منتديات نور الأدب - (( كاليري الدم والدمع )) قصة قصيرة تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
كاليري الدم والدمع

امتلك كاليري للرسم، ريشته تبدع من فكر خصب وقلب مليء بالقهر والحبّ ، يحمل في حناياه عشق تراب الوطن ،حنظليّ التفكير، وطنه ملح الكون ،لوحاته لا تخلو من معنى يرمز إلى معاناة وطنه " دمعة على قبة الصخرة ، وشاح مليء بالدماء يغطي خارطته ،قبضة جبارة تعصر خارطة الوطن فتنزف دما ودمعا" لا يبدو لعمل فنيّ طعم أو نكهة إلا إذا نثر من عطر أرضه عليه. رأى المحتل في لوحاته عملا تحريضيا ونوع من أنواع المقاومة الفكرية، حكاياها رفض لوجودهم، إظهار لبشاعة ظلمهم ، سجنوه منفردا في زنزانة بتهمة حبّ الأرض والصخرة المقدسة والقباب الحزينة، راقبوه، لا مجال لفكره أن يحلق وأصابعه تترجم الفكرإلى لوحات تعبر عن حبّ الوطن ومعاناته ، أنامله تعبث بعشوائية تريد خلق إبداع ما، أنه هوس الرسم ،هوايته المحببة ،رأى جدار السجن مراحا ورديا لتفعيل إبداع خياله، سمحوا له بالرسم شرط أن لا يكون عملا استفزازيا، لايرسم بيتا مهدوما أو طفلا مطعونا أو امرأة منتهكة جدائلها ، واحتل الجدار بألوان ريشته رسم شاطئا ثم نخلا ، وأخذ يرسم ويرسم وأحتار!! يريد أن يرسم حياة يتعايش معها، صهرته الوحدة ، في سجنه الإنفرادي يبحث عن حوائه لتكتمل دورة الحياة لديه انطلق فكره وراء أحلامه الورديّة ، قرر رسم فتاة أحلامه ، وبدأ الرسم من الأعماق، من غور التكوين من العينين ،أتكون بزرقة البحر أو سندسية السهل أو صفرة الغروب؟ لكنّه يحب طين الأرض، ماوجهما باللون البني، وأنف دقيق يتصف بالشموخ ، لوّن البشرة بلون غيمة تتوارى خلفها أطياف البدر ، وغمازة الذقن تزيد الجمال سحرا ، وابتسامتها دفق من نور ، ،وشعر أسود مجدول بشوك الظلم والقهر، وشّح ملامحها ببراءة الطفولة وطيبة الأمهات وعنفوان الأميرات، واكتملت اللوحة، بدت له جميلة الجميلات، جري حبها في دمه، نسج لها أجمل الأشعار،وكثيرا ما تهفو نفسة إليها، وتمنى لو أنه زرع رأسه في صدرها لينعم بدفء قلبها، في كل يوم يحاكيها ويحكي لها ألف حكاية ،لكنها تقهره بصمتها وبحزنها ، كيف ترد عليه وألف قيد يلتف حولها، يقينه إنها تبادله الحبّ، لكنّها لن ولن تستجيب لنداءاته، تمنى لو تنحدر من عليائها ليعانقها ويتوسد ذراعها ليمتلأ صدره بعبق العوسج والطيّون الفواحة، ريشته رسمت القدمين،و في كلّ صباح يجدها مكبلة بقلادة من السلاسل الحديدية الشائكة نزف هنا وسيل دماء هناك ،أراد تحريرها من القيد فأدمت يداه وقلبه ورغب أن يسدل عليها رداء العز والفخار، قد يكون ثوب الزفاف، أتكون عروسه؟ حيرة أذابت نفسه، غبش تماوج في مدى رؤياه،أيّ امرأة هذه، شرود رماه في هاوية التيه.
ناداه العسكري:يا أسير،أتعرف رقمك ؟
: لا أدري قد يكون 48 أو67 فالأرقام صارت قرارات ذليلة .
: لا نريد فلسفة خرفة واهنة.
: بل واقع مرير !!
: أترسم امرأة، جيد ما تفعله، أنت كأيّ عربي مهووس بالنساء.
قال آخر: هيا أزلها لا تخربش على الحيطان وتجعلها قذرة.
بيد مرتجفة وقلب وجيع : دعوني أسترها برداء العز والفخار.
قال ثالث: هيا أرني ،بأيّ رداء ستغطي عريها ؟
انهمكت يداه تعبث بعلبة الألوان، بدأ باللون الأسود ثم تلاه اللون الأبيض فالأخضر وعند الجيد أزهر اللون الأحمر . أدرك الجندي رمزية ما تنسج يداه : ماذا تفعل يا أحمق؟ ما هذا الثوب؟من هذه ؟
: أنها وطني، إنها فلسطين، وهذا ثوبها .
فصرخ به : أتتحداني، لا تكمل وإلا قتلتك.
لم يرد عليهم وانهمك بإسدال الستر الأثير عليها
علا صراخهم بهستيرية :توقف ولا تكمل ،مزّق الرداء واحرقه .
أصرّ على أن يرسم الرداء الغالي على جدار السجن، اعتبروه متمردا، مخالفا لشريعة الغاب، أطلقوا النارعليه وعلا الجدار شرخ جرح الرسم إلى هويتين وانتمائين، وهوى بجسده أرضا ،دنا من اللّوحة ولامس السلاسل الحديدية و العلم المشروخ يحتويهما بطهر الفداء ،وفارقته الروح والريشة في يده وعيناه تحدقان في عينيها التي عشق فيهما لون الطين وطيوبه وخال دمعها يغسله ويداها تمتد إلية تحتضنه بقوة دفيئة ، أنها الحبيبة بل الوطن الذبيح وكلاهما كان عشقه .
[/align][/cell][/table1][/align]