منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   فيض الخاطر على أنغام البوح (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=529)
-   -   صفحات غير مشوشة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=25465)

ميساء البشيتي 22 / 05 / 2013 07 : 03 PM

صفحات غير مشوشة
 
صفحات غير مشوشة
تغيظني هذه الأوراق المستلقية ببرود على كتف الهدوء .. يغيظني هذا الهدوء الحميميُّ الذي يلفُ خاصرتها بأنامل من حرير .. ويطوقها كوشاح ربيعي .. بينما يغلي المداد داخل جوفي ويستعر .
تغيظني هذه الأوراق وهيَّ غارقة في هدوئها .. يغيظني برودها وهيَّ لا تشتعل لحرائقي .. ولا تذوب من حولي كقطع الجمر .
تغيظني هذه السطور حين لا تنتفض لقدومي وتبقى كعروس تتثاءب بكسل صيفيٍّ على هذا البياض .. بينما تقفز الأفكار في رأسي وتتصارع .. فلا تعرف لها مستقراً .. ولا يكترث منها سطر .
يغيظني هذا البياض الفاحش الذي يتحدى بنصاعته جميع ألوان التشويش والتضارب في فكري .. ويتحدى بهدوئه كلَّ التناقضات التي تتنامى من حولي كأشجار العليق والصبر .
يغيظني هذا الصمت الملوكيُّ الذي يتربع على عرش الأمان بينما تتنازعني زوابع التفكير وعواصف التغيير ورياح التهميش التي تتراقص أجسادها الشيطانية وتندفع من حولي كألسنة اللهب .
ورق .. رزمة جامدة من الورق مستلقية على كتف الهدوء تغيظني .. وأنا كتلة متقدة .. جسدٌ حيٌّ .. دم متدفق .. مشاعر جياشة تسكنها روح شفافة ترفرف في صباحات الفرح كفراشات ملونة تحط على أزهار الربيع وجدائل الياسمين وعناقيد العنب .
روح تحلق مع نسائم الصباح الهاربة من سماء الشتات والمنافي نحو آفاق الحرية التي حلمت .. فتسافر وراءها .. تركب أعالي البحار .. تغوص في أعماق المحيطات .. تفتش عنها في رئات الحيتان و تنتزعها من براثن أسماك القرش .
فلماذا تغيظني أنا رزمة ورق ؟
لماذا يغيظني هذا الهدوء الذي تنعم به وتنام مستلقية على جنباته .. بينما أتقلب أنا على فراش من الجمر والحيرة والقلق ؟
لماذا هي بيضاء .. ناصعة البياض .. بينما الألوان في داخلي يطغى عليها لون واحد .. لون كئيب .. لون داكن .. فأرى كل شيء من حولي داكن اللون .. أزهار البنفسج الناعسة داكنة اللون .. السماء الزرقاء الصافية داكنة اللون .. نفوس البشر الجميلة داكنة اللون .. جدائل الياسمين المشرقة داكنة اللون .. همسات العاشقين الدافئة داكنة اللون .. حديث الأزواج المتدفق حيوية داكن اللون .. وعود الآباء الصادقة داكنة اللون .. آفاق الأبناء الواسعة المتسعة داكنة اللون .. الحياة .. هذه الحياة التي نعشقها ونتفانى في عشقها .. داكنة اللون .. أنفاسها داكنة .. خطواتها .. أرصفتها .. وقع أقدامنا عليها .. بداياتها .. نهاياتها .. داكنة اللون .. ولا يمكن تفسيرها .. لا يمكن تتبعها .. ندور معها لكن حول أنفسنا .. لا نبرحها خطوة واحدة .. لا ننطلق منها قيد أنملة .. ولكننا نلهث ونلهث ونلهث كأننا قطعناها ألف مرة ومرة !.
ثم ينتهي بنا الحال إلى ذات اللعبة .. لعبة النوافذ محكمة الإغلاق .. نغلق نافذة داكنة صغيرة ودون أن نشعر نشرع بفتح أخرى أكبر وأكبر .. ظناً منا أننا نرى الطبيعة من خلالها أكثر زهاء .. أكثر خضرة .. أكثر خيراً وأجمل وأنقى .
ما الذي يغيظني في هذه الأوراق البيضاء المستلقية بهدوء .. بينما المداد يغلي بداخلي ويكاد ينفجر ..
لماذا يخافها هذا المداد ويخشى منها أن يقترب .. لماذا يخشاها المداد .. لماذا لا يصبُ جام غضبه عليها وينتحر ؟
لماذا يخاف أن يحرقها بألسنة اللهب المندلعة من جوفه .. لماذا يخاف أن يشوه ملامحها البيضاء النقية .. لماذا يخاف أن يغير خريطة جسدها المسكوبة بعناية التماثيل والتحف ؟
ما الذي يخشاه المداد .. ما الذي يخافه .. ما الذي يمنعه أن يندلق فوق هذا الورق ؟
لماذا يريدها صفحات بيضاء غير مشوشة .. لماذا يريد أن يبقيها بيضاء غير مشوشة ؟
هل ما زال يحتفظ بولعه القديم لهذا الورق ؟
هل أراد أن يبقيها نقية .. بيضاء .. مستلقية كقطة سيامية على كتف الهدوء والأمان دون أن يتسلل إليها مداده المشوش .. فتصبح مشوشة .. مضطربة .. نوتاتها غير متناغمة .. ونغماتها غير متناسقة .. كأفكاره المضطربة التي فقدت تناغمها وتناسقها منذ زمن بعيد .. فأصبحت كهبات الريح في فصل الربيع .. تثير الزوابع لكنها لا تثير أحداً .. لا تهزُّ أحداً .. لا يقرؤها أحد .. ولايبحث في تفسير وجهتها أحد .
ألهذا يريدها صفحات بيضاء .. صفحات غير مشوشة .. ألهذا يحترق المداد ولا يقترب .. ليبقها صفحات بيضاء .. صفحات غير مشوشة ؟!


رشيد الميموني 22 / 05 / 2013 15 : 03 PM

رد: صفحات غير مشوشة
 
العزيزة ميساء ..
هناك بون شاسع بين صفحاتنا البيضاء ومدادنا المتفجر داخلنا ..
تتوهج الكلمات في أعماقنا وتتقد الحروف ، لكنها تستعصي حين نريد سكبها على هذه الصفحات ..
هل هو الخوف من أن تفقد ألوانها حين تتداعى على هذه الصفحات ؟ أم أننا نخشى أن تفقد هذه الأخيرة نصاعتها ؟
أسئلة متناغمة تجيش بها النفس والقلب معها ..
نص باذخ التعابير ممتع بوحه ..
دمت كعادتك متألقة .. سيدة في بوحها .
محبتي .

فاطمة البشر 22 / 05 / 2013 35 : 04 PM

رد: صفحات غير مشوشة
 

كثيراً ما تأبى الحروف داخلنا عن الخروج ، ويستعصي على أقلامنا وصفها ،
فنحتفظ بلهيبها في نفوسنا ، إلى أن تتهيأ ونتهيأ معها للبوح ..
رائعة هي حروفك سيدتي ، راقني نصك كثيراً
ودي ووردي

ميساء البشيتي 28 / 05 / 2013 41 : 07 PM

رد: صفحات غير مشوشة
 
هي كذلك يا رشيد
السواد الذي يجتاح الداخل حالياً لا نريده أن يطغى على المداد
نريدها صفحات بألوان زاهية وهذا السواد لا يلد إلا السواد
لذلك نمنع المداد ونقف في طريقه حتى لا يسيل سواده على الورق
ربما في الغد نثر وروداً ورياحين عوضاً عن كل هذا السواد
رشيد شكرا لك يا أمير ودمت جميلا دائما

ميساء البشيتي 28 / 05 / 2013 42 : 07 PM

رد: صفحات غير مشوشة
 
البوح كالمطر يا غاليتي فطوم لا بد أن تحبل به السماء
وبعدها يأتي المخاض ويكون بوحاً خيراً رقيقاً عذباً بإذن الله
شكرا لك أيتها الجميلة ودمت بكل الخير .

ندى الحسيني 29 / 05 / 2013 55 : 08 AM

رد: صفحات غير مشوشة
 
يا الله ما احلاك وما أحلى بوحك

ميساء البشيتي 29 / 06 / 2013 38 : 07 PM

رد: صفحات غير مشوشة
 
أنت الأحلى أختى ندى
أينك ؟
اشتقنا لطلتك البهية .


الساعة الآن 40 : 06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية