![]() |
نحن نعيش الحرب الصليبية العاشرة!
نحن نعيش الحرب الصليبية العاشرة! بقلم: أحمد بهاء الدين مجلة العربي رقم 213 غشت 1976 · نحن نعيش الآن الحرب الصليبية العاشرة! استنتاج مؤسف، لا يتمكن من يقرأ التاريخ، و من يدرس و يحلل الحاضر من منظور تاريخي، إلا أن يصل إليه..... و أبادر فأقول أن الكاتب إذا كان مضطرا إلى استخدام هذا التعبير الكريه، تعبير "الحروب الصليبية" .. فلأن هذا هو الاسم التاريخي للحروب الصليبية الغابرة، و لأنه فعلا، و عندما بدأت فعلا قبل قرون من غرب أوروبا ضد العالم العربي و الإسلامي، جاءت جيوش الغزو تحت راية الصليب، و بشعار استرداد الأراضي المقدسة من "المسلمين"، و تحت رعاية البابا في روما، و حاكم و رئيس كنيسة الإمبراطورية البيزنطية.... و لكن الصبغة الدينية لهذه الحروب، كانت تقل مع الزمن و يبرز من خلفها جوهرها الحقيقي، و هو بداية تحرك أوروبا إلى الاستعمار و الاستغلال الاقتصادي، و تنافس ملوكها و أمرائها في هذا المجال.. و لا نحتاج إلى الغوص وراء أدلة كثيرة قد تحرفنا عن جوهر هذا الحديث، و لكن يكفي أن نحتكم إلى مرجع غربي واحد، دقيق، يزن الكلمة و السطر، و لا يهتم بالتحيز للعرب و الإسلام، بل العكس، و هو " الانسيكلوبيديا بريتانيكا"، أو دائرة المعارف البريطانية... فهي في مفتتح حديثها عن الحروب الصليبية تقول أن السبب الأول هو اضطراب الأمن في الأناضول (تركيا) مما كان يزعج قوافل الحجاج الأوروبيين الذاهبين إلى القدس، و كان الأناضول في ذلك الوقت، القرن الحادي عشر، محل صراع بين الأتراك و البيزنطيين. و السبب الثاني، و الأساسي، الذي تشرحه الانسيكلوبيديا هو أن أوروبا بعد أن انتهت من حروبها مع القبائل الغازية – المجيار و الفايكنجز و غيرهم، و بعد أن تمت مسيحيتها، انتعشت فيها التجارة، و زادت حركة المال، و كان لا بد من مجال "لإطلاق القوة الزائدة في غرب أوروبا من عقالها" تعبير مهذب عن الاتجاه إلى الخارج، وراء المستعمرات. الدليل الثاني ما نجده في صفحات تاريخ الحروب الصليبية من صراع بين ملوك وأمراء أوروبا الغزاة، لا على القدس وكنيسة القيامة كما زعموا، لكن على اقتسام أجزاء واسعة من المشرق العربي الإسلامي، صراع تضاءلت إلى جانبه الرغبة في تحرير القدس و غيرها من الأماكن المقدسة... و الدليل الثالث أنهم حين دخلوا القدس مثلا ذبحوا "المسلمين و اليهود" كما تقول دائرة المعارف البريطانية أيضا. و نضيف إلى ذلك أنهم حرموا على اليهود سكنى القدس حتى حررها صلاح الدين الأيوبي بعد ما يقرب من مائة سنة. و الأهم من ذلك قول دائرة المعارف البريطانية أن المسيحيين الأرثوذكس الشرقيين اشتركوا في مقاومة الغزو الأوروبي البيزنطي المشترك، و رفضوا الخضوع لهذه الكنيسة أو تلك، و حين سقطت إمبراطورية بيزنطة كلها "قبل المسيحيون الشرقيون حكم المسلمين". و تعرف دائرة المعارف البريطانية في تحليلها لنتائج الحروب الصليبية كلها – الحملات الثمانية خلال خمسة قرون– بأن المشرق العربي الإسلامي لم يكن يعرف التعصب ضد أي دين قط، قبل أن تداهمه أوروبا بهذه الحروب، و أن الحروب الصليبية، و تنكيلها الوحشي بالمسلمين و اليهود و أحيانا بالمسيحيين العرب، هي التي تسببت في حالات الاضطهاد الديني بعد ذلك، كنوع من رد الفعل. فأوروبا سعيا وراء مصالحها المادية، هي التي صدرت إلى بعض بلاد المشرق بعض صور التعصب الديني، الذي كانت أوروبا تتوسل به كأسلوب لتبريد السيطرة و النفوذ. و أيضا، و في تحليل دائرة المعارف البريطانية لأثار كل هذه الحروب الصليبية طوال قرون، تقول أن أوروبا أخذت عن العالم الإسلامي الكثير من العلوم و الفنون و الصناعات التي كانت تجهلها، وحملت إلى أوروبا البضائع الشرقية و النظم الغريبة عليهم على السواء. و ازدهرت التجارة و الملاحة عبر البحر الأبيض، ثم يقول نفس المصدر أن أوروبا لم تقدم للشرق العربي الإسلامي أي شيء له قيمة حضارية، لأن أوروبا ذلك العصر لم يكن لديها ما تقدمه! و أن كثيرين من الأمراء الذين جاءوا معتقدين أن المسلمين برابرة متخلفون، دهشوا حين وجدوا أن لديهم كل هذه المظاهر للحضارة و التقدم و النظم التي لا تعرفها أوروبا! المهم نعود إلى ما أسلفت ذكره من أن اهتمام أوروبا بالاحتفاظ بالقدس – وهو حجة الحروب الصليبية كلها- تضاءل إزاء اهتمامها باستعمار المشرق، بدليل أن كثيرا من الحملات –أو معظمها- استهدف إقامة ما يسمى "دولا لاتينية" في المشرق، فاهتموا بغزو أنطاكية، و حلب، و الموصل في العراق، و دمشق، بل و حين وجدوا أن مصر تلعب دورا في مساندة المشرق، شنت بعض الحملات الصليبية، بقصد الاستيلاء على الدلتا و الوصول إلى القاهرة. و في إحدى الحملات تحالفوا مع المغول –الوثنيين- ليحصروا المنطقة العربية الإسلامية من المشرق والغرب. و اهتم المغول بعد ذلك –لأسباب خاصة بهم- بالاندفاع من أجل اكتساح العالم العربي الإسلامي، فدمروا بغداد، و دخلوا دمشق، حتى تجمعت كلمة العرب المسلمين و هزموهم في الموقعة التي غيرت وجه التاريخ.. "عين جالوت"، بالقرب من مدينة الناصرة الفلسطينية الآن. و كان قائد المغول في تلك المعركة قائدا أوروبيا مسيحيا بعثه الأوروبيون إلى المغول ليحسن قيادتهم! كانت أوروبا في ذلك الوقت تقلل من حروبها الدينية الداخلية، و خلافاتها، و تزداد قوة، و تتجه إلى الخارج... و كان العالم العربي الإسلامي على العكس، قد وصل إلى قمة الحضارة، و لكنه بدأ مرحلة التفكك و الخلافات الإقليمية والصراعات... و لهذا فكرت أوروبا في هدفها الذي لم يتغير من وقتها: غزو الشرق أو في القليل إقامة دويلات أوروبية فيه، منها تتحكم في بقية تلك المنطقة الإستراتيجية، الغنية، القريبة منها.. و في سنة 1087، احتل أهل "جنوا" الإيطالية مدينة "المهدية" في تونس... و في سنة 1091، طرد الأوروبيون المسلمين العرب منة جزيرة صقلية... "مد" أوروبي متصل.. و "جزر" عربي إسلامي.. و تأمل التسلسل التاريخي الذي أسلفت ذكره... و قد كان طبيعيا، بعد ذلك أن تبدأ أول "حملة صليبية" بغزو قلب الشرق كله، سنة 1095 ميلادية! لقد استقر في كتب التاريخ كلها، أن الحروب أو الحملات الصليبية في التاريخ، عددها ثماني... و ليس هذا مجال التاريخ لهذه الحروب الطويلة المعقدة المتشابكة، و لكن ربما لم يكن هناك مفر من سرد الحروب الثماني، سردا يوحي لنا بالعبرة فقط، و لكي نصل إلى الإضافات التي توضح أننا نعيش الحرب العاشرة. و سوف نلمح من هذا السرد كيف أن الأغراض الدنيوية كانت فيها الأقوى من الأغراض الدينية، كما سوف نلمح أن هزائم العرب كانت مرهونة بخلافاتهم، و أن انتصاراتهم كانت تتوقف على تضامنهم. يتبع... |
رد: نحن نعيش الحرب الصليبية العاشرة!
الأخت العزيزة الأستاذة ليلى مرجان أشكرك جزيل الشكر على نقل هذا الموضوع الهام والمهم , وخلاصته أن هزائم العرب كانت مرهونة بخلافاتهم، و أن انتصاراتهم كانت تتوقف على تضامنهم. بانتظار القسم الثاني , تقبلي كل المودة والتقدير . |
رد: نحن نعيش الحرب الصليبية العاشرة!
سيدتي أ. بوران شما سعدت كثيرا بمروركم الطيب هذا الموضوع أثار انتباهي و ارتأيت أن أنقله للإستفادة نعم هزائم العرب كانت مرهونة بخلافاتهم و هي خلافات لا تنتهي حتى على المستوى المصغر للمجتمعات العربية لأننا مع كامل الأسف لا نتقن إلا لعبة الخلاف فيما بيننا والتي يستفيد منها الآخر ونحسب أننا نحسن صنعا و نزهو بانتصارنا الضيق الحدود حبذا لو أننا نعي ونستوعب سبب ما آل إليه العرب و نعيد قراءة التاريخ و نستفيد من الهفوات التي أطاحت بأمتنا العربية فالشعوب المتقدمة لم تصل إلى ما هي عليه إلا بعد مرور سنين عديدة لك أ. كل التقدير و الإحترام |
الساعة الآن 14 : 01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية