![]() |
الكلمة والفعل المقاوم - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]لم يكن الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود مسكوناً بكل هذا العطاء المبدع الجميل، لو لم يكن في الوقت نفسه، مسكوناً بالفعل المقاوم. لذلك كان فعل الشهادة قصيدة كتبت بالدم والنار والروح.. وكل من يقرأ الشاعر عبد الرحيم محمود، يشعر أنه مسكون بخصب وذاكرة الفعل المقاوم.. كان يكتب وكأنه الشهيد الشاهد، يروي حكاية استشهاده، قبل أن تكون الحكاية مكتوبة في واقع الحال.. ربما كان الفعل موازياً لحرارة الكلمة، وربما كانت الكلمة موازية لحرارة الفعل.. ذلك قبل حالة الاستشهاد.. فالشاعر يختزن حرارة الفعل والكلمة في صيرورة حياته.. ومثل هذا الاختزان يولد دائماً التوجه الدائم نحو التماهي مع الأرض والحرية..
عبد الرحيم محمود نموذج للشاعر الفارس والفارس الشاعر.. والأدب الفلسطيني حافل بهذه النماذج التي أصرت على اختزان شهوة الكلام المتداخلة مع شهوة الحرية.. وليس بالضرورة أن نسجل فعل الشهادة أو الرحيل، لنقول بمثل هذا الخط التصاعدي من العطاء.. فالأديب المسكون بكل هذا الومض، يزاوج بين فعلي الكلمة والدفاع عن الأرض.. هناك من يسقط شهيداً، فتكون الشهادة توقيعاً في آخر السطر على أن الدائرة قد اكتملت بهذا الدم الطاهر الذي حضن أرض الوطن امتداداً من الكلمة التي كانت تصر على العطاء الرائع في صدقها العالي.. وهناك من يتابع المشوار مصراً على أنه لن يتأخر في دفع حياته دفاعاً عن تراب الوطن حين يتطلب الأمر ذلك.. وكلاهما يرسمان الصورة بكل أبعادها، ويقتربان من التماهي مع الكلمة والفعل المقاوم بكل المعنى والبعد.. لكن هل كانت سمة الكلمة والفعل المقاوم واحدة من سمات الأدب الفلسطيني؟؟.. ربما كان الأدب الفلسطيني مرتبطاً بالفعل المقاوم، بما يحمل من معان مازالت موجودة فيه حتى الآن، منذ وقت مبكر من القرن العشرين، وبوعي لم يتراجع لحظة عن فهم آلية الانتداب البريطاني ومحموله الصهيوني.. حيث كان الانتداب البريطاني الاحتلالي مقدمة ومعبراً لإحلال الصهاينة في فلسطين العربية.. وعلى هذا كانت الكلمة مرتبطة مع الفعل المقاوم على مدار زمن طويل.. ومثل هذا الامتداد جعلها تنضج وتزداد خبرة.. وطبيعي أن التلازم بين الكلمة والفعل المقاوم لم يتراجع في يوم من الأيام.. المواكب لمسيرة الأدب في هذه الفترة، أو المرحلة، يلحظ أن الكلمة لم تسجل أي ابتعاد عن الفعل المقاوم.. وطبيعي أن التقارب والتلاقي بين الفعل المقاوم والكلمة، لم يكن مجرد تقارب وهمي، بل كان على الدوام تقارباً حقيقياً شديد الوضوح.. حيث سجلت الكلمة تداخلها مع الفعل، وسجل الفعل تداخله مع الكلمة.. وذلك من خلال الأديب المبدع الذي لم يحاول الانفصال عن كلمته وفعله، بل حاول قدر المستطاع التلاحم معهما.. قد يكون زمن الانتفاضة مثالاً قريباً شديد الحيوية على ما ذهبنا إليه.. وإذا كنا نقفز قفزة زمنية كبيرة وصولاً للانتفاضة، فإن مثال الانتفاضة لا يبتعد كثيراً عن وتيرة التلاقي بين طرفي المعادلة.. الانتفاضة تسجل حضوراً خصباً رائعاً داخل النسيج العام لهذه المعادلة.. هي جزء من كل.. ولا تنفصل بأي شكل من الأشكال عن هذا الكل.. ربما كان التغير في شكل الفعل، حيث عمت الانتفاضة لتكون فعلاً يومياً في البيت والشارع والمدرسة وعلى مدار سنوات طويلة شهدتها الانتفاضة الأولى، ثم الانتفاضة الثانية.. فالتصدي هنا تصد لاحتلال واستيطان ومحاولة اجتثاث كل جذور الحق الفلسطيني.. لذلك كانت المقاومة مقاومة تشمل كل شيء، ولا تقف عند شيء محدد.. إنها مقاومة تدافع عن الهوية والأرض والملامح والجذور.. لذلك كانت بنية الشكل متغيرة بعض الشيء.. وطبيعي أن الاحتلال الصهيوني غير مسبوق بمثيل.. كانت الكلمة على مدار فعل الانتفاضة كلمة أيام مقاومة، أيام تشتعل ببركان الغضب، أيام تصر على الشهادة والتحدي والصمود والثبات.. لذلك رأيت أن الكلمة في زمن الانتفاضة، تختزن كل الفعل المقاوم السابق، وتطرح مقولة متطورة من النضال جراء استفادتها من خبرة الأمس، في كلمة تتواصل مع سابقتها، وتبني على أساسها.. والمتابع للكلمة المكتوبة في زمن الانتفاضة، سيلاحظ أنها كلمة شديدة التماهي مع الفعل المقاوم، شديدة اللصق بالدفاع عن الأرض والهوية، شديدة الإصرار على التحرر من الاحتلال الغاصب.. هنا يلتقي الفعل المقاوم والفاعل في مصب الكلمة، وتلتقي الكلمة في مصب الفعل والفاعل.. لقد كان الأدب المكتوب في زمن الانتفاضة أدب عطاء وحرية وخلاص، وأدب سير دؤوب نحو نهار لا تعرف شمسه المغيب .. طلعت سقيرق [/align] |
الساعة الآن 42 : 01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية