![]() |
دعونا نتنفس !! -الكتاب الفلسطيني- طلعت سقيرق
[align=justify]ماذا بقي إذن وما الذي علينا أن نقوله لنشعر أننا نعيش في عالم يعيش فيه البشر ؟؟.. كيف نقتنع أو نقنع جيلا يعيش بيننا وجيلا سيأتي أننا لسنا في غابة محكومة بالاختناق !!؟؟.. لكن من قال إن الغابة بكل حيواناتها المفترسة وغير المفترسة يمكن أن تصل إلى المستوى الذي وصل إليه عالمنا المضحك المبكي ؟؟.. عالمنا الذي ضاعت فيه الملامح وتاهت حتى صرنا نشك فعلا في الوجوه التي نلبسها أهي وجوه حقيقية لبشر أم وجوه مصنوعة من البلاستيك و سواه من المواد التي لا حس فيها ولا شعور ولا ما يشبه الشعور ؟؟.. هل وجوهنا هذه وجوه بشر أم مجرد رسم أهوج لا معنى له ؟؟!!..
لائحة صغيرة قد لا يتجاوز حجمها حجم دفتر من الدفاتر المدرسية حملها طفل في غزة وكتب عليها جملة واحدة لا غير " دعونا نتنفس".. كان هذا الطفل الغزاوي محشورا بين كثيرين من أهل غزة وكل منهم يسجل صرخته على العتمة والجوع والظلم والقتل اليومي وعمى البصر الذي أصاب الجميع دون استثناء !!.. كان هذا الطفل الذي لا يتجاوز ربما العاشرة من عمره يدين كل شيء دون استثناء .. يدين البشر الذين ما عادوا بشرا .. يدين الزمن الذي ما عاد زمنا ..يدين الدم الذي صار ماء يسفح دون جدوى أو معنى ويراق مع ماء الوجوه الخشبية دون التوقف لحظة أو أقل من لحظة !!.. "دعونا نتنفس " .. هل فكر هذا الطفل أنهم ربما غدا أو بعد يسحبون الهواء من فضاء غزة حتى لا يبقى مجال للتنفس!!.. وهل هذا غريب أو بعيد عن وحوش العصر الحديث!!..عصر الحضارة والتقدم وحقوق الإنسان !!.. صدقوني مضحك كل هذا ..مضحك أن نقول حقوق الإنسان ..مضحك أن نقول الحرية .. مضحك أن نقول الحضارة.. مضحك أن نقول التقدم!!.. كم نتقدم ونمشي ونسير بخطى حثيثة ..لكن للوراء !!.. صرخة طفل أكبر بكثير من كل المؤتمرات التي تعقد والنقاشات التي تدور والوعود التي تهدر والأماني التي تطلق .. صرخة تقول "دعونا نتنفس" ..صرخة ترسم دائرة الوجع لتشمل العالم كله ولتسمع حتى من لا يسمع .. صرخة تكاد في فحواها ومعناها تذبح الكلمات التي تلاك في الخطب الكثيرة ولا تصل لأي شيء..لأنها صرخة طفل غزاوي مظلوم مجروح يشعر بضآلة هذا العالم وضآلة هذا العصر وضآلة كل الوعود التي تطلق هنا وهناك .. !!.. هل نحن بحاجة إلى كثير تفكير لنعرف كيف يعيش أهلنا في غزة وهم يلوكون العتمة والجوع والظمأ والقلة والحصار والقهر والقتل ؟؟.. هل نحن بحاجة إلى كثير تفكير لنفسر أو نحلل أو نأخذ في شرح جملة يكتبها طفل تقول "دعونا نتنفس " ؟؟.. بعد أن ضاقت السبل وأغلقت الأبواب وأحكم الحصار وصار الهواء مسكونا بظلم فاق أي ظلم تعرضت له البشرية ؟؟.. هل نحن بحاجة لكثير تفكير كي نعرف أو نستوعب أن الطفولة التي تختصر العالم كله بجملة " دعونا نتنفس" قد وصلت إلى قمة الألم والوجع والشعور بالظلم وأنها ما عادت ترى أي منفذ للخلاص من هذه الوحشية التي صارت تطبع عالما مجنونا مسكونا بالرقص على أنغام القتل والتخريب والتدمير وتضييع كل ما له علاقة بالإنسانية ؟؟!!.. "دعونا نتنفس" يكتبها طفل غزاوي على جدار تاريخ أسود !!.. "دعونا نتنفس" جملة تختصر حال أهلنا في غزة وتدين القاصي والداني بحروف كبيرة قد تخجل من بقي في وجوههم معنى من معاني الحياء!!.. "دعونا نتنفس" هي حال غزة هاشم .. فهل هناك معنى لأي وعد أو كلمة تطلق بعد هذا!!.. يا ويلنا من جرح صار دمه غصة في الحلق!!.. طلعت سقيرق [/align] |
الساعة الآن 18 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية