![]() |
مدونة فيصل الشعراني
قد تتساءلون وقد تمتعضون لماذا أختار لي مدونة وأنا لست بشاعر ولا قاص ولا كاتب مقالات
حسناً، لكني أدعي أني قارئ ممتاز، أقرأ عشر ساعات متواصلة بلا كلل ولا ملل وأعدكم أني لن أنشر في هذه المدونة سوى مقالات تتسم بالفائدة والمتعة، إن أعجبتكم فاحفظوها لي وتابعوا معي ما أنشره وإن لم تعجبكم فاحذفوها واحذفوني معها ربما أستطيع أن أجعلها سياحة فكرية ربما... ************************************ لولا علي لهلك عمر جعفر المظفر / كاتب عراقي سألنني مدرس العربية حينما كنت طالبا في الصف الأول من ثانوية المعقل في البصرة, أن أستعمل كلمة ( لولا ) في جملة مفيدة. وعلى طريقة من يريد أن يقدم إجابة في الفقه والتاريخ والدين, قلت مسرعا ومنتشيا: لولا علي لهلك عمر... لكن الأستاذ, الذي جعله جوابي يحمر ويصفر ويخضر, سرعان ما توجه نحوي مهرولا, وكنت أجلس حينها في آخر الصف, فتخيلت إنه قادم لمصافحتي, ليشكرني على فضل استعمال الكلمة ببلاغة ما بعدها بلاغة, غير أن كفه القوية سرعان ما استقرت على صفحة وجهي لتنبئني بعكس ما توقعته وما تمنيته منها. لم يكن تأثير الصفعة قد توقف على الألم الجسدي والنفسي التي أحدثته لفترة, بل أنها جاءت مثل صعقة كهربائية مفاجئة هزت قناعاتي وعلمتني كيف أتعامل بثقافة مفتوحة وغير أحادية الجانب, ثقافة من شأنها القبول بتحريك الحقائق الثابتة, وحتى استبدالها بالنقيض أو الاقتراب منها على الأقل بفهم مختلف. إنني ما زلت أتذكر جملة الأستاذ آنذاك ( في لغتنا الحافلة بألف ألف استعمال ل "لولا" أراك لم تجد غير هذا المثل الذي يفترض فخرا لعلي على عمر بطريقة مشحونة بالانحياز الطائفي). ولمن يتصور أن الأستاذ كان سني المذهب أقول إنه لم يكن حتى مسلما, بل كان صابئيا, وهذا ما أشعرني بالخجل, ومنعني من إثم الاعتزاز بالإثم, ذلك الذي يتأتى من رفض فكرة الاعتذار للآخر المختلف, ومن ثم زيادة التمسك بالخطأ كحقيقة لا تقبل الجدال. خلال الأسبوع السابق أعادني بريدي الإلكتروني أكثر من خمسين عاما إلى الوراء, إلى ثانوية المعقل وأستاذي الصابئي وكفه الغليظة, الغيورة على الإسلام من منطلقات ليست دينية المعتقد, وإنما فكرية المنحى وأخلاقية المنطلق والتوجه, مع ميل أكيد للحفاظ على قواعد إنسانية ستبدو بدونها مسألة الأديان ليست بذي نفع حقيقي, فللمرة الثالثة خلال أسبوع كنت قد تلقيت تلك الرسالة التي تبدأ بجملة (لولا علي لهلك عمر), ثم تنتهي بنفس الجملة مع شرح للحادثة التاريخية التي أراهن على أن الأغلبية هي على معرفة بها, لذلك أعفي نفسي من سردها بالصيغة التي وردت فيها. لا جدال مطلقا على الحقيقة التي تقول على أن عليا كان عظيما وحكيما, والرجل صاحب الكف الغليظة لم ينفي ذلك, بل كان أخبرني حينها إنني أسأت إلى بن أبي طالب نفسه من حيث أردت مدحه, لأنني استخدمت قول عمر لتقزيم هذا الأخير, بينما لم أكلف نفسي للوقوف لحظة واحدة للتساؤل, وماذا عن عمر.. أليست هناك فرصة ولو صغيرة للتحدث عن عظمته وهو يعترف بتواضع كبير, رغم أنه كان خليفة لكل المسلمين, ومعروف بخشونته وصرامته, أن مواطنا في دولته هو أفضل منه في تلك اللحظة علما وحكمة. ثم ألا تدل تلك الحادثة ذاتها إلى أن عمر كان قد أفلح في تأسيس حالة تسمح للآخرين بانتقاده وتعديل قراراته وحتى لتغييرها, وأن هذا وحده دليل على عظمته. وأيضا وأيضا.. ألا يعني ذلك أن الرجلين كانا قد تجاوزا الخصومة التي تثقل على الرعايا, وذهبا إلى اقتراب يتجاوز الخاص إلى المنفعة العامة. لقد ظل الإمام علي يذَكِرُ الناس, وحتى آخر أيامه, بأنه كان أحق من عمر وأبي بكر وعثمان بالخلافة, ومع ذلك فإنه لم يقاتلهم, بل على العكس من ذلك فقد تعاون معهم وتعاونوا معهم إلى الحد الذي أعطى لنفسه حق إعادة المتهم الذي حكم عليه عمر إلى ديوان الخليفة مرة أخرى وتبديل قرار حكم عمر بشأنه. فإذا كان صاحب الشأن الذي نجله ونعظمه, أي علي بن أبي طالب, هو الذي سن قانون الاختلاف الإيجابي بينه وبين الخلفاء الذين سبقوه, وأرتضى أن ينقذهم من "هلاك" بدلا من أن يتسبب لهم به, فلماذا إذن نرفض ما سنه من قيم وما أتى به موعظة..؟! لماذا نقدسه كاسم ونرفضه كمعنى...؟!! ثم ألم يحن الوقت لكي نقرأ التاريخ بعينين وليس بعين واحدة. أم إن كف الزمن الغليظة لم تعلمنا بعد.. أين ومتى ولماذا نستعمل كلمة "لولا", وكيف نقولها للتأكيد على أن من نتمترس خلفهم, ونحن نطلق رصاصنا على الآخرين, كانوا هم رجال ألفة ومحبة وتأخي, وإننا نحن من يتقن صنعة شق الثياب لا رتقها. والحال إننا ما زلنا بحاجة إلى كف ذلك الأستاذ "الصابئي لكي نتعلم منه كيف نستعمل "لولا" في جملة.. على أن تكون مفيدة. |
رد: مدونة فيصل الشعراني
كم هي رآئعة تلك القصة
مميز جداا ما انتقيت لنا وتابع ما بدأت به سلمت يمينك أستاذي ودي ووردي |
الساعة الآن 07 : 12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية