منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   قسم الوفاء (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=24769)

وسام أحمد 23 / 01 / 2013 47 : 08 PM

قسم الوفاء
 
[align=justify]تعالى صوت الانفجارات مدويا يكتم آخر صيحات الأطفال وعويل الثكالى ,فلا يبقى غير ذاك الغبار المتصاعد مع دخان أسود جعل النهار مكفهرا حالكا
وصفير سيارات الإسعاف ينبئ بتزايد أعداد الشهداء.
بجوار الحائط المتهالك جلس صبي بعينين دامعتين ورأس مرفوع يستعيد تلك اللحظات الأخيرة ...
****
تحت لهيب الشمس المحرقة تتوالى ضربات أبو عدنان بفأسه على تراب الأرض المعبقة برائحة الطين,يصنع قنوات ممتدة على طولها يوصل الماء إليها,
يزرعها بالحُبِّ يعتني بها كطفل مدلل كيف لا وهي أمله برزق وارف لمهجة قلبه ونور عيونه يطعمهم من خيراتها ويربيهم على عشقها...
فكم ارتوت من دماء الأجداد يتعهدها حتى يتسلمها أبنائه , باقين على عهدهم الأزلي جيلا بعد جيل , يمسح حبات العرق المتدلي كحبات لؤلؤ بكمّ قميصه يحمل صرته,
يتوجه صوب القرية عائدا مع غروب شمس نهار شاق , بعض ثمار التين من شجرة جده وشيء من صبر الكرمة يحملها بحب في( قفته) ككنز ثمين فوق كتفيه...
يتذكر ابتسامتها مودعة له فجرا لا تنس أبا عدنان وعدك الصغار ببعض الحلوى, فيمر بدكان أبي محمود يختار قليل من عرق السوس وقطعة (حلقوم )
يرمقه أبا محمود بنظرة ساخرة قائلا بتهكم : ( خربانة) معك اليوم .
يصمت أبا عدنان بأسى وقبل أن ينطق يباغته أبو محمود :الحساب كبر يا بو عدنان
فيجيب بصوت مخنوق (لا تقلق القطف قرّب راح أسدد كل العلي وأنت عارف )
يقاطعه مرة أخرى أبو محمود بخبث( ما قلت لك الحل راح أريحكم للأبد وأنعشكم )
يحمر وجه أبو عدنان يشد بقوة قميص أبا محمود من رقبته هذه آخر مرة تذكر هذا الموضوع (ومصاريك راح أسدهم إلك عالـ ...... ) ..
خرج مسرعا من الدكان وقد انتفخت عروقه من شدة الغضب لم يشعر بنفسه إلا وهو يدق باب منزله تفتح له أم عدنان مبتسمة يعطيك العافية هات عنك (القفة)
يلتف الصغار يتنازعون الكيس الصغير منه , يضحك قائلا على مهلكم سأعطي كل واحد حصته..
ثم يدخل غرفته تاركا الصغار يموجون وتتعالى صرخاتهم بين ضحك وتنازع على قطع الحلوى وأم عدنان يكفي أبوكم متعب كفى صراخا ..
تلحق به ما بك عادة تطعم الصغار وتلاعبهم قبل أن تدخل الغرفة ماذا حدث ؟؟
الوغد أبو محمود( إذا بجيب سيرة أختي فاطمة على لسانه مرة ثانية راح أخلص عليه مفكرنا بنتاجر ببناتنا بالفلوس الله يلعن هالحالة يارب ريحنا من هالقرف )..
تربت على كتفه( مأنت عارف أبو محمود ونذالته مش جديدة عليه هالحركات )
(استهدي بالله وقوم الحمام جاهز وبسرعة عشان تتعشى مع الأولاد بدهم يوروك شهداتهم بتفتح النفس )
:- (صحيح !هي الأخبار الحلوة يلا هيني جاي حضري السفرة )

اجتمعوا يتجاذبون أطراف الحديث سعداء بالقليل الذي قسم لهم
وكان عدنان الأكثر حظوة بدعابات الأب وقُبله كيف لا وهو الأذكى والأعلى درجات من بينهم..

فجأة ودون سابق إنذار تعالت الأصوات وأصبح الدخان كثيفا تبعه دوي انفجارات هائلة
تحلق الصغار والدتهم متشبثين بأطراف ثوبها في حين كان يحاول أبو عدنان معرفة ما حدث يتعالى الصراخ قصف عشوائي..
اخرجوا اخرجوا من المنزل عدنان يتبع والده ماذا حصل يا أبي لا تخف بني اذهب عند أمك حتى أتفقد الوضع ..
وما أن فتح طرف الشباك يحاول استكشاف ما يحدث بالخارج وسط عتمة الليل الحالك إلا من وميض الرصاص وتعالي أزيزه في الأجواء
و إذ بسيل من الرصاص يندفع يطرز صدره تتبعها انفجارات تبعثرت الأشلاء في المكان...
إنهم يصيبون كل شيء يتحرك..
****
استفاق الصغير على صوت يناديه يهزه بعنف عدنان قم قم يا بني سينهار الحائط عليك قم معي يا حبيبي
واحتضنه يرفعه وتنهمر الدموع غزيرة بللت وجه الصغير الملطخ بالدماء وآثار الصدمة لم تزل واضحة على ملامحه البريئة..

في المشفى تلقفت الأيدي الصبي : بسرعة من مع هذا الصبي أجاب الرجل أنا جده لم يبقى من العائلة غيره
وسط تعالي الصرخات نريد متبرعون بالدم مئات الحالات الصعبة..
*****
مضت الأيام شب عدنان يافعا مفعما بالقوة والحيوية , ذكاء حاد وملامح متمردة , في كنف جده الطاعن في السن يرعاه لم ينس لحظة واحدة من تلك الليلة
والتي تكررت مرات ومرات فكم من الشهداء ارتقوا وكم من الأطفال شرد والفاعل هو نفسه غادر جبان لا يعرف ميثاقا أو عهدا..
****
عرف عدنان كل الطرق رصدها أيام وأيام
ساعات دخول وخروج الجنود لحظات إقفال البوابات كل شيء يرصده بدقة وحذر
هذه المستوطنة كورم خبيث على مشارف القريه لابد من اجتثاثها فمنذ أن حطت هنا والقرية مرعا لهؤلاء القتلة يعيثون فسادا فلم يسلم حجر أو شجر ..
قد حانت لحظة الصفر استسمح جده سجل شريطه أهداه إلى روح أبويه وإخوته.. جهز عدته سار واثقا بصحبة رفيقيه بهدوء في جنح الظلام يسدل ستره..
يكتم أنفاسه يخترق تقنياتهم يقص أسلاكهم يضع متفجراته في كل مكان يفخخ كل ما طالته يده , ورفيقاه يساندان يتابعان ويحرسان أشار لهم بالانتهاء فانسحبوا بهدوء تسللوا,
وعند آخر مخرج يتنبه أحد الحراس يرشقهم برصاصه يتعالى بعدها أزيز الرصاص يملأ المكان ,يتنبه عدنان مسرعا إلى مؤقت التفجير يدوسه فتحيل الإنفجارات ليل المستوطنة نهار
رفيقه مسجى بدمائه الطاهرة والآخر مصاب عدة إصابات....
ارحل عدنان قد وصلوا ابتعد اتركني لن تقدر على حملي, لا لن أتركك فلقد تعاهدنا على الشهادة معا أو النصر معا ..
ارحل عدنان ارحل..
وبينما هو يجره أصيب عدة إصابات فقد الوعي على إثرها
***
دلو ماء مثلج ينصب فوق رأسه يحاول أن يرى ما حوله لكن ضبابة ثقيلة على عينيه..
رائحة سيجار نتنة وكلام غير مفهوم
يشعر بوخزة تفتق أحد جراحة فينتفض من شدة الألم..
تتعالى ضحكة مجلجلة وصوت مقرف

:- (عامل حالك بطل خبيبي بتفكر بسهولة تفلت راخ تعفن هون )

يرمقه عدنان بنظرة مشمئزة يبصق في وجهه فتتوالى اللكمات عليه تفقده وعيه من جديد..
مرت شهور وعدنان يتنقل بين غرف التحقيق, يسومونه ألوان العذاب بلا رحمة لتدهور حالته دون أدنى نوع من المعاملة الإنسانية ,
حتى أتى يوم المحاكمة معلنا القاضي مؤبدات لا منتهية تقتل أي أمل له بأن يرى الشمس ..

جلس عدنان في الزاوية الضيقة والمعتمة يتتبع بعينيه شعاع ضوء متسلل من ثقب في الجدار عل عينيه تنعمان بشيء من ضوء النهار فلا ينطفئ نورهما !
يعود بذكرياته لكل لحظة قضاها من عمره جده وكفاحه ليتعلم نشأته في بين رفاق المسجد حفظه لكتاب الله ,انضمامه لرفاق الجهاد,
تدربه ثم إشرافه على علميات رفقاء دربه وأخيرا تنفيذه لعملية هي الأولى من نوعها..
استنشق الهواء بعمق وأطلقه راض بل وسعيد عما فعله في سني عمره !

مضت الأيام متنقلا بين زنازين العزل تارة وبين رفقاء أسره تارة أخرى يتعهد حفظه بالمراجعة يدرس ما تسنى له من بعض كتب , حتى أكمل الماجستير ..
توالت الأخبار عن أسر ذلك الجندي عمت الفرحة أرجاء المكان وكأن الحياة دبت فيه من جديد وانتعش الأمل في القلوب,
يتبادلون أخبار الصفقة بكل شوق لذلك اليوم, وقد جاء ..
تنشر القوائم يتحقق حلما كان مستحيلا..
يخرج عدنان رافعا رأسه كما كان طيلة عمره يملأ رئتيه بأكسجين الحرية الذي افتقده منذ ربع قرن..
تغمره فرحة عارمة يرفع فوق الأكتاف عاليا
تهاليل النصر وأهازيج الحرية في كل مكان أجواء مفتقدة منذ زمن ,تنتعش كل المدن والقرى ..
يقف قليلا يلتفت ناحية بوابات السجن, يبتسم قائلا هذا عهدي وهذا قسمي ...


2\11\2011[/align]

زياد صيدم 23 / 01 / 2013 25 : 10 PM

رد: قسم الوفاء
 
** الاديبة الثائرة وسام..

قص متكامل فيه ابداع ومن قصص البطولات المستمرة لشعب يقاتل ويقاوم حتى التحرير..تحرير الارض والاسرى جميعا..

باقة من الرياحين

وسام أحمد 24 / 01 / 2013 00 : 02 PM

رد: قسم الوفاء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد صيدم (المشاركة 168518)
** الاديبة الثائرة وسام..

قص متكامل فيه ابداع ومن قصص البطولات المستمرة لشعب يقاتل ويقاوم حتى التحرير..تحرير الارض والاسرى جميعا..

باقة من الرياحين

أستاذ زياد صيدم
الثائرة لقب يشرفني فقلمي إن لم يحمل هما وقضية لا حاجة لي به
أشكرك كثيرا على هذا اللقب الجميل وعلى مرورك الأجمل بقصتي البسيطة
تقديري

مازن شما 24 / 01 / 2013 37 : 02 PM

رد: قسم الوفاء
 
أسعدني مروري

تهاليل النصر وأهازيج الحرية في كل مكان أجواء مفتقدة منذ زمن ,تنتعش كل المدن والقرى ..

تباشير الخير على وطننا باذن الله

وسام أحمد 24 / 01 / 2013 35 : 08 PM

رد: قسم الوفاء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن شما (المشاركة 168608)
أسعدني مروري

تهاليل النصر وأهازيج الحرية في كل مكان أجواء مفتقدة منذ زمن ,تنتعش كل المدن والقرى ..

تباشير الخير على وطننا باذن الله


وأنا بمرورك أسعد
وكل الخير أتمناه لك
ابق بود

ميساء البشيتي 25 / 01 / 2013 19 : 07 PM

رد: قسم الوفاء
 
الرائعة وسام
دائما وحين أقرأ اسمك أعرف أن بانتظاري وجبة دسمة للقراءة
وسام أنت قلم رائع .. قلم مشرف .. قلم نعتز به ونفاخر
قصة جميلة من حيث المعنى والمبنى ويسعدني يا وسام أنك بيننا هنا في نور الأدب
شكرا لك ايتها الرائعة دائما وفي كل ما تقدمينه لنا
دمت ودامت لنا فلسطين الحبيبة

وسام أحمد 26 / 01 / 2013 29 : 01 PM

رد: قسم الوفاء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميساء البشيتي (المشاركة 168791)
الرائعة وسام
دائما وحين أقرأ اسمك أعرف أن بانتظاري وجبة دسمة للقراءة
وسام أنت قلم رائع .. قلم مشرف .. قلم نعتز به ونفاخر
قصة جميلة من حيث المعنى والمبنى ويسعدني يا وسام أنك بيننا هنا في نور الأدب
شكرا لك ايتها الرائعة دائما وفي كل ما تقدمينه لنا
دمت ودامت لنا فلسطين الحبيبة

حقيقة كلماتك هذه رفعت من معنوياتي المحبطة وشهادة أعتز بها كثيرا
لي كل الشرف بأن أكون بين كوكبة رائعة ومتألقة في نور الأدب
سعدت كثيرا بمرورك الكريم
تقديري

فهيم رياض 26 / 01 / 2013 37 : 03 PM

رد: قسم الوفاء
 
قصة تكاد تكون سيناريو لفيلم واقعي
عن نضال شعب وكفاحه تنتقل جدوته
من يد إلى أخرى ومن جيل إلى آخر
بطريقة نقول عنها عندما تعجز عقولنا
عن تفسيرها في الكثير من الحالات أنها
تمت بالصدفة ولكنها في كل الأحوال تنتقل
ولا يعيق طريقها ولا يمنع انتقالها تخويف
أو تجويع أو قتل أو تشريد أو تدمير.
ولكم هو مخطيء من يعتقد أن ذلك يتم
بغرض الإنتقام والثأر، ربما، نعم...إذا
كان للحق المسلوب وللحرية المأسورة .
سلمت وسلم الشعب والأرض اللذين
إليهما تنتمين .

وسام أحمد 27 / 01 / 2013 54 : 01 PM

رد: قسم الوفاء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فهيم رياض (المشاركة 168924)
قصة تكاد تكون سيناريو لفيلم واقعي
عن نضال شعب وكفاحه تنتقل جدوته
من يد إلى أخرى ومن جيل إلى آخر
بطريقة نقول عنها عندما تعجز عقولنا
عن تفسيرها في الكثير من الحالات أنها
تمت بالصدفة ولكنها في كل الأحوال تنتقل
ولا يعيق طريقها ولا يمنع انتقالها تخويف
أو تجويع أو قتل أو تشريد أو تدمير.
ولكم هو مخطيء من يعتقد أن ذلك يتم
بغرض الإنتقام والثأر، ربما، نعم...إذا
كان للحق المسلوب وللحرية المأسورة .
سلمت وسلم الشعب والأرض اللذين
إليهما تنتمين .


أشكر تفاعلك مع قصتي
وبالتأكيد هذه الأرض فيها شعب لايقهر
وسيظل فيها إالى أن يندحر آخر مغتصب عنها
تقديري لمرورك الجميل


الساعة الآن 00 : 02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية