منتديات نور الأدب - الشعر وقانون الإبداع

[align=justify]
هل جربت أن تكتب قصيدة أو قصة أو خاطرة؟؟ هل جربت أن ترسم لوحة تعبر عن جزء من إحساسك الداخلي؟؟ هل حاولت أن تعزف لحناً على آلة موسيقية، ثم أن تخرج بمقطوعة جديدة تشعرك بالفرح والنشوة وكثير من الأمل؟؟..
لاتقل لي ما معنى كل هذه الأسئلة..؟؟ فأنت أدرى يا صاحبي أن كل إنسان، بحاجة إلى التعبير عن نفسه بهذا الشكل أو ذاك.. وحين لا يستطيع يكون اللجوء الطبيعي إلى إبداع الآخرين.. إذ أن كل واحد فينا يحمل هذا الجوع الإنساني الطبيعي للفن، الأدب، الإبداع. ومن غير الطبيعي، أن يعيش أي إنسان خارج هذا الجوع.. لأن الإبداع، مثل الماء والهواء، يصعب الاستغناء عنهما.. ألست معي في أنك تنسى ذاتك أحياناً وأنت تسمع زقزقة عصفور، أو تطيل النظر في جمال وردة.. وقد تكون الأمثلة أكثر من كثيرة في طول الحياة وعرضها..
في مرحلة الشباب، خاصة السنوات الأولى من الشباب، تشتدّ الحاجة للبحث عن أداة تعبير. كما يبدأ الشاب في محاولة التداخل و التماهي مع فعل من أفعال الإبداع. ولا نستغرب أن تتجه الشريحة الأكبر إلى الشعر والموسيقى.. لأن هذا وتلك، أقرب إلى المشاعر والعاطفة والاشتعال. وإذا أخذت الشعر مثالاً، حيث وجدت خلال سنوات من عملي كمسؤول ثقافي أن أكثر كتابات القراء من الشباب كتابات شعرية، فإنني أريد أن أقول إن الشعر هو الذات في حالة غليان وتأجج واشتعال. أي أن مساحة العاطفة هنا هي المساحة الأوسع والأكثر حضوراً.. وكل هذا شيء طبيعي. ولا نتوقع أن يتجه الشاب إلى كتابة الرواية مثلاً، إلا في حالات نادرة، لأن الرواية تحتاج إلى نظام وترتيب وطول نفس. والشباب على الأغلب حركة وسرعة..
كثيراً، وعذراً يا صاحبي الجميل إن تحدثت بشكل رسمي قليلاً، ما أسأل في عملي أو هاتفياً سؤالاً بسيطاً يقول «كيف أكتب الشعر»!! سؤال في ظاهره أبسط من بسيط.. لكن كيف لك أن تجيب؟؟ الصعوبة تكمن في الجواب، وليس في السؤال. وحتى لا أطيل أقول بشيء من التبسيط: حاول أن تكتب بصدق وعفوية وانطلاق.. لا تكتب وأنت مقيد ومرتبك وخائف.. قد نقترب هنا من عالم الرقص أو السباحة، إذ أن مراقبة حركاتك، توقعك في حيص بيص، ولا توصلك إلى الإتقان..
من حق كل إنسان، كل شاب، أن يجرب.. عند كل واحد منا موهبة ما، نبع لهذا النوع أو ذاك من العطاء.. المهم أن نحدد.. أن نعرف صورة وشكل الموهبة لنضع الأمور في نصابها. لا بأس من خوض التجربة، من ملامسة نار الإبداع. وبعدها نستطيع أن نعرف الاتجاه الصحيح. إذا كنا نملك الموهبة فلابد أن نتابع الطريق الذي سرنا فيه مهما كانت الصعوبات. إذا كنا لا نملك الموهبة، فلابد أن نسر بخوض غمار التجربة، وأن نتعلم الكثير أو القليل من هذه التجربة، والأهم أن نشبع جوعنا الفني بالاطلاع على تجارب الآخرين، بعد خبرة..
لكن هل للشعر قانون؟؟ قد أقول نعم.. وقد يقول سواي لا.. وقد تتعدد الإجابات.. لأن السؤال هنا يتعلق بحالة إبداعية، وليس بحالة مادية أو رياضية.. والإبداع، حسب اعتقادي، لا يخضع لقانون جامد، أو تعريف جامع مانع كما يقولون.. لأنه إبداع، والإبداع نبع عاطفي تسوقه المشاعر والأحاسيس. لكن كل إبداع، والشعر منه، بحاجة إلى علم وتعلم إلى جانب الموهبة، إذ لا تكفي الموهبة دون علم بالشعر مثلاً، كما لا يكفي العلم بالشعر دون موهبة. والعلم هنا قد يأخذك إلى اللغة، والصور، والوزن، والإيقاع.. لكن ماذا إذا كنت لا تعرف شيئاً من ذلك في الوقت الحاضر.. هل تمتنع عن الكتابة؟؟ وتوقف عملية الإبداع؟؟..
لا يا صاحبي.. إياك ثم إياك.. حتى وإن كنت لا تعلم شيئاً عن الشعر، فاكتب.. عش كل فيضانك الداخلي.. لا تضع سداً أو حداً.. قل ما تريد.. عبر عن مشاعرك.. اعزف لحنك الشعري بالشكل الذي تريد.. كن زهرة ونحلة وشباك وعد.. كن عصفور فرح.. ولا تقف في وجه هذا الشروق الجميل عندك..
لا تظن يا صاحبي الجميل أنني أقول لك لا تتعلم.. معاذ الله.. لكن ببساطة لا أريد أن توقف كل ينابيع الحب والصفاء والجمال، حتى تتعلم.. لأنني بصراحة أخاف على تلك الينابيع أن تجف إن أوقفتها هذا الإيقاف القسري.. وثق أنك ستتعلم فن إبداعك بعد حين، شئت أم أبيت.. لأن إبداعك سيطلب هذا العلم ليكتمل النضوج ويتكامل.
أظنك يا صاحبي ستقول من حقي إذن أن أبدع..؟؟ وسأقول لك ببساطة الماء: هذا أكيد.. وأرجوك لا تسألني أين تركت الولد المشاكس شحرور الغندور.. ولماذا لم يتدخل ولم يقل شيئاً طوال حواري معك.. دعه يا صاحبي بعيداً عنا هذه المرة.. ربما يكون الآن محلقاً في كتابة قصيدة، المهم أنه بعيد وهذا يكفي..

[/align]