منتديات نور الأدب - الملكة الأسطورة / رهف عدنان أبوشعر

[align=justify]
سلسلة شيء صغير يتكلم- الحلقة الثالثة

السفر عبر الزمن.. حلمٌ تحوَّل إلى هواية أمارسها دائماً! أتنقّل عبر المكان والزمان فيصبح عمري مئات أو حتى آلافاً من السنين أتعرف فيها إلى بلاد جديدة وأصدقاء جدد ، وهذا معروف لديكم فقد سبق أن أخبرَتكم قريبتي (البذرة) في عدد المجلة الماضي أننا معشرَ البذور رحّالة من الطراز الأول، كما أنها لم تنس أن تدعوَني للقائكم في هذا العدد.
أنا هي حبة القمح الشهيرة و المباركة يا أحبتي، لقد أفقْتُ في زمنكم هذا بعد سبات طويل جداً دام ستة آلاف من الأعوام عندما قام بعض علمائكم باستخراجي من مجاهيل أهرامات المصريين القدماء! ويالدهشتهم عندما قاموا بزراعتي فنبتُّ ! ربما ليس من حقي كشف أسرار بقائي على قيد الحياة شابة نضرة طوال تلك السنين، فذلك من شأن الله تعالى في إعجاز خلقه سبحانه، لكنني أستطيع أن أروي لكم جزءاً من قصتي .. قصةِ حبة القمح التي تحولت إلى أسطورة حقيقية في تاريخ البشر وكيف توّجها الإنسان حتى هذه اللحظة، ملكةَ الحبوب بلا منازع!
في بلاد مابين النهرين، وقبل أحد عشر ألف عام تقريباً، وجدني بنو الإنسان فزرعوني واتخذوني غذاء كاملاً لهم حتى قبل أن يتعلموا تحميصي وطحني، وقد روى الإنسان القديم عني القصص و الأساطير و أقام من أجلي الاحتفالات و الأعياد، فكنت دائماً رمز التفاؤل و الأمل و الخصب، وحفرَتْ سنابلي على المعابد و في مداخل البيوت فكانت لي مكانتي الدينية المرموقة لدى شعوب العالم القديم، حتى أن المصريين القدماء قاموا بتخزيني مع الثمار الثمينة داخل أهراماتهم مما جعل تلك الأهرامات تشتهر بلقب" مخازن غلال العالم القديم".
مرت سنونٌ استخدم الإنسان فيها لتحضيري أدوات بدائية كالرحى و غيرها، وكان المزارع آنذاك لا يزال يستغرق أربعاً وستين ساعة من الوقت في إعداده تربة الحقل ووضع البذار فيها. وفي القرن التاسع عشر طوّر الإنسان الآلات التي كان يستخدمها في زراعتي و حصادي و طحني فوفر الوقت و الجهد اللازمين لذلك.
دخلتُ التاريخ من أوسع أبوابه وانتقلت إلى القارتين الأميريكيتين مع المستكشفين و المهاجرين، فكنت المادة الغذائية الأكثر استهلاكاً في العالم رغم المنافسة القوية التي واجهتها من الذرة و الأرز، فقد اكتشف الإنسان عني أني أنبت في الأجواء الحارة و الباردة و المعتدلة، و أستطيع أن أنمو في السهول و الجبال و الأغوار، أي بعبارة أخرى في كلّ أجواء و بقاع الأرض.
ولكن لماذا يظلمني إنسان العصر الحديث، بل يظلم نفسه عندما يرمي غلافي الخارجي (النخالة) الذي يحوي قيمتي الغذائية الكاملة؟ هو يبقي مني لغذائه نسبة الأربعة و الثمانين بالمئة ، والتي لا تعدو عن كونها نشاء خالصاً لا أكثر، ويستهين بتسعة في المئة من وزني جاهلاً أنه غلاف (نخالة) يحوي أكثر من تسعة عناصر أساسية لعقل و جسم سليمَين.
ففي ذلك الغلاف الصغير تجتمع ستة فيتامينات بائية(ب1، ب2...ب6)، وفيتامينات أخرى غيرها، ومادة فوسفورية تغذي الدماغ و الأعصاب، و حديد يهب الدم حيوية و قوة، وكالسيوم، وسيليكون لتقوية الشعر ولمعانه، و (يود) لتنشيط عمل الغدة الدرقية، وبوتاسيوم، وصوديوم ، ومغنيزيوم تدخل جميعها في تكوين الأنسجة و العصارات الهاضمة، و فوائد علاجية غيرها كثير.
في داخلي يا أحبتي عالم كبير واسع، في داخلي أعاجيب وقصص ومعلومات كثيرة لو تعرفتم إليها مجتمعة لخشعت قلوبكم.. بذرة واحدة قادرة بقدرة الله على إنبات سبع من السنابل،في كل سنبلة مئة حبة!
رجائي إليكم يا أحبتي هو أن تقوموا بتخزين بعض من حبوب سنابلي المباركة، فمن يدري لعلها تستيقظ بعد مئات آلاف من السنين فتجد نفسها في عالم آخر ، أو تغدو غذاء لأبناء المستقبل البعيد، أو ربما تجد نفسها وقد أصبحت بين فضائيين من غير كوكب الأرض؟!
ألقاكم مع أول قضمة من رغيف خبز شهي..
حبة القمح

[/align]