![]() |
الطفلة العروس - أقصوصة - نزار ب. الزين
الطفلة العروس أقصوصة* نزار ب. الزين* ***** كانت وضحة ذات الأحد عشر ربيعا ، تلعب من رفيقاتها في المرعى المجاور لخباء ذويها ليس بعيدا عن نبع قرية الغدير الشرقي ، عندما أحست بالعطش فانسحبت إلى الخباء لتروي ظمأها . في المساحة المخصصة للضيوف من الخيمة الكبيرة المصنوعة من شعر الماعز ، أثار فضولها نقاش يجري وراء الحاجز القماشي الذي يفصلها عن ركن الضيوف ، أخذ يتضح بعد أن اقتصر على والدها و شخص آخر ، فانصرفت للإصغاء إلى كل حرف : الوالد : "اسمع يا شيخ العرب ، و هل يمكن لمثلي أن يرد لك طلبا ؟ ستكون طوع بنانك و خادمة بين يديك ، و لكن .. " تريث قليلا ، ثم ... أضاف : "و لكنني أستميحك عذرا يا شيخ ضرغام ، أريد سياقها* كاملا ، و وعدا أمام الله و الناس ، ألا تتدخل في شؤونها أي من زوجاتك الأخريات ، لا دخل لهن بها سوى بالمعروف ، و أن يكون لها خباؤها الخاص ، اعذرني يا شيخي ، إنها طفلة ، و الحق حق ! ." ثم ....اضاف : "صارحوني يا أخوان إذا كنت تجاوزت حدودي . " بعد ثوانٍ من الصمت ، سمعت صوت الآخر يجيبه : "عيب يا لافي ، أعليَّ تعقد الشروط ؟ و مع ذلك مسامح سياقها لن يقل عن الأصول : "أربعون راس* ، و أربعممائة قرطاس* ، و حِبَّة* على الراس ، و كرامتها على على العين و الراس ! " فيجيبه الوالد على الفور : "خمس بقرات حلوب و خمس غنمات مثلها ، خمسة ثيران و خمسة أكباش ، عشر عجول و عشر حملان .." يجيبه الآخر ضاحكا : "أنت طماع يا لا في ، و لكن لست أنا من يعجز عن طلباتك ، لك ما تشاء ! ." ثم ... تسمع وضحة جلبة أخرى و تكرارا لعبارة : "مبروك يا لافي.. مبروك يا شيخ ضرغام" ؛ فتلتفت إلى أمها متسائلة : " من هو الشيخ ضرغام ، و من هؤلاء الناس ؟ و علامَ كانوا يتساومون ؟ و على ماذا يباركون ؟!" تبتسم أمها ، تقبلها من جبينها ثم .... تضيف : "مبروك يا وضحة لقد أصبحت عروسا !!! " ***** زينوا وضحة بالقلائد , و الأساور الفضية ، و توجوا رأسها بحزام من الليرات الذهبية العثمانية ، ثم ... و بعد الدبكة و السحجة* و الأهازيج و الزغاريد ، أركبوها حصانا أصيلا كانوا قد زينوه لهذه المناسبة ، و ساروا بها نحو خيمتها حيث ينتظرها عريسها الشيخ .. الكل كانوا مبتهجين نساء و رجالا و أطفالا ... إلا وضحة .. الكل كانوا مشرقي الوجوه ...إلا وضحة.. لم يفارقها العبوس لحظة واحدة... إذ لم يزايلها الخوف آناء الليل و أطراف النهار ، منذ أخبرتها والدتها أن والدها أعطى كلمته بشأنها ، لمن يكبره على الأقل بعقد من الزمن ... و لكن ما أن اعتلت صهوة الحصان ، حتى تحول خوفها إلى هلع ... ألقت بنفسها من فوقه محاولة الهرب ، و لكنهن ، أمها و قريباتها أعدنها إلى صهوته ... ثم ... و بعد دقائق .. ألقت نفسها ثانية محاولة الفرار ... إلا أنهم أعادوها مرغمة ، مع صفعة على القفا وجهها إليها والدها ... و إذ بلغت خيمتها الصغيرة ، حاولت الفرار للمرة الثالثة ... فأدخلنها الخيمة مرغمة مع عقصة من أمها كادت تدميها .. ثم .... تركوها لمصيرها .... ***** كان صراخها يدوي .. يهدأ قليلا ثم يعلو من جديد ليبلغ عنان السماء ثم .. تحول صراخها إلى عويل .. و لكن ... لم يجرؤ أحد على الاقتراب من الخيمة ... ثم ... ران الهدوء ***** ثم .... رُفعت الراية الحمراء ، فنشط الفرح من جديد ، و أطلق بعض الشبان العيارات النارية ، تحية جليلة لهذا الحدث الكبير !!! و لكن .. عندما جاءت والدتها مع أخريات في صباح اليوم التالي ليطمئنن على حالها ، وجدنها شبه عارية في أحد أركان الخيمة و قد ملأت و وجهها و جسدها الكدمات ... و كانت تنزف .... ***** ================= *40 راس : أربعون رأسا من الماشية *400 قرطاس : 400 ليرة ورقية لتجهيز العروس * حِبَّة على الراس : قبلة على الراس *السحجة : التباري بالتصفيق الحاد حتى تدمى الأكف مرفقا ببعض الأهازيج سياقها : مهرها ================= *نزار بهاء الدين الزين سوري مغترب عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب الموقع: www.FreeArabi.com *من مجموعة الغدير ================= |
الساعة الآن 26 : 07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية