منتديات نور الأدب

براوى

فى اثناء فترة خدمتى العسكرية كلفت باجتياز بعض الدورات التدريبية والفرق الخاصة بعضها كان لمدة عدة شهور والبعض الاخر كان لمدة عدة اسابيع وكانت جميعها تشترك فى الالتزام الشديد بالنظام والجدية فى التدريب وكانت تشمل التدريب على النظام والطاعة والاستخدامات المختلفة للسلاح والاشتباك وبعض انواع
من تدريبات السويدى ومبادئ المصارعة بالاضافة الى طوابير السير مرتين اسبوعيا و التى كان يصل طولها الى عشرين كم لتربية قوة التحمل فى الجنود
نتج عن احدى هذه الدورات ان اصبت بامساك شديد نتيجة المجهود المبزول وعدم تعويضى للسوائل المفقودة بالقدرالكافى وترتب على ذلك ان حدث شرخ فى المستقيم واستمر النزف عند كل حمام والالام المبرحة طوال هذه الخدمة وما بعدها رغم استمرارى فى استخدام الملينات الصناعية مع كل وجبة
وبعد انتهاء الدورات كلفت ضمن وحدة الحراسات بتامين بعض المنشاات الهامة وهى حراسة خارجية ولمدة اثنتى عشرة ساعة يوميا وخدمتها راجلة وبدون جلوس وكانت هذه الخدمة فى ليل الشتاء صعبة للغاية
حيث ان الصقيع يقترب من التجمد
وعند نهاية خدمتى العسكرية كنت قد اصبت ايضا بالبواصير النازفة نتيجة هذه الخدمة الليلية الشاقة والتى استمرت اكثر من سنتين
توجهت مباشرة بعد خروجى من الخدمة الى الدكتور عبد المجيد وكان اشهر دكتور جراحة عامة فى المحافظة
بالاضافة الى انه كان على علاقة طيبة بوالدى
بعد الكشف الظاهرى قرر الدكتور اعطائى كورس مضات حيوية ومراهم وكريمات وذلك لان البواصير متضخمة وكذا لتطهير الشرخ من التلوث واستمر ذلك لمدة اسبوعين
وعند اجراء الجراحة فى العيادة الخاصة وكانت الساعة الثامنة مساء رفض دكتور التخدير اعطائى بنج نصفى اى اعطائى حقنة البنج فى سلسلة الظهرولا اعرف سببا سوى انه قال انك سبق ان اخذتها مرتين من قبل
وفعلا كنت اجريت عمليتين جراحيتين فى اثناء دراستى الثانوية واخذت فيهم بنج نصفى
وتم تخديرى تخدير موضعى بان يتم غرس الابرة فى كل سم من مكان العملية ..ومع بدئ الجراحة شكوت للطبيب بانى اشعر بتقطيعه لهذه الذوائد اجابنى بانى اخذت اقصى كمية بنج يمكن ان يتحملها جسمى
وسالنى عما اذا كنت مدمنا لاى من المخدرات قلت له بانى مدمن للتدخين فقط وان كنت تناولت بعضها احيانا عن طريق السجائرفضحك وقال علشان كده انت حاسس بالالم والبنج مش مؤثر معاك
وبعد ذلك مباشرة انقطع التيار الكربائى وتم اضاءة عدة شمعات الى ان تم احضار كولوب بمعرفة عامل العيادة واخر تم احضاره بمعرفة قريب لى من احدى الاسر المعرفة بعد ما يقرب من نصف ساعة حيث تم استكمال الجراحة على نور الكولبات وهى تعمل بالجاز اى الكيروسين
فى اليوم الثاتى للجراحة سمح لى بالشراب ثم الغذاء بمجرد خروج الريح
ظللت فى العيادة لمدة ثلاثة ايام كان طعامى فيهم هى الفراخ البلدى الصغيرة المسلوقة وقد زهدتها وزهقت منها الى درجة اننى لم اكلها من بعدها اطلاقا لانها بتذكرنى بهذه الايام
لما سمح لى الدكتور بمغادرة العيادة على ان التزم بالراحة التامة فى المنزل غيرت فقط من سلوك اكلى
من الفراخ الى الاكل الحرش مثل البدنجان المخلل والبصل الجرجير والفجل الخ
استمريت على السرير تسعة ايام لا استطيع عمل حمام رغم ان بطنى مكركبة وزى قربة الميه من كثرة الملينات وشربات الزيت التى اخذتها يوميا والتى بلغ عددها ستة زجاجات زيت برافين
كانت المشكلة هى عدم الحركة الدودية للقاولون من اثر البنج الذى وضع فيه
وفى اليوم العاشر تحرك واستريحت
اثناء فترة وجودى فى العيادة زارنى اقربائى والمقربين منى
وفى المنزل جاء لى اصحابى وجيراتى وكانت سهراتهم تمتد الى مابعد منتصف الليل واحيانا الى قرب الفجر
فى احاديث وحكاوى تنسى المريض مرضه
ووفى اخر يوم لى حيث نويت السفروبعد انصراف الضيوف بعد الساعة الواحدة صباحا وعند توجهى لحجرة النوم نادت على شقيقتى .. لاسلم على ام حسن التى جاءت لتطمئن على .. وانا لا اعرف من هى ام حسن وانا فى طريقى اليها قابلتنى فى الصالة بوجه ضاحك مالوف لى وليس غريب على... لكنى ناسى اسمها
وانا احاول اتذكرها واجهتنى بصوتها العالى ..طبعا مش فاكرنى ولا عمرك ح تفتكرنى
طول عمرك براوى ولا بترسى على بر..اخدت ايه من بعدك وغربتك
واستمرت فى كلامها مش فاكر لما كنت بتلعب فى الشتا وتعمل طابور وتغنى وتقول شتا يا شتا زمر يا حسين
فين الجبنة والرغيفين ولما كنت بتلعب على الكوم والواد محمود زقك من على الكوم ووقعت ورجلك اتملخت
ولا لما طلعت على شجرة التين الشوكى وهدومك وجسمك كله اتملى شوك وقعدت فى المصرف تدعك جسمك بالطين علشان تطلع الشوك منه وكل مرة كنت بتاخد علقة من ابوك انا اللى كنت باقول لامك
كانت اختى قد وضعت بعض اطباق الفاكهه والتسالى وذكرتنى باسمهاوجلست تحكى لى عن حالها وظروفها بعد رحيل زوجها واطفالها الصغار وانها تتولى بنفسها زراعة ارضها وتنوى فتح محل لتجارة ما لم تحدد بعد نوع التجارة .. بقالة .. عطارة ..خردوات...
..لازالت تفكر ولم تسالنى عن رايى ......... لكى تساعدها على مصاريف المدارس
كان الفجر قد اذن ولما كنت نويت السفر فقمت بتجهيز شنطتى ... وبعد صلاة الصبح
سلمت على اختى وكانت واقفة بجوارها سلمت عليها ... وكانت اختى توصينى وتنصحنى بعدم التاخير والغياب
الكتير وانا اجاوبها واطمانها انشاء الله لن اتاخر كتير
كانت هى تردد موجهه الكلام لى دا براوى .. مالوش رابط . بيعمل بالعند وهى تكاد تضحك من فرط ابتسامها
ولما نظرت لها انا واختى كعتاب خفيف بما يعنى مش كده قالت بسرعه ليه انا مش عرفاه من صغره انت اخته اه بس اصغر منه كنت بتشوفيه ساعة الاكل بس انما انا كنت قده وبالعب معاه والابتدائى كله معاه فى الفصل ما بيفكرش فى حد وما بيفتكرش فى حد اللى قدامه لاهيه ومنسيه
سلمت عليها وانا باوعدهم بانى لن اتاخر وهى تردد لما نشوف ...يا براوى
وسافرت واخذتنى الايام مثل امواج البحر تطوى فى موجة ورا موجة من عمل ومشاكل عمل الى زواج الى اولاد الى مدارس وجامعات اكثر من عشرين سنة مضت حين ذهبت الى البلد فى مناسبة عزاء
وقابلتنى وبعد ان تبادلنا السلام وكلمات العذاء قالت مش انا قلت لك من زمان انك براوى ما بتسمعش الكلام
وسالتنى ... حجيت كم حجة .. قلت لها لم احج بعد
قالت بانها حجت عدة مرات ... وان ابنيها يعملان فى السعودية ...
واستاذنت . لان احفادها الصغار وحدهم فى البيت ومشيت بسرعة ولاول مرة كلمة براوى تتردد فى سمعى وترن فى اذنى .. وكانها تستدعى عمرى كله من ايام الطفولة.........
كلماتى وبقلمى
محمد جادالله محمد الفحل