![]() |
من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
كلمة أولى مازلت أذكر عينيه الشاردتين .. كان يمشي في شوارع دمشق، بعباءته المتسخة، وسنواته الستين، مرددا بآلية رتيبة : هُوْ ، هُوْ . فكنا نتحلق حوله، ونتضاحك، ونحن نتابع حركاته الغريبة، بينما كان يبتسم لنا، ولسانه لا يألو يردد: هُوْ ، هُوْ . وذات يوم، وكان الجو باردا، والسماء تهمي دون انقطاع، دلفت من زقاق (خان الزيت ) بخطو حثيث، كعادتي، لأفاجأ بعينيه الشاردتين تنادني بإلحاح . اقتربت منه، ويدي تبحث في جيب معطفي عن قطعة نقود، فعاجلني بالكلام:- أنا لا أريد نقودا ! ثم ثبت نظراته علي طويلاً، ومشى إلى الأمام خطوتين، والتفت نحوي رافعا رأسه نحو السماء، وجسمه الضاوي يرتعد كأنما أصابه مسّ : - أنت منذر بن زينب ! هُوْ ، هُوْ ! وركض، فابتلعه الزقاق، لكن صوته ما برح سمعي، وكلماته لا تني تضج في رأسي دونما انقطاع : - أنت منذر .. منذر بن زينب . هُوْ ، هُوْ! فوقفت لدقائق مذهولاً لا أريم، وتساءلت بدهش: كيف عرف اسمي؟ بل كيف عرف اسم أمي، ونحن في بيئة جاهلة تعد أسماء الإناث حُرُما، بل من العورات ؟! ومشيت بارتباك، وقلبي يخفق، وأنا أحس أن الدنيا سؤال كبير كبير. ** ** ** وبعد أيام، التقيت بوالد صديقي، وكان إمام مسجد الحي، فسألته عن سر ذلك الرجل، فقال لي:- ذاك الرجل من حَمَلَة البلاء! و(حَمَلة البلاء) رجال اجتباهم الله إليه، أغلبهم عُته ومصابون، ليتحملوا أخطاء الخلق ! فتخيلتُ وقتها أن البلاء حجارة سجيل تتنزل من السماء، وهؤلاء يحتجزونها عنا بكل شجاعة وثبات وصبر نادر ! وساءلته باستغراب ودهشة :- لماذا ينزل البلاء ؟! فقال لي :- من ذنوبنا ! فقلت بعفوية :- إذن، مهما عملنا من أفعال، أو ارتكبنا أي تقصير، فلا ذنوب علينا، ما دام غيرنا يتحمل أوزارنا ! فقال جازما:- بكل تأكيد! أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ستدخل الجنة، فمن قال لا إله إلا الله، وجبت له الجنة . ** ** ** بداية الدرب كان هذا في أوائل ريِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِق العمر، وكنت وقتها في سنوات المرحلة الإعدادية، أقرأ، وأتابع بشغف، كل الكتب والروايات التي تتحدث عن المدن المثلى ، والأناس الكُمَّل، وعوالم الفرح الداخلي. فكنت أتخيل وأنا أقرأ : ملامحَ (الرجل الأول)، و( المجدِّد)، و( الأمل الآتي )، متوقعا أن يطرق( المُنتَظَر) أبوابَ ذاتي، فيأخذ بيدي إلى عوالم النور والآمال بصحبة عينيّ الرجل الشاردتين ! ثم بحكم نمو أحلام وهم الكمال، ونزق الشباب، صرتُ أبحث بدأب دون كلال، عن خُلَب بريق الروح، مأخوذا بانبهار كبير وأنا أسمع عن (خرق العادة ) وتجاوز( طين آدم )، واستطاعة إلغائه - بسلوك ما – من الذات! فوجدت نفسي شيئا فشيئا ضمن دوائر حلق دراويش ( الزوايا ) و(التكيات )، مشدودا بشغف كبير إلى حلقات ( الذكر)، وأنا أظن أنني وجدتُ ضالتي، وعرفتُ نشدة السنين، مكتسبا جوهر عيني الرجل الشاردتين ! ألستُ أريد الحق، والخير، والجمال ؟! أليس العالم يلهث وراء اللذة والشهوة والمال بكل غباء ؟! ألستُ أريد الله، أكلمه، وأحادثه، وأناديه ،.. فيكون بصري وسمعي وكلي؟ ألستُ أتمنى صدق الحب، وصدق اليقين، وصدق حلاوة الإيمان ؟! وأغمضتُ عيني رضيا، وأقفلتُ جميع بوابات فكري بهناءة وتسليم، وقلت بلذة: هذا طريقي، ولا طريق سواه ! ** ** ** ومضى الزمن .. فعرفت الطريقة النقشبندية (وهي إحدى الطرق الصوفية، أسسها بهاء الدين بن محمد البخاري، المتوفى عام 791 هجرية، الذي ألغى الكثير من تقاليد التصوف: كالذكر، والخلوة، والكرامات.. لكن تلاميذه، من بعده، ما لبثوا أن أعادوا كل جهالات الطريقة، وغيَروا إسناد السلسلة، الواهن، من علي بن أبي طالب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما )، فوصلتُ إلى مقام الراضي المرضي، وتوهمتُ - بجرأة - أني سمعت الله يقول لي : أنا راض عنك يا عبدي ! ثم عرفتُ الطريقة الرفاعية ( أسسها أحمد بن الحسين الرفاعي ، المتوفى عام 578 هجرية ، في العراق ): درويشاً ، فشاويشاً، فنقيباً، ثم خليفة ! وأنا ساهٍ ساهٍ ، أظن أنني قد وصلتُ وعرفتُ وتحققتُ ! وما اعتقدتُ أن بنائي طينُ أوهام، وأنني أغوص في شَرَك، وقدماي لا زالتا ملوثتين بكثافة الأرض! ** ** ** مذهب واحد 1 - إن طرق الصوفية واحدة بغايتها وحقيقتها، وإن اختلفت أسماؤها. 2- وتعدد الطرق الصوفية، تنوع في أساليب السير والسلوك، تبعا للاجتهاد وتبدل المكان والزمان. 3- والتصوف يعني ( التوحيد) أو ( التوحد )، فيقترب، بشكل أو بآخر من مفهوم ( وحدة الوجود)، فتكون الأكوان والعوالم كلها جزءا من الله، أو هي الله ذاته بصوره ! ** ** ** كتمان السر وعلى الغالب، تدور النصوص الصوفية، حول وجود ( سر) يجب كتمانه ، يُقتل من يَبُح به لغير أهله، ويُتهم بالردة عن الإسلام ! فهو (الدقيقة ) تارة، أو(الحقيقة) تارة، أو (وحدة الشهود ) تارة، أو هو سر الذات، أو أنوار الصفات التي يتجلى بها تعالى في مظهر الأكوان: ( كان أفلاطون، المولود سنة 428 ق .م ، والمتوفى سنة 328 ق .م وهو أحد الفلاسفة الذين اعتمدوا على السرية التامة في إظهار أفكاره الحقيقية، يورد فكرة واحدة بعبارات مختلفة، فيجعل لكل عبارة معنى مختلفاً، خاصة عند كلامه عن الإلهيات، التي لا يدركها غير النخبة ! وكذا كان كهنة مصر، والهندوس، وكل الفرق الغنوصية المنبثقة عن الأفكار الإفلاطونية الحديثة مثل: المانوية، والديصانية، والصابئة). ** ** ** المسلمون صنفان ولأن المتصوفة هم أهل هذا السر وحماته، فهم يكتمونه، ويحرصون عليه، ولا يظهرونه إلا لخواص مريديهم، رمزا وإشارة. وبالتالي، فهم يصنفون المسلمين إلى فئتين متمايزتين : 1- أهل الشريعة : وهم أهل الظاهر، أو أهل الرسوم، أو أهل الأوراق، أو العامة. يُخاطَبون بظاهر الشريعة، وتكون التقيّة واجبة معهم. 2- أهل الحقيقة: وهم الصوفية، أهل الباطن، أو أهل الأذواق، أو الخاصة، ( وخاصة الخاصة) كبارهم. يعلمون باطن الشريعة عن طريق(الكشف). و( الكشف ) نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، عن طريق المجاهدة، والرضا، وحفظ ( السر ). فينتقل القلب من حالة (المحجوبية) أي عدم رؤية الحق في الخلق، والتفريق بين الخالق والمخلوق، بالظن أن المخلوق غير الخالق، إلى المعرفة الحقيقية لذات الله، ولصفاته التامات ! فالكشف علم ( الباطن )، وغاية كل العلوم! ** ** ** وحدة الشهود إن مدار المتصوفة الوصول إلى التوحيد، أي سلوك السالك للوصول إلى مرتبة الفناء في الله أو الجمع: ( أي يمَََََََََََََََََََََََََحي السالك عن رؤية ما سوى الله، فلا يكون في الوجود غيره ) ! وللوصول إلى ذلك مدارج ثلاثة : تبتدئ بمعرفة وحدة الأفعال، ثم بمعرفة وحدة الصفات، وآخرها بمعرفة وحدة (الذات ) وهي (المكاشفة). ولكل منها مقام : 1- مقام الفناء : وبدؤه خرق (العادة ) ثم (الكشف )، أو قد يبدأ دون خرق العادة. ويكون لمحاً، سريع الزوال، ثم يصبح طوع اليد. ويسمى: الجذبة، والمحو، والسكر، والجلوة ، والغيبة. ويمتاز هذا المقام بالتناغم مع عواطف المجذوب، وأمانيه، ومعلوماته المختزنة. ويقوم الشيخ بإضفاء عواطف وأماني جديدة في ذهن المريد، تدور كلها حول رؤية الأنبياء والملائكة، ثم العروج إلى الله والفناء فيه! ويصاحب مقام الفناء شعوران متناقضان : شعور اللذة، وهو ( البسط )، وجذباته جمالية، وتجلياته ( التجليات الجمالية)، فتتحقق فيه صفات الله: كالغفور، والعفو، والودود، والرحيم. وشعور الاكتئاب وضيق الصدر، وهو( القبض )، وجذبته: الجلالية. ويتحقق فيه صفات الله : كالعزيز، والجبار، والمتكبر، والقهار . وكان شيخنا، في الطريقة النقشبندية، إذا اعتم السواد، عرفنا أنه في مقام القبض ! وإذا اعتم البياض، عرفنا أنه في مقام البسط ! وفي هذا المقام يُعطى السالك العلم اللدني ، ويُخبر بما يُجاز له كشفه ! 2- مقام البقاء: ويسمى الحضور بالحق، والجمع، ورؤية الوحدة في الكثرة، وشهود المجمل في المفصل من غير احتجاب، والمحاضرة، والجمع في التفرقة، والفرق في الجمع، وصحو الجمع، والإطلاق، وانصداع الجمع، ومحو الجمع، والمحو الحقيقي ،يجتمع فيه الفناء مع الصحو، والجمع مع الفرق ! فهو مقام الكُمََََل، وصاحبه ( العارف ) و( الإنسان الكامل ) و (ظل الإله )! أشهده الله ذاته وصفاته وأسماءه وأفعاله ، بالذوق والمشاهدة !والحضور، في هذا المقام، يكون إما بعروج المجذوب في السماوات، حتى الوصول إلى العرش والاجتماع مع صاحب العرش!( ويكون الله، حينها ، نورا ساطعاً ،أو شمسا بلون الأرجوان! ويكون جسم السالك شاحبا، يتخلله نور، في وجود شفاف )! أو قد ينزل الله إلى المجذوب ويحادثه ! أو قد يرفعه الله إليه ويجول معه في السماوات ! أو قد يجتمع معه في أي مكان ! وهذه الرؤى جميعها كرامات، وعلامات رضا الله ! وليست غاية المريد! بل هي منازل يقطعها المريد في طريق كبرى الغايات، وهي أن يرى الله قد دمجه في اسم من أسمائه، أو في مكان ما من ذاته ! 3- مقام جمع الجمع : ويسمى المكاشفة، والفناء بالله، والإحسان.وهو الاستغراق التام في مقام البقاء، فتنقطع الأغيار، ويبقى الحضور وعين الجمع ! ويكون المريد تحقق بالاسم الصمد أو الله ! ** ** ** الإنسان الكامل وللوصول إلى تلك المقامات طريقان : 1- طريقة الإشراق، وعمادها محوران : علاج النفس، بإخضاعها مرحلة فمرحلة للوصول إلى ( الجذبة )، عن طريق الخلوة، والصمت، والجوع، والسهر . وتطهير النفس، من كل الصفات المذمومة التي تعيق إلى الوصول. وهذايسمى ( بالمنهج القلبي ) أو ( المنهج الروحي ) أو ( منهج البصيرة ) ! 2- طريقة البرهان، أو الطريقة الغزالية، أو التصوف السني: وهي نفس الطريقة الإشراقية، مضافا إليها العلوم الشرعية، كعلوم الفقه، والحديث الشريف، وعلم التوحيد ( علوم الذات والصفات ). ولا يختار الصوفي بنفسه إحدى الطريقتين، ولا بد له من شيخ عارف، يمسك بيده مرحلة مرحلة، ليوصله ،فيتعرف، فيعرف، فيتحقق !. فالشيخ هو الأساس في كل طريقة ، لأنه وصل، والسالك معه كالميت مع مغسله ! ** ** ** الحضرة تعد ( الحضرة) ركنا هاماً من أركان الصوفية، فهي جلسة يحضرها الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه رجال ( الغيب) .وهم في ( الحضرة ) قسمان: 1 - الصوفية الجالسة، وهم أيضا شقان: صامتة، وصائتة. فالجالسة الصامتة يقرؤون أورادهم وأذكارهم جلوسا صامتين، كالطريقة ( النقشبندية ) والطريقة ( الخوفية ) إحدى الطرق الصوفية المنتشرة في الصين، وينسبونها افتراء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وقد يجهرون بها بعض الأحايين، أو قد يقفون، نادراً، حسب توجيهات الشيخ. والجالسة الصائتة : يقرؤون أورادهم وأذكارهم جلوسا مع الجهر بالصوت ،كالطريقة ( التيجانية)، ومؤسسها أحمد التيجاني،المتوفى سنة 1230 هجرية في المغرب العربي، وأخذ طريقته عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة في اليقظة ! 2- الصوفية الراقصة : وعليها أكثر الطرق. يبدؤون جلوسا، ثم ينهضون للقفز والرقص، وقد يصاحب قفزهم الطبول والدفوف. وقد يكون الرقص فرديا مع السماع، ويكون رقصا بدون آلات أو مع آلات . تبدأ (الحضرة) بدرس يلقيه الشيخ، أو بقراءة بعض الأحاديث النبوية دونما تمييز، أو بنشيد ديني . ثم يبدأ ( الورد )، و( الورد ) لا يكون دون الالتزام التام (بالرابطة الشريفة )، وهي أن يربط كل مريد بصره بشيخه إن كان حاضراً، أو يتصوره في خياله إن كان غائباً، ويمكن وضع صورة الشيخ أمام المريد والنظر إليها حتى يتدرب شيئا فشيئا على تصوره، في وهمه ، دون عناء ! وقد يقرأ أحدهم، بأمر الشيخ ، ( سلسلة الطريقة )، ولا إسناد علمي صحيح لها، سواء في وفيات الرجال وسني أعمارهم، أوفي جرحهم وتعديلهم! مع ملاحظة أن مؤسسي الطرق كافة، يجعلون نسبهم متصلا بفاطمة الزهراء عليها السلام، ادعاءاً أو كشفاً ، ونهاية إسنادهم يكون إما عن علي بن أبي طالب, وإما عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما ( كفرقة المولوية وتسمى الجلالية أيضاً، نسبة إلى المولى جلال الدين محمد بن محمد الرومي ، المتوفى عام 672 هجرية ،الذي زار دمشق ، واتصل بابن عربي وتلاميذه، وفي مدينة قونية وصل إلى مقام الإنسان الكامل / الفرق الثاني ). ثم تأتي الأذكار والصلوات على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكل طريقة أذكارها وصلواتها، وكلها واحدة في معناها، مختلفة في ألفاظها وعددها . وتنتهي الجلسة بالفاتحة، وإهدائها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى رجال ( السلسلة الشريفة )، وربما زاد بعضهم على ذلك بعضا من قراءة آي من القرآن الكريم ! . ثم يمد الشيخ يده، ويقبلها المريدون . أما الصوفية الراقصة، فهم بعد الانتهاء من جلسة الذكر، يقفون على شكل حلقة غير تامة، أو أكثر من حلقة إذا كان العدد كبيراً، ويقفزون بمكانهم،يتوسطهم الشيخ أو نائبه، فيحركهم بإشارات من يده، وهم يرددون : الله حي ، الله حي ! بأنَات تتفق مقاطعها مع مطالعها، ويد كل واحد ممسكة بقوة بيد جاره، متشابكة أصابعهم، وهم في قفزهم يرتفعون معا، ويهبطون معا، وقفزهم يكون بتحريك الرأس والجذع إلى الأمام والوراء،دون رفع الأرجل عن الأرض، وقد ترتفع الأعقاب ! بينما يقف المسنون منهم في الأطراف، وقد لا يشبكون أيديهم بأيدي جيرانهم. يرافق ذلك، إنشاد من منشد حسن الصوت. والأناشيد عند الفرق الصوفية، مشتركة بين الجميع، إلا التي تختص بتقديس شيوخ الطريقة. وفي بعض الطرق ( كالرفاعية ) يرافق القفز ضرب طبول، وعند بعضها (كالمولوية) يرفقها نايات وصنوج ومزاهر! ثم بعد ذلك، يجلسون ويقرؤون الفاتحة مع الإهداء والدعاء وشرب الشاي. ** ** ** ملاحظات لابد منها 1- يزعم كل شيخ أنه هو الوريث الحق للرسول صلى الله عليه وسلم ! 2 -والمريد لا يحق له الانتقال من شيخ إلى شيخ ، لئلا تحترق ( لطيفة)الشيخ من المريد ! فاللطيفة (وهي جزء من روح الشيخ ) تراقب المريد وترعاه وتبصره، وتراه في فراش الزوجية ! ويستطيع الشيخ على الدوام، مادامت (لطيفته) مع المريد مراقبة المريد وصون مساره وحفظه من كل سوء! وكثيرا مادعونا بكل حماس وثقة: يا الله، يا رجال الغيب، يا شيخي ، المدد المدد ! الغوث الغوث ! 3- (المُراد )، أي المجذوب للحضرة دون إرادة منه، أو دون مجاهدة، يُوصف على الدوام، بأن الله شيخه ! ولا يُلزم بأي طريقة، لكن لا بد من تردده على شيخ (مؤنس ) ، يُبَََََََصِِِِره بما يراه ويشاهده من فيوضات إلهية! 4- للورد قدسية تفوق قداسة القرآن الكريم ! ولا يجوز قراءته في حالات معينة ( كحالات وجوب الاغتسال ودخول الحمام ) ! 5 - ولا يجوز الانتقال من ذكر اسم إلى اسم آخر إلا بإذن الشيخ، فلا يصح، في الطريقة الرفاعية، أن تبتدئ بذكر ( لا إله إلا الله ) ثم (يا الله ) ثم (يا وهاب ) في جلسة واحدة ، لئلا تعجز الروح عن الارتقاء، فكل مريد له قدر قوة على تحمل أنوار الأسماء، لا يعرف قدرها وعزمها إلا الشيخ وحده ! ويقولون: محال انتقال تلميذ المرحلة الابتدائية من مسائل الضرب والجمع والقسمة البسيطة إلى مسائل الهندسة الفراغية والتطبيقية بمفرده ! بل لن يستطيع استيعابها إلا بعد عدة خطوات تعليمية يجتازها ! وكذلك أسماء الذات الإلهية: لكل اسم خدام علويون وسفليون، يختلفون في شدتهم ورحمتهم، وقوتهم وبساطتهم، وخفتهم وثقلهم ! فلا تُذكر الأسماء كلها، في بدء خطوات المريد، لئلا يحضر الخدام جميعهم، فيثقلون على المريد ويزيدونه رهقاً، أو قد يضطرب عقله! 6- كما لا يجوز للمريد قراءة بعض سور القرآن الكريم، كسورة يس، أكثر من مرة، دون علم الشيخ، خشية اجتماع خدام السورة، فتحلق روح القارئ أكثر مما ينبغي لها! ** ** ** آلية المشاهدة 1- إن الخلوة، والجوع، والصمت، والسهر، وتركيز البصر على نقطة ما ، أو تكرار كلمة ما، والرقص العنيف، والموسيقى الصاخبة يصاحبها الزعاق ، تسبب هذه المجاهدة، مع الاستمرار والزمن، إفراغا لمراكز الوعي والشعور في الجملة العصبية، وتجعلها في حالة استرخاء، وفقد كثير من فعالياتها ! كما تدفع الجسم لإفراز المادة المخدرة بكمية أكبر من المعتاد ! والمعروف، أن العمل العضلي المجهد، يسبب إفراز مادة حامض اللبن في الدم، الذي يوصله إلى أنحاء الجسم، وبملامسته للأنسجة العصبية، تترجمه الجملة العصبية إلى شعور بالتعب. كما يقوم الجسم بإفراز مادة الأندروفين أي ( المورفين الداخلي )، من المنطقة تحت المهادية، الواقعة في الجزء الأسفل من المخ، فتخفف الآلام التي يمكن أن تكون قاتلة، وتجعلها، بآلية معقدة، في الحدود غير المميتة ! 2- وفي الحضرة الراقصة ، بعد دقائق من القفز، يأخذ الراقص باللهاث والتنفس العميق، وهو ما يسمى ( التهوية ) ، فيُدخل إلى رئتيه كمية من الهواء، وبالتالي من الأوكسجين، أكبر من الكمية العادية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأوكسجين في الدم، فتصاب المراكز العصبية بخدر خفيف، يختلف الإحساس به من شخص إلى آخر. كما يؤدي إلى هبوط فعالية هذه المراكز العصبية، كلما ازداد عدد الحضرات ! 3- وفي المنطقة تحت المهادية، وهي منطقة من الدماغ الأوسط في قاعدة المخ، توجد عدة مراكز منظمة لوظائف فيزيولوجية هامة ( الجوع ،والعطش، والنشاط الجنسي، والاستيقاظ، وتنظيم الحرارة في الجسم ) وبدهي أن هذه المراكز هي أول ما يتأثر بالأندروفين، وبدهي أن هذا التأثر يغيِر كثيرا أو قليلا من فعاليات هذه المراكز، وهذا يفسر – بمنتهى البساطة- ما يحدث لبعض الواصلين من البقاء مددا طويلة دون طعام، أو شراب، أو نوم ، ومقدرة بعضهم على تحمل البرد الشديد، أو الحر الشديد، مما يظنونه كرامات دالة على ولايتهم ! 4 -أما الكشف ، والمشاهدات ، ونحوها من جموح الخيال ، فهي تسربات من الأماني والمعلومات ( الصحيحة أو المتوهمة ) المختزنة في اللاشعور، تنسرب من مخازنها، لتنزلق إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ. فما كان منها صورا بصرية، انطبعت في مراكز التفسير البصري، فتُرى كأنها ماثلة حقيقة، سواء انفتحت العين أم أغمضت، لأنها لم تصل عن طريق العين ! وما كانت صورا سمعية انطبعت في مركز التفسير السمعي، فتُسمع أصواتا لا يُعرف مصدرها بالضبط، لأنها لم تصل عن طريق الأذن ! ومثلها ما كان صورا شميّة ، أو ذوقية، أو لمسية ! وقد يتراءى شيطان المجذوب أمام السالك ، مستفيدا من خاصة الجذبة في تضخيم الأطوال، أو قد ينفث في لا شعوره، فتتسرب منه إلى مراكز الحس في الدماغ ! ** ** ** وبعد ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أصدق القائلين: قد تركتكم على البيضاء، ليلُها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سُنتي وسُنة الخلفاء المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ . ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحملْ علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقةَ لنا به واعفُ عنا واغفرْ لنا وارحمْنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]د.منذر
كانت لدي صديقة من أتباع الطريقة النقشبندية وكان الارتباط الروحي بممارسات الطريقة يحتم عليها أن تزور شيوخها مرة أو اثنتين على الأقل في السنة قبرص أو أمريكا أو أي مكان في أقاصي الأرض. تلك الحاجة الروحية للقاء ولبعض الممارسات كانت تجعلها لاترتاح إلا إذا فعلت. مثلها عرفت ناسا عن قرب أبعدهم التصوف عن أسرهم وحياتها اليومية وخرجوا من العالم إلى عالم آخر وقد يكونوا ذاقوا الحلاوة والرضا لكنهم أتعبوا من حولهم كثيرا وتخلوا عنهم وخلقوا لغيرهم مشاكلا تكاد لا تحل. أتمنى أن لا أكون مخطئة حين أعتقد أن المعتدلين أيضا يدخلون الجنة. تحياتي لك و تقديري على هذا الطرح.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
لأول مرة أعرف هذه الأمور عن المتصوفة !
لكن الاعتدال والوسطية تتناسب والحياة أكثر ... أبتِ العزيز ؛ بوركت جهودك لهذا الطرح دمت بسعادة وخير ودي ووردي |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
الآنسة الراقية نصيرة تختوخ :
الله قريب حبيب ، لا يحتاج الى أسرار أو مفاتيح للوصول اليه .. انه معنا ، نناجيه ونكلمه ونشكو اليه همومنا وأسانا ، ونسأله دائما تسديد خطانا . وكل الشكر لك ، ونبقى مع جميل صحبة اللقيا . |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
ابنتي المتألقة فاطمة البشر :
الله شوق وتوق وأمل .. وحده يسمع مناجاتنا وآلامنا ، ونشعر أنه قريب حبيب .. ولأننا نحبه ، نقف على أعتابه سائلين وشاكرين ، فتختلط دمعة الوجد والوجل والمحبة ، فنخاف ونحب ونرجو . وكل الشكر لك ، ونبقى مع طيب صحبة اللقاء . |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
أولا أشكرك على هذا الموضوع، سأقرؤه مرة ثانية إن شاء الله
وجهة نظري المتواضعة تقول: ربنا سبحانه وتعالى سهل الأمور علينا، ونحن نصعب الأمور ونعقد السهل الميسر! وفي كل فترة تظهر طوائف جديدة ومذاهب جديدة، وكأننا بحاجة إلى المزيد من الفرقة والتشتت ومناهج مذهبية جديدة! الأمر بسيط يا جماعة لما نعقد الأمور، ولماذا نحيي فتناً قديمة ونتعصب لشخوص هم مخلوقات وبشر مثلنا مثلهم، ونقدسهم من دون الله ! شكرا أستاذ منذر بارك الله فيك |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
الأستاذ علاء فارس :
ليتنا نزيل الأنانية ، بل ليتنا نميتها من حياتنا ، لنعيش باطمئنان وراحة .. فكل مشاكلنا ، على كافة وجوهها ، سببها افراط الأنانية وافراط حب النفس . صائبة نظرتك ، ودائما نلتقي مع كرم طيب اللقاء . |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
موضوعك هذا يهمنى كثيرا ...
وقد أتأمله مرات ومرات دون ملل /أجزم ما أردت أن أقوله أن التصوف شيء قد يخلق معنا نحن لا نسعى اليه أوندعيه أو ربما نعارك حتى نصل ونبلغ مايشعره المتصوف وقد لا يصدق البعض ماقد يحدث من أشياء ربما تخرج عن المألوف لكنها حقيقة الحديث هنا قد يطول ويطول وربما يأخذ غير مساره لكنني دخلت لأكتب رأيي أن هناك لذرة وإحساس يستحيل للإنسان بلوغه إلا هؤلاء تسموا الروح لتبغ المدى ولا أبالغ إن قلت نشعرنا نلامس السماء حين تتجرد النفس من كل الشوائب يتحول القلب كتلة بيضاء لا تحمل الأحقاد أبدا وهنا تتنزه الروح لخالقها ترجوه السلام ليس إلا السلام إيمانا منها أنّ هناك حياة أفضل ستعيشها متى ما أراد الله أعذر ثرثرتي أستاذ ولكنني في مثل هذا الحديث أنسى نفسي / مع وافر المودة والتقدير وقد يكون للحديث بقية لروحك السلام |
رد: من خلف الأسوار .. أنا والتصوف
الآنسة فتحية عبد الرحمن :
ليس خطأ الاحساس بجلال الله ، ومهابته ، والوصول اليه ، ثم القرب منه والحديث معه .. فهو الودود الحبيب ، يمدنا باليقين وحلو الأمل واشراقة النفس .. فمنه الخير واليه الخير.. انماالخطأ في آلية الوصول اليه ، أتراها على الجادة ، أم تراها مطلق أوهام وشبه أحلام ؟! وكل الخير لك ، ونبقى مع طيب عذب الكلام . |
الساعة الآن 44 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية