منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   مدينة د. منذر أبو شعر (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=489)
-   -   رسائل اخوانية 2 (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=22053)

د. منذر أبوشعر 06 / 02 / 2012 52 : 04 PM

رسائل اخوانية 2
 
قلت لي : أنت كالنمل .
تبحث بهدوء ودأب . تبني مدنا ، وتفتش عن دروب جديدة . فتتعثر ، ربما ، لكنك لا تكبو ، لأنك تعاود ثانية . فتحفر الصخر ، وتستخرج القراح من اليباس .
بينما أنا ثور هائج . أناطح الصخر ، وأمسك السماء البعيدة ، وأصرخ بصوت عال . فأدمر ماحولي ، أو أضحك لأفرح كل من حولي .
أخي عدنان :
عندما أكتب إليك ، أتخيل مدينة كبيرة دمرها زلزال مجنون ، فعصفت بأهلها النيران والأوبئة ، وحلَ بها طوفان عاصف .
بل عندما أكتب إليك ، أرى الماضي الحلو البعيد وهما عشناه ، فلما دمرناه وجدنا أننا بأعماقنا نبحث عنه بصورة مشابهة . فصرنا نبكي الماضي ونبكي الحاضر ، ونلعن الماضي ونلعن الحاضر.. وفي كل مرة نجرب ونحاول ، ونطلب سعادة منسربة .

** *** *

في البدء ، وقت تفتح الزهور ، صغنا الدنيا أملا ، فكان الكون أنا وأنت والناس والسعادة الشاملة . لكننا مع الوقت وجدنا أن الكون ليس أنا وأنت والناس ، بل الكون هو الذات . والذات ليست حبا شاملا ، بل حبا متعددا ورغبات كثيرة ، يختلط الحب فيها مع الوحل ، والوحل مع السماء ، والسماء مع الطين . فأردتَ _ أنت ، لا أنا _ النفس ، لأن النفس ليست ما يرسمه الناس ، بل ما تصوغه الذات وترغبه .
فبكيتَ لحظتك ، لأنك أيقنت أنك في بدء أتون سيحرقك ويحرق كل من حولك .
ولأن البدء ثورة ، ألغيت أشياءك لتلغي الماضي الحلو ، الوهم .. فحطمت العالم دون أن تدري ، أو ربما تدري . وخنقت جذور أحلامك وأنت تضحك بجنون .
لكن الماضي ، رغم أنه وقت فائت وميت ، ظل نقطة مضيئة على مسار أيامك لاينطفئ , وثرا عذبا لا ينضب ، وغيثا حافلا ما جف . فسكن أيامك العجاف والقحط والشك .. وكان الماء وقتها قريبا ، لكن النفس قُلََب .
فهل كنتََ تدري أنني وقتها لعنتك ، لأنني لم أعرف أنني سأخطو خطوتك ذات يوم ، وأبحث بحثك ذات يوم ، وأحطم نفسي ذات يوم ، لكنما بصمت وبهدوء ؟!
وهل كنت تدري أن مسافة الزمن بيني وبينك ستأخذ نفسا المسار والشكل ، لكن بأسلوب رصين وصامت ، وبملامح متشابهة تتقارب في كثير من جزئياتها ؟!
لكن ..
ورغم كل شئ , فأنت غير أنا .
أنت أردت أن تحقق ( الكل ) في نفسك ، وتعطي ( الكل ) لنفسك . فترضي أرضك وسماءك وأشواقك وجنونك .. فوحدت المتناقض ، ومزجت الليل ودمع الفجر ، وجمعت الروح وأرق الطين . وقلت لي وأنت تبتسم : نحن خُلقنا من طين مسنون ونفح روح ، فللطين حقه وللروح حقها ، والتوازن يتم بتحقيقهما معا .
كنت متفائلا ، ودفق السعادة يغمرك ، وظننت أنك ملكت الكون ، وحققت السعادة الداخلية بكسر روتين الأشياء ، فصغت فرحك وتوازنك دون أن تلغي من عناصر النفس شيئا .
أما أنا ، ففي داخلي مئة إعصار ، ومئة بركان ، ومئة صحراء ، ومئة زلزال ، ومئة عين تبكي باستمرار , .. وعوالم متفردة تبحث عن الكمال وتصوغه بألف لون ومثال .
أنت صنعت من نفسك ( المثال ) فكنته ، وأنا بحثت عن ( المثال ) في غيري . فكنتَ أنت ( المثال ) لي في البداية ، ثم زدت عليك حتى صار ( المثال ) غيرك ، وما عاد يشبهك إلا قليلا .
كنت أسمو ، وأعانق السماء ، وأقطف النجوم البعيدة ، وأضع جميع أقمار الكون في قلبي ، فيغمرني فرح السمو والرفعة ، وتتفتح أمام عيني طاقات الأمل .
وكانت الأرض تشدني ، والطين يغمس أقدامي ، والوحل يلوث نفسي . لكنني كنت أتطهر كل يوم ، وأستحم بماء المطر وحبات الثلج .
كان قلبي فرحا . والكون صديقي . والله قربي أكلمه بصدق وشفافية مطلقة . وأشعر وكأن الوجود كله خُلق لي وحدي .. ولم أدر أنني ذات يوم سأميت كل ذلك وأمحوه ليظل صورة باهتة وملامح غير واضحة لماض قديم .
لقد قلت لي : النفس سماء وأرض ، ورغبة وروح . فلا تمت عنصرا لتحيي وجود الآخر ، لأن لكليهما حياته ومداه .
وكنت ، أنا ، أطلب السماء ولا أعترف بالطين . وأظن أنني أقدر أن أمتلك الكون فأصوغ من الوحل بيوتا من نور .. ولم أعرف أنني كنت أمشي نحو الهاوية بقدمين ملوثتين .
لقد قال لي أخونا مأمون : لم التعقيد ؟ الحياة حلوة والعمر قصير ، والأمور تأخذ ببساطة ، ولا داعي لكل الأوهام ، وليكن كل شئ طبيعيا : تأخذ النفس حدها وتأخذ الروح حدها .
لكنني لم أقتنع . وظللت أفتش في غيري عن ( المثال ) ، فأراه مرة فيك ، ومرة بديوجين ، ومرة بسارتر ، ومرة بالمسيح ، ومرة بكولن ولسون ، ومرة بأصحاب الوجد وآهات المتصوفة . وفي كل مرة كنت أشعر بإحباط شديد ، ويمتلئ فمي بمرارة وبطعم قابض حاد ، فأكاد أختنق .
أنا حزين يا أخي ، وأشعر أنني شجرة كبيرة ، وأن نفسي رجل عجوز ، بل بحر هرم اختزن في صدره أشجان الذكريات .والدنيا حولي معتمة . والطريق غير واضح .والكون كله بلا ملامح . وأنا وعصاي أتوكأ على الوهم وأطلب المستحيل .
ورغم أن الأشكال قد أخذت صورتها واستعادت صوتها ، إلا أن حلقي جاف وصوتي مبحوح ، ويسكن في قلبي ليل معتم بلا انتهاء وإصباح بلا نور. أنا حزين . وحزني قديم قاس يغلف ذاتي ، ويشكل ضبابا كثيفا يغطي ناظري . وكل شئ لدي بلا جدوى وبلا إحساس .
لقد مات فيَ كل شئ ، وفقدت كل شئ ، وبقيت بلا شئ .
أعرف الخطأ ، وأتلمسه ، وأمسكه ، حتى بت أحفظ دروبه ومسالكه ولمحات خطوه ، لكني لا أريم .
أطلب ( المثال ) في غيري ، و(الكمال ) في غيري ، فأصنع التمثال وأعبده ، وأخلق الطين وأعبده ، وأصوغ الشوق وأعبده . وعندما أرى ( الإنسان) في معبودي أحطمه وألعنه ، وأحطم نفسي وألعنها . فملََ معبودي ، وملَت ذاتي من ذاتي ، وغدوت مع الرعاع وأنتظر غودو ، ليمد يده ويصافحني ، ويغسل بطهره كل أشواقي وكل أحزاني وكل آلامي .. ويلغي من ذاتي ( المثال ) أو ( القدوة ) أو الوصول إلى (الكمال ).
أخي الحبيب :
نفثة هذه .. قد تقرؤها وأنت في عملك أو في بيتك ، أو ربما قد لا تقرؤها لأنك تعرف أكثرها ، وتعرف أن مخزون الأرض إن زاد صار بركانا ، ومخزون البحر موجا عاتيا ، ومخزون الشعوب ثورة أو حقدا ، ومخزون النفس كلمات وآهة .
لك حبي يا حبيبي ، والى لقاء .
10 / 6 / 1985 م
أخي د . منذر صاحب العينين الذابلتين :
كم يعتريني القلق حين أديم النظر في محياك . وكم يعذبني هذا الحزن السرمدي الغائر في عينيك ، المحفور في ثنايا جبينك ..
، فأتيه في دوامة التساؤلات اللا متناهية عن منبعه ومصدره !
لم هذا الاصرار يا ايفان كارامازوف على التفنن في أنماط تعذيب ذاتك ؟ وكم من الوقت يعوزك لاتخاذ القرار أيها ( الهاملت) ؟
وهل ستقضي ما كتب لك من الحياة ، في نحت التماثيل ، والبكاء في المحاريب ، داعيا الاله أن يقذف الروح فيها ، أسوة بصاحبك بجماليون !؟
أفق من ذهولك . وانظر في ذاتك أيها الواهم ، هل تجد الا الحركة النابضة المتجددة ،التي توحي بالحياة ، وتنفي وجود أي انطباق في أي جزء من مكوناتها ؟!
انه الدفق المتجددة التي توحي بالحياة ، وتنفي وجود انطباق في أي جزء من مكوناتها .. انه الدفق المتجدد بلا انقطاع للوجود الحي الذي لاينثني عن التشكل بصور متباينة ، دالا على التمايز بينه وبين الوجود الساكن كالحجارة والملائكة..
ولو أننا حاولنا أن نستشرف آفاقا جديدة في قوله سبحانه :( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) لقلناان قلوبهم فقدت ذلك الرباط الوثيق مع الحياة ، ألا وهو التجدد الحي . اذ أنها ، أي القلوب ، فقدت ذلك الرباط الوثيق مع الحياة ، ألا وهو التجدد الحي . اذ أنها لم تعد قادرة على متابعة الحركة ، فتجمدت ضمن اطار الكفر.
وأردت ، أنا ، النفس ! ولم لا؟! هلا أمعنت الدراسة في حروف النور حينما ترسم الصورة الجلية للموقف البشري على مدارالتاريخ ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من سواها وقد خاب من دساها ) فواجب الوجود هو الذي سواها ، وهو الذي خطَ القانون الفاصل بين فجورها وتقواها ، بينما تمركزت غاية الوجود البشري في عملية (التزكية )و(التدسية)،هذه العملية الديناميكية التي تريك هذا المخلوق ملطخا بالوحل تارة ، ومصافحا الملائكة تارة أخرى .
انها العملية التي بدأت بتشكل بذور المجتمع الانساني مع ذلك الذي زكَاها ، فرفض أن يبسط يده ليقتل من دسَاها ، ووقع فيفي حمأة الطين الآسن حين قتل .
** ** **
انها عملية خلق متجدد غير مكرور . وقد أرهق أعصابك الى حدود فقدان التوازن ، أنك وجدت بناء شامخا فيك ، أو في غيرك ، وقد دمره لوهلة زلزال مجنون ! انه زلزال أسمى من أن تصفه بالجنون ، فهو كيمياء هذه الحياة !
هو نهاية خطوة وبداية أخرى ، بتركيبة دياليكتيكية غريبة ! وأجدني مدفوعا لاستعارة لعبة ( الدومينو) من طفل صغير لتقريب هذا المفهوم بعبارات ميكانيكية .
النفس هي هذه الأحجار الملونة ذات النتؤات والمفاصل . والألهام يتجلى في هذه المخططات المتعددة للأشكال التي يمكن لهذا الطفل أن يقوم بتركيبها , ولملمة شعث هذه الأحجار المبعثرة ، وفق المخططات المطروحة ، هي التزكية والتدسية التي تُثبت
خراقة الطفل أو تفوقه أو نبوغه. وابقاء الأحجار ، دونما محاولة تجميعها ، هو السكون والموت.
اننا نقوم بشعور ، أو بغير شعور ، بعملية تركيب وتحليل مستمرة داخل نفوسنا . وهذا ما أسميه الحياة ، رغم العذابات المضنية التي تكتنف هذه العملية ، وأخص بالذكر أولئك الذين كان لديهم من الادراك ما يخولهم أن يرقبوها عن كثب ، ويرصدوا حركتها باحساس مرهف .
الباحث عدنان أبوشعر

نصيرة تختوخ 23 / 07 / 2012 34 : 12 PM

رد: رسائل اخوانية 2
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]تأملات أخوية في الحياة والذوات.شحذ التفاؤل أمر صعب أحيانا والأمثلة أمامنا قد تغيب أو يصعب استحضارها حين يصير الظرف مغايرا والغد مجهولا لكن النفس مليئة بالطاقة الإيجابية المخزنة تلك التي تتجلى من بين حروفكما د.منذر ود.عدنان.
تحياتي لكما وكثير من الأماني الطيبة.[/align]
[/cell][/table1][/align]

د. منذر أبوشعر 05 / 08 / 2012 54 : 03 PM

رد: رسائل اخوانية 2
 
الآنسة الودودة نصيرة تختوخ :
لا أدري ، كلما قرأت لك ، كيف أتخيلك دائما ، ( نصرت ) العاقلة ( القائدة) في كل الآماسي والمناسبات ! كيف كنت ، وربما ما زلت ،تستمعين لكل همّ ولكل شكوى ، حتى تنسين نفسك أو تكادين ! بل كيف يمر الزمن ، وتظلين أنت أنت ، العاقلة ( القائدة ) فيُنسى أن تُسألي مرة ، ولو عرضا ،عن حقك في كسر قيد الريادة ، والانطلاق بحرية دون أسر القيد ، لتعبري عن همّك وشجنك وعمق جراحك !
فتتمنين ،ولو مرة ، أن تسمعي صوتك أنت، أو شجنك أنت ! أوتنصتين إلى أنين صراخك !
وقد أكون واهما في ذلك كله ! لكنه مجرد إحساس أحببت أن أنقله إليك !
وكل الخير لك ، ويبقى عذب صدق صحبة الدرب .

فتيحة عبد الرحمن 05 / 08 / 2012 30 : 06 PM

رد: رسائل اخوانية 2
 
نصوصك تحتاج فنجان قهوة ليحلو التأمل سأتركها للمساء وسأكتفي ببصمة لتثبيت الطريق

كل الود والتقدير

د. منذر أبوشعر 06 / 08 / 2012 28 : 06 AM

رد: رسائل اخوانية 2
 
الآنسة العزيزة فتحية عبد الرحمن :
عسى ألا يطول الانتظار .
وكل الشكر لك ، ويستمر طيب اللقاء .

فتيحة عبد الرحمن 06 / 08 / 2012 47 : 06 AM

رد: رسائل اخوانية 2
 
حتى مع فنجان القهوة أخذت منى وقتا لأتأملها
كنت سعيدة جدا وأنا أرسم ملامح من أُرسلت إليه ( عدنان)
وسعيدة وأنا أرسم ملاح الطفل فيك وهو يشعر لحظة التميز ولحظة العقل
ليتك كتبتها نصوصا عديدة لكنت استمتعت أكثر فمدى التصوير هنا فاق كل الأبعاد
وكأنك بالكلمات أعدتني للطفولة وللشباب وبالكلمات توغلت بي داخل دهاليز الروح في كل حالاتها
من حب وفرح وعزم وقرار ولحظة انتصار وحتى لحظة التذمر وأحاسيس أخرى ربما لا يشعرها هنا إلا من أطال التأمل ...

سأقرأ رسائلك وسأتأملها ليس لأنني أعشق الرسائل فحسب بل لأن رسائلك مميزة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى
وربما لأن البحث عن الذات وطنه أحرفنا / فيض محبة وتقدير أستاذ

د. منذر أبوشعر 06 / 08 / 2012 38 : 02 PM

رد: رسائل اخوانية 2
 
الآنسة المميزة فتحية عبد الرحمن :
أبحر معك الى عوالم الدهشة .. أتكئ على بوابات الزمن الفائتة وأنا أبتسم ، وأقول لك بهدوء المطمئن : ما دمنا نرى صدى أصواتنا
، فمازالت خواص عوالمنا حقيقة ، نراها مع الآخرين ، ونرحل مع حلم طويل طويل .
وكل الخير لك ، وتستمر صحبة طيب اللقاء .


الساعة الآن 21 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية