![]() |
راعية الغنم
راعية الغنم منذ ان وصلت إلى تلك القرية معلما فيها شعرت بفسحة الزمن طويلة بعد انتهاء الدوام وبعد الانتهاء من التجهيز لليوم الدراسي التالي يبقى وقت يجب ان أسيطر عليه فالوقت يفترس من لا يقوده ولم أجد سوى المطالعة والاستماع الى الموسيقا من خلال المذياع الصغير الذي يرافقني ولفت انتباهي بعد فترة وجود ساقية جميلة قريبة وعلى ضفتيها شجرات صفصاف تظلل المكان فاغرتني بالجلوس تحتها وأصبحت عادة شبه يومية ومن خلال وجودي كنت ألحظ حياة القرية وخاصة عند المساء حين رجوع الفلاحين من حقولهم فهذا يحمل تحت إبطه غمرا من الحشيش لاغنامه وذاك يركب حماره وعلى ظهره بعض محصول من إنتاج أرضه وذاك .... وذاك .... وكانت تحيتهم لي كل يوم تزيدني محبة لهم ولبساطتهم ، وكثيرا ما كنت أجد بعض الإنتاج قرب غرفتي على بابها الخارجي وضعه بعضهم هدية لي ولكن الذي لفت انتباهي صبية كانت في نفس الموعد تسوق أمامها قطيعا صغيرا من الأغنام والماعز تسير متهادية لا تلوي على شيء والذي أثار فضولي أكثر فهي تحمل كل يوم زهرة حمراء حملان تثغو وراء أمهاتها، وخرفان تتقافز في مرح بعد أن ملأت بطونها من خيرات الأرض وجرس الغنمة المدللة يرن بموسيقا متكررة واحدة تتناغم مع سيرها وتكون الأقرب إلى الراعية الصبية وكأنها تشعر بصداقتها وقبل وصولها إلى القرية تميل بغنمها على طرف الساقية غير البعيد عني لتروي العطاش من أغنامها كانت في كل مرة تردد نفس العبارة ـــ: العافية يا أستاذ ـــ عافاك الله يا ..... ـــ رانية ... اسمي رانية كانت ملتزمة بموعدها فمع غروب الشمس تكون في بيتها وتتكرر العبارة كل يوم والسلوك والوردة الحمراء ، وهذا يمتزج بالأفق المحمر وعودة الطيور إلى أعشاشها وكأنها كانت في مهرجان النشاط اليوم وانتهى الآن ولكن فيما بعد اشتركت مع تحيتها ابتسامة كانها الصبح المشرق على جبين الأرض وبخاصة أن بقايا أشعة الشمس التي يلتهمها الأفق تمس الوجنتين فيتناغم الجمال ويمتزج النورين وهي تسير باتجاه الغروب سالتها مرة: ــ ألم تدرسي في المدرسة؟ ـــ نعم وأحمل الشهادة الإعدادية ولكن موت والدي أجبرني على تركها ولم أكمل فأنا الكبرى ولي أخوان صغيران ووالدتي وأنا قررنا أن أهتم بما يكسبنا العيش الكريم كانت تتحدث وقد كسا وجهها احمرار زائد بدت في أشد إشراقات البشرة الجميلة ونظراتها تذهب في هروب من عيني المركزتين دون وعي مني على تلك الشفاه التي كانت تصوغ الفكرة بحنان ودفء ولكنها نبهتني قائلة : ــ أراك كل يوم تقرأ في كتاب ـــ نعم فأنا أحب المطالعة وأردفت كلامي : ــ أتحبين أن أعيرك كتابا ؟ ابتسمت بما يدل على القبول ولكنها قالت : ـــ لا أريد إتعابك ناولتها الكتاب فأخذته بأنامل عليها أثر الشمس وحنان الأرض شاكرة لي هذا الصنيع ، وضمته إلى صدرها فغبطت الكتاب على هذا الموقع الذي احتله أدمنت الانتظار في نفس المكان وقلت لها يوما : ألا تخشين الذئاب على غنماتك؟ قالت: بلى فنحتاط لذلك قلت : ــ ولكن كلاب القرية ألا تكفي للحراسة ؟ ضحكت بشكل ملفت وقالت : كلاب قريتنا إذا هجمت الذئاب لا( ينبحون بل يعوون خوفا وينبطحون ) على الأرض في ذلة بشكل يوحي بالهزيمة ضحكت من كلامها وقلت : أنت عندك تيس كبير يمكن أن يحمي القطيع وضعت يدها على فمها تكبت ضحكة عالية وتشير بيدها إلى التيس ياأستاذ إن خبرتك بالتيوس ضعيفة فما دمت أنك قلت أنها تيوس فكيف تحمي القطيع؟ يا أستاذ التيوس لا تحمي الحظائر ولا القطعان توالت الأيام والسنون وشجعتها على دراسة الثانوية ونالتها قلت لها مرة : لماذا ترفضين الشباب المتقدمين لخطبتك ؟ ـــ قالت : لم يحن النصيب بعد ـــ ولو تقدم لك وسام معلم القرية ؟؟؟؟ أطرقت قليلا وقدمت لي الوردة الحمراء ، وأدارت ظهرها ضاحكة وبعد عدة خطوات التفتت إلي وقالت ـــ أظنك تعرف بيتنا وأمي بانتظارك أنت وأهلك ، وقد يحضر عمي الذي رفضت ابنه فانتبه لكلامه ، ولا تهتم وبينما كنت أضع خاتم الخطوبة في أصبعها نظرت الأم إلى صورة زوجها وكلمته بعيون دامعة ـــ يا أبا توفيق ابنتك عروس كم كنت تحبها ونظرت إلي وقالت أنت رجل البيت كله يا ولدي واولادك سيحمون معنا البيت والحظيرة والقطيع ، الله يخليك سم ابنك إبراهيم على اسم والد رانية ضحكت متفائلا وقلت لها: لماذا لا يكون إبراهيم على اسم والدي ؟ وضحكنا متفائلين قالت الأم : تفضلوا فالعشاء جاهز رمزت أبراهيم عليا |
رد: راعية الغنم
قصة جمعت بين الوصف الرائع للطبيعة و بين مشاعر الحب التي تهادت منذ البداية في إيقاع هادئ وجميل ينساب كانسياب جدول ماء رقراق .
نهاية جاءت متناغمة مع بداية القصة التي اتسمت بالبساطة و العفوية فكانت بحق قمة في الروعة . أهنئك اخي العزيز رمزت وأتمنى قراءة المزيد من أعمالك . دمت بكل المحبة . |
رد: راعية الغنم
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]قصة بسيطة مليئة بالتفاؤل و الحياة .
استمتعت بقراءتها أخي الكريم. تحياتي [/align][/cell][/table1][/align] |
الساعة الآن 42 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية