منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة / خيري حمدان (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=281)
-   -   الحبّ في زمن الغياب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=23066)

خيري حمدان 10 / 06 / 2012 30 : 02 PM

الحبّ في زمن الغياب
 
الحبّ في زمن الغياب

كثير من الأحيان تفرض علينا المصادفات بعض الحقائق التي لا يمكننا الهرب من أطرها لسنوات طويلة. كسقوط حجر أو طوبة رملية في أثناء مغادرة أحد المواطنين على عجل للمبنى أو من فوق أحد المرافق العامة، خوفًا من التأخر عن العمل، فيسقط في مكانه قتيلا أو جريحًا، أو تعثر فقير في كومة من التراب ليجد بيده إسوارًا من الذهب. لكن من النادر أن تلنقي عينا رجل تائه بين دروب الدنيا بعيني فتاة كان يبحث عن انعكاسهما في يومياته منذ عقد أو يزيد من الزمن. مصادفة في حافلة أو عند منعطف الطريق أو في صالة استقبال المسافرين في مطار دوليّ!
صَعَدَتْ مسرعة في القاطرة الخلفية للقطار المتوجّه إلى إحدى المدن الساحلية قبل إقلاعه بثوانٍ معدودة. كنت أقف عند المحطة الإسمنتية الفاصلة ما بين عالم الذهاب والإياب، حين رأيتها تمرّ في الممرّ الداخلي للقطار للبحث عن مقعدها. توقفت لثانية واحدة، نظرت إلى البعيد عبر الشباك الزجاجي المزدوج، لتسرق جمال اللحظة، ولتقدّم هديّة للواقفين في زحمة اللحظة المتسارعة في الزمن الداخلي للقطار والواجمة في حاضري، تمثّلت بلون عينيها العسليتين، وشعرها الحالك كليل شرقيّ، وابتسامة مقبلة على الحياة. التقت أربعة أعين لم نتنازل عن ملكية أبدية اللحظة - أنا وهي. التقت في لحظة انتظرتها لعقد من الزمان، لكن اللحظة عاجلتني وانتهت ليمضى القطار إلى بحر، إلى محيط، إلى عالم الرخويات، إلى الغياب. أخذت أستعيد قدراتي لفهم علوم النسبية والاحتمالات، لمعرفة مدى الفرص المتاحة أمامي، للعثور على هاتين العينين دون غيرهما؟
المصادفات شحيحة في قطار الحياة السريع، لكنّ يحسن بنا اختطافها فور حضورها، وإلا فإن العلوم النسبية قادرة على رفع البطاقة الحمراء في وجه المعنيين وأنا على رأس هذه القائمة! لكن هل يعني هذا بأن أركض خلف القطار السريع، أو المسارعة للمطار الدولي للبحث عن طائرة مغادرة إلى المدينة ذاتها، لانتظرها عند المحطة الإسمنتية هناك في احتمالات الغياب. لكنّها قد تهبط من القطار قبل البحر بكثير، فهناك ستّ مدن رئيسية تقع على طول الخطّ المؤدي إلى نقطة النهاية. لهذا انقضت خمس سنوات كاملة وأنا أبحث عن تلك العينين اللتان تاهتا في زحمة النهار وعربدة الليل.
"لم أنسَ عينيك طِوال نبض الحياة، لم أخنْ حضورك المغيّب، لم تقرب شفتاي شفتي امرأة أخرى". هذا ما أردت أن أقول لها فور لقائها. غالبًا ما كنت أذهب لمحطّة القطار لتناول فنجان قهوة، لعلّها تظهر ثانية من الفراغ العابث، جامعة شعرها ككعك العيد فوق رقبتها، أو ناثرة سواده على كتفيها. من يدري قد تظهر بصحبة رفيق، زوج، خطيب، أخ أو ابن، وقد لا تظهر أبدًا ما دامت رغبتي الجامحة بالتعثر في طريقها ثانية متنامية! بقيت الكلمات التي وددت اسماعها مقيّدة ومحصورة في داخلي، حتّى أنّي لم أتجرأ على تسطيرها لأنّ هذا يعني بأنّ الحكاية قد انتهت. لهذا لم أكتب حرفًا، وبقيت أبحث عن الذات الإنثوية التي أرغمتني على طرق أبواب العشق من أضيق أبوابه الممكنة. قد تتساءلون "لكنّك بدأت بكتابة حكايتك؟" هذا صحيح. أنتم على معرفة بما يموج في روحي من مشاعر متدفقة، لهذا سارعت إلى رسم لوحات أخرى من البوح لن أصرّح عنها الآن، وسأبقي متن حكايتي رهنًا للمستقبل. لا أدري كم من الزمن سأنتظر هذا الحبّ الغائب، لكنّني أشعر بأنّ الدقائق آخذة بالتراجع، بعد أن أعتقني عملاق الوقت، وربّما يكون قد قرر بأنّ ساعة اللقاء قد أوشكت.

توأمة النصّ قصيدة

الحبّ في زمن الغياب

أنا الراحل دومًا نحو المغيب،
بعضي قادم من خلف السحب بحثًا عن
غد آخر، بحثًا عن لحظة تائهة أو شبه حبيب
يحضرني الحبّ صباحًا في زحمة الغياب
يحضرني مساءً، يحضرني صباحًا ومساءً
ثمّ تهرب اللحظة دون النظر إلى الخلف
حيث أنا أجلس على قارعة الطريق
بانتظار قطار عابر، أو خوفًا من
قطار هرب بما حمل دون رقيب.

نصيرة تختوخ 10 / 06 / 2012 43 : 05 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]قدر بعض النساء أنهن يحركن شيئا عميقا في القلب.
تقديري لتجدد نشاطك ولإبداعك الدائم أستاذ خيري.
دمت بخير.[/align]
[/cell][/table1][/align]

خيري حمدان 11 / 06 / 2012 02 : 05 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ (المشاركة 149836)
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]قدر بعض النساء أنهن يحركن شيئا عميقا في القلب.
تقديري لتجدد نشاطك ولإبداعك الدائم أستاذ خيري.
دمت بخير.[/align]
[/cell][/table1][/align]

الأديبة العزيزة نصيرة تختوخ
أشكر تفاعلك مع القصة، وكما يقول الفرنسيون ابحث دائمًا عن المرأة
تحياتي ودمت بخير.

فاتن عزالدين 11 / 06 / 2012 43 : 08 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
ما أشد روعة ما قرأت هنا

جميل أنت

خيري حمدان 11 / 06 / 2012 34 : 09 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن عزالدين (المشاركة 149918)
ما أشد روعة ما قرأت هنا

جميل أنت

الأديبة فاتن عز الدين
شكرًا لحضورك الأنيق، دمت بمحبة

رشيد الميموني 19 / 06 / 2012 55 : 05 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
[align=justify]أخي المبدع ..
الأمل يولد الانتظار .. والانتظار هنا لم يولد مللا .. بل أضفيت عليه من جمالية حرفك حتى شعرت أنني أنتظر معك .(ابتسامة)
محبتي .
[/align]

علاء زايد فارس 19 / 06 / 2012 12 : 08 PM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
في العادة إن هذه اللحظات تكون الفرصة الأولى والأخيرة في ذات الوقت!
لذلك على المعني بالأمر اقتناص الفرصة في وقتها
وإلا فعليه أن يتبع نظرية الاحتمالات التي لا تسير في صالحه غالباً
والتي سترهق الأعصاب والوجدان وسترهق أيضاً عقارب الساعات...!

لكتاباتك دائما نكهة لا تقاوم أستاذ خيري حمدان
احترامي وتقديري لك

خيري حمدان 23 / 06 / 2012 06 : 01 AM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 150644)
[align=justify]أخي المبدع ..
الأمل يولد الانتظار .. والانتظار هنا لم يولد مللا .. بل أضفيت عليه من جمالية حرفك حتى شعرت أنني أنتظر معك .(ابتسامة)
محبتي .
[/align]

الأديب العزيز رشيد الميموني
كلنا في حالة انتظار
البعض يشعر بأريحية في ردهة الانتظار وآخرون ينتظرون على أحرّ من الجمر. وتبقى الكلمة والقافية والنصّ المحلّق بحثًا عن ذاته ومداراته.
شكرًا أخي وصديقي رشيد
خالص المودة

خيري حمدان 23 / 06 / 2012 09 : 01 AM

رد: الحبّ في زمن الغياب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء زايد فارس (المشاركة 150663)
في العادة إن هذه اللحظات تكون الفرصة الأولى والأخيرة في ذات الوقت!
لذلك على المعني بالأمر اقتناص الفرصة في وقتها
وإلا فعليه أن يتبع نظرية الاحتمالات التي لا تسير في صالحه غالباً
والتي سترهق الأعصاب والوجدان وسترهق أيضاً عقارب الساعات...!

لكتاباتك دائما نكهة لا تقاوم أستاذ خيري حمدان
احترامي وتقديري لك

الأديب العزيز علاء زايد فارس
برأيك علاء هل هناك رابح وخاسر في رحلة الحبّ في زمن الغياب؟
أنا شخصيًا غير قادر على إيجاد هذه الصيغة التوالفية.
شكرًا عزيزتي على طلتك الرائعة
خالص المودة والتقدير


الساعة الآن 33 : 07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية