![]() |
الفردوس المفقود
[align=justify]الفردوس المفقـــــــــــــود
يقتعد الطيب الرصيف المقابل للحمام الذي ألف بخاره المنبعث من انفاس رواده ، ورائحة الحطب المتكدس بمحاذاة الباب .ويرنو الى مدخل الزقاق حيث تنبعث غادته المفضلة و قد تضوعت عطرا سرعان ما يمتزج برائحة منديله الزكية. تلك هي افضل لحظات يومه ، ينسى فيها انه وحيد ، كئيب، بعيد عن تحقيق حلمه بالإبحار الى الأندلس . ماذا لو لم تكن فردوس تقطن الحي ؟ هي كل ما تبقى له . يهيم بها رغم عدم اكتراثها له ، ويعشق زيها المدرسي الذي يذكره بأيام الدراسة وصولاته وجولاته بالحي المدرسي ، مزمجرا لأدنى كلمة غزل ينبس بها كائن ، فلا يكبح جماح ثورته سوى ّالحاج الحسانيّ إمام المسجد . الوحيد الذي لم ينهره قط ، ولم يعب عليه ولو مرة ، خموله وادمانه ، بل ان كلماته كانت دوما البلسم لجراحه، تهدهد آماله وأحلامه . الطيب سليط ا للسان ، وهمزاته لا تستثني أحدا وتطال حتى الشيخ الحساني و قبيلته، فيتندر بحكاياتها مع السمك و السجن . و لكم تثير تهكماته حفيظة البعض ، لكنها تطرب الفقيه . ـ ّ لو يسر لي الاستمرار في المسيرة الخضراء لكنت الآن في جنوب افريقيا أحيي مانديلا ، ولكان وشحني بوسام وأوجد لي عملا في مناجم الماس . لكن يبدو أن حظي لن يكون أوفر من حظ جدي الّذي لم تمنحه ّأنوال ّ شيئا . أما منديله الأسود ، فانه يعتز به أيما اعتزاز، لأنه يحتفظ به هدية من ملابس أحد جيرانه الإسبان يوم كان ينعته ّببورقعةّ فيقهقه الشيخ: ّبورقعة ؟ صرنا أولى باللقب منهم . ّ وحين يحتج الشاب ويلح على استبقائه حتى يقنعه بحججه ، يبادر العجوز :" ـ حسنا يا بني ، اتركني الآن ، فالجو بارد و انفاسي لا تطيقه، و غدا يوم سوق... علي بالنهوض باكرا.. - ولماذا السفر وعناؤه .. والمدينة صارت سوقا طولا وعرضا ؟ وحين يأزف اليوم الموعد ، يغيب الشيخ النهار كله ، منشغلا بالبيع والشراء والدعاوي المختلفة . ثم تحتجب فردوس عند خالتها "بالمحنش" لتقضي بقية يومها ، فيحس بالوحشة و التعاسة ، ويفرك منديله الأسود ويلطخه تلطيخا.. عندئذ يتورد الأفق ويخضر الجبل ، و تنساب حوريات الفردوس حوله تروم وده . فيعرض عابسا في وجه هذه ، مشيحا بوجهه عن تلك حتى يفيق ليلفي الظلام قد جثم على الحي ، فيزيد انقباضه... لكن فردوس مقبلة ، والشيخ قادم... هاهو يشير إليه . يتحامل على نفسه وينهض ليقبل يده . ـ اسمع يا بني... اذهب وأصلح من شأنك ، ثم عد... فلدي ما يهمك... نظر أليه مستفهما . ـ وايضا ما يسرك... أسرع والحق بي في المنزل. لم يعهد الشيخ إلا ناصحا أو مهدئا أو مواسيا.. وفي بعض الأحيان منصتا في شغف للسعات لسانه... أما في المرات التي دعاه فيها ، فلكي يعينه على حمل ما جلبه من السوق... فيلبي طلبه وهو في أوج ذهوله.. فهو يحبه ويرثي لحالة الربو التي باتت تؤرقه.. - تعال يا بني.. جاء الفرج.. هذه توصية إلى أحد الاسبان... حصلت عليها من أحد معارفي القدماء.. سترافقه وتكون في خدمته .. كن رجلا.. الاسبان يحبون الرجولة والجدية.. ربما يأخذك معه مستقبلا إلى هناك.. مستحيل أن يكون في يقظة.. لكنها الحقيقة . ـ لا تتكلم ولا تنتحب.. أنا أعلم أنك عانيت وظلمت. ثم لا تنس أن هناك من سينتظرك...أنت تحبها...أليس كذلك؟ لم يملك الطيب أن ارتمى على قدمي العجوز يمرغ وجهه عليها ، ثم شد على يديه يبللهما بدموعه الغزيرة ويوسعهما لثما...لكن هذا لايكفي... ارتمى في حضنه وطوقه بذراعيه ، يشده الى صدره شدا.. ومن فوق الكتف الناتئة عظامها ، تراءى له البحر يفتح ذراعيه وفردوس في خضمه تلوح له ، ورقصات الفلامنكو تتماوج بألوانها الزاهية وإيقاعها الصاخبة ، مثيرة في نفسه نشاطا وعنفوانا ، فلا يملك إلا أن يمتزج بأنفاس الشيخ اللاهثة المتحشرجة.. بكى وانتحب، ثم انتبه إلى أنه يجب أن يفك الطوق عن عنق الشيخ الجليل الذي لم يبد عليه أنه متضايق... تراجع خطوات الى الوراء.. رانيا إليه في ابتهال ، فإذا بالرجل ينطرح على ظهره... أسرع إليه.. نظر إلى الزبد المتناثر من شدقيه... جس نبضه ، فإذا به جثة هامدة. [/align] [align=justify]المسيرة الخضراء : مسيرة شعبية نظمت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وتم بها استرجاع الصحراء المغربية . أنوال : معركة شهيرة انتصر فيها الريفيون المغاربة بقيادة المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي على الاسبان . المحنش : حي بتطوان .[/align] |
رد: الفردوس المفقود
مساؤك الورد رشيد
يسعدني ما قرأته هناا قصة رائعة وجميلة بوركت وبوركت أناملك وقلمك الراقي تحيااتي وورودي |
رد: الفردوس المفقود
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]كالعادة سأكرر أنك في القص متمكن وأن الأحداث في قصصك تتلاحق بسلاسة وانسيابية وتدس المفاجأة بين السطور.
الأندلس خلف البحر والحي التطواني وتفاصيل الشيخ أجواء مختلفة تحملها القصة وتعطيها طابعها المميز الذي ينجح الأستاذ رشيد الميموني رسمه دونا عن غيره. جميلة تطوان أيضا حين تظهر في خلفية نصوصك بعراقتها وموقعها. تحيتي و تقديري.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: الفردوس المفقود
يكفي أن أساريره انبلجت قبل موته ... قفلة غير متوقعة ، لكنها كانت رائعة ، راقتني قصتك جدا أستاذي ، سلمت أناملك "أ. رشيد الميموني " ودي ووردي |
رد: الفردوس المفقود
الأديب العزيز رشيد الميموني
العنوان لافت جدًا للنظر. الفردوس المفقود يحتمل الكثير من التأويلات بالرغم من أن النهاية تبدو جدلية أيضًا. من لا يعشق الشجاعة والفروسية؟ هي أرض الإسبان حلبة عامرة امتزجت فوقها دماء كثيرة، عربية وغيرها كثير وحين هدأ دفق الدم بدأوا يناطحون ويقاتلون الثيران! لكن هناك أيضًا وجد الحلم مقرًا له لبدء صفحة جديدة من كتاب الحياة. تسلسل وقدرة على الركض - كأنّك تخشى يا صديقي بأن تتيح المجال للقارئ ليأخذ نفسًا، أن يستريح قليلا قبل أن يجد نفسه وقد وصل خطّ النهاية. باقة من الزهور لقلمك الجميل المبدع. |
رد: الفردوس المفقود
اقتباس:
أنت دائما من الأوائل الذين أجد بصمتهم على متصفحي ومن المبادرين إلى تشجيعي و الثناء على كتاباتي . لك مني أجمل تحية امتنانا لك على هذا التجاوب . محبتي . [/align] |
رد: الفردوس المفقود
اقتباس:
حين أقرا تعليقك أجد حقيقة لا يمكنني نكرانها و هي أن مجال الأدبي هو القصة رغم محاولاتي في مجال الخاطرة او الشعر النثري .. وهذا ما يجعلني أعود من جديد لأحضن قصصي و أقرأها من جديد أعيش أحداثها مرات و مرات . شكرا نصيرة لتجاوبك مع نصوصي وشكرا لإضفائك عليها لمسة من الجمالية . مودتي الخالصة .[/align] |
رد: الفردوس المفقود
اقتباس:
لمستك هذه أسعدتني لولا كلمة "أستاذي" هذه (ابتسامة) .. العفو أختي الغالية فما أنا إلا مبتدئ في عالم القصة ، أتقصى و ابحث لأكون عند حسن ظن القارئ .. تشجيعك يجعلني مصمما على مواصلة الطريق بإصرار . شكرا لك من كل قلبي . ودي وورودي لك .[/align] |
رد: الفردوس المفقود
اقتباس:
كم أترقب بكل شغف مرورك لأنه يمنيني بتعليق أعرف مسبقا انه يحمل الكثير من الومضات النقدية التي تسعدني و تنير دربي . يسرني أن قصصي تحظى لديك بكل هذا الإعجاب .. وكل ذلك أعتبره وسام شرف وشهادة متميزة أفخر بها . لك مني كل الحب .[/align] |
رد: الفردوس المفقود
(وشنو عاوتاني؟) هذا سؤال آلاء وهي تنتظر أن أتمم لها القصة..
قراؤك من كل الأعمار سيد رشيد .. هنيئا لك.. يبدو ان ابنتي كذلك راقها سردك ومتعة التشويق والوصف والأسلوب.. دمت مبدعا .. |
الساعة الآن 22 : 09 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية