![]() |
مجموعة أرض البرتقال الحزين.. (3) السلاح المحرم
السلاح المحرم بقلم غسان كنفاني بدأت القصة كما يلي: كان أبو علي عائدًا إلى داره، لقد أقفل دكانه قبل المغيب بسبب توعكه وأراد أن يذهب إلى البيت فيستريح على الكرسي الصغير أمام الباب قبل أن يتناول عشاءه ويأوي على الفراش، ليس يدري سببًا لتلك الوعكة، ربما كان الغداء الذي حمله معه في الصباح بعد أن وضعته ام علي في طاسة نحاسية كبيرة قد فسد، لأنه من طبخ أمس، ربما كان الطقس الذي يتباين بين ساعة وأخرى هو السبب، وعلى أي حال فضل أبو علي أن لا يبقى في الدكان، وإذا كان لا بد من حدوث أي حادث، لا سمح الله، فليكن إذن بين الأهل، بين ذراعي أم علي، وعلى مرأى من علي. هذا هو السبب الذي جعله يمر بساحة القرية في ذلك الوقت بالذات، ولو لم يصبه التوعك إذاً لما كان مر من هناك، وإذاً لما حدثت القصة كلها.. على بعد خطوات منه في الطرف الآخر للساحة المبلطة، كان بعض شباب القرية ورجالها يلتفون حول شيء ما بصورة دائرية ملتحمة، لقد حاول أبو علي أن يخمن الحقيقة من مكانه، إلا أنه لم يفلح، لو كان الأمر عادياً إذاً لما وقف عبد الله إلى جانب فاروق، فإنهما يكرهان بعضهما كراهية مقيتة، لا بد إذاً أن يكون الأمر خطيراً، وهنا أيضًا، لو لم يسيطر عليه الفضول، لما حدثت القصة كلها، ولكنه غير اتجاهه وسار، رغم توعكه، إلى حلقة الرجال يستطلع الخبر، وقبل أن يصل إليها تماماً شاهد، من بين الأكتاف المتمايلة، سيارة جيب يقف إلى جانبها جندي أجنبي بلباس الميدان الكاملة معلقاً على كتفه بندقية جديدة. وتذكر أن هذا الجندي كان قد أتى مراراً على القرية بغية أن يقيم فيها، إلا أن أهل القرية كانوا يرفضونه دائماً، ليس لشيء آخر إلا لأنه كان يحمل معه سلاحه، وكان أهل القرية يقولون أن السلاح بيد الإنسان إغراء للقتل، ومن الذي يستطيع أن يضمن هذا الجندي فلا يطلق الرصاص يجب أن لا يطلق على الناس، الرصاص يجب أن يطلق على الضباع، كانت هذه هي الفكرة التي قادته إلى الحلقة، وفي تلك اللحظة بالذات فهم كل شيء، ورغم ذلك، فقد بادر أقرب الناس إليه بالسؤال كأنه يريد أن يبرر انضمامه إلى الحلقة: - ماذا يحدث هنا؟ قال الرجل الواقف إلى جانبه: - لقد ذهب الضابط إلى بيت المختار وبقي الجندي واقفاً هنا. - - إذاً لقد حضر الضابط معه؟ - نعم، ذهب يتحدث إلى المختار.. عله يقبل هذه المرة.. - وأنتم؟ - الرجال يريدون خطف بندقيته. اندس في الصف الرابع فوسع له الرجال موطئ قدميه، إلا أنه خطا إلى الأمام ودافع الرجال بكتفيه وكفيه حتى صارفي الصف الأمامي، وصار الجندي أمامه مباشرة على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار، ومن مكانه ذاك استطاع أن يقيس البندقية إنها من طراز حديث، مشطها يتسع لثماني طلقات، وتبدو جديدة لا مجروحة ولا صدئة، وقال في نفسه أن ثمنها لا بد وان يكون فوق المئة جنيه. قال للرجل الواقف إلى جانبه: - من الذي يريد خطفها؟ لم يقرر أحد بعد، انظر إلى عينيه الزرقاوبن كيف تغزلان، إنه ملعون حذر ككلب الصيد. فكر أبو علي قليلا ً ثم قر قراره فجأة. لقد هبط العزم هبوطاً داوياً في رأسه فنسي وعكته وتذكر شيئاً واحدًا فحسب، هو أن الجندي المسلح يجب أن لا يبقى هنا، وإذا ما خطفت البندقية منه، فلا بأس أن يبقى، لأنه، عند ذاك، لن يختلف عن البقية ولن يكون ذا ضرر قط.. إذاً، يجب أن تخطف البندقية، لقد كان القرار نهائياً.. ولكن الأمر لم يكن سهلاً، صحيح أن السكين الطويلة غير مثبتة في ماسورة البندقية إلا أنها تتأرجح هناك على حزام الجندي وإذا أراد أن يصل إليها فإنه لا يحتاج إلى وقت طويل، ثم إن الضابط قد يرجع بين لحظة وأخرى.. ولذلك فالقضية ليست قضية لعب.. وإذا أراد المرء أن يقوم بعمل ما فيجب أن يحسب للأمور حسابها من كل الزوايا. وقبل أن يسوي أبو علي الأمور في رأسه، قرر أن يستشير الجماعة، فصاح بأعلى صوته كي يسمعه كل الرجال: - يا شباب من الذي سيتقدم..؟ إلا أن أحداً لم يجب، وكل الذي حدث هو أن بجميع العيون صوبت إليه، بما فيها تلك العينين الزرقاوين للجندي الواقف في وسط الدائرة.. كان خائفاً لأنه كان يعرف أن أية حماقة تسبب له نهاية عاجلة على أيدي أولئك الرجال الملتفين حوله كالأسورة. صاح أبو علي مرة أخرى: - سآخذها أنا يا شباب. وأتاه صوت من طرف الحلقة المقابلة: - أنت سيدها يا أبا علي. كرر بصوت أعلى كأنما ليبعث الحماس في نفسه: - سأخطفها منه.. قال نفس الصوت: - إنها حلالك.. صاح مؤكداً: - إنها حلالي، سآخذها.. وفكر قليلاً، ثم نظر حواليه وقال بصوت خفيض: - حين تصير البندقية في يدي وسعوا لي طريق الهرب، وإذا حاول أن يلحق بي سدوا الطريق بوجهه. - معقول يا أبا علي، اعتمد علينا. - سأعتمد عليكم.. ثم قال في نفسه: "والآن إلى العمل"، وحين نظر إلى الجندي وجده يحدق به، وكانت لحظة خوف واحدة ما لبث أن عبرت بسرعة: انحنى وخلع نعليه ثم سلمهما إلى رجل كان يقف إلى جانبه دون أن يقول له حرفاً واحدًا، لقد بدأ الجد الآن، والنعل لا شغل له إلا بعرقلة الركض حين يكون الركض في أوجه، شال الكوفية والعقال عن رأسه ثم أسقط العقال في عنقه وربط الكوفية تحت خاصرتيه، وانحنى فرفع طرف ردائه وثبته تحت الحزام في وسطه، ذلك حري بأن يعطي اتساعاً لمدى ساقيه حين يبدأ العدو، أما السروال الأبيض الطويل الضيق عند رسغي الساقين فإنه لن يعيق شيئاً. على بعد ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار كان الجندي الواقف مع بندقيته قد فهم كل ما يجري، إلا أنه بقي يحدق، دون أن يقدر على عمل إيما شيء.. وكان أبو علي يعرف بأنه لن يستعمل سلاحه الذي، ربما لم يكن محشواً أيضاً.. لقد كان واقفًا هناك بشكل لا يحسد عليه أبداً.. غير قادر على اكتشاف ماذا يتعين عليه أن يفعل مكتفياً بالنظر إلى أبي علي وهو يقوم بإعداد العدة على أكمل وجه، وحين شبك أبو علي طرف قنبازه إلى وسطه رفع الجندي بندقيته على كتفه، وثبت كتفها على الأرض، أمامه مباشرة، ثم لف حزامها الجلدي الخشن حول ساقه لفتين محكمتين، وصفق كعبي حذائه الضخم ببعضهما متفرغاً لمراقبة أبي علي من جديد. قال أبو علي للرجل الواقف إلى جانبه والذي كان قد وضع النعلين تحت إبطيه وشبك أصابعه وراء ظهره: - لقد أفسد الأمور هذا النحس، انظر ماذا فعل! الملعون يريدني أن أخطفه مع البندقية!. - قال الرجل بهدوء: - فكها من حول ساقه.. - كيف؟ - اطرحه أرضاً.. إلا أن أبو علي لم يعد بوسعه أن يغير رأيه، لقد قطع نصف الطريق تقريباً، ومن العار الآن أن يفك قنبازه عن وسطه ويستعيد نعليه، وكان الجندي ما زال يحدق إليه وشفتيه ترتجفان والخوذة تلمع فوق رأسه المحروق.. فرش أبو علي ذراعيه على وسعهما ودفع الرجال الواقفين حواليه إلى الوراء خطوة، ثم اندفع بخطوات ثابتة إلى وسط الساحة، كان الجندي قد أدرك أن المعركة قد بدأت فشد كفيه على ماسورة البندقية وأدناها من صدره دون أن ينزع بصره عن وجه أبي علي الذي صار أمامه مباشرة، على بعد خطوة واحدة فحسب، وقف، ونظر إليه مباشرة في عينيه وخيل إليه أن صوتاً باهتاً قد رجف وراء ظهره صائحاً: - آه يا أبا علي يا سيد الرجال! مد ذراعيه: صلبتين مستقيمتين، وشدّ كفيه حول ماسورة البندقية فوق كفي الجندي ثم جذب جذبيتن خفيفتين ليقيس قوة الجندي، وحين لمس تشبثه بسلاحه شدّ بعنف، إلا أن الجندي قاوم الشد بأن قرب البندقية إلى صدره وقد تصلب جسده أكثر فأكثر واحمر وجهه، وحين شد أبو علي بكل قوته انزلق حذاء الجندي على بلاط الساحة ووقع على ظهره، وبسرعة شديدة دور أبو علي البندقية دورتين فانفك حزامها عن الساقين الملوحتين في الهواء، وتلقف البندقية بكفيه الكبيرتين الخشنتين، وبسطها أمام صدره محدقاً إليها بجذل، ثم صاح بصوت عال: - وسعوا الطريق يا شباب! ومن خلال الفرجة الضيقة التي انفتحت في المكان الذي كان يقف فيه انسرب أبو علي بخفة ورشاقة، ثم انغلقت الفرجة بأكتاف الرجال من جديد، فيما كان أبو علي يطوي الأزقة الموحلة متجهاً إلى داره. ولكن أبا علي لم يصل إلى داره. أخباره وأخبار البندقية ضاعت، ولو كان أبو علي رجلاً عادياً والحادث حادثاً عادياً إذاً لما اهتم أحد قط، ولكن الموضوع هو أن أبا علي ليس رجلاً عادياً، فبيته مترع بزوجه وأولاده، وهو رب عائلة مستقيم، ليس ذلك فحسب، بل إن بيت أبي علي هو البيت الأول في القرية، إنه يقع على الحافة الغربية، فوق تلة مزروعة بالزيتون، ولقد كان هناك، منذ وعي الناس هناك، قبل أن يولد أبو علي، بل قبل أن يولد جده، ولقد توارثوه واحداً عقب الآخر بصمت وانتظام، وارثين معه كل تلك الواجبات التي التصقت بالبيت منذ أن وعي الناس البيت. كان بيت أبو علي باب القرية وحدّها الغربي، وفي الأحراش الممتدة تحت تل الزيتون كانت تكثر الضباع التي كانت تزحف إلى القرية إذا ما اشتد البرد في حمأ الشتاء بحثاً عن الطعام وربما الدفء، وكان بيت أبو علي قد حمل- دون أن يكلف من قبل أي إنسان- مهمة صد الضباع في كل شتاء ذلك لأن الحد الفاصل بين الأحراش وبين القرية وقد سلم سكّان القرية بذلك لأنهم لا يعون متى لم تكن الأمور كذلك.. والآن تأتي قصة البندقية من جديد، لقد ارتاح الناس لتلك الصدفة التي جعلت من أبي علي صاحب بندقية جديدة، لقد أن الأوان لأبي علي أن يمتلك بندقية يستعيض بها الفاس الذي كان يستعمله في محاربة الضباع كل شتاء، فالشتاء الآن صار على الأبواب، ولابد لأبي علي أن يمتلك تلك البندقية. ولكن الأمور لم تسر كما اشتهوا واشتهى، فبعد يومين من الحادث تمكن بعض الضباع من الوصول إلى البيت والتحويم حوله طوال الليل، وفي لمحة خاطفة تغير كل شيء. أم علي خافت على أولادها فأرسلتهم الى القرية ليكونوا بعيدين عن ذلك الرعب وبقيت هناك تنتحب على زوجها وعلى مصيرها، وكانت الضباع تتكاثر ليلة بعد ليلة محوّمة حول البيت مرسلة هواءها الحاد في صمت القرية، باعثة فيها الرعب.. على أن لغز أبي علي لم يكن أقل وطأة، وكانت الأحاديث كلها،- في الدواوين المغلقة وفي بيت المختار- تدور حول أبي علي: أين ذهب؟ ماذا حدث له؟ تراه ذهب إلى قرية أخرى فباع بندقيته وتزوج امرأة أخرى؟ أم تراه قتل ودفن دون أن يعرف الناس؟ بقيت الأسئلة تدور في أجواء المدينة بلا كلل ولا توقف، حتى أن الأمور الأخرى كلها ضاعت في حمأ الشك والتساؤل، لم يعد أحد يهتم بموضوع البيت أو عائلة أبي علي التي توزعت في أزقة المدينة، وحين ذهب علي إلى بيت المختار يسأله النصح وجد القاعة مليئة بالرجال الذين كانوا يتصايحون ويناقشون قصة أبي علي بكل دقائقها، وعبثًا حاول أن يصل إلى المختار، لقد كان الرجال يسدون عليه طريقه كلما خطا خطوت، وأخيراً لم يجد بدًا من أن يعود أدراجه إلى الطريق. .. ضم أبو علي البندقية إلى صدره وأخذ يعدو في الأزقة الموحلة متجهاً إلى داره. كان العرق قد بلل ظهره وصدره وكان يحسه يصفعهما بالبرودة كلما اصطفق الهواء بينهما وبين ثيابه، إلا أن ذلك لم يقلل من عزمه على المضي بها إلى البيت، كانت ثقيلة، وكان يحس ثقلها يزداد بين ذراعيه كلما دار حول منعطف أو عبر قنطرة، وحين بدأ صدره يخفق بسعال مجروح عميق تذكر انه مريض وأنه أغلق دكانه مبكراً كي يستريح من عناء وعكته، ولكنه حين أحس الثمن بين ذراعيه: بندقية جديدة ذات مشط يتسع لثماني طلقات، تبسم برضا، وتذكر تلك الليالي الباردة الصامتة التي كان يقضيها جالساً وراء الشباك محدقاً في الظلمة كالقط، حتى إذا ما شاهد شبح الضبع أو شم رائحته الكريهة قام إليه خفيفاً محني الظهر وقد تصلبت كفاه على ذراع الفأس، من الباب الخلفي، فيصير الضبع محصوراً في الحديقة الصغيرة غير المزروعة إلا بكوخ صغير لإيواء الدجاج، ثم يقع العراك، لحظة أو لحظتان وتخرج أم علي لتسحب جثة الحيوان الكريه وتقذفه من أعلى التل إلى الغابة مرة أخرى.. لا، لن يحدث ذلك مرة أخرى الآن، من النافذة الخشبية سيطلق رصاصة واحدة حين يبدو الشبح المخيف، ولن تخاف الخروج إلى الحديقة الجرداء حين تتكاثر الضباع، كما حدث في الشتاء الماضي، لا! ها هي ذي بندقية يتسع مشطها لثماني طلقات.. ضمها على صدره بحنو دون أن يكف عن الركض بكل ما في وسع ساقيه أن تنفرجا، ورغم لهاثه وسعاله فقد كان يسمع صوت حذاء الجندي الضخم يخفق وراءه غير بعيد، متجاوبة أصداؤه الثقيلة بين جدران الطين الحانية على بعضها فوق رأسه، وفجأة اعترض طريقه شبحان فوقف، وكان صفير لهاثه المبحوح يرتفع وينخفض بانتظام.. - هاتها؟! قال أحد الرجلين بصوت جاف ومدّ ذراعيه باسطًا كفه على وسعها كما لو أنه كان يتوقع أن يضع أبو علي البندقية فيها.. إلا أن أبا علي أرجع البندقية على جنبه ووضع كتفه الآخر في الطريق بينها وبين كف الرجل المبسوطة.. ومنعه لهاثه من الكلام، بينما كرر الرجل بجفاف: - هاتها.. ألا تسمع؟ بلع أبو علي ريقه وقال بصوت واهن: - إنها حلالي.. - لقد رأيناك تسرقها.. هاتها.. - إنها حلالي. - هاتها.. رجع أبو علي إلى الوراء خطوة، كان صوت حذاء الجندي قد علا حتى ملأ كل صمت الزقاق. استطاع أن يميز أصوات أخرى ترافق الجندي، ربما يكون الضابط قد انضم إلى جنديه، بل ربما المختار ذاته، لعنة الله عليك، ربما كانت القرية كلها ماضية بملاحقته.. تلّفت بسرعة إلى الوراء ثم عاد يحدق في الرجلين الواقفين في الظل.. - لقد عرفتكما.. افسحا الطريق، إنهم ورائي. تقدم أحد الرجلين فأمسك به من عنقه، بينما أبعد أبو علي البندقية على مدّ ذراعه إلى الوراء، وأحس بأنه على وشك أن يختنق.. - هاتها أو خنقناك. - عرفتكما.. وفكر بوجل: "كيف حدث أن اتفقا معاً رغم كل الكراهية التي يحملانها لبعضهما".؟ وصاح بكل ما بقي في حنجرته من متنفس: - عرفتكما، اتركاني.. - أعطنا إياها وإلا قتلناك.. تلفت أبو علي إلى الوراء، وخيل إليه أنه رأى أشباحًا تتمايل في أول الزقاق فقام بمحاولة عنيفة للخلاص إلا أنه لم يستطع أن يتحرك أنملة، وكان في الوقت ذاته واثقاً من أن يده القابضة على البندقية لن تفلتها شياطين الأرض مجتمعة إلا إذا فلتت يده، من أعلى الكتف، معها.. ولذلك وضع كل قوته في صوته: - لسوف نموت جميعاً.. اتركاني! - أعطنا إياها. - مستحيل. نظر الرجلان خلفهما، ثم قال أحدهما للآخر: - والآن ماذا؟ أجاب الآخر بسرعة: - حاول أن توقفهم، تحدث معهم، ابق هنا. تركه أحد الرجلين بينما أمسكه الآخر من مؤخرة عنقه ومن ذراعه ودفعه أمامه بعنف فانطلق يركض مرغماً تحت وطأة القبضات المتحكمة في عنقه وذراعه. كان أبو علي مرهقاً، وقد زاد التوقف والرعب من إرهاقه وكانت القبضات تشد على عنقه وذراعه بلا رحمة، ورغم ذلك فقد ميز فجأة بأن الطريق الذي يعدو فيه ليس طريق بيته، حاول أن يلتفت، إلا أن قبضة الرجل لم تسمح له. كان يحس بأنه قد استنزف، وأن السعال المجروح المنطلق من أعمق أعماق رئتيه سوف ينتزع حنجرته ويلقي بها إلى الأرض، لا، ليس طريق بيته هذا الطريق.. مرة أخرى حاول أن يتملص أو يقف إلا أن وطأة القبضتين ازدادت حدة وعنفاً وشراسة، وأحس فيما كان على وشك أن يبكي بأن لا مناص. بيروت- 1962 |
الساعة الآن 56 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية