![]() |
أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
صدى رنين صفعاته يخترق مسمعي فيصدّع قلبي، انطلقت بشراسة مدفوعة بريح قهر دفين لأدفعه بعيدا عنه، واحتضنت أخي بدفء مقبّلة مهاوي الصفعات، لكنّه انسحب مقهورا ليلوذ جانبا غارقا في بحيرة من الذل والمهانة ونظراتي الحاقدة أصوبها للجلاد، معاتبة: لم تضربه ؟؟ فيرد بلؤم: أريد تأديبه إنه يتأخر ليلا ويدخن السجائر خفية وحنان أمك الزائد سيجعله منحرفا.
أخذتني النظرات إلى أمي التي تجلس بعيدا لا يهتزّ لها جفن، كأنّ عامرا ليس فلذة كبدها والأمر لا يعنيها!!،حاصرتها بنظراتي القلقة،اتجهت إليها هززتها بقوة: أفيقي من سبات ضعفك، ضعي له حدا، إنّه كدينصور يقتات كلّ جميل في حياتنا، أخذت الكلمات تتهاوى من فيها بلا اكتراث: إنّه زوجك وكابني ،وأخوك يحتاج إلى رجل مهيب يعلّمه الأدب. قلت بقهر: كفاك خذلانا وكأنّك ترمين بنا إلى الهاوية!! لحظتها احتواني المقعد بقوة وأنا أتلوى ألما من عنف ركلته في خاصرتي .أخذتُ نفسا متهدجا بزفرات دمع وجيع ونظراتي تعانق صورة المرحوم والدي الجدارية ولسان حالي يردد: : ما زال لصدى كلماتك حنينا، وحين تهاجمني غضبات الحياة أحنّ إلى ذكرى الأمان ودفقات الحبّ يوم كنت برفقتنا، لقد جفّ أثير السعادة من واحات ذاتي !! وكلماتك الأخيرة لي تكاد تسلب روحي، عودتك مستحيلة والفراق أدمى حنايا قلبي ولكنّه قدر لا حيلة لنا به، وبتلقائية علا صوتي مخالطا دمع العين : بعد أن استلبك الموت منا أصبحت حياتنا متلونة بالذل والهوان، ما لنا بعدك إلا الصبر. صرخ بازدراء: كفاك فلسفة اهتمي بأولادك ،ما دامت أمّك راضية لا شأن لك! لكنّ بكاء عامرأخرجني من شرودي مع ذكرى والدي وقلت لزوجي: : لم لا نعود إلى بيتنا ونحيا حياة طبيعية ونتركهم يعيشون برعاية أمي ، كيف ترضى أن تكون" صهر بيت"!! تناولتني حروفه بازدراء : اخرسي ، أنا مرتاح هنا !! ردّت مؤنبة : لم تناجين أباك ألا يكفيك أنك كنت المدللة لديه وطلباتك أوامر، أنت أنانيّة، الأب لك ،والزوج لك تريدين أن تكوني الأثيرة لدى الجميع !! كلماتها عمّقت الجرح وتركتني في حالة من الذهول وتاهت نظراتي في المكان لترتمي على أختي سهى لتثير غضبتي بعدم مبالاتها وهي ترنو للموقف بسطحية، وتفرقع لبانها بتفاهة ،تناولت حقيبتها المدرسيّة تريد المغادرة، رمقها بنظرة مريبة قائلا: لا تجعلي شعرك منسدلا على ظهرك وأزيلي الكحل من عينيك! ردّت عليه بدلال مراهقة: كما تشاء" كابتن"، ضايقني الأسلوب المائع وجعل طيورالشك تنهش في رأسي وتمرّدت الكلمات فوق لساني : اترك أختي وشأنها، أمي مسؤولة عن مظهرها. عاد ليصفعني: أنا هنا السيد المطلق حتى نظراتي أوامر!! انصرف وشرارات الغضب ينفثها كرائحة نتنة. جثوت عندها وقبّلت يديها ورجوتها :اتركيني أعود لبيتي لأعيش حياة طبيعية مع وزوجي و صغيريّ وقد ينصلح حالنا ،رفضت بقوة قائلة: أنا لا أطمئن عليك أثناء غيابه المتقطع في عمله، ونحن بحاجة إليه لضبط الأمور في البيت خاصّة تربية أخيك. : لا تنخدعي،الصهر ليس كالولد ،لا تسلمي له القياد المطلق لأنّ فيه مسرب للظلم عميق بل اتركي بينكم وبينه مساحة من الخصوصيّة، زوجي لن يحنوعليه حنوالأب أوالأخ، قد يكون مثل ابنك، لكنّ أختي ليست أخته، أرجوك لا تسمحي له بمحاسبة أختي وقمع أخي، كفاك هوانا،الكثير من النساء ترمّلن وتحمّلن مسؤولية أسرهن، قد يستمد أخي قوته من حبك ورعايتك له،زوجي نمرود يريد أن يكون كلامه مسموعا سواء بالحق أوالباطل وأعرف الكثيرعن خفايا نفسه وحياته ولا أمان لمن لا تقوى له، ردت ببرود : وكأنك تغارين عليه لرعايته لأسرتنا مما جعلك تصرّحين بتلك الأفكارالوهمية. انتهى الحوار إلى طريق مسدود و لم تقتنع لأنّها مسلوبة لقوة شخصيته، جلست مطرقة في زاوية الغرفة لتحاصرني الذاكرة البعيدة عندما تقدّم لخطبتي حين بهرتني وسامته في "قبعة الطيّار" وكما يقال" جنتلمان"وإصرار أمّي على أنه الزوج المناسب وهذه فرصة العمر، لكن أبي لم يشجعني على ذاك الزواج إذ قال :هذا النوع من الرجال يكثرالترحال يكون ذوّاقا للنساء، هو كالطير في كلّ سماء له وليف ،لحظتها قلت له سأجعله ينسى نساء الأرض، سخرت مني نفسي لتلك الثقة الواهمة وبأني سأقدم له السعادة على طبق من ذهب، في بداية حياتنا الزوجية كانت مواعيد عمله منتظمة لكني اليوم لا أعرف لسفره ولا لعودته موعدا ولمّا سألته عن السبب أجاب ببلادة: قد تغيرت ظروف العمل ولا أعرف لها نظاما أو موعدا!! واعترى علاقتي الزوجية جفوة !! لم أدرِ،هل هي بسبب عدم الاستقرار ولإقامتنا في بيت أهلي، أم هناك أمور لا أدركها، و كثيرا ما رواغتني نظراته الوقحة وسفيه كلماته وإعجابه بهذه وتلك وعددت كلّ تلميحاته لغو كلام وإضاعة وقت، لكنّي عرفت السبب الحقيقي لاضطراب مواعيده حين صفعني لون أحمر الشفاه الذي لطّخ قميصه الداخلي وأطلت براثن الخيانة الزوجية كذئب يفترس كل مساحات الحبّ في قلبي وقسوة الحقيقة التي أطلت ساخرة مني جعلتني أحقد عليه، ولا أعيره ذاك الاهتمام . في ليلة بكى فيها صغيري، فاستيقظت لأرى قبعتة فوق علاقة الملابس، ولكنه لم يكن في الغرفة، انتظرت عودته لينام، ولكنّه لم يعد، خرجت بهدوء باحثة عنه قد يكون مع أمي أوأخي في غرفة الجلوس وبحثت عنه بنظرات غلّفتها الحيرة، فالكلّ نيام في قلب الليل، وقفت قليلا في منتصف الصالة أخمّن،أين يكون؟ ثم جاءني الردّ حين سمعت صوت همسات خفيض وتأوهات خليعة وضحكات وقحة من غرفة أختي، لم أصدق ما سمعت وكأن الأرض زلزلت تحتي، سقطت أرضا باكية نائحة متمنية أن تنشق الأرض لتبتلعهما من هول ما سمعت: سامحك الله يا أمي بضعفك وحقارته استباح عظيم المحرّمات!! |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
دعيني سيدتي أعلق هناا بالمثل الفلسطيني القائل :
(( وسعناله فات بحماره )) أجل وكما قال الشاعر : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا تشكر جهودك " فاطمه عبدالرحيم " سلمت يمينك عزيزتي ودي ووردي |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
العزيزة فاطمة
أشكر تواجدك في صفحتي وأعتز برأيك والحكمة التي ذكرتيها تناسب حقا فحوى النص أهلا بك فاطمة |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
** الاديبة الراقية فاطمة عبد الرحيم......
فظيع ما يحدث هنا خلف الاسوار المغلقة.. لابد وانها تراكمات لضعف واستهتار وجبن على فقد بعض المزايا الاجتماعية او انه الفقر الذى ساعد على ارتقاء الذل بدل العفة والحسم منذ البدايات !! تحايا عبقة بالرياحين......... |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
هي تراكامات الانحطاط الخلقي الذي تكون نتيجته تصرفات تقشعر منها الروح الطاهرة .. هذا الرجل هو مثال لكل رجل يستغل الظروف لتمرير شيطانه القابع في جوفه ، لكنني أقول لك لله أيتها اليتيمة فهو خير منتقم .
نص رائع بحبكة جد متميزة . تحياتي و تقديري . ننتظر منك أستاذتي تفاعل مع النصوص المتواجدة . |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
الأستاذ زياد
أشكر ذائقيتك الأدبية الراقية لانتقاء نصي المتواضع وإبداء رأيك المميز ، والفقر ليس سببا للانهيار الأخلاقي إنما وضاعة النفس غير السوية تتسبب في سوء الخلق فاطمة |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
الأديب جمال السبع
تحية وبعد أشكر رأيك القيم للنص، انما هي قصص تحاكي الواقع ولعلنا نستنتج منها العبر ، وإن شاء الله أشارك في تقييم النصوص الأدبية لكن أحيانا ظروف عملي وقلة الوقت تحد من مشاركتنا فاطمة |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
ملاحظة , والله يا أختي ردي مكتوب منذ عشرة أيام , ولكن انقطاع النت هو السبب بالتأخر
فهلا قبلت عذر أخيك... الأخت فاطمة , قد يكون من الأعمال الأولى التي أقرأها لك , وسأقول بتجرد ,, قليلة هي النصوص التي أتابعها لأواخرها فمن أول مقطع أحدد هل أستطيع المتابعة أم لا ( وليس كحكم على النص ) بل وفق مزاجي وانشدادي للنص , وبطبيعة ذائقتي .. نصك فاره , ومكتنز , وفيه مافيه ,, نص واقعي , بلغة سلسة , شفافة ,, بناء جميل , بين التداعي والذاكرة , وبين حركة الأشخاص المباشرة بتنامي الحبكة الدرامية , وتفجيرها بقفلة هزت الوجدان وتركت الأمر مفتوحًا على مرارة الواقع , وأكوام من الإشكاليات والمشاكل التي تعتري مجتماعاتنا,,, للأسف وصراع مازال قائمًا بين ألكترا , وأوديب . أسجل إعجابي , ولك المحبة , والاحترام حسن |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
سيظل الأدب سيدتى مرآة تعكس واقعنا بكل تناقضاته وعفنه , وسيظل الأدب يشكل القيمة الجمالية والأخلاقية التى تطهرنا من عفن الواقع وتشدنا لنحبث لنا عن مكان مغاير ودور مغاير, ذكرتنى هذه تاقصة الجميلة بأبطال"كافكا" فى قصصه هؤلاء الأبطال المنفيون فى زوايا العالم والملاقون فى العراء حين يجردوا من معانيهم الإنسانية وخلعوا عنهم القيم الأخلاقية فحق عليهم النفى لأنهم أصبحوا عناصر خربة تدمر أكثر مما تبنى والقصة هذه جاءت محكمة فى خطابها السردى الآخاذ الذى يمسك بواعية المتلقى ولا يفلتها إلا فى أتون النهاية حتى أنه يظل يلهث خلف السرد المحبوك بعناية فائقة وكأن الكتلقى جزء من القصة وهنا ينجح الكاتب تماما فى فنه ويظهر وعيه بفنه الذى يضوغه بشكل جيد وذلك حين يلتقط زاوية واحدة من حياة ويجعلها مفتوحة على الفضاء الكونى , وقد اعتمد القصة على آليات فنية أكسبتها هذا البهاء القصصى الجميل منها
* توظيف ضمير المتكلم بعناية تجعل المتلقى لا يقع فى الخلط بين بطل القصة والمؤلف وهذه مهارة وضحت بشكل جيد فى توظيف اللغة وأليات بناء الجملة السردية والتنقل عبر محطات السرد واستعراض المواقف تحت مظلة خيط درامى مشدود *ومنها استخدام تقنية الخطف خلفا وهى تعنى البدء بنهاية القصة ثم التاويل وهذا أيضا صنع بمهارة غير محسوسة *ومنها تلك النهاية المتفجرة المفتوحة على الفضاء الزمانى بشكل جميل *ومنها توظيف الحوار بشكل كاشف عن الأبعاد النفسية لشخصيات القصة جميلة هذه القصة بلغتها الهادرة وخطابها المدهش جدا لا نملك إلا أن نحييك عليها سيدتى الكريمة |
رد: أسرار وراء الجدران : بقلم فاطمة يوسف عبد الرحيم
الشاعرحسن إبراهيم سمعون
أشكر مزاجك الذي استدعاك لقراءة نصي المتواضع ، ولقد سرني هذا التقييم الرائع لعناصر القصة وللأسلوب اللغوي، واعتذر عن التأخر وللسبب نفسه انقطاع النت فأهلا بكلماتك الصادقة ولرأيك المعبر عن قصة واقعية أنشد من ورائها العظة والعبرة ومع احترامي وتقديري أخي الشاعر المبدع فاطمة |
الساعة الآن 34 : 12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية