منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الشعرالروحي الصوفي (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=52)
-   -   التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17506)

ليلى مقدسي 14 / 10 / 2010 36 : 08 PM

التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]التصوف أشبه باللحن الموسيقي أسراره في أجنحة الحب الخفية التي تحمل الروح المنتشية إلى آفاق غامضة مسحورة.
والتصوف فلسفة إنسانية تجعل الحياة كأنها نغم وجد، محب ومحبوب والمتصوفة دائماً هائمين في فيوضات إشراقية، وإلهامات قدسية يفنون في ربهم ويخلدون. فالله محبة. والدين محبة. والحياة محبة وكل شيء في الوجود طابعه وصانعه الحب.
وفلسفة التصوف مذهب عالمي يتلون مع كل أمة بلون عقائدها وتفكيرها، والتأمل العميق في خلال مبدع الكون، والفناء في هيولات هذا الجلال النوراني عبر الحب المطلق الإلهي.
وعبر أحد المتصوفة عن هذه الحالة بقوله:
إن قلبي يسكن عالماً لا يعرف غيري عنه شيئاً، ولو سئلت ما بي لأعجزني أن أجيب".
فالحب سببه جمال الله، والعالم خلق ليقدم آيات الحب إلى الله وذلك هو سر الحياة.
والصوفية يحبون الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته بل يحبونه لذات الحب. ولأنه أهل للحب.
تقول رابعة -ما عبدته خوفاً من ناره –ولا حباً بجنته، بل عبدته حباً له وشوقاً إليه.
وقال يحيى بن معاذ:
مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين عاماً بلا حب.
والصوفية بهذا الحب يحلون مشكلة الفلسفة الكبرى التي تتساءل في ضباب من الشدة وأوهام من الحيرة عن معنى الحياة.
ويصل المتصوفة في حبهم إلى ما سموه بالوجد وهو استغراق تام في النشوة العلوية، فتحس الروح أنها مع الله حول العرش. وحالة الوجد سر قدسي بين الرب والعبد.
والوجد الصوفي أوجد: ألحان ابن الفارض. ومواجيد ابن عربي.
وتحرقات الجنيد، واستغراقات البطاحي، ووله الحلاج، ومزامير رابعة العدوية والشبلي يقول: دعهم يفرحوا بربهم. فقد أحرق الهوى قلوبهم ويشغل الكشف الباطني جانباً من حياتهم ويؤمنون أن للمعارف الإنسانية وسائل باطنية غير الحواس الخمس تصل بين النفس والعالم الروحي. والتغلب على الجسد يمزق الحجب بين الروح والنور الأعلى.
وأيضاً -الكرامات من أمور حياتهم الطبيعية. وهي ظهور أمر خارق للعادة على يد مؤمن طائع للدلالة على صدقه ونبله.
ويعيشون في عالمهم المثال أو الخيال وهو لديهم عالم وسط بين الجسد والروح.
معنى كلمة التصوف
-يرى أغلب المستشرقين وكذلك –جرجي زيدان، أن مرد كلمة التصوف إلى صوفيا اليونانية وصوفيا هي الحكمة وقالوا إن العرب حين فلسفوا عبادتهم حرفوا الكلمة إلى –التصوف. ثم غدت صوفي وصوفية. أما المستشرق –مركس قال:
إن صوفية اسم قبيلة عربية عرفت بالاستغراق والتأمل ومحبة الله وطاعته. وهناك من اشتق التصوف من (صُفّة المسجد) التي كانت في مؤخرة مسجد النبي e حيث كان ينزل فقراء المسلمين والرسول يؤمن لهم حاجاتهم.
وينسب إلى –الغوث بن مر –الذي سمي (صوفة) لأنه ما كان يعيش لأمه ولد. فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه (صوفة).
وينسب أيضاً إلى الصرف لأن ثمة علاقة بين ارتداء الصوف وبين التخفف من متع الحياة والميل إلى الزهد والتنسك والصوف ولباس الأنبياء. لذلك –الاشتقاق من الصوف أقرب الاشتقاقات واختيار الثوب الصوفي مسلك خاص يبنى على ترويض الإرادة والعزوف عن متع الحياة. وينسب الصوفية إلى الصفاء من صفاء الفكر والشوق والأنس والمعرفة والمحبة وتردد في تعابيرهم –صافي صوفي. تصفية. صفا –الصفوة ويقال إن (أبو حمزة الصوفي) أول من تكلم في بغداد في مذهب الصوفية. وأول من سمي (بالصوفي).
وهناك أربعون تعريفاً للصوفية.. منها:
الصوفي لا يكدره شيء.. ويصفو به كل شيء.
الصوفي من صفا من الكدر. وامتلأ من الفكر. وانقطع إلى الله عن البشر. الصوفية. قوم صفت قلوبهم من آفات النفس وتحرروا من الشهوات.
الصوفية. من ذوي المشاعر الرقيقة الحساسة..
والصوفية. تصفية القلوب من ضعفها الذاتي.
أما المعرفة هي غاية الطريق الصوفي، وموضوع المعرفة التوحيد.
فالتصوف: تيقظ فكري يوجه النفس الصادقة إلى المجاهدة لتحظى بمذاقات الوصول بالاتصال بالوجود المطلق.
والملامح مشتركة بين التصوفات الإنسانية..
التصوف الهندي. الصيني. الرهبنة في المسيحية. متصوفة القرون الوسطى. والتصوف الإسلامي. ووجد التصوف ضمن تيارات -الغنوصية المجوسية. البوذية. الصيفية. الأفلاطونية..
يقول الجنيد –أن يختصك الله بالصفاء.
فمن أصطفى من كل ما سوى الله فهو صوفي
...........
لوائح التصوف في الشعر الجاهلي
في فطرة العربي صفاء وحيوية وظمئت بعض النفوس المتفتحة إلى تحقيق مثالية –وكان –الحنفاء –رواد وعي يقظ وفكر حر، وحاولوا تغيير وجه الحياة الفكرية بالتجربة الروحية وأفكارهم حملت لوائح مبكرة للتصوف وكلمة –حنيف –حسب مدلولها القرآني يراد بها الدين الأول الفطري. ثم استعملت بعد ظهور الإسلام. والحنيف يوصف بالراهب وإن لم يتنصر مثل أمية الصلت. وقيس بن صرمة والملك النعمان ترك ملكه وقصره في الخورنق والتحف بالكساء وساح في الأرض وقال: أي درك هذا الذي ملكته اليوم، ويملكه غداً غيري وكذلك إبراهيم بن أدهم. في العقود الإسلامية خلع عن نفسه الإمارة حين أعياه التفكير في متع الحياة الزائلة. والحنيف يتصف بالتسامح الديني بقولهم:
إن الأديان جميعاً تنشد جوهراً واحداً مهما اختلفت الطقوس.
والمسيحية قريبة المنال من الصوفية ولقد وصف القرآن الكريم –رهبان المسيحية –لأنهم أقرب إلى المؤمنين مودة ومحبة.
الصوفية في الأثر الإسلامي:
في الإسلام ينابيع نهل منها الصوفية خاصة في القرن الثالث.
والصوفية تمثل الرسول الكريم أنه محور الحب الأول.
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريمك "ويسألونك عن الروح. قل الروح من أمر ربي" وقد قيل –ازهد في الدنيا يحببك الله –وازهد ما في أيدي الناس يحببك الناس. فالزهد طريق إلى الحب.
وقيل: أسألك لذة النظر إلى وجهك. والشوق إلى لقائك –وصارت عبادة الله خالصة. ورؤية الحبيب أمل الصوفية وما يحدث لهم من جذب هو التقاء المد الإلهي. بالوجد الإنساني وقال الرسول الكريم:
واتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله.
وانعكست نظرة الشمول على الأديان في قوله الكريم:
"رحمتي وسعت كل شيء..".
وفي القرن الثالث الهجري انتشرت الصوفية وأصبحت بغداد قصبة الحركة الصوفية. وظهرت مدارسهم ولكل مدرسة مريدون وشيخ واتخذت الصوفية طابع الحب بعد تقلص الإرادة الإنسانية وذوبانها في الإرادة الإلهية وامتدت الصوفية إلى مصر ورائدها – ذو النون المصري. ثم انتشرت في العالم الإسلامي وأسسوا أصول المعرفة والمحبة.
وظهر الحب العذري حين يتحول العاشق إلى شريد هائم يناجي الحبيبة الضائعة بأشعار خالدة وهكذا نجد أن الوجدان العربي لديه استعداد للحب البريء الحالم المضني وهذا الاتجاه الرومانسي باركه الإسلام لما فيه من نقاء وسمو وارتفاع عن الحب والطاقة الروحية امتزجت بهذا الحب وغمرته بالطهر والتعفف..
وقد قال مجنون بني عامر: ليلى أنا وأنا ليلى.
طقوس التصوف
1-المجاهدات –هي جهاد النفس والتغلب عليها.
ومنها: اً-التوبة –وهي منزل من منازل السالكين. وأول مقام من مقامات المنقطعين إلى الله. وتتمثل التوبة في شكل هاتف يزور في الصحو أو في منام مصحوباً برؤية وجه جميل أو صوت رخيم والشعر يسجل حركة النفس عندما تلوح الإشراقة عن طريق التوبة الصادقة حين يتطهر الظاهر والباطن ويمتلأ القلب بحب الله.
قال الوراق:
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع.
2-الزهد: يتميز بالتفوق وإراحة النفس من هموم الغد، والزهد لديهم معبراً إلى الحب المطلق.
ورابعة استجمعت قلبها وهمها في المحبوب ووهبت له حياتها:
تقول –
القلب فيه إن تنفس في الدجى
بسهام لوعات الهوى مجروح
قيل لذي النون –متى أزهد في الدنيا؟ قال: إذا زهدت في نفسك.
3-الرضا –ونفحة الرضا نفحة عذبه فيها الأمل برؤية الله والإنس به، والراضي لا يكره الحياة لأنه اختار بها ملاذاً وآيات الرضا قلة الطعام. السكون إلى الله. الفرار من الناس.
4-الافتقار –توجيه الإرادة الصادقة إلى الافتقار الدائم إلى الله عمر بن الخطاب –كان يرتدي وهو خليفة إزاراً فيه أربع عشرة رقعة الحارث المحابسي رفض ثروة أبيه ومات في أسوء حالة للفقر.
5-الصبر –صبر المحبين أقوى وأعنف من صبر الزاهدين تقول رابعة –يكون العبد راضياً إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة ويقول الشبلي –
صابر الصبر فاستغاث به الصبر
فصاح المحب بالصبر صبرا
وقاسوا إيمانهم بمقدار ما يختلج في نفوسهم من هلع وجذع وثبات واطمئنان حين يتعرضون في الفيافي إلى أخطار الليل والوحوش.
وقال الثوري:
عذبْ فلم يبق قلب
يقول للسقم مهلا
6-الخلوة والذكر –أقرب الرياضيات إلى الصوفي وأحبها إليه. لأنه يواجه نفسه وينقيها حتى تصفو وتنجلي. والخلوة والذكر مرتبطان بالوحدة أي الانفراد في التعبد. والصحبة هي الشيخ والمريدون. وظهرت مجالس الأصحاب. وحلقات السماع الصوفي أما الذكر هو ترديد أسماء –كاسم الله. أو الصلاة. أو قراءة القرآن. وانتشر القوالون والمنشدون في مجالس السماع وكانت مجالاً رائعاً للفن والأدب، وعبروا عن وجدهم حين يملؤهم الطرب بالرقص ويقول يحيى بن معاذ:
دققنا الأرض بالرقص
على غيب معانيكا
ولا عيب على رقص
لعبد هائم فيكا
وبهذا دنا الصوفية من أرباب الفنون والقلوب والأذواق.
2-المذاقات: هي الاتصال بالموجود المطلق عن طريق العشق والوجد وفيها يبدأ العبد رحلة السفر إلى ربه وتذويب الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية. والتنعم بمذاقات الحب والفناء في المحبوب، والتجربة الصوفية تذيب الفواصل التي تغلف الخافيات وتربط دائماً البحث بين كلمتي:
(السريات. أو التصوف والغموض).
وتدرجات الحب تملأ الوجدان بالمحبوب، وآية الصوفي أن يحيا بين الوجد والنقد. الصحو والمحو. والمنادمة. والمسامرة. والمناجاة حتى ينفذ إلى منطقة المعرفة. فالحب والمعرفة قمة المذاقات.
يقول الحسن البصري –من عرف ربه أحبه. ومن عرف الدنيا زهد فيها)
ونصوص الشعر الصوفية تقسم إلى:
الحب –الفناء –المعرفة
وقد حملوا الكلمة الشحنات النفسية –كالوجد. والفقد والهيبة والأنس. والتجريد. والسكر. والتغريد. والوقفة. والرهبة. والوله. والشطح. -. وتتميز اللفظة في شعرهم بالحيوية. والشفافية. والصدق.
وبذلك خلدوا تجربة حبّ كبيرة تقود الإنسان إلى التوحد بالإله.
1-الحب –في القرآن الكريم نجد كلمة الحب تتردد كثيراً. واعترف ابن عربي: أن لمحمد مقام المحبة حين اتخذه الله حبيباً. وقالت العرب –إن محمداً قد عشق ربه فالصوفية عادت بالحب إلى النشأة الأولى وخلق الكون. لأن الحب قوة دافعة أخرجت الكون من العدم. والحب وسيلة لكشف المعرفة.
-كنت مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق. فعرفوني –يقول المحاسبي:
المحبة منة إلهية أودع الله بذرتها في قلوب محبيه. وهذه المحبة طريق لكشف أسرار الوجود.
يقول أبو زيد البطامي:
سقاني شربة أحيا فؤادي
بكأس الحب من بحر الوداد
وينشد سمنون المحب:
يا معطشي بوصال أنت واهبه
هل فيك واحة إن صحتُ يا عطشي
ويقول الشبلي:
صح عند الناس إني عاشق
غير أن لم يعلموا عشقي لمن؟
فالحب محاط دائماً بالسرية والكتمان والمحبون وحدهم يحملون عذابه وضناه وخوف المحب من أذى البشر إذا وقفوا على سر حبه.
يقول أبو حمزة:
نهاني حيائي معك أن أكشف الهوى
وأغنيتني بالقرب منك عن الكشف
ورابعة تنشد:
أحبك حبين: حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى
فشغلي بذكرك عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشف الحجب حتى أراكا
2-النقاء.. لقد جرد الحب هؤلاء الأصفياء من طمع الثواب والعقاب
تقول رابعة: إلهي أغرقني في حبك حتى لا يشغلني منك شيء وتنشد –
كأسي وخمري والنديم ثلاثة
وأنا المشوقة في المحبة رابعة
ويقول الشبلي –
سميت الهوى محبة لأنها تمحو من القلب ما سوى المحبوب
3-المبادلة –
أجمل مذاقات الحب وتشمل الطوالع (أنوار التوحيد على أهل المعرفة فتطمس سائر الأنوار. واللوامع –تثبت من أنوار التجلي.
ويتم حب متبادل بين العبد والمحبوب حتى يتحد به ويستغرق في ذات الله يقول الشبلي:
رآني فأوردني عجائب لطفه
فمت وقلبي بالفراق يذوب
فلا غائب عني فأسلو بذكره
ولا هو عني معرض فأغيب
ذو النون ينشد:
إن بعدت قربني
أو قربت منه دنا
إذا تغيبت بدا
وإن بدا غيبني
4-الملازمة -
يعب العبد مدامة كأس العشق حتى تكون لديه طاقة ذاتية لينجذب إلى الحضرة الإلهية. وأحل الصوفية –الهجر والوصل –محل النار والجنة يقول الحلاج –
ولا هممت بشرب الماء من عطش
إلا رأيت خيالاً منك في الكأس
سمنون الحب
أحن بأطراف النهار صبابة
وفي الليل يدعوني الهوى فأجيب
وأيامنا تغنى وشوق زائد
كأن ندمان الشوق ليس يغيب
ذو النون –
وما تطابقت الأجفان عن سنة
إلا ورأيتك بين الجفن والحدق
5-رهافة الحس
تميزت الصوفية برهافة الحس. ورقة الذوق. وشفافية الوجدان، وقد مروا بتجربة الحب الإنساني قبل أن يدخلوا منطقة الحب الإلهي. ورأوُا نماذج من الحب البشري المتميز بالصفاء والطهر. ولا يعرف الشوق إلا من يكابده فتركوا تراثاً في الغزل ينم عن تجربة كاملة بالحب يتجلى فيها رقة الشعور وينشد الشبلي:
وعينان قال الله كونا فكانا
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر.
وينشد المغربي:
يا من يعد الوصال ذنباً
كيف اعتذاري ولي ذنوب
إن كان ذنبي إليك حبي
فإنني منه لا أتوب
والحلاج:
ولاهمت بشرب الماء من عطش
إلا ورأيت خيالاً منك في الكأس
وابن الفارض
من لم يبت والحب حشو فؤاده
لم يدر كيف تفتت الأكباد
والحلاج أيضاً:
يا نسيم الريح قولي للرشا
لم يزرني الورد إلاّ عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا
لو يشأ يمشي على قلبي مشى
3-الفناء يشرح ابن القيم (الفناء والبقاء) بأنهما وجهان لحقيقة واحدة فيقول: الفناء في التوحيد مقرون بالبقاء. وهو أن تثبت إلهية الحق تعالى في قلبك وتنفي إلهية سواه. فتجمع بين النفي والإثبات فالنفي هو الإثبات والإثبات هو البقاء والفناء يشمل:
-السكر –
تسبق حالة السكر مرحلة الغيبة وهي حالة بين الحب والفناء والسكر لأهل المواجيد فإذا كوشف العبد بنعوت الجمال حصل له السكر وطرح الروح وهيام القلب ويحدثنا ابن عربي أنه أولع بجمال فتاة حجازية ولعاً نفذ به من خلال جمال المخلوق إلى جمال الخالق وحالة غيبوبته كتب بها (ترجمان الأشواق) والسكر يكون على مائدة العشق الإلهي. حيث تشرق الطلعة بين نشوة المذاق ونشوة الاجتلاء.
يقول الشبلي:
ذكر المحبة يا مولاتي أسكرني
وهل رأيت محباً غير سكران
ذو النون يقول –إن الله يسقي محبيه من كأس محبته
أبو يزيد البسطامي –
شربت الحب كأساً بعد كأس
فما نفذ الشراب وما رُويت
يحيى بن معاذ: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته
الجنيد:
لي سكرتان وللندمان واحدة
شيء خصصت به من بينهم وحدي
سكران سكر هوى وسكر مدامة
فمتى يضيق فتى به سُكران؟
الشطح –هو حركة أسرار الواجدين إن فاض وجدهم
يقول أبو زيد البسطامي في شطحه:
أهل الحج يطوفون حول البيت فيطلبون البقاء. وأهل المحبة يطوفون حول العرش يطلبون اللقاء.
ويقول.
محوت اسمي ورسم جسمي
سألت عني فقلت أنت
فأنت تسلو خيال عيني
فحيثما درت كنت أنت
سئل: بأي شيء وجدت هذه المعرفة؟.
قال: ببطن جائع.. وبدنٍ عارٍ.
من حكاياته: بينما هو واقف على جبل عرفات إذ قالت له نفسه: من مثلك يا أبا زيد، حججت خمساً وأربعين حجة، وقرأت عشرة الآلف ختمة فنادى: من يشتري مني خمسة وأربعين حجة برغيف خبز فقال رجل: أنا فأخذ منه الرغيف وألقاه إلى كلب جائع..
الجنيد يقول –لا تصح المحبة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر يا أنا.
وروى الشبلي:
أن متحابين ركبا بعض البحار فسقط أحدهما في البحر وغرق وألقى الآخر نفسه فانقذا قال الأول لصاحبه: لِم رميت نفسك في البحر؟.. قال له: أنا غائب بك عن نفسي توهمت إني أنت.
زوال الحجب –ترتقي العبادة في ولهها حتى لا تعني بما يحمله القلب، فتتغلغل إلى جوهر الطقوس.
يقول الجنيد قالت النار: يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟
قال: نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى.
قالت: وهل نارك أعظم مني وأشد؟
قال: نعم.. نار محبتي. أسكنها قلوب أوليائي المؤمنين.
والبعض وجد أن الأحلام لا تخضع للقيود والحدود التي يخضع لها الوعي وتتصل بعالم آخر في المنام وتصبح أصفى وأنقى.
يقول شاه الكرماني:
رأيت سرور قلبي في منامي
فأحببت التنفس والمناما
غلبة الشهود –
الاستغراق في التجربة دون تعثر أو تساؤل فالصوفي يدخل عوالم مضيئة إلى مائدة العشق الإلهي في غيبة الوعي لمشاهدة الله.
يقول الحلاج.
رأيت ربي بعين قلبي
فقلت من أنت قال أنت!
وأبو يزيد:
وده ودي
وودي وده
عشقه عشقي
وعشقي عشقه
المعرفة –هي غاية الغايات من رحلتهم المضنية، والقلب لا يخطئ أبداً ومن امتلأ قلبه بالحب الحقيقي شعر أن ملاذه ليس هذه الأرض الفانية إنما يجد الطمأنينة وصفاء المحبة بالأنيس إلى الله تعالى يقول القديس أغناطيوس:
إن ساعة تأمل واحدة علمتني حقائق كثيرة أكثر مما أفادته تعاليم رجال الدين جميعاً –
ورابعة تنشد:
حبيب غاب عن بصري وشخصي
ولكن في فؤادي ما يغيب
والحلاج:
لي حبيب أزوره في الخلوات
حاضر غائب عن اللحظات
والجنيد يقول:
ولما أراني الوجد أنك حاضري
شهدتك موجوداً في كل مكان
ويقول ذو النون
تخبط أهل الفلسفة. بينما مشى المحبون له في طريق الضياء
والحلاج يستغرب قائلاً:
وأي الأرض تخلو منك حتى
تعالوا يطلبونك في السماء.
خاتمة التراث الخالد:
التوحيد أنصع فكرة في المعرفة الصوفية وتعرضوا للتعذيب والصلب وتحملوا كل اضطهاد حتى ارتقوا إلى مستوى الحب المطلق. ولم يكن التوحيد الصوفي دعوة فلسفية إنما كان نمطاً للحياة والمعرفة الصوفية تعكس العالم الأسمى.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
"إن الذين آمنوا. والذين هادوا –والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
وبذلك انعكست نظرة الشمول على الأديان لأنها مكرسة لحقيقة واحدة وجوهر واحد. فالتجربة الصوفية تفوق والفلسفة لأنها تذيب الفواصل وتقود الإنسان إلى أسمى درجات الحب وهو الخير المطلق.
فالحب حركة دافعة أخرجت الكون من العدم وكان الوسيلة لكشف المعرفة الإلهية. فالحب منحة إلهية. وقد ابتدع الإنسان الحب لفرط إيمانه بالحياة، وبالحب اهتدى إلى الله.
فمذهب الصوفية إنساني وحاولوا تغيير الحياة الفكرية بالتجربة الروحية وجعلوا القلب الإنساني عرشاً للرحمة والمحبة والتسامح.
ليلى مقدسي
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

عادل سلطاني 14 / 10 / 2010 49 : 09 PM

رد: التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 
السلام عليكم ورحمة الله تعاللى وبركاته
أهلا مبدعتنا الفاضلة " ليلى مقدسي" وهاتشرق علينا شمس أزمنة بوحك من جديد فتتجلى أشعتها الشقراء من ثنايا لوحتك الصوفية الرائعة " التصوف أجنحة محبة " أجل أيتها الفاضلة ..دعينا أختاه نستحم في ينابيعك النورانية المفتوحة على الملكوت بعيدا عن الطين الناسوتي وها تفتح الأرواح خيامها الشفيفة للقاء الطاهر الصرف المحلق بأجنحة من النور حيث تجليات الحقيقة ولاشيء إلاها .. جميلة هذه الرحلة بين الشيوخ والمريدين تحدو الجميع لغة الروح ...
تحياتي أختاه

نصيرة تختوخ 01 / 04 / 2012 32 : 10 AM

رد: التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]مقال شامل مفيد سلط الضوء على أكثر من جانب من جوانب الصوفية ومميزاته.
شكرا على إدراجه و تقديري لبحثك المفيد.
تحياتي [/align]
[/cell][/table1][/align]

د. منذر أبوشعر 01 / 04 / 2012 28 : 12 PM

رد: التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 
الآنسة ليلى مقدسي :
لي سكرتان وللندمان واحدة .
.. ونغرق معك في عوالم التصوف ..
ونفتش عن النفس الضائعة في كدر الطين ، فنرى أنها تلاشت ، وتوحدت مع فضاءات الكون .
كل التقدير لك ، ونبقى مع رائق صحبة نور الأدب .

منجية بن صالح 15 / 04 / 2012 32 : 11 PM

رد: التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 



تحية محبة و تقدير للأخت الغالية ليلى المقدسي على هذا البحث الجميل و المتكامل و الذي يطلعنا على جمال آخر تبدع فيه الروح بالمشاعر الراقية و الكلمة الصادقة لتدخلنا إلى عالم نفتقده و نتوق للتواصل معه

كل التحية و التقدير

محمد جادالله محمد 07 / 06 / 2012 30 : 07 PM

رد: التصوف أجنحة محبة ـــ ليلى مقدسي
 
الاستاذة ...ليلى مقدسى ..تحياتى لك ..
قرات ..واستطعمت..واسمتعت ..من ما قدمتيه على مائدة التصوف من صحاف ممتلئة ودسمة للغاية
فليست الصوفية كما يدعى البعض جوع وحرمان ....انما هى متعة التقلب فى النعم بالقرب من الرحمن..
فمن ذا يكون فى هذا القرب ويشتكى النقصان...
ولو تسمحى لى بقطرة من الدلو..
الصوفية على حد علمى هى حالة مسلمة....امامها سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم... حين قال
رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر....
طريقها ...قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله.............اى اتباع الرسول فى كل شئ.....
هدفهم وعايتهم..هو ما جاء بحديث رسول الله صل الله عليه وسلم....انا اول من يحرك حلقة باب الجنة
ومعى جماعة من فقراء المسلمين.... اذن هم جماعة الصوفية خلف رسول الله وحوله صل الله عليه وسلم
والوصول ..اما ان يكون مناا من الله ....واما ان يكون ثوابا على الاجتهاد.....
.والاجتهاد ..يبدا بالتخلى ... اى بالتخلى عن الخطايا والذنوب والمعاصى...وكل ما يلهى القلب...
..ثم التحلى بالذكر ..والطاعات ...وحب رسول الله وال بيته الطيبين الاطهار....
..وذلك طاعة لرسول الله فى حديثه ...حبوا الله لما انعم عليكم به من نعم.... وحبونى لحبكم لله
..وحبوا ال بيتى لحبكم لى عليه وعلى ال بيته الصلاة والسلام
..وشكرا استاذة ليلى
محمد جادالله محمد


الساعة الآن 19 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية