منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الخاطـرة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   قالوا أحكي يا شهرزاد ... (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=20017)

مقبولة عبد الحليم 04 / 05 / 2011 22 : 03 PM

قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
قالوا أحكي يا شهر زاد

فحكت شهرزاد قصة وجع وحب



قبل خمسين سنة؛ تلبدت في السماء غيمات سوداء، وتحضّر المساء لليل عاصف، وقنديل في زاوية البيت، تداعبه نسمات من هواء، تسربت خفية من تحت إطار شباك خشبي مر من عمره الكثير.. وعلى حصير بسيط وفراش أبسط؛ كانت آلام المخاض تنتزع تلك الأم الحنون من قلب هدوئها وأنا هناك، أصارع من أجل الخروج إلى النور..
كم هي مؤلمة تلك اللحظات وكم هي مفرحة في نفس الوقت، سبحان الله، له في خلقه حكم.
وتعلن ساعة الميلاد دقاتها الساعة الرابعة بعد منتصف الليل، واليوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني من عام ألف وتسع مئة وستين ميلاديّة.. هبة من الله مقبولة... هكذا قالوا؛ وكان الاسم مقبولة.
***

يا شهرزاد قولي، يا نبضة حب وُلدت على تراب الوطن، قولي، فالكل متعطش لقصة حياة وصمود تخضبت ثوانيها بنسمات حيفا ويافا وعكا والجليل والمثلث والنقب...
قولي بالله عليك وأزيحي اللثام عن الجراح، عن الوجع المختبئ في الخاصرة، في حنايا الروح، منذ أن رأت عيناك النور، عن الجرح ينزف لا يزال..
.. تفتحت عينا شهرزاد على سنبلات تماوجت من حولها بلون الشفق وهو يودع الشمس لتحتضنها تلك الجبال البعيدة، تفتحت عيناها على البيدر يداعب الحب ويناغيه على استحياء، وهو ينتزعه من بيت له كبر فيه، ونما حتى أصبح بذور خير وبركة، يناغيه ويداعبه خوفا عليه من ألم الفراق، نعم؛ فكيف لا يتألم وهو يؤخذ من أمه، من موطنه، غصبًا كما أخذ أبناء فلسطين من بين كروم العنب وكرم التين..
تفتحت عيناها على جدٍ عشق الأرض، وأعطاها من عمره وروحه، حتى أصبحت قطعة من وريده...
ترعرعت في كنف أبٍ وجَدٍّ زرعاها في ترب الأرض؛ حتى نبتت شجيرة زيتون لم ولن تقتلعها منها سوى نيوب الموت..
لم تكن تعرف أن لتلك الأرض قصة، ولتلك النّظرة الحزينة في عيون الأهل ألف ألف قصة طويلة.. لم تكن تعرف أنها بقيت هنا فقط بفضل تشبث الجدِّ بحجارة البيت وصخور الجبال..
لم تكن تعرف أنهم حاولوا اقتلاعه منها، كما اقتلعوا غيره، لكنهم فشلوا، وبقي ليروي لها لاحقا قصة صمود...
بعد أن ثبتت جذورها في تلك الأرض، ونمت زيتونة، أخذت ترى وتشعر وتتساءل:
لماذا يا تلك الكروم القريبة تحيطك أسوار عالية؟ ولماذا يخضر فيك الغصن؟ وتنضج الثمار؟ وتسقط أرضا، ولا يستطيع أحد قربها.. واحتضانها..
تساؤلات ألحّت على روحها كثيرا، حتى قل مدى احتمالها، لمدى غياب الحقيقة عنها..
فجاءت ذات يوم من وراء الجدّ، وهو يعطي الأرض من حبات عرقه، ويسقيها حتى الرّواء..
جدّي، لماذا نُصبت تلك الأسوار الشائكة هناك؟ ولماذا تسقط الثمار ولا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منها؟!!
فنظر إليها الجدّ، وقد ترقرقت في عينيه دمعة، وهمس: تعالي يا بنيتي أحدثك، إنّ قصتنا أكبر من أن يتسع لها القلب وتحتويها الدفاتر، فلتحتضنها منّا الأرواح...
كان لتلك الكروم أصحاب، زرعوها وسقوها من دماء القلب وشريانه، عشقوها حتى ارتوت محبة وعطاءً، وكان يوم... قالها وتنهد تنهيدة لم أكن أعرف يومها عميق معناها، ثم قال بألم: كنا هنا نحيا معا، نقتسم رغيف الخبز واللقمة، نعيش بسكينة، فرحين مستبشرين بزرعنا، وما نربيه من قطعان الماشية، نعطيها فتعطينا، نُفرِحُها فَتُفرِحُنا... حتى أتى من أراد أن يحتل البيت والأرض والخير والبيدر.. غريب لم نعرف من أين خرج.. أتى ليزعم: لنا الأرض، ولنا الموارد، وما لكم هنا من شيء!! أتى، وبالقوة أراد أن يقتل فينا صمودنا!!
كنا نسمع بسقوط قرانا قرية بعد قرية! وكيف لا؟! والأهل عزل، إلا من إرادة الحياة، وحب الأرض..
سقطت الكثير من قرانا... وتشرّد أهلها بين قريتنا هذه، والقرى الأخرى... 
وتفرّق الكثيرون وقد لجأوا إلى دول مجاورة، تركوا كل شيء إلا كرامتهم، وارتحلوا...
تشرّدوا، وما زالت للقصة بقية...
قالها.. وهو ينظر إلى البعيد... وفي عينيه دمعات حاول أن يخفيها، ثم قال: أخذوا الأرض واستولوا على خيراتها!! أرض تلك القرى التي هَجَّروا أهلها، وقتلوا أطفالها، وبعثروا أشلاءها... ولم يعجبهم صمود بعض القرى التي بقي أهلها فيها، فبعد احتلالهم وهيمنتهم على فلسطين، أخذوا يضايقون من تبقى منا، جاءوا إلى قريتنا -كما لم يتركوا قرية أو مدينة بحالها- وحاولوا بكل ما لديهم كي يحملونا على الرّحيل عنها، وهي التي تطل على سهلها الكبير الواسع الذي....
وسكت عن الكلام..!!
 نظرت إلى عينيه، وقد اغرورقت مرة أخرى بالدموع، فنظر إليّ، وعرف أنني بكامل قلبي وعقلي معه، وأنني أريد أن أعرف تفاصيل الحكاية... فتابع قائلا: سهلها الذي ورثناه أبا عن جد، سهلها الذي بيديّ هاتين يا بنيتي جعلت تربته كالحناء، حرثتها بأظافري كي تعطيني أكُلها... جاءوا ليأخذوا كل شيء، لكنهم ما استطاعوا، وكيف يستطيعون وأنا ومن معي من الرجال كنا حماتها؟!! بكل عتادهم لم يستطيعوا إخراجنا، فبقينا هنا كالّصبار والزيتون والسّريس والقندول والسنديان... بقينا هنا وتلك الغصة تخنقنا، هؤلاء الأحبة الذي خرجوا، وحتى الآن لم يعودوا!! وتلك الكروم تحمل الثمر ليجنيه من لم يزرعه؟! أو ليتساقط هباءً فوق التراب. تلك الكروم التي تبكي أحبتها، وتنتظر يوما سوف يعودون إليها فيه..
ومات جدي.. مات بعد أن أوصاني بحبات التراب، بثرى بلدي ووطني وروحي فلسطين..
وها نحن ما زلنا برغم الرغم مزروعين فيها، ومهما حاول الاحتلال اقتلاعنا فلن نموت... ستبقى جذورنا تنادي بصوتها المبحوح... يا فلسطين فداك الروح

ميساء البشيتي 04 / 05 / 2011 49 : 05 PM

رد: قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
غاليتي الأستاذة مقبولة
وما زالت شهرزاد تنتظر تتمة الحكاية
الحكاية اليوم لها فصل جديد قد يساعد في وضع النهاية
التي تحلم بها شهرزاد فلسطين وتحلم بها جميع نساء فلسطين
وجميع شجيراتها وورودها ..
مقبولة إني أشم رائحة جميلة .. قد يكون الغد الجميل بالباب
المهم أن الحلم عاد فتياً كما كان ..
مقبولة .. شكرا لك يا حبيبة
وترفع للتثبيت .

علاء زايد فارس 06 / 05 / 2011 20 : 05 AM

رد: قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
الأديبة الفاضلة/ مقبولة عبد الحليم....
شكراً على هذه الخاطرة الجميلة
نعم آلامنا كثيرة وجروحنا عميقة هي أكبر من أن تروى في ألف ليلة وليلة....
لربما سنحتاج إلى ألف شهرزاد لتروي حكاياتنا التي لا تنتهي!

لن يهدأ لنا بال حتى يعود المهجر إلى وطنه فلسطين....وطالما بقي غريباً سننغص على المحتل حياته...

شكراً لك يا أديبة الهم الفلسطيني والأمل الفلسطيني...
دمت بخير

عادل ابوعمر 26 / 11 / 2014 50 : 02 PM

رد: قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
ومازلنا ومازال الوضع كما كان ....................... أينك أستاذة مقبولة لتتمي حكاياتك الدافئة .

نصيرة تختوخ 15 / 03 / 2015 45 : 01 AM

رد: قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
حكاية صمود وتشبث بالأرض وشهادة تسجل لصالح الانتماء الفلسطيني.
دمت أستاذة مقبولة بكل الخير والصحة.

Arouba Shankan 03 / 05 / 2015 48 : 05 AM

رد: قالوا أحكي يا شهرزاد ...
 
حزينة هي حكايتك أيتها الشهرزاد، وصُبحها بعيد بعيد
شكرا لقلمك مع التحية


الساعة الآن 13 : 06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية