![]() |
((( ارتباط الهوية بالمكان –أنت الفلسطيني أنت – نموذجا))) / بقلم عادل سلطاني
((( ارتباط الهوية بالمكان –أنت الفلسطيني أنت – نموذجا)))
مقدمة حينما أتأمل الخطاب الشعري السقيرقي يقفز إلى ذهني مباشرة كقارئ ارتباط الهوية بالمكان في نصوصه الشعرية بشكل عام وفي النص المختار كنموذج بوجه خاص ، أين استفزني لسياحة نقدية سأحاول من خلالها اكتشاف تضاريس هذا الجسد النصي الشعري السقيرقي للوقوف على حقيقة ارتباط المكان بالهوية فيه ، فهذه السياحة القرائية لا شك أنها ستكون ممتعة والأمتع فيها الغوص المتأني العاقل الواعي خِلَلَ البنى النصية المتشابكة لتفكيك تلك الارتباطات العضوية القائمة بينها ، وتسليط الضوء على العلاقة التي أردت مقاربتها للكشف عن الهاجس الهوياتي الذي تتنفسه شخصيتنا الشعرية المختارة وارتباطها بالفضاء المكان وبالفضاءالزمان. لقد تم اختيار هذا النص الشعري ليكون عينة لهذه الدراسة المتواضعة نظرا لاحتوائه على قرائن ارتباط الهوية بالمكان الممتزج برؤية شعرية ناضجة محنكة صقلتها محكات الأيام، ليشرق الألم والأمل الهوياتي الذي ينشده الشاعر كملاذ خلاصي من أزمات الواقع المحاصرة ،أين تصبح القصيدة الشعرية ذلك الملاذ الآمن ليسلط الشاعر عدسته الروحية التخييلية لالتقاط واقع معين ليعيد صياغة واقع جديد متخيل بلغة الشعر متحصنا بقلاع الكلمة الرسالية الملتزمة. أنت الفلسطيني أنت لا الشمسُ غائبة ٌ .. ولا .. صوتُ الجذورِ .. ولا .. ولا .. إنَّ الأغاني عالياتْ .. ورؤوسنا .. أعلى .. وأعلى .. عالياتْ .. ونحبُّ أنْ .. وتحبُّ أنْ .. نمضي .. ونمضي في الطريقْ أطلقْ رصيفَ الذكرياتْ .. أطلقْ نشيدَكَ عالياً .. أطلقْ شموسكَ والجبينْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ أعلى من السجانِ أنتْ أعلى من القضبانِ أنتْ .. أعلى .. وأعلى .. أنتَ .. أنتْ .. أنتَ الفلسطينيُّ يا رئةَ الزمانِ إلى المطرْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتَ وأنتَ أنتْ .. الأرضْ أنتْ .. والدارُ أنتْ .. والبرتقالْ .. أنتَ السهولُ جميعُها أنتَ الجبالْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ أنتَ المطرْ .. أنتَ الجذورُ وأنتَ في جذعِ الشجرْ .. * * * حيفا يداكْ والكرملُ المجدولُ من شمسٍ هواكْ عكّا تراكْ .. يافا على أشجارها .. شدّتْ خطاكْ .. أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. سرُّ الهوى الملتمِّ في شفة الجليلْ يهفو إليكَ وأنتَ تحتضنُ الخليلْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. سرُّ انتصابِ السنديانْ أنتَ الأصابع حين ينطلقُ الحجرْ .. أنتَ المواويلُ التي .. شدّتْ على خصرِ الشجرْ .. * * * للسجنِ والسَّجانِ قضبانُ الحديدْ ولكَ النشيدْ .. ولكَ النهاراتُ التي تأتي إليكْ .. من أرضكَ السمراء ِ تأتي من قبضةٍ شدّتْ على خصرِ الحجرْ .. من كلِّ .. لا .. من خيمةٍ من كلِّ دارْ .. من طفلةٍ قبضتْ على حدِّ النهارْ .. دمنا منارْ .. سنظلّ نصرخُ في الطريقِ إلى الطريقِ .. إلى الديارْ للأرضِ إنّا عائدونْ .. إنّا إليكم عائدونْ .. يدنا تشدُّ على الزنادْ .. دمُنا منارْ .. خطواتنا من كلِّ دارْ .. ستهبُّ إنّا عائدونْ .. فلكَ النهارُ لكَ النهارْ .. أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. شجرٌ وميلادٌ .. وأنتْ .. هذا النهارُ إلى النهارْ .. للسجنِ والسجانِ قضبانُ الحديدْ .. ولهم ظلالُ ظلالهمْ .. ليلٌ لهم .. ولهم زوالْ .. أطلقْ جميعَ الأغنياتْ والذكرياتْ الأرضُ لكْ .. والدارُ لكْ .. ولكَ النشيدْ .. أنت الذي فجرتَ في الشجرِ الثمرْ أنت الذي عبّأتَ بالماء المطرْ أنتَ الذي أرّختَ في الأرضِ الجذورْ أنتَ الذي أعطيتَ للزمنِ البذورْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. في زهرةِ الليمونِ أنتْ .. في حبّةِ الزيتونِ أنتْ .. في البرتقالْ .. فليصرخوا .. وليقبعوا خلف الأكاذيبِ القصارْ وليرفعوا سجناً وقضباناً ونارْ .. فإلى زوالْ .. لابدّ أن يأتي النهارْ .. أنتَ الطليقُ .. وأنتَ أنتْ .. في صرخةِ الميلاد أنتْ .. في خطوةِ التاريخ أنتْ .. الشمسُ أنتْ .. الأرضُ أنتْ .. الدارُ أنتْ .. لابدَّ أن يأتي النهارْ .. لابدَّ أن يأتي النهارْ .. *** الشاعر طلعت سقيرق ، 18/05/2008 http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=4217 أنت الفلسطيني أنت لا الشمسُ غائبة ٌ .. ولا .. صوتُ الجذورِ .. ولا .. ولا .. إنَّ الأغاني عالياتْ .. ورؤوسنا .. أعلى .. وأعلى .. عالياتْ .. أنت الفلسطيني أنت عنوان عكس الأنا متحولا إلى واجهة لغوية محملة بمعنى دلالي يقول الهوية ، أين صارت القصيدة السقيرقية تشظيا لهذه الواجهة الهوياتية المنفجرة داخل النص الدالة على الهوية ، فهذه الأخيرة في مفهومها العام تتعلق بفهم الناس وتصورهم لأنفسهم ولما يعتقدون أنه مهم في حياتهم، أين يتشكل هذا الفهم من خلال خصائص محددة تتخذ مرتبة الأولوية على غيرها من مصادر المعنى والدلالة .[1]أما الشعور البشري بها فيعتمد على وجود الأنا المستمرة عبر الزمن .[2] وهي نوع من التمثل ، وبقدر ما تشتمل على التفاعل اللغوي بين الناس فإنها نوع من التواصل ، فالتمثل الذاتي لهوية المرء هو المركز المنظم لتمثلاته للعالم المشكل لها .[3]ونجد هذه الأنا مستمرة في زمن النص السقيرقي أين تحولت هذه الشمس الحاضرة لا الغائبة بقوة تخييلة مبدعة خلصت هذه المفردة من دلالتها اللغوية المعجمية لتصبح شعورية محلقة محملة بمعان دلالية جديدة تعكس الحرية الخلاصية التي يحلم بها الشاعر لتصير هذه الشمس مكانا خلاصيا ملاذا يبث النور والدفء لتتكلم الجذور فصوت الجذور ماهو إلا صوت الهوية الفلسطينية المتشبثة بالوطن المغتصب المسلوب ، فهذا الارتباط الصوتي بالمكان وبالهوية يتجسد من خلال صوت الجذور التي تغني شامخة مرتفعة دالة على حياة المكان لتسمعها الشمس ، لننتقل بعد هذا المقطع إلى ارتباط صوتي آخر كصنو دلالي لصوت الجذور تعكسه الأغاني العاليات المتماهية فيه ليمتد صوتها معانقا الشمس كاشفة الانعتاق والخلاص والحرية الحلم المنشودة ، أين تخرج هذه الجذور الراسخة في المكان الوطن في المكان الأرض سوقها المستغلظة المستوية وكأن شطأها هذه الرؤوس الفلسطينية العالية الشامخة المطالبة بالحرية وهي في الحقيقة مصدر الصوت والغناء الخلاصي. لتبدأ القصيدة صيغة خطابية شعرية جديدة مستهلة بالفعل ونحب بصيغة "النحن الفلسطيني" وتحب بصيغة "الأنت الفلسطيني" ونحبُّ أنْ .. وتحبُّ أنْ .. نمضي .. ونمضي في الطريقْ أطلقْ رصيفَ الذكرياتْ .. أطلقْ نشيدَكَ عالياً .. أطلقْ شموسكَ والجبينْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ أعلى من السجانِ أنتْ أعلى من القضبانِ أنتْ .. أعلى .. وأعلى .. أنتَ .. أنتْ .. أي نحن الفلسطينيون نحب أن نمضي في طريق الحرية كما تحب أنت المضي فيه أيضا من أجل حلم العودة إلى الأرض المغتصبة أين تكون العودة المادية المحاصرة بحواجز التهويد المستمرة للوطن المكان كما الوطن الزمان مستحيلة التحقق على أرض الواقع ليكون حلم العودة متحققا من خلال المتخيل كبناءٍ ذهني وإنتاج فكري بالدرجة الأولى يستند إلى الواقع ويحيل عليه ، ولا يندرج بأي حال من الأحوال في دائرة الإنتاج المادي ، والمتخيل مجموعة من العلامات والحامل والسند الذي يتشكل من خلاله هذا الواقع.[4] والقوى المتخيلة في الذهن تتطور على محورين شديدي التباين والاختلاف منها ما يجد انطلاقه أمام الجدة يتسلى بالفتان والمتنوع والحدث غير المتوقع، أما القوى الأخرى فتحفر عمق الكون للكشف عن البدئي والسرمدي معا مهيمنة على العارض والتاريخ .[5] فالشاعر هنا يستبطن المخْرَجَ الصوري عاكسا هذا المتخيل العودوي "متخيل العودة " عبر رصيف الذكريات، فالذكريات وحدها كفيلة بتحقيق هذا الحلم ولا طريق إلا طريقها ، أين يترابط التصوير والمتخيل ببعضهما بعضا ، فأن نرى يعني أن نختصر أن نوقف المنطق الخطي للكلمات ، وننفلت من دهاليز التركيبي ونعانق لمرة واحدة كل حياتنا الماضية ، فالإبداع المتخيل يملك قوة تبشيرية وتنبئية لأنه ذو طابع إشاري تعييني وبدائي.[6] حيث استطاع الشاعر هنا أن يتعالى على هذا الواقع المحبط المثبط كنوع من الخداع الصوري المدهش لجأ إليه أثناء استبطان المتخيل العودوي المتمثل حال وقوعه بين حلم العودة الواقعي المستحيل وحلم العودة المتخيل الممكن من خلال أطلق رصيف الذكريات ليعانق حياته الماضية خارجا من إسار الواقع واللغة أيضا ، فطريق الذكريات يعكس ارتباطه بالمكان وهو الجسر الذي يربط الواقع بالحلم عبر برزخ الذكريات لأن البشر يستثمرون بانتظام قدرا كبيرا من الوقت والطاقة لإنتاج ما يمكن تسميته اصطلاحا تخييلات جمعية أو خداعات عن طريق النشاط الشعائري .[7]فما بالك بالشاعر أثناء لحظة التجلي الصاعقة أين يصبح كائنا شعوريا شفيفا محلقا يختصر الواقع مختزلا وقائعه وأحداثه وتاريخه في خطابه الشعري كمنظومة لغوية فكرية شعورية متداخلة يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي بالجمالي بالدلالي لتتحول الهوية إلى علاقات داخل النص ترتبط بالمكان ، وبالتالي فإن الرمز المصطنع الذي نعيشه من خلال الصورة واللغة لا يحجب الواقع المرير داخل النص بل حل بنفسه مكان الواقع مدمرا ثنائية الدال والمدلول .[8] وبالتالي نجدالشاعر يكرر الفعل أطلق ليحرر راهنه من كل قيد مما يعكس تذمره الشديد من هذا الواقع المحاصر للهوية مكررا أطلق نشيدك أطلق شموسك والجبين أنت الفلسطيني أنت أيها الراسخ في ثرى هويته أنت الأعلى رغمالحصار التهويدي القاسي وحصار الأشقاء أيضا أنت أعلى من السجان والقضبان لأنك أنت جذر الهوية الراسخ في المكان كما الزمان، فالتخييل : أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه أو نظامه ، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها أو تصور شيءٍآخرَ بها انفعالا من روية إلى جهة من الانقباض والانبساط.[9] فقوة التخييل في هذا النص تنقل المتلقي إلى فضاءات مكانية متجاورة لأن العلاقات العلاقات المكانية تكون مسيطرة في الإشارات المرئية للغة المكتوبة كوسيلة اتصال مرئية.[10]تعكس دائما تلك الارتباطات الهوياتية بالمكان الوطن كحقيقة أراد الشاعر ترسيخها تاركا أثرها الانتمائي الجلي في ذات المتلقي من خلال لغة شعرية لم تسقط في فخ المباشرة بل كانت لغة شعورية محلقة تعتمد على الاختزال. أنتَ الفلسطينيُّ يا رئةَ الزمانِ إلى المطرْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتَ وأنتَ أنتْ .. الأرضْ أنتْ .. والدارُ أنتْ .. والبرتقالْ .. أنتَ السهولُ جميعُها أنتَ الجبالْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ أنتَ المطرْ .. أنتَ الجذورُ وأنتَ في جذعِ الشجرْ .. * * * حيفا يداكْ والكرملُ المجدولُ من شمسٍ هواكْ عكّا تراكْ .. يافا على أشجارها .. شدّتْ خطاكْ .. أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. سرُّ الهوى الملتمِّ في شفة الجليلْ يهفو إليكَ وأنتَ تحتضنُ الخليلْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. سرُّ انتصابِ السنديانْ أنتَ الأصابع حين ينطلقُ الحجرْ .. للسجنِ والسَّجانِ قضبانُ الحديدْ ولكَ النشيدْ .. ولكَ النهاراتُ التي تأتي إليكْ .. من أرضكَ السمراء ِ تأتي من قبضةٍ شدّتْ على خصرِ الحجرْ .. من كلِّ .. لا .. من خيمةٍ من كلِّ دارْ .. من طفلةٍ قبضتْ على حدِّ النهارْ .. دمنا منارْ .. سنظلّ نصرخُ في الطريقِ إلى الطريقِ .. إلى الديارْ للأرضِ إنّا عائدونْ .. إنّا إليكم عائدونْ .. يدنا تشدُّ على الزنادْ .. دمُنا منارْ .. خطواتنا من كلِّ دارْ .. ستهبُّ إنّا عائدونْ .. فلكَ النهارُ لكَ النهارْ .. أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. شجرٌ وميلادٌ .. وأنتْ .. هذا النهارُ إلى النهارْ .. للسجنِ والسجانِ قضبانُ الحديدْ .. ولهم ظلالُ ظلالهمْ .. ليلٌ لهم .. ولهم زوالْ .. أطلقْ جميعَ الأغنياتْ والذكرياتْ الأرضُ لكْ .. والدارُ لكْ .. ولكَ النشيدْ .. أنت الذي فجرتَ في الشجرِ الثمرْ أنت الذي عبّأتَ بالماء المطرْ أنتَ الذي أرّختَ في الأرضِ الجذورْ أنتَ الذي أعطيتَ للزمنِ البذورْ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ .. في زهرةِ الليمونِ أنتْ .. في حبّةِ الزيتونِ أنتْ .. في البرتقالْ .. فليصرخوا .. وليقبعوا خلف الأكاذيبِ القصارْ وليرفعوا سجناً وقضباناً ونارْ .. فإلى زوالْ .. لابدّ أن يأتي النهارْ .. أنتَ الطليقُ .. وأنتَ أنتْ .. في صرخةِ الميلاد أنتْ .. في خطوةِ التاريخ أنتْ .. الشمسُ أنتْ .. الأرضُ أنتْ .. الدارُ أنتْ .. لابدَّ أن يأتي النهارْ .. لابدَّ أن يأتي النهارْ .. أين ظهر المكان بجلاء من خلال هذه المفردات الدالة عليه على غرار ، الأرض ، الدار ،السهول ،الجبال ، أرضك السمراء ، خيمة ، دار ، في الطريق ، إلى الطريق ، إلى الديار ، للأرض ، من كل دار ،الأرض لك ، الدار لك ، أنت الذي أرخت في الأرض الجذور ، الأرض أنت ، الدار أنت ، من خلال متخيلات تعكس هاجس العودة إلى الأرض المغتصبة أين جُسِّدَتْ ظاهرة اللجوء من خلال الخيمة كرمز دال على التيه الفلسطيني وشتاته ، فالارتباط الصوتي بالمكان وبالهوية يتجسد من خلال الدلالات المبثوثة هنا وهناك على شاكلة صوت الجذور ، وإن الأغاني عاليات ، وأطلق نشيدك عاليا ، أنت المواويل التي شدت على خصر الشجر ، أطلق جميع الأغنيات ، ولك النشيد . وهذا من أجل ترسيخ الأنت الفلسطيني كملمح آخر للأنا الشاعرة ، أين وفق الشاعر إبداعيا في توظيف الأنت ليبعد القارئ ويوجهه إلى "الأنت والنحن الفلسطينيين" بعيدا عن الأنا المفرغة من القيمة ، فهذا الأنت ماهو في حقيقة الأمر إلا ذلك الأنا الذكي الذي حوله الشاعر إلى مقطع من نظام رموز ، فالأنا هنا رمز دلالي في صيغة الأنت وانطلاقا من اعتباره دلالة أو إشارة تحيل وضع الناطق "الشاعر"إلى وضع وجودي.[11]حيث بث الشاعر روحه في الأنت والنحن مرسخا المشهد الهوياتي الفلسطيني بحدقة واعية من خلال أنت الجذور وأنت في جذع الشجر ،يافا على أشجارها والبرتقال ، سر انتصاب السنديان ، شجر وميلاد ، أنت الذي فجرت في الشجر الثمر ، لتكون هذه الدلالات الشجرية الخضراء تشكيلا أيقونيا يرسخ البيئة الفلسطينية المتخيلة الخلاصية في النص ، لينبثق الفلسطيني من رحم اللون في دلالة خضراء حية وإيحاءاتها اللونية المختلفة شاقا طريقه الهوياتي من لون البرتقال ولون زهر الليمون ولون حبة الزيتون، ليفاجئنا الشاعر بصورة شعرية تعلو فوق الواقع الحصاري من خلال هذا المقطع الرائع حيفا يداكْ / والكرملُ المجدولُ من شمسٍ هواكْ/ عكّا تراكْ .."يافا على أشجارها شدت خطاك"/ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ../ سرُّ الهوى الملتمِّ في شفة الجليلْ / يهفو إليكَ وأنتَ تحتضنُ الخليلْ ، أنت أيها الفلسطيني أيها الجسد المتوزع على حيفا ، هواكَ الكرمل المجدول من شمس منتظرة آتية لتراك عكا بأسوارها وتاريخها الضارب في العمق يا سر الهوى المتجمع في شفة الجليل أين تنعكس الوحدة التي تحققها دلالة الجبل كعاصم حي أنسنه الشاعر وبث فيه روحه المتوثبة الثائرة التائقة إلى الخلاص المنتظر الموعود ليكون الفلسطيني همزة وصل هوياتي بين جبلين رمزين عكسا الهوية والوحدة في أسمى تجلياتها الدلالية ، لتعود أيها الأنت إلى الوطن السليب ذات حلم ، فللون هنا دلالة بعث الأنا الجمعي الملتحم بالأرض أيما التحام بل النابت فيها راسخا كما الشجر ، فأنت أيها الفلسطيني يارئة الزمان إلى المطر مطر الحرية المنتظر ليحيا الشجر والحجر ، فأنت صوت الهوية رغم موات الضميرين العربي والعالمي، ورغم السجن والسجان ودلالتهما الحصارية الخانقة المؤلمة ، أين جسد هذا المقطع الثائر ثورة العودة التي لن تتحقق إلا بإعداد القوة لمن هجروا عنوة وقسرا من أرضهم : من طفلةٍ قبضتْ على حدِّ النهارْ ../دمنا منارْ ../سنظلّ نصرخُ في الطريقِ إلى الطريقِ ../إلى الديارْ /للأرضِ إنّا عائدونْ ../إنّا إليكم عائدونْ ../يدنا تشدُّ على الزنادْ ../دمُنا منارْ ../خطواتنا من كلِّ دارْ ../ستهبُّ إنّا عائدونْ ..، إلا أن الأمل يبقى حيا في دفقات شعورية تتحدى صراخ الكاذبين القابعين خلف الأكاذيب القصيرة الواهية ، ليقولها لأولئك الرافعين السجنَ والقضبانَ والنارَ صريحة مبينة : "إنكم إلى زوال مهما حاصرتم وخنقتم وضيقتم ، وأرهبتم واغتصبتم وهودتم فأنتم إلى هلاك أيها المزيفون الواهون"، فليس لكم داخل التاريخ مكان مشرق إلا العتمة الحالكة ، لأنكم عين الظلم والبغي والإفساد في الأرض ، وحتما سيأتي النهار الفلسطيني يجر بأجنحته المحلقة ساحبا فجر الحرية وصبحها الانعتاقي الموعود ،فأنت في خطوة التاريخ ستجسد حلم العودة المقدسة إلى التراب المقدس لأنك الشمس والأرض والدار يامن ستجر النهار الخلاصي حتما ، ليتخلل سدف القهر وتبزغ أيها الفلسطيني شمسا سيدة على المكان الأرض على المكان الوطن ، لنخلص في آخر المطاف إلى النصر الموعود الذي بشرنا به ديننا من خلال تناص مضمر بين الحجر الناطق وصوت الشجر في الحديث النبوي الشريف "يوم ينطق الحجر والشجر" جسده هذا السطر الرائع صوريا ودلاليا "أنتَ الأصابع حين ينطلقُ الحجرْ" عاكسا انتفاضة الحجر الفلسطيني وبين السطر الثاني من النص تحديدا في العبارة "صوتُ الجذور.." ، فالحجر كما أنطقته اليد الفلسطينية ليكون مظهرا ثوريا رافضا للظلم والقهر الصهيوني ، سينطق أيضا ذات استشراف نبوئي عزيز معلنا زوال الكيان الظالم إلى الأبد. عادل سلطاني ، 24/10/2012 [1] - أنتوني جيدنز ، علم الاجتماع مع مدخلات عربية ، ترجمة فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2005 ، ص.90. [2] - محمد حسام الدين إسماعيل ، الصورة والجسد دراسات نقدية في الإعلام المعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.23. [3]- جون جوزيف ، اللغة والهوية قومية إثنية دينية ، ترجمة عبد النور خراقي ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد رقم 342 ، الكويت ، الطبعة الأولى 2007 ، ص.286. [4] - حسين خمري ، فضاء المتخيل مقاربات في الرواية ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ،دون ذكر الطبعة والسنة ، ص.ص 43- 44. [5] - غاستون باشلار ، الماء والأحلام دراسة عن الخيال والمادة ، ترجمة علي نجيب إبراهيم ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء - بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى 2007 ، ص.ص.13- 14. [6] - ريجيس دوبري ، حياة الصورة وموتها ، ترجمة فريد الزاهي ، دار أفريقيا الشرق ، دون ذكر البلد وسنة النشر. [7] - روبين دونبار وآخرون ، تطور الثقافة رؤية في ضوء منهج البحوث المتداخلة ، ترجمة شوقي جلال ، المجلس الأعلى للثقافة ، الجزيرة – القاهرة ، الطبعة الأولى 2005 ، ص.ص.137 – 138. [8]- جان بودريار ، المصطنع والاصطناع ، ترجمة جوزيف عبدالله ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء –بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.27. [9]- عبدالله الغذامي ، الخطيئة من البنيوية إلى التشريحية دراسة نقدية لنموذج معاصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الرابعة 1998 ، ص.18. [10]- دانيال تشاندلر ، أسس السيميائية ، ترجمة طلال وهبه ،مركز دراسات الوحدة العربية ،الحمراء ،بيروت– لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.192. [11]- رولان بارث ، النقد البنيوي للحكاية ، ترجمة أنطوان أبو زيد ، منشورات عويدات ، باريس ،الطبعة الأولى 1988 ،ص.18. |
الساعة الآن 18 : 12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية