![]() |
على شفا رحيل
على شفا رحيل
كأنّي بي أمضي نحو الرحيل ثانية، أراقص عقارب الساعة علّها تسمع دعواتي، علّها تسرع ببطء أو تقفز إلى الخلف. كأنّي بي أسافر نحو العدم، فإذا بالشرق يفتح ذراعيه، يأخذني بحضنه، يشدّني نحو الهاوية لينقذني من عبثية الترحال. كأنّي بي أعود إلى مسقط رأسي فإذا بآخرين قد احتلوا ما تبقّى من تفاصيل حياتي وعلاماتي الفارقة. نسيت مفتاح بيتي عند أوّل السلم، لم أفاجا حين أخبروني بأنّ درجات السلّم تفوق الألف، فهل أملك اليوم القدرة على الهبوط والصعود ثانية قبل انقطاع الوصل؟ كأنّي بي قد سقطت سهوًا في بئر بلا قاع، لم أجد مستقرًا في عمقه. سقطت في الهاوية حتّى بلغت شفا قبر تعثرت به، سألت عن صاحبه؟ قالوا سئم انتظار الموت فذهب يبحث عن رصاصة أو حبل مشنقة، لكنّه عاد صفر اليدين. قال بأنّه شهد الكثير من المجازر والمحارق الجماعية، واستعصى عليه الموت ليشهد نهايات القهر ثمّ استلقى في الحفرة يبكي. أشفقه ملاكُ الموت، قبّل جبينه وأغمض عينيه وانتزع امانة الرحمن ومضى بعيدًا في السموات. لم يبقَ في البئر سوى ذكرى مياه عذبة، جفّت قبل عقد من الزمان. توقّفت حسناوات الحيّ عن الاستحمام في مياهها، توقّفت قوافل العشق عن المرور في مضاربنا، غيّرت وجهتها نحو الشمال، لا ماء في الجنوب صاح قائد القافلة ناظرًا إلى الغيوم المتلبدة في الأفق، شرب حتى الثمالة فأضاع طريق العودة نحو الجنوب. نسي سمرة وجهه وارتدى سترة صوفية ثمّ رمى البدويّ عباءته المطرّزة بخيوط الذهب ليس بعيدًا عن مضاربنا. بكى قائد القافلة حين سمع من بعيد صوت العتابا لكن الوقت قد فات ولا عودة إلى الجنوب، فالطرق مزروعة بأسئلة وجودية تتعذّر الإجابات عنها – كأنّي بي. |
رد: على شفا رحيل
وكأني بي أرى واقعنا بتفاصيله في كلماتك ، لا مفر ولا ملجأ ! بوح جميل واقعي لامس ما نشعر به ... دمت متألقاً أ. خيري حمدان ودي ووردي |
رد: على شفا رحيل
الغالي خيري ..
تلامس الواقع بريشة الأديب الفنان .. فيأتي بوحك عذبا رغم ما يحويه من مرارة . أهرع كلما بدر في الأفق ما يشي ببزوغ حرفك . محبتي لك . |
رد: على شفا رحيل
اقتباس:
هاجس الهجرة هذا ذو أبعاد عميقة لا يمكن سبر أغوارها بسهولة ويسر، لكنّه قدرنا ونقبل به ولا نملك عنه بديلا. أشكر حضورك الراقي وقراءتك الأدبية وتقييمك الراقي. خالص المودة. |
رد: على شفا رحيل
اقتباس:
كم كان بودّي أن يكون هذا الواقع مختلفًا لينضح القلم بعض العسل بدلا من كلّ هذا الكمد. أشكرك وأتوق دومًا لحضورك وقراءتك. دمت بمحبة. |
رد: على شفا رحيل
إن لم يكن أمامنا خيار .. الموت أم الرحيل ؟
فسنرحل.. فالحياة تستحق أن تعاش .. لكن ليس تحت نعال الآخرين .. لا بد أن يكون في هذه الكرة الأرضية مكان واحد يحيا فيه الإنسان بكرامة .. شكرا لك أستاذ خيري على هذا النص الرائع ودمت بخير دائما . |
رد: على شفا رحيل
اقتباس:
يبدو بأنّنا آخر من تبقّى من فرسان في زمن العبودية. إذا لم نتمكن من ممارسة الحياة بكرامة فعلينا أن نترجل. تُرى ما هو العدد المتوقع للترجل كي يحصل عالمنا العربي على الحدّالأدنى من الكرامة والكرامات؟ شكرًا لحضورك، خالص المودّة. |
رد: على شفا رحيل
اقتباس:
أعجبني هذا المقطع من البوح , شكراً لك أخي أ. خيري , دم بخير و صحة . |
رد: على شفا رحيل
اقتباس:
خالص الشكر على تفاعلك مع النص، كلّ الاعتزاز بتقييمك الرفيع. مودّتي |
الساعة الآن 21 : 09 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية