![]() |
الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
[align=justify]
ضبطتُ الولد شحرور الغندور وهو يضع ثيابه وثيابي وثياب بقية أفراد الأسرة في الحقيبة .. قلت باستغراب " ماذا جرى يا ابن الحلال .. ما بك؟؟".. قال:" لا شيء سأهاجر !!".. قلت :" هذا عظيم .. باب يسد ما يرد.. لكن أراك تأخذ ملابسي وملابس زوجتي وأولادي ألا تصحّ هجرتك إن تركتَ لنا ملابسنا ؟؟".. قال :" أخاف أن تكون بلاد الهجرة باردة ، قلت في نفسي أستعمل ثيابكم بدل الحطب !!".. هززتُ رأسي مثل بندول الساعة وقلت :" ما شاء الله وماذا سنلبس يا رعاك الله إن أردنا الخروج ؟؟".. قال :" وأين ستخرجون يا حسرة .. ؟؟.. ليل نهار ملتصقون بالشاشة تضحكون وتأكلون البزر والفستق ولا شيء عندكم غير هذه الكرة بنت الكلب !!".. قلت :" يا ابن الحلال ما هذه التهمة ؟؟.. أنت أعرف الناس بأنني جاهل بالكرة جهلي بدروس الجغرافية والرياضيات ".. قال :" ألم تكن اليوم في غاية السعادة لأن أسبانيا فازت على هولندا ، هل بينك وبين هولندا شيء ؟؟.." قلت :" لا والله ليس بيننا إلا الجبن الهولندي وهو طيب المذاق ولا شيء آخر .. لكن يا شحرور أنت تنسى أنني مصاب بعدوى السعادة وإن كنتُ لا أفقه شيئا في شؤون الكرة .. السعادة شعار المواطن العربي من المحيط إلى الخليج .. هات مواطنا واحدا غير سعيد وخذ ما تشاء ".. قال :" أنا مواطن عربي وأشعر بالتعاسة ".. قلت :" لأنك شاذ .. مريض .. طبعك رديء ".. قال :" ماذا تعني ؟؟..".. قلت :" من أين أتيت بالتعاسة وما الذي يجعلك تعسا يا مرحوم الأب والأم والخالات والعمات ؟؟".. قال :" الشعور بالتعاسة صار مرضا ؟؟.. من أين أتيت بهذا ؟؟".. قلت " حسنا أنت قلت المونديال أو كرة القدم سأقول لك فاسمع ".. قال :" هات يا رعاك الله".. أخذت أحكي غير مهتم لاعتراضاته أو ما شابه ، قلت : المونديال التاسع عشر برهان وأي برهان .. لك أن تحسب السعادة التي كان فيها المواطن العربي على طول الخط وعرضه أحيانا .. ثلاثمائة مليون عربي لا يعرفون إلا السعادة !!.. أقيم المونديال في جنوب أفريقيا لكننا كنا أسعد من كل أهالي جنوب أفريقيا وحتى من نيلسون مانديلا نفسه .. فريق أسبانيا فاز ببطولة العالم ، فكنا أسعد من الشعب الأسباني نفسه .. كنا سعداء على طول الخط .. إن فازت ألمانيا فنحن سعداء ، وإن خسرت فنحن سعداء أيضا !!.. تخسر البرازيل أو تربح فنحن سعداء !!.. لاعب يضرب الآخر ترى الابتسامة على وجوهنا دون سبب .. ولا عب يعتذر من لا عب فترتسم ابتسامتنا يا سبحان الله !!.. لاعب يضرب الكرة نحو المرمى فنبتسم بسعادة غامرة إن دخلت الكرة مسجلة هدفا ، ونبتسم بالسعادة الغامرة نفسها إن لم تسجل الكرة هدفا !!.. نحفظ أسماء اللاعبين الذين يلعبون والذين في الاحتياط والذين لم تلدهم أمهاتهم بسعادة !!.. نرقص وندبك ونخرج بمسيرات السعادة حين يفوز فريق ما.. ونفعل الشيء نفسه إن خسر فريق ما !!.. لا احد يفهمنا وإن كان عبقريا .. كأننا سر عالمي عصيّ على الفهم .. فللسعادة أسباب موجبة إلا عندنا .. تجد الناس متجمهرين أمام شاشة التلفزيون .. الناس من عربنا السعداء طبعا .. الانتباه شديد بسعادة .. الصراخ شديد بسعادة .. إن قام أحد الأولاد بشغب ما أو مشاكسة كأن يضرب أخاه دون سبب !!.. يضربه أبوه بسعادة ويتابع الفرجة !!..ويبكي الولد بسعادة ويتابع الفرجة !!.. وحتى الولد المقروص أو المعضوض أو المضروب من قبل أخيه المؤذي يبكي ويصرخ معبرا عن سعادته ..!!.. السعادة عندنا سر كما قلت لك .. ستقول لي " ألا ترى ما يحدث لنا من احتلال وقصف وذبح ؟؟".. أقول لك " أرى .. لكن ماذا تفعل إذا كان الشعب سعيدا ؟؟.. هل أغير وأبدل وأخبط خبط عشواء في شعب مطبوع على السعادة ؟؟..".. يا أخي كل شيء إلا تغيير الأمزجة والطباع والعادات وجينات الدم ..ماذا سيحدث إن فعلنا وغيرنا سعادة القوم النازلة عليهم دون مقدمات أو مؤخرات ؟؟.. هات شيئا وحيدا يجعل المواطن العربي عندها يشعر بالسعادة غير المرتبطة بالبلاهة ؟؟.. هات سببا يجعل المواطن العربي ينظر حوله أو في المرآة فيجد ما يسر ؟؟. هل سيكون سعيدا بحكام ركبوا على ظهره منذ قرون وما زالوا وهم موقنون أنهم نعمة أرسلها الله لهذا المواطن العربي ؟؟.. هل سيكون سعيدا باحتلال ما زال على مدار سنوات أطول من طويلة ، وحكامنا يسعون من اجل صلح وتسليم وانبطاح أكثر من انبطاحهم الظاهر والواضح بل الفاضح ؟؟.. هل سيكون سعيدا حين تبقى اللقمة غاية لا تدرك وكأنها مربوطة على ظهر حصان يجري مسابقا الريح وهو يحاول اللحاق به ولا يلحقه ؟؟.. هل سيكون سعيدا حين يجد السنـّة في خلاف مع الشيعة والشيعة في خلاف مع السنة في زمن اتحد فيه كلّ شيء وتقارب إلا هبلنا الذي لا حدّ له ؟؟.. هل سيكون سعيدا حين يكون مستوى الأمية مريعا وحين تجد القارئ العربي لا يقرأ ؟؟.. يا أخي دعك من كلّ هذا واترك لنا سعادتنا البلهاء فهي أفضل من التفكير بكل همومنا التي تجعل الواحد ينتحر وهو في شرخ الشباب .. وعلى سيرة الشباب ، هل العيشة التي يعيشونها عيشة ؟؟.. قال شحرور مبحلقا :" ما الدواء إذن ؟؟".. قلت :" أن نبقي سعادتنا بالكرة كما هي .. وان نبقي فرحنا بكل شيء كما هو .. ".. قال :" أريد حلا " قلت :" يا أخي دعك من سيدة الشاشة فاتن حمامة واسمعني " قال :" هات " قلت :" في روايته – الانتباه – يحكي ألبرتو مورافيا على سبيل الطرفة عن المجنون الذي أعلن عن برئه التام بعد أن قضى حقبة طويلة في مصح عقلي ، قال : بيد أنّ مدير المصح أراد ، قبل السماح له بالمغادرة ، أن يخضع المجنون ، الذي شفي لامتحان.. وبعد أن استدعاه سأله : هاتِ يا صاح ..هاأنتذا قد عدتَ إنسانا سويا .. تخيل أنك ورثت عدة ملايين ، فماذا ستفعل بها ؟؟.. فأجاب المجنون بلهجة الواثق من نفسه : سأشتري في الحال مقلاعا .. فألح المدير ، وقد اختلط عليه الأمر لكن من غير أن يستسلم بعد للهزيمة : هيا فكر قبل الإجابة ..لقد تكلمت عن ملايين عدة .. والمقلاع لا يكلف سوى بضعة قروش .. تريث .. فكر قليلا .. ماذا ستفعل بهذه الملايين ؟؟... فأجاب المجنون هذه المرة : سأتزوج .... - آه مرحى ، لقد أحسنت الجواب ، ستتزوج إذن ، وماذا ستفعل بعد ذلك ؟؟.. - سأتزوج في الكنيسة ثم سأسافر مع زوجتي في شهر عسل .. - إلى أين ؟؟.. - إلى باريس ... - اختيار ممتاز .. وماذا ستفعل عند وصولك إلى باريس ؟؟؟ - سأذهب إلى احد الفنادق مع زوجتي .. - حسنا .. ثم ماذا ؟؟.. - سأغلق الباب علينا في الغرفة .. - وماذا ستفعل في هذه الغرفة ؟؟.. - سأعري زوجتي .. سأجردها أولا من ثوبها ، ثم من قميصها الداخلي ، ثم من مشدها ، ثم من سروالها ، ثم من حذائها ، ثم من جوربيها ، وأخيرا من حمالات جوربيها .. - وآنذاك ؟؟.. - آنذاك سأصنع من حمالاتها مقلاعا ".. والآن إن أردت أن تهاجر يا شحرور فهاجر .. لن أقول لك شيئا .. لكن تذكر قصة المجنون والمقلاع في رواية ألبرتو مورافيا .. طلعت سقيرق 11/7/2010 [/align] |
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
جميل..الاروع هذه الاسقاطات البهية التي قلت من خلالها وجهة نظرك التي احترمها..شكرا لك استاذ طلعت
|
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الفاضل الكريم " طلعت سقيرق " هذه الشحرورية تعري هذا الزمن المنبطح الرديء تعكس واقعنا الغثائي المأزوم على جميع الأصعدة لقد كان المسلمون سادة الدنيا وقادتها مابالهم اليوم أصبحوا عبيد الذلة والعصا فهذه الشحرورية تعكس صدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا " نحن المسلمين أصبحنا غثاءا كغثاء السيل وتداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة....ونحن في كثرة ...."فحين كنا أيام آخذين بأسباب العزة كان الواحد منا كالألف والآن أصبح الألف منا كالأف فأف لنا حتى ينتهي التأفف من ذلتنا وعارنا وهواننا " نسينا الله فأنسانا أنفسنا..." كيف سنلقى الله وقد فرطنا في الأقصى والقدس وكل شبر من الأرض الطاهرة نسينا قضيتنا المفصل الأساس وتبعنا كرة يرض بها العقل ويزيف بها الوعي بالواقع والوعي بالممكن عبدنا القينات والغانيات وتبعنا الهرج والمرج وقيل وقال ونسينا ما لا يجب أن ينسى متى متى نستفيق من أفيون الشعوب بارك الله فيك أخي ولحديثك كل الشجون دمت عزيزا كريما منافحا عن دينك موقظا هذه الأمة التعيسة البائسة الداخلة كل جحر دخله الآخرون تقبل تحياتي وقد عصف بي الغيظ والحزن والأسى على واقع أمة خير الخلق " صلى الله عليه وسلم " |
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
هههههههههههه
استاذي الفاضل طلعت المحترم عجبني كتير قصة البلاهة في كتير من الاشيا ولو كل واحد فينا فكر بالمنطق وبحكمة لوجد الكثير من الأمور ليس لها داعي بالرغم من أننا نلهث وراءها مطالبين بها ههههههههه استاذي الكريم استمتعت بما قرأته لك خالص شكري وتقديري دمت بالف خير وحفظ الله تعالى |
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
[align=justify]الأستاذ طلعت ..
مقاربة جد مؤثرة لواقعنا الحزين .. المتتبع تتضح له رؤيتك لجزء ربما يكون من بين أسباب خيباتنا .. الفرق بين أن أصنع السعادة و بين أن تصنع لي السعادة .. طبعا أصبحنا نفكر كهذا المجنون في رواية ألبرتو مورافيا .. ربما هي محاولة للهروب من كل شيء محيط .. نرفض المواجهة . تمنياتي بزوال الحال .. مع أن الواقع يقول أن زوال الحال من المحال .[/align] |
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
أخي الحبيب / طلعت
تحية حب وتقدير قرأت العمل واستمتعت بجماله .. لكن أسمح لي بعودة كي استمتع به واكتب عنه تعقيب يناسب هذا الإبداع الراقي .. مودتي وتقديري |
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
مساء الخير..أن نشتري السعادة نتيجة حرمان فرضه الواقع أمر بديهي يبحث عنه الإنسان دون أن يشعر أو يعلم أن المسبب الرئيسي هو التخلص من تكشيرة الصباح ..وتشاؤم المساء ...أستاذي الغالي طلعت نشهدٌ أن ديمومة الحال قد جففت الحبر وحالنا المخبول واحد لأن فاقد الشيء لا يعطي شيء ..ونحن مستسلمون لغرابة الحال ..كيف لا نبتسم إن كنا كرة يضربها الغير ؟؟! نعم نبتسم لأننا نعشق الألم ..كيف لا نتابع بذهول وبصرنا شاخص ؟؟! كيف لا نفرح للآخرين وقد حذفت هذه المفردة من قاموسنا ..ألا يجدر أن نبحث عنها بشفاه الغير حتى ننعم بهذه الغمرة..كيف لا نجن وكل مافينا مجنون !! ..
|
رد: الكرة .. والشعب العربي السعيد !!..
مساؤك الخير كله
بوركت وجزيت خيرا قلمك راائع وأسلوبك بالكتابة أروع ننتظر كل جديد مبدع دمت مبدعااا |
الساعة الآن 13 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية