قراءة في كتاب إسرائيل الآن صورة بلد مضطرب
 

قراءة في كتاب
(إسرائيل الآن صورة بلد مضطرب)
محمد توفيق الصواف
في عام 1994، صدرت عن دار (ديلاكورتيه برس)، في نيويورك، الطبعة الأولى من كتاب (إسرائيل الآن/صورة بلد مضطرب) لمؤلفه (لورانس ماير)، وهو أمريكي من شيكاغو، ظل يشتغل ثلاثة عشر عاماً لحساب صحيفة (واشنطن بوست)، وكان أحد الذين كتبوا في فضيحة (ووترغيت) والعديد من القضايا الاقتصادية والسياسات الخارجية، بالإضافة إلى كونه مؤلفاً لروايتين هما: (جريمة في الكابيتول) و(جبهة زائفة). وأهمية كتابه عن إسرائيل، تكمن في أنه لم يتخيل معطياته أو أنه سمعها ثم أرودها كما سمعها، بل في كونها حصيلة مشاهداته أثناء انتقاله للعيش مع أسرته في إسرائيل لمدة عامين، لدراسة المجتمع الإسرائيلي عن كثب، والحديث عن واقعه بأمانة وصدق وموضوعية.
في كتابه (إسرائيل الآن/صورة بلد مضطرب) يشرح لورانس ماير الطبيعة المتناقضة للمجتمع الإسرائيلي، فيشير إلى أنه مجتمع يعاني من تكاليف أمنية متزايدة ومن ديون خارجية هائلة، وتضخم مالي مرتفع، ويبين أنه مجتمع علماني مع أن اليهودية تجره إليها، ومجتمع صناعي مع أنه تقليدي ولم يكن موجوداً قبل عام 1948، ومجتمع يحاول أن يكون ديموقراطياً مع أنه لا يملك تجربة تاريخية سابقة في الرأي الحر.
ويصور ماير في كتابه آنف الذكر، حياة الإسرائيليين، فيشير كيف أنهم محكمون بعقدة المسادا، وكيف أنهم مع احترامهم للتفاؤل، تجدهم يفتقدونه في حياتهم الواقعية لأنهم لا يكفون عن التفكير بأنهم يعيشون داخل حدود جغرافية ضيقة، وأن إسرائيلهم تفتقر إلى الموارد الطبيعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تجدهم يعانون، وباستمرار من نتائج عقدة الوهم بأنهم قلة يعيشون وسط محيط معاد لهم، هذه العقدة التي ما ينفك قادتهم يضخمونها في أوهامهم على الدوام..
ومما يشير إليه ماير، في هذا الكتاب أن الإسرائيليين يكرهون التعبير عن العواطف، ويعيشون في الحاضر. ومع أنهم يدعون التحرر والتحضر، فإنهم يجعلون المرأة تقف في مكان خلف الرجل، ورغم احترامهم للعمل، تراهم يعيشون في ظل مستوى حياة مرتفع لا يطيقون التنازل عنه، ويعتقدون أن أي سياسات تقشفية مستقبلية من شأنها إحداث هجرة مضادة..
وعلى صعيد العلاقات القائمة بين شرائحهم المختلفة، يشير ماير إلى أنهم، في بنيتهم المجتمعية يعانون من توترات دائمة، ومن اتهامات مضادة ومشاعر كراهية متبادلة بين الإشكنازيم والسفاراديم. وعلى الرغم من المظهر الديني لدولتهم، بوصفهم دولة اليهود واليهودية، تراهم يتعاملون مع عالم الرذيلة وتجار المخدرات والقوادين والمحتالين والمرابين ولصوص السيارات والعاهرات.
ومما له أهميته بين الإشارات الأخرى التي يوردها ماير، في كتابه هذا، أن معرفة الإسرائيليين للطبيعة المتناقضة لمجتمعهم هي التي حملت كثيرين منهم على الاعتقاد بضرورة عقد ميثاق سلام مع الفلسطينيين. ومما عزز هذا الاعتقاد لدى أصحابه معرفتهم أن الإسرائيليين لا يطيقون العيش في ظل إجراءات أمنية باهظة التكاليف لفترة طويلة، خصوصاً وأن هذه التكاليف الباهظة هي في معظمها مساعدات خارجية من الغير، ومن الصعب استمرارية تدفقها عليهم لإنفاقها في قمع الآخرين ومنعهم من الثأر لهذا القمع. وثمة سبب ثالث زاد في تعزيز اعتقاد البعض بأن السلام ضروري لإسرائيل بقدر ضرورته للفلسطينيين، وربما أكثر، وهذا السبب هو أن المجتمع الإسرائيلي يغلب عليه المثقفون ويفتقر إلى الشغيلة، الأمر الذي يجعله مجتمعاً غير متكامل، وبحاجة دائمة إلى اليد العاملة الفلسطينية. ومع ما يسببه إدراك هذه الحقيقة، من كآبة سيكولوجية، لكثير من الإسرائيليين الذين يطمحون لأن يصيروا شعباً عادياُ مثل بقية الشعوب، فإن هذه الحقيقة ذاتها تؤكد لكل من يدركها منهم أن تحقيق السلام مع الفلسطينيين هو الحل، على المستوى الداخلي، وأن المسألة الفلسطينية تشكل مفتاح السلام في المنطقة برمتها، على المستوى الخارجي.