![]() |
برتقال أبو صرّة
برتقال أبو صرّة
ذهب أبو علي إلى السوق صباح آخر أيام شهر نوفمبر 2012، وضع صناديق البرتقال على البسطة، استعدادًا ليوم عمل جديد، وأخذ يصيح بأعلى صوته "برتقان (برتقال) أبو صرّة يا عالم، والله من يافا، ولكم جربوا برتقان فلسطين، عليّ الجيرة ما في أزكى منه لا في الشرق ولا في الغرب، برتقان يافاوي يا خلق الله، على هون يا برتقان". كان أبو علي في قمّة نشاطه وعشقه لعمله وكان من النادر أن يمتنع عن الخروج إلى السوق للصراخ والتدليل على سلعته بلغة مقبولة ومحببة للجميع. مرّ بالقرب منه كمال أحد شباب الحيّ وقال له ساخرًا "يا أبو علي راحت عليك يا زلمه، ما خلص أبو مازن أعلنها دولة واعترفنا رسميًا بإسرائيل. هذا البرتقان اللي صروعتنا فيه من الصبح إسرائيلي يا حج! باعتراف الأمم المتحدة. دولتنا مقابل دولتهم، راحت يا أبو علي، راحت يافا وحيفا - أبو مازن تنازل عن صفد للأبد. قال بأنها صارت جزء من إسرائيل ويمكن يزورها كسائح، المهمّ صار عندنا دولة وعلم بالنسبة إلو، وإحنا ندّ لإسرائيل في كلّ المحافل، ويمكن نحاكمهم في هاغا يا حج!". فتح أبو علي فمه غير مصدّقًا لما سمعه من كمال وقال مفجوعًا "قول وغيّر يا سامي، شو هالحكي يا ابني؟ يلعن تينك على تين أبو مازن إذا كان كلامك صحيح! ولك هذه يافا يا ولد، بإيدي جبت (أحضرت) شتل البرتقان من يافا مثل ما وصّاني غسان كنفاني، لا يا سامي مستحيل يعملها الرئيس، مستحيل". ثمّ طفق أبو علي بالبكاء، لم يمتلك أعصابه وارتفع صوت جهاشه. أمسك أبو علي بطرف البسطه وقلب ما عليها من البرتقان صارخًا "ولك هذا البرتقان فلسطيني، عليّ الطلاق بالثلاثة فلسطيني". تجمّع أصحاب البسطات المجاورة في محاولة لتهدئة ثورة أبي علي، وقام آخرون بجمع البرتقال المتناثر في الأنحاء وإعادته إلى بسطة الرجل المفجوع. لكن سرعان ما نقلوه إلى المستشفى فقد أصيب بتجلّط دموي إدى إلى فالج، واستدار نصف وجهه إلى الجهة اليمنى، ثمّ تعذّر عليه الكلام والصراخ وممارسة عمله وبيع البرتقال لما تبقّى من حياته. أبو علي أول ضحية مباشرة لإعلان الدولتين، وأول ضحية غير مباشرة لعناد الرئيس محمود عباس. كان أبو علي يتساءل طوال الوقت عن شرعية انتخاب هذا الرجل! وكيف تمكن من البقاء في هذا المنصب طوال هذه الفترة، وإذا ما كان مشروعه السلمي سويًا وقادرًا على مواجهة أطماع اليهود؟. أبو علي كان يضغط على أسنانه هامسًا لأبنائه "بدّي أشوف يافا ولو للحظة واحدة قبل ما أموت واللي يصير يصير". لكن، ما الذي يمكن أن تراه يا أبا علي في هذه المدينة التي تغيّرت كلّ معالمها الشرقية الفلسطينية، وأصبحت مدينة حضارية إسرائيلية بعد استثمار مئات الملايين من الدولارات في تنمية بنيتها يا مسكين؟. من النادر أن يصمت الرجل حين يواجهه الآخرون بهذه الوقائع، وكان يصرخ قائلا بأنّ العرب والفلسطينيين يمتلكون القدرة والإرادة والمال على تحويل الصحراء إلى جنّة. "هذا احتلال يا عالم، وليس لليهود فضل على خيرات فلسطين. برتقان يافا حزين ووحيد." كان يطالب كذلك باستفتاء شعبي يطال كلّ فئات الشعب الفلسطيني وفي الشتات العربي والأجنبي أيضًا، لمعرفة من يريد دولة ومن يريد التنازل عن أراضي الثماني والأربعين، ومن يريد أن يبيع قطعة أرضه؟. لكلّ هذا أصيب أبو علي بجلطة ولم يعد قادرًا على المطالبة بأيّة حقوق ممكنة أو التعبير عن رأيه، في الوقت الذي ارتفع صوت السياسة والتنظير والتأويل الحديث للبقاء والتعامل مع الاحتلال. هذا لا يعني بأنّه لا يوجد هناك آباء علي وسامي وكمال آخرون، قد أصيبوا بداء القهر، لتلحق بهم الجلطة تلو الأخرى، بعد إعلان الدولة أو الدولتين. لم يطل مشوار الحياة بأبي علي، وفارق الحياة بعد أيام، ليدفن كما مئات الالاف من الفلسطينيين في المهجر، بعيدًا عن جذور أشجار البرتقال. |
رد: برتقال أبو صرّة
ياحسرتي على أبو علي الذي لم يحتمل وكان ضحية سريعة لإعلان عباس عن دولته الجديدة فأصيب بالجلطة ومن بعدها الوفاة لأنه عاش طول حياته وهو يحلم بالعودة إلى يافا مدينته الخالدة في نفسه وروحه وقلبه , وستتوالى الضحايا لهذا الإعلان , فكيف أُصدق أو أرضى أنا الصفدية (والتي لم ترى صفد يوماً) أن يتنازل عنها ابنها محمود عباس ويقول أنها جزء من (دولة إسرائيل) , فإن لم تصبني الجلطة القلبية أو الدماغية فأنا متأكدة أنني سأموت قهراً من ذلك . لكن , ورغماً عن من يريد أو لا يريد فلن نتنازل عنكِ ياصفد ويا حيفا ويايافا وطبرية ووووو ولن نفرط بشبر واحد من فلسطين كل فلسطين , وسنعيد رفاتك ياأبا علي لنضعه في يافا وتحت أشجار البرتقال اليافاوي . أشكرك من القلب أستاذ خيري حمدان على هذه القصة الرائعة والمعبّرة عما يدور في خاطر كل فلسطيني وطني حر ولا يمكن أن يتنازل عن وطنه وأرضه . مودتي وتقديري . |
رد: برتقال أبو صرّة
ملايين العرب الذين تبنوا القضية الفلسطينية واعتبروها قضية عربية وواجب على كل عربي الدفاع عنها وحملها في جميع المحافل الدولية .. قد اصابتهم الجلطات الدماغية والقلبية وحتى النفسية من هذا الانقسام وهذه التضحية بارض ومدن هي ملكنا وليست ملك هذا المحتل اليهودي والصهيوني .. كل ذلك باسم السياسة والمصالح السياسية ..
واين مصلحة الشعب والوطن ؟؟ استاذ خيري حمدان .. تحية لقلمك المبدع ودمت بخير وعافية :) |
رد: برتقال أبو صرّة
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]احترنا وتهنا في هذا الواقع أستاذ خيري. يوما بعد الإعلان الأممي سأل صحافي الوزير الأول الهولندي إن كانوا بعثوا برقية تهنئة للرئيس الفلسطيني فقال أنهم لم يفعلوا لأنهم غير مقتنعين بجدوى خطوة كهذه وبأنها ستعرقل مسار المفاوضات و...ولم أستطع أن أواصل الاستماع لاستهجاني للمنطق الذي يتحدث به.
إن المنطق السائد غريب والمتناقضات تملأ العالم و الطريقة التي يسير بها. فنرى مناطق لا تخرج من وضعها المنكوب ودولا تحشر نفسها متجاوزة كل خطوط الطول والعرض لحماية مصالحها ومحمياتها على حساب الإنسان الآخر ومصالحه... داءا القهر و الإحباط ربما أيضا عصارة مؤامرة كي يستسلم الفلسطيني لواقعه المرير لكن مع ذلك نراه لازال يقول لا ويراهن على الغد الأجمل و الحافل بالأمل وإن تراجع من تراجع. تحيتي لك وتقديري لقلمك الذي جاد بهذه القصة الفلسطينية بامتياز.[/align][/cell][/table1][/align] |
رد: برتقال أبو صرّة
اقتباس:
أعتقد بأن حجم المعاناة الفلسطينية كبير للغاية، لدرجة أن كافة الانتصارات التي يراها البعض كذلك تبدو ضئيلة. رفع التمثيل حقق المزيد من الشرعية على الوضع الفلسطيني بشكل عام، لكنه أدى لتنازل مباشر عن جزء كبير من هذا الوطن، لذا كان حريًا بهذه السلطة أن تجري استفتاء شاملا لمعرفة رأي فئات الشعب الفلسطيني. شكرًا لك وعلى درب فلسطين نلتقي دائمًا. |
رد: برتقال أبو صرّة
اقتباس:
أعتقد بأن هذه القضية ستبقى محور النزاع وهمًا عربيًا وإسلاميًا لعقود طويلة من الزمن، خاصة وأن هذا المحتل لا يرضى بكلّ هذه التنازلات، ويحاول جاهدًا حرمان الفلسطينيين من أقلّ الحقوق الإنسانية الممكنة. شكرًا لقلمك الوطني، دمت بخير |
رد: برتقال أبو صرّة
اقتباس:
ندرك موقف هولندا المناصر دائمًا لإسرائيل لضعف الضغط الرسمي العربي، ونجاح "إسرائيل" بالإبقاء على حضورها القوي في هذه الدولة. لا شكّ بأن هذه الخطوة اعترافًا باسم فلسطين على الخارطة الفلسطينية، لكن كان من الأفضل إجراء استفتاء لمعرفة رأي فئات الشعب الفلسطيني، والوقوف على الثمن الحقيقي لهذا الخيار، كما هو الحال في المجتمعات التقدمية. شكرًا لحضورك. دمت بخير. |
رد: برتقال أبو صرّة
والله كرمال أبو علي، سننتظر الانتخابات القادمة على أحر من الجمر
وسنسقط من أسقط البرتقال وبعدها سنرميه بالبرتقال حتى يعود إلى رشده! أستاذ خيري حمدان قصة جميلة ومعبرة وحزينة في ذات الوقت مؤلم جدا نحن في غزة نشرب الماء مالحاً صدقني أحيانا أغسل وجهي بالماء فاصاب باحمرار شديد في العينيين والاحتلال يسرق الماء من على حدود القطاع ويستمتع بخيراتنا وأشجارنا وعيوننا وبحرنا ونحن محاصرون في بقعة صغيرة بأعداد كبيرة تنتظر المعونات من الأجنبي! لكن الآن المعادلة تغيرت ومعركة التحرير ستستمر حتى إسقاط هذا الكيان المسخ شكرا لك مرة أخرى مودتي وتقديري لك |
رد: برتقال أبو صرّة
اقتباس:
أعتقد بأن الكثيرين بقوا مهووسون بسحر اللحظة، لكنهم نسوا أو تناسوا الأثر الذي سيتركه مثل هذا القرار على الواقع الفلسطيني، بعد أن تحولت جماهيره إلى طوابير من الموظفين الذين لا يملكون القدرة على التفكير أبعد من الراتب الشهري إلا من رحم ربي. للأسف هذا واقعنا المرير وسنعيشه حتى تحين لحظة التغيير. شكرا لحضورك ودام قلمك. |
رد: برتقال أبو صرّة
ربما أبو علي مات بالجلطة لكنه على الأقل مات شريفا بطلا رافضا للذل والقهر على عكس أولئك الذين سيموتون ويتعفننون وإالى مزابل التاريخ مثواهم الأخير سأذكر أنا وأنت وكل من أحب يافا يوما وبرتقالها أبو علي أما هم فسيلعنهم اللاعنون أبد الدهر عجيب بعد أيام على انتصار المقاومة التي أثبتت أنها قادرة على وزن المعادلة يأتي هذا الإعلان اللا مسؤوول والمتخاذل لكن ماذا نتوقع ممن امتهن طريق المفاوضات والمهاترات العبثية أستاذي قصتك جاءت ع الجرح كأروع مايكون أشكرك ولك التقدير |
الساعة الآن 34 : 05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية