![]() |
الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[frame="15 98"]
بسم الله الرحمن الرحيم بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم يسرنا أن نفتح ملف الأدب الإسلامي محاولين معرفة مميزات و خصائص الأدب الإسلامي [/frame] [frame="15 98"] مدخل إلى الأدب الإسلامي من سلسلة ( كتاب الأمة ) للدكتور نجيب الكيلاني ------- قراءة في الكتاب بقلم الباحث / أبو شامة المغربي - المغرب ------- صدر كتاب مدخل إلى الأدب الإسلامي للدكتور نجيب الكيلاني ضمن سلسلة 'كتاب الأمة' الذي يصدر من دولة قطر في مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط عام 1415هـ . لقد ذهب النقاد منذ زمن مبكر جدًا مذاهب شتى حول وظيفة الأدب، ومع أنهم اختلفوا فيما بينهم في النظر إلى الوظائف الأخرى للأدب فإنهم اتفقوا جميعًا على نقطة واحدة؛ هي أن الوظيفة الرئيسية للأدب هي إمتاع القراء وإسعادهم، أما عن مفهوم الأدب الإسلامي خاصة فيراد به كل ما صدر من قول فني عن أديب مسلم أو ينتمي إلى الإسلام أو تمثل الإسلام في مبادئه حين إنشائه، ما دام ملتقيًا في الجميع مع تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان؛ فالصدق الفني لا الواقعي هو المحل في دراسة الآداب، ولا شك أن أصل الفطرة الإنسانية الصافية التي خلق الله الناس عليها يكمن في كل شاعر، وفي سيرة الشعراء ما يكشف عن استعدادهم في هذا الجانب، من ذلك معرفتنا بتطلع الشاعر الألماني 'جوته' في 'الديوان الشرقي' إلى مقولات كبار أدباء الفرس الإسلاميين. وقد تناول العديد من الكُتب مفهوم الأدب الإسلامي وأثره وخصائصه، ومن هذه الكتب كتاب [مدخل إلى الأدب الإسلامي]، وهو كتاب قيِّم للكاتب الأديب الإسلامي الكبير نجيب الكيلاني، تناول فيه قضايا عديدة حول مفهوم الأدب الإسلامي والأخطار التي تتهدده وعلاقته بالمجتمع مؤثرًا ومتأثرًا. قسم الكاتب كتابه إلى مقدمة يبين فيها خلود الحضارة الإسلامية لارتباطها بالقرآن الكريم، والأدب عنصر أساسي منها، ثم يعرض لأقسام عشرة جاءت عناوينها مرتبة على النحو التالي: - مفهوم الأدب الإسلامي. - الأدب الإسلامي يصطلح كل العصور. - البطل في الأدب الإسلامي. - أخطار تهدد الأدب الإسلامي. - الأدب الإسلامي والالتزام. - الأدب الإسلامي وعلم الجمال. - الأدب الإسلامي والمجتمع. - الإبداع والتربية. - الأدب الإسلامي وعلم النفس. - مصطلحات جديدة للأدب الإسلامي. وفي مقدمة الكتاب عرض الكاتب لكلمة الحضارة التي ترمز إلى تلك القوة الفاعلة في صنع التكامل البشري وتحقيق الرخاء والسعادة للبشرية.. ويرى أن الحضارة الإسلامية نموذجٌ فريدٌ طابعًا وتأثيرًا، فهي حضارة حفظ لها القرآن الكريم خلودها وخلود عنصر من أهم عناصرها وهو الأدب, فهو لسان من ألسنة الدعوة الإسلامية التي تحرص في أولوياتها على القدوة والنموذج المحتذى، وتهتم في مضمونها بالفعل دون إهدارٍ للقول أو الانتقاص من دوره في نشر دعوة الحق. كما يرى المؤلف أن الأدب الإسلامي أدب مسئول، والمسئولية الإسلامية التزام نابع من قلب المؤمن، يقول المؤلف: 'وارتباط الأدب الإسلامي بالمسئولية النابعة من صميم الإسلام يقي أجيالنا من السقوط في براثن تيه الفلسفات التي تعدُّ بالمئات'، ويضيف: 'إن الفلسفة الوجودية- مثلاً- لم تعد فلسفة واحدة بل عشرات، وسلاح الأدب الإسلامي الكلمة الطيبة.. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: 24، 25]. ويذهب المؤلف إلى أن الأدب الإسلامي يحرص حرصًا شديدًا على المضمون الفكري النابع من قيم الإسلام، ويجعل من ذلك المضمون ومعه الشكل الفني نسيجًا واحدًا معبرًا أصدق تعبير ومبينًا أوضح ما يكون البيان. كذلك يستوعب الأدب الإسلامي الحياة بكل ما فيها من أفراح وأتراح، من أفكار وألغاز.. ويتناول قضايا شتى من منظور إسلامي؛ حيث ينهض بعزائم المستضعفين، وينصف قضايا المظلومين، وهو يبشر بمعاني الخير والحب والحق والجمال.. وأخيرًا فإن الأدب الإسلامي أدب الضمير الحي؛ تحيا به الأمة فتحيي به موات القلوب. وتحت عنوان 'مصطلح لكل العصور' يرى المؤلف أنه في فجر الدعوة الإسلامية أقام النبي- صلى الله عليه وسلم- للشعر منبرًا في المسجد حيث قال: 'إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا'، وقد استلهم شعراء الإسلام ألفاظ القرآن في أشعارهم بالإضافة إلى قيمه وأحكامه، وبين كيف أن الأدب الإسلامي باقٍ مستمد بقاءه من القرآن الكريم كلام الله الخالد.. ومن ثَمَّ فاللغة العربية هي اللغة الطبيعية والأساسية للأدب الإسلامي؛ ولكن هذا ليس معناه اقتصار الأدب الإسلامي عليها، وذلك لاختلاف لغات العالم الإسلامي، ولأن الأدب الإسلامي لا يرتبط بعصر دون سواه، وإنما هو أدب كل العصور. أما عن الأدب الإسلامي والالتزام فيرى الكاتب أن الالتزام منهج وأسلوب عمل وفق تصور معين، وهناك ما يعرف بالالتزام الذاتي؛ وهو الوجه الآخر للصدق، وليس في هذا خلاف، إنما يدور الجدل حول الالتزام الخارجي؛ ففي كل مجتمع قيود النظم تم وضعها لتستقيم حياة الناس، ويشتد الالتزام كلما تصلبت مواقف السلطة ولجأت إلى العقوبات القاسية، وأحيانًا يتحول الأديب إلى لومه للسلطة، وعندئذ تتضاءل حرية الأديب. ويتناول المؤلف مفهوم الالتزام في الإسلام وهو الطاعة، والطاعة قناعة إيمانية وسلوك وترجمة سلوكية لذلك الإيمان، ويؤكد أن الالتزام في فكر المؤمن وسلوكه ليس نقيضًا البتة للحرية التي تصب لصالح المجتمع، فالحرية في الإسلام تنطلق من الإيمان بالله، والالتزام في نطاق الحرية الإسلامية، لا يضع قيدًا على فكرٍ ناضج، ولا يبطل مفعول أي جهد علمي بنَّاء، ولا يصادر أو يرفض إبداعًا فنيًا راقيًا. وينتهي الأديب الإسلامي نجيب الكيلاني إلى أن الأدب الإسلامي وسيلة عظيمة لحمل قيم إسلامية ونشر أريجها في نسمات المجتمع، والتبشير بها بين الناس في قصيدة جميلة تحمل أبياتها عطر النفحات التي تشد الألباب وتستحوذ القلوب وتحرك النفوس وتحيي موات القلوب، فتنبعث الروح والحياة في الأمة لتعيد للعالم استقراره وأمنه.. ---------- ملاحظة منقول من مجلة ( أسواق المربد ) صاحب المقال / أبو شامة المغربي - المغرب http://merbad.net/vb/showthread.php?t=4028&page=1 [/frame] |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[frame="15 98"]
أخي الغالي يسين .. [/frame]أهنئك على ملفك الجديد و أرحب بهذا الإثراء الجديد الذي سوف ينير سماء المنتدى . تحية محبة لك . |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[frame="15 98"]
في الأدب الإسلامي .. خصائصه ووظائفه وجمالياته. أ.د. ناصر أحمد سنه / كاتب وأكاديمي من مصر. الأدب نشاط وثيق الصلة بالحياة والحضارة، فليس ثمة حضارة بلا آداب أو فنون، تضيف لها غايات ووسائل تحقق الخير والحق والحرية والجمال، وتحتاجه الحضارة ركيزة بجوار الركيزة المادية في نهوضها وانطلاق مسيرتها. والمتأمل للحالة الأدبية لدينا يجد أنماطا أدبية، ومدارس نقدية، يقف خلفها رؤى وأيدلوجيات متنوعة، وفي مقابل الوافد من هذه الأنماط وتلك المدارس .. نما \"الأدب الإسلامي\".. مصطلحاً قديم الميلاد والنشأة، حديث التداول والدلالة، ليغرد داخل قيم الأمة لا خارجها.. أدبا ذاتيا متميزا، ينبع من المذهبية الإسلامية، وليساهم في النهوض الحضاري لأمتنا العربية الإسلامية، وفي تقديم الأنموذج الواقعي والإنساني والعالمي. لكنه مازال لدي البعض مفهوما غائماً في مفهومه وخصائصه ووظائفه، ملتبساً في صفته \"الإسلامية\"، فهل هو:\"أدب ديني وعظي إرشادي\"؟، فأين إذن جمالياته؟ ، هذا ما ستحاول السطور إيضاحه وإزالة ما به من التباس. الأدب، شأنه شان الفن عموما، هو تعبير \"جمالي مؤثر\" عن الرؤي والتجارب والمواقف والقناعات والخبرات. فهو ـ أي الأدب ـ أداة تساعد الإنسان في التعرف علي كونه، وتضاعف الوعي بكينونته.. تعبيرا وتكثيفاً للإحساس بالخير والحق والحب والجمال، وتنظيماً للانفعالات والأشواق:\" فليس يكون أدبا إلا إذا وضع المعني في الحياة التي ليس لها معني ،أو كان متصلا بسر هذه الحياة فيكشف عنه أو يؤمي إليه من قريب،أو يغير للنفس حياتها وفقاً لأشواقها وأغراضها، وينقلها من حال إلي حال، ومن حياتها التي لا تختلف عن حياة الآخرين إلي حياة أخري كملت فيها أشواق النفس، لأن فيها اللذات والآلام بغير ضرورات ولا تكاليف... وهو يخلق للنفس دنيا المعاني الملائمة لتلك النزعة الثابتة فيها إلي المجهول، وإلي مجاز الحقيقة، وأن يـُلقي الأسرار في الأمور المكشوفة بما يتخيــّل فيها، ويرد القليل من الحياة كثيرا وافيا، بما يضاعف من معانيه، ويترك الماضي منها ثابتا قارا بما يخلّد من وصفه، ويجعل المؤلم منها لذا خفيفاً، بما يبُث فيه من العاطفة، والمملول ممتعاً حلواً بما يكشف فيه من الجمال والحكمة، ومدار ذلك كله علي إيتاء النفس لذة المجهول التي هي نفسها لذة مجهولة أيضا، فإن النفس طلعة متقلبة، لا تبتغي مجهولا صرفا، ولا معلوما صرفا، كأنها مدركة بفطرتها أن ليس في الكون صريح مطلق ولا خفي مطلق، وإنما تبتغي حالة ملائمة بين هذين، يثور فيها قلق أو يسكن منها قلق(1). والأدب المتوازن بين الجمالية والتأثيرية يتناول تلك الأمور والمشاعر ويعالجها (تركيزا وتكثيفا وتلميحا وتصريحا وتجريدا وتجسيدا وشكلا ومضمونا في آن واحد)، ليصنع من العمل الأدبي قيمة إنسانية أخلاقية جمالية إيجابية، ومن ثم ينتزع من نفوسنا كل أحاسيس الصراع أو التمزق ليترك توافقا رائعا بين هذا العمل وبين الوعي الذاتي والإحساس الأخلاقي والتوافق الوجداني والشعور بالطمأنينة والأمن النفسي. وهو بهذا المعني فرصة طيبة لتقديم خبرات الإسلام ورؤاه ومواقفه ومعطياته وزرعها في نفوس الناس لتثمر حدائق غناء. الأدب الإسلامي .. مفهومه وخصائصه ليس من باب المصادفة أن يكون رجالات الإسلام وعلماؤه وفلاسفته وقواده من أكثر الناس اهتماما وممارسة لفن الأدب شعرا ونثرا، ولنا في أقوال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم لحسان بن ثابت شاعر الإسلام الأول الأسوة:\"نافح عنا وروح القدس يؤيدك\"،\"أجب عني، اللهم أيده بروح القدس\" ،\"اهجهم، وجبريل معك\"(2). كما تجد نفس الأمر عند كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وحمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنهم أجمعين ثم الشافعي وابن سينا وابن المقفع والجاحظ وغيرهم، عربا وعجما، قديما وحديثا، تراوحت مذاهبهم بين من يهتم بنفعية الأدب وفائدته، وبين من يؤثر جمالياته وتأثيرته، وثالث يجمع بين الغرضين. ومن ثم وجدنا نظريات نقدية رائدة:\"نظرية الإسلام في النقد\" لمحمد عبد السلام الجمحي. وحديثا منذ الكتابات الأولي للعلامة \"أبو الحسن الندوي\" حيث دعا إلي إقامة \"أدب إسلامي\"، وجهود الشاعر الفيلسوف\"محمد إقبال\" في هذا المنوال، ومنافحات أديب الإسلام والعربية مصطفي صادق الرافعي، ثم كتابات الأستاذ سيد قطب الأدبية الرصينة، ثم تلاه محمد قطب في:\"منهج الفن الإسلامي\"، ثم نجيب الكيلاني:\"الإسلامية والمذاهب الأدبية\"، وخطوات د. عماد الدين خليل الرائدة علي هذا الطريق وكتابه\"النقد الإسلامي المعاصر\"، ثم ولادة \"رابطة الأدب الإسلامي العالمية\"، وكذلك إنشاء جوائز عالمية للترجمة من العربية وإليها \"جائزة مكتبة الملك عبد العزيز العامة للترجمة\"، لتؤكد عالمية هذا الأدب ومفهومه وجمالياته، وعلاقته بسائر الإبداعات العالمية قديمها وحديثها. ويمكن إيجاز مصطلح ومفهوم الأدب الإسلامي علي النحو التالي:\"انه تعبير فني جميل مؤثر، نابع عن ذات مؤمنة، يترجم عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعث للمتعة والمنفعة، ومحرك للوجدان والفكر، ومحفز لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما(3). وهو ليس بأدب فترة كذلك، فمصطفي صادق الرافعي في\"تاريخ آداب العرب\": نقد التقسيم السياسي للأدب \"من عصر النبوة ـ حتي بني امية\" فهو حسب رأيه لا يليق بآدابنا، إذ إن الأدب العربي موصول الحلقات متكامل ومترابط برباط قوي هو اللغة العربية.. لذا فالأدب الإسلامي ليس أدب فترة، يتحدد بفترة زمنية معينة، بل يتحدد اكثر ما يتحدد بالفكرة والجمال، فالفكرة تحدد إسلامية العمل الأدبي، والجماليات تحدد إبداعية الأدب. كما إنه أدب فطرة يقوي ويضعف بقوة وضعف الفطرة السلمية، وهو يستجيب لها في صحتها واعتلالها، لذا فهو أدب واقعي وإنساني وعالمي يأتي أشمل من الأدب الديني الذي يجعل موضوعه ومحوره الدين، فالأدب الإسلامي أدب مفتوح أمام موضوعات شتي فصلها سيد قطب في كتابه:\" في التاريخ: فكرة ومنهاج\"، وطرحها محمد قطب في: \"منهج الفن الإسلامي\"(4). الأدب الإسلامي .. وظائفه: إن كتاب الله الخالد أعتمد جمال الكلمة، وتأثير المضمون ليهز الوجدان، ويوقظ العقول، ويحرك الوجدان، ومن هنا تتبدي مهمة وأهمية ووظيفة الأدب في الحياة. فله وظيفة عقائدية (5)\" تعبر عن رؤية الإسلام للكون والحياة والعالم والإنسان، توحيدا، ونقدا وتفنيدا وهدماً جميلا لمذاهب وضعية تُعبد الناس للأرباب من دون الله تعالي، فتلك الوظيفة تعكس رؤية مشخصة، واقعية حياتية، بصورة مرنة وملتزمة في آن \"مرونة تتجاوز التلقين والتقرير، والتزما من أجل الحفاظ علي الشخصية الفنية الإسلامية كي لا تتشوه أو تضيع أو تتفكك\". وله وظيفة اجتماعية وسياسية: تصنع المجتمع الإسلامي وتعالج أدوائه، توحدا وتماسكا وتكافلا، قيما وممارسات، تخلية من البدائل القبيحة، وتحلية بالنماذج الجميلة، وكما سعي\" هنري سيوريا\" لمجتمع نصراني، و\"جدعون\" لمجتمع يهودي، و\"باسترناك\" لمجتمع ليبرالي، و\"كامو\" لمجتمع وجودي، و\"شولوخوف\" لمجتمع شيوعي و\"ميتشل\" لمجتمع رأسمالي، و\"مورافيا\" لمجتمع منحل. فلماذا لا يسعي الأدب الإسلامي وأدباؤه عبر القصة والرواية والشعر والمسرحية إلي صياغة المجتمع الإسلامي: أحرام علي بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟ كما له وظيفة نفسية: حلا لمشاكل المسلم والإنسان المعاصر المأزوم، تطهيرا وتحررا، وتحصنا له من التفكك والضياع والتشتت، وممانعة له من التدمير والإقصاء والفناء .. إن مشاهدة الخوف والتازم متجسدا في هذا البطل أو ذاك يُحررك من الخوف والتأزم. وله وظيفة تاريخية: تصويرا وتحليلا وتوثيقا للتجارب التاريخية المؤطرة زمانا ومكانا كي لا تتعرض للضياع أو التزوير ومن ثم الاستعادة والأحياء واستلهام التاريخ معيشة فنية لمجابهة عالم يسعي لتكريس أننا \"ليس لنا تاريخ علي الإطلاق\". ثم له وظيفة منهجية عنصرا حيويا ومؤثرا وتوازن منهجي في طرح المعطيات والقضايا الإسلامية علي المثقف والعلم المعاصر في تكامل مع وظيفة العالم المسلم ، قد يكتفي البعض بقراءة تفسير ابن كثير أو الطبري او القرطبي، ولكن غيرهم يجدون في قراءة\" التصوير الفني في القرآن\". ولقد بات الأدب الإسلامي ـ يحل الأزمة الإنسانية القديمة الحديثة, و\"الفصام النكد\" الذي يطغي فيها جانب من جوانب الإنسان على آخر، وأعظم ما يقدمه الأدب الإسلامي للحياة المعاصرة: الرؤية المترابطة لمكونات الإنسان وتكاملها وتداخلها وتوازنها، وما يحقق له التوازن بين دنياه وأخرته، وفق القيم الحاكمة لحياته. ووظيفة تربوية أخلاقية لأكبر قدر من الانضباط الخلقي وصولا بتنمية الحس الجمالي للمسلم، فسلم القيم التربوية والأخلاقية واسع المدى ومتساوقا ونظرة شمولية ترفض التجزئة للقيم، مع الاستعلاء علي الدنس والمغريات، والتوحد بين المعتقد والممارسة، وملء الفراغ النفسي والاجتماعي المعاصر، وتجاوز الرومانسية المريضة، ورفض الذوبان، لتحقيق الاقتران بين الفن والقيم، وطرح بدائل مقنعة لمعطيات الفنون الوضعية في ميدان القيم التربوية:البرغماتية والوجودية والمثالية والمادية والدراونية الاجتماعية. إنك لا تجد تقرير المعني الوظيفي/ الجمالي للأدب في اسمي معانيه إلا في اللغة العربية وحدها\"فإذا أردت الأدب الذي يقرر الأسلوب شرطا فيه ويأتي بقوة اللغة صورة لقوة الطباع وبعظمة الأداء صورة لعظمة الأخلاق، وبرقة البيان صورة لرقة النفس، وبدقته المتناهية في العمق صورة لدقة النظرة للحياة، ويريك الكلام أمة من الألفاظ عاملة في حياة أمة الناس، ضابطة لها المقاييس التاريخية محكمة لها الأوضاع الإنسانية مشترطة فيها المثل الأعلى حاملة لها النور الإلهي ..إذا أردت الأدب الذي يُنشئ الأمة إنشاء ساميا ويدفعها إلي المعالي دفعا ويردها عن سفاسف الحياة ويوجهها بدقة الإبرة المغناطيسية إلي الأفاق الواسعة، ويسددها في أغراضها التاريخية ويملأ سرائرها يقينا ونفوسها حزما وأبصارها نظرا وعقولها حكمة وينفذ بها من مظاهر الكون إلي أسرار الألوهية ..إذا أردت كل ذلك وغيره وجدت القرآن الكريم وضع الأصل لذلك كله بل لقد جعل هذا الأصل مقدسا وفرض هذا التقديس عقيدة واعتبر هذه العقيدة ثابتة لن تتغير\". الأدب الإسلامي .. جمالياته يتبدي جمال الأدب الإسلامي عند مقارنته \"بأدب عصر العولمة الثقافية\" التي تستبدل\" ثقافة وصناعة الكلمة\" لتكرس \"صناعة الصورة وثقافتها\"، وتحول العناصر الجمالية مثل البلاغة والبيان والاتفاق والتطابق والموضوعية والإحالة المرجعية والواقعية إلى \"بيت مرايا\"، أو \"بيت رعب غير مستقر\"،\"فثقافة العولمة\" هي ثقافة التهكم والسخرية أكثر من الجدية، والتغيير والإرجاء والتكرار، أكثر منها ثقافة التحديد والتجديد، وتماهي الأنساق الثقافية والأدبية أكثر من استقلالها، فتتداخل الأساليب (الشاكة والمُشككة في كل المقولات، وغير المنسجمة مع أي موروث) إلى الحد الذي يصبح بلا أسلوب، فمن خصائص ممارساتها الأسلوبية: الاستخدام الشديد للتناص الانعكاسي الأسلوبي Reflexive intertextuality ، والتأكيد على أن النص/الكتابة هو أولا وأخيراً للكاتب وليس للقارئ(7)، ويرى مروجو هذه الآداب ـ استعلاءً بتلك السمات التي ينبغي أن تسود العالم طوعاً أو كرهاًـ أنها لن تسود إلا بتفتيت الثقافات المحلية، وصياغتها ضمن منظومة ثقافية نمطية واحدة، بلا تمايز أو اختلاف أو خصوصية للثقافات المتعددة. في حين يصف \"ابن خلدون\" في مقدمته جماليات وبراعة \"الأدباء الإسلاميين\" فيقول:\"إن كلام الإسلاميين من العرب أعلي طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهليين في منثورهم ومنظومهم.. والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا لطبقة عالية من الكلام في القرآن والحديث، والذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما، فنهضت طباعهم وارتقت مكانتهم في البلاغة، علي ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة أو نشأ عليها، فكان كلامهم في نظمهم ومنثورهم احسن ديباجه، واصفي رونقا من أولئك، وارصف مبني، واعدل تثقيفا، بما استفادوه من الكلام العالي\". وحين جاء النص الإلهي والخطاب القرآني باللغة العربية نالت من الشرف والقدر ما لم تنله لغة أخري ، وجعل الأدباء يتبارون في صيانتها والعناية بها علي شتي الأوجه، فهي رمز الأمة والمعبرة عن حضارتها ووعاء آدابها وأفكارها ووجدانها ومشاعرها، وحين أقسم الله تعالي \"بـالقلم\" أداة الكتابة ارتفع شأو الأدب والكتابة. لقد ابتكر النظم القرآني صورا أدبية مدهشة بدت غريبة عما كان العرب يعرفونه في نثرهم وشعرهم وهي أروع مما نعرفه في أدب العصور الحديثة\"(8)، فلقد وردت فيه القصة والقصص علي نحو غير مسبوق ولقد بات واضحا بروز جماليات الأجناس الأدبية، شكلا ومضمونا، وتوجه آداب ـ وإن كان يستلزم المزيد والمزيد ـ نحو الفن الملتزم الذي ينحو للتحرر الحقيقي، وتجريد المرء من كل قيد إلا رضا ربه، أنماطا فنية لها لغة رائعة، وآدابا بليغة، وقواعد رفيعة، وأفكارا سامية، سموا بالذائقة الفردية والجمعية والإنسانية. وإذا كان الشعر ـ موهبة ومهارة ـ هو\" تصوير ناطق\"، وتنظيم للخيال بحيث يتحول من أخلاط مشوشة جامحة، وتجارب ذاتية، إلي أشكال جميلة وقوالب بديعة تستحث الوجدان والفكر وتحفظ توازنهما بما لها من معان وأهداف عامة لا تنفصل عنه. وتبقي روح الشعر هي جوهر الفن وأشكاله المختلفة. لذا برز الشعر الإسلامي الذي يتميز بالوضوح والشفافية والقوة. والأعمال الأدبية التي تخلو من روح الشعر ليست أعمالا فنية. بينما الحاجة للنثر حاجة عقلية وفكرية ومنطقية لأنه يخاطب تلك الجوانب من المرء. ففي الكتابة عن السيرة النبوية يبدو عبد الحميد جودة السحار وعمله في عشرين جزءا في أسلوب شائق رائع نموذجا يحتذي في هذا المجال. وهناك العقاد و\"عبقرياته\"، وكتابات أنور الجندي، وعماد الدين خليل، وحلمي القاعود علامات مضيئة علي طريق الأدب وحركة النقد الإسلامي. ولقد نشا المسرح من رحم الشعر، فلغة المسرح لغة خصبة ذات إيقاع موحى، وفي المسرح الإسلامي برزت نصوص وأعمال مسرحية معاصرة جديرة بالذكر والإشادة منها: \"الملحمة الإسلامية الكبرى..عمر\" في تسعة عشر جزء للأديب الكبير علي احمد باكثير، وله نصوص مسرحية أخري كـ\" إله إسرائيل، مسرحيات عبد الحميد جودة السحار ومنها \"الله اكبر\"، ثم هناك \"عالم وطاغية\"، و\"يوسف الصديق\" ليوسف القرضاوي، و\"عروة بن حزام\" لهاشم الرفاعي، و\"محكمة الصلح الكبرى\" لمحمد ماضي أبو العزايم، و\"النجاشي ملك الحبشة\" و\"جوار الله\" و\"الأبطال\" و\"هرقل عظيم الروم\" لمحمد عبد المنعم العربي، و\"مسرور ومقرور\" لأحمد بهجت، و\"محاكمة رجل مجهول\" لعز الدين إسماعيل، و\"محكمة الهزل العليا.. تحاكم الأيدي المتوضئة\" لجابر قميحة، و\"أصحاب الأخدود\" لمحمود أحمد نجيب،\"وعودة هولاكو\"، و\"القضية\"، و\"الواقع .. صورة طبق الأصل\" لسلطان بن محمد القاسمي وغيرهم. كما برزت فرق مسرحية كــ \"فرقة الشبان المسلمين\". كما تلقت الجماهير بشوق ولهفة الأعمال الدرامية التلفزيونية من سيناريو وحوار أمينة الصاوي: :\"محمد رسول الله\" من إخراج\"أحمد طنطاوي\"،عن إبداعات القصص الموسوعي لعبد الحميد جودة السحار، و\"علي هامش السيرة\"، و\"فرسان الله ، و\"الكعبة الشريفة الكعبة المشرفة\"، و\"الأزهر منارة الإسلام\". أما فن الرواية والقصة فعلاقة خاصة بين الروائي والقاص وقارئهما تتسم بالاندماج المباشر والشخصي في تجربة ومضمون ما يريده الكاتب، وهما مزيج من أجناس شتي: المقال والخطابات الشخصية والمذكرات والتاريخ والوثائق الرحلات والسلوك الاجتماعي والتحليل النفسي للشخصية. ويشكل دراسة موقف الإنسان من الكون البؤرة التي تنبع منها الأحداث ومواقفها وبنائها الدرامي. ففي الرواية نجد نجيب الكيلاني ورواياته الرائدة في الأدب الإسلامي: \"ليالي تركستان\"، و\"عمالقة الشمال\"، و\"عذراء جاكرتا\"، و\"عمر يظهر في القدس\"، و\"رحلة إلي الله\". ويـُعد \"محمد عبد الحليم عبد الله\" معلما بارزا والذي قدم للمكتبة العربية ثلاثين كتابا معظمها في فن الرواية \"13 رواية\" وعشر مجموعات قصصية قصيرة، واعتني فيها بالقضايا الإنسانية والقيم العامة ونادي بالأمل والوقوف بعد الانتكاسات التي يتعرض لها شخوصه، مع بروز عنصر الخيرية وانتصاره أمر باد في أعماله وتُعد روايته\"الباحث عن الحقيقة\" أنموذجا تطبيقيا للأدب الإسلامي(9). الهوامش 1- بتصرف من وحي القلم ، مصطفي صادق الرافعي ،ج 3 ضمن مكتبة الأسرة 2003م، ص 191. 2- فتح الباري شرح صحيح البخاري م 10، ص546. 3- د. نجيب الكيلاني: مدخل إلي الأدب الإسلامي، كتاب الأمة: 14، جمادى الآخرة، 1407هـ، ص 36، قطر. 4- حسن الأمراني: \"سيمياء الأدب الإسلامي .. المصطلح والدلالة\"، مؤسسة الندوى/ المغرب. 5- راجع د. عماد الدين خليل: وظيفة الأدب في المفهوم الإسلامي، مجلة الأمة، ربيع الآخر 1403ه، ص 8ـ 13، قطر. 6- بتصرف من وحي القلم، م.س.، ص197ـ 198\". 7- مجلة الكويت، العدد: 261، يوليو 2005م، ص 56ـ 58. 8- مجلة العربي : 578ن يناير 2007م، ص 157 9- راجع حلمي القاعود: مجلة الأمة، العدد59 ذو القعدة 1405هـ. -------- منقول / من مجلة صيد الفوائد http://www.saaid.net/arabic/324.htm الكاتب: أ.د. ناصر أحمد سنه .. كاتب وأكاديمي من مصر [/frame] |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[frame="15 98"]
تعريفات الأدب الإسلامي بقلم: الدكتور/ جابر قميحة [BIMG]http://www.ikhwanonline.com/Data/2009/6/14/pic5351.jpg[/BIMG] طرح النقَّاد والمنظِّرون للأدب الإسلامي تعريفاتٍ متعددةً لهذا الأدب، ومن هؤلاء الأساتذة سيد قطب (رحمه الله)، ومحمد قطب، وعبد الرحمن رأفت الباشا (رحمه الله)، ومحمد الحسناوي، ومحمد المجذوب، ومحمد حسن بريغش، ومحمد عادل الهاشمي، والطاهر محمد علي، ونجيب الكيلاني (رحمه الله)، وعدنان النحوي، ورابطة الأدب الإسلامي. ومن هذه التعريفات.. تعريف الرابطة ونصه: "الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون، في حدود التصوُّر الإسلامي لها". وتعريف سيد قطب (رحمه الله): "الأدب الإسلامي هو التعبير الناشئ عن امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية". وتعريف د. عبد الرحمن رأفت الباشا (رحمه الله): "الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن وَقْع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب، تعبيرًا ينبع من التصوُّر الإسلامي للخالق عز وجل ومخلوقاته، ولا يجافي القيم الإسلامية". وتعريف محمد المجذوب: "الأدب الإسلامي هو الفن المصوِّر للشخصية الإنسانية من خلال الكلمة المؤثرة". وتعريف محمد حسن بريغش: "الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الجميل للأديب المسلم عن تجربته في الحياة من خلال التصور الإسلامي". وتعريف الدكتور نجيب الكيلاني (رحمه الله): "الأدب الإسلامي تعبير فني جميل مؤثر، نابع من ذات مؤمنة، مترجم عن الحياة والإنسان والكون، وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعث للمتعة والمنفعة، ومحرّك للوجدان والفكر، ومحفّز لاتخاذ موقف، والقيام بنشاط ما". هذه نماذج لتعريف الأدب الإسلامي، وتجاهها نلاحظ ما يأتي: 1- كان تعريف الشهيد سيد قطب (رحمه الله) هو أشدَّها إيجازًا وتقطيرًا، وقد يرجع ذلك إلى أنه كان يوجِّه أغلب جهوده للإبداع. 2- تعريف الأستاذ بريغش هو التعريف الوحيد الذي اشترط صراحةً أن يكون المبدع الإسلامي مسلمَ الديانة، وهذا لا ينفي أن "إسلاميَّة" المُبدع مفهومةٌ ضمنًا من أغلب التعريفات السابقة. واشتراط "إسلام المبدع" صراحةً هنا تحسم الحُكم في الإبداع ذي المواصفات الإسلامية، الذي يصدر من غير المسلم، ويمكن تسميته بالأدب المحايد، أو أدب الفطرة السوية. 3- يكاد يكون تعريف الدكتور رأفت الباشا هو أعمر التعريفات بالاهتمام بالجانب الوجداني، أو التأثير العاطفي للموضوع الأدبي، فالأدب الإسلامي تعبير عن (وَقْع) الموضوع على (وجدان) الأديب. ومن ثم لا يكفي مجرد التصوير ولو كان جماليًّا، فشخصية الأديب وتوهُّجه الوجداني- كما يظهر من التعريف- لها أهميةٌ كبرى. 4- يبدو تعريف الأستاذ المجذوب غيرَ جامع؛ إذ قصر موضوع الأدب الإسلامي ومهمته على "تصوير الشخصية الإنسانية"؛ لأن موضوع الأدب الإسلامي يتسع له الوجود كله بما فيه ومن فيه. 5- جاء تعريف الدكتور الكيلاني (رحمه الله) وافيًا؛ لأنه مَزَجَ ببراعةٍ بين التعريف وسمات الأدب الإسلامي وأهدافه.. النفسية.. والفكرية.. والتربوية، في سبيكة واحدة بإيجاز واضح بارع. ومع ذلك نجد هذه التعريفات أو أغلبها تلتقي في العناصر والنقاط الآتية: 1- إطلاق التعددية الموضوعية، فهي لم تنصّ على موضوعات معينة يختص بها الأدب الإسلامي دون غيرها؛ لأن الأدب الإسلامي بتصوراته يفتح كلَّ الآفاق ليأخذَ منها موضوعاته.. من إنسان وحيوان وحياة، ووجود مشهود، ووجود مغيب. 2- إطلاق تعددية الأشكال التعبيرية، أو ما يسمَّى بالأجناس الشعرية والأدبية.. من قصة، ورسالة، وخطبة، ومقالة، وقصيدة غنائية، ومسرحية، وملحمة.. إلخ، فليس هناك شكل أدبي يحرمه الإسلام ما دام لا يتعارض مع قواعد الدين. 3- التصور الإسلامي: فالرؤية الذاتية والتجربة الشعرية الصادقة هما بدء الإبداع، ولكن بعيدًا عن العبثية، وكل أولئك يجب أن يسترفد روح الإسلام، ملتزمًا أبعادَه ورؤاه. 4- التعبير الفني المؤثر: فالمضمون الطيب الذي يمثِّل التصورَ الإسلاميَّ الراقيَ لا بد أن يعرض في قوالب لفظية آسرة، ولنا في الأسلوب القرآني المثل الأعلى، وهو الذي وظَّف ألفاظًا متعددةً للتعبير عن الجمال، ومن ذلك: الجمال والحسن، والبهجة، والنضرة، والزينة، كما أشار إلى بعض وسائل التجميل: كالحلية، والريش، والزخرف، كما استعمل ألفاظًا أخرى للتعبير عن آثار الجمال، منها: السرور، والعجب، ولذة الأعين.. إلخ. ومما سبق نرى أن هذه التعريفات تلتقي كلها في "الأساسيات"؛ حتى يكاد الخلاف بينها يكون لفظيًّا كما يقول النحاة، ولا شك أن توالي "إبداعات" الأدباء الإسلاميين يدلُّ على نجاح هذا التنظير كما يعمل- من ناحية أخرى- على تطوير التعريف والتنظير، فالعلاقة بينهما علاقة "مفاعلة" هدفها الوصول إلى الأفضل والأرقى. ----------- منقول من منتدى ( الإخوان المسلمون ) http://www.ikhwanonline.com/Article....7102&SecID=290 [/frame] |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[frame="15 98"]
مفهوم الأدب الإسلامي بقلم الأستاذ / نزار محمد عثمان بسم الله الرحمن الرحيم يتساءل الكثيرون هل هناك أدب إسلامي.. ويضعون معادلة صعبة حين يقولون وهل ما عدا الأدب الإسلامي أدب كافر؟ ولهؤلاء نقول إن تاريخ الأدب العالمي قد عرف ما سمي بالأدب الوجودي من خلال الروايات التي كتبها الفيلسوف سارتر وفي أدبنا العربي بعض روايات أنيس منصور، وكذلك عرف التاريخ الأدب الاشتراكي من خلال منظريه المنتشرين في أرجاء العالم.. وعرف التاريخ أنواعا أخرى من الأدب التي تدعو إلى فكر معين.. ذلك لأن الأدب (بشتى ضروبه: رواية، شعر، نقد..الخ) يعتبر من أهم وسائل نقل الفكرة وتوصيلها إلى أكبر عدد من الناس على اختلاف ميولهم وأذواقهم ولا شك أن الإسلام من أرسخ العقائد في النفوس لأنه دين الفطرة فلماذا لا يكون هنالك أدب يدعو إلى هذه الفكرة دون أن يخلطها بغيرها من الأفكار. يخطئ الكثيرون حين يفهمون أن الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يتحدث عن الميراث ويتكلم عن مصارف الزكاة ونحو ذلك من أمور الفقه أو حين يفهمون أنه هو الأدب الذي يلعن شارب الخمر ويشتم مدمني المخدرات ويسب المتبرجات، ولا يدرون أن خارطة الأدب الإسلامي أكبر وأوسع من ذلك بكثير وأن ميدانها فسيح رحيب يسع الدنيا والآخرة ويشمل الحياة بشتى مجالاتها، فالأدب الإسلامي يتحدث عن الطبيعة ولا يفهم الطبيعة على أنها القمر والبحر والشاطيء بل كما قال الأديب معاوية محمد نور"ففي الطبيعة خلاف الشواطئ التي وقفت عندها سفن البحارة، أشياء أخرى أرق، وربما كانت الصق وأجدر بالتفات الشاعر فالحجر الصلد الذي يقف في طريقك والشارع الذي تصقله مصلحة التنظيم حيث يعمل جماعة المهندسين والفار الهارب من سفينة خربة والذباب الذي يطن على جيفة وقطعة الحديد التي أكلها الصدأ والخشب الذي نأكل عليه والزرع الذي نلبسه ثيابا، والعصفور الوحيد الذي ينتقل من بيت لآخر، والنمل والنحل وصوت الباخرة وضجيج الترام وخلافها من الأجزاء الحية في الطبيعة، الالتفات إليها أدل على فهم الطبيعة من آلاف القصائد عن البحر والشفق والنجوم". والأدب الإسلامي عميق عمق النفس البشرية لذلك يتحدث عنها بخيرها وشرها يدعو إلى الخير.. ويحارب الشر، يعاضد الصالح ويهدي الطالح.. غير أن هذا لا يعني – بالضرورة - أن يرتدي ثوب (التقريرية) المقيت أو التكلف المشين أو أن يلبس لبوس الوعظ المباشر كما لا يعني أن يخلع دثار الواقع ويلتحف ثوب الخيال الجامح.. فالأدب الإسلامي يتخفى خلف شخصية المؤمن التقي كما يتخفى خلف شخصية الفاجر العصي، الأولى ليؤيد نهجها، ويدعم صفها، والثانية ليقوي ضعفها و يبين خطرها أو ليعرض مشكلتها أو ليحلل أسباب وجودها. مميزات الأدب الإسلامي: يتميز الأدب الإسلامي عن غيره بأنه: أدب رسالي: فالأديب المسلم يعلم أنه صاحب رسالة، وطالب غاية، ولا يؤمن بالمقولة الشائعة الأدب لأجل الأدب وإنما الأدب وما للأدب لله ولهذا تنتفي عنه الإباحية ومسايرة الأهواء أدب إنساني إذ أن محور خطابه هو الإنسان روحاً وعقلا، فكراً وعاطفة، لذلك يعمل الأدب الإسلامي على انتقاء المواقف التي تنمي رصيد الفكر الإنساني البناء. أدب شمولي: إذ أنه لا يحده قالب من قوالب الأدب المعروفة في القصة أو الشعر أو غيرها وإنما يخوض كل الفنون الأدبية لذلك لم يقف الشعر الإسلامي عند أوزان الخليل فحسب وإنما اقتحم ما يسمى بشعر التفعيلة وفي مجال القصة اخترق مجال التاريخ والواقع المعاصر والخيال المبدع والتجارب الشخصية والعقل الباطن وغيرها من مصادر التجارب الإنسانية وكذلك فالأدب الإسلامي لا تحده مدرسة من مدارس الأدب كلاسيكية كانت أو رمزية أو واقعية بل يضرب في كل غنيمة بسهم ولا يعني هذا أن يتخلى عن الأساس الذي يجعل الأدب أدبا أدب عالمي: فالأدب الإسلامي عالمي المنـزع والوجهة، يعمل على تقريب الفوارق بين بني الإنسان، ويسعى لمخاطبة كل الجماعات البشرية–من نصارى ويهود وملوك وفقراء وسود وبيض..الخ. أدب متنوع: ذلك أن الأدب الإسلامي يتنوع تنوعاً يروي ظمأ الروحانيين.. ويشفي غلة المفكرين.. ويستوعب طاقة الرياضيين..يسد حاجة الفقراء.. ويرضي تطلعات الأغنياء، يخاطب الروح والعقل والجوارح... يجتذب الشعراء والأدباء والتشكيليين ويبين مظاهر الجمال والزينة في أرجاء الكون.... إذ أن خالق الكون جميل يحب الجمال.. خلق فأحسن.. وصور فأبدع.. وقدر فهدى.كما لا يغفل الأدب الإسلامي العلماء والأكاديمين والمشاكل المعاصرة.. أدب وسطي: ذلك أن الأدب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي، وبين المادة والروح، بين الحقوق والواجبات، بين الفردية والجماعية بين الإلهام والالتزام بين الواقع الموجود والمثال المنشود. أدب إيجابي: لأنه يعرف دوره في الوجود ويرى الإسلام منهج حياة، ودافع بقاء، وباعث عمارة، ومنشئ حضارة. فيهدف لتحقيق هذه المقاصد. ------- [/frame] |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
حياك الله أخي الغالي على ثراء هذا الملف الرائع و أهميته .. استمتعت بقراءة متأنية ولا زلت لم أنته منه ..
جزاك الله خيرا و دمت بكل المحبة . |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
الاستاذ يسين عرعار
ملف قيم جداً واتابعكم بكل شكر واحترام لكم |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
جزاك الله الخير أخي المكرم يسين على هذا الملف الرائع الغني بكل مايقدم لنا صورة متكاملة عن الأدب الإسلامي . بارك الله فيك ورعاك أختك زاهية بنت البحر |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
[align=center][table1="width:85%;background-color:indigo;border:4px solid royalblue;"][cell="filter:;"][align=center]
أفضل من الحق !! أريقت الدماء بين قبيلتين من قريش ، فجمع أبو سفيان كبارهم ، و قال : - هل لكم يا معشر قريش في الحق ، أو ما هو أفضل منه ؟ - فقال القوم : وهل من شئ أفضل من الحق ؟ فقال أبو سفيان : نعم ، إنه العفو .. فقام القوم .. و تصالحوا . [/align][/cell][/table1][/align] فهذا شهر رمضان المبارك .. أعاده الله علينا بالخير و اليمن و البركات .. وهذا الشهر الكريم أوله مغفرة من الله .. فهل لنا أن نغفر و نصفح عن إخواننا في الإسلام .. إن العفو أفضل من الحق . تحياتي .. د. ناصر شافعي |
رد: الملف الشهري الثالث / الأدب الإسلامي -
الاستشهاد بالحديث في اللغة (1) للشيـخ العلامــة محـمـد الخـضـر حـسـيـن ( 1874 – 1958م ) شيخ الجامع الأزهر وعضو المجمع اللغوي في القاهرة والمجمع العلمي العربي في دمشق - ما المراد من الحديث؟ - هل في الحديث ما لا شاهد له في لغة العرب؟ - الاختلاف في الاحتجاج بالحديث - وجهة نظر المانعين - وجهة نظر المجوزين - مناقشتهم لأدلة المانعين - تفضيل وترجيح يستند علماء العربية في إثبات الألفاظ اللغوية، وتقرير الأصول النحوية إلى القرآن المجيد، وكلام العرب الخُلَّص. وجرى بينهم الخلاف في الاحتجاج بما يروى من الأحاديث النبوية، وحقيق بمجمع اللغة العربية أن ينظر في هذه المسألة، ويقطع فيها رأياً، فإن الكتب المؤلفة في الحديث وغريبه كثيرة، ومنها ما يبلغ مجلدات ضخمة. ومتى رأينا أن الحق في جانب من يراها حجة كافية في اللغة كان مجال البحث في علوم اللغة أوسع، ووجدنا من المساعدة على إعلاء شأن اللغة ما لا نجده عندما نقصر الحجة في القرآن الكريم، وما يبلغنا من كلام عربي فصيح. وهذا ما دعاني إلى أن بحثت هذه المسألة، وبذلت جهداً في استقصاء ما كتبه فيها أهل العلم، ثم استخلصت من بين اختلافهم رأياً. وهأنذا أعرض البحث كما اتفق لي أنْ سِرْتُ فيه، وأَصِلُهُ بإبداء ما رأيت؛ لينظر مجمعنا اللغوي ماذا يرى. ما المراد بالحديث؟:تشتمل كتب الحديث على أقوال النبي " وعلى أقوال الصحابة: تحكي فعلاً من أفعاله _ عليه السلام _ أو حالاً من أحواله، أو تحكي ما سوى ذلك من شؤون عامة أو خاصة تتصل بالدين. بل يوجد في كثير من كتب الحديث أقوالٌ صادرة عن بعض التابعين. وكذلك نرى المؤلفين في غريب الحديث يوردون ألفاظاً من أقوال رسول الله" أو أقوال الصحابة، أو أقوال بعض التابعين كعمر بن عبدالعزيز . وهذه الأقوال المنسوبة إلى الصحابة أو التابعين، ومتى جاءت من طريق المحدثين تأخذ حكم الأقوال المرفوعة إلى رسول الله "من جهة الاحتجاج بها في إثبات لفظ لغوي، أو قاعدة نحوية. هل في الحديث ما لا شاهد له في كلام العرب؟ يرد في الحديث ألفاظ لا يعرف لها علماء اللغة شاهداً في كلام العرب، وتَرِدُ بعض الألفاظ على وجه من الاستعمال لا يعرف إلا من الحديث. وكثيراً ما يقول شراح غريب الحديث _ وهم جهابذة علماء اللغة _: هذا اللفظ لم يجئ إلا في الحديث، ولم نسمعه إلا فيه. وقال أبو بكر محمد بن قاسم الأنباري أحد المؤلفين في غريب الحديث: "وكذلك أشياء كثيرة لم تسمع إلا في الحديث" (2). وتكلم أبو موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني في كتاب الغريب عن الألفاظ التي لم ترد إلا في بعض روايات الحديث فقال: وإنما أورد نحو هذه الألفاظ؛ لأن الإنسان إذا طلبه لم يجده في شيء من الكتب، فيتحير، فإذا نظر في كتابنا عرف أصله ومعناه. ومن أمثلة هذا النوع كلمة إستارة وردت في حديث: (( أيما رجل أغلق بابه على امرأته وأرخى دونها إستارة فقد تم صداقها )). لقد قال شراح الغريب: لم تستعمل إستارة إلا في هذا الحديث (3). ومن أمثلته كلمة أفلج،من الفلج أي تباعد ما بين الثنايا؛ فقد وردت في وصف ابن أبي هالة للنبي " غير مضافة إلى الأسنان، وابن دريد وصاحب القاموس يقولان: لا يقال رجل أفلج إلا إذا ذكر معه الأسنان. الخلاف في الاحتجاج بالحديث:ذهب جماعة من النحاة إلى أن الحديث لا يستشهد به في اللغة، أي لا يستند إليه في إثبات ألفاظ اللغة ولا في وضع قواعدها، ومن هذه الجماعة أبو الحسن علي بن محمد الأشبيلي المعروف بابن الضائع، وأثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان، وزعم أبو حيان أنه مذهب المتقدمين والمتأخرين من علماء العربية، فقال في شرح كتاب التسهيل: إن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه، من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن مبارك الأحمر، وهشام الضرير، من أئمة الكوفيين، لم يفعلوا ذلك _ أي لم يحتجوا بالحديث _ وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وأجاز قوم الاحتجاج بالحديث في اللغة، وعدوه في الأصول التي يرجع إليها في تحقيق الألفاظ، وتقرير القواعد. وممن عرف بهذا المذهب محمد بن عبدالله المعروف بابن مالك، وعبدالله بن يوسف المعروف بابن هشام. وممن انتصر لهذا المذهب البدر الدماميني في شرحه للتسهيل، والعلامة ابن الطيب في شرحه لكتاب الاقتراح، وفي شرحه لكفاية المحتفظ المسمى بتحرير الرواية. وعُدَّ من أصحاب هذه المذاهب الجوهري، وابن سيدة، وابن فارس، وابن خروف، وابن جني، وابن بري، والسهيلي، حتى قال: لا نعلم أحداً من علماء العربية خالف في هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان في شرح التسهيل، وأبو الحسن الضائع في شرح الجمل، وتابعهما على ذلك الجلال السيوطي. وجهة نظر المانعين:قالوا: لا يستشهد بالحديث؛ لعدم الوثوق بأن ذلك لفظ رسول الله " وانتفت الثقة من أنه لفظ الرسول لأمرين: أحدهما: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى؛ فتجد القصة الواحدة قد جرت في زمانه "فتنقل بألفاظ مختلفة، كحديث: زوجتكها بما معك من القرآن وفي رواية أخرى: ملكتكها بما معك من القرآنوفي ثالثة: خذها بما معك من القرآنوفي رابعة: أمكناكها بما معك من القرآن. نعلم يقيناً أنه "لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا نجزم بأنه قال بعضها، إذ يحتمل أنه قال لفظاً آخر مرادفاً لهذه الألفاظ، فأتى الرواة بالمراد منه، ولم يأتوا بلفظه؛ إذ المطلوب إنما هو نقل المعنى. وأضافوا إلى هذا أن الرواة لم يكونوا يضبطون الحديث بالكتابة؛ اتكالاً على الحفظ، وأن الضابط منهم من يحتفظ بالمعنى، وأما ضبط اللفظ فبعيد جدَّاً ولا سيما ألفاظ الأحاديث الطويلة. ثانيهما: أنه وقع اللحن في كثير مما روي من الأحاديث؛ لأن كثيراً من الرواة لم ينشأوا في بيئة عربية خالصة حتى يكونوا عرباً بالفطرة، بل كانوا قد تعلموا العربية الفصحى من طريق صناعة النحو. وجهة نظر المجوزين:يستند هؤلاء إلى الإجماع على أنه "أفصح العرب لهجة كما قال ابن حزم في كتاب الفصل منكراً على من لم يجعلوا الحديث حجة في اللغة: لقد كان محمد ابن عبدالله قبل أن يكرمه الله بالنبوة، وأيام كان بمكة أعلم بلغة قومه وأفصح؛ فكيف بعد أن اختصه الله للنذارة واجتباه للوساطة بينه وبين خلقه. وقالوا: إن الأحاديث أصح سنداً مما ينقل من أشعار العرب كما قال صاحب المصباح بعد أن استشهد بحديث: من أثنيتم عليه بشر وجبتعلى صحة إطلاق الثناء على الذكر بشر: قد نقل هذا العدل الضابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب؛ فكان أوثق من نقل أهل اللغة؛ فإنهم قد يكتفون بالنقل عن واحد ولا يعرف حاله. وقد عرفت أن المانعين من الاحتجاج بالحديث معترفون بأن الرسول " أفصح العرب لساناً، وأبرعهم بياناً، ولا ينازعون في أن أسانيد الأحاديث أقوى من أسانيد الأشعار، وإنما استندوا في المنع إلى أن الأحاديث قد تروى بالمعنى، بخلاف شعر العرب أو منثورهم فإن رواته اعتنوا بألفاظه؛ لأن الغرض من روايته تقرير أحكام الألفاظ. قال ابن الضائع في شرح الجمل: لولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان أولى وأثبت في إثبات فصيح اللغة كلام رسول الله ". وأظهر وجه يورده المجيزون أن الأصل رواية الحديث الشريف على نحو ما سمع، وأن أهل العلم قد شددوا في ضبط ألفاظه والتحري في نقله ولهذا الأصل تحصل غلبة الظن بأن الحديث مروي بلفظه. وهذا الظن كافٍ في إثبات الألفاظ اللغوية، وتقرير الأحكام النحوية. مناقشتهم لأدلة المانعين: يقول المانعون: إن الرواة كانوا ينقلون الأحاديث بالمعنى؛ فلا ثقة لنا من أن اللفظ الذي روي به الحديث هو لفظ رسول الله ". وأجاب المجيزون على هذا بأن كثيراً من المحدثين والفقهاء والأصوليين قد ذهبوا إلى منع رواية الحديث بالمعنى، ومن أجازوا الرواية بالمعنى شرطوا لذلك أن يكون الراوي على علم بما يغير المعنى أو ينقصه، وأن يكون محيطاً بمواقع الألفاظ، بل قال بعضهم: شرطه أن يحيط بدقائق علم اللغة، وأن تكون المحسنات الفائقة على ذكر منه؛ فيراعيَها في نظم كلامه على أن المجيزين للرواية بالمعنى معترفون بأن الرواية باللفظ هي الأولى، وإذا كانت الرواية بالمعنى ليست في رأيهم سوى رخصة فإنهم لا يحتجون لها إلا في حال ضرورة، وأضافوا إلى هذا أن النقل بالمعنى إنما أجازه من أجازه في غير ما لم يدون في الكتب، أما ما دون في الكتب فلا يجوز التصرف فيه بوجه، وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل أن تفسد اللغة، وإذا كان قد وقع في الأحاديث المدونة نقل بالمعنى فإنما هو تصرف ممن يصح الاحتجاج بأقوالهم. وإليك ما قاله البدر الدماميني وما حكاه عن شيخه ابن خلدون في الرد على من يمنعون الاستشهاد بالحديث، قال في حواشيه على المغني: أسقط أبو حيان الاستدلال على الأحكام النحوية بالأحاديث النبوية باحتمال رواية من لا يوثق بعربيته إياها بالمعنى، وكثيراً ما يعترض على ابن مالك في استدلاله بها، ورده شيخنا ابن خلدون بأنها على تسليم أنها لا تفيد القطع بالأحكام النحوية تفيد غلبة الظن بها؛ لأن الأصل عدم التبديل، لا سيما والتشديد في ضبط ألفاظها، والتحري في نقلها بأعيانها مما شاع بين الرواة. والقائلون منهم بجواز الرواية بالمعنى معترفون بأنها خلاف الأولى، وغلبة الظن كافية في مثل تلك الأحكام بل في الأحكام الشرعية؛ فلا يؤثر فيها الاحتمال المخالف للظاهر، وبأن الخلاف في جواز النقل بالمعنى في غير ما لم يُدَوَّنْ في كتب. أما ما دُوِّنَ فلا يجوز تبديل ألفاظه بلا خلاف كما قاله ابن الصلاح (4) وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية، وحين كان كلام أولئك _ على تقدير تبديلهم _ يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذ تبديل لفظ يحتج به بآخر كذلك، ثم دُوِّن ذلك البدل، ومُنِع مِنْ تغييره ونقله بالمعنى، فبقي حجة في بابه صحيحة، ولا يضر توهم ذلك الاحتمال السابق في استدلالهم بالمتأخر. وقد ناقش بعض شارحي(5) كتاب الاقتراح ابن خلدون، فقال: إن تدوين الأحاديث وقع بعد فساد اللغة, وقال: لم يحصل التدوين إلا في عصر التابعين، ووقع يومئذ الاختلاط في اللغة، والرواية بالمعنى لم تقف عند حد من يتكلم بالعربية سليقة. ولا يسعنا أمام دعوى ابن خلدون ومناقشة هذا الشارح له، إلا أن نقول كلمة في تاريخ تدوين الحديث، ونتحدث عن العهد الذي وقع فيه فساد اللغة؛ لعلنا نهتدي إلى ما يفيدنا في أصل البحث بحث الاستشهاد بالحديث في اللغة. الواقع أن أصل كتابة الحديث وقع في عهد النبي ". وممن كان يكتب الحديث عبدالله بن عمرو بن العاص، ولهذا كان أكثر جمعاً للحديث من أبي هريرة. أما تدوينه في كتب فقد وقع بأمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز المتوفى سنة 101هـ، ومن المروي في الصحيح أنه كتب إلى أهل الآفاق أن انظروا ما كان من حديث رسول "أو سنته فاجمعوه أو فاكتبوه. وأول من دَوَّن الحديث محمد بن مسلم الزهري المتوفى سنة 124هـ والمعروف أنه كان يروي عن الصحابة مثل عبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وسهل ابن سعد الساعدي. وقيل إن أول من دَوَّن الحديث الربيع بن صبيح المتوفى سنة 160هـ، وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156هـ. ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزهري كمالك بن أنس، وعبدالملك بن جريج، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة. وكان كثير من رواة الحديث في هذا العهد يكتبون الأحاديث عند تلقيها، ولا يكتفون بحفظها عن ظهر القلب؛ فإنا نجد في تاريخ طائفة منهم أن لهم كتباً كانوا يرجعون إليها عند الرواية. ونجد في تاريخ من يروون عن أمثال الزهري إن في مخلفاتهم أجزاءاً كثيرة تحتوي أحاديث أخذوها عن أولئك الأئمة. وكتابة الحديث تساعد على روايته بلفظِه، وحِفْظُه عن ظهر القلب يبعده من أن يدخله غلط أو تصحيف. ويصل بنا البحث إلى مصنفات الطبقة التي جاءت بعد طبقة مالك وابن جريج قد بلغت الغاية في جمع الأحاديث، وفي ذلك العهد صنفت مسندات كثيرة كمسند أسد بن موسى الأموي المتوفى سنة 212هـ، ومسند عبيدالله بن موسى العيسى المتوفى سنة 213هـ، ومسند نعيم بن حماد الخزاعي المتوفى سنة 228هـ، ومسند أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ. وجاء بعد هؤلاء أصحاب الكتب الستة، وأولهم البخاري المولود سنة 194هـ وآخرهم النسائي المولود سنة 215هـ. وما في الكتب الستة أو معظمه كان مدوناً في الكتب المصنفة من قبل. ذكر الحافظ ابن حجر مصنفات أئمة الحديث في الصدر الأول وقال: فلما رأى البخاري هذه المصنفات، ورواها وجدها بحسب الوضع جامعة، فألف كتابه مقتصراً على الصحيح. وإذا رأينا أن البخاري يقول في كتابه: حدثنا فلان، فهذا لا يمنع من أن يكون الحديث مدوناً في كتاب؛ فإنهم كانوا _ كما عرفت _ آنفاً لا يستغنون بالكتابة عن الحفظ، وربما قال الراوي: أملى علينا فلان كذا وكذا حديثاً من حفظه، ثم قرأها علينا من كتابه. وهذه النظرة التاريخية تدلنا على أن ابتداء تدوين الحديث كان في أوائل القرن الثاني، وأنه لم يمض القرن الثاني حتى قيد معظم الأحاديث بالكتابة والتدوين. ولننظر بعد هذا إلى حال اللغة من جهة ما دخلها من الفساد، وننظر ما يكون لهذا الفساد من أثر في رواية الحديث. أخذ الفساد يدخل اللغة منذ وصلت الفتوح الإسلامية العرب بالعجم، وأسرع إلى ألسنة طائفتين من أبناء العرب أو الناشئين في بيئتهم: طائفةٍ كانت أمهاتهم من الأعاجم، وطائفةِ العامة الذين يسكنون الأمصار، وتكثر مخالطتهم للأعاجم. وظهر اللحن بجلاء في أواخر عهد الدولة الأموية، وكان انقراضها سنة 132هـ. وبقي بجانب هاتين الطائفتين فريقان: سكان الجزيرة البعيدون عن مخالطة الأعاجم مخالطة تمس فصاحتهم بسوء، وأبناء الخاصة من سكان الأمصار الذين لم تكن أمهاتهم من الأعاجم. أما سكان الجزيرة فإنهم ما برحوا على فصاحة اللغة إلى أواسط القرن الرابع، وأما الخاصة من سكان المدن فبقوا على فصاحة اللهجة مدةً في أوائل عهد الدولة العباسية. وذكر الباحثون في طبقات الشعراء أن إبراهيم بن هرمة آخر من يحتج بشعرهم، وقد توفي في خلافة الرشيد بعد الخمسين والمائة بقليل. والذين نشأوا في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة انتشاراً يرفع الثقة بفصاحة لهجتها يوثق بأقوالهم ولو تأخروا عن منتصف القرن الثاني، كالإمام الشافعي؛ فإنه ولد سنة 150هـ ولكنه نشأ في بيئة عربية وهي مكة، فيصح الاستشهاد بما يستعمله من الألفاظ، قال الإمام أحمد: كلام الشافعي حجة في اللغة. وقال الأزهري في إيضاح ما استشكل من مختصر المزني: ألفاظ الإمام الشافعي عربية محضة، ومن عجمة المولدين مصونة. وإذا عدنا إلى قول ابن خلدون: وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية، وحين كان كلام أولائك _ على تقدير تبديلهم _ يسوغ الاحتجاج به وعرضناه على التاريخ _ وجدنا التدوين وقع بعد أن دخل الفساد في اللغة، ولكن من المدونين من يحتج بأقواله؛ لأنه نشأ في بيئة عربية كالزهري ومالك بن أنس، وعبدالملك بن جريج. ومنهم من نشأوا في بيئة غير عربية، أو عربية انتشر فيها الفساد، وصارت العربية الفصحى فيها إنما تدرك من طريق التعلم. فدعوى أن الأحاديث دونت قبل فساد اللغة، وأن كلام المدونين لها يسوغ الاحتجاج به في اللغة _ غير مطابقة للتاريخ من كل وجه، ولو تمت على نحو ما قرره ابن خلدون لقامت بها الحجة الفاصلة على الاستشهاد بالحديث في اللغة من غير حاجة إلى شيء آخر يعضدها. والذي نستفيده من حقائق التاريخ أن قسماً كبيراً من الأحاديث دوَّنه رجال يحتج بأقوالهم في العربية، وأن كثيراً من الرواة كانوا يكتبون الأحاديث عند سماعها، وذلك مما يساعد على روايتها بألفاظها؛ فيضاف هذا وذاك إلى ما وقع من التشديد في رواية الحديث بالمعنى، وما عرف من احتياط أئمة الحديث وتحريهم في الرواية؛ فيحصل الظن الكافي لرجحان أن تكون الأحاديث المدونة في الصدر الأول مروية بألفاظها ممن يحتج بكلامه. وأما قول المانعين: إنه وقع اللحن في كثير من الأحاديث فيجاب عنه بأن كثيراً مما يُرى أنه لحن قد ظهر له وجه من الصحة، وقد ألف في هذا الباب ابن مالك كتابه التوضيح في حل مشكلات الجامع الصحيح وذكر للأحاديث التي يشكل إعرابها وجوهاً يستبين بها أنها من قبيل العربي الصحيح، وكثيراً ما نرى ألفاظاً من الحديث ينكرها بعض اللغويين، فيأتي لغوي آخر فيذكر لها وجهاً مقبولاً، أو يسوق عليها شاهداً صحيحاً. ثم إن وجود ألفاظ غير موافقة للقواعد المتفق عليها لا يقتضي ترك الاحتجاج بالحديث جملة، وإنما يحمل أمرها على قلة ضبط أحد الرواة في هذه الألفاظ خاصة. وإذا وقع في رواية بعض الأحاديث غلط أو تصحيف فإن الأشعار يقع فيها الغلط والتصحيف، وهي حجة من غير خلاف. قال محمد بن سلام: وجدنا رواة العلم يغلطون في الشعر، ولا يضبط الشعر إلا أهله. وأبو أحمد العسكري الذي ألف كتاباً في تصحيف رواة الحديث قد ألف كتاباً فيما وقع من أصحاب اللغة والشعر من التصحيف. أما قول أبي حيان: إن المتقدمين من علماء العربية لا يحتجون بالحديث فأجاب عنه المجيزون بأن علماء العربية في العهد الأول لم يتعاطوا رواية الحديث، فعلماء الحديث غير علماء العربية(6)، ثم إن دواوين الحديث لم تكن مشتهرة في ذلك العهد، ولم يتناولها علماء العربية كما يتناولون القرآن الكريم، وإنما اشتهرت دواوينه ووصلت إلى أيدي جمهور أهل العلم من بعد؛ فإن سلمنا عدم احتجاجهم بالحديث فلعدم انتشاره بينهم لا لأنهم يمنعون الاحتجاج به، على أن كُتُبَ الأقدمين الموضوعة في اللغة لا تكاد تخلو من الاستدلال على إثبات الكلمات بألفاظ الحديث، واللغة أخت النحو كما صرحوا به. وكذلك نرى الإمام اللغوي أبا منصور الأزهري المولود سنة 282هـ يعتمد في كتابه (التهذيب) على الأحاديث، ويكثر من الاستشهاد بها. وأما ما ادعاه أبو حيان من أن المتأخرين من نحاة الأقاليم تابعوا المتقدمين في عدم الاحتجاج بالحديث _ فمردود بأن كتب النحاة من أندلسيين وغيرهم مملوءة بالاستشهاد بالحديث. وقد استدل بالحديث الشريف: الصِّقلي، والشريف الغرناطي في شرحيهما لكتاب سيبويه، وابن الحاج في شرح المقرب، وابن الخباز في شرح ألفية ابن معطي، وأبو علي الشلوبين في كثير من مسائله. وكذلك استشهد بالحديث السيرافي، والصفار في شرحيهما لكتاب سيبويه، وقال ابن الطيب: بل رأيت الاستدلال بالحديث في كلام أبي حيان نفسه. وقد عرفت أن مذهب البدر الدماميني صحة الاستشهاد بالحديث، وقد جرى على مذهبه في شرحه للمغني والتسهيل والبخاري. تفضيل وترجيح: من الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج به في اللغة، وهو ستة أنواع: أحدها: ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته _ عليه الصلاة والسلام _: كقوله: حمي الوطيس وقوله: مات حتف أنفه وقوله: الظلم ظلمات يوم القيامةإلى نحو هذا من الأحاديث القصار المشتملة على شيء من محاسن البيان كقوله: مأزورات غير مأجورات وقوله: إن الله لا يمل حتى تملوا. ثانيها: ما يروى من الأقوال التي كان يتعبد بها، أو أمر بالتعبد بها؛ كألفاظ القنوت والتحيات، وكثير من الأذكار، والأدعية التي كان يدعو بها في أوقات خاصة. ثالثها: ما يروى شاهداً على أنه كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم: ومما هو ظاهر أن الرواة يقصدون في هذه الأنواع الثلاثة لرواية الحديث بلفظه. رابعها: الأحاديث التي وردت من طرق متعددة واتحدت ألفاظها؛ فإن اتحاد الألفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يتصرفوا في ألفاظها. والمراد أن تتعدد طرقها إلى النبي "أو إلى الصحابة أو التابعين الذين ينطقون الكلام العربي فصيحاً. خامسها: الأحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة؛ كمالك بن أنس، وعبدالملك بن جريج، والإمام الشافعي. سادسها: ما عرف من حال رواته أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى: مثل ابن سيرين، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، وعلي بن المديني. ومن الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف في عدم الاحتجاج به، وهي الأحاديث التي لم تدون في الصدر الأول، وإنما تروى في بعض كتب المتأخرين. ولا يحتج بهذا النوع من الأحاديث سواء أكان سندها مقطوعاً أم متصلاً، أما مقطوعة السند فوجه عدم الاحتجاج بها واضح، وأما متصلة السند فلبعد مدونها عن الطبقة التي يحتج بأقوالها. وإذا أضيفت كثرة المولدين في رجال سند الحديث إلى احتمال أن يكون بعضهم قد رواه بالمعنى أصبح احتمال أن تكون ألفاظه ألفاظ النبي _ عليه الصلاة والسلام _ أو ألفاظ راويه الذي يحتج بكلامه قاصراً عن درجة الظن الكافي لإثبات الألفاظ اللغوية أو وجوه استعمالها. والحديث الذي يصح أن تختلف الأنظار في الاستشهاد بألفاظه هو الحديث الذي دون في الصدر الأول، ولم يكن من الأنواع الستة المنبه عليها آنفاً، وهو على نوعين: ( حديث ) يرد لفظه على وجه واحد، (وحديث) اختلفت الرواية في بعض ألفاظه. أما الحديث الوارد على وجه واحد، فالظاهر صحة الاحتجاج به، نظراً إلى أن الأصل الرواية باللفظ، وإلى تشديدهم في الرواية بالمعنى، ويضاف إلى هذا قلة عدد من يوجد في السند من الرواة الذين لا يحتج بأقوالهم؛ فقد يكون بين البخاري ومن يحتج بأقواله من الرواة واحد أو اثنان وأقصاهم ثلاثة. ومثال هذا النوع أن الحريري أنكر على الناس قولهم قبل الزوال: سهرنا البارحة، قال: وإنما يقال: سهرنا الليلة، ويقال بعد الزوال: سهرنا البارحة. والشاهد على صحة ما يقوله الناس حديث أن النبي "كان إذا أصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟وحديث: وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول عملت البارحة كذا. ففي قوله: إذا أصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحةوقوله: ثم يصبح فيقول: عملت البارحة_ شاهد على صحة أن يقول الرجل متحدثاً عن الليلة الماضية وهو في الصباح: سهرنا البارحة، أو وقع البارحة كذا. وأما الأحاديث التي اختلفت فيها الرواية فإنا نرى من يستشهدون بالأحاديث من اللغويين والنحاة لا يفرقون بين ما روي على وجه واحد، وما روي على وجهين أو وجوه. ويمكننا أن نفصل القول في هذا النوع؛ فنجيز الاستشهاد بما جاء في رواية مشهورة لم يغمزها بعض المحدثين بأنها وهم من الراوي مثل كلمة ممثل وردت في أشهر رواية الحديث قام النبي ممثلاً أي منتصباً، والمعروف في كلام العرب إنما هو ماثل من مثل كنصر وكرم. وأما ما يجيء في رواية شاذة أو في رواية يقول فيها بعض المحدثين إنها غلط من الراوي _ فنقف دون الاستشهاد بها، ومثال هذا كلمة ناعوس وردت في إحدى روايات حديث إن كلماته بلغت ناعوس البحر ووردت في بقية الروايات قاموس البحرأو وسطه ولجته. وكلمة ناعوس غير معروفة في كلام العرب. قال أبو موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني أحد المؤلفين في غريب الحديث: فلعل الراوي لم يجود كتب كلمة قاموس. وأضعف من هذا أن تجيء الكلمة غير المعروفة في اللغة في صورة الشك من الراوي ككلمة خطيط وردت في حديث: ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه قال ابن بطال: لم أجد كلمة خطيط بالخاء عند أهل اللغة. وخلاصة البحث: أنا نرى الاستشهاد بألفاظ ما يروى في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول وإن اختلفت فيها الرواية، ولا نستثني إلا الألفاظ التي تجيء في رواية شاذة أو يغمزها بعض المحدثين بالغلط أو التصحيف غمزاً لا مرد له، ويشد أزرنا في ترجيح هذا الرأي أن جمهور اللغويين وطائفة عظيمة من النحويين يستشهدون بالألفاظ الواردة في الحديث ولو على بعض رواياته. ـــــــــــــــــــــــــ ـ (1) بحث قدمه المؤلف إلى مجمع اللغة العربية، ونشر في الجزء الثالث من مجلة المجمع، وانظر: رسائل الإصلاح 2/53_66، وانظر: دراسات في العربية وتاريخها 166-180, وقد نشره الشيخ محمد إبراهيم الحمد في كتابه: مقالات لكبار كتاب العربية / المجموعة الأولى, وقال: وهذا البحث من أحسن وأبدع ما كتب في هذا الموضوع في القديم وفي الحديث. (2) النهاية لابن الأثير في مادة هرو. (3) النهاية لابن الأثير في مادة ستر. (4) قال أهل العلم بالحديث: ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه: أخبرنا بقولك: حدثنا، ونحوه. (5) هو ابن علان، وتوجد نسخة من شرحه بالمكتبة التيمورية. (6) من علماء العربية من كانوا يعدون في رواة الحديث، مثل أبي عمرو بن العلاء، وعيسى ابن عمر الثقفي، والنضر بن شميل المازني، والخليل بن أحمد، والقاسم بن سلام، وعبدالملك بن قريب الأصمعي، والرياشي |
الساعة الآن 48 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية