![]() |
علب الأيام
[align=justify] عُلب الأيام
اليوم أتم الثالثة والخمسين من عمره ، سحب نفساً طويلاً من سيجارته , وأخذ رشفة عميقة من فنجان القهوة المرَّة التي أعتاد أن يشربها معظم أيام حياته , حياته التي هو الآن بصدد فتح عُلًبِها علبةً علبة ليتذكر ما خبأته الأيام الماضية فيها .. هذه أخر علبة ، وهاهو الآن يقطف فيها ثمار الوحدة والفراغ . العلبة قبل الأخيرة .. عندما كان هناك صراع قليل مع الأمل للبدء في حياته من جديد .. بعد العودة من تلك العاصمة الأوروبية الغارقة في صمتها , وسكونها حد الموت ، قضى فيها من الأعوام الطويلة ما قضى دون الوصول إلا إلى الملل القاتل , والوحدة الفظيعة ، التي كانت كل يوم تُفجِّر فكرة المغامرة بالعودة إلى أقرب نقطة إلى أرض الوطن , ومهما كلف الثمن ! العلبة ما قبل الأخيرة .. ومرحلة السلام مع إسرائيل .. وها هي غزة الحبيبة القابعة على البحر تزدهر من جديد لتحتل الصدارة في أخبار العالم ، ويتسابق الجميع في العودة إلى تلك الرقعة التي باتت مطمع الجميع ، ومحط كل الأنظار، لكن (الختيار ) رحمة الله عليه لم يستطع أن يسمح لي بالعبور معهم ، واللحاق بالركب ، لنكمل ما بدأناه سوياً ، كما كنا في المرحلة السابقة في تونس الخضراء . ولنفتح العلبة السابقة .. تونس كانت بلداً جميلة .. أعطتنا كل شيء ، ولكن الاستمرار بالمعيشة في تونس كان صعباً بعض الشيء ، فجُّوها مختلف جداً عن الجو في لبنان ذلك البلد التي ألفناه وأحببناه كما لم نحبّ بلداً قط . ونفتح العلبة التي تسبق علبة تونس .. كم كان التفافنا في لبنان جميلاً ، ومميزاً ، وحميمياً . وكان مليئاً بالتضحيات ، والبطولات ، وشتى أنواع النضال .. وكنا إلى جانب (الختيار) ، وهو إلى جانبنا . وما زالت عيني تدمع كلما تذكرت تلك اللحظة الأليمة ، لحظة مغادرة فصائل المقاومة العاصمة بيروت إلى تونس ، وتلك السفينة التي أقلتنا ، وأقلت جراحنا ، وغربتنا من جديد . مضى عليَّ في بيروت زمن قبل أن أستقر فيها بعد رحلة العذاب في مشارق الأرض ومغاربها . بيروت كانت تعني لي الكثير ، وتذكرني بالعلبة هذه التي تعني لي بداية الحياة بالنسبة إلى ذلك الشبل الفلسطيني .. الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره بعد .. حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقاله إثر تنفيذه لتلك العملية الفدائية التي تسببت بإصابته هو بإصابات عديدة نجا منها فيما بعد ، واستشهاد زميله في العملية أثناء تفجيرهما لذلك الفندق الإسرائيلي ( الإمبسادور) .. فتم أسره واعتقاله لمدة أربعين يوماً .. كانت المدة المسموح فيها لاعتقال طفل ! عانى في الأسر والاعتقال والسجن شتى أنواع العذاب ، ثم نفي خارج الوطن فلسطين , وأُبعد حسب قوانين العدو المحتل إلى دولة عربية مجاورة ... لأن القوانين الإسرائيلية حينها لم تكن بهذه الشراسة بعد ، أو ربما لأنها لم تكن لتجرؤ على أكثر من هذا ... وترتب فيما بعد نفيُّ أسرته بالكامل إلى تلك الدولة المجاورة ، ليمنعوه ، وبشكل نهائي , من حق العودة إلى تلك الديار , وإلى الموطن الأم ,, وبيت الطفولة والأسرة . والآن ... وقد رحل (الختيار ) ... وتفرقنا جميعاً !! وجدتُ نفسي أمام العلبة الأخيرة ... بقيتُ وحدي أتذكر سنوات النضال ، والكفاح ، والأسر / والتشرد ، والغربة ، والانتظار على أبوابك أيتها القدس الخالدة , ولن يثنيني شيء عن فكرة العودة ، ولو بعد ألف ألف عام .... وسأعود .[/align] |
رد: علب الأيام
اقتباس:
شكر الله لك . اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل البقاع . |
رد: علب الأيام
اختي الكريمة ام ابراهيم آمين اختي الكريمة ان شاء الله ربنا يعز الأسلام وينصر المسلمين ويرد كيد العدا في نحورهم شكرا اختي ودمت بالف خير ميساء البشيتي |
رد: علب الأيام
رجعت بنا أختي إلى مرحلة من مراحل المعاناة .. لبنان .. تونس .. العودة ( الناقصة ).. وعادت بنا الذاكرة إلى أيام الختيار الذي كانت له خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها رغم الاختلافات ..
كانوا في تونس ، وكانوا أقرب إلينا جغرافيا .. كنا نحس بلهيب أنفاسهم المتشوقة إلى جهة الشرق .. حيث غزة .. حيث الضفة .. حيث فلسطين .. و كنا نشتاق لشوقهم و نعاني لمعاناتهم و نأمل لآمالهم . علبك مميزة يا أختي .. و أملي ألاتكون العلبة الأخيرة.. و إذا كانت ، فلتحو أملا في غد أفضل .. هناك في ربوع فلسطين . |
رد: علب الأيام
[rainbow]
اخي الكريم رشيد حسن نعم اخي هم كانوا في تونس أقرب جغرافيا ً اليكم وربما من هنا نشأ تقارب كبير واليوم ومع انحسار كل المنظمة والفصائل بفلسطين الا انها لا زالت تحظى بحب كبير وتأييد من بلاد المغرب العربي الشقيق شكرا جزيلا اخي رشيد على مرورك البهي واتمنى لك كل السعادة والفرح [/rainbow] |
رد: علب الأيام
ولو بعد ألف ألف عام وٍسأعود.
صاحب الإرادة الأقوي هو من ينتصر في النهاية . أسعد الله صباحك . وحفظك المولى . |
رد: علب الأيام
الأديبة العزيزة ميساء البشيتي
علب الأيام ملآى بالتشرد والنضال والإصرار على العودة مهما طال الانتظار. أعتقد بأنّ القوانين الإسرائيلية لم تكن يومًا ما رحيمة بل هي قاسية منذ الشهيد والمبعد الأول. فتحت جراحًا يطول الحديث عنها. خالص المودة. |
رد: علب الأيام
العزيزة ميساء ..
بعيدا عن وهج خواطرك وألق حروفها ، أعود اليوم لهذا القص المميز الذي يستحق القراءة مرات ومرات لملامسته واقعا مريرا مسايرته لنبض الوطن . أحييك ميساء وأنتظر المزيد من محاولاتك القصصية . مودتي . |
رد: علب الأيام
أسميتها الخواطر الجواهر ، فليغص فيها كل عاشق للدر قي أحشاء كلماتك .. رائعة كما أنتِ دوما ؛
|
رد: علب الأيام
الغالية ميساء لقد أثرت ذكريات غابرة خبأتها علب ، أهي علب لفترة النضال الفلسطيني في أزمنة تترواح الذكرى بين نصر وهزيمة هذا هو حال الثورات لكن في النهاية وبإذن الله النصر قادم هذا هو الأمل تحياتي سررت بالقراءة هنا واشتقت لك |
الساعة الآن 32 : 04 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية