منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   أحداث وقضايا الأمّة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=513)
-   -   ’’دمشق ’’ للأديب العراقي مظفر النواب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=23726)

بوران شما 30 / 08 / 2012 31 : 01 AM

’’دمشق ’’ للأديب العراقي مظفر النواب
 
الشاعر والأديب العراقي
مظفر النواب

شقيقة بغداد اللدود، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبيا، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على أبوابها.

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي فخيرك لي!" بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.

إنها دمشق التي تحملت الجميع، متقاعسين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها، مقلمي أظفارها، وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....

رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك، لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.

إنها دمشق،، قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي، هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته حياً من أحيائها فغنى لها "كل ما لا يؤنث لا يعول عليه!"

إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي منمنماتٍ تزين بها جدرانها، أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلا، يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها.

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.

دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين بن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.

إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة، تركت عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.

لديها من الغبار ما يكفي لتقصَّ أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها. لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس.
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحدوها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
لديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط" المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين مستبدا.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُ، يرمحُ، يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسَم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشق مكان واحد: فإذا طرقتَ باب توما انفتحت لك نافذة من باب الجابية، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، دلّتك عليه "كنيسة السيدة".
لا تتعب نفسك مع دمشق، ولا تتملَّكَّ الحيرة، فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها، أو من يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة. فتخرج سيجارة حمراء طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة "الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع: "إنها دمشق"!

--

شيماء البلوشي 30 / 08 / 2012 53 : 05 AM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
نعم انها دمشق ...
رزقني الله زيارتها .. وهي آمنة مستقرة تنعم بالامن والامان والاستقرار .. اللهم امين

دمتِ بخير وعافية استاذة بوران :)

Arouba Shankan 30 / 08 / 2012 23 : 06 AM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/28.gif');border:3px groove seagreen;"][cell="filter:;"][align=center][frame="15 98"]
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسَم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....

[/frame]

هي أجمل ما تغنت به القلوب ،وأروع ما رأت ،،الله أيها الشاعر العربي نواب العراق
أعدتني لصهوة قاسيون وبني أمية الكبير والعباسيين ،أعدتني لباب توما ،ولبساتين شاسعة
دمشق المدينة التي لا تقبل القسمة على اثنين
شكرا لاختيارك الذي صحى مواقد الحنين
أ.بوران
الله يحميك سورية
[/align]
[/cell][/table1][/align]

علاء زايد فارس 30 / 08 / 2012 04 : 01 PM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
حفظ الله دمشق وأهل دمشق وكل سوريا العزيزة
شكرا أستاذة بوران على هذا النص الجميل المعبر الذي خفف عنا بعض الألم مما نشاهده في سوريا الحبيبة
استمتعت كثيراً حينما قرأته
مودتي وتقديري

عادل سلطاني 30 / 08 / 2012 55 : 05 PM

رد: ’’دمشق ’’ للأديب العراقي مظفر النواب
 
حفظ الله شآم التاريخ والحضارة والعزة ، حفظ الله أرض الرباط من كل شر وسوء وأبدلها بعد الخوف أمنا وسلاما فهو ولي ذلك والقادر عليه ، والشكر موصول للأستاذة الفاضلة بوران شما على هذا النقل المختار الموفق لعميد من أعمدة الشعر في وطننا الكبير الشاعر مظفر النواب.

تحياتي

بوران شما 31 / 08 / 2012 26 : 01 AM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء البلوشي (المشاركة 157024)
نعم انها دمشق ...
رزقني الله زيارتها .. وهي آمنة مستقرة تنعم بالامن والامان والاستقرار .. اللهم امين

دمتِ بخير وعافية استاذة بوران :)


بإذن الله نراكِ في دمشق الجميلة الرائعة وأعدكِ بقضاء أجمل وأمتع الأوقات
في رحابها : غوطتها ومصايفها وقاسيونها وأسواقها ومساجدها وكل مافيها
من جمال ومتعة , تعالي حبيبتي فهي رائعة حتى وهي في أزمتها التي ستنتهي
بإذن الله قريبا .
ودمتِ بألف خير وعافية أستاذة شيماء مع كل المحبة .

بوران شما 31 / 08 / 2012 34 : 01 AM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 157026)
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/28.gif');border:3px groove seagreen;"][cell="filter:;"][align=center][frame="15 98"]
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسَم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....

[/frame]

هي أجمل ما تغنت به القلوب ،وأروع ما رأت ،،الله أيها الشاعر العربي نواب العراق
أعدتني لصهوة قاسيون وبني أمية الكبير والعباسيين ،أعدتني لباب توما ،ولبساتين شاسعة
دمشق المدينة التي لا تقبل القسمة على اثنين
شكرا لاختيارك الذي صحى مواقد الحنين
أ.بوران
الله يحميك سورية
[/align]
[/cell][/table1][/align]


[center][size="5"]
عزيزتي أستاذة عروبة
نعم دمشق هي مهجة القلب وفرحته , وأشكركِ جزيل الشكر على الإضافة الرائعة
عن مدينة دمشق المميّزة
والتي هي فعلاً لا تقبل القسمة على اثنين .
وأقدر تماماً مواقد الحنين التي صحت بين جنباتكِ ياابنة سوريا الحبيبة .
محبتي
.

بوران شما 31 / 08 / 2012 37 : 10 PM

رد: " دمشق " للأديب العراقي مظفر النواب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء زايد فارس (المشاركة 157037)
حفظ الله دمشق وأهل دمشق وكل سوريا العزيزة
شكرا أستاذة بوران على هذا النص الجميل المعبر الذي خفف عنا بعض الألم مما نشاهده في سوريا الحبيبة
استمتعت كثيراً حينما قرأته
مودتي وتقديري


الأخ العزيز الأستاذ علاء
أشكر مرورك الجميل على هذه القطعة الموسيقية الجميلة عن دمشق الرائعة
وسعدتُ بأنك استمتعت بقراءتها .
وسأسعد أكثر عندما أراك في زيارة لدمشق وأرافقك كدليل سياحي لتعريفك
بالأماكن الجميلة والممتعة بدمشق , وقد نعمت قريباً بالأمن والاستقرار .
مودتي .

بوران شما 31 / 08 / 2012 46 : 10 PM

رد: ’’دمشق ’’ للأديب العراقي مظفر النواب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل سلطاني (المشاركة 157060)
حفظ الله شآم التاريخ والحضارة والعزة ، حفظ الله أرض الرباط من كل شر وسوء وأبدلها بعد الخوف أمنا وسلاما فهو ولي ذلك والقادر عليه ، والشكر موصول للأستاذة الفاضلة بوران شما على هذا النقل المختار الموفق لعميد من أعمدة الشعر في وطننا الكبير الشاعر مظفر النواب.

تحياتي



الأخ الفاضل الأستاذ عادل سلطاني

حفظك الله وأدامك وشكراً جزيلاً لمرورك الكريم على هذا النص للشاعر الكبير مظفر النواب .
وستعود سوريا بإذن الله كما كانت وسيحفظها رب العالمين من كل سوء وشر يُكاد لها .
وسنسعد بزيارتكم لها قريبا بإذن الله .
تحياتي وتقديري .


الساعة الآن 53 : 09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية