![]() |
جدار الزمن - قصة قصيرة - هدى الخطيب
آه كم كنت متعبة... الليلة ماطرة والظلام حالك.. آه كم كان الظلام حالكاً مع أن الشمس لم تغرب بعد و الدرب طويــــل.... طويـل.. والأشواك تملأ الطريق والأشواق تملأ الأعماق.. الغيوم تملأ السماء والظلال تملأ النفس ومن مواجهة الأعداء إلى الفتن بيننا سائرون وفي الروح أنين موجع.. و جنوب لبنان حزين.. آه كم كان حزينا!! على هذا الدرب في الجنوب و قريباً من حدود فلسطين المغتصبة منذ زمن طال حدّ الصدأ وجدت أمامي يافطة كتب عليها: " احذر حقل ألغام " تخطيت بنظري اليافطة إلى داخل الحقل فوجدت بيتا هناك بعيدا.. تلفت من حولي فلم أر سواه..! كنت متعبة و أريد أن أرتاح بأي ثمن فالتعب يأس و الموت نوم.. توكلت على الله و أكملت المسير حتى وصلت إلى ذلك البيت سالمة وبعد أن اجتزت حديقته قرعت الباب فانفتح وقد أصدر صريرا مزق سكون المكان دخلت و بحثت أرجاء المنزل فلم أجد فيه أحدا على الإطلاق مع أنه كان مرتباً بعناية أهل القرى و حرصهم الشديد على النظافة.. حقاً كان البيت مهجوراً و بمنطقة لا يقترب منها إنسان لكنه لم يكن موحشاً على الإطلاق والآيات القرآنية تملأ الجدران.. اغتسلت وتوضأت وبدلت ملابسي مما وجدت، وصليت العصر قبل زوال الشمس، دخلت السرير وذهبت في نوم عميق....... حين استيقظت وجدت ستر الظلام كثيفا إلى حدٍ كبير لولا نور ضئيل جداً لم أتبين مصدره..! حاولت فتح النافذة و لم أستطع، خرجت إلى القاعة الرئيسية وحاولت فتح الباب الذي دخلت منه لكني أيضاً لم أستطع..! بحثت إلى أن وجدت السلم الداخلي المؤدي إلى السطح وقد بدا لي شعاع نور يتسرب منه ، لكن لم يكن هناك سطح ، والبيت مطمور تماماً إلا من ثغرات بسيطة يتسرب منها شعاع النور، ووجدت بعض ثمار التوت المتساقطة من شجرة في الأعلى تناولتها وبدأ عقلي يعمل ويفكر بالبيت الذي دخلته قبيل المغرب ظاهر فوق الأرض لأنام ساعات وأستيقظ فأجده مطمورا وأنا بداخله!! هنا فقط أحسست بالوحشة والخوف يتسللان إلى نفسي من فكرة قفزت إلى رأسي.. مددت يدي تحت الفتحة التي تتسلل منها الأشعة، لم أجد شيئا غير عادي، جلد يدي بدا نظيفاً لامعاً تحت الضوء وأظافري على حالها قصيرة، أخذت خصلة من شعري ، قربتها أمام وجهي وأنفي، طوله على حاله و رائحته زكية، تلمست ملامح وجهي وذراعي، كل شيء على حاله.. نزلت الدرج مجدداً وارتديت ملابسي بسرعة وكان علي تسلق تلك الفتحة التي وجدتها ، فبحثت عن سلم بيتيّ ووجدته بحالة جيدة ، وضعته أسفل الفتحة وصعدت حتى وصلت أخيراً إلى الأعلى حيث نور الشمس بدأ يفرد أشعته الصباحية.. التقطت أنفاسي ريثما يعتاد نظري النور القوي.. وجدتني في حقل فسيح على مشارف مدينة صغيرة، وصلت إلى الطريق.. وسرت على الطريق الممتد أمامي جنوبا، كل وجوه الناس الذين صادفتهم بدت مطمئنة مستبشرة والمنازل مبنية على الطراز العربي الجميل و قيت أسير إلى أن وجدت يافطة بعرض السكة العريضة كتب عليها: " أهلا وسهلاً بكم في مقاطعة فلسطين العربية " لم أصدق ما رأت عيناي فاستدرت إلى الشمال واجهتني يافطة مماثلة: " أهلاً وسهلاً بكم في مقاطعة لبنان العربي" ولا شيء آخر بينهما، لا حدود و لا حرس!! ضحلة وسخيفة عبارة الفرح على مثل شعوري آنذاك..كنت أبكي وأضحك في وقت واحد..جلست فوق حافة أو سور منخفض يحد الرصيف فوق الوادي وبدأت التفكير، كان علي أن أعرف ماذا يجري وما الذي حصل أثناء نومي وكنت أدرك أنني لن أستطيع سؤال شخص عادي!!! ليس لي إلا الـمسـجد.. وبدأت أبحث عن مـسـجد قريب و سرعان ما وجدته، دخلت من باب النساء وذهبت إلى الحمّام مباشرة و تأملت نفسي ملياً في المرآة، حقاً كل ما بي على حاله، توضأت وصليت ركعتين تحية الـمسـجد، عدد قليل من النسوة كنّ في القاعة لم أتحدث معهن، سألت عن مكتب الإمام واستأذنته.. شيخ جليل يملأ الحبور وجهه، أحسست بالأمان والاطمئنان له، رويت له حكايتي، سمعني باهتمام بالغ دون مقاطعة برغم تعبير الدهشة الذي ارتسم على وجهه وختمت: (والآن يا شيخي جاء دورك لتخبرني ) فقال: (تعالي معي لتشاهدي ما تيسر من البلد بينما أحدثك).. نزلنا معاً متوجهان إلى عربته وقد أخبرني أن العربات لم تعد تستعمل المحروقات حفاظاً على البيئة والمناخ وبدأ حديثه: (( أنا طبعاً لن أستطيع تفسير ماهية و كيفية ما جرى لك ويحصل معك، هذا في علم الله وحده والله خالق الزمن.. سأخبرك عن واقعنا وما ترينه الآن من حولك، نحن وفق التقويم الميلادي في نهاية عام (2461) قرأنا في التاريخ ما ذكرته، لكن بلادنا تحررت منذ مئات السنين.. قضينا على البطالة و الجهل و اتحدنا، الوطن العربي وطن واحد وما كان على أيامكم دولا أصبح مجرد مقاطعات في الوطن الواحد. ليس فلسـطين فقط بل أيضاً مقاطعة الأندلس أو ما عرف في زمنكم بإسبانيا و البرتغال، عادت إلى الأمازيغ ، اللذين كان قد أنساهم طول الزمن أنهم سكانها الأصليون..! كل الطوائف والمذاهب والأعراق حقوقها مصانة وممثلة بالشكل الصحيح الإيجابي بعيداً عن سلبيات الطائفية والعرقية مع المحافظة على الأديان وقيمها ومكانتها وأخلاقياتها الطبقة المتوسطة التي تشكل صمّام أمان لأي مجتمع سليم بثقافتها و قيمها و توازنها عادت من جديد تمثل الشريحة الأوسع، لا غنى فاحش و لا فقر مدقع و زكاة بيت المال تجمع و توزع بالعدل، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين أعيدت صياغته ليلتقي تماماً مع الشريعة الإسلامية السمحة، قيّد قانون تعدد الزوجات بالحالات الطارئة والموجبة من مجمع يدرس كل حالة على حدة، و منع تزويج الفتيات بغير رضاهن، وبات يجري التأكد من الطرفين قبل إجراء العقود، و قد حافظت القوانين الجديدة على حقوق المرأة كاملة كما في الشرع.. منع الفحش الدعارة عبر وسائل الإعلام احتراما لجسد المرأة وإنسانيتها وعدم استخدامه للتسويق والاتّجار والإعلانات تحت شعار: " مجتمع نظيف غد أفضل للوطن". منع الاحتكار والفساد تحت طائلة الملاحقة القانونية، كما يتم تخصيص ميزانية كبيرة للأبحاث والعلوم ،والتعليم مجاني وإجباري حتى نهاية المرحلة الثانوية وشبه إجباري للتخصصات الجامعية أو المهنية إعلاء شأن اللغة العربية والحفاظ عليها وعلى فنونها من شعر وخطابة إلخ .. إنشاء الكثير من المجامع اللغوية التابعة أو المدعومة من الدولة في سبيل الحفاظ على لغتنا وتطويرها واستيلاد مفردات جديدة وتطوير عملية تعليمها و البحث المستمر عن أسهل السبل وأكثرها تشويقاً للطالب وترسيخ محبة اللغة العربية في نفسه.. ولله الحمد فاللغة العربية الآن هي اللغة الأولى المعترف بها عالمياً والأوسع انتشاراً.. فدرالية عربية كما أسلفت وكونفدرالية مع الدول الإسلامية من غير العرب حين وصلت بلادنا إلى هذا الحد من القوة عملنا على تأسيس مجلس أمن عالمي يساوي بين دول العالم كافة، لا تسلط ولا بلطجة، لا قطب واحد ولا فيتو، لا خمس دول و لا ثماني كبار، أي قرار يجري التصويت عليه بالتساوي بين الدول.. عملنا على منع استخدام الأسلحة النووية على الجميع و أُتلف كل ما يتعلق بها و كذلك منعت أبحاث الأسلحة النارية واستخدامها بكافة مستوياتها، كما عملنا على منع استعمال الإضافات الكيميائية في كلّ ما يتعلق بالغذاء و.. و................" )). كان يتحدث وأنا في ذهول ودهشة بين ما تراه عيناي من عمار سليم يتحلى بالوجه العربي الجميل منسجم متناسق لا قصور هنا وأكواخ هناك في مجتمع متماسك يحافظ في آن على البيئة والسلامة العامّة وضمن أُطُر الحضارة الحقيقية التي لا تنتهك حرمة الحياة وتحترم و تحمي إنسانية الإنسان لتكون له وفي خدمته وبالعدل.... سألني عمّا أنوي فعله و إن كنت سأبقى في زمانهم الجميل؟ أجبت: " بل سأعود يا شيخي، حقاً زمانكم جميل إلى أقصى حد و لكني لست منه ولا فيه، هنيئاً لكم به... توقف بي أخيراً عند النقطة الفاصلة بين المقاطعة الفلسطينية والمقاطعة اللبنانية و قال لي: " و الآن علي أن أستودعك الله.. لا أود التقدم معك أكثر كي لا أعرف مكان البيت، أنا أولاً وأخيراً إنسان، أخاف أن أضعف وأبوح بالسر ولهذا من الأفضل ألاّ أعرف مكان البيت حتى إن ضعفت يوما لا أرشد إليه أحدا ما دام الله قد حجبه عن أعين الناس" ودعته بعد أن أعطاني مصباحاً دقيقاً جداً، اختراع وصناعة عربية يستطيع أن يستمد النور من الطاقة الشمسية مهما كان تسرب الشعاع ضئيلاً ويخزنه لمسافات تحت الأرض، وعدت أدراجي حتى وصلت المكان، دخلت الفتحة الضيقة التي يسترها عن العيون ورق النبات والشجر هابطة بتأن ٍ شديد إلى أن وجدت السلّم ، أكملت نزولي وأخذته معي حين وصلت الباب المؤدي إلى السلم الداخلي غيرت ملابسي و دخلت في السرير والنعاس يداعب جفوني وأنا لا أعرف إلى أين سيؤدي بي النوم هذه المرةّ!! أتمنى أن يعود بي إلى زمني مهما كان سيئاً و مؤلماً ومريراً ومحبطاً يبقى زمني، لا وجود لي خارجه، لا يعرفني أحد و لا ينتظرني أو يهتم بأمري، أعجبني أم لم يعجبني إنه زمني وزمن أهلي وابني وأقاربي و أحبتي.. يكفي أني عبر هذه الرحلة قد ارتحت وعرفت أن علينا العمل لتحقيق الأمل، لأن للباطل جولات تنتهي بمزبلة التاريخ وأنّ دوام الحال من المحال و بعد كل ليل مهما اشتدّ ظلامه فجر آت والزمن يدور والحق ينتصر والبلاد لأهلها طال الزمن أم قصر وشمس الحق لا بد أن تشرق من جديد ....... هدى الخطيب |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
باختصار... نحن أمام نص رائع بدأ كشريط من نوع الخيال العلمي .. عشنا التشويق ولم نعلم بحقيقة الأمر إلا عند "مقاطعة فلسطين " و"مقاطعة لبنان". حينئذ أدركنا أن الأمر يتعلق بحلم ، أو كما أرادته الكاتبة ، زمنا آخر نحن إليه ..
فكرتان واضحتان خرجت بهما من هذا الفيلم - عفوا القصة - : 1- ما سطرته الأديبة من آمال وأحلام حول ما يجب أن يكون عليه العالم .. وهذا في حد ذاته أعتبره دستورا عالميا . 2- التصاق الإنسان ببيئته و زمنه رغم البون الشاسع بينهما ، و رغم أفضلية الزمن الثاني .. زمن تحقيق الحلم . إن اختيار الأديبة للعيش في زمنها رغم بؤسه و آلامه لهو قمة في النبل . دمت متألقة ولك كل تقديري |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
[frame="15 98"]
بسم الله الرحمن الرحيم أستاذتي هدى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الله ...الله ...الله لوحة رااااائعة وجميلة , الحمد لله أنني قررت أن أخصص هذه اللحظات للقراءة حتى أعثر على هذا الكنز الثمين ... بالفعل كانت القصة مشوقة ومثيرة و عند الختام شعرت بانشراح في الصدر حتى رسمت البسمة على شفاهي .. رائعة وصف أقل من القليل ... حلم راااائع و مشاعر نبيلة بوركتِ أخيتي ولا حرمنا الله عز و جل من فكرك وقلمك . ما أجمله من حلم لكن غالبا هذا الزمان ليس زماننا قد يكون لأبنائنا أو أحفادنا .....لا محالة إلا ان يتغمدنا الله برحمته ويكرمنا بشيء منه . شكر الله لك هذا الإبداع وبارك الله فيك وبكِ وكتبك عنده و ذريتك من سعداء الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه . [/frame] |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
الأدبية هدى الخطيب / تحياتي
قصة قصيرة رائعة تحمل تقنية القصة / التشويق / الحبكة / الفكرة / الزمان والمكان / الصراع الحقيقي والجدل المسموع / بين الواقع والتوقع / بين الواقع والخيال / بين التعب ،العطش، الجوع / والوطن / تحياتي / فارس |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
:sm259::sm190:[frame="10 98"]
الاخت الكريمة هدى...قصة جميلة...تحمل حلم كل انسان مؤمن...بوطن يرعى اهله...وعالم يقوم على ميزان العدالة تنهدت بشكل تلقاءي عندما ادركت ان البطلة تحدثنا عن سنة 2461 ميلادي ...زمن بعيد لكنه في قلوبنا باذن الله قريب وممكن...واسعدني أن تختار البطلة العودة الى واقعها رغم ضبابيته...لان كل واحد منا خلقه الله تعالى بحكمة ليؤدي دوره في وقت ماومكان ما...فليس المهم ان نعيش زمن التغيير الايجابي...الاهم ان نكون من المساهمين في ايجاده...نريد باذن الله ان يكون نور الادب صرحا للكلمة المؤمنة والشريفة التي تصنع الغد الافضل... مودتي وتقديري [/frame] |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
يال أحلامك الخيالية الجميلة الجميلة
تحياتي يا أستاذة |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
تعجبني جداً هذه القصة وأحب العودة لها والارتشاف من منابع روعتها
لك تقديري |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
اقتباس:
ما أروع فكرك وما أعمق ثقافتك .. ليت حلمك يتحقق حتى ونحن تحت الثرى.. فربما أحفاد أحفادنا يستطيعون تحقيق ما عجزنا عنه في أيامنا المفككة المتهرئة، بلياليها السود، وأنوارها الداكنة، حتى نهارها يجر نهارات مبرقشة بالدماء ومخضبة بالعذاب وسأم الروح.. أيها الفاضلة.. لكِ كل حب واحترام وتقدير وتقبلي تحياتي د/ ثروت عكاشة السنوسي |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
قصة ممتازة و فنيات عالية الفكرة راقية والأسلوب مميز ********** دمت أديبة |
رد: جدار الزمن / هدى الخطيب
سيدتي الغالية هدى الخطيب مساؤك الزهر وأحلى
لا اعرف لماذا استولى علي انفعال لا يعرفه إلا مثلك أنت شاعرة \ رسامة \ مصورة استطاعت وصف ما لا يمكن تخيله بإتقان وفن ورقه وجمال ......... أراني أيتها السيدة الرائعة استغرقت هنا في التأملات فوجدت نفسي متكأ على جدار المخيلة أستعيد بعض الحكايات الجميلة \ الحزينة \ التي تنحدر من ذلك الزمن الذي كان فيه أبي يبحث عن مهر يرضي فيه أمي ؛ قام مبكرا ذات يوم وأخذ طريق الشرق من حيفا باتجاه الناصرة وعلى يمينه يمتد سهل فسيح متراميّ الأطراف قُيّد اسمه لأبن عامر فاستراح قليلا في طبريا وأخذ قهوته الصباحية على ضفاف بحيرتها الجميلة ثم ارتقى نحو صفد فالمناظر الطبيعية من هناك تخلب الألباب على طول الطريق حتى وصل القنيطرة ، ومن قلبها يا سبحان الله شاهد أكاليل من الغيوم تحيط بجبل مهيب تظهر من وسطها قمة بياضها البياض ، تُطل منها على نصف الدنيا القديمة وترين منها عاصمة التاريخ حيث وصلها ؛ ومن أسواقها استزاد بأشياء سوف تقربه من قلب أمي العروس ؛ وفي أحد أسواقها سمع صوتا جميلا ينشد قائلا : " لئن أضحت محلتنا عراقا ..... مشرقه وحلتها الشام فلم أحدث لها إلا ودادا ....ولم أزدد بها إلا غراما " فسأل قالوا له : إنها حلب والبحتري غناها .. ففيها بزغت شمس المتنبي وقاد دولتها الحمداني والصنوبري حياها ... فأكمل أبي الطريق إليها ومنها عاد غربا وما جمُل في عينه منها ثم أخذ طريق المشقّة ’ طريق الغزوات التي حملت صلبانها زورا وبهتانا .. فمرّ بمدن البحر اللاذقية طرابلس الشام إلى بيروت بعد أن مرّ بالجبل ولم يصدق أن تلك الأرض لوعورتها يسكنها إنسان ..! ومن بيروت الجميلة الحلوة عاد مع مرتحلون نحو الجنوب في قطار الشرق يحمل المسافرين من أهلها / الذين يرتحلون سويا كعائلة واحدة /على متن عرباته الجميلة / فيتوقفون في صيدا وصور وعكا حتى المحطة الكبرى محطة حيفا / المدينة التي تُسحر كل من شاهدها ؛ فيتوقفون لإلقاء نظرة عليها من فوق " كرملها " - الجبل الأخضر الجميل الذي يمد قدماه في البحر ورأسه يناطح السحاب ثم يغادرون باتجاه يافا ثم يشق القطار رحلته باتجاه مدينة المعجزات غزة فيشير البعض إلى قبس من نور يقول أحدهم وهو يشير إليه : انه قبر جدّ نبينا هاشم ولا عجب . ثم ينطلق القطار عابرا صحراء سيناء / مارّاً بجبل الطور المقدس / فينظر الناس بعيدا بعيدا في عمق الصحراء / نحو تلك الجبال الصخرية الصلدة ، رافعين وجوههم نحو السماء ، حيث إنقشعت غمامة وردية اللون تداخلت مع الزرقّة قال أحدهم : أن موسى النبي استوقد النار هناك .. وفي ذاك الوادي صدح صوت السماء ...! فقال آخر .. يا ليت الطريق قد مرّ بالقدس ..! فرد عليه أحدهم وقال : إن طريق القدس ليست بطريق نزهة . إنها بوابة الأرض إلى السماء .. ولها طريق آخر لا يسلكه إلا المتطهرون ! ويسير القطار عابرا البحيرات ولا يتوقف إلا بالإسكندرية ليكتمل الفرح الآتي إليها من الشرق .؛ وقد نسيّ أبي أمي ، ولم تقنع منه إلا بعد أن أغراها بهدية بقيت سرا ولكني سمعتهم يقولون إنها من مكتبتها التاريخية والله أعلم ! أرأيت سيدتي ماذا حلّ بي عندما تتبعت آثارك في في ذلك البيت السريّ لكنني لم أدخله مثلك فكم أنت محظوظة . ما قرأته لك رائع بحق ومُلهم بحق . سلم الفكر وسلمت يداك ايتها القديرة |
الساعة الآن 18 : 05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية