوعلم أنّ كل كلمة حبّ أفكر بها أو أهمس بها هي له، لو أدرك مدى شوقي وحنيني إليه ما توارى عند المنعطف، دائما الأشياء الجميلة يختزلها الزمن، فهي كزهورالربيع البريّة تجف مع أول لفحة من حرارة الشمس, لكني احتفظت بهمسات خيالي كأروع قصة حب، لو قابلته لقلت له : سيظل حبي لك وأحلامي معك أجمل ذكرى لما بقّي من عمري، لن أنساك ما حييت !!

سمعت نشيج بكاء نظارتها الطبية : سامحيني أنا التي أوهمتك بابتسامته وغمز عينه وتلويحة يده ، لكني قلت لك أكثر من مرة صححي مجال الرؤية في نظارتك الطبية، لأنك تعانين من انحراف بصريّ، حتى لا تتعذبين تحت سياط الوهم .
يخذلنا الواقع لنفيق من أحلامنا ونعود لهذا الواقع الذي يؤلم أحياناً
تعلمت أن اقف أمام الشيء الذي أعجز عن المدح به او الشكر صامتة لأني لا اريد أن أشوه روعة ما قرأت بتواضع حروفي ولكن تعلمت أن اصفق بصوت عالي علي أن أسمع بتصفيقي إعجابي
دمت مبدعة
[/read]
[/frame]

فاطمة يوسف عبد الرحيم 05 / 06 / 2010 23 : 11 PM

رد: "وتوارى عند المنعطف" تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
أخي وأستاذي عبد الحافظ
تحية وبعد
أقف بتفكّر عميق أمام عباراتك ولا أخفيك أني انتظرها واستلهم منها هذا التوازن الفني النقدي المبدع الذي يعطي العمل قيمتة أو يضعه على المحك فأنا أقدر كثيرا تلك اللمسات النقدية التي تبرز الجوانب الفنية للقصة
دمت أخا مبدعا
فاطمة

فاطمة يوسف عبد الرحيم 05 / 06 / 2010 27 : 11 PM

رد: "وتوارى عند المنعطف" تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
أختي ناهد
أشكر لك هذه المرور العطر وهذه الكلمات الشفافة النابعة من رقتك وسمعت تصفيقك ، فأنت المبدعة في هذا التعليق وجمال التنسيق الذي للأسف لا أعرف كيف يتكون ، لكنه ينم ّ عن ذوق رفيع
ودمت
فاطمة

امال حسين 06 / 06 / 2010 04 : 12 AM

رد: (( وتوارى عند المنعطف)) تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
الأديبة الراقية فاطمة يوسف عبد الرحيم

حب وهمى بعد فوات الآوان واندفراط عقد العمر من بين أصابع جعلها تقبض على طرفه المعلق لتلحق بالركب وتسعد مع من أوهمت نفسها بحبه وكونت قصتها العاطفية التى أنتهت بمأساة .

وان كنت أرى ان المأساة وقعها أخف وطأة من انه التقى بها ليستغلها بحالتها الوالهه.

تصويرك رائع والكلمات عذبة وانسيابية ومتألقه

كل الاعجاب والتقدير

فاطمة يوسف عبد الرحيم 06 / 06 / 2010 16 : 01 PM

رد: (( وتوارى عند المنعطف)) تأليف/ فاطمة يوسف عبد الرحيم
 
أختي الراقية أمال
تحية وبعد
جميل ما قرأت من تعليق وأدركت خوفك على الفتاة من أن تستغل باسم الحب لكنها مسكينه إذ اختلطت عليها الأمور عندما تداخل الوهم في نفسها وهي رغبتها في الحب والزواج والانحراف البصري الذي جعلها ترى إشارات الشاب الموجه إلى إحدى الفتيات موجه لها
ودمت عزيزتي
فاطمة


الساعة الآن 37 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية