![]() |
غودو والسوسنات السوداء
عملت على تحضير طعام وافر، غسلت البيت، تزيّنت أمام المرآة طويلاً، أطلقت العنان لموسيقى هادئة، لكنّها سرعان ما عدلت عن ذلك واستبدلتها بموسيقى صاخبة. كانت قلقة متوترة إلى حدّ بعيد. أخيرًا قرّر أن يحضر لزيارتها بعد طول انتظار، هكذا قال لها بالأمس، كانت تعرف بأنه من الصعب عليها أن تثق بوعوده، لكنّه كان صادقًا، دامع العينين، أو هكذا تهيّأ لها في تلك اللحظة. وضعت أشهى انواع الطعام فوق المائدة، زيّنتها بعصائر الجزر، الموز والأناناس. كانت ترغب بأن تكون مائدتها الأغنى هذه الليلة. ثمّ ارتدت فستان سهرة أسود، وضعت في أذنيها أجمل ما تملك من الحلي. كانت أعصابها تتفجر، كاّنها على وشك التحرّر من نطاق الجاذبية الأرضية. بعد قليل، أسكتت الموسيقى وفضّلت الصمت، لكن دقيق قلبها كان ما يزال متسارعًا. كانت متحفزة للغاية، بانتظار معجزة ما أن تحدث. - ماذا لو لم يحضر؟ لا، هذا طرح مرفوض، لن تفكّر به لحظة واحدة. قال بأنّه سيحضر لزيارتها، كان صادقًا دامع العينين أو هكذا تهيّأ لها في تلك اللحظة. بعد طول انتظار سمعت ضجيج جرس الباب الخارجي. تنهدت، ابتسمت، ضغطت صدرها براحة يدها في محاولة أخيرة لافتعال الهدوء. ذهبت بثقة إلى الباب الخارجي، لكنّها تسمّرت للحظة هناك. نظرت إلى المرآة عند الجدار المقابل في الناحية اليسرى، سرّها انعكاس أناقتها هناك. كانت جذّابة بالرغم من العقود الخمسة التي حصدت جسدها وتركت أثرها الواضح في التجاعيد الدقيقة حول شفتيها. أمّا اختيارها للفستان الأسود فكان موفقًا للغاية. فتحت الباب على مصراعيه، كأنّها طفلة صغيرة بانتظار الحلوى، كانت في تلك اللحظة تطير من شدّة الفرح! كان من المفروض أن يكون واقفًا عند المدخل بشاربه الكثيف، ووجهه الحليق وأناقته القاتلة دومًا، وكانت على استعداد للموت بعد هذا اللقاء مباشرة! - باقة ورد سيدة عبير. - باقة ورد! أنا لا أريد وردًا يا فتى. - المعذرة، أنا ساعي بريد. طلب منّي أن أحضر لكِ سيدتي هذه الباقة، أعتقد بأنه قد اودعها بطاقة أو رسالة. قال لي بأنّك تعرفين هوية صاحب باقة الورد. أخذت الباقة من بين يديه، كانت الباقة تضمّ بخجل سوسنات سوداء تسعة. لماذا سوداء؟ لماذا تسعة؟ لماذا الغياب؟ لكنّها أدركت بأنّها لن تحصل على أجوبة على أسئلتها تلك، أدركت بأنّه لن يغيّر من طبعه، وهو الآن يقضي ليلته مع أخرى! - سيدتي، عليّ أن أذهب لعملي، هل لكِ ان توقّعي هنا لو سمحت! - لا يا ساعي البريد، ليس بهذه السرعة. شدّته من يده إلى داخل المنزل. هناك يا عزيزي مفاجأة تليق برجل مهذّب مثلك. أتعرف بأن بيكيت مات قبل أن يحضر غودو! - لكن، من هو بيكيت يا سيدتي؟ - ستعرف في الوقت المناسب، أمّا الان فقد حان الوقت لتدخل الجنّة. |
رد: غودو والسوسنات السوداء
نص رائع بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
تذكرت أول نص قرأته لك حينما صورت حياة الديكتاتور في قصره بكل براعة... وهنا أيضاً قد نجحت في تصوير المشهد ، لقد توقعت منذ البداية أن السيدة ستصدم وهذا أمر لا مفر منه... ولكن النهاية كانت أقسى بكثير مما توقعت.... لقد تعاملت معه كما تعامل معها... وبالتالي يتضح لدينا ماهية النص وجوهر النص... لا بد لنا أن نزرع الطيب حتى نحصد الطيب... وأن لا نراهن على صبر الآخرين على أخطائنا المتراكمة... والحياة الزوجية السعيدة هي نتيجة للشراكة الحقيقية بين الزوج والزوجة ، وأي انهيار لهذه الشراكة قد يأخذ هذه الحياة نحو الجحيم... وأهون مافي هذه النهاية هي التعاسة الحقيقية، وأقسى ما فيها هي الخيانة! أستاذي الكريم اعذرني على الإطالة فنصوص كهذه تستحق منا أن نتوقف عندها طويلاً.... شكراً جزيلاً لك |
رد: غودو والسوسنات السوداء
مفاجأة .. النهاية مفاجأة لي وللجميع
ذكرتني بقصتي المسكينة موعد على العشاء لكن مسكينتي أنا لا ترد الكيد بالكيد ههههههههههههههه استمتعت جدا بالقراءة لك وصدقني لا زالت الضحكة ترافقني شكرا لك ودمت بألف خير الأديب العزيز خيري حمدان . |
رد: غودو والسوسنات السوداء
رائع جدا استاذ خيرى حمدان والقفله غريبة ولكنها مذهلة ...فهل من ينتظر بكل هذا الحب يبدل قلبه ومشاعره للخيانه ؟؟؟
والله القفلة أربكتنى إلا إذا كانت السيدة تريده لترتيب الشقه أو يصلح لها الموقد هههه دمت بكل خير مبدعنا |
رد: غودو والسوسنات السوداء
رائعة هي نصوصك يا سيدي وممتعة فعلا
يالها من نهاية , مدخلها الجنة ومخرجها عندك وحدك أيها الأديب الأريب . إستمتعت حقا بتواجدي في صفحتك البهية . دمت بكل التقدير والإحترام . |
رد: غودو والسوسنات السوداء
الأديب علاء زايد فارس
اختيار غير متوقع لامرأة جريئة، لكن حجم اليأس لديها كبيرًا ومن الصعب توقع ردود فعلها. لو فعلها رجل لما استهجن أحد خطوته. أشكرك على هذه القراءة العميقة وأرجو أن يدوم الودّ والتواصل تقبل مودتي وإلى لقاء قريب |
رد: غودو والسوسنات السوداء
الأديبة العزيزة ميساء البشيتي
ربّما كانت مفاجأة لي أنا أيضًا، على أيّة حال كان إحساسي بأن النهاية طبيعية أو هكذا يجب، بشأن هذه المرأة تحديدًا لأنها أعلنت تحديها للمفاهيم المتعارف عليها أتمنى أن تدوم الابتسامة فوق شفتيك مودتي |
رد: غودو والسوسنات السوداء
الأديبة آمال حسين
ما رأيك سيدتي، قد يكون السبب تصليح البوتوغاز أو المدفأة، أو إصلاح ذات الحال والنفس التي أصيبت باليأس! ما هي قدرات ساعي البريد يا ترى؟ أعتقد بأن اختيارها كان جريئًا وقد يكون لقاء لمجرد الحديث والترويح عن النفس. أشكرك فأنت تمتلكين روح فكاهة عالية إلى لقاء قريب مودتي |
رد: غودو والسوسنات السوداء
الأديب حسن الحاجبي
إذا كان مدخلها الجنة ومخرجها لدي إذن فإن المسؤولية كبيرة للغاية! تعليقك رؤية فلسفية تدل على ثراء روحك، بل وقدرتك على قراءة الأرواح الأخرى دون المسارعة لإصدار الأحكام. من أكثر الإضافات عمقًا أخي حسن - دون مجاملة تقبل مودتي |
رد: غودو والسوسنات السوداء
يا لها من قصة جميلة ،
أعجبتني جدا تلك النهاية ... لربما فجعت المرأة بضباب ما كانت تتمناه وتحلم به ، وكانت على خلاف ما أرادت ، ويبدو أنها لم تترك تشبثها بأنها سوف تحيي ليلة كما تريدها ، فكثرة نكوثه بمواعيده معها جعل نكوثه هذه المرة هو " القشة التي قصمت ظهر البعير " ولم يعد هناك فرق مع من ستحييها !!!! رائعة قصتك أستاذي الفاضل استمتعت بقراءتها وراقتني تلك النهاية سلمت أناملك عزيزي ودي ووردي |
الساعة الآن 23 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية