![]() |
جرس و سراب
جـرس و سـراب دقّ الجرس ؛ أسرعت وفتحت الباب . كان أباها فهو لم يزرها منذ أكثر من شهر ، فقد كان مشغولاً بزواجه ، بالكاد استطاعت أن تبتسم . - كيف حالكِ ؟ - أتنفس . - هل مازلت تنتظرين ، أم أنكِ غيّرت رأيك ؟ - لم أغيّر رأيي بعد ، مازلت أنتظر . وقبل أن تُتم الساعة دورة كاملة كان قد طبع قبلة باردة على جبينها و خرج ، وتركها تتخبط في حيرتها . عادت إلى النافذة تنظر الطبيعة بنظرة جوفاء ، تسرح بعقل لا يفكر في شيء . دقّ الجرس ثانية ؛ أسرعت وفتحت الباب ، فإذا هي جارتها - والتي أصبحت منذ أن انتقلت إلى هذا البيت أعز صديقاتها - رمقتها بنظرة استغراب موعدنا غداً وليس اليوم ، أحسّت صديقتها بسؤالها فأجابتها قبل أن تسأل : غداً لديّ موعد عائلي لا أستطيع إلغاءه أو التخلّف عنه ، فوددتُ أن أراكِ اليوم دقيقتين أو ثلاث ، فطائرتي بعد غدٍ صباحاً . - ألا تستطيعين تأجيل موعد الطائرة ؟ - أبداً ؛ حجزت هذا الموعد منذ أسبوع . - متى ستعودين ؟ - لا أعرف ؛ يبدو أنني لن أعود أبداً إلى هذه الديار ، ( وضحكت ضحكة لم تستطع تفسيرها ) . - ألن تدخلي لنشرب كأس عصير ؟ - عزيزتي ؛ وقتي لا يمسح لي . تفضلي ؛ أحضرت لكِ هذه الهدية كذكرى . - شكراً لك . قبّلتها وأسرعت إلى سيارتها . لوحّت بيدها لها ، ثم اختفت من أمام المنزل ، فعادت إلى نافذتها تنظر إلى المجهول . أخذتها غفوة ، أفاقت منها على صوت الجرس يُقرع مراراً ، استهجنت ذلك ، لكنها ركضت لتفتح الباب . - مرحبا يا خالة ، معي بعض الكتب أعرضها عليك إن أردت . - حسناً ؛ لا بأس . - هذا كتاب عن أساليب تربية الأطفال ، وهذا كتاب يعلم الطبخ ، وهذا عن كيفية الاعتناء ... ، وهذا ، وهذا ، وهذا ..... . أي واحدٍ تريدين ؟ - ها ! أعطيني آخر كتاب . - إن أعجبكِ فسأحضر لك الجزء الثاني . - إن قرأتُه فسأعطيك ثمنه مرة أخرى ! لم يفهم شيئاً مما تفوّهت به . ناولته النقود و انصرف . وقبل أن تصل إلى نافذتها دق الجرس ، استثقلت أن تعود لتفتح الباب ، فأكملت طريقها إلى النافذة . مالت الشمس إلى المغيب ، و دقّ الجرس مرة أخرى ، مشت بخطوات بطيئة حتى يملّ الطارق وينصرف ، لكنه لم يفعل فاضطرّت لفتح الباب . - ألم تنتهِ بعد ، فوالدتي تنتظرك ! - أخبرها بأني لن آتي ، فأنا مشغولة . تساءلت بماذا أنا مشغولة ؟ ثم عادت إلى النافذة فلم تجد شيئاً لتراه . دقّ الجرس ، فأسرعت إلى الباب ، سمعت صوت والدتها فجفل قلبها ، كيف للأرواح أن تكون حقيقة ! فتحت الباب بحذر فإذا هي سيدة طرقت باب المنزل الخطأ . بعد أن دارت الساعة دورتين ونصف الدورة ، دقّ الجرس مرة أخرى ، ركضت وفتحت الباب فإذا هو ساعي البريد . قال لها : معذرة سيدتي فهذه الرسالة وصلت منذ أسبوع لكني لم أستطع إيجاد المنزل إلا هذه اللحظة . - لا بأس ؛ شكراً لك . مزقت الظرف بسرعة ، وأخرجت الرسالة . " تحياتي لكِ أعطرها بشذى الياسمينة التي تكبر على مدخل بابي . لم أعد أنتظر قرارك ، لم أستطع أن آتي اليوم لأخبرك بما يختلج في صدري لأني أنتظر زائراً في نهاية الأسبوع ؛ فأرسلتُ لكِ بهذه الرسالة . لا أعلم إن كنتِ تنتظرينني أم لا ، لكني لا أخفيكِ أنني لست معلقاً حياتي على قرارك ، لستُ أهتم بك أكثر من حياتي ، إن كان بابك مفتوحاً فأغلقيه ، فلن أطلّ هناك . من الجيد أنه لا شيء يربطنا ببعض . شكراً لوجودكِ في حياتي يوماً من الأيام ، وداعاً " . شعرت بنشوة غريبة ، بركان يتفجر داخلها ، وقع نظرها على هدية صديقتها ، بدأت يديْها بالارتعاش ، وقلبها بالخفقان ، ليْتها علمت هذا من قبل ، ما كانت أدخلت حياتها في حيرة و ما كانت تخلّت عمّا نبض في أحشائها وأسكتتْه ! فاطمة البشر |
رد: جرس و سراب
يتوالى قرع الجرس ويتوافد الأشخاص وكأن الأحداث تتسارع على إيقاع ذلك ، لتنتهي أخيرا بلمسة رائعة وكأنني أحس برابط يربط الشخصيات مع بعضها البعض ..
تجربتك فاطمة في كتابة القصة توحي بأننا أمام قلم متمكن يشق طريقه بإصرار و ثبات .. أحيي فيك تنوع إبداعك وأدعو لك بالتوفيق . ودي وورودي . |
رد: جرس و سراب
اقتباس:
تشرفت بمرورك وبكلماتك الراقية ، دمت بسعاده وهناا ودي ووردي |
رد: جرس و سراب
عزيزتي الأستاذة فاطمة البشر تقديري واحترامي لهذا السرد القصصي الجميل والأسلوب الرائع . أتمنى لكِ مزيداً من التألق والإبداع . محبتي . |
رد: جرس و سراب
اقتباس:
أ. بوران شما ؛ كم أٌسعد حينما أراكِ تتجولين بين أسطري ، أنرتِ متصفحي عزيزتي بمرورك الرائع دمتِ وبحب وسعادة وصفاء ودي ووردي |
رد: جرس و سراب
العزيزة فاطمة
سرد سلس شيق ،لكنه فكر يحتاج إلى وقفة للتفكير ، قصتك ذكرتني بفكرة مسرحية "بانتظار غودو" للكاتب المسرحي صموئيل بكيت البطلة تنتظر لكن ماذا تنظر ومن تنظر؟؟؟ أستمتعتك معك في القراءة قلم متميز |
رد: جرس و سراب
اقتباس:
وأنا سررت بأن قصتي أعجبتك عزيزتي ، مررتِ فأنرتِ متصفحي ودي ووردي |
رد: جرس و سراب
** الاديبة الراقية فاطمة..
قص جميل وفيه هدف مخفى لكنه متاح لمن يريد الوصول اليه.. باقة من الرياجين |
رد: جرس و سراب
اقتباس:
أ. زياد صيدم ؛ جميل أن لاقت قصتي إعجابك أستاذي مررت فنثرت ياسميناً ودي ووردي |
رد: جرس و سراب
الغالية فاطمة ... جميل ماقرأته هنا , والأجمل توقيع من مروا ..
أتمنى لك التوفيق بنيتي , ولأنك فاطمة لن أحابيك ,, أغلب الظن بأن لفظة ( بالكاد ) غير فصيحة أرجو إعادة النظر , وتقبلي رأي عزيزتي حسن إبراهيم سمعون |
الساعة الآن 19 : 02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية