![]() |
عندما يصرخ الشجر...
أستهل مشاركاتي في هذا الركن بهذه القصة، مستنيراً بأسلوب أستاذتي ميساء البشيتي ولها كل الاحترام بُعَيْد الغروب بقليل، وعلى ناصية شارع باهت... وقفت؛ أرقب المشهد: شجرتان متجاورتان، متلاصقتان تقريباً، إحداهما باسقةٌ هرمة، ذات جذع أثخَنَته آلام غير معلَنة، وأغصان متشابكة قديمة الأوراق لم تحتفل بالربيع، والأخرى شابة رشيقة، لمّا تعركها الحياة، شاركت في حفل الربيع بأغصان مورقةٍ أوراقاً خضراً ندية، لا الخضرةَ الشاحبة التي شوهها تلوث مدينتي، وإنما خضرة تتطلع إلى الحياة بكل أمل وشوق، تحلو فيها استدامة النظر.. كل منهما سعيدة بالأخرى، الكبرى تحنو على الصغرى بظلها الوارف، والصغرى مولعة بالكبرى تتوق إلى اليوم الذي ستصل فيه تلك الضخامةَ والعظمة، وإلى حينه تجاورها و تؤنس وحشتها. اعتلى كلاً منهما كائن بشري، أجل إنه إنسان... وأين هو من الإنسان كل منهما يحمل في يده أداة بغيضة، مصنوعة تماماً بحيث تلائم (إنسانية) من يحملها، ذات مقبض قاسٍ، و فكٍّ أشبه ما يكون بالساطور... يُعمِلان هذه الأداة جيئة وذهاباً في أذرع الشجرتين، يقطّعانهما، وآذانهما صمّاءُ عن سماع صرخاتهما التي ملأت كياني كله. غضبت غضب العاجز، المقعد، الذي ماله من الغضب سوى تلوّن وجه، وثورة نفس مقموعة، وتردُّدٍ دائم بين صيغتي: افعل! ولا تفعل! محاولاً أن أحتفظ بما يسمى اللباقة الاجتماعية الزائفة، سألت أحد المتفرجين: - عفواً، هل لك أن تخبرني بما يحدث؟ (مشيراً إلى ذلك المشهد) فأجابني بابتسامة صفيقة، دلتني على أنه (صاحب الشأن): - إننا نقطع الشجرتين! أجزاء من الثانية عشتها محاولاً أن أستوعب: أيُّ إجابة وقحة متوحشة هي هذه؟؟ و أنّى لك أن تبتسم وأنت تنطق بذلك اللفظ الخالي من كل رحمة؟ هل ظنني عاجزاً عن إدراك أن ما يحدث هو قطع للشجرتين؟؟ أهو جاهل بمقصدي إلى هذا الحد؟ قد فهم سؤالي استفهاماً وغفل عن أنه استنكار! ربما كان قناع اللباقة هو السبب... - حقاً؟ ولم ذلك؟ - آه! لا شيء مهم! إنهما بأغصانهما تحجبان واجهة المحل، فيخفض ذلك عدد الزائرين.. فكان لا بد من قطعهما - هكذا إذن؟ وهل ستقطعهما كلياً؟ - لا، لا ! (أعوذ بالله!) سنقطع الأغصان فقط، بحيث يزول الحجبُ عن واجهة المحل والتضررُ عن عملي! غصصت بألمي، و سرت على غير وجهة؛ سيراً لم يدم أكثر من دقيقة، تراءى لي فيها هذا الشخص مُقطَّعَ الأيدي والأرجل، حوله الناس يتأملونه ببرود، برودٍ خالٍ من كل شفقة، وكأنهم يرونه بكامل صحته. كدّ ذهني من تلاحق صور مسرعة، لم ترحمني تلك الصور، ولم يرحمني حسابها كذلك تعاقبت أمامي عشرات، مئات، آلاف بل مئات الآلاف من الأشجار وهي تُقْطَع... تُقَطَّع تمد أذرعتها محاولة الهرب فيبترونها، تفتح أفواهها لتصرخ استغاثةً فيسقونها القطران... مستغلين كل نقاط الضعف فيها فلا وجوهَ بتعابيرَ مؤلمة، ولا صوت يؤذي سبات ضمائرهم، ولا حركة... بل ولا حتى رعشة. ذبح الشجر أيسر من ذبح دجاجة، فلماذا التلكؤ وذبحها مباح بذرائع السكن والعمل والحضارة؟ يتجرد الإنسان من كل إنسانيته عندما ينظر إلى الأشجار على أنها جمادات، لا حياة فيها، ولا رمق تذهب الصرخات أدراج الرياح، في عملية اغتيال نظيفة، فلا دماءَ تلوث مسرح الجريمة، وإنما كل ما يبقى هو جذع أبتر محفور في الأرض، استعصى عليهم اقتلاعه، ليبقى شاهداً على حياة شجرة ونهايتها، بجريمة نكراء فكيف بعد هذا نَعيب على البشر قتلَهم بعضهم، واستباحةَ دماء وأعراض إخوانهم، خالعين كل لبوس للتراحم بينهم.. ليفقدوا بذلك آخر دليل.. يجمعهم تحت لواء الإنسانية |
رد: عندما يصرخ الشجر...
صباح الورد ابني سعيد
بداية مباركة إن شاء الله لا شك يا سعيد أن أسلوبك مذهل وآسر فأنا لا أترك حرفاً دون أن أقرأ وأشدد عليه لأن لغتك العربية متينة وجميلة بل ساحرة .. القصة رائعة والمضمون أكثر روعة وصدقني أنني تأثرت جداً تناولك للفكرة بهذا العمق جعلنا ننظر للموضوع من زاوية أخرى لك أن تكتب القصة ابني سعيد فلقد كنت بارعاً جداً والأهم من كل هذا وذاك أنا أحب جداً هذا العمق في طرحك فهذا يجعل لكتاباتك سواء في الخاطرة أو القصة نكهة مميزة جداً .. ما شاء الله عليك ابني سعيد أنت تمتلك موهبة فذة ربي يحمييك يا سعيد وواصل ابني صدقني أنك تدخل البهجة إلى قلبي . |
رد: عندما يصرخ الشجر...
صباح ورود الدنيا كلها يا أستاذتي أخجلني إطراؤك، فلم أدرك بأن هذه الأقصوصة البسيطة سيكون لها أثر في نفسك لكني قلدت أسلوبك يا آنستي، ربما هذا هو السبب حاكيت كتابتك عن قصص واقعية، فهذا الحدث حقيقي لم يتجاوز عمره يومين،وقد حاولت أن أمتنع عن كتابة الحدث، لكن قلمي تمرد حاكيت أسلوبك في التقليل من عدد الشخصيات والحوار الجاري أظن، في قصتي هذه، امتزجت القصة بالخاطرة، ولم أحسن التفريق بينهما سأثابر على كتابة القصص، لكني بحاجة دوماً إلى الإلهام... وليته يكون إلهاماً إيجابياً أسعدك الله بما يرضيك يا آنستي دمت بألف ألف خير |
رد: عندما يصرخ الشجر...
كعادتك تأسر الألباب عزيزي سعيد
شعرت بأنني داخل القصة حقاااااا قصة داكنة مليئة بالنقاط الفاقعة المزركشة بالألوان دمت متميزا مزيدا من التطور تحياتي كريم نت |
رد: عندما يصرخ الشجر...
عزيزي كريم أظن أن عنصر الحقيقة في هذه القصة هو ما جعلها متميزة تنقل قراءها إلى رؤيتها واقعاً أنت تعلم، وغيرك لا يعلم، أي بهجة تضفيها على كياني بتشجيعك الذي لم يعرف الكلل أبداً بكل حب، أشكر لك سكب نسيمك العطر على أقصوصتي |
رد: عندما يصرخ الشجر...
الحِبّ ابنُ الحبّ، ابن أخي الغالي أبو عدنان: بساعدٍ فتيّ نبني بحور خُضرةِ نفس.. فيجمُلُ الكون، لكن البدء يكون من الذات أولاً، وبالدُربة ثانياً، ومزيدِ يقين وتوكل ثالثاً. عمك: منذر محمد سعيد أبوشعر |
رد: عندما يصرخ الشجر...
عماه الحبيب آهٍ في زمن فارقتنا فيه خضرة الأرض وخضرة النفوس... مع أنه في العامية (النفس الخضراء) كلمة يراد بها صفة غير محمودة لكني أقصد كما قصدت أنت، النفس الخضراء المنتعشة بالأمل، المتطلعة إلى الحياة بلون الربيع سرني لقاؤك هنا يا عمي، ببصمتك الراسخة المتميزة |
رد: عندما يصرخ الشجر...
[align=justify]العزيز محمد سعيد ..
عايشت كل أحاسيسك منذ ملاحظتك لتلك الشجرتين وانتهاء بقطع أجزاء منهما .. هكذا هي نفسية الأديب .. تفرح و تحزن على إيقاع مسرات و احزان الأخرين سواء كانوا أناسا ، حيوانات أو نباتا ، مثله في ذلك مثل الفنان . سعيد بقراءة باكورة مشاركاتك متمنيا لك التوفيق .[/align] |
رد: عندما يصرخ الشجر...
كم سرّني -ويسرني دائماً- الترحيب بخطوك الكريم إلى هنا أستاذ رشيد القصة حدثت معي حقاً، ولم أطق صبراً على كتابتها لتأثري بها لا تطل غيابك أستاذي الفاضل، فأنت كما تنثر الكلمات كحبات اللؤلؤ البراقة، تنثر السعادة الدافئة أينما توجهت كل التحية لشخصك |
رد: عندما يصرخ الشجر...
في انتظار عودة القمر بعد الخسوف...
|
الساعة الآن 15 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية